• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 135: 137 )

تفسير سورة البقرة.. الآيات ( 135:  137 )
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/10/2012 ميلادي - 24/11/1433 هجري

الزيارات: 23981

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات [135: 137]


يقول الله - تعالى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [135- 136].

 

هذا بيان من الله سبحانه لعقيدة الفريقين من التفرق في الدين، ودعوة كل منهم إلى دينه المكذوب.

 

فاليهود يدعون إلى اليهودية ويحصرون الهداية فيها، والنصارى يدعون إلى النصرانية ويحصرون الهداية فيها، ولو صدقوا جميعاً لما كان إبراهيم مهتدياً، لأنه لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، وهم مجمعون على أنه إمام الهدى والمهتدين. فلذلك قال الله سبحانه مبلغاً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أقوى برهان في هدم دعايتهم: ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.

 

(بل) تستعمل للإضراب عما قبلها وصرف الحكم إلى ما بعدها، فيكون المعنى:

بل نتبع ملة إبراهيم نحن وإياكم على سواء، لاتفاقنا جميعاً على هدايته، وعدم تنازعنا في أمره، وما دام هو الوالد للجميع ومؤسس دين الجميع على ملته الحنيفية، فما الداعي إلى هذا التفرق.

 

ثم نفى الله سبحانه عن إبراهيم في آخر الآية، احترازاً من وهم الواهمين ودعاية المبطلين، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.

 

ثم إن الله سبحانه بعدما سلحنا بالسلاح القامع الدامغ لبني إسرائيل من دعوة الجميع إلى ملة أبي الجميع إبراهيم، جاء بدعوتنا لإعلان الوحدة الكبرى للدين من لدن إبراهيم إلى خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ يعني لا تكن دعوتكم إلى شيء خاص بكم يفصل بينكم وبين أهل الأديان السماوية المزعومة، فإنها في أصلها صحيحة ولكن غلب عليها التحريف والأغراض النفسية، فأنتم انظروا إلى جهة الجمع والاتفاق، وادعوا إلى أصل الدين وروحه الذي لا خلاف فيه ولا نزاع.

 

وهو أولاً: ملة إبراهيم الذي اتفقت جميع الملل على رشده وهدايته.

 

وثانياً: أعلنوا تصديقكم وإيمانكم الإجمالي بجميع الأنبياء والمرسلين وما أنزل الله إليهم من الوحي مع الإسلام لرب العالمين وعدم التفريق بين أحد من رسله وخصوصاً ما اشتهر منهم، فقولوا آمنا أنزل علينا من ربنا على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنا بما أنزل الله على خليله إبراهيم ثم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، والمراد بهم أولاد يعقوب الذين تشعبت منهم فرق بني إسرائيل الاثنتا عشرة.

 

وقد يراد بالأسباط سائر أنبياء بني إسرائيل ممن أجملته الآية: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾. فنحن نؤمن بهم جميعاً ونؤمن بما أنزل إليهم جميعاً من ربهم، لأن دين الله الإسلام يرشدنا إلى الوحدة الكبرى بين الرسالات جميعها وبين الرسل كلهم، فهي قاعدة التصور الإسلامي الذي لا يتحيز لنبي دون نبي، وهي التي تجعل من الأمة المسلمة تحمل الوراثة لرسالة الله وأمانته على دينه في الأرض، لأنها الموصولة بهذا الأصل العريق التي تجعلها تعتبر جميع الأنبياء والمرسلين إخوة في عقيدتهم ورسالتهم كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إنا معشر الأنبياء إخوة علات وديننا واحد))[1]. شبههم صلى الله عليه وسلم باختلاف النسب بإخوة العلات الذين من أمهات متفرقة وأبوهم واحد. فشبه أبابهم بالدين، دينهم واحد هو الإسلام.

 

وبهذا الأصل العظيم، وحدة الأنبياء والمرسلين في دينهم ورسالتهم، تنتفي الطائفية التي نشرها اليهود والنصارى بتعصبهم الجنسي الذي صبغوه بصبغة الدين، فلا يكون في الإسلام طائفية ولا ينشأ من الإسلام طائفية أبداً، لأن المسلمين يؤمنون بكل نبي ورسول، ويقدسون كل كتاب منزل ويؤمنون به، فلا يبقى لدعوتهم طائفية وإنما الطائفية في الدين اليهودي المزعوم الذي لا يؤمن بغير موسى ويكفر بما وراءه، حتى عيسى المبشر به في التوراة ومحمد صلى الله عليه وسلم كذلك عندهم، والطائفية أيضاً في دين النصارى الذين لا يؤمنون بغير عيسى ويكفرون بالتوراة التي نص عيسى على أنه جاء متمماً لناموس موسى، ومن الطائفية ينبع كل شقاق ويتفاقم.

 

والمراد بالإيمان الواجب علينا بما أنزل الله، وما أعطاه لأولئك النبيين والمرسلين إجمالاً: نؤمن به إيماناً إجماليَّا، وأنه كان وحياً من الله، فلا تكذب أحداً منهم بما ادعاه ودعا إليه في عصره، بصرف النظر عما طرأ عليه من ضياع بعضه وتحريف بعضه، فإن ذلك لا يضرنا، لأن الإيمان التفصيلي والعمل مقصور بما أنزل علينا، فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة قال: إن أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم...))[2].

 

وقوله سبحانه في تعليمنا وتوجيهنا: ﴿ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ يعني لا نؤمن برسول ونكفر بالآخر بل نؤمن بهم جميعاً بغير تفريق، وكذلك لا نقول ولا نعتقد أن بعضهم جاء بدين مخالف لدينا لآخر، فإن كلاًّ من هذا أو هذا تحصل به الطائفية والشقاق، فقد حكم الله على الذين يقولون: ﴿ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ حَقًّا ﴾ [النساء: 151- 150] حكم الله عليهم بالكفر لذلك فمن موجبات الإيمان بالله في حكم دينه الإسلام الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وبجميع ما أنزل إليهم من ربهم على سبيل الإجمال.

 

وقوله سبحانه: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ أي مذعنون منقادون كما يقتضي الإيمان الصحيح، فإسلامنا لأجل طاعة الله لا لأجل الهوى. ولذا وجب علينا الإيمان بالجميع، فسمعنا وأطعنا ولم نفرق بين أحد من رسل الله لأجل معجزة أو غيرها، ولستم يا أهل الكتاب كذلك لأنكم متبعون لأهوائكم وتقاليدكم لا تتحولون عنها أبداً. ولما كان الاستمرار على حالتهم استمراراً على الطائفية الجالبة للفرقة والشقاق، أكد الله هذا لعباده المؤمنين، تعليماً وطمأنة وتبشيراّ لهم، وتأميناً وإيضاحاً لمستقبل أعدائهم الكفار إلى أبد الآبدين، فلا يكترث المؤمنون منهم أبداً ولا ينصبغون بدعاياتهم وأهازيجهم، فقال سبحانه: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُم اللَّه هُوَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [137].

 

وهذا تعريض بأهل الكتاب وتبكيت لهم، وبيان لحقيقة العقيدة الإسلامية أنها هي الهدى وأن من اتبعها اتباعاً حقيقياً كاملاً فقد اهتدى هداية عامة في جميع شئون حياته السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ومن أعرض عنها وتولى فإنه لن يستقر على أصل ثابت، فيكون في شقاق مع الشيع المختلفة التي لا تلتقي على وفاق. ولذا قال تعالى: ﴿ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ ﴾.

 

فكلمة (مثل) ليست زائدة كما زعمها بعض المقلدين، بل الله أمرنا أن ندعوهم إلى الإيمان الصحيح بالله وبما أنزل على النبيين والمرسلين بأن يؤمنوا بمثل ما نؤمن به نحن، لا بما هم عليه من ادعاء حلول الله في بعض البشر أو كون رسولهم إلهاً أو العزير ابن الله أو المسيح ابن الله، فالذي يؤمنون به في الله ليس مثل الذي نؤمن به فنحن نؤمن بالتنزيه، وهم يؤمنون بالتشبيه، وعلى هذا القياس فلو قال الله: (فإن آمنوا بالله وبما أنزل على أولئك النبيين وما أوتوه فقد اهتدوا) لكان لهم أن يخالفونا بقولهم: إنا نحن المؤمنون بذلك دونكم، فلفظ (مثل) من صميم الموضوع وليست زائدة، بل قطع لجدلهم وإراحة لنا من تلبيسهم وبهتهم، وفيها استدراك لما عسى أن يتعللوا به وذلك أن بعض أهل الكتاب يؤمنون بالله وبما أنزل على الأنبياء، ولكن طرأت على إيمانهم بالله نزعات الوثنية وأضاعوا لُباب ما أنزل إليهم من ربهم من الإخلاص والتوحيد وتزكية النفوس والتأليف بين الناس، وتمسكوا بالقشور من رسوم العبادة الظاهرة ونقصوا منها وزادوا فيها ما يبعد كلاًّ منهم عن الآخر ويزيد في عداوته وبغضه له، ففسقوا عن مقصد الدين من حيث يزعمون العمل بالدين، فلما بين الله لنا حقيقة دين الأنبياء، وأنه واحد لا خلاف فيه ولا تفريق، وأن هؤلاء الذين يزعمون اتباع الأنبياء قد ضلوا عنهم فوقعوا في الخلاف والشقاق المرير، وأرشدنا الله إلى مطالبتهم بدين إبراهيم واتباع ملته وذكرهم بوصية بنيه خصوصاً يعقوب، وأمرنا أن ندعوهم إلى الإيمان بجميع الأنبياء، أكد لنا ولهم أنهم إن آمنوا بمثل ما آمنا به لا بمثل ما آمنوا به مما يخالف حقيقة الإيمان، بل من ضروربات سعادتهم أن يؤمنوا بمثل ما نؤمن به نحن، كما قال الله: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ هداية عامة شاملة لجميع شئون حياتهم، لايعتورهم النقص ولا التناقص في أي شأن من شئونهم فإن الهداية المطلوبة منهم والنافعة هي الهداية التي أرشدهم الله إليها وأوجب عليهم سلوكها، لا سلوك ما يريدون مما يزعمونه هداية، وهو في حقيقة الأمر غواية.

 

﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ أي أعرضوا عما تدعوهم إليه يا محمد، أو تدعونهم إليه يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من الرجوع إلى أصل دين الأنبياء ولبابه بإيمان صحيح كإيمانكم.

 

﴿ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ وهذا الشقاق على نوعين:

أحدهما: شقاق فيما بينهم لكثرة اختلافهم وتفرقهم فيما بينهم شيعاً، كل حزب يشايع رئيساً روحيًّا أو سياسياً، كما قال تعالى في شأن الكفار على العموم: ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 53]، فهم لايزالون في فرقة وإحن وشقاق، كما سيأتي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [البقرة: 176].

 

ولا ريب في هذا فقد حصر الله أحوالهم في الشقاق بجميع أنواعه ومبانيه فلا يمكن لهم أن يتخلصوا منه، وقد حكم الله به عليهم وحصر أحوالهم فيه حصراً بقوله سبحانه: ﴿ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾، وحرف (إنما) يقتضي الحصر، فمهما حاولوا الخروج من الشقاق وقعوا فيه لأنه محكوم عليهم، وواقعهم يزيده تفاقماً، فما يطلبونه من الوحدة ينقلب إلى فرقة، وإن حصلوا عليها وقتاً قصيراً فإنها لا بد لها من الانفكاك والانقلاب إلى شتم وشقاق، وما يرجونه من الاتحاد كذلك، فإن المنحرفين عن دين الله والمعطلين لوحي الله الذين يبتغون لأنفسهم الخيرة في الحياة دون الاحتكام إلى الله يعملون وحدة مع جميع الطوائف المواطنة على حساب دينهم الذي نبذوه وعقيدتهم التي أرخصوها ولكنهم لايحظون بمودة ولا نصح ممن يخالفهم في الدين وإن لم يكونوا متقيدين به، فإنه يعاديهم لمجرد الاسم، ويخونهم في أحرج المواقف لمجرد الاسم كما جرى من انحياز نصارى العرب ضد العرب الموسومين بالإسلام لما غزتهم الدولة النصرانية، لأن الجانب الديني يغلب على الجنسية التي ينتمي إليها فتأخذه العاطفة مع الغزاة، كما وقع فعلاً مما لا يمارى فيه، فقد ضاعت تربيتهم لإخوانهم في العروبة ردحاً من الزمن، وخانوهم في أحرج موقف لعيون الغزاة الذين هم إخوة لهم في الدين مما ثبت به إفلاس القوميات المبنية على اطرح الدين وتقديس الطين، وإن روح التعدد كامن فيها من نواحٍ عديدة بعضها يرجع إلى غلبة حمية الدين وبعضها يرجع إلى الحزبية وإلى التطرف لبلد دون بلد وغير ذلك، وبعضها يرجع إلى الأنانية التي تسعرت وتفاقم شرها بسبب الابتعاد عن الدين.

 

ثانيهما: أنهم في شقاق مع الله ورسوله والمؤمنين، لأن المخالف لأوامر الله يكون في شق والله ورسوله في شق آخر، ويلزم من هذه المشاقة تزايد البغضاء والعداوة لحزب الله المؤمنين، والكيد المتواصل لهم بشتى الدسائس والأحابيل، ولهذا قال سبحانه: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾.

 

إن إيغال أهل الأهواء بإتباع أهوائهم ونبذهم لوحي الله واطرحاهم لرسالته، يغريهم على عداوة كل مطيع لله، محتكم إلى شريعته، حامل لرسالته، متمسك بعقيدته، لأنه قذاة أعينهم، فمشاقتهم لله ورسوله باطراح أمره ورسالته والكفر برسوله، يجعلهم يعادون من خالفهم في مشاقة الله، وينصبون له الأحابيل ليؤذوه ويصدوه عن رسالته القائم بها دونهم، ولكن الله سبحانه يكفي المسلم المؤمن شرهم، ويقيه من جميع أنواع مكرهم، ويؤيد دعوته وأتباعه، كما وعد سبحانه في هذه الآية بقوله: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾. فهذا الوعد بالكفاية ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل هو عام لجميع من قام بدعوته وسار على نهجه في رعاية أمانة الله وحمل رسالته وتوزيع هدايته.

 

ولاشك أن أهل الكتاب ما شاققوا محمداً صلى الله عليه وسلم لذاته، ولن يشاققوا أحداً من أمته لذاته، وإنما مشاقتهم له من حيث دعوته إلى ما لا يرتضونه ديناً وهو الدين الصحيح الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ولكن جحدوه وعادوه لحاجات في نفوسهم.

 

وقد أقام عليهم الحجج في السابق واللاحق. أقام عليهم الحجج في معرض سياق معاملتهم مع موسى، ثم أقام الحجج عليهم في قصة إبراهيم وبنيه خصوصاً يعقوب فإن في قصتهم ما يبطل مزاعم كل يهودي ونصراني ومشرك، لوضوح موقفهم وصراحته، وأن دينهم الإسلام الخالص جعله كل منهم في عقبه، وجعله في وصيته لذريته، فتقبل جميع الأسباط وصية يعقوب من آبائه.

 

والأسباط هم آباء بني إسرائيل الأقربين، فما بالهم لا ينفدون الوصية التي قبلوها من أبيهم يعقوب؟


كيف ينحازون إلى دين غير دينه وهم ينتسبون إليه؟


لابد لهم من الاعتراف بدينه وتنفيذه كما نفذه الأسباط، وإلا فهم مبتورو الصلة بإسرائيل والأسباط لا يجوز لهم الانتساب لإسرائيل ولا لأولاده الأسباط قطعاً ما داموا مخالفين لهم في العقيدة والدين.

 

هذا أمر محتوم لا جدل فيه، فالله سبحانه وتعالى قطع عنهم كل حجة وسد عليهم كل طريق بذكره قصة إبراهيم وبنيه بعد موسى، فلم يبق عندهم سوى مشاقة الله ورسوله، إن لم يؤمنوا بهذه البراهين القواطع، ومن كانت خطته مشاقة الله ورسوله وإيذاء رسوله وورثته من بعده في الدعوة، فالله حسيبه وسيكفي المؤمنين شره.

 

وقد أنجز الله وعده للمؤمنين الصادقين الذين قاموا بما أوجب الله عليهم، فكفاهم شر أعدائهم على الإطلاق. أما بعد أن انحرفوا فقد حرموا أنفسهم ما وعدهم الله به، وصاروا فريسة لليهود وأذيالهم من النصارى وأفراخهم من المتفرنجين، وإذا عادوا إلى الله أنجز لهم ما أنجز لأسلافهم، فوعده الحق سبحانه بقوله: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾.

 

ومن أنواع كفاية الله جعل أعدائهم في شقاق دائم وخلاف لا يقف عند حد، وهم الآن مع خلافهم وشقاقهم يتفقون ضدنا، ما دمنا شاردين عن الله، ولكن إذا عدنا إلى الله عودة صادقة نحمل فيها رسالته، ونعمل على إعلاء كلمته كما عمل الأسلاف، جعل الله بأسهم بينهم كما مضى، وجعل شقاقهم وخلافهم يتفاقم، فلا يتفقون ضدنا كما هم عليه الآن، فإن الله بوعده سيكفينا شرهم، كما كفى أسلافنا الصادقين إذا حققنا الصدق معه، والله هو ﴿ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾، يسمع كل شيء، ويعلم كل شيء، ويجزي كل نفس بما كسبت.



[1] تقدم تخريجه.

[2] أخرجه البخاري رقم (4485).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 125 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 126 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 127 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 128: 129 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 130: 134 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 141 : 142 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 143 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 144 : 147 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (148 : 149)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المصادر الأولية لتفسير كلام رب البرية: المحاضرة الثانية (تفسير الآيات الناسخة للآيات المنسوخة)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب