• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

إيجاز الكلام فيما تعلق بالتكاليف الشرعية من أحكام، وما اندرج فيها من أقسام

إيجاز الكلام فيما تعلق بالتكاليف الشرعية من أحكام، وما اندرج فيها من أقسام
محمد بن محمد الأسطل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/10/2012 ميلادي - 15/11/1433 هجري

الزيارات: 30305

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إِيجَازُ الكَلام فِيمَا تَعَلَّقَ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مِن أَحْكَام

وَمَا انْدَرَجَ فِيهَا مِن أَقْسَام


الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين، أَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرين، وأَشْكُرُهُ شُكْرَ الحَامِدِين، وَأَشْهَدُ أن لا إله إلا الله، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ وَرَسَولُهُ.

 

أمَّا بَعْد:

فإن دِلالةَ الأحكام الشرعية التكليفية لا تُحَدّ، ومَا يَندَرِجُ تحتَهَا من أحكامٍ فِقْهِيَّةٍ لا يُعدّ، بِهَا يُرَتِّبُ المسلمُ عقلَهُ، ويُنَظِّمُ عُمرَهُ، ومتى اكتسى بوشَاحِهَا صَار دقيقَ التقدير، حَسَنَ التَّدبير، يَقِظًا في كلِّ صَغِيرٍ وَكَبِير، وهي قضيةٌ أُصُولِيَّةٌ سَاحَةُ عَمَلَهَا الفقه، وإليكَها بِتَفصيلٍ يُسْعِدُكَ في حياتك، وينفَعُكَ يوم معادك، وقد وقعت في ثَلاثِ مَطَالبٍ، وفِيهَا بَلاغٌ للطَّالبِ:

 

المطلب الأول

أنواع الأحكام التكليفية

 

• الأحكامُ الشرعيةُ التَّكْلِيفِيَّةُ خمسةٌ: الإيجابُ، والاستحبابُ، والإباحةُ، والكراهةُ، والتحريمُ.

 

وإليك موجزَ القَولِ فيها:

النوع الأول: الإيجاب:

أولًا: تعريفه: هُوَ الذي يُثَابُ فَاعِلُهُ، ويُعَاقَبُ تَارِكُه.

 

أي: يَسْتَحِقُّ الفاعلُ الثَّوابَ، والتَّارِكُ العِقَابَ، في الأصلِ والغَالِبِ، فَالكُلُّ تحت مشيئة ربنا؛ ذلك أنَّ اللهَ قد يَرُدُّ عبادةَ الفاعل عليه، فلا تَصِلُ إليه؛ فَإِنما يتقبلُ الله من المتقين، ويجوز أن يغفرَ للتَّارِكِ؛ فإنَّ الله غفورٌ رَحِيمٌ.

 

ومَا قِيلَ هُنا يُذكَر في سائرِ الأحكامِ التكليفية.

 

ومن الواجبات؛ أركَانُ الإسلام، وَصِلَةُ الأرحَامِ، وقضَاءُ الدَّين، وبِرُّ الوالدين، وقولُ الصدقِ.

 

فالذي يقضي الدَّين - مثلًا - يُشكَرُ ويُؤجَرُ، أما من ماطلَ فيه يُعاتب ويُوزَرُ، حتى لو اصطفاه الله شهيدًا؛ فإنَّ الدَّينَ لا يُغفر، فَلَزِمَ الوَجَلُ والحَذَرُ.

 

ثانيًا: أقسامُ الوَاجِبِ وَأمثلته:

للواجبِ أقسامٌ أربعةٌ: بالنَّظَرِ إلى تَعَيُّنِ المطلوبِ وعدم تعينه، وباعتبار مقدارِ المطلوب منه، ومن حيثُ وقتُ أدائِهِ، ومن جهةِ المُطالَبِ بِفِعْلِهِ، وإليك البيانَ:

القسمُ الأول: الواجبُ بالنَّظَرِ إلى تَعَيُّنِ المطلوب وعدم تعينه: مُعينٌ، ومُخَيَّرٌ.

الأول: الواجب المُعَيَّنُ:

هُوَ ما طَلَبَهُ الشَّرعُ بِعَينِهِ؛ كالصَّلاةِ، والصِّيامِ، فَلا يصح أن تُنِيبَ الصلاة عن الصيام، ولا الصيام عن الصلاة، كما لا يصح أن تُوَكِّلَ جَدَّتَكَ لِتُؤَدِّيَ عَنْكَ صَلاتَك، أو تَتَوضَّأ نِيَابةً عَنْكَ.

 

الثاني: الواجب المُخَيَّرُ:

هو ما طلبه الشرع واحدًا من عدةِ أمورٍ معينةٍ؛ ككفارة اليمين؛ فإما أن تختار إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فَإن عجزت صُمت أيامًا ثلاثة، وقد جعل الله الكفارة ترتيبًا بعد تخييرٍ.

 

القسم الثاني: الواجب من حيث زمنُ أدائِهِ: مُطْلقٌ، ومُؤقت.

الأول: الواجبُ المُطلق:

هو الذي لم يُقَيَّدْ أداؤُهُ بِزَمَانٍ؛ ككفارةِ الأيمان، فلم يُحَدَّدْ قضاؤُهَا بِأَجَلٍ، لكن يُسْتَحَبُّ تعجيلها براءةً للذمَّةِ، وخشيةَ حُلولِ الأجَلِ.

 

الثاني: الواجبُ المؤقت: وهو قسمان: مُضَيَّقٌ ومُوَسَّعٌ:

(أ)- الواجبُ المُضيق:

هو ما كان وقته مُختصًا بِفِعْلِه، لا يَتَّسِعُ لِغَيرِهِ؛ كَصَومِ رمضان؛ فإنه لا يتسع إلا له، فلا مجال فيه لصوم قضاءٍ أو نافلةٍ، ولا لِنَذْرٍ أو كَفَّارَةٍ.

(ب)- الواجبُ الموسع:

هو ما كان وقته يَسَعُهُ وحدَهُ، ويسعُ غيرَهُ من جِنْسِه؛ فَوقْتُ صلاةِ الظهر يَسَعُ لها، ويسع غيرَهَا، لكنها موسعة لا مطلقة؛ لأنها مقيدة بوقت آخره قبلَ دُخُول العَصْرِ بِلَحظَةٍ.

 

وقد جمع الحجُّ الواجبَ المُطلقِ والمُؤقت؛ فإذا نظرنا لكونه واجبًا في العمر مرة، وليس لأدائه سنةً معينة، كان مطلقًا، أما إذا نظرنا لكونه في أشهرٍ مَعلُوماتٍ؛ كان مُؤَقَّتًا مُضَيَّقًا، فلا يَصِحُّ أن تَجمع حَجَّينِ في سنةٍ واحدة؛ اغتنامًا لِوُجُودِكَ في مكة.

 

القسم الثالث: الواجبُ باعتبار مقدار المطلوب منه: مُقَدَّرٌ، وغير مُقَدَّرٍ:

الأول: الواجب المُقدر:

هو ما عَيَّنَ له الشَّرْعُ قَدْرًا معلومًا؛ كأربعِ ركعاتٍ لِفَرضِ الظهر، ولرمضان من الأيام شَهر، وفي زكاة الذهب والفضة رُبع العُشْر.

 

الثاني: الواجبُ غيرُ المُقدر:

هو ما لم يُعَيِّنْ له الشَّرْعُ مِقدارًا مُعَينًا؛ كَمَسْحِ الرأس في الوضوء، ومقدارِ الركوع والسجود، والتعاون في البر، والتصدق المُطلق؛ إن وَجَبَ بِالنَّذْرِ، والنفقة على الوالدين والزوجة، ومن يلزمك من الفقراء نفقته، فَوَاجِبُ النفقة هنا غير مُقدر، لكنه مَنُوطٌ بِسَدِّ حاجتهم، ودفعِ ضرورتهم.

 

القسم الرابع: الواجب من جهةِ المُطالب بأدائه: فرضُ عينٍ، وفرضُ كِفَايةٍ:

الأول: فرضُ العَين:

هو ما طلبه الشَّرعُ من المُكَلَّفِ بِعَينهِ؛ فلا يقوم به غيرُهُ؛ كطهارته من حَدَثِهِ وخبثِهِ، وبِرِّهِ بِأَهلِهِ، وقيامه لِلَيْلِهِ، وصلته لِرَحِمِهِ، فلو قال لأخيه الأكبر: زُرْ عمي عني نيابةً؛ فإن الصلة لا تجزئ عنه، ما لم يكن عاجزًا عن الزيارة شخصيًا؛ لِمَرضٍ أَو سَفَرٍ أَو نَحْوِ ذلك.

 

الثاني: فرضُ الكفاية:

هو ما طلب الشرع فعله، لا من مُكَلَّفٍ بِعَينِهِ، والكفائي كالعيني في تَحَتُّمِهِ، ولُزوم كل شخص به[1]، لكن الشريعة هنا يَهُمُّهَا الفعلُ لا فاعلُهُ، فلو قام به ثلةٌ رفعت الإثم عن البقية، فالمُهم أنَّ الفِعْلَ لا يَضِيعُ، وإلا أَثِمَ الجَمِيعُ.

 

فَلَو جَاءَ الإسعافُ يُطَبِّبُ مَرِيضًا ويحملُهُ؛ فإن كان فيه أطباءٌ خمسةٌ؛ كان الطب عليهم فرضَ كفاية، فإذا قام أحدهم بالمهمة؛ سقط الإثم عن البقية، وإلا وقعوا كُلُّهُم في المعصية، أما إن وصل الإسعافُ وليس فيه إلا طبيبٌ واحِدٌ، أصبح التَّطْبِيبُ عليه فرضًا عينيًا قولًا واحدًا.

 

إنَّ الواجباتِ الكِفَائِيَّةَ قد طَالت كافة مناحي الحياة الإنسانية؛ كالثُّغورِ السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، وأن يُوجدَ في الأمة أهلُ الحِسْبَةِ والإفتاءِ والقضاءِ، والتجارةِ والاقتصادِ، والطبِّ والهندسةِ، والإعلامِ ومعرفةِ الأسلحةِ، وبهذا تُدْرِكُ أنَّ الكفائيات غيرُ مَحصُورَةٍ بِصَلاةِ الجنازة أو عبادات المسجد، ولا حبيسة جَانِبٍ مُحدد.

 

وثمة أمور ثلاثة في الفرض العيني والكفائي يَحْسُنُ بيانها:

الأول: يتحول الفرض الكفائي إلى فرضٍ عيني في حالتين:

الحال الأولى: تَعيين الإمام؛ فإذا عَيَّنَ الإمامُ عَالِمًا لتولي القضاء؛ تَحَوَّلَ القضاءُ في حَقِّهِ من فرضِ كفايةٍ إلى فرضِ عينٍ.

 

الحال الثانية: خُلُوُّ الواقعُ من قائمٍ بالواجب عجزًا، أو إهمالًا وتهاونًا.


فَلَو منَّ اللهُ على عبدٍ بمؤهلات الفُتيا مثلًا، وخلت البلاد إلا منه، كان الإفتاءُ واجبًا عليه عينيًا، بعد أن كان كفائيًا.

 

الثاني: بيانُ الأفضلية بين الفروضِ العينية، والفروضِ الكفائية:

اختلفت أنظارُ الفُقهاء في تحديدِ الأفضل منهما، لكني أختار قولًا وسطًا، فأقول إيجازًا:

إنَّ فَرْضَ العَيْنِ آكدُ من فرضِ الكفاية؛ ذلك أنَّ الشَّريعةَ اعتنت به أَيَّمَا عِناية، حتى إنها ألزمت كلَّ مُكَلَّفٍ بِفِعلِهِ، دون أن تُسْقِطَهُ عنه، ولو قامت الأمةُ مجتمعة به.

 

غيرَ أن فرضَ الكفاية غالبًا ما يكون أكثرَ أجرًا، وأعظمَ شرفًا؛ ذلك أن فاعلَهُ ساعٍ في صيانةٍ الأمةِ كلِّهَا عن الحرجِ والمَأثمةِ، بخلاف العيني الذي لا يرفع الإثمَ إلا عن صاحبِهِ، فَفِعْلُهُ تقديمٌ للعامِ على الخاص؛ كمن تَصَدَّى لصناعةِ السلاح؛ فما من مجاهدٍ يستعملُ سلاحَهُ إلا ولصاحب الفرض الكفائي أجرًا كأجره، وبهذا الاعتبار عدَّ ابنُ الصَّلاح أن الاشتغال بالفروض العينيةِ أهم من الاشتغالِ بالفُروض العينية.

 

الثالث: مقارنةٌ بين الفَرضِ العَينِي، والفرض الكِفَائِي:

(أ)- مواطِنُ الاتفاق:

• إنَّهُمَا من الواجِبات، يُثاب فاعلهما، ويأثم تاركهما.

• كلاهما يشمَلُ أمورَ الدنيا والدِّين، فَمِنَ العيني الدِّينِي: إيتاءُ الزكاة، ومن الدنيوي: ردُّ الودائع، والوفاء بالعهود والعُقُود، ومن الكفائي الدِّيني: صلاةُ الجنازة، ومن الدنيوي: تَعَلُّمُ علم الحاسب الآلي.

 

(ب)- مواطنُ الاختلاف:

• فرض العين مصلحتُهُ للفاعلِ أصالةً، وللأمةِ تبعًا، أما الكفاية فللأمة أصالةً، وللفردِ تبعًا.

• فروضُ الأعيان يَهُمُّهَا الفِعْلُ والفَاعِلُ، أما الكفائية فيهمها الفعلُ بغض النظر عن الفاعل ابتداءً.

 

ثالثًا: واجبُنَا نحو الواجب:

ينبغي للمسلم إن سَمِعَ واجبًا شرعيًا؛ ألا يقعد، ولا يتردد، ولا يُفَكِّرَ، ولا يُقَدِّرَ، بل يَقُولُ: سمعًا وطاعة، على مدار الساعة، فقد قال جلَّ جلاله: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب:36]

 

فكم يَغشَانِي ضيقٌ، ويَعْصِفُ بي أَسَفٌ وأنا أرى بعض أهل الالتزام يُدعون إلى حُكمِ الله في خُصوماتهم دُون حُكم البَشَرِ فَيَأْبَون، نَعِظُهُم بِرَدِّ الإرثِ والحقِّ لأهلهِ فيمتنعون، فأين هؤلاء من تَشْويقِ اللهِ لَهُم: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور:51]

 

النوع الثاني: الاستحباب:

أولًا: تعريفه:

هو ما يُثابُ فاعِلُهُ، ولا يُعاقب تاركه. أي: يجوز فعله وتركه، لكِنَّ فعلَهُ أَوْلَى.

 

فالمستحب مِمَّا أمرَ اللهُ بفعلهِ، لكنه لم يُعاقَبْ على تركه، ولهذا كان السلفُ يُداومونَ عليهِ كَأَنَّهُ مَفْروضٌ عليهِم، غيرَ أنَّ الفَرْضَ إن خَرَجَ عن وَقْتِهِ قُضِيَ، أما المستحب فإنه إن خرج عن وقته لم يُقْضَ.

 

فَمَن صلَّى الضُّحى كَأنَّهُ تَصَدَّقَ بعدد مفاصله[2]، وهي بعدد أيام السنة ثلاثمائة وخمسة وستون يومًا، مع أنه قد يبلغ من العمر عتيًا وما تَصَدَّقَ هذا العدد، إلا أنه إذا أَهمل هذا الفضل فلا عُقوبةَ عليه، لكن الأجر قد فاته.

 

ومن صلَّى على النبي- صلى الله عليه وسلم - في اليوم مائة صَلَّى اللهُ عليْهِ ألف مَرَّة، وَحَطَّ عَنْهُ ألف خطيئة، وَرَفَعَهُ ألف درجة، كما يقتضيه حديثُ أنس عند النسائي في سننه[3]، لكنْ من لم يفعل فَلا إثم عليه.

 

ومن سبح قبل النوم ثلاثًا وثلاثين، وحَمِدَ ثلاثًا وثلاثين، وكَبَّرَ أربعًا وثلاثين، أو ثلاثًا وثلاثين، ثم قال ختام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير؛ كانت له خيرًا من عبدٍ وخادم[4]، يبلغ ثمنه عشرات الدراهم، لكنه إن نام دون ذِكْر، لم يُعاقَب، وإن فاته الأجر.

 

وبهذا تُدرك أنَّ المُسْلِمَ لو استشعر قَدْرَ الأجرِ الذي تَخُطُّهُ له ملائكةُ ربه، ما قَرَّ له قَرارٌ، ولا استراح له بالٌ، حتى يكون من أهلها المداومين عليها، ولهذا قيل قديمًا: من عرفَ أُجورَ الأَعمال؛ هَانت عليه في كلِّ الأحوال!!

 

ثانيًا: أسماؤُه:

من أسمائِهِ: المَسنُونُ، والمندوبُ، والنَّفْلُ، والطَّاعَةُ، والتَّطَوعُ، والفضيلةُ، والحسنُ، والإحسانُ، وغيرها، وكلها ألفاظ تُشِيرُ إلى معناه، ولا تخرج عن مَرماه.

 

فائدةٌ:

قد تَرِدُ السُّنَّةُ في لسانِ الشريعة أحيانًا بِمَعنَى الواجب، كمَا صَلَّى ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنه - على جنازةٍ، وجَهَرَ بالفاتِحَةِ، وقال: "لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ"[5]، ومعلومٌ أن الجنازة، والفاتحة التي فيها، من قَبيلِ الواجب، فبان لنا أنَّ السنَّةُ هنا بمعنى الشريعة، وعلى هذا فالسنة أعَمُّ من النَّدبِ.

 

ثالثًا: أقسامُ السنَّةِ وأمثلتها:

للسنَّةِ أقسامٌ أربعةٌ: بالنَّظَرِ إلى مقدار المطلوب منها، ومن حيث وقتُ أدائِهَا، ومن جهةِ المُطَالَبِ بِفِعْلِهَا، وباعتبار ذاتِ الفعل، وإليك التفصيلَ:

القسم الأول: السنة بالنظر إلى مقدار المطلوب منها تنقسم إلى: مُقَدَّرَةٍ، وغيرِ مقدرة:

• السنة المُقدرة: كَعَدَدِ ركعات السننِ الرواتب، والتسابيح التي تَعْقُبُ الصلوات.

• السنة غير المُقَدَّرَة: كَمُطلقِ الأذكار، وإكرامِ الجار، ونفلِ الصلاة، والإنفاقِ في سبيل الله.

 

القسم الثاني: السنة من حيثُ وقتُ أدائِهَا: وهي مُؤَقَّتَةٌ، ومُطْلَقَةٌ:

(أ)- السنة المؤقتة:

هي ما قُيِّدت بِزَمَانٍ لا تتعداه؛ كَصَلاةِ الضُّحَى؛ فَإِنَّهَا من بعد طُلوعِ الشَّمسِ بخمسَ عشرةَ دقيقة، إلى ما قبل الزوال بعشر دقائق تقريبًا، وكذا السنةُ الرَّاتِبَةُ، فإذا تركها حتى خرج وقتها فلا يصليها، اللهم إلا إن كان ناسيًا لها، أو نائمًا عنها؛ فَعِنْدَ الشافعية: قضاءُ الفَرضِ فَرض، وقضاء السنَّةِ سُنة.

 

(ب)- السنة المطلقة:

وهي التي لم يَتَقَيَّدْ أداؤها بِزَمَانٍ؛ كَتِلاوَةِ القُرآن، وذكرِ الرَّحمن، وزيارةِ الجِيران، وزيارةِ القبور، والسُّكْنى في الثغور.

 

نعم.. ترد استثناءات عليها؛ فمثلًا: داخِلُ الخَلاءِ لا يذكر ربه، وزائر جيرانه يَزُورُ مُطلقًا دون تحديدِ شَهرٍ أو سَنَةٍ، لكنه لا يزور في أوقات الكراهةِ، من قبل صلاة الفجر، وحين يضعون ثيابهم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ما لمْ يَجْرِ العرفُ بخلافِ ذلك.

 

القسم الثالث: السنَّةُ من جهةِ المُطالَبِ بِفِعْلِهَا: عَيْنِيَّةٌ، وكفائيةٌ:

(أ)- السنة العينية:

هي التي يُسَنُّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ بعينه فِعلُهَا، لا تُجزِئُ عنه بِفِعلِ غيره لها؛ كَقِيَامِ اللَّيلِ، وصِلَةُ الأرحام والأهْلِ.

 

(ب)- السنة الكفائية:

وهي التي يُطالَبُ كُلُّ مُكلفٍ بِهَا، لكن إذا قام بها غيرُهُ تُرِكَ طَلَبُهَا؛ كالتسمية على الطعام إن تَعَدَّدَ الآكلون، وابتداء السلام من جماعة، فيكفى واحدٌ عَنِ الكُلِّ، وهذا ما نظمه ابنُ رسلان الشافعي في زُبَدِهِ [6].

 

بِقَولِهِ:

ومِنهُ مَسنونٌ على الكِفَايةِ
كالبَدْءِ بالسَّلامِ مِن جَمَاعَةِ

 

لكنَّ الثَّوابَ يَخْتَصُّ بِفَاعلِ السُّنَّةِ من بينهم، وإنْ سقطت المَلامَةُ عن جَمِيعهم.

 

القسم الرابع: أقسام السنَّةِ باعتبار ذات الفعل: مُؤَكَّدَةٌ، وغير مُؤكدة:

(أ)- السنن المؤكدة:

وهذه قسمان: قِسم مُؤكَّدٌ، وقِسْمٌ آكد:

• القسم المؤكد:

هي التي داومَ على فعلها النبي  - صلى الله عليه وسلم -، كَصِيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، والإفطار يوم الصوم على تمرٍ، واستخدام السواك، والقيام كل ليلةٍ، وأذكار النوم، والسنن الراتبة؛ فإن من صلاها بنى الله له بيتًا في الجنة، ومن تركها وما قَبْلَهَا عُوتِبَ دُون عِقابٍ، وَلِيْمَ دُون عَذَابٍ.

 

بل إن بعض الفقهاء قالوا بِسُقوطِ عدالة المُواظب على ترك السنن الرواتب في غيرِ السَّفَرِ.

 

• القسم الآكد:

وهي التي داوم على فعلها النبي  - صلى الله عليه وسلم -، لكنه لم يتركْهَا حتى في وقت الأعذار، كَالمَرَضِ والأَسْفَارِ، فتأكدت بعد تَأَكُّدٍ، حتى قاربت الواجب، فَيَشْتَدُّ اللَّومُ لِتَارِكِهَا، ويُعاتبُ بِشِدَّةٍ هَاجِرُهَا، وإن لم يَأثَم بِتَرْكِهَا.

 

ومن هذا صلاةُ الوتر، وركعتا الفجر، والأضحيةُ لِمَن قَدِر، وصلاة العيدين، والكسوف والخسوف، والصلاةُ إلى سُترة، فإن النبي  - صلى الله عليه وسلم - كان من حرصه عليها يأخذ سُتْرةً معه في سَفَرِهِ.

 

(ب)- السنن غير المؤكدة:

هي التي حثَّ عليها النبي  - صلى الله عليه وسلم - وفَعَلَهَا، لكنَّهُ لم يُدَاوِمْ عليهَا؛ كَصَلاةِ أربع ركعاتٍ قبلَ العَصْرِ.

 

رابعًا: واجبنا تجاه السنة:

مَرَّ بنا أن السلف كانوا يُداومون على السُّنَّةِ كأنها مفروضة عليهم، غير أن الفَرْضَ إن خَرجَ عن وقته قُضِي، أما السنة فإنها إن خرجت عن وقتها لم تُقْضَ.

 

فلا ينبغي للعبد أن يترك السنة؛ ذلك أنها من جُملةِ ما أمر اللهُ بِفِعْلِهِ، غيرَ أنَّهُ لم يُعاقِبْ على هَجْرِهَا؛ لِيَخْتَصَّ اللهُ الرواحل الإيمانية الصادقة بِفِعْلِهَا.

 

فائدة:

ثمة أفعال فعلها النبيُّ  - صلى الله عليه وسلم - كَفِعْلٍ مُجَرَّدٍ، خلا عن قولٍ وحثٍّ، ومَثَّلَ الأُصوليُّونَ لِهَذا بِمَا وردَ عند مُسلمٍ أن النبي  - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل بيته بدأ بالسِّوَاك[7].

 

وحكمةُ هَذا: حُسْنُ الدخولِ لبيتِهِ، فقد يَدنُو من أهله، فهذا من التهيؤ لها، كما تتهيأ له.

 

فالراجحُ في أفعاله - صلى الله عليه وسلم - أنها مُستحبةٌ؛ كي تتأسى به الأمَّةُ، ذلك أن النَّدبَ ترجيحُ الفِعْلِ على التَّرْكِ، ولا ريب أن فعل النبي  - صلى الله عليه وسلم - قرينةٌ تُفَوِّقُ الفِعْلَ على التَّرْكِ، حتى قال ابنُ تيمية: إنَّ النَّبيَّ  - صلى الله عليه وسلم - لو خَصَّصَ مكانًا أو زمانًا بعبادة؛ كان تخصيصُه تلك العبادة سنةً وَعِبَادةً.

 

النوع الثالث: المباح:

أولًا: تعريفه:

هو الذي لا يُؤجَرُ فَاعِلُهُ، ولا يُعاقَبُ تَارِكُهُ.

 

أي: يجوز فعلُهُ وتركُهُ، فَلا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَدحٌ ولا ذَمٌّ، ولا عِتَابٌ ولا لَوم.

 

ثانيًا: أمثلته:

وهي كثيرةٌ؛ كالأطعمةِ والأشربةِ، والرحلات الترفيهية المنضبطةِ، ونومِ الإنسان، ومباشرته زوجَهُ في ليالي الصيام في رمضان.

 

لكن المُبَاحَ الذي جعله وسيلةً لمقصدٍ يأخذ حكم ذلك المَقْصِد، فأنت ترى أن الشَّرعَ أباحَ للإنسان الاغتسال للتبرد، لكنَّهُ لو اغتسل قبلَ العَصْرِ، لِيَمْكُثَ بعده نشيطًا في المسجد حتى المغرب في التلاوة والذِّكْرِ؛ لأمسى الاغتسال مُستَحبًا، بعد أن كان مُباحًا.

 

ثم إنه لو اغتسل بِنِيَّةِ التزين للقاءِ فَاجِرَةٍ؛ لَبَاتَ الاغتسالُ مُحرَّمًا، بعد أن كان حَلالًا.

 

ثالثًا: واجبنا نحو المباح:

وبهذا أَصِلُ بك إلى فقهٍ ثمينٍ، دَرَجَ عليه الصالحون، وانتهجَهُ الأذكياء الفطنون، فإنهم صَيَّرُوا العادات عبادات، والمُباحات طاعاتٍ كُبريَات.

 

فالنوم مثلًا: ينامُ الإنسان ثماني ساعاتٍ يوميًا في المعتاد، فَلَو عاش ستين عامًا، فيأتي يوم القيامة بِثُلُثِهَا نومًا، فلا أجر له ولا ذنب عليه ولا لوم.

 

لكنَّ صَنِيعَهُ في قاموسِ الصالحينَ خسارةٌ؛ فإن أحدهم كان يبدأ ليله بِطَاعةٍ كَتِلاوَةٍ؛ أو ذِكْرٍ، أو رباط على الثغر، أو قيامِ ليلٍ، وتعليمِ أهلٍ، وإصلاح ذات بين، ثم ينام نَعِسًا لا مُختارًا، وفي نيته أنه ما نام إلا تقويًا على طاعة ربه، وإحياء ليله، فَهَذَا طيلةَ نَومِهِ يُؤجَرُ من جِنسِ عمله قبلَ نومِهِ، ونيته، سَلَفُهُ في هذا معاذ بن جبل الذي لما سُئِلَ عن تهجده قال: "أنَاْمُ وَأَقُوْمُ، وَأَرْجُوْ فِيْ نَوْمَتِيْ مَا أَرْجُوْ فِيْ قَوْمَتِيْ"[8]!!

 

فيا لله كم من عبدٍ صالحٍ يأتي يوم القيامة بعشرين سنة كان فيها نائمًا، وإذا بملائكة ربه تَخُطُّهَا أجورًا في صحيفة التهجد؛ كأنه كان فيها قائمًا، ويا لله كم من قبورٍ تنورت برحابِ الفضائل والأجور، وظلالِ النَّعيمِ والسرور والحُبُور؟!

 

النوع الرابع: المكروه:

أولًا: تعريفه:

هو الذي يُؤجَرُ تاركه امتثالًا، وفاعله ليس عليه عقابٌ، وقد يستحق اللومَ والعِتَابَ.

 

أي: يجوز فعله وتركه، لكن تركُهُ أولَى؛ لأنَّهُ ممَّا نَهَى اللهُ عنه، إلا أنه لم يُرَتِّبَ الإثمَ على فعلِهِ.

 

ثانيًا: أمثلته:

من المكروه الأخذُ والإعطاءُ بِاليَدِ اليُسْرَى، ودخولُ الخلاءِ بالرِّجْلِ اليُمنى، والجلوسُ في المسجدِ قبلَ صلاة التَّحِيَّةِ، وصومُ الحاج يوم عرفة، وتضييعُ الوقتِ، وأذانُ الجُنُبِ، أما المحدث حدثًا أصغر فَمُباحٌ له التأذين.

 

فائدة:

يَرِدُ في لسانِ الشَّرعِ التعبيرُ باِلمَكروه، والمقصُودُ الحَرامُ؛ كآيات الإسراء التي حَوت نَواهِيَ وكبائر، وجاء بعدها: ﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ [الإسراء:38]؛ ذلك أن المُحَرَّمَ ممَّا يكرهه الله جل جلاله، وقد درج بعض الأئمة على هذا المصطلح؛ تَوَرُّعًا وخوفًا من وعيد آية النحل:﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [النحل:116].

 

ولهذا شَنَّعَ ابنُ القيم على من حمل كلامهم على الكراهة التنزيهية، وهم ما قصدوا بها إلا الكراهة التحريمية، حتى حصل بِصَنيعهم ضَلالٌ وخَلَلٌ، وإيهامٌ وزلَلٌ.

 

ثالثًا: واجبنا نحو المكروه:

ينبغي للعبدِ ألَّا يَلِجَ بابَ الكراهة؛ لأن الله كَرِهَهُ، ونَهَى عَنْهُ، وقد يُعاتِبُ فاعلَهُ، لكنَّهُ لم يُرَتِّب العقوبةَ على فعلِهِ؛ لكنْ ليَمِيزَ الطَّامِعينَ بِقََدْرٍ من الأجورِ كثيرٌ، من الرَّاضِينَ بِالقَلِيلِ!

 

النوع الخامس: التحريم:

أولًا: تعريفه:

هو ما أُثِيب تاركُهُ، وعُوقِبَ فاعلُهُ.

 

ومن المحرمات؛ عُقوقِ الوالدين، وجَحْدِ الدَّين، والغيبةِ، والنميمةِ، والخيانةِ والكذبِ، وشهادةِ الزُّورِ والحَسَدِ والعُجْب.

 

ثانيًا: أقسام الحرام وأمثلته:

المحرم قسمان: مُحَرَّمٌ لذاتِهِ، ومُحَرَّمٌ لِغَيرِهِ:

• المحرم لذاته: هو ما حُرِّمَ أصالةً لِذَاتِهِ، فالتحريمُ واردٌ ابتداءً عليه؛ كالقتلِ، والصلاةِ بلا طُهْر، والزِّنَا، وَأكل الرِّبَا.

• المحرَّمُ لِغَيره: هو ما كان مشروعًا في أصلِهِ، بل له حكم الوجوبِ أو الندبِ أو الإباحةِ، لكنَّ عَارِضًا اقترنَ بِهِ؛ فَحُكِمَ بِحُرمَتِهِ، كالبيعِ الذي فيه غِشٌ ودِلسَةٌ، والصلاةِ عند القبرِ، فالنهيُ لا لذاتِ الصَّلاةِ، وإنما خشيةَ التوسل بِأَهْلِهَا، والشركَ بالله تعالى.

 

ثالثًا: واجبنا نحو المحرم:

الحرام كَحقْلِ ألغامٍ، منعنا من قُرْبِهِ طلبًا للأمانِ والسَّلامِ، لكنَّ النُّفُوسَ المريضةَ لا تعرفُ الاقتياتَ إلا عليهِ، والجُلوسَ إلا إليهِ.

 

أي: إن الحَرَامَ مَلامَةٌ وعتابٌ، وعذاب وعقابٌ، وبَلِيَّةٌ ورزيةٌ، وإلى النار مَطِيَّةٌ، فلا ينبغي لعاقلٍ أن يقربه، أو يحبه، بل يفر إلى طاعةِ ربه هربًا منه، لأن المُحَرَّمَ وجهنم وجهان لعملةٍ واحدةٍ!

 

وليس للإنسان على فعلِ الحرام أَجْرٌ، ومن طريف ما قرأت أن زوجةً قُتِلَ زوجُهَا، فَذَهَبت لِرَجُلٍ شُجاعٍ ليقتصَّ لهَا، فَطَلَب منها مالًا، فَأظهرت له فَقْرَهَا، وحاجةَ أولادها، حتى رقَّ لحالِهَا، وقال: لا بأس عليك؛ سأقتله لِوَجْهِ اللهِ تعالى!!

 

المطلب الثاني

تداخل الأحكام التكليفية على العبادة الواحدة

 

للتداخلِ أحوالٌ، من أهمها هذه الأربعة:

(1) أن يكون للعبادة أكثر من وجهٍ، فيُمْنحُ كلُّ وجهٍ حُكمًا خاصًا به؛ كَرَدِّ السلام؛ فإن ابتداءه سنةٌ، وردَّهُ وَاجِبٌ.

 

(2) أن يكون نوعُ العبادةِ واجبًا وحرامًا باختلاف الجِهَةِ؛ فَالسُّجُودُ واجبٌ لله، حرامٌ لغيرِ الله.

 

(3) أن تكون عينُ العبادةِ واجبةً صحيحةً وحرامًا باختلاف الجِهَةِ أيضًا؛ كالصلاةِ في الأرضِ المغصوبةِ؛ فهي صحيحةٌ باعتبارها صلاةً تامةَ الأركانِ، حُكمُهَا وَاجِبٌ، وحرامٌ باعتبار الغَصْبِ.

 

(4) أن تتردد الأحكامُ الخمسةُ على ذاتِ الفعل لتَعَدُّدِ حالاتِهِ:

(أ)- فالطَّعامُ؛ مُباحٌ عُمومًا، واجبٌ إذا كان تركُهُ يُفضِي لِمَوتٍ مُحَقَّقٍ، مُستحبٌ إذا أدى تركُهُ لإرهَاقٍ، مكروهٌ إذا آل لِمَرضٍ مَظنُونٍ، حرامٌ إذا كان في نهارِ رمضان، أو أدى لآفةٍ أو مَرَضٍ.

 

(ب)- والزواج في أصله مُستَحَبٌّ، فإن خَشِيَ الوقوع في الزنا وَجَبَ، وإن تَيَقَّنَ ظُلمَ زوجته حَرُم، فإن ظنَّ كُرِه، وأُبيحَ زواجُهُ من ثَانِيةٍ وثالثةٍ ورابعة.

 

المطلب الثالث

الترجيحُ عندَ تَعارُضِ الأحكام التكليفية


إن هذا باب ممتدٌ واسعٌ، أكتفي فيه بِذِكْرِ أحكامٍ أربعةٍ لوامع، ضابطها تقديم أعلاها حكمًا على أدناها رتبةً، وهي كما يلي:

إذا تعارضت الأحكام فيقدم أعلاها على أدناها:

(1) يُقُدَّمُ الواجبُ على السنَّةِ، والسنَّةُ على المُباحِ، والمُباحُ على المَكرُوهِ.

 

(2) ويقدم الواجبُ العيني على الكفائي، اللهم إلا إن تَعَيَّنَ الأخيرُ، وَتَضَيَّقَ وقتُهُ؛ كَمُنْقِذٍ بحريٍّ صائمٍ؛ فإنقاذُهُ الغريقَ مُقَدَّمٌ على إتمامِ الصوم إذا احتاج إلى الفطر؛ ليستعين به على السباحةِ والإنقاذ.

 

(3)لو تعارض الفرضُ العينيُّ مع الفرضِ العينيِّ قُدِّمت المصلَحَةُ العامَّةُ على الخَاصَّةِ؛ كتقديمِ الجهادِ العيني كأن حمى وطيسُ المعركة على واجب بِرِّ الوالدين المانعين من الجهاد.

 

(4) تُقدَّمُ السنة المؤكدة الآكد على المؤكدة فقط؛ كتقدُّمِ صلاةِ الوتر على قيامِ الليل إن تَضَيَّقَ الوَقْتُ، وتَركِ ردِّ السَّلامِ إن دَخَلَ على مَجْلِسِ عِلْمٍ؛ حتى لا يشوش على التعليم.

 

هَذَا، وَصَلِّ اللهُم وَسَلِّم وبارك عَلَى سَيِّدِنَا المُصْطَفَى مُحَمَّدٍ،

وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتَّابِعِين، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.

 

مراجع:

(1) القرآن الكريم.

(2) صحيح البخاري.

(3) صحيح مسلم.

(4) سنن أبي داود.

(5) سنن النسائي.

(6) أصول الفقه، للشيخ محمد أبو زهرة.

(7) شرح الرسالة المختصرة في أصول الفقه للشيخ عبد الرحمن السعدي.

(8) علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف.

(9) الجامع لمسائل أصول الفقه، للشيخ عبد الكريم النملة.

(10) زاد المعاد إلى هدى خير العباد، لابن القيم.

(11) الموجز في أصول الفقه، لمجموعة من علماء الأزهر.

(12) الوجيز في أصول الفقه، للدكتور عبد الكريم زيدان.

(13) الواضح في أصول الفقه للدكتور عمر الأشقر.

 


[1] قال ابن القيم: إن فرض الكفاية على الجميع كفرض الأعيان سواء، وإنما يختلفان بسقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل الآخرين. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/386) ط. دار الرسالة.

[2] سنن أبي داود، رقم الحديث: (1286)، ص (200)، وقال الألباني: صحيح.

[3] سنن النسائي، رقم الحديث: (1297)، ص (211)، وقال الألباني: صحيحٌ.

[4] صحيح البخاري، رقم الحديث: (3113) (2/86).

[5] صحيح البخاري، رقم الحديث: (1335) (1/292).

[6] زبد ابن رسلان الرملي الشافعي، وهو متن فقهي، يكاد يحتل المرتبة الأولى في متون الفقه الشافعي، بل قل أن يوجد طالبٌ شافعي لا يحفظه عن ظهر قلب، وعدد أبياته (1088).

[7] صحيح مسلم، رقم الحديث: (613) (1/152).

[8] صحيح البخاري، رقم الحديث: (6923)، (3/339،338)، صحيح مسلم، رقم الحديث: (4822) (6/6).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أثر القمرين في الأحكام الشرعية (WORD)
  • الأحكام الشرعية المتعلقة برؤية الهلال
  • الأحكام الشرعية بين وسائل الإعلام والإسلام
  • قواعد أصولية في تعليل الأحكام الشرعية
  • من أقسام الحكم التكليفي: الواجب
  • الرحمة في التكاليف الشرعية
  • إيجاز من دلائل الإعجاز

مختارات من الشبكة

  • ما هي أقسام الإيجاز؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أغراض إقامة المضاف إليه مقام المضاف: إيجاز الكلام واختصاره(مقالة - حضارة الكلمة)
  • سمات اللغة العربية: الإيجاز والاختصار(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإيجاز والإطناب والمساواة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإيجاز في إعجاز القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيجاز في اختيارات العلامة ابن باز لخالد ‎بن صالح الوقيت(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الإيجاز والبيان لما في صحيح مسلم من الألفاظ والمعان(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب