• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (188)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/7/2013 ميلادي - 9/9/1434 هجري

الزيارات: 33218

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة.. الآية (188)


قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].


فيه تنبيهات جليلة شريفة من الله لعباده:

أحدها: أن أكل الحلال فيه تأثير عظيم لانجذاب صاحبه إلى الطاعة عن حسن قصد، وقوة احتساب، وانزجار عن المعاصي، خوفًا من الله ورغبة في ثوابه.

 

ثانيها: جدوى الأعمال وحسن قبولها من الله، فإن أكل الحرام له أسوأ التأثير في عدم جدوى الأعمال وإحباط ثوابها أو النقص منها.

 

ثالثها: قبول الدعاء، فإن أكل الحرام سبب لعدم القبول، وترك المتشابه من أقوى الأسباب لقبول الدعاء.

 

ولما كانت المعاملات المالية من العبادات العملية، وحسن القيام بها من لوازم العقيدة، ومن موجبات جدوى العبادات البدنية، أعقب الله آيات الصيام بآية الأموال، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾. فالخطاب عام لجميع المكلفين، يعني: لا يأكل بعضكم مال بعض.

 

وعبر الله بلفظ الجمع في قوله: ﴿ أَمْوَالَكُمْ ﴾ لمعنيين:

أحدهما: الإشعار بوحدة الأمة الإسلامية، وتكافلها في كل شيء، فحفظ المسلم مال غيره عين حفظ المسلم مال نفسه. فكأن الله يقول: لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، لأن ذلك جناية على نفس الآكل من حيث هو جناية على الأمة التي هو أحد أعضائها، ولا بد أن يصيبه سهم من كل جناية تقع عليها، لأنه باستحلاله مال غيره يجرئ غيره على استحلال أكل ماله بنفس الطريقة، فهو كالمعلم لغيره على الجناية عليه. فما أبلغه من تعبير في غاية الإيجاز!!.

 

ثانيهما: أن في الإضافة معنى آخر هو التنبيه على الاحتفاظ بالمال، بألا ينفق كل مسلم مال نفسه إلا في سبيل الحق، ولا يسن لغيره سنة البذخ والتبذير، وتضييع المال في سبيل الباطل، فيقلده غيره في ذلك.

 

وجرى التعبير عن مطلق الأخذ بالأكل، لأن أهل اللغة تجوزوا فيه قبل نزول القرآن، والسبب أن الأكل أعم حاجات الناس من المال وأكثرها.

 

وأما الباطل فهو كل ما لم يكن في مقابلة شيء حقيقي وهو مأخوذ من البطلان، يعني الضياع والخسارة.

 

وقد حرم الله أخذ المال بدون مقابلة حقيقية مرضية يعتد بها، ويقتنع بها صاحب المال المأخوذ.

 

ويدخل في تحريم أكل المال بالباطل: من يأخذ الزكاة أو الصدقة وهو غني بما يقدر عليه من الاكتساب، وبما يأتيه من دخل.

 

وكذا فإن من أعظم أكل أموال الناس بالباطل أخذ الربا الذي هو من سجية اليهود، وكذا من يأخذه الكهان والعراف والمشعوذون، وأصحاب التعزيم ونحوهم من أجر. وكذا الرشوة وغيرها.

 

ومن أكل الأموال الناس بالباطل: الأجر على العبادة.

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188] فيه إبطال للشبهة الشيطانية العالقة في أذهان بعض الناس من أن حكم الحاكم يبيح للمحكوم له المال، وفي مصحف أُبي: (ولا تدلوا) بتكرار حرف النهي، وهي مؤيدة للإعراب عند الجماعة.

 

وقوله سبحانه: ﴿ وَتُدْلُوا بِهَا ﴾ الإدلاء من الإلقاء وهو كإرسال الدلو في البئر بواسطة الرشا ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَدْلَى دَلْوَهُ ﴾ [يوسف: 19] فهو تعبير بياني لطيف يشمل جميع معاني الإدلاء إلى الحكام بالقول والفعل، فالمعنى: لا تدلوا بسبب مقاصدكم الفاسدة إلى الحكام بالرشوة الظاهرة أو الحنفية من الهدايا والمأدبات؛ وتدلوا بحججكم المناسبة إليهم لتجعلوهم وسيلة لأكل أمال الناس، لأن الحاكم بسبب الارتشاء المتنوع يمضي في الحكم من غير تثبت، كما يمضي الدلو الملقى في البئر، ثم ينجذب بالرشا حتى يكون بَعيدُ الماء قريبًا، فالمقصود البعيد من الاحتيال يكون قريبًا بسبب الرشوة التي تجعل الحاكم يستعجل في الحكم بلا إمعان، أو يسلك مسلك التأويل بسببها، أو ينطبع بلحن الحجة عن اختيار، أو يلقن صاحبه من الحجة ما يتغير به مجرى الحكم، أو يعرض عن حجة خصمه، أو يعمل على تزييفها ويحوط حجة الآخر بالرضا والقوة، إلى غير ذلك مما يزينه الشيطان للحكام.

 

وقد جعلهم الله في هذه الآية وسيلة يستعين بهم المبطلون؛ لأنهم مظنة للرشوة إلا من عصم الله، وقليل ما هم. بل قال القرطبي: فالحكام اليوم عين الرشا لا مظنته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

قال الرازي: وفي تشبه الرشوة بالإدلاء وجهان:

أحدهما: أن الرشوة رشاء الحاجة، فكما أن الدلو المملوء من الماء يصل من البعيد إلى القريب بواسطة الرشاء، فالمقصود البعيد يصير قريبًا بسبب الرشوة.

 

والثاني: أن الحاكم بسبب أخذها يمضي في ذلك الحكم بدون تثبت كمضي الدلو في الإرسال.

 

وتعبير الله بالحكام ليس مقصورًا على القضاة، بل يشمل كل من بيده أمور المسلمين من وزير ووكيل، ومدير شرطة، وسائر الموظفين ممن هم أعلى أو أدنى.

 

وقد شاهدنا في عصرنا وشاهد آباؤنا من شرف القضاة وعفتهم ونزاهتهم في الجزيرة ما هو امتداد لكمال هذه الأمة و خيراتها. فكلام القرطبي إن صدق على قضاة بلده لا يصدق على قضاة البلاد الأخرى، أو إن صدق على قضاة عصره لا يصدق على قضاة كل عصر، وفي أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من الخير والبركة ما إن خلا منه مكان لا يخلو المكان الآخر.

 

ثم إن العبرة بقوة العقيدة لا بالعلم والمنصب. فمن قويت عقيدته ورسخ علمه في الله كان له أتقى ومنه أخوف، كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]. أما من كان علمه فروعيًا تعلمه للوظيفة فهذا الذي يصدق عليه قول القرطبي رحمه الله.

 

وهذه الآية الكريمة نفث الاشتباه وبينت أن الاستعانة بالحكام على أكل مال الناس بالباطل محرم؛ لأن الحكم لا يغير حقيقة الشيء في نفسه، ولا يحل المحرم للمحكوم له به.

 

وقد اختلف في حكم القاضي: هل هو على الظاهر فقط، أو ينفذ ظاهرًا وباطنًا، ويكون الإثم على القاضي إذا تعمد الجور؟ والجمهور على أن حكمه ينفذ ظاهرًا فقط ويكون الإثم على المحكوم له، لكن بإثم القاضي إثمًا كبيرًا على حدته إذا جار في الحكم، وكذا يأثم كل مساعد له متواطئ معه أو مجار له، سواء كان من المساعدين أو من الهيئات المنتخبين.

 

وقد أخرج الإمام مالك وأحمد والشيخان وأصحاب السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار))[1]. وورد غير هذا الحديث بمعناه.

 

وأبو حنيفة يقصر الحكم على الأموال أخذًا بظاهر الآية ويقول بنفوذ الحكم ظاهرًا وباطنًا في عقد النكاح أو فسخه والطلاق وإن كان الشهود زورًا، ولبعض أصحابه من التحريف ما لا يجوز نقله، والتحريم في الأبضاع يفهم من باب أولى كتحريم الشتم للوالدين الذي يفهم من تحريم التأفف، ولذا رد عليهم الجمهور بالقاعدة المجمع عليها وهي أن الاحتياط في الإبضاع أولى من الاحتياط في الأموال.

 

وهذا الحديث فيه عبرة للمحامين الذي يتوكلون على الدعاوى بحجة الدفاع عن الحقوق والمظلوم، وهم الذين يعقدون الأمور ويزيدون في الظلم وإفساد الضمائر، فلا يجوز لهم المحاماة للمبطل قطعًا لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105] وقد قلت في باب الوكالة من منظومتي الفقهية الطويلة:

وفي الخصومات الوكيل إن علم
ظلمًا فلا يصح توكيل رسم
لقول رب لم يزل حكيمًا
ولا تكن لخائن خصيمًا.

 

وفي نهي الله عباده المؤمنين عن أكل الأموال والإدلاء بها إلى الحكام فوائد عظيمة اقتصادية واجتماعية؛ لأن سبب ذلك شيئان: الشح والانتقام. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم))[2].

 

والخصومات التي فشت في هذه العصور وتفاقم شرها بين الأباعد والأقارب قد أخربت البيوت، وأفقرت العوائل، وفرقت بين الأحباب، وفككت الروابط حتى مع الأقرباء، وانحصرت المصلحة فيها للمحامين وللمرتشي من الماديين الأراذل، فحصلت بها نكبات اقتصادية واجتماعية، حتى إن فيهم من يموت كمدًا ودعواه في المحكمة قد حرمه الله من اللذة بنصيبه المحجوز لظلمه وفساد ضميره وإرادة الانتقام من خصمه.

 

وكم من دعوى قارب انتهاؤها بعد عشرات السنين ثم يموت واحد من أطراف الخصومة، وأعيدت الدعوى من جديد فازدادت خسارة الطالب والمطلوب بحرمانهم وإضاعة أوقاهم وازدادت مرابح المبطلين، وكل هذا ثمرة الابتعاد عن أمر الله ورفض حدوده، ولو راقب الله كل من الخصماء لحاسبوا ضمائرهم وتصالحوا فيما بينهم ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128] كما نص الله عليه لا يرفضه إلا المحروم من الخير، فما أحوج الأمة إلى الرجوع لتعاليم القرآن الكريم.

 

ومن جملة أكل أموال الناس بالباطل ظلم الأجير والعامل ببخس حقه، لأن فيه اغتصابًا للمنفعة واسترقاقًا للأحرار بتسخيرهم في أعمال مع هضم حقهم، والتنعم ببؤسهم والسعادة بشقائهم وعرقهم المتصبب، وتسليط بعض الولاة عليهم إن توفقوا عن العمل طالبين الإنصاف، وهذا مع عظيم حرمته، فإنه يجلب سخط الله على أهله، فيسلط عليهم الشيوعية الماحقة للمالك والمملوك (جزاء وفاقًا) وظلم العامل والأجير ببخس حقه يثير كوامن الحسد والحقد هو من أخطر منافذ الشيوعية والإلحاد؛ لأنه يقلب المجتمع إلى مجتمع كراهية وعداء مستطير.

 

وهذه الآية الكريمة: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ في جملة الآيات التي فيها رد واضح على ما يسمونه بالاشتراكية أو الشيوعية إفكًا وزورًا، وينسبه الدجالون المغرضون إلى الإسلام وقد سخروا كل من يسترخص نفسه من العلماء والأدباء والكتاب لبلشفة الإسلام؛ تضليلًا للعوام وتلبيسًا على الشباب، وقد تأثر الكثير بإفكهم ودقيق مكرهم، ولكن الإسلام أعلى من ذلك.

 

فالإسلام يعترف بالملكية الفردية وجميع أنواع الشركات المذكورة في كتب الفقه وعلى الأخص كتب الحنابلة، ويعمل على صيانة ذلك وحمايته، ويحرم الجناية على الأموال بالسرقة وجميع أنواع الاحتيال والتلصص، حتى إنه شرع العقوبات الفظيعة الرادعة عن الجناية على الأموال.

 

والإسلام يشجع على التجارة والعمل، ويفسح مجال التنافس، ويحض على التزام الصدق والنزاهة في المعاملة، ويحرم الغش والتدليس والغبن، حتى إن الفقهاء نصوا على إبطال البيع بالغبن وحدوده بالخمس، أي بعشرين في المائة، فقالوا: من اشترى ما يساوي ثمانية بعشرة أو باع ما يساوي عشرة فله الخيار في فسخ العقد. وهذا لمقاومة الاستغلال الجشع الذي يقوم به الانتهازيون. ورفع شأن العمال، وأوصى بتزويد الصناع بالعدة اللازمة وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ظلم الأجير أجره من الكبائر))[3].

 

وحرم الظلم بجميع أنواعه، ورسم قواعد التكافل الاجتماعي على وجه صحيح مطرد بحيث لا تربو طبقة على حساب طبقة، ولا تستبد طبقة بمقدرات طبقة، وحرم الربا بجميع أنواعه، كما حرم ما سبق ذكره في تفسير هذه الآية. وشرع ما يقضي على الفقر والبؤس بحيث لا يتوهم الفقير أن الفقر مفروض عليه ضربة لازب، بل فتح له جميع أبواب المعيشة بكل حماية وتشجيع، حتى إن خادم التاجر أو كاتبه يصبح تاجرًا أعلى منه، والخادم في مصنع أو ورشة يصبح صاحب مصنع. وهذا لما في الإسلام من فتح باب المضاربة والشركات ومشروعية القرض الحسن بلا ربا، بخلاف النظام الرأسمالي الذي لا يجد فيه الفقير تعاونًا مع تاجر أو صاحب شركة أو مصنع أو مصرف من مصارف البنوك، فتبقى الطبقية بدون تحويل.

 

فالإسلام يتمشى مع سنن الفطرة السليمة التي لا تطغى فيها طبقة على طبقة، ولا تفرض الفقر والجوع على طبقة طيلة عمرها، وإنما يجري فيها تسخير الناس بعضهم لبعض على حسب المصالح المشتركة والحاجات المشتركة والاحترام المتبادل، قال تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].

 

فالطبقية التي عند الرأسماليين والإقطاعيين غير الطبقة الفطرية التي هي من ضروريات المجتمع الإنساني، والتي قيدها الإسلام بقيود عن الطغيان، وكذلك الطبقية الجديدة التي بعثتها (روسيا الشيوعية) باسم العدالة الكاذبة، ومحو الطبقات الذي هو خرافة لم تحدث ولا يمكن حدوثها بعقلية بشرية كافرة قائمة على الإلحاد من أساسه؛ لأنها مخالفة لفطرة الإنسان القائمة على التفاوت في الملكات والمجهود والقدرات بحيث لا يمكن التسوية بين الناس في الأقدار والدرجات لضرورة بقائها وعدم النجاح إلا في معالجة وفق شريعة الإسلام.

 

ولهذا كانت النتيجة لتعصب الشيوعية وهوسها وثوراتها الحمراء الفاتكة هي محو طبقات لتحل محلها طبقات أخرى في الظهور أبشع وأفظع من كل طبقية عرفت في التاريخ، فإن الشيوعية تحتقر الفرد والجماعة إلا ما كان من أعضاء الحزب البارزين العاملين على إرهاب الشعب، فإنهم يتمتعون بالقصور البلورية التي تسفح عليها الأمواج تحت البحر، وبالقصور البرية وللجسور العظيمة بينهما، والحمامات البحرية التي هي كالبحيرات، والتيارات الكهربائية المدفئة لمياهها بسرعة فائقة كما حدثنا عنه صاحب جريدة الأهرام المشايع لهم، والذي نشر في جريدته وصور لنا ما رأى بعينه عن حياة أحد زعمائهم (خروتشوف) بتاريخ 22/4/1964 ميلادية، فقد كشف لنا النقاب عما يتمتع به الزعماء والقادة ورؤساء الكتاب مما لا يوجد مثله في أي طبقية على مر التاريخ، ولم يذكر عن ملك في قديم الزمان أو حديثه تمتع بمثل هذا. على أنهم اعترفوا بوجود طبقة ممتازة يزعمون أنهم ذوو بصيرة نافذة، وأنهم هم العقل الذي تفكر به البيئة الاجتماعية، وأنها تتعثر بدون إرشاداتهم وتضيع في التخبط.

 

هكذا تفسيرهم لتبرير الطبقية الممتازة التي لم يحدث لها مثيل قد فرضوا عقليتها وتصرفاتها الاستبدادية فرضًا يزيد عن حكم الكنيسة قبل الثورة عليها.

 

فأي عقل يصدق بهذا؟ وما أشقى الشعب حين يكون عبدًا لأشخاص يفرضون عليه تفكيره واتجاهه، وذلك لأن المذهب قائم على امتلاك الحكومة أو الدولة لجميع الموارد والمصادر والأعمال والثروات والمصانع بالمصادرة الكاملة والتأميم؛ لتساوي جميع شعوبها في البؤس والفقر، وتجعل أرواحهم بيد الدولة. ومن أكبر مساوئها في حق الإنسانية جمعاء تفريقها الناس إلى طبقات وعدم اعترافها إلا بطبقة الفلاحين والعمال؛ لتهييج غضبهم وإلهاب حقدهم ودغدغة عواطفهم. فشعارهم الخبيت (يا عمال العالم اتحدوا) متناسين الباقي من طبقات الشعب الذين هم الأكثرية.

 

وإنها لوصمة عار عليهم لو حصل التفكير الصحيح، إذ كيف لم يقولوا: ي أيها الناس اتحدوا، ولكنهم يعرفون أنهم لا ينفذون إلا من باب الحقد والضغينة. ولا شك أنها عقوبة من عقوبات الله على الشاردين عن الإسلام، وليس هذا موضع تفصيل بل إشارة.

 

وما راج هذا المذهب الباطل المزيف إلا لأن بعض الحكام المحبوبين تبناه وروج له ترويجًا هائلًا، ولو تبناه غيره من المكروهين لم يجد قبولًا ولا رواجًا. فالقضية قضية عواطف وعبادة أشخاص ناشئة من البعد عن حقيقة التوحيد.

 

وقوله تعالى: ﴿ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾. يعني: تأكلوا بعضًا من أموال غيركم بالإثم الذي هو ظلم وتزوير في الحجة أو الشهادة، وسمى الله ذلك إثمًا لأن الإثم يتعلق بفاعله، والإثم يكون بالكذب في الخصومة أو بشهادة الزور أو اليمين الكاذبة، ولا شك أن أحد الخصمين مبطل في الغالب، لكن هل يعلم؟ أو غلبت عليه الشبهة ثم تجارت به الأهواء؟

 

والآية شاملة لجميع الأحوال، كما أنها شاملة لجميع الأموال في المعاملات والودائع وغيرها.

 

وقوله تعالى: ﴿وأنتم تعلمون﴾ يعني: وأنتم تعلمون أنكم مبطلون فيما ادعيتم به وفيما أخذتم منه. ولا شك أن الإقدام على الفعل القبيح أيا كان مع العلم بقبحه أعظم جريمة وأفظع قبحًا، وصاحبه أحق بالتوبيخ والتقريع وأولى بالعقوبة الشديدة من غيره.

 

وروي عن أبي هريرة أنه قال: اختصم رجلان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: عالم بالخصومة وجاهل بها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعالم فقال من قضي عليه: يا رسول الله، والله الذي لا إله إلا هو إني محق. فقال: ((إن شئت أعادوه)) فعاوده، فقضى للعالم، فقال المقضي عليه مثل ما قال أولًا. ثم عادوه ثالثًا. ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بخصومته فإنما أقطع له قطعة من النار)). فقال العالم المقضي له: يا رسول الله إن الحق حقه. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من اقتطع بخصومته وجدله حق غيره فليتبوأ مقعده من النار))[4].

 

وقد أتفق أهل السنة على أن من أخذ ما يقع عليه اسم مال، سواء كان كثيرًا أو قليلًا، إنه فاسق يجب أن يفسق، بخلاف بعض المبتدعة الذين حددوه بمائتي درهم إلى عشرة دراهم ونحوها.

 

ومما ذكرناه من تفسير هذه الآية يعلم السامع القارئ مبلغ حرمة المال مهما كان صاحبه، وأن ما روجه المبطلون من استحسان التأميم والجناية على المصالح المالية صادر عن جهل بحكم الله أو رفض له في سبيل المذاهب الماسونية الهدامة ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].



[1] أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب: من أقام البينة بعد اليمين، [2680]، ومسلم: [1713].

[2] أخرجه الإمام أحمد: [3/323]، ومسلم: [2578].

[3] لم أقف عليه، والحمد لله على كل حال.

[4] لم أقف عليه، والحمد لله على كل حال، إلا أن معناه يشهد له الحديث قبل السابق.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (187) (1)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (187) (2)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (187) (3)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (187) (4)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (189)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (193)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (194)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (195)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير الجلالين (من سورة البقرة إلى آخر سورة الإسراء)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- إسلاميات
fati tati - المغرب 15-01-2016 01:45 AM

حقيقة هذا ثوثيق سيساعد الكثير من الناس لتعلم والاستفادة حقل رائع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب