• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (10)

الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (10)
د. عيد نعيمي آل فيصل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/10/2012 ميلادي - 7/12/1433 هجري

الزيارات: 37415

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (10)

السقط الخفي


تعريفه:

هو ما يَخفَى على كثيرٍ ممن يشتغل بهذا العلم، بل لا يُدرِكه إلا الأئمة الحذَّاق المطَّلِعون على طرق الحديث وعِلَل الأسانيد؛ نظرًا لخفائه وغموضه، فهو بحاجة إلى تعب وعناءٍ أكثر من سابقه - السقط الجَلي.

 

وهذا النوع من السقط تحته قسمان:

القسم الأول: المدلَّس.

القسم الثاني: المرسَل الخَفِي

 

وإليك الكلام على هذين القسمين:

أولاً: المدلَّس:

تعريفه:

لغةً: اسم مفعول مشتق من الدَّلَس - بفتحتين - وهو الظلمة، والدَّلَس: اختلاطُ الظلامِ، ومنه قولهم: أتانا دَلَس الظلام، وخرج في الدَّلَس والغَلَس، والتدليس: كتمانُ عيب السلعة عن المشتري، كالمخادعة.

 

واصطلاحًا: هو ما أُخفِي عيبُه على وجهٍ يُوهِم أنه لا عيبَ فيه، وسمِّي بهذا الاسم؛ لأن الراوي لما أخفى على الواقف على الحديث وجهُ الصواب، كأنه أظلمَ أمره وغطَّاه، كما تخفَى الأشياء على البصر من الظلمة.

 

أقسام التدليس:

1- تدليس الإسناد.

2- تدليس التَّسوِية.

3- تدليس القطع.

4- تدليس العطف.

5- تدليس الشيوخ.

6- تدليس البلدان.

 

1- تدليس الإسناد:

تعريفُه:

هو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمِع منه - قبل ذلك - ما لم يَسمعْه منه؛ أي: هذا الحديث محل البحث، موهمًا أنه سمِعه منه باستخدام أداةٍ من أدوات التحمُّل غير المباشرة، مثل: عن فلان، أو قال فلان، أو أن فلانًا، ولتحرير معنى التدليس، لا بدَّ من معرفة حال الراوي عمَّن يُروى عنه، وهى لا تخلو من أربع صور:

1- السماع.

2- اللقاء.

3- المعاصَرة.

4- عدم المعاصَرة.

 

• فإذا روى الراوي عمن سمع منه - شيخه - ما لم يَسمعْه منه بصيغة موهِمة، فهذا تدليس باتفاق.

 

• وإذا روى عمن لَقِيه - ولم يسمع منه[1] - ما لم يسمعه، أو عمَّن عاصره - ولم يَلْقَه - ما لم يسمعه منه بصيغة موهِمة، فهذا إرسالٌ خَفي.

 

• وإذا روى عمن لم يعاصره بصيغة موهِمة، فقد عدَّه بعضهم تدليسًا، كما في مقدِّمة التمهيد، عدَّه بعضهم إرسالاً خفيًّا[2]، والصواب أنه انقطاع ظاهر.

 

• ويكون التدليس بلفظ محتمِل للسماع: كقال، أو عن؛ ليوهم غيره أنه سمعه منه، ولا يصرِّح بأنه سمع منه هذا الحديث، فلا يقول: سمعتُ، أو حدَّثني، أو أخبرني، ممن لم يسمع منه؛ حتى لا يصير كذَّابًا بذلك، وقد يكون السقط واحدًا، وقد يكون أكثر.

 

مثالٌ لتدليس الإسناد:

روى الحاكم عن علي بن خَشْرَم، قال: قال لنا ابن عُيَينة، عن الزهري، فقيل له: سمعتَه من الزهري؟ فقال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدَّثني عبدالرزَّاق، عن مَعمَر، عن الزهري.

 

حُكمه:

تدليس الإسناد مكروهٌ جدًّا، ذمَّه أكثر العلماء، وكان شُعبة بن الحجَّاج من أشدهم ذمًّا له، فقد قال فيه أقوالاً؛ منها: "التدليس أخو الكذب"، وقال: "لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أُدلِّس"، وهذا من شُعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير منه؛ قال النووي: "وظاهر كلام شُعبة أنه حرامٌ".

 

2- تدليس التسوية:

وفيه يقوم الراوي المدلِّس بإسقاطِ شيخ شيخه، بشرط أن شيخَه يُدرِك شيخَ شيخِه، المدلِّس يقول: حدَّثني شيخي، حدَّثني أحمد - شيخُ شيخِ المدلِّس - أخبرني محمد، نفترض أن أحمد - شيخَ شيخِ المدلِّس - ضعيفٌ، فيقوم المدلِّس بإسقاطه، بشرطِ أن يكون شيخه أَدرَك محمدًا؛ لأنه لو لم يكن مدركًا له، فسوف يكون سقطًا ظاهرًا، يَعرِفه مَن له أدنى دراية بهذا العلم، إذا المدلِّس أسقط شيخَ شيخِه "أحمد"، وجعل السند: حدَّثني شيخي عن محمد، وبما أن شيخه ثقةٌ غير مدلِّس، فتُقبل عَنعنته عن شيخه "محمد"، فالمدلِّس بفَعْلته سوَّى السند، وجعله ثقةً عن ثقةٍ، فيُقبَل حديثُه على الرغم من ضَعفه؛ بسبب ضَعْف شيخ شيخه "أحمد".

 

نضرب مثالاً آخر؛ حتى يزداد الفهم، وأيضًا حتى نصل إلى تعريفٍ أشمل وأسهل من السابق:

المدلِّس يقول: حدَّثني شيخي، حدَّثني جمعة - شيخُ شيخِ المدلِّس - أخبرني عبدالسلام - شيخُ شيخِ شيخِ المدلس - أنبأني محمود - شيخُ شيخِ شيخِ شيخِ المدلَّس.

 

نفترض أن عبدالسلام - شيخَ شيخِ شيخِ المدلِّس - ضعيفٌ، فيقوم المدلِّس بإسقاطه، إذا المدلِّس أسقط شيخَ شيخِ شيخِه - عبدالسلام - بشرط أن يُدرِك جمعةُ - شيخُ شيخِ المدلِّس - محمودًا، وإلا كان انقطاعًا ظاهرًا، ويجعل السند: حدَّثني شيخي، حدَّثني جمعةُ - شيخُ شيخِ المدلِّس - عن محمودٍ - شيخِ شيخِ شيخِ شيخ المدلِّس.

 

فتلاحظ من خلال الأمثلة السابقة تَكرارَ لفظةِ شيخ؛ مما يجعل صعوبة في الفهم، وكلما أسقط المدلِّس راويًا يبعُد عنه في السند، تَكرَّرت كلمة شيخ أكثر وأكثر؛ ولذلك فهناك تعريف مجمَل وجامع لأي مثال، ألا وهو: إسقاط ضعيف بين ثقتين التقيا، ففي المثالين السابقين المدلِّس أسقط ضعيفًا بين ثقتين التَقيا[3].

 

مثاله:

روى ابن أبي حاتم عن بقيَّة، قال: حدَّثني أبو وهب الأسدي، قال: عن نافع، عن ابن عمر، قال: "لا تحمدوا إسلام امرئ؛ حتى تعرِفوا عقدة رأيه".

 

قال أبو حاتم: هذا الحديث له علَّة قلَّ مَن يفهمها، روى هذا الحديث عبيدالله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعبيدالله بن عمرو كنيته أبو وهب، وهو أسدي، فكأن بقية بن الوليد كنى عبيدالله بن عمرو، ونسبه إلى بني أسد؛ لكي لا يفطَن له إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط، وبالتالي لا يُهتدى إليه، وكان بقية من أفعل الناس لهذا؛ أي: إن بقية أسقط إسحاق بن أبي فروة من بين عبيدالله بن عمرو ونافع، وعبيدالله بن عمرو أدرَك زمن نافع، كما أن عبيدالله بن عمرو ثقة غير مدلِّس، فتُقبل عنعنته، فيكون بقية بهذا الفعل قد سوَّى السند ثقة عن ثقة.

 

حُكمه:

تدليس التسوية، هو شرُّ أقسام التدليس؛ لأن الثقة الأول ربما لا يكون معروفًا بالتدليس، ورواه عن ثقة آخر، فيحكم له بالصحة، وفى هذا غَرَر شديد.

 

3- تدليس القطع:

تعريفه:

هو أن يقول الراوي: حدَّثنا، أو سمعت، ثم يسكت - وينوي القطع - ثم يقول: فلان موهِمًا أنه سمع منه، وليس كذلك.

 

مثاله:

ذكر ابن سعد عن عمر بن علي المقدمي أنه كان يقول: سمعتُ، ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عُرْوَة، وهو لم يسمعه[4].

 

4- تدليس العطف:

تعريفه:

هو أن يروي المحدِّث عن شيخين من شيوخه، ويكون قد سمِع من أحدهما دون الآخر، فيصرِّح عن الأول، ويعطف الثاني عليه، فيوهِم أنه حدَّث عنه بالسماع أيضًا، وإنما حدَّث بالسماع عن الأول، ونوى القطع، فقال: وفلان، أي حدَّث فلان.

 

مثاله:

ذكر الحاكم أن جماعةً من أصحاب هشيم، اجتمعوا يومًا على ألا يأخذوا منه التدليس، ففطِن لذلك، فكان يقول في كل حديث يذكره: حدَّثنا حصينٌ، ومغيرة عن إبراهيم، فلما فرغ قال لهم: هل دلَّست عليكم اليوم؟ فقالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفًا مما ذكرته، إنما قلتُ: حدَّثني حصين، ومغيرة غير مسموع لي؛ أي: أنه أضمر في الكلام محذوفًا كما فسَّره بعبارته.

 

5- تدليس الشيوخ:

تعريفه:

هو أن يروي المحدِّث عن شيخ حديثًا سمعه منه، فيسمِّيه، أو يكنِّيه، أو يَنسِبه أو يَصِفه بما لا يُعرَف به؛ كيلا يُعرَف. ممن اشتَهر عنه هذا النوع من التدليس: عطيَّة العوفي؛ حيث كان يصف شيخه محمد بن بشر بن سعيد الكلبي بأوصافٍ لا يَنعرِف بها؛ وذلك لأنه محمد بن بشر بن سعيد الكلبي ضعيفٌ، فكان يقولُ: حدَّثنا أبو سعيد، ومرة: حماد بن السائب...إلخ.

 

مثاله:

روى ابن أبي حاتم عن بقيَّة، قال: حدَّثني أبو وهب الأسدي، قال: عن نافع، عن ابن عمر، قال: " لا تحمدوا إسلام امرئ؛ حتى تعرفوا عقدة رأيه ".

 

فعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب، وهو أسدى فكأن بقية بن الوليد كنَّى عبيدالله بن عمرو، ونسبه إلى بني أسد؛ لكيلا يُفطَن له.

 

مثال آخر:

روى الخطيب البغدادي عن شيخه الحسن بن محمد الخلال قولَ سعيد بن المسيب: إني كنتُ لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث، وسمَّاه يعني الخطيب الحسن بن أبي طالب.

 

حكمه:

تدليس الشيوخ مكروهٌ، إلا أنه أخفُّ من تدليس الإسناد؛ لأن المدلِّس لم يسقِط أحدًا، وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه، وتوعير طريق معرفته على السامع، إلا إذا كان مَن يأخذ عنه غير ثقة فيَحرُم؛ لأنه غشٌّ للأمة، وكذبٌ صُراح، أمَّا إذا كان امتحانًا للطلاب أو تفننًا في العبارة، بحيث لا يَخفَى على أهل الفن، فهو جائز، وهذا ما يستعمله الخطيب البغدادي في مصنفاته.

 

6- تدليس البلدان:

يُلحَق بتدليسِ الشيوخ تدليسُ البلدان، كما إذا قال الراوي: حدَّثني فلان بالأندلس، فأراد موضعًا بالقرافة، أو قال: بزُقَاق حلب، وأراد موضعًا بالقاهرة، أو حدَّثني فلانٌ بما وراء النهر، وأراد نهرَ دِجْلَة، أو قال: بالرقة، وأراد بستانًا على شاطئ دِجْلَة، والأمثلة على هذا كثيرة.

 

وحكم هذا النوع:

الكراهةُ؛ لأنه يدخل في باب "التشبُّع بما لم يُعْطَ"، وإيهام الرحلة في طلب الحديث، إلا أن تكون هناك قرينة تدلُّ على عدم إرادة التكثير، فلا كراهة.

 

الأغراض الحاملة على التدليس:

1- ضَعفُ الشيخِ المدلَّس عنه، أو كونه غيرَ ثقة.

 

2- الأَنَفة من الروايات عمَّن حدَّثه؛ لكونه أصغر من الراوي عنه، أو لأن وفاته تأخَّرت، وشارك المحدِّث عنه في السماع منه جماعة دونه.

 

3- إيهام علوِّ الإسناد.

 

4- كثرة الرواية عنه، فلا يجب الإكثار من ذكر اسمه على صورة واحدة إيهامًا لكثرة الشيوخ.

 

5- فواتُ شيءٍ من الحديث عن شيخٍ سمع منه الكثير.

 

6- الخوف من عدم أخد الحديث وانتشاره مع الاحتياج إليه.

 

7- التفنُّن في العبارة، وتَقدَّم قريبًا أن الخطيب البغدادي يستعمله في مصنَّفاته.

 

حُكم رواية المدلِّس:

اختلف العلماء في حكم رواية مَن عُرِف بالتدليس على أقوال، أهمُّها:

القول الأول: يرى جماعة من الفقهاء وأصحاب الحديث أن خبر المدلِّس غير مقبول مطلقًا؛ لأنه يتضمَّن الإيهام لما لا أصل له، وترك تسمية مَن لعله غير مرضٍ ولا ثقة، وطلب توهُّم عُلو الإسناد، وإن لم يكن الأمر كذلك.

 

القول الثاني: وقال جمع كثير من أهل العلم:

خبر المدلِّس مقبولٌ، فلم يجعلوه بمثابة الكذَّاب، ولم يروا التدليس ناقضًا لعدالته، وزعموا أن نهاية أمره أن يكون التدليس ضربًا من الإرسال.

 

القول الثالث: وقال آخرون بالتفصيل:

إن كان المدلِّس يروي بلفظ السماع أو التحديث، فهو مقبولٌ محتَجٌّ به، وإن روى بلفظٍ محتمِل كالعنعنة فلا يُقبل، وبه يقول الإمام الشافعي، وابن الصلاح، والنووي، وابن حجر وغيرهم.

 

القول الرابع: وقال آخرون بالتفصيل أيضًا:

وهو ما يسمَّى بمراتب المدلِّسين، وهو القول الراجح؛ لأن قبول رواية المدلِّس مطلقًا غير معقول؛ لأن التدليس جرح، وردُّه مطلقًا غير ممكن؛ لوجود المدلِّسين في كثير من رُواة الصحيحين.

 

فعليه لا بدَّ من التفصيل الآتي:

مراتب المدلسين:

المرتبة الأولى:

الرواة الذين تدليسُهم نادرٌ جدًّا؛ أي: قليل جدًّا؛ مثل: "يحيى بن سعيد الأنصاري"، هذا تُقبَل عنعنته مطلقًا؛ لأن النادر لا حكم له، فمثلاً: راوٍ روى ألف حديث مُعَنعَن، ودلَّس في أربعة أحاديث فقط، فلا يُرَدُّ حديثُه المُعنعَن لمجرد أنه دلَّس في أربعة أحاديث.

 

سؤال: الأصح أن نقول يُقبَل تدليسُه أم تقبَل عنعنته؟

ج: نقول تقبل عنعنته، ولا يَصِح أن نقول يقبل تدليسُه؛ لأن بهذا نكون عَلِمنا أنه دلَّس هذا الحديث، والتدليس لا يقبل، ولكن نقبل العنعنة التي فيها احتمال التدليس، وبما أن هذا الراوي نادرُ التدليس، فيكون الغالب على الظن أنه لم يدلِّس.

 

المرتبة الثانية:

• الرواة الذين لا يدلِّسون إلا عن ثقة، فعنعنتهم مقبولة؛ مثل: سفيان بن عيينة، فتدليسُه مقبول؛ لأنه لا يدلِّس إلا عن ثقة؛ مثال: قال لنا ابن عيينة عن الزهري، قيل له: أسمعته عن الزهري؟ قال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري.

 

حدَّثنا عبدالرزاق، عن مَعمَر، عن الزهري؛ أي: أسقط جيلين في الحفظ، وهذا لا يَضر؛ لأن عبدالرزاق بن همام الصنعاني إمام أهل اليمن، وشيخ الإمام أحمد، ومَعمَر بن راشد شيخ عبدالرزاق وإمامه.

 

المرتبة الثالثة:

مَن كان تدليسُه بجوارِ تحديثِه قليلاً؛ أي: إنه إمامٌ مُكْثِر، وعندما نَقِيس تدليسَه بجوار ما رَوَى قليل، فهذا تُحمل عنعنته على الاتصال إلى أن يأتي دليل يدل على الانقطاع - أي: التدليس - مثل: قتادة بن دعامة السدوسي، وسليمان بن مهران الأعمش، وأبي إسحاق السَّبِيعي؛ فهؤلاء الثلاثة من الأمة الكبار الحُفَّاظ، إلا أنهم موصوفون بالتدليس، إلا أن تدليسهم بجوار تحديثهم قليل؛ لذلك تُحمَل عنعنتهم على الاتصال إلى أن تأتي قرينة تدل على الانقطاع.

 

المرتبة الرابعة:

مَن كان تدليسه بجوار تحديثه كثيرٌ، فهذا حديثُه يُحمل على الانقطاع، إلى أن تأتي قرينة تدل على الاتصال؛ أي: نَغلِّب فيه جانب السقط، مثل: محمد بن إسحاق بن يَسَار، وعبدالملك بن عبدالعزيز بن جُريج، وصف العلماء تدليسَهم بأنه تدليسٌ فاحشٌ[5].

 

المرتبة الخامسة:

مَن وُصِف بنوعِ ضعفٍ بجوار التدليس، بالإضافة إلى تدليسه، فهو ضعيف، فهذا حديثه مردود، مثل: أبي جنابة الكلبي، وابن لَهِيعة، وأبي سعيد البقَّال، هؤلاء كانوا مدلسين وبهم ضَعف.

 

تنبيهات:

• عندما يأتي حديثٌ به راوٍ مثل الأعمش، فترجِع لكتاب "تقريب التهذيب"؛ لابن حجر، وتجد فيه أن الأعمش إمامٌ، ثقةٌ، حافظٌ، مكثِرٌ، إلا أنه مدلِّس، فتقول أنت: الحديث فيه الأعمش، وقد عنعنه، وهذا سوء علمٍ؛ لأنك لم تتعامل معه بمراتب المدلِّسين، فعندما تنظر في مراتب المدلسين، تجد أن الأعمش تُقبَل عنعنته إذا لم يأت دليلٌ يدلُّ على أنه دلَّس هذا الحديث، فإذا لم يكن معك دليل على الانقطاع، فلا تُضعِّف الحديث، فيجب تعامُل الرواةِ بميزانِ مراتب المدلِّسين، وعلى طالب علم الحديث أن يعرِفها جيدًا.

 

• مراتب المدلِّسين، فيها خلافٌ بين العلماء: فبعضهم عدَّ الأعمش سليمان بن مهران، وأبا إسحاق السَّبِيعي، وقَتادة بن دعامة السدوسي، من فاحشي التدليس؛ أي: في المرتبة الرابعة، فمثلاً: شُعبة قال: "كفيتكم تدليس ثلاثة: قتادة، الأعمش، أبي إسحاق السَّبِيعي"، فيعتبرهم شعبة في المرتبة الرابعة، والراجح أنهم في المرتبة الثالثة، فعلم المصطلح ليس سهلاً، وتحتاج سنين لتحقِّق مثل هذه المسألة، كما أن علم مصطلح الحديث يحتاج ممارسةً وحِسًّا عاليًا مع القواعد الأساسية للتحديث؛ لكي تستطيع أن تتذوَّق الألفاظ النبوية.

 

هناك نقطة لا بدَّ من التنبيه عليها:

قد يكون هناك مدلِّس من المرتبة الرابعة، والذي يمكن تسمية تدليسه "فاحشًا"؛ أي: كثير التدليس، فبمجرد أن نسمعَ اسمه في السند، نحكم عليه بالانقطاع، لكن قد يكون له خصيصة في عالم معيَّن أو شيخ معيَّن، ففي هذه الحالة تُحمل عنعنته على الاتصال؛ مثل: "ابن جريج في عطاء"، فابن جريج من الحفَّاظ، لكنه مدلِّس، وتدليسه فاحشٌ - المرتبة الرابعة - لكنه إذا عنعن عن عطاء، فتُحمَل على الاتصال، فهو من أوثقِ الناس في عطاء، فلماذا يدلِّس عنه وكل أحاديث عطاء أو جُلُّها عنده؟ فما الذي يحمِل ابنَ جريج أن يدخِل بينه وبين عطاء راويًا، ثم يُسقطه؟ ما الذي سيجعله يدلِّس؟ لا شيء؛ لأن من أسباب التدليس أنك لم تسمع الحديث من شيخك مباشرة، وإنما سمعته عن طريق قرين لك ضعيف، أو عن شيخ وتُسقطه، لكنه كل أحاديث عطاء عنده، فعندما يقول: عن = حدَّثنا؛ حيث انتفت علة التدليس، وهذه النقاط هامة جدًّا؛ لأنه عندما يُدَرَّس المصطلح في المرحلة الأولى، يُدَرَّس لهم أن رواية المدلِّس لا بدَّ أن يصرِّح فيها بالتحديث، فإذا لم يصرِّح بالتحديث، نحكُم على السند بالانقطاع، ويتم التعبير عن ذلك بعبارة: رواه فلانٌ، وهو مدلِّس، وقد عنعن، وهذا حكم خاطئ؛ لأن الراوي المدلِّس لا بدَّ وأن يوضع على ميزان مراتب المدلِّسين، وبعد ذلك ننظر، هل له خصيصة في هذا الشيخ أم لا؟ قال الشيخ الألباني: "إذا قال ابن جريج: قال عطاء، فهي مثل قوله: حدَّثنا عطاء؛ لأنه من أوثق الناس في عطاء"، فانظر إلى هذا العمق في العلم، فلا يكون طلبك للعلم شبرًا، أو في قشور؛ حتى لا تتكلم في شيء لا تُحسنه.

 

• والطالب عندما يَدرس هذا الجزء من المصطلح؛ أي: المرحلة الأولى، ثم ينتقل بعد ذلك إلى التخريج ودراسة الأسانيد، وهو يرى أنه أخذ كفايته من القدر النظري، فيأتي راوٍ مثل قتادة بن دعامة السدوسي، أو الحسن البصري، فيقول هذا الشبر: رواه الحسن، هو مدلِّس، وقد عنعن، وهذا سوء فهمٍ وسوء أدب، وأحكي لكم قصةً طريفة:

 

أثناء شرحي لدرس مصطلح الحديث، وأنا أتحدث عن هذه النقطة، وكان يوجد بعض الأخوة ممن درسوا المصطلح "قشور المصطلح"، وبدؤوا في التخريج ودراسة الأسانيد، ولم يحضروا لي قبل ذلك، فعندما تحدَّثت عن مسألة قتادة بن دعامة السدوسي والحسن البصري، وأن تدليسَهم يُمَر؛ لأن تدليسَهم من قَبِيل الإرسال الخَفي الذي يكفي فيه ثبوت السماع في أي حديث، فيحكم على باقي الأحاديث المعنعنة بالاتصال، فقال أحد الأخوة: دعك منه؛ إنه مدلِّس، تخيَّل هذه البذاءة، فهو درس أن المدلِّس لا بدَّ أن يصرِّح بالتحديث، والحسن البصري مدلِّس كما هو موجود في كتب أهل العلم، لكن لأنه لم يَدرس مراتب المدلِّسين، ويَفهم ما هو تدليس الحسن البصري، فتطاوَل على الإمام، فالطالب متخيِّل أنه طالما فكَّ رموز الاصطلاح، ودرس جميع الأبواب، فقد ظنَّ أنه يستطيع أن يدخل في خضمِّ المعركة مع الكبار، لكن هذا ظن خاطئ.

 

• إذًا عندما يأتي راوٍ مدلِّس، وترجع لكتب أهل العلم، فتجدُهم يقولون: إن فلانًا مدلِّس، ليس معنى ذلك أن تُرَدَّ العنعنة، لا، بل لا بدَّ أن تبحث عن هذا الرجل في أي مرتبة هو؟ ثم بعد أن تضعه في مرتبته الصحيحة، تنظر عمَّن روى؟ لو كان شيخه الملاصق الذي اختص به، تُقبل، ولو كان غير ذلك، نعامله حسب ميزان مراتب المدلِّسين.

 

• الأئمة المتقدِّمون أطلقوا على التدليس تدليسًا، وأطلقوا على الإرسال الخفي تدليسًا؛ أي: إنه في لفظ الأئمة المتقدِّمين يُطلِقون على التدليس "تدليسًا"؛ أي: لفظه، ويطلقون أيضًا على الإرسال الخفي "تدليسًا"، والدليل: تعريف ابن الصلاح - وتَبِعه الحافظ العراقي - للتدليس، قالوا: هو أن يَروِي المحدِّث عمن لَقِيه ما لم يسمَع منه موهِمًا أنه سمع منه، أو عن مَن عاصره ولم يَلْقَه موهِمًا أنه قد لَقِيه، "وهذا سميناه إرسالاً خفيًّا"؛ كذا قال ابن الصلاح، وتبعه الحافظ العراقي، فإذًا ابن الصلاح والحافظ العراقي يقولان: إن التدليس اسمه تدليسٌ، والإرسال الخفي اسمه تدليس أيضًا، ولكن يُفرِّقون في الحكم، فالمدلِّس يضعونه في ميزان مراتب المدلِّسين، أما التدليس الذي يقصدون به المرسل الخفي، فيكفي في حديث واحد أن يقول: حدَّثنا، أو يقول عنه إمام من أئمة الجرح والتعديل: إن هذا الراوي سمع من فلان؛ يعني: أن هذا الراوي ثبت له المشيخة، فحينئذٍ كل الأحاديث المعنعنة له عن هذا الشيخ تُقبل.

 

من أين جاء الخطأ؟ وما هي المشكلة التي أريد عرضها:

• إن المتقدِّمين - وكما ذكرنا مثل: العراقي وابن الصلاح - يسمُّون التدليس تدليسًا، والإرسال الخفي تدليسًا، فيأتي طالب العلم المبتدئ، ويجد الأئمة يطلِقون على الحسن البصري أنه مدلِّس، وهم يقصدون أنه يرسل إرسال خفيًّا، فيقول هذا الطالب لا بدَّ وأن يصرِّح الحسن البصري بالتحديث؛ لأنه مدلِّس، مع أنه يكفي في رواية الحسن البصري أن يقول: حدَّثنا، ولو في حديث واحد، فتُقبل جميع العنعنات، فأُتُوا من سوء الفَهم، وعدم التعمُّق في العلم.

 

• العلماء يقولون عن الحسن البصري أنه مدلِّس، وهو كلام حقيقي، ولكنهم يقصدون الإرسال الخفي، وهي رواية الراوي عن مَن عاصره ولم يسمع منه، فإذا ثبت لهذا الراوي السماع - ولو في حديث واحد - تُقبل جميع العنعنات، ونحن فقط نضرب مثالاً بالحسن البصري، لكن هناك كثيرًا من العلماء كانوا يُرسِلون إرسالاً خفيَّا، وتعامَل معهم طلبة العلم على أنهم مدلِّسون، لمجرد أنهم قرؤوا في كتب الجرح والتعديل أن هؤلاء الأئمة مدلِّسون، ولا يَدرِي هؤلاء الأغمار أن كلمة التدليس هنا يقصد بها الإرسال الخفي.

 

سؤال: من أين لنا أن نعلَم هل هو تدليس، أم إرسال خفي، طالما أن اللفظ واحد؟

ج: من تعامُل الأئمة الكبار مع الراوي، فعندما تأتي روايةٌ للحسن البصري يروي عن جابر بن سَمُرة بالعنعنة، ثم يأتي الدارقطني ويمرِّرها، فلا تأتِ أنت، وتقول: "وهذا الحديث فيه الحسن البصري، وهو مدلِّس، وقد عنعن"، الدارقطني مرَّرها، ثم أنت تتعقَّب الدارقطني، فيا لسوء الأدب! هذه مسألة خطيرة جدًّا، عندما تجد مَن هم يَطلبون علم الحديث، يقولون للناس: دعك من الحسن؛ فإنه مدلس! فهذا فَهِم التدليس من حيث إنه تدليس الإسناد الذي يجب أن يُصرِّح الراوي فيه بالتحديث، والحسن البصري مدلِّس! لكنه لو فَهِم الكلام، وعَرَف أن الحسن البصري هذا الذي يقول عليه: إنه مدلِّس، إنما هو يُرسل إرسالاً خفيًّا، وأنه لو ثبَت له السماع في رواية واحدة، تُقبَل كل عنعنته - ما كان تطاوَل على الإمام.

 

عندما تأتي روايةٌ عن الحسن البصري عن حصين بن المنذر، والعلماء قالوا: إن الحسن البصري سمِع من حصين بن المنذر هنا؛ أي: عنعنة من الحسن البصري مقبولة، هذا لمن ثبَت له السماع منهم؛ مثل: حصين بن المنذر، وجابر بن سَمُرة، وغيرهم من الصحابة، فإذًا تكون عنعنة الحسن البصري عن حصين بن المنذر، وعن جابر بن سمرة مقبولة.

 

لو بعض أهل العلم ضعَّف أحاديث للحسن البصري عن حصين بن المنذر، أو عن جابر؛ لأنه كان بينه وبينه واسطة - تدليس الإسناد - نقول: وما الضير في ذلك؟ فإن بعض الأئمة الكبار الذين هم غير مدلِّسين، كانوا في بعض الأحيان يدلِّسون، فهل معنى ذلك أن أقولَ عنهم إنهم مدلِّسون؟ [6].

 

مثال:

بعض الأئمة في بعض الروايات أسقطوا بعض الرواة، ورووا عن الشيخ الأعلى، "وهو ما نسميه تدليس إسناد"، فلما تعقَّبهم الدارقطني مثلاً، قال: "هذا الراوي ثقةٌ حافظٌ، وقد دلَّس هذا الإسناد"، هل معنى ذلك أن هذا الراوي الذي دلَّس هذا الإسناد صار مدلِّسًا؟ لا؛ لأن القاعدة العامة لا تؤخذ من مجرَّد مرة أو مرتين أو ثلاثة.

 

• ومنها عندما تأتيني بحديثٍ للحسن البصري عن جابر، وقد أسقط واسطة بينه وبين جابر، "وهو ما نسميه تدليس إسناد"، هذا لا ينقض القاعدة العامَّة: إن مرويَّات الحسن البصري المعنعنة عن جابر غير المحتفة بقرينة تدل على التدليس - أنها متَّصلة، أما إذا أتيتَ بقرينةٍ تدلُّ على أن الحسن البصري دلَّس، فبها ونِعْمَت، فنحن لا نُجامِل في هذا أحدًا، لكن لا آخذ قاعدة عامة من مجرَّد الحكم على حديثٍ واحدٍ.

 

• هذه المسألة من كبار مسائل علم الحديث، بل عدَّها بعض أهل العلم المعاصرين من المسائل التي خالف فيها المتأخِّرون الأئمة المتقدِّمين، وهناك كتاب يسمَّى "منهج المتقدِّمين في التدليس"، هذا الكتاب يردُّ على مثل هذه المسائل ووصفه بالمتقدِّمين؛ لأن المتأخِّرين خالفوا في هذه المسألة، واشترطوا في مثل: الحسن، وقتادة بن دعامة، وأبي إسحاق السَّبِيعي، والأعمش، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم من الأئمة الكبار، اشترطوا أن يصرِّحوا بالتحديث، مع أنهم يَكفِيهم فقط أن يَثْبُت لهم السماع في حديثٍ واحدٍ.

 

• الأئمة المتقدِّمون الذين كانوا في عصر الرواية لا يجوز لك أن تخالِفهم في أحكامهم على الحديث؛ مثل: البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وشُعبة، وسفيان بن عُيَينة، والثوري، وعبدالرزاق، والدارقطني، وبخاصة إذا اجتمعوا؛ لأن اجتماعهم حجَّة.

 

• علماء الحديث قالوا: معرِفتنا بعللِ الحديث كهانةٌ عند الجاهل.

 

سؤال: إذا أخذنا مصطلحات أهل العلم المتقدِّمين، ثم طبَّقناها على الحديث، فوجدنا حكمهم على الحديث خطأً، فهل يجوز مخالفتُهم في هذا الحكم على هذا الحديث؟

ج: هذا لا نجدُه أبدًا، وخاصة إذا اجتمعوا، فالذي حَدَث أنك طبَّقت مصطلحاتهم بفَهْمك أنت، فالمصطلحات تُفهَم، ولكن إذا وضعت قيدًا آخر، وهو أنك طبَّقت مصطلحاتهم بفَهْمهم هم، ثم وجدت الحديث خطأً، فهذا لا تجده أبدًا في علم الحديث، وخاصة إذا اجتمعوا؛ فاجتماع علماء مصطلح الحديث على شيء يكون حجة.

 

مثال:

البخاري، ومسلم، والنسائي، والدارقطني وعلي بن المَدِيني، هؤلاء الخمسة قالوا على حديث: إنه منكر، وبحثتَ، فلم تجد أحدًا حكَم على الحديث غيرهم، فأخذت مصطلحاتهم وطبَّقتها، فوجدت الحديث صحيح، فلا يجوز لك أن تخالِف؛ لأن فهمك هو الخطأ، فليس مجرَّد أن يروي الحديث ثقة عن ثقة عن ثقة، يكون الحديث صحيحًا، لا، فأين أخطاء الثقات؟ وأين الضَّعف البشري؟...إلخ.

 

مثال آخر:

قول ابن القيم عندما عاب العلماء على الإمام مسلم إخراجَه أحاديث لرواة ضعفاء في الصحيح، فالإمام مسلم أخرج: لسُوَيد بن سعيد، وأسباط بن نصر، وقَطَن بن نُسَير، وأحمد بن عيسى، قال ابن القيم لفَهمه مصطلحات الأئمة، قال: "لا عيبَ على مسلم أن يخرِج للضعفاء ما صحَّ من حديثِهم، كما أنه لا عيب عليه أن يترَك من أحاديث الثقات ما أخطؤوا فيه".

 

فالقواعد سليمة، ولكن الخطأ يكون في فهمِها، وكيفية تطبيقها، فلا يستطيع أحدٌ أن يَصِل إلى ما وصل إليه العلماء في عصر الرواية وهذا مقطوع به، وهذا ليس تعصُّبًا لهم، لا، بل هو حقُّهم؛ لأن هؤلاء القوم اختارهم الله لنُصرة هذا الدين، فحباهم الله هذا الفَهم، وأَوصَلوا إلينا السنة، وهذا من حفظ الدين، ومن فضل الله علينا أن الإمام شعبة يحفظ مليون حديث، والإمام أحمد ابن حنبل كذلك وغيرهم، فهل تتخيَّل هذا؟ يعني: كم مجلدًا؟ ومثلاً علل الدارقطني 14 مجلدًا، أملاه من حفظه، وكان يسأله البرقاني تلميذه، فيُجيبه، ويسوق له الأسانيد، ويقول: رواه فلانٌ عن فلان، وخالفه فلان، فرواه عن فلان عن فلان، ووافقه فلان، فرواه عن فلان عن فلان، وهكذا، وعلق الشيخ أبو إسحاق، وقال: "عندما قرأتُ في علل الدارقطني، فحَصَل لي دُوَار، وكأني في برج وأنظر إلى الأرض، ومَن يقول هذا؟ يقوله الشيخ أبو إسحاق الحويني.



[1] أي: إنه التقى به، ولم يثبت له السماع منه؛ أي: إنه ليس شيخًا لهذا الراوي، مثل رواية الأعمش عن أنس بن مالك، فالأعمش التقى بأنس ورآه يخطب الجمعة، ولكن العلماء مُطبِقون على أنه لم يسمع من أنس أحاديث، وإنما التقى به فقط.

[2] يمثِّل كثيرٌ ممن كتب في علوم الحديث لهذا، بما رواه ابن ماجه من رواية عمر بن عبدالعزيز عن عقبة بن عامر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رَحِم الله حارس الحرس))، وعندي أن التمثيل بهذا الحديث على الإرسال الخفي فيه نظر؛ لعدم المعاصَرة المقتضية لخفاء الإرسال، بل فيه انقطاع ظاهر؛ لأن عمر بن عبدالعزيز لم يعاصِر عقبة بن عامر.

[3] تدليس التسوية: هو أن يروي المدلِّس حديثًا عن ضعيف أو أكثر بين ثقتين، لقِي أحدهما الآخر، فيسقط الضعيف الذي في السند، ويجعل الإسناد الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيستوي الإسناد كله ثقات بحسب الظاهر لمن لم يخبر هذا الشأن، وقد سماه القدماء تجويدًا، فيقولون: جوَّده فلان.

[4] بعض أهل العلم شكَّك في صحة الرواية التي نقلها بن سعد، والتي حكى فيها أن عمر بن علي المقدمي فيه هذا النوع من التدليس، وقالوا: إنه لم يثبت عنه طالما أن القصة ضعيفة، لكن صح هذا النوع من التدليس عن عمر بن عبيد الطنافسي، ذكره ابن عدي في الكامل.

[5] في المرتبتين الثالثة والرابعة، لا بدَّ أن تبحث، فليس فيهما قطع جازم؛ أي: لا بدَّ لك كطالب علمٍ أن تبحث في القرائن التي سوف ترجِّح لك أحد الأمرين، إذًا ما الفرق بين المرتبتين، طالما أننا سوف نبحث؟ فلماذا لا نضعهم في مرتبة واحدة، ونبحث عن القرائن التي ترجِّح أحد الوجهين؟

نقول: الصواب أن نفرِّق بين المرتبتين، والأمر يتضح جليًّا إذا بحثتَ ولم تجد قرينة ترجح أحد الوجهين:

ففي حالة المرتبة الثالثة: سوف تحمل حديثه على الصواب؛ أي: الاتصال.

وفي حالة المرتبة الرابعة: سوق تحمل حديثه على الخطأ؛ أي: الانقطاع.

فمثلاً: إذا أتاك سند به راوٍ ثقة، مُكثِر، مدلس من المرتبة الثالثة، وبحثت عن قرينة تدل على الانقطاع أو الاتصال، فلم تجد، ففي هذه الحالة تحمل العنعنة على الاتصال، ويكون الحديث صحيحًا.

أما في الحالة الرابعة، وبحثت عن قرينة، ولم تجد، ففي هذه الحالة سوف تحمل العنعنة على الانقطاع، وسوف تُضعِّف الحديث، إذًا التفريق بين الأمرين مهم جدًّا.

[6] ومن ذلك أيضًا: أن أبا حاتم الرازي أعلَّ حديثًا بتدليس الليث بن سعد فيه، فقال: "ولم يذكر أيضًا الليث في هذا الحديث خبرًا، ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلَّسه، والليث بن سعد لم يَحكُم عليه أحدٌ أنه مدلِّس".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (4)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (5)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (6)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (7)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (8)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (9)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (11)

مختارات من الشبكة

  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ديوان الشافعي المسمى الجوهر النفيس في شعر محمد بن إدريس(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
  • مخطوطة حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة عقد الجوهر الثمين في أربعين حديثا من أحاديث سيد المرسلين (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة عقد الجوهر الثمين في أربعين حديثاً من أحاديث سيد المرسلين (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة عقد الجوهر الثمين في أربعين حديثا من أحاديث سيد المرسلين(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة عقد الجوهر الثمين في أربعين حديثا من أحاديث سيد المرسلين(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب