• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآية (186) (4)

تفسير سورة البقرة .. الآية (186) (4)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/6/2013 ميلادي - 3/8/1434 هجري

الزيارات: 72077

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآية (186) (4)

 

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].


وردت أحاديث كثيرة بمضاعفة السيئات كما تضاعف الحسنات، ولهذا اختار ابن عباس سكنى الطائف على مكة، والعقل يجزم ويحكم بأن انتهاك الحرمات في الأماكن المقدسة أشد جرمًا وأشد إثما وأكبر، وبأن من أساء جوار الله واقترف المعاصي في حرمه يستحق زيادة اللعنة والعقوبة، وأما شبهتهم بجوار الولي فمدحوضة أيضًا؛ لأن ولي الله لا يرضى من العاصي ولا يشجعه على معصية الله بالشفاعة، فلو قدرنا تقديرًا خاطئًا أنه يشفع بدون إذن الله فإنه يشفع لصاحب الزلة العاثرة لا لصاحب المعاصي المسترسل فيها، لأن الولي لا يرضى إلا بما يرضى الله عنه فلو رضي بالمعاصي لم يكن وليًا، ولكن الولي لا يرضى إلا بما يرضي الله، ولو كانت مكة تعصم من أمر الله أو تعيذ المجرم لما جرى فيها على عبد الله بن الزبير ورفقته ما جرى، وهم من الأخيار، بل فيهم صحابة، ولما جرى على حُجاج بيت الله من أبي طاهر القرمطي الخبيث من السفك والإرهاب ما جرى، ولما حصل على أهل المدينة في وقعة الحرة ما يندى له الجبين.


فالمعاصي إذا أراد الله تعجيل عقوبتها لا يدفعها جاه ولي مزعوم ولا قداسة بقعة، ومع هذا فلا يزالون إذا خوفناهم بشؤم المعاصي تعللوا بأنهم في الحرمين نسين أو متناسين ما أجراه الله من فظيع العقوبات في الحرمين، والعجب إنهم إذا نسوا البعيد فكيف ينسون العقوبات القريبة مما يسمونه (سفر بري) وغيره، ولكن هذا من التأثير السيئ للكذب على الله ورسوله.


وهذه (بغداد) التي يزعم الدجالون أن فيها قبر الإمام أحمد ومعروف الكرخي لا يضر أهلها شيء من داما بين ظهرانيهم، فهل عصماها من شر التتار ومذابحهم الفظيعة في القرن السادس تقريبًا؟ أو عصماها من جحيم الشيوعية ومذابحها في هذا القرن الرابع عشر؟


ينبغي للمسلم ألا يأمن مكر الله في حالة الإجرام أبدًا، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وألا ييأس من رحمة الله حال الإحسان، فإن رحمة الله قريب من المحسنين.


ومن المعوقات عن الاستجابة لله غرور الشيطان وتلبيسه بالتعلق بغفران الله ورجائه، وأنه يغفر الذنوب جميعًا دون الإتيان بأسباب المغفرة، فإن الله يقول: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].


والقرآن يفسر بعضه بعضًا، ومن الخطأ العظيم أخذ آية على ظاهرها أو عموها وترك ما يخصها أو ينص على المقصود منها، فإن هذا من أحاييل الشيطان، وما أكثر من يقعون له فريسة بسبب تغفيله لهم عن الآيات المفسرة والمبينة للآية المجملة، بل يجعلهم يتعلقون بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53] ويتركون ما بعدها من الآيات التي تأمرها بالإنابة إلى الله وإسلام الوجه له لا للشهوات والأغراض، وتأمرهم باتباع الأحسن مما أنزل إليهم، وكلها فيها الختام بالتحذير والوعيد الشديد، فكيف ساغ لهم ذلك وكيف سمحوا لأنفسهم بهذا الوقف المشابه لموقف بني إسرائيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟


ومن المعوقات الإبليسية عن تحقيق الاستجابة لله أن الشياطين يملون على أوليائهم تفسيرًا معكوسًا لقوله تعالى في حق نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5] إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى بإدخال أمته النار، والله يعطيه ما يرضيه فيدخلهم الجنة، وهذا خلاف العدل الذي قامت به السماوات والأرض والذي مدح الله به نفسه بأنه ﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾ [آل عمران: 18]. فهل من القسط التسوية بين المسلمين والمجرمين؟ وبين المحسنين والمذنبين؟ والمصلحين والمفسدين؟ وهل يرضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العصاة لله بأكلهم الربا وإفسادهم الأعراض، ومشابهتهم لإبليس في ترك الصلاة وغيرها؟


إن مرضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتبطة برضوان الله، فلا يرضى إلا بمرضاة ربه، وإذا كان الله قد حكم بعقوبات العصاة في النار حتى يطهروا، وبعقوبات المشركين على اختلافهم بالتخليد في النار، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرضى ولا يسعه إلا الرضا بذلك، وكيف لا يرضى وهو الوسيط بل يزداد رضاء بإدخال الفاسق النار جزاء على مخالفته ولا يشفع فيه إلا من بعد العقوبة التي تطهره حسب علم الله وإذنه له بالشفاعة. فتفسير أعوان إبليس لهذه الآية مجرد افتراء على الله وصد للمسلمين عن الاستجابة لله.


فالاستجابة لله من ضروريات الدين ومن أقوى الأسباب لاستجابة الدعاء، وينبغي العلم بأن الدعاء من أهم مقامات العبودية، فلا يجوز التوجه به لغير الله من غائب أو ميت أبدًا، فإن هذا شرك على ما قرره علماء السلف. وقد ورد الحديث: ((الدعاء مخ العبادة))[1].

 

ولا فرق بين ما يسمونه بالنداء والدعاء، ليستبيحوا به دعاء الأموات، فإنه يتضمن الدعاء، ولا قيمة للنداء بلا طلب، فهم يطلبون من الموتى ما لا يقدرون عليه، بل يطلبون أحيانًا ما لا يقدر عليه إلا الله، كجلب الرزق والشفاء، والإغاثة والنصر ونحو ذلك ويزعمون لتبرئة ساحتهم من الإشراك أنهم وسائط بينهم وبين الله وشفعاء، وهذا كقول المشركين أعداء الرسل: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3].


والدعاء من خصائص الألوهية، وقد بلغ بهم الاحتجاج على صحة شركهم إلى حد الحماقة والسفاهة حيث احتجوا لذلك بحديث: ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا، يا عباد الله احبسوا، فإن لله حابسًا سيحبسه))[2] وهذا في الحقيقة دعاء لأحياء من عباد الله الذين لا نبصرهم وهم يبصرون كالملائكة والجن وغيرهم من الأحياء القادرين السامعين، فليس فيه لهم أدنى حجة ولكنهم يتشبثون بالشبهات، وليس هذا موضع الرد عليهم بالتفاصيل، فقد تكفلت به كتب المناظرات من ردود الشيخ ابن تيمية ومن قبله ومن بعده إلى يومنا هذا، وإنما أردت الإشارة بالقليل.


والأدلة على أن الدعاء من أعظم مقامات العبودية وأهمها شيء كبير، منها قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60] وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾ [الفرقان: 77] وقوله: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55] وقوله: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنعام: 43].


وعن النعمان بن بشير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدعاء هو العبادة))[3]. فقوله: ((الدعاء هو العبادة)) معناه أنه معظم العبادة وأفضل العبادة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج عرفة))[4] يعني: الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم. فمن أبطل الدعاء أو استهان به فقد أنكر القرآن أو استهان بالقرآن.


والحكمة الإلهية تقتضي أن يكون العبد معلقًا بين الرجاء والخوف اللذين بهما تتم العبودية، وأن يحصل في الدعاء إظهار كمال العبودية بالذلة والانكسار والتضرع والرجوع إلى الله مفوضًا مستسلمًا.


ومن تأمل هذه الآية: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ وجد أن الله لم يقل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقل: إني قريب؛ بل قال: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ ليدل على تعظيم حال الدعاء من وجوه:

أحدها: كأنه سبحانه يقول: عبدي أنت لا تحتاج إلى الواسطة إلا في طريق تحصيل الهداية فإنها من طريق رسلي وأما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك. وفي هذا أعظم رد على المشركين ومن قلدهم من القبوريين.


ثانيها: أن قوله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ﴾ يدل على أن العبد له. وقوله: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾. يدل على أن الرب للعبد.


ثالثها: أنه تعالى لم يقل: (فالعبد مني قريب) بل قال: (أنا منه قريب). وفيه سر نفيس وهو أن العبد مخلوق ممكن الوجود ومحتوم عليه بالفناء فلا يمكنه القرب من الرب. أما الرب سبحانه فهو القادر من أن يقرب من العبد بفضله ورحمته كما هو قريب منه بعلمه، بل هو أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، فالقرب من الله لا من العبد، فيحصل من الله سبحانه للعبد قرب الفضل والرحمة إذا دعاه بعد تحقيق الإيمان والاستجابة، فإن رحمة الله قريب من المحسنين، فلهذا قال تعالى: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾.


رابعها: أن الداعي ما دام خاطره منشغلًا بغير الله من الحبوبات والمعشوقات فإنه لا يكون في دعائه على الحالة التي يرضاها ويطلبها من العبد، فلا يحظى بالقرب حتى يستفرغ قلبه مما سوى الله ويكون الله غاية قصده في كل شيء حتى لا تحجبه الأغراض النفسية عن الله، فهذه الآية الكريمة: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾ هي من ركائز التوحيد ودعائمه، إذ فيها توجيه للسائل إلى تحقيق الإيمان بالاستجابة لله، وإذا حصل هذا اكتسب العبد بدعائه سكينة في نفسه وانشراحًا في صدره وصبرًا يسهل عليه ما يلاقيه إذا لم يحظ بسرعة الإجابة، فكيف إذا حظي بها؟


وفسر ابن الأنباري قوله تعالى: ﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾ بمعنى: أسمع؛ لأن بين السماع والإجابة نوع ملازمة، فلهذا يقام كل واحد منهما مقام الآخر، فقولنا سمع الله لمن حمده أي أجاب الله. فقوله: ﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾ أي أسمع تلك الدعوة، وبهذا يزول الإشكال في التساؤل عن سرعة الإجابة والمقصود من السماع هو القبول كما في معنى قوله: (سمع الله لمن حمده) وذلك لأن المراد من الدعاء الإقبال على الله، والتوبة من الذنوب، وحصول الضراعة المحبوبة إلى الله، وحصول التذلل والخشوع، فلهذا كان عبادة وكان تاركه مغضوبًا عليه، وكانت إجابته محققة لا تتخلف إلا لسبب.


فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة المسلم لا ترد إلا لإحدى ثلاث ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم: إما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعا))[5].


وهذا الحديث فيه تمام البيان عن حسن نتيجة الدعاء، ثم إن هذه الآية تنص على الكرم العظيم من الله سبحانه لعباده لأنه يجيب دعاءهم، مع غنائه عنهم، ففيها حض لهم واستنهاض لهممهم على طاعة الله والاستجابة العامة له حيث إنهم محتاجون إليه من جميع وجوه. فكيف يستجيب لهم مع غنائه وهم لا يستجيبون له مع شدة فقرهم وحاجتهم إليه.


أما تقديم الاستجابة على الإيمان في قوله تعالى: ﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي ﴾ فلأن الاستجابة عبارة عن الاستسلام والانقياد لله، أما الإيمان فهو من صفات القلوب وأعمالها من تحقيق حب الله ورسوله وتعظيمهما، والعبد لا يصل إلى نور الإيمان حتى يستعذب طاعة الله وعبادته ويأنس بها، والأعمال وحدها لا تجدي بدون إيمان يجعل صاحبه يحب الله ورسوله فوق كل شيء بل يجعلها أحب من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين.


وبهذا يكون مسارعًا في مرضاة الله قاصرًا محبته على ما يحبه الله ويرضاه فيكون محبًا في الله مواليًا في الله دون ما سواه من الأغراض النفسية والمطالب المادية، ولا يبغض إلا ما يبغضه الله من الأعمال أو الأشخاص دون الالتفات إلى العواطف والأغراض، فيبتعد عن كل ما يبغضه الله ويعاديه لله وفي الله ولو كان أقرب قريب وتكون قرة عينه في رعاية أمانة الله من حمل رسالته والدفع بها إلى الإمام.


فهذا هو الإيمان الذي لو حظي به المسلمون لتغير واقعهم تغيرًا محسوسًا. وبالله التوفيق.


وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمه أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر))[6].


وعن عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى))[7] رواه مسلم.


وعن عطاء بن السائب أن عمارًا كان يدعو بدعوات سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما علمت الوفة خيرًا لي. اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق للقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين))[8] رواه النسائي.


وروى الترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو يقول: ((اللهم أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، اللهم اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك مطواعًا، لك مخبتًا، إليك أوّاهًا منيبًا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واسلل سخيمة صدري))[9].


وعن أنس قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار))[10] متفق عليه، وذلك لأنها جامعة لخصال الخير كلها.


واعلم أنه لا يجوز الاقتصار على الدعاء وترك الأسباب التي رتب عليها المسببات في الكون، فإن هذا معصية.


كما لا يجوز الاعتماد عليها وترك الدعاء استغناء بها عن فضل الله ولكن يجمع بين هذا وهذا، فيأخذ لكل شيء سببه، ويسأل الله التوفيق، فإن حصل له ما يريده من فعل الأسباب لطلب الرزق أو الصحة أو النصرة فقد أعطاه الله من خزائنه الكونية التي يفيض منها على جميع متبعي سنته الكونية في الخلق، وإن بذل جهده ولم يظفره بمطلوبه أو كان عاجزًا عن تحصيل السبب الذي يعالج به النوائب، كالتاجر الذي ذكرنا قصته حين دهمه اللص الفاتك، فإنه يلجأ إلى الله مسبب الأسباب، ويطلب المعونة والتوفيق ممن بيده ملكوت السماوات والأرض، وكل دابة هو آخذ بناصيتها، وهو سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا خصه بالدعاء والتجأ إليه ضارعًا مستيقنًا أنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، وكم لله من عناية بالمتوجهين إليه مخاصين له رغبًا ورهبًا، قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].


وليست مشروعية الدعاء بالنطق فقط، ولكنه بنطق اللسان وفزع القلب إلى الله وشعوره بعظيم الحاجة إلى معونته والالتجاء إليه، ولهذا كان تحقيق الإيمان بالله والاستجابة لجميع أوامره وتشريعاته من ضروريات إجابة الدعاء.


ومن لوازم الإيمان ومكملاته: الإكثار من ذكر الله والاستغفار وتلاوة القرآن بتدبر وخشوع، فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له: جمدان، فقال: ((سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون)).


قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات))[11].


وروى الترمذي والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه))[12].


نكتة لطيفة: تقدم سائل إلى بعض المشائخ الفضلاء قائلًا: إذا كان الرزق مقدرًا بقضاء الله فلأي شيء ندعو؟ فقال الشيخ: وإذا كانت إجابتي لك أو عدمها مقدرة بقضاء الله فلأي شيء تسأل؟


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ يعني: يرشدن بالجمع بين الإيمان والإذعان لأوامر الله ونواهيه؛ لأنها جامعة لكل أسباب الخير والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، فمن حققها حصل على الرشد، ومن لم يحققها كان محرومًا من الرشد بقدر ما أضاعه منها، والرشد هنا ضد الغي والفساد، كما قال تعالى في شأن الفراعنة الكافرين ومن قلدهم من بعدهم أبد الآبدين: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سبيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾ [الأعراف: 146]. وكما قال عن خليله إبراهيم: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 51].


فالرشد في هذه الآيات يقصد به صلاح جميع الأحوال السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها من جميع شئون الحياة، بخلاف الرشد الذي هو ضد السفاهة الموجبة للحجر على أموال السفهاء حتى يرشدوا، فإنه رشد مقصور على الأحوال الاقتصادية من إصلاح المال وحفظه عما لا فائدة فيه، قال تعالى لنبيه: ﴿ فإن آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6] فالرشد والرشاد المقصود في هذه الآية وفي آية مؤمن آل عمران:

﴿ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 38] هو ضد الغي والفساد.


وبذلك يعلم أن الأعمال إذا لم تكن صادرة عن روح الإيمان لا يرجى الرشاد لصاحبها ولا الهداية الصحيحة، كمن يصوم اتباعًا للعادة وموافقة للبيئة أو المعاشرين، فإن الصيام لا يهيئه للتقوى ولا يعده للرشاد، وربما زاده فسادًا في الأخلاق وضراوة في الشهوات، وكذلك المصلي ببدنه لا بقلبه، فإن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر من الطمع في الأموال والأعراض وأكل الربا والغش والغبن وإنفاق السلع بالأيمان الكاذبة وغير ذلك، ولهذا نجد الله سبحانه يذكرنا أثناء سرد الأحكام بأن الإيمان هو المقصود الأول في إصلاح النفوس، والأعمال لا تحصل نتائجها الطيبة إلا إذا كانت مشربة بالإيمان والتقوى.


فحصول الرشد مربوط بعمارة الضمائر بتقوى الله واستشعار مشاهد يوم القيامة كما أسلفنا، وبها تزكو النفوس وتشرف أخلاق أصحابها، فإن الذي يوجه سلوك الأفراد والجماعات من صلاح أو فساد هو طهارة قلوبهم من رجس الشيطان وفتنة الاتجاه المادي أو عكسه، وبطهارة القلب من ذلك تتحقق في الإنسان معاني الإنسانية الكاملة التي لا تحقق إلا بمكارم الأخلاق.


فجميع روافد الإيمان من تشريعات الإسلام كلها لبناء الإنسانية بالأخلاق الفاضلة التي تعدها للقيام بخلافة الله في الأرض خير قيام، ولقوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في تطبيق ذلك أثنى عليه الله بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].


ففي التشريعات الإسلامية أساس متين لإرساء قواعد الحق والعدل وحفاظ قوي للحقوق والواجبات، وسياج منيع لروابط المحبة الإخاء، ومرجع استقامة للسلوك وصلاح الأمر كله.


والأمة إذا سادت فيها الأخلاق بقوة العقيدة ارتفع شأنها وعز سلطانها وكانت في تماسكها كالبنيان المرصوص، وبذلك يعلو شأنها ويرهب كيانها وتشق طريقها إلى الفتح والتقدم؛ لأن قوة العقيدة والأخلاق يحميانها في الداخل، ويجعلانها تستسهل الصعاب في الخارج، والعكس بالعكس.



[1] أخرجه الترمذي: [3371]، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه؛ لا نعرفه إلا من حيث ابن لهيعة.

[2] أخرجه أبو يعلى: [5269]، والطبراني بالكبير: [10/217] [10518]، وذكره الهيثمي بالمجمع، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني، وزاد سيحبسه عليكم، وفيه معروف بن حسان، وهو ضعيف.

[3] أخرجه أبو داود: [359]، والترمذي [2969،3247،3372]، والنسائي في الكبرى: [11464] وقال: حسن صحيح، وابن ماجه: [3828]، والإمام أحمد: [4/267،271،276]، وابن أبي شيبة [6/21] [29167].

[4] أخرجه الترمذي: [889]، والنسائي في الكبرى: [4011،4050،4180]، وابن ماجه: [3015]، والإمام أحمد: [4/309]، ومسلم في التمييز: [76]، وذكره العجلوني في كشف الخفا: [1115]، وقال: رواه أحمد، وأصحاب السنن، وابن حبان، والحاكم، وقال صحيح الإسناد، وقال الترمذي: والعمل عليه من أهل العلم، والصحابة، وغيرهم، وكذا رواه الدارقطني، والبيهقي كلهم عن عبدالرحمن بن يعمر.

[5] ذكره الديلمي في الفردوس: [3044].

وروى البيهقي في الشعب نحواً منه عن أبي هريرة رضي الله عنه [1126]، وعن زيد بن أسلم من قوله: [1127]، وبنحوه عن كعب الأحبار ينقل عن الكتب السابقة وأن هذه فضيلة خص الله بها هذه الأمة، أخرجه عنه ابن المبارك في الزهد: [1/22] [88].

[6] [صحيح] أخرجه مسلم: [2720]، وغيره.

[7] [صحيح] أخرجه مسلم: [2721]، وغيره.

[8] أخرحه النسائي بالمجتبى: [5413]، وبالكبرى: [1228]، وعبدالله بن أحمد بالسنة، [1190]، واللالكائي في الاعتقاد: [1190]، والهيثمي بالموارد: [509]، والبزار [1393].

[9] أخرجه الترمذي: [3551]، وقال: حسن صحيح، وأبو داود: [1510]، والنسائي في الكبرى: [10433]، وابن ماجه: [3830] والإمام أحمد: [1/227].

[10] [صحيح] أخرجه مسلم: [2690] وغيره، وهناك رواية بقصة طويلة للصحابي الذي دعا أن يعجل له ربنا العقوبة عياذاً بالله، وهي صحيحة أخرجها مسلم أيضاً: [2668].

[11] [صحيح] أخرجه مسلم: [2676]، وغيره.

[12] أخرجه الترمذي: [2926]، وقال: حسن، والدارمي: [2/533] [3353، 3357]، وعبدالله ابن الإمام أحمد في السنة: [128]، وقال: إسناده ضعيف.

ورواه أبو داود عن شهر بن حوشب مرسلاً في المراسيل: [537]، والبيهقي بالشعب: [2015]، واللالكائي في الاعتقاد: [557]، والبيهقي في الاعتقاد: ص 102. وابن عدي في الكامل: [5/48] مطولاً في بعض روايته، وفي بعضها مختصراً.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية (186) (1)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (186) (2)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (186) (3)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (187) (1)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب