• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 88 : 89 )

تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 88 : 89 )
الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/8/2013 ميلادي - 24/9/1434 هجري

الزيارات: 8303

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير القرآن الحكيم

سورة الحجر ( الآيات 88 : 89 )


قول الله - تعالى ذِكْره -: ﴿ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ﴾ [الحجر: 88 - 89].

 

"مَدُّ الشيء" الزِّيادة فيه من جِنْسه، فمدُّ الحبل: جَرُّه وإطالته، ومدُّ الدواة: زيادتها حِبْرًا، ومدُّ البحر: زيادة مائه، ومد اليد: بَسْطُها، كأنَّها طالَتْ بالبَسْط، ومدُّ الجيش: ضمُّ جندٍ آخرين مثله في القوة والعُدُّة إليه، وفي "لسان العرب": إنَّما يكون المَدُّ في كلِّ شيءٍ تبقَّى فيه سعَةُ الْمَد، والمادة: الزيادة المتَّصِلة، وكلُّ شيء يكون مددًا بغيره، ومدَّ الله الأرض يَمُدُّها: بسَطَها وسوَّاها، ومدَدْت الأرض: إذا زدْتَها من التُّراب والسماد ما يجعلها أخصبَ وأكثر ريعًا لِزَرعها، وفي حديث الحوض: ((يَغُتُّ فيه ميزابان يَمُدَّانه من الجنَّة))[1]، وفي حديث عمر: ((العرب مادَّة الإسلام))؛ أيِ: الذين يُعينونهم ويكثِّرون جيوشهم، ومدَّ الله في عمرِك: جعل له مدَّة طويلة، وامتد السَّيْر: طال.

 

فمدُّ العين: طموحُ بصَرِها، وزيادة نظَرِها بإطالة التَّحديق والتأمُّل في المنظور؛ للإحاطةِ به من جميع جوانبه؛ لتعريف مزاياه وخصائصه، ولا يصدر ذلك إلاَّ عن حركة اشتهاء واستحسانٍ للشيء المنظور تَدْفع إلى استجلاء الشيء المشتَهَى واستكشافه، فترسل النَّفْسُ رائدَها من الحاسَّة المُعَدَّة لذلك الاستكشاف، ولا تزال النَّفْس تُحرِّك تلك الحاسة وتبعثها مرَّة ومرة، حتَّى تُشْبِع رغبتَها، وتقضي شهوتَها من ذلك الشَّيء المستحسَن المشتَهى لها، وقد يكون رائدُ النَّفس لذلك: الأذن تَسْمع، واليد ونحوها تلمس، والأنف يشَمُّ، والفم يَذُوق، لكن الله عبَّر بِالعَيْن هنا؛ لأنَّها أقوى وأبرز رائدٍ للنَّفس، وتأديتها إليها أبلغ وأوسع دائرة في الإحاطة من بقية الحواسِّ، وهيَ مع ذلك أصدق عنوان على ما تنطوي عليه النَّفس من نوازع الحُبِّ والكره، والرِّضا والسخط، والصفاء بالسلامة والطُّهر والسماحة، والإظلام بالغِلِّ والحقد والغَبْن والحسد، ومِن ثَمَّ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((العين حق))[2]؛ يعني: إن كذب اللِّسان، فاعرف الحق من العين بما تميز عنه.

 

وللنَّفْس حركة بدائيَّة فطريَّة، ناشئة عن حاجتها الطبيعيَّة لتعرف طريق سَيْرِها في سبُل الحياة، وما يكتنفها ويقوم من عقبات، وما تزدَحِم به وتصطخب من كثرة السَّاعين، فبِهَذه الحركة الفطريَّة البدائية تبعث النَّفسُ العيْنَ وأخواتِها من الرُّواد للاستكشاف والتمهيد، فتأخذ النَّفْس مما أدى إليها الرُّوادُ مادَّةً جديدة للانفعال والتحرُّك حركات اختياريَّة، إمَّا أن تندفع بِها في صراط الله المستقيم، إذا هيَ احتفظَتْ بإنسانيَّتِها ومعناها الكريمِ المميِّز المتأمِّل العاقِلِ عن ربِّه العليم الحكيم، فتأخذ كلَّ أمْرِها وكلَّ ما آتاها ربُّها بِحَزْم وقوَّة، وتَحْرص دائمًا على أن تغذَّى بالتأمُّل والتفكير في آيات الله وسنَّتِه الكونية، وبالتدبُّر الصَّادق لآياته العلميَّة: فعرفَتْ من ذلك الحقِّ الذي خلق الله به السَّموات والأرض وما فيهما لربِّها نِعَمَه وإحسانه، وذهبَتْ تَمْشي آمِنةً مطمئِنَّة على هُدًى وبصيرة، في تقْوى وحذَرٍ من وساوس الشيطان ونزغاته وحِزْبه حتَّى تبلغ غايتها في كلِّ شأن من شؤون هذه الحياة، ثم تبلغ غايتها الأخيرة، وترجع إلى ربِّها راضية مرضية، فتدخل جنته، وإمَّا أن تندفع بهيمةً من الأنعام، منسَلِخة من آياته ونعمِه، غافلة ساهيةً لاهية، جاهلة عمياءَ صمَّاء بكماء، مَخْدوعة مغرورة، فيتلقَّفها عدوُّها، ويَمْتطيها إلى كلِّ إساءةٍ وشرٍّ وفساد، من شِرْك ووثنيَّة، وفسوقٍ وعصيان، وبغْي وظلم، فلا يخطو بها خطوة إلاَّ كانت في حال وصفاتٍ أسوأَ مِن الَّتِي قبلها: سفهًا وجهلاً، وإساءةً وغيًّا، وعمًى وصممًا وبكمًا، فتكون في نكدٍ دائم، وشقاءٍ لازم، ومَهانة وصَغار لا يُفارقها، ويكون كلُّ أمرها فرُطًا، حتَّى تخرج من هذه الحياة الغافلة اللاَّهية إلى الحياة الأخرى، وقد انكشف عنها أغطية الغَفْلة والسَّفاهة والغرور، فذهبت تتلفَّت حولَها تتطلَّب الأولياء والأنصار، وتبحث عمَّا عَمِلَت من أعمال، فوجدَتِ اللهَ عندها، وقد جعل ما عمِلَتْ هباءً منثورًا؛ لأنَّه على غير الرشد والهدى، فوفَّاها حسابَها بالحقِّ لا بالأمانِيِّ الكاذبة، وضلَّ عنها ما كانت تَزْعُم من أولياءَ وشُيوخ وسادة، ولَم تجد لَها من دون الله وليًّا ولا نصيرًا.

 

و"المتاع" الأصل فيه: ما تستلِذُّه النَّفْس وتنتفع وتتبلَّغ به، والفناء يأتي عليه، فلا بقاء له ولا دوام، ومن ثَمَّ سَمَّى الله الحياة الدُّنيا كلَّها بما فيها متاعًا، وسَمَّى ما في الآخرة "نعيمًا"، إنَّه تلذُّذ دائم، وراحة لا نصبَ فيها، ورضوانٌ لا سخط معه؛ ذلك بأنَّ الدُّنيا جعَلَها العليمُ الحكيم للابتلاء والمِحْنة، فمن عرَفها كذلك، وعرف أنَّ كلَّ شيءٍ فيها فتنة، وأنَّ هذه حقيقةٌ ثابتة بِتَكوين الربِّ لا يستطيع إنسانٌ ولا جماعة ولا أُمَّة ولا الناسُ جميعًا أنْ يُبدلوا شيئًا عن هذه الحقيقة الثابتة، وجابَهَ الحياةَ بكلِّ شيء فيها كذلك، راضيًا عن ربِّه، وعن عدْلِه وحكمته ورَحْمته، متحرِّيًا بأتَمِّ يقظَتِه أن يعرف نِعَمَ الله وآياتِه على حقيقتها المشرِقة الحكيمة، ويُحْسن الانتفاع بِها على ما يَرضى ربُّه الذي أعطاه إيَّاها خيرًا وحسنة ليربِّيه بِها، وكلَّما فرغ من واحدةٍ رجع يُحاسب نفسه: هل نسيَ جانبًا من جوانب حُسْنِها، فأساء في وضعه غيْرَ موضعه؟ فيبحث عن سبب هذه الغفلة والنسيان، فيجده من جهله ورعونتِه وتعجُّلِه، فيرجع لائمًا نفْسَه، متضرِّعًا إلى ربِّه، سائلاً منه المعونة والتسديد، وهكذا يكون في كلِّ شأنه: في مَتْجَرِه، في مزرعته، في بيته، في مسجده، فإنْ في كلِّ ذلك طاعة وعصيانًا، وتقوى وفسوقًا، وكفرًا وإيمانًا، وإسلامًا وتَمرُّدًا، فإذا استقام على ذلك، وأخذ سبيل الحياة متَّبِعًا ما أُوحيَ إليه من ربِّه، معتمِدًا في كلِّ أمره عليه، واثِقًا به كلَّ الثقة؛ لأنَّه العليم القويُّ، الحكيم الرحيم، جاءه الْمَدَد الدَّائم من الله: هدًى وتثبيتًا، وتأييدًا ونصرًا، حتى يَصِل إلى دار المقامة على مناكب هذه الفِتَن والامتحانات، آمنًا مطمئنًّا فيبلغها بتوفيق الله ومعونته، ويدخل دار السَّلام، ويحطُّ رِحالَه في ظلالها الوارفة، ونعيمها الدَّائم المقيم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].

 

أمَّا مَن عَمِي عن الحقِّ فيما خلق الله، وغفل قلبه عن ذِكْر رحمة ربِّه وحكمته فيما أعطاه، فإنَّه يُعْرِض عن التفكُّر في آيات ربِّه وسُنَنِه الكونيَّة، ويجعل آياتِ الذِّكر الحكيم وراءَه ظهريًّا، فلا يعرف لها مدلولاً ولا معنًى، ولا يفقه منها عقيدة ولا حكمًا، ولا يقدِّر لله نعمة في نفسه، ولا فيما سخَّر له في الأرض والسموات، ولا نعمةً في رسالاته ورسُلِه، فينتكس قلبُه، ويتعفَّن لبُّه، وتفسد فطرتُه، فيتنكَّب السَّبيلَ السويَّ، ويستبدل الرُّشد بالغيِّ.

 

ثم يتشعَّب بِهم الطريقُ إلى شعبتَيْن، كلُّ واحدة منها أخبثُ من أختِها في الكفر بِحِكمة الله ورحمته:

فإحداهما: تَذْهب بوحْيِ الشيطان، زاعمة أنَّها تربِّي الرُّوح وتقوِّيها وتخلِّصها من ظلمات البشريَّة وتصفِّيها، فيخيَّل إليها لعماها أنَّ ذلك لا يكون إلا بِمَقْت نِعَمِ الله، والزُّهد فيما تفضَّل به الله مِمَّا تستلزمه البشريَّة، وتَسْتدعيه - ولا بدَّ - الفطرةُ الطبيعيَّة، وتحتاجه - بلا غِنًى عنه - الجبلَّة الحيوانيَّة، بِمُقتضى السُّنن الكونيَّة، فيحرِّم الطَّيبات باسم الزُّهد والورع، ويَمْنع بشريَّتَه مِمَّا لا غنى لَها عنه مِمَّا أحلَّ الله؛ مُحاوِلاً بِعَماه أن يغلب السُّنن الكونيَّة ويقهرها، بل أن يغلب القاهرَ فوق عباده ويخلق نفسه خلقًا جديدًا.

 

وهو لن يقدر على ذلك ولن يَسْتطيعه، فيخوض إلى آذانه في مساخط الله، مستخفيًا من الناس؛ ليستبقي تعظيمه عند الدَّهْماء والطَّغام، ويستخفّ بغضب القويِّ العزيز شديد الانتقام، ويَطْلع في أرضِ قلبِه الخبيثِ من هذه الخبائث رؤوسُ شياطينِ دعوة الناس بالحال أو بالْمَقال إلى تقديسه وعبادته من دون الله، وخَلْع صفات الرُّبوبية؛ من شدَّة البَطْش، ونفوذ الإرادة، وعِلْم الغيب وأخَواتِها من وثنيَّات الصُّوفية ما يجعله شيطانًا مَريدًا، وإمامًا من أئمَّة الكفر الضالِّين الْمُضِلِّين، فيحمل وزرَه ووزْرَ من أضلَّه من الغافلين الأغبياء، ونعوذ بالله من كلِّ شيطان رجيم، وعندئذٍ ينعق بأنْ وصَلَ إلى الحقيقة، فسقطَتْ عنه الأوامر والنواهي.

 

وأمَّا الشعبة الثانية، فتذهب بِوَحْي الشيطان كذلك مُغالية في الطَّرَف الآخر على نقيض الأُولى بالخنوع للبهيميَّة ورعونتها وطيشِها، فيقف كلَّ ما أعطاه ربُّه الحكيم على طاعتها وخدمتها وتغذيتها، حتَّى يصير عبدًا ذليلاً لَها، فتركبه إلى كلِّ كُفْر وبغْي وفساد وفسوقٍ وعصيان، وما يزال كذلك شأنُه حتَّى يكون فخْره ورياسته، ووجاهته في مُجْتمعه الفاسد وارتفاع مكانته: أن يُعلن باستباحة المُحرَّمات، ويُجاهِر بارتكاب المنكرات، فيكون نكالاً على نفْسِه وعلى مجتمعه، والعافية من الله.

 

و"الأزواج": الأشكال التي يَقْرِنُها إلى بعضها مشابهةٌ في الأخلاق والأحوال والأعمال، قال الله تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 23] قال الرَّاغب: "أزواجًا": أقرانًا وأشباهًا مقلِّدين لهم في أفعالهم.

 

و"الحزن" خشونةٌ في النَّفْس، وألَمٌ مِمَّا يحصل لها من الغمِّ، فينكِّد عليها عيشها، ويعكِّر عليها صفْوَها، فلا تتَّجِه في التفكير في شؤونها على استقامة وقوَّة ما دامَتْ مغلوبةً لِهذا الحزن والغمِّ، فتضيق آفاقُ التَّفكير مِمَّا يَتراكم من ألَمٍ بالْحُزن والخوف من الظُّلمات في النَّفْس، فلا تكاد الحقائق تنكشف على طبيعتها، فلا يكون له قوَّة على مُجابَهتِها ومُصارعتها، فضلاً عن التغلُّب عليها وإخضاعها لِخِدمته ونَيْل غايته، ومن ثَمَّ كان مَن يغلبه الْهَمُّ والحزن، ويضيق صدْرُه بالأمور - جبانًا خوَّارًا، تنتابه الأفكار المُظْلِمة، وتستولي عليه الأوهام والخيالات الضارَّة، حتَّى تسْودَّ الحياة وتُظْلِم في وجهه، ويفرُّ من ميدانها بالعُزْلة والانقطاع عن الناس والأعمال، وقد يبلغ به ذلك إلى أن يَقْتل نفسه ويُورِدَها موارد التَّلَف.

 

و"خَفْض الجناح": كناية عن عظم الحنوِّ والرَّحمة والشفقة، والاهتمام والعناية، فإنَّ الطائر حين يضمُّ فراخَه إليه يَجْمعه تحت جناحَيْه؛ يأمر اللهُ تعالى نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- ومن اهتدى بِهُداه أن يجعل كلَّ محبَّتِه وحنوِّه وشفقته للذين آمنوا بالله وآياته، وأسمائه وصفاته، وكتابه ورسله، فإنَّهم الجديرون بكلِّ ذلك، وهم الذين يستفيدون ويستفيد الدَّاعي منهم القوَّة والنَّصر والمعونة بتوفيق الله.

 

و"النذير" المُحذِّر للغافل والمنبِّه له أن يتَّقِيَ ويأخذ حذرَه وأُهْبتَه واستعداده لِدَفْع ما سيهجم عليه مِمَّا يخافه من عَدُوٍّ ونحوه، سيقضي عليه بالهلاك والبُؤْس إذا هو لَم يُسْرِع بأخذ الحذَرِ منه والاستعداد لدفعه.

 

و"المبين" الواضح القويُّ البيان، الذي لا يحتاج سامِعُه إلى طويلِ تفكُّرٍ وتأمُّلٍ؛ لأنه يعذر بأمر سريع الهجوم، ولقد كان من عادة العرب أن ترسل جاسوسًا يستكشف لَها أمر العدو، فإذا وجد أنَّ العدو قد أصبح منهم قريبًا، قام على مكانٍ مرتفع، وخلع ثوبه ولوَّح به؛ ليكون ذلك أسرع في إفهامهم؛ حتَّى لا يحتاجوا إلى الاستفصال منه، فيضيع الوقت عليهم، وتضيع الفرصة، ويأخذُهم العدوُّ على غِرَّة.

 

يقول الله - تعالى ذِكْرُه - لعبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ولكلِّ مَن آمن به وورث أمانة الهداية عنه: إنَّ الله سبحانه قد تَفضَّل عليك فأعطاك من القرآن ما هو الغِنَى، والقوَّة كل القوة، والعزَّة كل العزة، ما دمْتَ تتدبَّرُه وتفْقَهه ويدعوك فهْمُه، وعظمةُ ما تستفيد منه من الهداية وأسبابِ القوَّة والرشد والثبات إلى أن تُثنِّيَه وتعيد تلاوته مرَّة ومرة، فلا تشبع، ولا تنقطع عنك خيْراتُه وثَمراتُه، بل هي دائمًا في زيادة ونُموٍّ، فاقْنَعْ به واعتَمِدْ بَعْدَ الله عليه فيما تريد من أسباب القوَّة في حياة الدَّعوة إلى الله، وحياتك الخاصَّة.

 

ولا يطمع بصَرُك مشتهيًا أو متمنِّيًا أو مُعْجبًا بِما يخوض فيه أولئك الذين غفلَتْ قلوبُهم عن ذِكْر الله في نِعَمِه وآياته والحقِّ الذي خلق عليه السموات والأرض، فعَمُوا عن أسباب الفوز والنجاح والحياة الطيِّبة فيه، وذهبوا هم وأشكالُهم في الغباوة والغفلة يُسيئون الانتفاع به والاستفادة منه، فجعلوه غذاء لبهيميَّتهم، فكانوا به كفَرةً فاسقين، وبُغاة متمرِّدين، فزادهم ذلك عمًى على عماهم، وموتًا في قلوبهم، وعَفنًا في ألبابِهم، وكانوا بحيث يستدعي حالُهم الحزن الشديدَ عليهم؛ لما يُسيئون إلى أنفسهم.

 

فيقول له ربُّه: أعرض عنهم، ولا تَشْغَل قلبَك بالتفكير في عَداوتِهم ومَكْرِهم، فإنَّ ربَّك من ورائهم مُحيط، وهو كافيك، فيضيع ذلك الحزن من جهدك ووقتك وتفكيرك ما ينبغي أن تَبْذُلَه في دعوة العوامِّ الذين لم يغرقوا في الجهل المركَّب غرقَ هؤلاء الشُّيوخ والسَّادة والرُّؤساء، ولم يُوغِلُوا في البغي والكِبْر إيغالَ هؤلاء السادة المستكبرين، فإنَّ أولئك الشيوخ والسادة ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون ﴾ [البقرة: 6]، ﴿ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [النمل: 80، 81].

 

وما أنتَ عليهم بحفيظٍ ولا وكيل، إنْ عليك إلاَّ البلاغ، وقد بلغهم البلاغ الواضح، فما عندهم شكٌّ في صدْقِك ولا في صدق ما تَتْلو عليهم من آيات الذِّكْر الحكيم، ولقد علموا يقينًا أنَّك أنت النَّذيرُ المبين، الذي لا يَنْتظر منهم مثوبةً ولا جزاء، وإنَّما تَحْملك على دعوتِهم وإنذارك الواضحِ البيِّنِ شفقَتُك عليهم، ورحمتُك بِهم، وحرصُك على نجاتهم، لكنَّهم لم يُقَدِّروا لك ذلك، ولم يرَوْك بِهذه العين العادلة، وإنَّما رأَوْك بعين اللُّؤم والضِّغْن، والبغي والحسد؛ إذْ هم فقَدُوا عين العدل والإنصاف حين ماتَتْ قلوبُهم بسموم البغي والكِبْر والدَّجل؛ لاستعباد الناس، واستغلالهم لأهوائهم وشهواتهم، فسوَّلَت لهم شياطينُهم أنَّك ستسلبُهم رياستَهم ووجاهتَهم، وتُنْزلُهم عن دركات غرور وبغي المَتْبوعين إلى درجات التابعين.

 

فهُم بذلك ليسوا أهْلاً لشفقتك ولا عطفك، وإنَّما أهلٌ لاحْتِقارك وازدرائك ومَقْتك، ولعلَّهم يستغِلُّون منك عاطفة الشَّفَقة، فيبالغون في الفساد والفسق حتَّى تزداد حزنًا عليهم، ويبلغ بك الْهَمُّ والحزن أن تَبْخَع نفسك على آثارهم، وما هم بهذه المكانة، ولا أهل لِهذه العاطفة الكريمة منك، فضلاً عن أنَّ ذلك سيعوقك عن أداء رسالة ربِّك لِمَن هو متعطِّشٌ إليها مِمَّن لم تَفْسُد فِطَرُهم هذا الفساد، ولم يبعدوا في الضَّلال بُعْدَ هؤلاء: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51].

 

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 70].

 

 

﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفيظٍ * وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 104 - 107].

 

﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ في الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146].

 

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فيه وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طـه: 130 - 131].

 

نسأل الله سبحانه أن يهدِيَنا بِهُداه وأن يَجْعلنا من الذين يستمعون القول فيتَّبِعون أحْسَنه، ويجعلنا من الْمُسارعين إلى الائتمام برسوله الكريم محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وعلى إخوانه مِن الأنبياء وآلِهم أجمعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا[3].



[1] أخرجه مسلم برقم [2301] و((يَغُتُّ فيه ميزابان يَمُدَّانه))، هكذا قاله ثابتٌ والخطَّابي والهرويُّ وصاحب "التحرير" والجمهور "يَغُتُّ"، وكذا هو في معظم نُسَخ بلادنا، ونقله القاضي عن الأكثرين، قال الهرويُّ: ومعناه يدفقان فيه الماء دفقًا متتابعًا شديدًا، قالوا: وأصله من إتْباع الشيءِ الشيء، وقيل: يصُبَّان فيه دائمًا صبًّا شديدًا، ((يمدانه))؛ أيْ: يزيدانه ويكثرانه؛ "صحيح مسلم"، طبعة عبدالباقي.

[2] أخرجه البخاري برقم [5408] ومسلمٌ برقم [2187، 2188] ومن حديث ابن عبَّاس: عن النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – قال: ((العين حقٌّ، ولو كان شيءٌ سابقَ القدَرِ سبقَتْه العينُ، وإذا استُغْسِلتم فاغسلوا))، "ولو كان شيءٌ سابق القدر سبقته العين" فيه إثبات القدَر، وهو حقٌّ بالنُّصوص وإجماعِ أهل السُّنة، ومعناه أنَّ الأشياء كلَّها بِقَدَر الله تعالى، ولا تقع إلاَّ على حسب ما قدَّرها الله تعالى وسبق بِها علْمُه، فلا يقع ضرَرُ العين ولا غيْرُه من الخَيْر والشرِّ إلاَّ بِقَدَرِ الله تعالى، وفيه صحَّة أمر العين، وأنَّها قويَّة الضَّرر.

[3] "مجلة الهَدْي النبوي"، ذو الحجة (1369) العدد الثاني عشر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 80 : 84 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 85 : 86 ) [1]
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 85 : 86 ) [2]
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 87 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 90 : 93 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 94 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 95 )

مختارات من الشبكة

  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات: 97 - 98 )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 78 )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 73 : 77)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم.. سورة الحجر ( الآيات 67 : 72)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 63 : 66)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 61 : 62)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 57 : 60)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 51 : 56)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 45 : 50)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 41 : 44)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
رضوان - الجزائر 01-08-2013 08:35 PM

بارك الله لكم وجعل القرآن شفيعكم يوم القيامة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب