• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (5)

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 183 : 184) (5)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/4/2013 ميلادي - 6/6/1434 هجري

الزيارات: 75922

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (183 : 184) (5)


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183-184]..

 

الواجب على أمة محمد وورثة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحاربوا الثقافة الاستعمارية الزائفة أعظم من محاربته عسكرياً، لأن الاستعمار الثقافي أنكى وأفظع، والله حذرنا من طاعتهم واتباعهم في أي شيء من مذاهبهم وأذواقهم، وأخبرنا أنهم يريدون ضلالنا وأن نميل مع الأهواء. قال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]. وقال تعالى: ﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]؛ لأننا إذا ساويناهم في ضلالتهم وفساد أخلاقهم فقدنا المدد من الله وابتعدنا عن الوحدة التي لا يحققها الله لنا إلا بالاستمساك بهداه، والاعتصام بحبله الذي هو القرآن، وبدون ذلك يربح أعداؤنا المعركة؛ فتتسلط علينا اليهودية العالمية التي ما فتئت تعمل لذلك.


وليعلم أن الذي يستهجن مشروعية الصيام فإنه مرتد عن الإسلام ولو صام؛ لأن ذلك من نواقض الإسلام، وكذا من يبيح للعمال أو الطلاب الإفطار في رمضان لاستدراكه على الله في شرعه وعلمه وحكمته، فجريمته عظيمة تزيد على الكفر؛ لأنه نصب نفسه طاغوتاً مشرعاً من دون الله، فهو منازع لألوهية الله وملوكيته في الأرض، وهذا بعض ما تجره الثقافة الاستعمارية الكافرة التي ركزت فيها الماسونية اليهودية كثيراً من ضروب الإلحاد.


هذا وليعلم أن مدرسة رمضان أعظم وأنفع من جميع المدارس العسكرية وكليات التربية الحديثة على اختلاف أنواعها؛ لأن التربية العسكرية والمدنية كلها مقصورة على أشياء مادية خالية من الروحانية، بخلاف المدرسة الرمضانية، فإن تربيتها العامة مشربة بروح التقوى، وأعظم فوائده الروحية التعبدية المقصودة بالذات هي كون الصائم يصوم لوجه الله، كما هو المشروط في النية. وقد قال العلماء بوجوب تبييت النية في الليل، مستنداً على حديث نبوي، فمن صام لأجل الصحة فقط فليس عابداً لله في صومه، إلا أن ينوي العبادة معها، وتقدم البحث عن آثار الصيام في التقوى بما فيه كفاية.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ يعني: معينات بالعدد، وتعبيره سبحانه بذلك للتقليل الذي يراد به التسهيل، وزعم بعض المفسرين أن الأيام المعدودات غير رمضان كيوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، وليس عندهم نص يصلح للاستدلال قطعاً، إذ لو ورد نص بذلك لتوفر نقله، إذ يستحيل خفاء تكليف عمل به، وأما يوم عاشوراء فهو معظم في شرع من قبلنا وورثت الجاهلية تعظيمه، ويقال: إن صومه كان واجباً قبل نزول فرضية صيام رمضان، فلما نزلت فرضية صوم رمضان كانت ناسخة له، وهذا أيضاً يحتاج إلى دليل، ولكن الواضح من الآثار هو أنه كان يصام في الجاهلية وعند اليهود دون ورود دليل يوجبه علينا.


ويلاحظ من الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغه في آخر عمره أن اليهود تصومه تعظيماً له بحجة أنه الذي أنجى الله فيه موسى وقومه من الغرق وأغرق أعداءهم فيه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((نحن أحق بموسى من اليهود، لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر))[1]. يريد مخالفتهم، فبقيت هذه المخالفة سنة في أمته.


وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ يعني: من كان مصاباً بمرض يتكلف به أو يشق عليه الصيام بسببه، فإنه يجوز له الإفطار، وكذلك المسافر، لأن في السفر مظنة المشقة، فإذا أفطر المريض أو المسافر جميع رمضان أو أياماً منه وجب عليه الاحتفاظ بقضاء أيام أخرى بدلاً عما أفطره في رمضان، لأنه لابد للمسلم من تحصيل مصالح الصوم الحسية والمعنوية، فإذا فاته صيام رمضان لعذر قضاه وقت استطاعته.


وقد أطلق الله المرض والسفر اكتفاء بمظنة المشقة، فلم يحدد نوع المرض ولا صفته لاختلاف الناس في الصبر والتحمل، بل جعل مظنة المشقة كافياً في تحقيق الرخصة تسهيلاً على المكلفين وإناطة للمشقة بضمائرهم حسب إحساساتهم المختلفة، لأن تحديد المشقة فيه عسر، وعرفان الضرر بالتحقيق أعسر، فقد يكون بعض الأمراض لا يشق معه الصوم ولكنه يضر بالمريض أو يكون سبباً لطول مرضه أو زيادته، فمن جملة يُسر الدين وسماحته عدم تقييد الله لحدود المشقة في المرض والسفر وجعله ذلك موكولاً إلى نفس المكلف وضميره، وما تقتضيه الحال من الملابسات.


وقد جاء ذكر المرض والسفر من الله بصيغة التنكير ليشمل كل مرض وكل سفر، فلا عبرة بقول من حدد السفر بمسافة لورود النصوص بخلافه، فقد روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يقصر في الميل الواحد من السفر[2]. وروى سعيد بن منصور عن أبي سعيد قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر فرسخاً قصر الصلاة[3]. والفرسخ: ثلاثة أميال.


وهذه الرواية تفسر ما رواه الإمام مسلم والإمام أحمد وأبو داود عن أنس من كون الثلاثة فراسخ أو الأيام ثلاثة أميال، ولا ينافي هذا ما ورد من قصره - صلى الله عليه وسلم - للصلاة في أكثر من ذلك.


والسفر الذي يباح فيه القصر يباح فيه الفطر.


وزعم بعض العلماء أن من سافر في أثناء اليوم لا يجوز له الإفطار إلا في اليوم الثاني بتعليل لفظي، ولكن جرت السنة على خلاف ذلك، فقد روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة والناس مختلفون، فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن فوضعه على راحته أو على راحلته، ثم نظر إلى الناس فقال المفطرون للصوام: أفطروا))[4].


وفي حديث أنس وأبي بصرة النص على الأمر بذلك، وورد غير هذا في الأحاديث التي تدل على جواز الإفطار أو أفضليته لمن سافر ولو كان صائماً ناوياً للصيام من ليله.


أما الظاهريون فذهبوا إلى عدم إجزاء الصوم للمريض والمسافر وأنه يقضيه أخذاً بقوله تعالى: ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ دون مراعاة الحذف والتقدير الذي راعاه جمهور المفسرين. وذهب بعض الظاهرية إلى عدم القضاء مع الصيام، وذهب بعضهم إلى وجوب الإفطار على المريض والمسافر.


وقد نصت السنة العملية بخلاف ذلك، والعجب أن كلامهم يقتضي تضييق الله على المريض والمسافر وتشديده عليهما بما لم يشدد على غيرهما. وهذا عكس لمقصود الله من السر في التشريع، وسببه الجمود تارة، وتقليد الجامدين تارة، روى الإمام مسلم والترمذي وصححه والنسائي كلهم رووا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه، فقيل: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقال: ((أولئك العصاة))[5].


وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي كلهم عن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: ((ما هذا؟ فقالوا: صائم. فقال: ليس من البر الصيام في السفر))[6]. وقد روي هذا الحديث من طرق متعددة صحيحة.


ومن أراد المزيد من النصوص فعليه بجامع الأصول ونحوه يجد عشرات الأحاديث الدالة على الإفطار في الصيام، وأنه رخصة، وأنه أفضل أيضاً.


وقوله سبحانه: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾. اعلم أن الإمام ابن جرير رحمه الله ذكر في معنى هذه الجملة من الآيات ثلاثة وجوه:

أحدها: أن الأمر كان في البداية على التخيير بين الصيام والإطعام، ثم نسخ بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ وأورد في ذلك بضعة عشر أثراً عن معاذ بن جبل، وعمرو بن مرة، وعلقمة، والحسن البصري، وابن عمر، والشعبي وابن شهاب، وسلمة بن الأكوع، وعبيدة، والضحاك.


ثم أتى رحمه الله بقولين متماثلين أو متقاربين في المعنى وهما: أن هذه الآية أو هذه الجملة في الآية محكمة لم ينسخ فيها شيء، وأنها تعني الشيخ والعجوز وكل من يصعب عليه الصوم أنه يفدي طعام مسكين لكل يوم.


وأورد بضعة عشر أثراً عن ابن عباس وعكرمة وقتادة والربيع والسدي وابن عباس أيضاً في الحامل والمرضع أورد عنه وعن السدي عدة آثار، ثم عن ابن عمر فيهما وعن سعيد بن المسيب أورد ابن جرير عن هؤلاء في هؤلاء ثلاثة عشر أثراً.


ثم أورد القول الثالث أو الرابع في الترتيب وهو الذي على قراءة ابن عباس: (وعلى الذين يطوقونه) أي: يطوقونه وهم لا يطيقونه كالشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع، وكل يكلف بالصوم وهو يجهده، فأتى بثمانية وعشرين أثراً تؤيد معنى هذه القراءة، منها أربعة عشر أثراً عن ابن عباس سنذكر بعضها للاختصار، وأربعة آثار عن عكرمة، وواحد عن عائشة رضي الله عنها، وواحد عن سعيد بن جبير، وأثرين عن عطاء، وأثرين عن مجاهد، وأثرين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأثر عن أبي طاوس، وأثر عن الضحاك.

 

ثم رجح القول بالنسخ وزعم أن قراءة: (وعلى الذين يطوقونه) مخالفة لمصاحف المسلمين وأنها تعارض ما ثبت وقامت به الحجة أنه من عند الله - غفر الله له ولجميع العاملين المصلحين في دين الله - وليست هذه القراءة على ما زعمه أنها من الآراء والظنون، بل هي قراءة مشهورة، وإن كانت شاذة بالنسبة إلى تواترها، لكن معناها صحيح يفسر حقيقة هذه الجملة من الآية، ويحميها من دعوى النسخ وليس فيها ما يعترض أو يعارض هذه القراءة المشهورة أبداً، بل فيها ما يفسرها حسب اللغة الفصحى التي جاء بها القرآن، وهي بحمد الله قراءة عائشة أم المؤمنين وابن عباس رضي الله عنهما، ومعناها يفسر المقصود من الآية، وذلك أن الطاقة معناها غاية الجهد، فمن أجهده الصيام وأنقض ظهره لكبر سنه وضعف حاله فله الرخصة مع الفدية، ويشهد لهذا المعنى أولاً نص القراءة (يطوقونه) يعني: يطوقونه بالتكليف وهم لا يطيقونه.


والشاهد التالي هو المزدوج من العقل واللغة، فإنك أيها الإنسان لا يجوز لك أن تقول: ((إني أطيق الرطل أو الرطلين، ولكن تقول: أطيق حمل القنطار أو القنطارين، وتقول: أطيق كيس السكر أو كيس الأرز، ولا تقول: أطيق كيس الحلاوة، فينتقدك السامع)) لأن الطاقة في اللغة العربية هي غاية الجهد. فتفسير الآية يجب ألا يخرج عن هذا المعنى، لأن دعوى النسخ صعب إثباتها، فيكون للمبطلين مجال للتلاعب، وعليك أيها المسلم الابتعاد عن همزات الشياطين المحبين للانحلال والإلحاد والبطالة، وأن تسلك الحزم بالتزام طاعة الله في الصيام.


ومع أن القراءة الشاذة يجوز العمل بمشهورها فنحن لم نعتمدها على الإطلاق، بل استشهدنا بها على حقيقة المعنى المطلوب من الآية: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ يعني: يتحملونه بكلفة ومشقة، كالشيوخ الضعفاء والزمنى الذين لا يرجى برؤهم ونحوهم ممن يشق عليهم الصيام لتكليفهم بالأعمال الشاقة سخرياً لا خيرة لهم ولا راحة.


قال الراغب: الطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء فقوله: ﴿ وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286]. أي: ما يصعب علينا مزاولته وليس معناه: (ولا تحملنا ما لا قدرة لنا به).


وبعض المفسرين قدر حرف نفي فقال: (وعلى الذين لا يطيقونه فدية) ليوافق مذهبه.


والآية موافقة له من غير حاجة إلى جعل الإثبات نفياً كما أوضحنا معناها من غير تكلف تقدير نفي. وقال بعضهم: إن الهمزة في الإطاقة للسلب. فمعناها: الذين لا يطيقونه. من غير تقدير حرف النفي.


قال صاحب المنار عن هذا: وهو قول منقول معقول، ويظهر بإرادة سلب الطاقة أي القوة به لا قبله، والقاعدة أنه لا يحكم بالنسخ إذا أمكن حمل القول على الإحكام.


قلت: والمعنى ظاهر الوضوح بلا إشكال والحمد لله، فلا يقول بالنسخ إلا المولع بالقول بتكثير الناسخ والمنسوخ، ومن قلده من الناقلين بلا إمعان.


وقال ابن جرير: حدثنا هناد قال: حدثنا علي بن مسهر، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين). قال: فكان يقول: "هي للناس اليوم قائمة" وكذا ساق أثراً رقمه (2767) بسنده عن ابن عباس، والأثر المرقم (2768) بسنده عنه أنه كان يقرؤها هكذا، ويقول: "هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه، وكذا ساق الأثر بعده عن عكرمة، ومثله الأثر المرقم (2771) عن عكرمة قال: الذين يطيقونه يصومونه، ولكن الذين يطوقونه يعجزون عنه. وقبله أثراً عن سعيد بن جبير أنه قرأ: (وعلى الذين يطوقونه). وبعده الأثر المرقم (2772) أن عائشة كانت تقرأ: (يطوقونه). ثم الأثر (2773) أن عطاء كان يقرؤها: (يطوقونه)، قال ابن جريج: وكان مجاهد يقرؤها كذلك. ثم الأثر (2774) عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: هو الشيخ الكبير. والأثر (2775) مسند إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس: (وعلى الذين يطوقونه). قال: "يتجمشونه، يتكلفونه". والأثر (2776) عنه قال: "الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكيناً". والأثر (2777) مسنداً عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ قال: "يتكلفونه". فدية طعام مسكين واحد. قال: "فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام أو مريض يعلم أنه لا يشفى".


قلت: ومعنى كلامه هذا كالسابق. ثم ساق ابن جرير الأثر (2778) مسنداً إلى عطاء عن ابن عباس، قال: ﴿ الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ يتكلفونه، فدية طعام مسكين واحد، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى، هذا عن مجاهد. ثم ساق الأثر (2779) مسنداً مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقول: "ليست بمنسوخة".


ثم ساق الأثر (2780) عن ابن عباس في قوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ يقول: "من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير، والذي به سقم دئم". وكذا ساق الأثر المرقم (2781) و(2783) عن ابن عباس أيضاً. ثم الأثر (2784) مسنداً إلى علي رضي الله عنه في قوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ قال: "الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكيناً".


ثم الأثر (2785) عن ابن عباس قال: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ قال: "هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه: الشيخ والشيخة". إلى الأثر (2789) عن ابن جريج. قال: قلت لعطاء: ماقوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ قال: "بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين". قلت: الكبير الذي لا يستطيع الصوم أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد؟ قال: "بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء، فأما من استطاع بجهد فليصمه ولا عذر له في تركه".


وباقي الآثار كلها مجمعة على أنها في الشيخ الكبير العاجز عن الصيام، وكذلك الآثار الثلاثة عشر التي أتى بها ابن جرير قبلها تفيد عن هذه الآية بأنها حكم خاص للشيخ الكبير والعجوز. فلا حاجة لدعى النسخ مادام المعنى ظاهراً ولم يحصل تعارض بين مجمل الآية.


ويبدو من أكثر الآثار المروية عن الصحابة والتابعين أن الخلاف لفظي لا جوهري، وادعاء ابن جرير رحمه الله النسخ بزعمه أن (الهاء) في قوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ من ذكر الصيام، ومعناه: وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام سمكين، فإذا كان كذلك.. إلخ لا معنى لزعم النسخ ما داموا مجمعين على أن القادر لا يجوز له الإفطار بالافتداء، لأن الشأن في معنى الإطاقة وأنها غاية الجهد والمشقة، خصوصاً على القول بأن من نام قبل الإفطار جب عليه الصيام حتى الليلة القابلة فهذا من المشقة بمكان عظيم، فالآية واضح معناها، وليس بينها وبين ما بعدها تعارض أبداً حتى يصار إلى النسخ، وليلاحظ أن الله لم يقل: (وعلى الذين يستطيعونه) حتى تسوغ دعوى النسخ، بل أتى باللفظ الذي فهم منه عدم الاستطاعة، حيث قال: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ أي: يتكلفونه ويتجمشونه بجهد وإجهاد، كما فسروه بمدلول اللغة عرفاً وعقلاً، والله أعلم.


هذا وقد روى البخاري في كتاب التفسير من صحيحه حديثاً في التخيير بادئ الأمر[7] ثم أسند عن ابن عمر أن الآية منسوخة[8] لكنه روى عن ابن عباس من طريق عطاء خلاف ذلك عن ابن عباس أنها ليست منسوخة[9]، وإذا اضطربت الأحاديث وجب الجمع بينهما، والجمع بينهما واضح بما قلناه سابقاً ونقلناه عن إمام التأويل، وتؤيده القراءة: (يطوقونه) مما يتضح به الأمر ويزول الإشكال ولا ينفتح به للملاحدة والمشككين مقال.


قال الرازي: أول الآية دل على إيجاب الصوم وهو قوله: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ إلى قوله: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾، ثم بين أحوال المعذورين، ولما كان المعذورون على قسمين: منهم من لا يطيق الصوم أصلاً، ومنهم من يطيقه مع المشقة والشدة، فالله تعالى ذكر حكم القسم الأول ثم أردفه بحكم القسم الثاني.


الحجة الثانية: في تقرير هذا القول أنه لا يقال في العرف للقادر القوي أنه يطيق هذا الفعل؛ لأن هذا اللفظ لا يستعمل إلا في حقه.


الحجة الثالثة: أن على أقوالكم لا بد من إيقاع النسخ في هذه الآية، وعلى قولنا لا يجب، ومعلوم أن النسخ كلما كان أقل كان أولى، فكان المصير إلى إثبات النسخ من غير أن يكون في اللفظ ما يدل عليه غير جائز.


الحجة الرابعة: أن القائلين بأن هذه الآية منسوخة اتفقوا على أن ناسخها آية شهود الشهر، وذلك غير جائز؛ لأنه تعالى قال في آخر تلك الآية: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ ولو كانت الآية ناسخة لها لما كان قوله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ لائقاً بهذا الموضع؛ لأن هذا التقدير أوجب الصوم على سبيل التضييق ورفع وجوبه على سبيل التخيير، فكان ذلك رفعاً لليسر وإثباتاً للعسر. فكيف يليق به أن يقول: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾؟!! اهـ.


وقد قدمنا القول بأنه لا داعي للقول بالنسخ ولا مساغ له، بل ولا يصح له، وإنما يجر إلى الشغب في القرآن وإعطاء فرصة للمبطلين بذلك. وقد أزال الرازي رحمه الله شبهة دعوى النسخ وأبطلها من معنى الآية الكريمة.


وقد قال قبل هذا فيما يتعلق بمعنى الآية ما نصه: وتقريره من وجهين:

أحدهما: أن الوسع فوق الطاقة، فالوسع اسم لمن كان قادراً على الشيء على وجه السهولة، أما الطاقة فهي اسم لمن كان قادراً على الشيء مع الشدة والمشقة. فقوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ أي وعلى الذين يقدرون على الصوم مع الشدة والمشقة.


الوجه الثاني: في تقرير هذا القول القراءة الشاذة: "وعلى الذين يطيقونه "فإن معناه: وعلى الذين يتجشمونه ويتكلفونه.


ومعلوم أن هذا لا يصح إلا في حق من قدر على الشيء مع ضرب من المشقة. إلى أن ذكر قول الأصم المختار. والوجوه التي احتجوا على صحته بها: أحدها: غاية المرض. والثاني والثالث ما قدمناه. ثم ذكر ملاحظة القاضي رحمه الله على الأصح بالعطف في الآية، وهو يقتضي المغايرة، وأجاب عنها بقوله: إنا بينا أن المراد من المسافر والمريض المذكورين في الآية هما اللذان لا يمكنهما الصوم ألبتة، والمراد في قوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ المسافر والمريض اللذان يمكنهما الصوم، فكانت المغايرة حاصلة، فثبت بما بينا أن القول الذي اختاره الأصم ليس بضعيف. اهـ.

 

وقوله سبحانه: ﴿ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ الفدية: هي ما يفدي الإنسان بها نفسه ويقيها من الرق من مال يبذله، أو يقيها من الإثم بكفارة يتصدق بها بدلاً عن العبادة المفروضة أو الجناية فيها، وهي مقدرة بطعام مسكين قدره ربع صاع من الحنطة، أو نصف صاع من غيرها عند الحنابلة وبعض العلماء، وعند غيرهم نصف صاع حنطة أو صاع من غيرها. وقد أفطر أنس بن مالك رضي الله عنه عاماً أو عامين في آخر عمره وأطعم عن كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً، كما رواه أبو يعلى الموصلي وعبد بن حميد في مسنديهما والبخاري تعليقاً، وقال بعضهم: يطعم المفطر مسكيناً من القوت الذي يتقوته، والأولى أن يراعي فيه الطعام المألوف كله في رمضان ليكون المطعم منفقاً مما يحبه. وقرأ نافع وأهل المدينة: (فدية) بلا تنوين ﴿ طعام مسكين ﴾ والأولى هي المشهورة.


وقوله سبحانه: ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ فيه تعميم لفضيلة التطوع دون تخصيص لها بمعنى من معاني الخير، فيكون من زاد في الفدية على طعام مسكين بأن أعطاه أكثر من طعام يوم، فزاده طعام أيام كثيرة، أو أطعم عدة مساكين، أو جمع بين الصوم الذي يرهقه والإطعام، قد أحسن به إلى نفسه، وتبعد فضيلة الجمع بين الإطعام والصيام المرهق؛ لأن فيه رفضاً لرخصة الله وتيسيره.


وقوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ترغيب من الله للمؤمنين بتحمل مشقة الصيام وصعوبته إيثاراً على الإطعام، وإن كان في الإطعام منفعة لصائم آخر يتقوى بها على تلك العبادة العظيمة، لكن لما كانت فوائد الصيام فوائد حسية ومعنوية عظيمة لها شأن كبير في بناء المجتمع المسلم، نبه الله على خيرية الصيام وأفضليته على الإطعام.


فالصيام شرعه الله إيقاظاً للروح، وتصحيحاً للجسد، وتقوية للعزيمة، وتعويداً على الصبر، وإيقاداً لمشاعر الرحمة، وتدريباً على كمال التسليم لله والانقياد لأوامره ورعاية أمانته فيما كلفنا به. ففيه كمال العبودية لله بغاية التسليم، وهذه الحكمة هي القدر المشترك في كل عبادة، والغاية السامية من كل فريضة، ولن يكون الإنسان عبداً لله إلا بتحقيقها. وفي الصوم يظهر ذلك أزود من غيره.


فعلى المسلمين أن ينتبهوا لأسرار الصيام ويستغلوا مدرسته؛ ليجنوا ثماره الصحيحة، ويستمدوا منه قوة الروح وروح القوة، فيكون نهارهم نشاطاً وإنتاجاً وإتقاناً، وليلهم حباً وتعاوناً وتهجداً وتلاوة لوحي الله، ومحاسبة لأنفسهم على ضوئه؛ ليخرجوا من هذه المدرسة ناجحين، وألا يغفلوا ويجبنوا في نهارهم ثم يعملوا في ليلهم ما هو مناف لحكمة الصوم من التنافس في أصناف المأكولات واللهو والعب، فإن الله جعل الصيام للقلب والروح فلا يجوز لنا أن نجعله للبطن والمعدة. والله جعله للحلم والصبر، فلا يجوز أن نجعله للطيش والغضب، والله جعله لتقوية العزائم فلا يجوز أن نجعله خوراً أو لعباً، والله جعله لنا حمية وعبرة فلا يجوز لنا أن نجعله موسماً للطعام ووسيلة للتخمة. فكما أن الصيام فيه تقوية للروح وصحة للبدن فإن فيه تقوية للبدن إذا أحسن استعماله، فإن كثيراً من أمراض الناس ناشئة من بطونهم التي يتخمونها بشتى المشتهيات دون تفريق، فإن البطن مستنقع البلاء، والمعدة بيت الداء، كما أجمع عليه الأطباء، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه))[10].


ومن المقرر المعترف به أن الحمية رأس الداء، وهي الامتناع عن كثرة الأكل، ولا يوجد فرصة كفرصة الصوم تستريح فيها المعدة، ويتخلص الجسم من الفضلات الضارة.


وقد قرر علماء الطب الحديث أن الصوم يفيد الجسم كثيراً في بعض الأمراض التي تصيبه وخصوصاً أمراض الجهاز الهضمي، كالتهاب المعدة، وبعض أوجاع الأمعاء، وأمراض الحويصلة المرارية، وما نتج عن زيادة الوزن وبعض أمراض القلب، ففي الصوم نفع من ذلك بشرط ألا يكون الصائم منهموماً على الأكل في الليل، وما أضاع فوائد الصوم الصحيحة إلا جعل الناس رمضان موسماً كبيراً للأكل والجشع بأصناف الطعام خلال ساعات الليل.


وقد نشرت إحدى المجلات أن ثلاثمائة شخص قد برئوا من البول السكري بعلاج الصوم. ولا يزال الله يرينا عجائب حكمته وصدْق ما أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - في وحيه المبين، وأنه رحمن رحيم لا يشرع لنا ولا يوجب علينا إلا ما فيه الخير والمنفعة والحكمة العاجلة والآيات، ولهذا قال: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.


قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].

إشادة بهذا الشهر الكريم، وأنه كما جعله الله شهر الهداية العملية التهذيبية، فإنه أنزل فيه الهداية العلمية النظرية العامة الجامعة لخلال الخير كلها، والموضحة لأسباب السعادة في جميع نواحي الحياة، والموصلة إلى أعلى مراتب الكمال. إن الله لما قضى وجعل سعادة الشعوب وشرفها خيراً من حياتها تعاهدها بإرسال الرسل وإنزال الكتب التي توضح لهم المعالم الموصلة إلى ذلك، فمن قصدها واتجه إليها ظفر بها، ومن انحرف وابتغى غير ما رسمه الله ضلت به بنيات الطريق، فتخبط في أنواع الغواية التي يشقى بها هو ومن تبعه وسار في فلكه بصنوف الأنانية والأغراض الدنيئة المفضية إلى الحروب الباردة والكاوية.


فجميع ما يتعارفه الناس في الدنيا من أنواع الخير هو من بقايا الوحي والنبوات، وجميع ما حدث ويحدث من أنواع المفاسد والشرور هو من الانحراف عن ذلك والتكذيب به. لا مراء في هذا مهما غالط المغالطون فليس في اتباع الأهواء والأذواق خير؛ لأن الله وصف الإنسان بالجهل والظلم والهلع بجميع أنواع ذلك، وهو تعالى أعلم به لأنه الذي خلقه وطبعه على ذلك ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].


وقد قضت مشيئه أن يختم الرسالات والوحي بهدايته الأخيرة العامة الكاملة الشاملة، وأن يشرف العرب بها ويجعل سائر الناس تبعاً لهم وعولاً عليهم، لتتعلق بهم قلوب الصادقين المخلصين، ويمتاز المجرم الخبيث من اليهود وأعوانهم، حتى يذهب الله غيظهم بجهاد من صدق من حزبه، فبعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - من صميم العرب وفي قلب بلادهم، وأنزل عليه هذا الوحي العظيم الخالد المحفوظ بإذنه جل وعلا ما بقي الدهر، حاملاً ما شرعه من دينه الحنيف على جميع الرسل والأمم من نوح إلى عهده - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى: 13].


ففي هذه الآية كما في غيرها غاية البيان أن دين الله واحد هو الإسلام، جاءت به كل الرسل من نوح إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن من زعم غيره فهو مفتر على الله، وجزاؤه معروف سنوضحه بحول الله، وأنه كبر على المشركين وصعب عليهم أن يدعوهم إليه العرب بعدما اتبعوا أهواءهم وأخفوا منه كثيراً وحرفوه عن مواضعه، والمشرك هو كل من جعل لنفسه الخيرة في أمر من الأمور على خلاف وحي الله، سواء ادعى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو البوذية أو الشيوعية ونحوها من كل مذهب مادي أو مبدأ قومي يتطاول أهله به على سلطان الله، ويعطلونه عن حكمه بعدم امتثال أمره وطرح شريعته، فإن شرك التعطيل أعظم من شرك التشبيه، فالشرك ينحصر مدلوله باتباع الهوى ورفض الحق والركون إلى التخرص مما هو انتقاص لجناب الله واستهانة بعزته وإلحاد في أسمائه ولذا قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].


وقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116].


وقال: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 23] فالقرآن يفضح المشركين ويكشف سوءاتهم، وينادي عليهم بالجهل والضلال؛ لهذا كبر عليهم أمر العرب وصعب، فالمشرك عدو للعربي الحامل للقرآن والداعي بدعوته إلى الله حتى ولو كان عربياً مثله.


نعم، إنه يعادي من جعل الآلهه إلها واحداً، لأن نفسه تجنح إلى آلهه الهوى المتنوعة، إله الأطماع وإله الأغراض النفسية وإله الشهوات وإله الأنانية والانتهازية التي لا تقف عند حد، وإله المبادئ الحزبية والمذاهب المادية التي يتأكل بها المتأكلون، وينال بها المغرضون شتى المناصب والألقاب وأنواع المديح والتقديس؛ لهذا كانوا حرباً على الرسل وأتباعهم الحاملين لواءهم إلى يوم القيامة، ولهذا كانوا أعداء القرآن، يصمون عنه آذانهم، ويحولون دون الناس ويصدونهم عن استماعه، ويوعدون على اتباعه.


فعلى أمه محمد - صلى الله عليه وسلم - أن ينتبهوا لمقاصد أعدائهم كيلا ينجرفوا في تيارهم، وعلى كل من يعتز بعروبته أن يلتفت التفاتة صحيحة إلى القرآن، ويجعل من عروبته أكبر حافز على أخذه بقوة، وذلك بحسن تدبره وتلقيه أولاً، ثم بتوزيع هدايته ثانياً، وألا يفرط في هذه المكرمة، ولا يسترخص نفسه بالالتفات إلى غيرها من أوضاع أعدائه الذين تسيرهم الماسونية اليهودية العالمية اليوم باسم القوميات والوطنيات والمذاهب المادية، فيكون كمن استبدل بالدر النفيس والذهب الإبريز الخزف والنحاس.



[1] أخرجه مسلم برقم [1134] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[2] لم أجده. وأخرج ابن أبي شيبة أثراً عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقصر بعد ثلاثة أميال. المصنف [2/200].

[3] أخرجه ابن أبي شيبة [2/200] رقم [8113]، وعبد الرزاق [2/529] رقم [4318]، وعبد الرزاق [2/529] رقم [4318]، وعبد بن حميد [1/294] رقم [947] كلهم من طريق هشيم عن أبي هارون عن أبي سعيد - به.

وأبو هارون العبدي هذا ليس بثقة كما قال يحيى بن معين، والحديث ذكره أبن عدي في الكامل [5/79] في ترجمته.

[4] أخرجه البخاري كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان رقم [4277] من حديث عكرمة عن ابن عباس.

[5] أخرجه مسلم برقم [1114]، والترمذي برقم [710]. والنسائي [4/177].

[6] أخرجه البخاري كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح في رمضان [4277]، ومسلم برقم [1115] وأبو داود [2407]، والنسائي [4/177].

[7] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير برقم [4507] من حديث سلمة رحمه الله.

[8] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير برقم [4506].

[9] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير برقم [4505].

[10] أخرجه الإمام أحمد [4/132]، والترمذي [2380]، وحسنه، والنسائي في الكبرى [4/177]، وابن ماجه [3349]، والحاكم في المستدرك [4/367]، وقال: صحيح الإسناد، وابن حبان في صحيحه [5236] والبيهقي في الشعب [5/28][5648]، وأبو القاسم في مسند الشاميين: [2/164] [1116] [2/296] [1375]، والقضاعي في مسند الشهاب [2/271][1340] وابن المبارك في الزهد [1/213] [206]، وذكره الديلمي في الفردوس [4/67] [6210]، والعجلوني في كشف الخفا [2/260]، [2270]، [1/367]، [995]، [1/227] [595].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (1)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (2)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (3)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (4)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (6)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (7)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183: 184) (8)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (185)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (190 : 192)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصادر الأولية لتفسير كلام رب البرية: المحاضرة الثانية (تفسير الآيات الناسخة للآيات المنسوخة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة: الآيات 11 - 20(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير ابن باز لسورة البقرة الآيات: 1 – 10(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- الشكر
مغربي - المغرب 27-11-2013 05:19 PM

شكرا لهذا التفسير!

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب