حديث: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث

[1] هذا المتن قطعة من حديث طويل رُوي عن محمد بن كعب عن ابن عباس مطولاً ومختصرًا، وله عنه طرق هذا سياقها، وليس في بعضها محل الشاهد:

طريق أبي المقدام هشام بن زياد، ثنا محمد بن كعب مطولاً:

رواه ابن ماجه (959) وأحمد بن منيع في مسنده (كما في المقاصد الحسنة 1191) وعبد بن حميد (675) والحارث بن أبي أسامة في مسنده (1070 زوائده) وعبدالله بن أحمد في زيادات الزهد (359) وابن جرير في تهذيب الآثار (2/538 مسند عمر) والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (257/أ، الأصل 225) والعسكري في الأمثال (كما في فتح الوهاب 1/18) والعقيلي (4/340) وابن أبي حاتم في التفسير (10/3252) وابن حبان في المجروحين (3/88) والطبراني في الكبير (10/318 و320) والآجري في أخبار عمر بن عبدالعزيز (73) وابن عدي (7/106) وابن شاهين في الترغيب (475) وابن أخي ميمي في فوائده (398) والمخلص في سبعة مجالس من الأمالي (60) وفي فوائده (6/65/أ و10/90/أ) والحاكم (4/270) وابن القطان المؤدب في فوائده (1/33/ب) والسهمي في تاريخه جرجان (517-518) وأبونعيم في الحلية (3/218 و5/333) وفي أخبار أصبهان (2/363) وابن بُشران في أماليه (30/1/1 كما في الضعيفة 2786) وأبوحفص الكتاني في حديثه (137/2 كما في الضعيفة) والقضاعي في مسند الشهاب (1/234 و284 و2/123 و124) والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/73) والهروي في ذم الكلام (3/208) والقاسم بن الفضل الثقفي في الأربعين (203) ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في مشيخته (173) والتيمي في الترغيب (660 و2107) والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (44) وابن عساكر (47/458 و55/132 و133) وابن البخاري في مشيخته (1/668-671) والذهبي في معجم الشيوخ (1/36 و2/163) من طريق أبي المقدام هشام بن زياد، ثنا محمد بن كعب به مطولاً ومختصرًا.

ومن هذه الطريق رواه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى في مسنديهما والبيهقي في الزهد (كما في تخريج الكشاف 3/351-352 والمقاصد الحسنة 343).

وروى مسلم في مقدمة صحيحه (16) والعقيلي (4/340) والبيهقي في الزهد عن الحسن بن الحُلواني أنه قال: رأيت في كتاب عفّان حديث هشام أبي المقدام - حديث عمر بن عبد العزيز - قال هشام: حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب. قال: فقلت لعفان: إنهم يقولون: هشامٌ سمعه من محمد بن كعب! فقال: إنما ابتُلي من قِبَل هذا الحديث، كان يقول: حدثني يحيى عن محمد. ثم ادعى بعدُ أنه سمعه من محمد بن كعب!

ورواه أبوداود في سؤالات الآجري (2/130) عن الحلواني مختصرًا، وزاد عن عفان قوله: إنما تُرك حديثُه على هذا.

والحديث هكذا رواه ابن سعد (5/370) عن عفان، عن أبي المقدام، عن يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب مطولا.

قال البيهقي (2/279): رواه هشام بن زياد أبو المقدام عن محمد بن كعب، وهو متروك.

وقال الذهبي نحوه في تلخيص المستدرك (4/270) وفي معجمه (1/36 و2/163) والهيثمي في مجمع الزوائد (8/59) والسخاوي في المقاصد الحسنة (153).

وقبلهم العقيلي (1/170).

وقال المزي في التحفة (5/235): هذا الحديث مشهور من رواية أبي المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب، ورواه الناس عنه مطولا ومختصرا.

وقال ابن حجر في إتحاف المهرة (8/58): أبو المقدام المشهور بهذا الحديث ضعيف مشهور الضعف.

طريق عبدالله بن يعقوب بن إسحاق، عمن حدثه، عن محمد بن كعب:

رواه أبوداود (694) -ومن طريقه البيهقي (2/279)- من طريق عبدالملك بن محمد بن أيمن، عن عبدالله بن يعقوب به.

قال أبوداود في مكان آخر (1485) عن أصل الحديث: رُوي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب، كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضا.

وقال الخطابي في معالم السنن (1/445 الدعاس): هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لضعف سنده، وعبدالله بن يعقوب لم يسمّ من حدثه عن محمد بن كعب، وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيفان: تمام بن بزيع وعيسى بن ميمون، وقد تكلم فيهما يحيى بن معين والبخاري. ورواه أيضا عبد الكريم أبو أمية عن مجاهد عن ابن عباس، وعبد الكريم متروك الحديث.. الخ.

وقال البيهقي في السنن الكبرى: وهذا أحسن ما روي في الباب، وهو مرسل.

وقال في المعرفة (2/122): هذا أمثل ما ورد فيه، وهو مرسل قَبل محمد بن كعب.. الخ.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/50): وهو لو كان متصلا ما صحّ؛ للجهل باثنين من رواته. وقال إن ابن يعقوب لا يُعرف أصلا، وكذلك ابن أيمن.

وقال الزيلعي في نصب الراية (2/96): في سنده رجل مجهول.

وقال ابن حجر (في الدراية 1/185): إسناده ضعيف، وأخرجه البزار من وجه آخر فيه ضعف أيضا.

وقد نص العقيلي (1/170) أن المبهم هنا قد يكون أحد المتروكين الذين رووا الحديث، وضعّف سائر طرق الحديث.

وأشار المزي في تهذيب الكمال (35/88) وابن حجر في تهذيبه (12/398) إلى احتمال كون راويه المبهم هو هشام أبو المقدام.

قلت: فسنده ضعيف جداً لجهالة راويين، وإبهام الثالث، وهو إما مجهول أيضاً أو متروك.

طريق مصادف بن زياد:

رواها الحاكم (4/269-270) من طريق محمد بن معاوية بن أعين، ثنا مصادف، وأثنى عليه خيرا، عنه محمد بن كعب به.

قال الحاكم: صحيح لاتفاق هشام ومصادف!

وتعقبه الذهبي بقوله: هشام متروك، ومحمد بن معاوية كذبه الدارقطني، فبطل الحديث.

قال ابن حجر في إتحاف المهرة (8/58): الراوي عن مصادف واهي الحديث متهم، فلا يُغتر برواياته.

قلت: ومصادف مجهول، بل قال عنه العقيلي (1/170): متروك.

طريق حسان بن عطية:

قال هلال بن العلاء الرقي (كما في تحفة الأشراف 5/235 والمقاصد الحسنة 1191): وجدت في كتاب أبي بخطه، ثنا طلحة بن زيد، عن الأوزاعي، عن حسان، عن ابن كعب.

وهذا موضوع، فالعلاء بن هلال واه، ويشتد ضعفه من رواية ابنه عنه، وطلحة متروك.

طريق صالح بن حسان:

رواه ابن ماجه (1181) وابن جرير في تهذيب الآثار (2/538 مسند عمر) وابن عدي (4/52) والخطيب في الجامع (2/74) وابن الدبيثي في الذيل (2/56 و3/282) وابن العديم (4/1589) من طريق عائذ بن حبيب، عن صالح، عن ابن كعب.

ورواه العقيلي (2/201) من طريق سعيد بن محمد الوراق عن صالح به.

ورواه الحاكم (1/536) من طريق وهيب بن خالد، عن صالح، وتحرف في المطبوع إلى: ابن حيان.

وصالح متروك، وقال أبوحاتم في العلل (2/351 رقم 2572): هذا حديث منكر.

طريق تمام بن بزيغ:

رواه ابن المنذر في الأوسط (5/96) والعقيلي (1/170) والخرائطي في مكارم الأخلاق (369 منتقى).

وتمام ضعيف جدا.

وبه أعله ابن المنذر والعقيلي والخطابي.

طريق عيسى بن ميمون:

رواه ابن راهويه في مسنده (كما في نصب الراية 3/52) وابن المنذر (5/97) والعقيلي (3/387) والطبراني (10/318) وابن عدي (5/241) وأبونعيم في الحلية (3/219).

وعيسى متروك.

وبه أعله ابن المنذر، والعقيلي في الموضع السابق، وفي (1/170)، وكذا ابن عدي، والخطابي.

طريق زيد العمي:

رواه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (5) وفي التوكل (10) -ومن طريقه ابن الجوزي في تنوير الغبش (18)- عن محمد بن الربيع الأسدي، نا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه به.

وذكره ابن كثير في تفسيره (3/522) من طريق عبد الرحيم موقوفا.

وسواء كان مرفوعا أو موقوفا ففيه عبد الرحيم بن زيد، وهو متروك، وكذبه ابن معين، وأبوه ضعيف.

ومحمد بن الربيع لم أهتد لترجمته.

طريق عمرو بن المهاجر:

رواه الطبراني في مسند الشاميين (2/328) وابن عساكر (37/345) من طريق العباس بن وليد بن صُبح الخلال، نا زيد بن يحيى بن عُبيد، نا عبد الوهاب بن محمد الأوزاعي، حدثني عمرو، عن ابن كعب.

ورجاله ثقات، إلا عبد الوهاب هذا؛ فلم أجد له ترجمة، اللهم إلا إيراد ابن عساكر له بهذا الحديث فقط، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو علته، وقد نص غير واحد من الحفاظ أن الحديث لا يرويه ثقة، وأن جميع طرقه واهية.

طريق القاسم بن عروة:

رواه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (1/120 مجموعة الرسائل المنيرية) والبيهقي (7/272) من طريق أحمد بن عبد الجبار العطاردي، نا أبي، نا عبدالرحمن الضبي، عن القاسم بن عروة، عن محمد بن كعب.

وهذا سند واه، فعبد الجبار ضعيف، وعبدالرحمن الضبي لم أهتد له، والقاسم لم أجد له ترجمة.

وقد نص الحفاظ أن حديث محمد بن كعب لا يرويه عنه ثقة.

وهذه الطريق ضعفها البيهقي.

وهنا تنبيه، فربما ينصرف الذهن إلى أن القاسم من ولد عروة بن الزبير، ولا سيما لما ورد في سند عند ابن العديم (4/1644): من رواية عثمان بن القاسم بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

ولكن ليس من أولاد عروة بن الزبير من اسمه القاسم، كما في طبقات ابن سعد (5/178)، ورجال عروة بن الزبير للإمام مسلم، ذكرتُ ذلك تنبيهاً، والله أعلم.

وللحديث طريقان آخران:

فروى أبوداود (في رواية الأشناني، كما في تحفة الأشراف 5/280) عن محمد بن سليمان الأنباري، عن يعلى، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن عبدالرحمن بن لَبيبة، عن ابن عباس بلفظ: "نُهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام".

وهذا سند غريب واهٍ: فابن لَبيبة ضعيف كثير الإرسال، وهو من أتباع التابعين، فروايته عن ابن عباس منقطعة، فيظهر أن روايته ترجع لرواية المتروكين عن محمد بن كعب، والله أعلم.

وأبوداود يضعف هذه الطريق، بدليل حذفه لهذا الحديث من سننه في الروايات المتأخرة، فضلا عن عموم حكمه -هو وغيره- على ضعف جميع طرق الحديث.

كما روى الحديث عبدالكريم أبو أمية عن مجاهد عن ابن عباس؛ كما تقدم النقل عن الخطابي، وقال بعده: عبد الكريم متروك الحديث، وضعف روايته ابن المنذر أيضا (5/97).

والذي رأيته رواية عبدالكريم عن مجاهد مرسلاً، رواه عبدالرزاق (2/61) وابن أبي شيبة (2/257).

* والحديث أخرجه أيضاً أبو عبيد في الخطب والمواعظ (123) وفي سنده تحريف وسقط فيما يظهر، وأُراه من الناسخ.

من أحكام الحفاظ على أصل الحديث:

هذا الحديث ضعفه عموماً: أبوداود، والخطابي -وتقدمت عبارتهما- وأقرهما المنذري في مختصر السنن (1/342) والزيلعي في نصب الراية (2/96) والعراقي في طرح التثريب (2/346) وابن حجر في الفتح (1/587) والسخاوي في المقاصد الحسنة (1191).

وأشار إلى تضعيفه البخاري بتبويبه (باب الصلاة خلف النائم)، قال ذلك ابن حجر في الفتح (1/587)، ونحوه صنع النسائي (2/67) وأبوعوانة (1/389).

وقال ابن خزيمة في صحيحه (2/18): باب ذكر البيان على توهين خبر محمد بن كعب: "لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدثين"، ولم يرو ذلك الخبر أحد يجوز الاحتجاج بخبره.. ثم أسند حديث عائشة الذي ذكره سماحة الشيخ.

وقال ابن المنذر في الأوسط (5/97): هذه أخبار كلها واهية. ثم أورد ما يخالفها.

وقال العقيلي (1/169): لم يحدث بهذا الحديث عن محمد بن كعب ثقة، رواه هشام بن زياد أبو المقدام، وعيسى بن ميمون، ومصادف بن زياد القرشي، وكل هؤلاء متروك، وحدث به القعنبي عن عبدالملك بن محمد بن أيمن، عن عبدالله بن يعقوب، عمن حدثه عن محمد بن كعب، ولعله أخذه عن بعض هؤلاء.

وقال (4/340): ليس لهذا الحديث طريق يثبت.

وضعف سائر طرقه أيضا في (2/201 و3/387).

وقال ابن حبان في كتاب وصف الاتباع وبيان الابتداع (كما في المقاصد الحسنة 153): إنه خبر موضوع، تفرد به أبو المقدام عن محمد بن كعب عن ابن عباس، وقد كانت أحواله صلى الله عليه وسلم في مواعظ الناس أن يخطب لها وهو مستدبر القبلة.

وقال البيهقي في المعرفة (2/122 العلمية) بعد سياق الطريق الأولى: يُذكر من أوجه أخر كلها ضعيف.

وقال في السنن الكبرى (7/272): لم يثبت في ذلك إسناد.

وقال النووي في المجموع (3/323): إنه ضعيف باتفاق الحفاظ. كما ضعفه في الخلاصة (1771).

وحكم عليه الذهبي بالبطلان في تلخيص المستدرك (4/270).

وضعفه التاج علي بن عبدالله التبريزي في المعيار (2/368)، وقال: ضعفه الحفاظ، وقال الخطابي: لا يصح.

وخرّج الألباني أغلب طرقه في الضعيفة (2786)، وقال: ضعيف. وفي موضع آخر (5218): ضعيف جدا.

بينما اغتر أحمد الغماري في المداوي (2/529) بطرق المتروكين فحكم بأن مجموعها يُحدث قوة! وخطّأ ابن حبان والذهبي! فخالف بذلك اتفاق الحفاظ.

* وهنا يناسب التنبيه أن تخريجات أحمد الغماري إنما يُستفاد منها في ذكر المصادر والنقول وحسب، أما الحكم والتحقيق ومعرفة العلل فلا يُعتمد عليه، ويوجد في كتابنا هذا أكثر من نموذج خالف فيه الحفاظ بتصحيح الموضوعات! مثل: حديث مدينة العلم، وحديث التوسعة يوم عاشوراء، فأما تصحيحه للواهيات والضعاف فحدّث ولا حرج، والله أعلم.