• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (158 : 160)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/12/2012 ميلادي - 12/2/1434 هجري

الزيارات: 52431

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات [ 158 : 160]

 

وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [158].

 

الصفاء والمروة مصروفان[1]، وهما ﴿ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ يعني: أعلام دينه الظاهرة التي تعبد الله بها عباده. وإذا كانا من شعائر الله فقد أمر الله بتعظيم شعائره حيث قال: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: من الآية32]، فدل مجموع النصين على أنهما من شعائر الله، وأن تعظيم شعائره من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلف، وذلك يدل على أن السعي بهما فرض لازم، وركن من الأركان للحج والعمرة، كما عليه الجمهور، وكما دلت عليه الأحاديث النبوية الصحيحة من فعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله ((خذوا عني مناسككم)) ﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾، وهذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن السعي بينهما، لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الأصنام، فنفى سبحانه وتعالى الجناح لدفع هذا الوهم، لا لأنه غير لازم، وقيل إنه للإشارة إلى تخطئة المشركين الذين كانوا ينكرون كون الصفاء والمروة من شعائر الله، وأن السعي بينهما من مناسك إبراهيم، وذلك لفرط جهلهم بحقيقة دين إبراهيم، وجهلهم بدعوته لله، إذ يقول:﴿ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ [البقرة: 128]، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل شيئاً من تلقاء نفسه.

 

و(الجناح) بضم الجيم: الميل إلى الإثم، كجنوح السفينة إلى وحل ترتطم فيه. والمعنى: فليس عليه شيء من جنس الجناح، وهو الميل والانحراف عن مناسك الحج كما تزعمه الجاهلية. ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة أنه لا يتطوع بالسعي بينهما مفرداً إلا مع انضمامه لحج أو عمرة فقط، وبدون التلبس بالحج أو العمرة لا يتطوع بالطواف بالكعبة، كما لا يفعل شيء من باقي الشعائر والمناسك، كالوقوف بعرفة، أو المبيت بمزدلفة ومنى، أو الرمي لغير المتلبس بالحج فقط، فلو فعل شيئاً منها بغير الحج كان بدعة وإثماً.

 

واعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها شيء ظاهر لعدة وجوه:

أحدها: أن مسألة تحويل القبلة جاءت في معرض الكلام عن معاندة المشركين وأهل الكتاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان التحويل شبهة من شبهاتهم.

 

وقد تقدم أن من لوازم تحويل القبلة إلى البيت الحرام تحويل المسلمين عن كل مشابهة لليهود والكفار، وعن أي التقاء يجري معهم في أي شأن من شئون الحياة، وأن في إيجاب توجههم إلى الكعبة توجيه قلوب المؤمنين إلى الاستيلاء عليها لتطهير البيت الحرام تطهيراً معنوياً عن الشرك والكفر، بل توجيهاً للمؤمنين إلى تخليص كل مسلم يشاركهم في استقبال هذا البيت من الظلم والاستضعاف في الأرض، ومن لم يقم بهذا كان راضياً بإهانة البيت الحرام أو بإهانة إخوانه المسلمين من قِبَل القوم الكافرين والعياذ بالله.

 

وقد روى ابن عباس حديثاً طويلاً خلاصته أن الله سبحانه أمر خليله إبراهيم أن يذهب بزوجته (هاجر) وابنها الطفل (إسماعيل) ويضعهما حول بيته المحرم ويتركهما هناك ويعود إلى رسالته، فإن الله سيتكفل بشأنهما. فامتثل إبراهيم أمر ربه كما تقدم في إخراج حبيبه من جنان الشام إلى تلك الأرض القالحة التي لا ماء فيها ولا زرع ولا يعيش فيها حتى الطيور، وذلك لقوة إيمانه وصدقه في تضحيته بأحب مرادات نفسه في سبيل تنفيذ مراد ربه تبارك وتعالى، وأنه وضعهما حول مكان البيت في موضع زمزم حيث أمره الله، وولى عنهما مدبراً، وأن هاجر أخذت تتعلق به وتناشده قائلة: إلى من تكلنا؟ وهو لا يجيبها، حتى قالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال لها: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. وأنها بعد ما رجعت منه وابتعد عنها سأل الله ضارعاً إليه قائلاً: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ﴾ [إبراهيم: 37- 38].

 

فلما نفد ما عندها من سقاء الماء عطشت وجف لبنها وأخذ ولدها يتلوى من الجوع، فأخذت تصعد الصفاء تنظر هل ترى أحداً ثم تنطلق تسعى إلى المروة فتصعد عليها لتنظر هل ترى أحداً، ثم ترجع إلى ولدها فتراه في أسوأ حالة، فتعود إلى الصفاء ثم إلى المروة، فعلت ذلك سبع مرات، وبعد الأخيرة سمعت صوتاً، فقالت: أغث إن كان عندك غياث، فإذا بالملك جبريل عند موضع زمزم، فغمز الأرض بعقبه، فانبثق الماء، فجعلت تشرب ويدر لبنها على صبيها، فطمنها جبريل، وقال: إن ولدك سيبني مع أبيه لله بيتاً هنا تكونون من أهله، وقال لها: هذا شراب وغذاء نافع.

 

ثم بعد مدة مرت طائفة من (جرهم) فرأوا الطيور، فقالوا: تلك على ماء وما عهدنا بهذا الموضع ماء، فاهتدوا إليه بواسطة الطيور، ووجدوا عنده المرأة (هاجر) فاستأذنوها في الإقامة فأذِنت لهم على شرط أن ماء تلك العين لها، فأقاموا عندها، ونشأ بينهم إسماعيل وتعلم العربية وتزوج منهم - إلى آخر القصة.

 

قال ابن عباس: لما ذكر سعيها بين الصفا والمروة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فذلك سعي الناس بينهما))[2].

 

فهذا الأثر الصحيح العظيم يوضح لنا الحكمة من مشروعية هذا السعي، وهي أن (هاجر) أم إسماعيل حين ضاق بها الأمر في عطشها وعطش ابنها أغاثها الله تعالى بالماء الذي أنبعه لها ولابنها، وهو ماء زمزم، حتى يعلم الناس أنه سبحانه وإن كان لا يخلي أولياه من المحن في الدنيا، إلا أن فرجه قريب ممن دعاه، فإنه غياث المستغيثين.

 

فلينظر المؤمن إلى حال (هاجر وإسماعيل) كيف أغاثهما واستجاب دعاء (هاجر) وزوجها إبراهيم من قبل، ثم جعل فعلها من السعي طاعة لجميع المكلفين إلى يوم القيامة، وآثارها قدوة للمسلمين المؤمنين، لتعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين، وكل ذلك تحقيق لما أخبر به قبل ذلك من أنه يبتلي عباده بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، إلا أن من صبر على ذلك نال السعادة في الدارين، وفاز بالقصد الأسمى، وتسمية أعمال النسك شعائر لأن القيام بها علامة على الخضوع لله وعبادته إيماناً وتسليماً.

 

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ يعني: من فعل شيئاً من شعب الإيمان وأركان الإسلام تطوعاً غير مفروض عليه، ولكن يبتغي به نافلة له من تكرار حج أو عمرة أو طواف وغيره من أنواع الطاعات.

 

قال الراغب: التطوع في اللغة الإتيان بما في الطوع أو الطاعة أو تكلفها أو الإكثار منها، وأطلق على التبرع في الخير، لأنه طوع لا كره ولا إكراه فيه، وأطلق أيضاً على الإكثار من الطاعة زيادة على الواجب، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأعرابي: ((إلا أن تطوع)) أي: تزيد على الفريضة، فمن تطوع لله زيادة على ما أوجبه عليه فإن ﴿ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾.

 

يعني: أنه شاكر يجازي بالإحسان، وعليم بمن يستحق الجزاء، فلا يضيع شيئاً من عمل العاملين ولا سعي المتطوعين، بل يضاعفه أضعافاً كثيرة حسب قوة إخلاص أصحابه، وحسب مبلغهم من الجهد، وحسب قوتهم في العمل، وحسب احتسابهم وحرصهم على الاختفاء بأعمالهم، وحسب مواقع أعمالهم من المنفعة، وحسب انشراح صدورهم بها، وانعدام الإعجاب عليها أو الفرح بمدحه من أجلها، إلى غير ذلك من توابع الأعمال المضاعفة للأجور من عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله الشاكر العليم الذي سهل لعباده طريق الوصول إليه بمضاعفة حسناتهم حسب ما قلناه رحمة بهم وتودداً منه إلى المحسنين (والشكور والشاكر) من أسماء الله الذي يقبل اليسير من أعمال عباده ويجازيهم عليه بعظيم الثواب.

 

فمن لطفه وأنواع شكره لأعمال عباده أنه إذا قام عبده بامتثال أوامره والتزام طاعته ورضائه أعانه على ذلك، وأثنى عليه، وجازاه بإنارة قلبه وشرح صدره، وزاده إيماناً، كما يزيده قوة في بدنه، ونشاطاً وبركة في أوقات عمره، ونماء في رزقه، وتوفيقاً حتى يقدم عليه في الدار الآخرة، وجزاؤه جزاءً موفوراً بشتى أنواع المضاعفات.

 

ومن جملة شكره لعبده أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن تقرب شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، كما نص الحديث الصحيح[3] على ذلك، ومن عامله كان من أربح الرابحين.

 

وفي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ نكتة عظيمة في هذا التعبير الرباني، وهي تعليمنا الأدب، فقد علمنا سبحانه أدباً من أكمل الآداب بما سمى إحسانه وإنعامه على العالمين شكراً لهم، مع أن عملهم لا ينفعه ولا يدفع عنه ضراً، فيكون كأنه إنعام عليه وإنما منفعته لهم، فهو في الحقيقة من نعمه عليهم إذ هداهم إليه وأقدرهم عليه، فهل يليق بمن يفهم هذا الخطاب الأعلى فيرى نعم الله عليه لا تعد ولا تحصى وهو لا يشكره ولا يستعمل نعمه العظيمة التي سيقت لأجله، ثم هل يليق به أن يرى بعض الناس يسدي إليه هو معروفاً ثم لا يشكره له ولا يكافئه عليه، وإن كان هو فوق صاحب المعروف رتبة وأعلى منه طبقة؟


فكيف وقد سمى الله سبحانه إنعامه على من يحسنون إلى أنفسهم وإلى الناس شكراً، والله الخالق وهم المخلوقون، وهو الغني الحميد وهم الفقراء إليه مهما كانوا. فشكر النعمة والمكافأة على المعروف من أركان العمران، وفائدة الإنسانية وضرورياتها، وترك الشكر والمكافأة، مفسدة لا تضاهيها مفسدة، إذ هي مدعاة لترك الجميل وسداً لباب المعروف، كما أن الشكر مدعاة لتزايده، ولذلك أوجب الله علينا شكره، وجعل في ذلك مصلحتنا ومنفعتنا، لأن كفران نعمه بإهمالها أو بعدم استعمالها فيما خلقت لأجله أو بعدم ملاحظة أنها من فضله وكرمه، كل ذلك من أسباب الشقاء والبلاء.

 

أما استعمال نعم الله في معاصيه فذلك كفر بالنعم، واستجلاب للنقم، وتعرض لغضب الله، وإنزال عقوباته، وأما ترك شكر الناس وتقدير أعمالهم قدرها فهو إما جهل أو لؤم، سواء كان عملهم النافع موجهاً إلينا أو إلى غيرنا.

 

فترك شكر فاعل الجميل جناية منا على الناس وعلى أنفسنا، لأن صانع المعروف إذا قوبل عمله بالكفران ولم يقابل بالجميل يترك عمل المعروف غالباً ويكون في نفسه عقدة منه، فيكون الناس محرومين من النفع، ويكون المجتمع محروماً من التعاون، مشبعاً بالأنانية المسعورة، لأن كفران الإحسان يؤثر في النفوس. وأيضاً فالشكر يؤثر في همة أعلياء الهمة من المخلصين في أعمالهم الذين لا يريدون عليها جزاءً ولا شكوراً، ذلك أنهم يرون عملهم نافعاً للناس ومشكوراً عندهم فيزيدون منه، كما أنهم إذا رأوه ضائعاً قد يكفون منه.

 

والنقطة الثانية: في قوله سبحانه: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ هي أن يعتبر عباده المؤمنين بذلك، فيكونوا له أشكر مقدرين إحسانه عليهم في شكره لأعمالهم، فيزدادوا له شكراً بحسن طاعته، والمسارعة في مرضاته، وبذل النفس والنفيس في حمل رسالته وتوزيع هدايته، وإيضاح معالم دينه، طمعاً بالمزيد من شكره سبحانه.

 

وقوله عز وجل: ﴿  إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159، 160].

 

كان علماء أهل الكتاب يكتمون بعض ما أنزل الله في كتبهم ولو بعد ذكر بعض نصوصه عند الحاجة إليه، لمقاصد خاصة وأغراض نفسية، مثل كتمانهم البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كانوا يخبرون بها لحاجة الاستنصار على المشركين، ثم بعد مجيثه كتموا الحقيقة وحرفوها زاعمين أن الذي في التوراة على غير هذا الوصف أو أنه الدجال الثاني المحذر منه في التوراة، عكس المبشر به، وكتمانهم لحد الزنا وغيره، ففضحهم الله في آيات عديدة.

 

وأوضح في هذه الآية حقيقة عقوبتهم، وكيف سجلت عليهم وعلى أمثالهم اللعنة الدائمة من الله ثم من الناس أجمعين. فقوله: ﴿ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ يعني من جميع خلقه، فقد ورد ((أن الحيتان في البحر تستغفر لمعلم الناس الخير))[4]، فكاتم العلم عن الناس يكون ملعوناً من كل شيء والعياذ بالله.

 

وفي هذه الآية عود إلى أصل السياق، وهو معاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاندته من المشركين ومن اليهود، تلك العداوة والمعاندة التي جرتهم إلى كتمان الحق الذي يعرفونه تماماً، سواء ما كان من أخبار أنبيائهم أو نصوص كتبهم على البشارة به - صلى الله عليه وسلم -، وقلبهم للحقيقة، إذ يقولون إن الأنبياء يبشر بعضهم ببعض، ولم يبشروا بمبعث نبي من العرب وهذا من أشنع قلب الحقائق، وكذلك مشاغبتهم الوقحة في شأن القبلة وهم يعرفونها في التوراة من جملة أوصافه - صلى الله عليه وسلم - فيها أنه نبي يستقبل المسجد الحرام، وكقولهم إنه لم يرد في كتبهم شيء عن دينه وكتابه وهم في جميع ذلك كاذبون قد كتموا ما أنزله الله عليهم لحاجات في صدورهم فكان جزاؤهم لعنة الله ولعنة اللاعنين من جميع خلقه، واللعنة معناها الطرد والإبعاد عن رحمة الله، والمطرود المبعد عن رحمة الله، خاسر في الدنيا قبل الآخرة ﴿ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأعراف: 53].

 

وقد اختلف العلماء في صفة هذا الكتمان، فقال بعضهم إنهم كانوا يحذفون من كتابهم أوصاف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - والبشارات التي فيه من كتبهم، كقول الرب لموسى في الباب (58) من سفر التثنية (18: 18 وسوف أقيم لهم نبياً مثلك من بني إخوتهم وأجعل كلامي في فمه ويكلمهم بكل شيء آمره به) إلخ، وإنما بنو إخوتهم العرب أبناء إسماعيل.

 

وذهب آخرون إلى أن الكتمان بالتحريف والتأويل وحمل الأوصاف التي وردت فيه، والدلائل التي تثبت نبوته على غيره، حتى إذا سئلوا هل لهذا النبي ذكر في كتبكم قالوا: لا - على أن في كتبهم أوصافاً لا تنطبق إلا على نبي في بلاد العرب، وأظهرها ما في التوراة وكتاب (أشعيا) فإنه لا يقبل التأويل إلا بغاية التعسف.

 

وكذلك فعلوا بالدلائل على نبوة المسيح، فإنهم أنكروا انطباقها عليه وزعموا أنها لغيره، ولا يزالون ينتظرون ذلك الغير.

 

وقد بين الله سبحانه أنهم لم يقتصروا على كتمان الشهادة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كتموا ما في الكتاب من الهدى والإرشاد بضروب التأويل التي هي جناية على الوحي، حتى أفسدوا الدين وانحرفوا بالناس عن صراطه.

 

والآية واضحة في قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الكتاب ﴾. ثم ذكر الله جزاءهم فقال ﴿ أولئك ﴾ يعني الذين كتموا البينات والهدى، فحرموا النور السابق واللاحق أو الذين شأنهم هذا الكتمان في الحال أو الاستقبال ﴿ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾.

 

ولعن الله لهم حرمانه إياهم من رحمته الخاصة، أما لعنة اللاعنين لهم من جميع خلقه فهي أن جميع أهل العوالم العلوية والسفلية يقبحونهم ويرونهم أهلاً للعنة الله، فلا يرأف بهم مخلوق من خلق الله، فضلاً عن أن يشفع لهم، ثم استثنى الله منهم التائب حقيقة، وهم الذين وصفهم الله بقوله: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 160] يعني الذين تابوا توبة صادقة عن الكتمان، وهم الذين يصلحون ما أفسدوه من الكتمان المضيع للحقيقة، فأخذوا بتلك البينات عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ودينه والهدى الذي جاء به وطبقوه على ما عندهم بدون تحريف ليؤمنوا بالجميع ثم (بينوا) يعني: أظهروا ما كانوا يكتمونه أو بينوا إصلاحهم لما أفسدوه سابقاً، وجاهروا بعملهم الصالح الجديد، وأظهروا للناس، ليعلم الناس صدق النبوات وأن بعضها يصدق بعضاً ﴿ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.

 

ومعنى ﴿ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ أي أرجع عليهم بالرحمة بعد الحرمان واللعنة.

 

وزاد من تأنيسهم وترغيبهم قوله: ﴿ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾. وهذا وصف منه لنفسه سبحانه بكثرة المتاب للإشعار بالتكرار كلما أذنب العبد وتاب حتى لا ييأس من رحمته أحد.



[1] مصروفان من الناحية النحوية، أي: هما لفظان غير ممنوعين من الصرف، بمعنى أنهما منونان، يرفعان بالضمة وينصبان بالفتحة ويجران بالكسرة أو بما ينوب عن ذلك.

[2] أخرجه البخاري (3364).

[3] تقدم.

[4] أخرجه الترمذي (2685) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.

والحديث فيه القاسم أبو عبد الرحمن، قال الحافظ في التقريب (5470):

القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة صدوق يغرب كثيراً. وفيه أيضاً الوليد بن حميل الراوي عن القاسم، قال الحافظ في التقريب (7419): صدوق يخطئ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (148 : 149)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 150 : 152 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 153 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 154 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 155 - 157 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 161 : 163 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 164)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (165)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 166 : 170)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 170 : 171)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مناسبة سورة الأنفال لسورتي البقرة وآل عمران(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب