• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

السياق القرآني وأثره في الكشف عن المعاني

زيد عمر عبدالله

المصدر: مجلة جامعة الملك سعود, م 15، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية (2)، ص837 - 877
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/2/2007 ميلادي - 8/2/1428 هجري

الزيارات: 311561

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السياق القرآني وأثره في الكشف عن المعاني

ملخص البحث:

يعرض البحث لقضية تفسير النصوص، ويسلط الضوء علي السياق؛ كونه من أبرز القرائن المعينة على فهم النص وتفسيره تفسيراً صحيحاً يكشف عن المراد منه.


عرض البحث لتعريف السياق، وبيان منزلته ومجالاته، وبين أن كثيراً من المفسرين عُنوا به قديماً وحديثاً، وأنزلوه منزلته بإزاء القرائن الأخرى، وطائفة أخرى قليلة ربما أهملته، أو تجاوزت في توظيفه، فنتج عن هذا خلل في فهم النص، وقد بين ذلك كله بالأمثلة القرآنية.


وخلص البحث إلى أن للسياق أثراً بارزاً في ترجيح المحتملات، وبيان المجملات، وفي عود الضمير والقراءات، وفي تنقيح التفسير من الدخيل والإسرائيليات، ودفع ما يتوهم أنه تعارض بين الآيات، وإن كان هذا البحث لم يتسع من ذلك كله إلا إلى إشارات.


وكان لمفسري القرآن فضل السبق في الكشف عن دور السياق مما يظن أنه من نتاج الدراسات اللسانية الحديثة، ومن مبتكرات مدارس تحليل الخطاب.

 

مقدمة:

الحمد لله الذي نصب للحق دليلاً، والصلاة والسلام علي النبي الأمين أعلم الناس بمراد الله، ورضي الله عن صحابة رسوله الكرام الأمناء علي الوحي، ومن تبعهم بإحسان، وبعد.


كان تفسير النصوص - وما زال - الشغل الشاغل للعلماء، كلٌّ في مجال اختصاصه؛ لأن فهم المراد من النص الهدف الأولى، والغاية الكبرى؛ لما له من الآثار والثمار، فلا غرو بهذا الاعتبار أن تتجه الأنظار إلى تفسير النصوص منذ وجدت.


صاحب تفسير النصوص تباين في الوسائل والغايات، فمن طائفة حرصت على الكشف عن المراد من النص في ضوء ما أتيح لها من معالم وقرائن معينة على فهمه، وطائفة أخرى أهمتها أغراضها؛ فغدت على النص تفسره كيفما ترى أو يحلو لها، بعيداً عن الضوابط والقرائن، جاهلة بها، أو متجاهلة لها؛ فكانت الجناية على النص.


حرص أهل الشأن علي الحيلولة دون العبث بالنصوص؛ فعمدوا بعد استقراءٍ وجمعٍ إلى وضع مجموعة من القواعد والمعالم التي تعين على التفسير السليم للنصوص، ولتكون بمثابة الميزان الذي يعرف به التفسير المقبول من غيره.


لقد آتت هذه القواعد ثمارها، وبرزت آثارها، فصار لها حضور مشهور لدى مفسري النصوص، بخاصة مفسرو القرآن الكريم، الذين عنوا بها منذ وقت مبكر؛ تفصيلاً وتأصيلاً وتطبيقاً، فحازوا فضل السبق في ذلك كله.

 

كان السياق من أبرز هذه القواعد والقرائن، وقف المفسرون على دوره المتميز، فأنزلوه منزلته اللائقة به في الجملة، مع شائبة مردها الإفراط والتفريط أحيانا، سنعرض لها ونحن نكشف عن معنى السياق، وعن منزلته ومجالاته وغاياته، في بحث يدور حول أثر السياق القرآني في الكشف عن المعاني، وسيكون هذا كله في نطاق ما يتسع له المقام من بسط وضرب للأمثلة، في محاولة لإبراز ما اندثر، وجمع ما انتثر من مسائل تتصل بالسياق، لعلها تعطي بمجموعها صورة واضحة المعالم، وتعين علي الإفادة منه دون إفراط أو تفريط، وهي خطوة سبقتها من غيري خطوات متناثرات؛ سوغت لي الكتابة في هذا الموضوع.

 

آمل أن تكون هذه الدراسة خطوة نحو تفسير سليم. والله سبحانه أعلم.


السياق: أهميته ومجالاته:

يعتمد فهم النص - أي نص - على مجموعة من العوامل والمعالم، سواء أكانت داخله أم خارجه، وقد تنبه لها العلماء - كلٌّ في مجال اختصاصه - فعرضوا لها تفصيلاً وتأصيلاً؛ بغية الوصول إلى تفسير للنص يكشف عن المراد منه.

إن هذه العوامل - على تفاوت بينها في الآثار والثمار - ذات تأثير مباشر على المعنى الدقيق للكلمات "وهذا أمر لم يعارض فيه أحد معارضة جدية" [1، ص75]، ويعد السياق من أبرزها، وأكثرها أثرا في تحديد المعنى؛ "لأن اللغة ظاهرة اجتماعية، فيكون الفهم متوقفاً على النظر إلى الكلام في ضوء السياق" [2، ص 464]، سواء أكان هذا السياق كلامياً أم غير كلامي [3، ص 100].

تتسع دائرة السياق بعامة، ويمتد نفوذه فيؤثر في جوانب متعددة في النص، فهو يسهم في تحديد المعنى ودفع اللبس، كما في كلمة "السائل" [4، ص282] مثلاً، ففي قولنا: "الدواء السائل أسلم للأطفال. تكون "السائل" اسم فاعل من "سال"، وفي قوله تعالي: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [المعارج: 24 ،25] تكون "السائل" اسم فاعل من "سأل"، وفي قولنا: "سائل العلياء عنا" يكون "سائل"فعل أمر، ويعود الفضل للسياق في ضبط هذه الدلالات للكلمة الواحدة ، ودفع ما قد يتوهم من لبس.

للسياق كذلك أثر في تحديد الزمن النحوي [5، ص 242]، وفي حل بعض مشاكل التنافر، وتوالي الأضداد [5، ص 262]، كما يحول السياق دون إنشاء جمل مستقيمة نحوياً ولا معنى لها، كقولنا: تأكل التفاحة الولد [6، ص148]، إلى غير ذلك من المجالات التي نعرض عنها؛ لأنها خارج دائرة هذا البحث[1].

للسياق حضور أيما حضور في مجال تفسير النصوص القانونية، ولهذا تسالم رجال القانون على أنه "يجب أن تفهم الكلمات الواردة في النص القانوني، في ضوء المعنى الذي يعبر عنه سياق النص" [7، ص92].

لقد عُني العلماء بنظرية السياق كثيراً، حتى صارت عندهم الركن الرئيس في تحليل الخطاب، وفهم النص، حين أدركوا أهمية السياق في هذا المجال، ولو متأخراً، وفي هذا يقول براون ويول: "إن الفكرة القائلة بإمكان تحليل سلسلة لغوية (جملة مثلاً) تحليلاً كاملاً بدون مراعاة السياق قد أصبحت في السنين الأخيرة محل شك" [3، ص 32].

إذا كان بروز هذا الاهتمام متأخراً عند غيرنا - كما يفهم من العبارة السابقة - فإن عناية علمائنا بالسياق كانت مصاحبة لنزول القرآن الكريم، وكان له استحضار مؤثر في فهم النص العربي بعامة.

يحسن بنا قبل أن نفصل القول فيما نحن بصدده أن نحدد المقصود من السياق الذي سنعرض له؛ "لأن هذه الكلمة استعملت حديثاً في عدة معاني مختلفة [1، ص 57].


يتكون السياق - موضوع دراستنا - من السباق واللحاق
، أما السباق: فهو من السبق، وهو التقدم، ويطلق على التقدم في السير [8، جـ 3، ص129؛ 9 ، ص395]، ونعني به موضع الشيء [10، ص 508] ما قبل النظر؛ أما اللحاق: فهو من لحقته ولحقت به، أي: أدركته، وهو كل شيء لحق شيئاً، أو ألحق به [11، جـ10، ص327]، ويطلق على ما بعد الشيء موضع النظر.

إن السياق الذي نعني هو ذلك السياق الداخلي الذي يُعنى بالنظم اللفظي للكلمة، وموقعها من ذلك النظم، آخذاً بعين الاعتبار ما قبلها وما بعدها في الجملة، وقد تتسع [1، ص 57] دائرته إذا دعت الحاجة، فيشمل الجمل السابقة واللاحقة، بل والقطعة كلها، والكتاب كله.

يمكن في ضوء ما تقدم أن نتفهم دور السياق القرآني في الكشف عن المعاني ونحن نستحضر أن ترتيب الآيات في السور القرآنية توقيفي[2]، وأن المناسبة في الأصل قائمة بين هذه الآيات، وهذا يحمل على الاطمئنان إلى النتائج التي تسفر عنها مراعاة السياق في نظم معجز تكلم به الحكيم الخبير، ولا غرو من ذلك بعد أن ظهرت الآثار الإيجابية لمراعاة السياق في تحليل الخطاب الصادر عن البشر كما قال أولمان: "إن نظرية السياق إذا طبقت بحكمة؛ تمثل الحجر الأساس في علم المعنى، وقد قادت بالفعل إلى الحصول على مجموعة من النتائج الباهرة بهذا الشأن" [1،ص61].

فإذا كان قد ظهر هذا في كلام البشر والذي لا يخلو من نقص وخلل، فإنه في كلام الله تعالى أشهر وأظهر، في ظل تميزه بنظمه المعجز. ﴿ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1].


إن لكل كلمة في القرآن معنى في ضوء سياقها، قد لا يصح هذا المعنى لسياق آخر؛ لأن [12، جـ3، ص 138] مراعاة مساق الكلام ومنحى القول مهم، وإن كان المعنى الآخر صحيحاً؛ لهذا عد صاحب (المنار) السياق أفضل قرينة تكشف عن حقيقة معنى اللفظ [13، جـ 1، ص 22].

تضيء هذا التوجه نظرة إلى كتب الأشباه والنظائر التي جمعت للكلمة الواحدة في القرآن دلالات متعددة، يعود للسياق الفضل في اكتسابها لهذه المعاني في ضوء الدلالة اللغوية، ذلك أن "دلالة اللفظ في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية" [14، جـ6،ص 14]، بخاصة أن دلالته تختلف، كونه مفرداً أو مقروناً [15، جـ1، ص 260].

إن لكلمة "أمر" في القرآن الكريم ستة عشر معنى [16، ص 38]، ولكلمة "الرحمة" أربعة عشر معنى [16، ص 347]، ولكلمة "فتن" أحد عشر معنى [16، ص 347]، أدت كل كلمة منها المعنى المراد الذي يفرضه السياق.


لقد عُني المفسرون منذ وقت مبكر بالسياق القرآني؛ لما له من أثر فاعل في الكشف عن مراد الله تعالى في كتابه، وكان له - السياق - حضور بارز إلى جانب القرائن الأخرى؛ كأسباب النزول، واللغة، والعموم، وربما قُدم على بعضها، أو تحكم بها؛ لتوقف المعنى العام عليه؛ "فإنه عند التفاضل بين هذه القواعد؛ لابد من مراعاة السياق دائماً، فهو المقصود بهذه القواعد، حتى يفهم على وجهه" [17، جـ1، ص 98].

جعل الشاطبي مراعاة السياق مظهراً من مظاهر الاعتدال في التفسير المفضي إلى الفهم السليم، حين قال: "فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرق النظر في أجزائه؛ فلا يتوصل به إلى مراده، ولا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض [18، جـ3، ص855؛ 19، جـ1، ص 156].

إن هذا القانون الذي يجعل السياق محل اعتبار كان سمة صاحبت التفسير منذ بداياته الأولى - وبجهد متميز من شيخ المفسرين الإمام الطبري؛ تأصيلاً وتطبيقا - وإلى العصر الحديث.


على الرغم من أن التفسير في عهد الصحابة الكرام كان ذا طابع تجزيئي يُعني بتفسير المفردة القرآنية، إلا أنه لم يكن يغفل سياقها؛ ولهذا جاء تفسيرهم سليماً خالياً من الخلل بعامة، وإن لم يكن قد ورد عنهم صراحة ما يعد توصيفاً للسياق وتأصيلاً له، عدا إشارات قد تدل علي ما نحن بصدده، منها إنكار عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - علي الخوارج، ونعته لهم بأنهم شرار الخلق، حين عمدوا إلي آيات نزلت في الكفار؛ فجعلوها في المسلمين [18، جـ3، ص 807]، وهذا لا يكون إلا بتجاهل السياق.


يتضمن تفسير الإمام الطبري إشارات أخري تدل علي استحضار السياق في وقت مبكر؛ فإن كثيراً من اختياراته في التفسير، والتي جاءت في ضوء السياق كان موافقا فيها لابن عباس - رضي الله عنهما[3]، وتزداد هذه المسالة وضوحاً بما روي عن تابعي متقدم روى عن ابن عباس وتتلمذ عليه، ذلكم هو مسلم بن يسار البصري، المتوفى سنة 100 هـ، حين قال وهو ينبه إلي ضرورة الاهتمام بالسياق: "إذا حدثت عن الله؛ فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده" [21، جـ1، ص 17]. وهذا طاووس بن كيسان (ت 106 هـ) يستند إلي السياق في تحديد المراد بالنفس في قوله تعالي: ﴿ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق: 21]، فيقول: "إنما يراد بهذا الكافر، اقرأ ما بعدها يدلك على ذلك" [20، جـ26، ص 162].

لقد بقي هذا المنهج محل عناية المفسرين قديماً وحديثاً - على تفاوت بينهم؛ "لأن دلالة السياق متفق عليها في مجاري كلام الله تعالي" [22، جـ6،ص52]، فلم يكن يسع أحداً منهم تجاهلها، وإن حصل شيء من هذا؛ عوتب أصحابه، وصاروا موضع نقد واستدراك.

هذا الذي أشرنا إليه وجد شيء منه عند أبي عبيدة (ت 209هـ) في كتابة (مجاز القرآن)؛ فإنه عني في مواطن متعددة منه بدراسة المفردة القرآنية من الجانب اللغوي، دونما اعتبار لسياقها القرآني، فجاءت دراسته في هذه المواطن إلى البحث اللغوي أقرب منها إلى التفسير المفضي إلي الكشف عن مراد الله، ولهذا تعاقبت عليه الاستدراكات، والتي صاحبها تشنيع أحياناً[4].

لسنا في هذا المقام بصدد تقويم منهج شخص بعينه، وإنما نهدف إلى بيان أن ثمة توجهاً ظهر في وقت مبكر أيضاً لم يُعن كثيراً بالسياق، وربما أهمله، فتسرب الخلل إلى التفسير من هذا الوجه، ولن نعدم أمثلة لهذا من تفسير التابعين ومن بعدهم، لكنها لم تكن تؤلف ظاهرة.


يحسن التنبيه - احترازاً - إلى أن تفسير الصحابة - والذي عُني بتفسير المفردة القرآنية كما أسلفنا - سلم من هذا الخلل؛ بسبب توافر مجموعة من الصفات كان يفتقر إليها من جاء بعدهم، وهي أنهم تتلمذوا على الرسول صلي الله عليه وسلم، وعايشوا الجاهلية، وعاصروا تنزيل القرآن، وكانوا عربا خلصاً، فكانوا أعرف الناس بمقاصد القرآن وسياقه العام، وكان تفسيرهم على أية حال قليلاً.

كان هذا بخلاف طائفة ممن جاء بعدهم؛ فإن هؤلاء - إضافة إلى ما تقدم - كانوا يرغبون في تجميع الأقوال، وكانوا حريصين على تكثير المعاني، فأدى هذا إلى عدم الحرص على تجاوز معاني المفردات إلى ما هو أبعد من ذلك، كتتبع السياق.


يُلحظ شيء مما ذكرنا عند أبي عبيدة وابن قتيبة والأخفش من المتقدمين، ومن المتأخرين نسبياً: البيضاوي والخازن وابن الجوزي، وهي أحكام لا تخلو من تجوُّز؛ لأننا لا ندعي أنها صادرة عن تتبع واستقراء، وإنما هي ملحوظات تتابعت من مداومة النظر في كتبهم، وقد يشهد لها ما سيأتي من أمثلة في ثنايا هذا البحث، يرى الحذاق من العلماء أن في هذا المسلك قصوراً؛ لأن بعض أصحابه "راعوا مجرد اللفظ، وما يجوز عندهم أن يريد به العربي، من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به وسياق الكلام" [15، جـ1، ص 67]، وللشاطبي كلام قريب من هذا [18 ، جـ3 ، ص 853]، ومن قبل الإمام الطبري الذي عُني بالسياق تأصيلاً وتطبيقاً كما أسلفنا، ونعى على من تجاهله [ 20، جـ12 ، ص234]، وتبعه في ذلك كثيرون؛ كابن عطية [25، جـ 10، ص 20] والزمخشري [26، جـ3، ص118].

ومن الذين أسهموا في إبراز دور السياق واستثمروه الراغب الأصبهاني (ت 502 هـ)، في كتابه (مفردات القرآن)، فقد أثنى الزركشي على منهجه وهو يتحدث عن تفسير بعض آي القرآن الذي لم يرد فيه نقل، حيث قال: "وطريق التوصل إلى فهمه: النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب، ومدلولاتها، واستعمالاتها، بحسب السياق، وهذا يعتني به الراغب كثيراً في كتاب (المفردات)، فيذكر قيداً زائداً على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ؛ لأنه اقتنصه من السياق" [27، جـ2، ص172].

يمكن القول على هدًى مما تقدم: إن السياق قرينة متميزة في مجال تحليل الخطاب، والكشف عن المراد، إذا أحسن استعماله، ووضع في نصابه، بأن لا يهمل اكتفاء بتحليل البناء اللغوي؛ لأن هذا وحده لا يرشد إلى دلالة الكلمة، لا مفردة ولا مقرونة بغيرها، لما أسلفنا.


يعد - بإزاء هذا - الخروج بالسياق عن مكانته؛ بأن يقدم على غيره من القرائن مطلقاً، يعد هذا انحرافاً بالسياق عن دوره ووظيفته، وهذا مسلك الذين يرون: "بأن الكلمات لا معنى لها على الإطلاق خارج مكانها في النظم" [1، ص57]، ولا شك أن في هذا التوجه مبالغة تسيء إلى السياق أكثر مما تحسن إليه، والناظر في كتب التفسير يلحظ ملامح الاتجاهات الثلاثة بادية فيها ثمة آيات كثر في القرآن الكريم للسياق أثر في تفسيرها، وتحديد المعنى المراد منها، ويكثر هذا في الآيات التي تتضمن ألفاظاً مشتركة، وحسبنا في هذا المقام مثال يوضح ما نحن بصدده؛ لأن أمثلة هذا النوع أكثر من أن يستوعبها بحث كهذا.

إن كلمة البلوغ لفظ مشترك، يطلق في اللغة على المقاربة، وعلى الانتهاء إلى الشيء، وقد ورد هذا اللفظ في آيتين متجاورين، كان للسياق الفضل في اختيار المعنى المناسب لهذه اللفظة في الموضعين.

جاء في الآية الأولى، قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [البقرة: 231]، فالخطاب هنا للأزواج، والمراد ببلوغ الأجل: قرب انتهاء العدة؛ لأن الأجل إذا انقضى زال التخيير بين الإمساك [28، جـ2، ص 421] والتسريح، فلما خير الزوج دل على أن المعنى ما ذكرنا بالإجماع.

نرى في الآية التالية أن السياق يحتم حمل المعنى على الانقضاء، وهي قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 232]، فالخطاب هنا للأولياء، والمعنى: أن الزوج إذا طلق زوجته، وانقضت عدتها، وأراد أن ينكحها من جديد؛ فليس لولي أمرها أن يمانع، فلو كان معنى بلوغ الأجل هنا المقاربة؛ لراجع الزوج مطلقته دون حاجة إلى ولي أمرها، ورحم الله الشافعي حين قال: "دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين" [29، جـ4، ص 87]؛ فقد جعل السياق البلوغ في الآية الأولى بمعنى مشارفة بلوغ الأجل، وجعله في الآية الثانية بمعنى انتهاء الأجل، وكل الذي ذكرنا محل إجماع المفسرين.

 


السياق والقصص القرآني:

يظهر أثر السياق جلياً في الآيات التي تحتمل أكثر من معنى، وربما كان بعضها أقرب إلى الصواب من بعض، وليس ثَمَّ دليل في سياقها الخارجي من آية أخرى، أو حديث، أو إجماع يُستند إليه في اختيار واحد منها، فيلزم والحالة هذه ويحسن أن يُتوجه إلى سياق الآية الداخلي؛ بغية استنطاقه؛ "لأن السياق قوة تحرك التركيب؛ فتنبعث من إشعاعاته ما يلائم"[30، ص112]. وقد قيل: "إن مصدر الإخراج الأول لمحلل السياق هو ثراء السياق نفسه" [3، ص70]، وذلك بما يتضمنه من إشارات ترجح معنى على آخر، ينبغي أخذها بعين الاعتبار؛ "لأنه إذا احتمل الكلام معنيين، وكان حمله على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق؛ كان الحمل عليه أولى" [31، جـ1، ص 277].

لقد أدى تجاهل هذا المسلك من قِبَل طائفة من المفسرين إلى عثرات وثغرات في تفاسيرهم، حين رضي هؤلاء بسرد الأقوال الواردة في الآية، وإيراد ما في مفرداتها من معان دون مراعاة للسياق في الغالب، دون ترجيح بين هذه المعاني.

زين هذا المسلك لأصحابه أنها أقوال محتملة، والقرآن حمال ذو وجوه، وتكثير معاني الآيات غاية مقصودة، وقبل هذا وذاك استحضار هؤلاء المفسرين الحذر من القول على الله بغير علم.

بيد أن ما يستحسن ذكره بإزاء هذا الذي تقدم، أن حكاية الخلاف وذكر الأقوال في تفسير الآية، دون تنبيه على الراجح منها يضيع الحق، ويظهر النقص على حاكيه [15، جـ1، ص80؛ 32 ، ص149]، ويجعل القارئ لكتب التفسير في حيرة من أمره، حين لا يتبين له مراد الله تعالي، وتزداد الحيرة إذا كانت هذه الأقوال متعارضة.

يكثر صنيع المفسرين المشار إليه آنفاً في آيات القصص القرآني بخاصة، وقد تكون الحجة أن منهج القرآن يقوم في ذكره للقصص على العرض الإجمالي وتجنب التفصيلات، وقد يسهم هذا في تكثير الأقوال المحتملة، والذهاب بالفهم كل مذهب، بخاصة عند من يبحث عن التفصيلات والجزئيات، والتي سيجدون بعضها في كتب الأمم السابقة؛ لاتفاقها مع القرآن الكريم في ذكر أصل بعض هذه القصص مع الاختلاف في العرض والمنهج.

يبدو لنا أن المخرج من هذا هو العودة إلى السياق الداخلي للقصة، والاحتكام إلى النص بسياقه، بعد أن تعذر الاستئناس بالسياق الخارجي؛ لعدم الثقة بأكثره، في حين يمكن للمفسر وهو يستعين بالسياق الداخلي أن يستبعد الأقوال الدخيلة، ويختار المعنى المناسب والمتجه مع مقاصد القرآن العامة.

نوضح هذا الذي عرضنا له من خلال بعض المشاهد من القصص القرآني، ونبدأ بدعوة زكريا عليه السلام؛ حيث طلب من ربه أن يهبه ذرية طيبة، قال تعالى: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء * فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 38-39].

ورد في سياق الحديث عن يحيى وأوصافه وصفه بأنه "حصورا"، والحصر لغة: الحبس والمنع، وقد اختلف المفسرون في دلالة هذا الوصف في ضوء المعنى اللغوي:

قال بعضهم: الحصور هو الذي يكتم السر، واستدلوا بقول جرير:

وَلَقَدْ تَسَاقَطَنِي الْوُشَاةِ فَصَادَفُوا ♦♦♦ حَصْرًا  بِسِرِّكِ  يَا  أُمَيْمُ   ضَنِينَا

 

[33، جـ2، ص 268].

قال آخرون: الحصور الذي لا يلعب، ويحصر نفسه عن المعاصي [34، جـ3، ص 148]. وقيل: بل الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، واستدلوا بقول الأخطل:

وَشَارِبٍ مُرْبِحٍ بِالكَأْسِ نَادَمَنِي ♦♦♦ لا بِالْحَصُورِ  وَلا  فِيهَا  بِسَآر

 

[20، جـ6، ص 376؛ 25، جـ3، ص 104].

تعود هذه الأقوال الثلاثة إلى معنى واحد، وهو التنزه عن الأفعال القبيحة، وهي لا تتناسب مع السياق الذي تضمن وصفه بالنبي والسيد والصالح، لأنها تستلزم براءته من الأفعال القبيحة؛ لأن السيد هو القدوة في الدين؛ فلا يكون في وصفه بالحصور على المعاني الماضية جديد، والأصل حمل معاني القرآن الكريم على التأسيس لا على التأكيد.

ذهب جمع المفسرين إلى أن الحصور هو الذي لا يأتي النساء، واستدلوا بقول الشاعر:

وَحَصُوراً  لا  يُرِيدُ   نِكَاحَا ♦♦♦ لا وَلا يَبْتَغِي النِّسَاءَ الصَّبَاحَا

 

[33، جـ2، ص 468].

وهذا المعنى هو الشائع في الاستعمال، قال ابن عطية [25، جـ3،ص104]: "أجمع من يعتد بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى - عليه السلام - إنما هي الامتناع عن وطء النساء.

إن هذا المعنى هو الأنسب للسياق في هذا المقام؛ فإنه ليس معنى مكروراً كسابقيه، إذ الحصر بهذا المعنى ليس من مستتبعات النبوة والصلاح؛ بل الأصل خلاف هذا، ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد،38]، فلما انفرد يحيى عليه السلام بهذه الصفة نُصَّ عليها، ثم إن أصحاب هذا الرأي اختلفوا في سبب هذا الحصر، فقال بعضهم: إنه لا يأتي النساء عجزاً، وقد نسب إلى بعض الصحابة والتابعين قولهم: إنه كان عنيناً لا ذكر له، وقيل: بل كان ذلك لصغر الآلة [35؛ جـ8؛ ص32؛ 36 ، جـ4 ، ص 78؛ 37؛ جـ 3 ، ص 275]، ونسب لأبي هريرة وسعيد بن جبير قولهما: "كان ذكره مثل هذه القذاة". يشير إلى قذاة من الأرض [21، جـ2 ، ص 38]، وعن سعيد بن المسيب: كان له مثل هدبة الثوب [20، جـ6؛ ص 378؛ 38، جـ2، ص 35]، وعلى هذه الأقوال تكون (حصور) بمعنى: مفعول، أي ممنوع بمانع خارجي، لا إرادة له فيه [24، جـ1، ص 394]، وأنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء" [21، جـ2، ص 38].

إن صح هذا عمن نقل عنهم من الصحابة والتابعين بإحسان؛ فإنه موضع استهجان؛ إذ لا سبيل إلى معرفة شيء مما ذكر إلا بنقل صحيح، وليس ثَمَّ، وليست تتقوى هذه الآراء بتوجيه صاحب (التحرير والتنوير) حين قال: "إن الله تعالى وهب زكريا ولداً إجابة لدعوته، وأتم الله تعالى مراده من انقطاع عقب زكريا لحكمة علمها" [28 ، جـ3 ، ص 241].

إن الطريق الأسلم للخروج من هذه الاختلافات والوقوف على مراد الله هو الاحتكام إلى السياق، وهو هنا سياق مدح وبشرى وامتنان، وتلك صفات نقصان، ولهذا أحسن الرازي حين حكم على الأقوال المتقدمة بالفساد، قائلاً: "وذكر صفة النقصان في معرض المدح لا يجوز، ولأنه على هذا لا يستحق ثواباً ولا مدحاً" [35 ، جـ8 ، ص 33].

ذهب أصحاب هذا التوجه من المفسرين إلى أن يحيى - عليه السلام - كان حصوراً لا يأتي النساء، لا عجزاً في أصل الخلقة، بل زهداً وانصرافاً إلى العبادة، فالحصور بهذا المعنى حاصر، من فعول بمعنى فاعل، وهو الذي يكثر من حصر النفس ومنعها، كالأكول الذي يكثر منه الأكل والشرب، والظلوم، والغشوم.

إن المنع إنما يحصل لو كان المقتضى قائماً، فلولا أن القدرة والداعية كانتا موجودتين، وإلا لما كان حاصراً لنفسه، فضلاً عن أن يكون حصوراً [35، جـ 8، ص33].

لقد تضمن السياق في ثناياه ما يرجح هذا المعنى، فقد طلب زكريا من ربه ذرية طيبة، واستجاب الله تعالى له، ولا تكتمل هذه الصفة إن صاحبتها صفة نقص، وكان قد جاءه الخبر عن طريق الملائكة وهو يصلي في المحراب، ولا يحسن أن يقال إن الملائكة نقلت إليه هذا الخبر - وهو صفة النقص - وزكريا على هذه الحالة المباركة.


جاء في سياق الآية أيضاً: ﴿ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ ﴾ [آل عمران: 38 - 39]. وكيف تتم البشري إذا كانت بغلام عنين لا ذكر له؟! بخاصة أن هذه الصفة (حصوراً) جاءت في سياق صفات مدح وكمال، فيجب حملها على هذا الكمال، وإبقاء النص كله في سياق واحد.

إذا كان السياق قد أنصف يحيي - عليه السلام - ونزهه عن صفات النقص، فقد أنصف أمه الكريمة في موضع آخر مشابه، يتضح هذا في قوله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].

اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ [الأنبياء: 90]، قال بعضهم: أصلح الله تعالى خُلُقَها ودينها، لأنها كانت سيئة الخُلُق [36، جـ11، ص336؛ 37 ، جـ3 ، ص 275؛ 39 ، جـ 4 ، ص 212]، وقال بعضهم: أصلح الله لها لسانها؛ لأنها كانت بذيئة الكلام [40 ، جـ4 ، ص368؛ 35، جـ21 ، ص 236].


أغرى أصحاب هذا التفسير أمران:

الأول: أن استعمال القرآن لكلمة الإصلاح إنما يكون في إصلاح أمور الدين والخلق [35 ، جـ 22 ، ص 188].

الثاني: أن أصلحنا عطفت على وهبنا، والعطف يقتضي التغاير، فدفعهم هذا على حمل أصلحنا على معنى بعيد عن سياق الآية.

كلا الأمرين غير لازم، فإن الدلالة العامة لمعنى الإصلاح [9، ص 489] تستوعب المعنى الذي سيقت من أجله المفردة، حتى لو فرض وجود شيء من التجوز في الاستعمال، فلا ضير إذا كان السياق يستوجب هذا، فالأمر كما قال الزركشي أن يكون "محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سيق له، وإن خالف أصل الوضع اللغوي؛ لثبوت التجوز" [27، جـ1، ص 317].

جاء تقديم "وهبنا" على "أصلحنا" من باب تقديم الأهم وما تتوق النفس إليه، كما أن العطف لا يقتضي الترتيب.


إذا كان ذلك كذلك، فيترجح في ضوء السياق أن المراد بالإصلاح في الآية: أن الله جعلها ولودا مهيأة للإنجاب، بعد أن كانت عاقراً كما دل على هذا سياق القصة [25، جـ10 ، ص 20؛ 21 ، جـ 3 ، ص 203؛ 41 ، جـ 17 ، ص 187؛ 28 ، جـ 17 ، ص 136].

إن السياق ناطق بما ذكرنا؛ فإن دعوة زكريا كانت خاصة بطلب الذرية فقط، فإنه لم يجر ذكر لزوجه، ولم يدع لإصلاحها [41، جـ17 ، ص 187]، وكلمة "استجبنا" تؤكد هذا، ثم إن السياق نفسه يتضمن مدحاً لها، لا يستقيم معه بحال القول بأنها كانت سيئة الخُلُق بذيئة اللسان، فقد قال سبحانه في تعليل سرعة استجابته: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، ولا شك أن زوج زكريا داخلة ضمن هؤلاء الذين دل السياق على أنهم كانوا على خير صلاح قبل الدعوة، والاستجابة لها.

لا يتسق مع هذا الذي ذكر ما ذهب إليه عدد من المفسرين[5]، حين أوردوا الأقوال كلها دونما ترجيح، بحجة أن النص يحتملها، ولا تعارض بينها، وهو المنهج الذي تقدم عرضه ونقضه، وهكذا نرى السياق أسهم في دفع نقيصتين عن نبي كريم، وعن أمه.


يسهم في مواطن كثيرة المقرر السابق الذي ينظر إلى الآية في ضوئه في تجاهل السياق، وهذا المسلك يحول دون الكشف الأمين عن مراد الله عز وجل.

يظهر هذا من خلال توجيه المفسرين لمعنى كلمة "فارغاً" في قوله تعالى:﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10]، فقد اختلفوا في توجيه المعنى، ومرجع اختلافهم كما يقول ابن عاشور [28، جـ20 ، ص 80] يعود إلى ناحيتين: ناحية تؤذن بثبات أم موسى، ورباطة جأشها، وناحية تؤذن بتطرق الضعف والشك إلى نفسها.

يرى أصحاب التوجه الأول أن المقام يقتضي المدح والثناء على موقف أم موسى، وهذا يستدعي أن يكون المعنى أن فؤاد أم موسى أصبح فارغاً من الهم والحزن والخوف، لأن الله تعالى وعدها برده لها [23، جـ2 ، ص98؛ 26، جـ3 ، ص 159]، والمقام عندهم - فيما يبدو - يقتضي هذا التفسير؛ لأنه حديث عن صراع بين الحق والباطل، وأم موسى تمثل طرفاً من جانب الحق في هذه القصة؛ فلا يحسن - والحالة هذه - أن توصف بغير ما ذُكر.

يرى الفريق الثاني أن فؤاد أم موسى أصبح فارغاً من الصبر عليه [26، جـ3، ص 158؛ 41 ، جـ20 ، ص 48؛ 43 ، جـ13، ص 96؛ 44 ، جـ 20 ، ص 20]، أو فارغاً من وعد الله تعالى لها، حيث نسيت هذا الوعد [45، جـ2، ص432؛ 37، جـ3، ص 398]، مما يعنى أنها لم تبد جلداً أو صبراً على فراقه، لولا أن تداركها الله؛ فربط على قلبها.

لما كان سياق النص لا يتضمن من أي شيء أصبح فؤادها فارغاً، وليس بين أيدينا دليل خارجي يُركن إليه في تقديم معنى على آخر، فليس أمامنا إلا السياق، نحتكم إليه دونما اصطحاب لمقرر سابق في الذهن؛ لأنه يلقي بظلاله على دلالة النص لا محالة، وهو ما يمكن ملاحظته عند أصحاب الرأي الأول.


أن الذي يبدو بعد النظر والتأمل في سياق القصة، العام منه والخاص: أن المعنى الثاني هو الأليق بأحداث القصة، والأنسب للسياق، وندلل على هذا القول بعدة قرائن أذن بها السياق، نمهد لها بالإشارة إلى أن الوحي الوارد في أول القصة إنما هو - فيما يظهر لنا - إلهام وانشراح صدر تجاه الفعل.

وليس هو كوحي الله تعالى لأنبيائه، وإذا كان ذلك كذلك؛ فإنه لن يحول دون شعور أم بالخوف والاضطراب بعد أن ألقت ابنها في الماء، وليس في هذا منقصة لها.

لقد نسب القرآن الكريم الخوف إلى موسى نفسه في عدة مواطن: ﴿ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 18]

﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ﴾ [طه: 67]، وليس في ذلك ما يضير، وإنما هو الصدق في الإخبار، والواقعية في العرض، فلا غرو أن يكون القصص القرآني أحسن القصص.


إن في السياق قرائن تدل على أن أم موسى انتابها شيء من الخوف والقلق على ابنها؛ فإن فؤادها أصبح فارغاً، ويعبر بفراغ الفؤاد عن ذهاب العقل، ومثله قوله تعالى: ﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ [إبراهيم: 43]. لا عقول فيها [25، جـ11، ص 267]، وإن شاع في كلام الناس "فلان خلي البال"، إذا كان لا هم بقلبه [26، جـ3، ص158]، لكن السياق يأباه، ثم لا أدري: هل هذا المعنى حادث بعد نزول القرآن، أو لا؟ فإن كان كذلك؛ فلا يحمل عليه القرآن البتة.

صُدِّرت الآية بقوله تعالى (فأصبح)، وهى مستعملة هنا بمعنى "صار"، فاقتضى تحولاً من حالة إلى أخرى، أي: كان فؤادها غير فارغ، فصار فارغاً [28، جـ20، ص80]، وجاء الإخبار عن فراغ فؤادها بعد الإخبار عن إلقاء موسى في الماء؛ فكان من مستتبعاته.

ورد في الآية أن الله ربط على قلبها، والربط على القلب توثيقه من أن يضعف، كما يشد العضد الوهن [28، جـ9، ص280]، وهذا لا يكون إلا في حالة الخوف والاضطراب، ويؤكده أن علة الربط: كي لا تبدي شيئاً مما من شأنه أن يكشف من أمرها شيئاً، ولكي يحملها على التصديق بوعد الله. ومن التكلف البارد قول بعضهم: إنها كانت تبدي فرحها بما حصل لموسى [26، جـ3، ص 159]. قال النحاس: "وقول أبى عبيدة: فارغاً من الغم. غلط قبيح؛ لأن بعده:﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ [القصص: 10] [24، جـ5، ص 160]، وبمثل قوله قال ابن قتيبة [46، ص328]، وهنا يظهر الفرق بين منهج من انتزع اللفظة من سياقها، وبين منهج من نظر إليها في ضوء هذا السياق.

قول أم موسى لأخته "قصيه" يدل على لهفها عليه، وتشوقها إلى معرفة الحال التي آل إليها، وهذا نابع من خوف وقلق، وبين الله تعالى علة رد موسى إلى أمه؛ فقال: ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ [القصص: 13]، وهذا يومئ إلى أنها كانت قبل رده محلاً لشيء من البكاء الذي به تسخن العين، وهو عكس قرة العين، وكانت كذلك حزينة على فراقه.


لابن القيم كلمة تعين على تفهم هذا الاعتماد على دلالات الألفاظ، وتسوغ تتبع السياق كما مر بنا في الأمثلة، فهو يقول: "كما أن ألفاظ القرآن ملوك الألفاظ، فكذلك معانيه أجل المعاني وأعظمها وأفخمها، فلا يجوز تفسيره بالمعاني التي لا تليق به، كما لا يجوز حمله على المعاني القاصرة، ثم يبين أن استحضار هذه المعالم يعين على معرفة ضعف كثير من أقوال المفسرين وزيفها، ويقطع المرء بأنها ليست مراده لله تعالى" [47، ص 269].

لم يقتصر أثر السياق على ما ذكرنا من مواطن، وإنما له حضور حيثما وجدت الاحتمالات في معنى الآيات، وما يترتب عليها من اختلافات، فقد كان له دور بارز في تحديد عود الضمير، وهو من الأساليب التي يكثر دورانها في التفسير، وله صور متعددة[6]، وحسبنا بعض الصور التي يتضح من خلالها أثر السياق بما يتسع له المقال.

تأتي في بعض الآيات ضمائر متعددة في سياق واحد، وتحتمل في مرجعها أقوالاً متعددة، فتوحيد مرجعها وإعادتها إلى شيء واحد أولى وأحسن؛ لانسجام النظم واتساق السياق [17، جـ2، ص 613]، من ذلك عود الضمائر في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف: 42].

للمفسرين في عود الضمير في قوله (فأنساه) وقوله (ربه) أقوال: فقد ذهب بعضهم [35، جـ18، ص 117، 41 ، جـ12، ص 248] إلى أن الضميرين يعودان على يوسف - عليه السلام - ويكون المعنى: أنسى الشيطان يوسف ذكر الله تعالى، فلبث في السجن بضع سنين عقاباً له على سؤاله غير الله.

وذكر بعض المفسرين [25، جـ7، ص517] أن الضميرين يعودان إلى ساقي الملك، ويكون المعنى: أنسى الشيطان الساقي أن يذكر قصة يوسف للملك، ولهذا لبث يوسف في السجن بضع سنين.


إن سياق الآيات يشهد للمعنى الثاني؛ فإن الاتفاق قائم على أن مرجع الضمير في قوله ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ ﴾ [الأعراف: 206] يرجع للساقي، فكان المناسب للسياق أن يكون ما بعده ﴿ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾ [يوسف: 42] عائداً على الساقي؛ حتى لا تتفرق الضمائر، والذي يرى الزمخشري أنه يؤدى إلى تنافر النظم الذي هو أم إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدي [26، جـ2 ، ص 536].

جاء في سياق القصة قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ [يوسف: 45]، وهذا شاهد قوي على أن الذي نسي، ثم ذكر بعد عدة سنوات هو الساقي، وبهذا التوجيه ينتظم السياق؛ فتصبح (اذكرني) الأولى و(ذكر ربه) الثانية مسندة إلى الساقي، ويكون (عند ربك) و(ربه) أيضاً مراداً بهما الملك رب الساقي.

إن هذا التوجيه أنسب إلى الساقي، وأليق بحال يوسف - عليه السلام، وأقرب إلى شخصية الساقي، وما ذهب إليه صاحب (التحرير) [28، جـ12 ، ص 278] حين جعل الضميرين يعودان على يوسف والساقي في آنٍ واحد بعيد، وفيه اضطراب، وإن بدا أنه جمع بين التوجيهات السابقة.

يسهم السياق أيضاً في الانتصار لقاعدة عود الضمير إلى أقرب مذكور في مواطن كثيرة، منها ما جاء في قوله تعالى: ﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ﴾ [مريم: 24].

تباينت وجهات نظر المفسرين في تعيين المنادي لمريم، فقال بعضهم: المنادي هو جبريل - عليه السلام - [36،جـ11، ص 93؛ 40 ، جـ8 ، ص 151]، لأنه أخبرها بما من شأنه أن يكون توجيهاً من الله تعالى.

قالت طائفة [35، جـ21، ص 174]: المنادي هو عيسى - عليه السلام، ودليلهم سياق الضمائر، وعودة الضمير في (فنادها) إلى أقرب مذكور، وهو عيسى - عليه السلام.


يؤيد هذا أن الضمائر السابقة في سياق واحد، وكلها تعود إلى عيسى، (ولنجعله) (ورحمة منا)، (فحملته)، (فانتبذت به)، (فنادها)، فهذه خمسة ضمائر بين بارز ومستتر، كلها عائد إلى عيسى عليه السلام اتفاقاً، إلا ضمير (فنادها)، فإلحاقه بها أنسب للسياق [17،جـ2، ص 628].

ويشهد لهذا التوجيه أيضاً ما جاء في الآية التي بعدها: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ [مريم: 29]، أي ليتكلم، فلو لم يكن قد سبق له الكلام لما أشارت إليه، وواضح أنها أشارت إليه ليكلموه؛ لأنهم قالوا لها في السياق نفسه: ﴿ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ﴾ [مريم: 29]، وعندها تكلم فقال: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ [مريم:30]، يضاف إلى دليل السياق هذا قراءة متواترة، وهي: (فنادها مَنْ.....) [48، جـ2، ص 86] على أنها اسم موصول بمعنى: الذي. وهي نص في التعيين.

نصٌّ من آية، أو حديث صحيح، أو إجماع للمفسرين، أو دليل من اللغة صريح، وهذا من تمام إقامة الحجة على الناس بهذا الكتاب الكريم، "فإن ما يحتاج الناس إلى معرفته؛ نصب الله على الحق فيه دليلاً" [15، جـ1، ص55].


التنازع بين السياق وغيره من القرائن:

قد يكون السياق هو الدليل الوحيد الماثل أمام المفسر، فيستند إليه حينئذ؛ لأنه يرشد إلى تبيين المجملات وترجيح المحتملات [22،جـ6، ص 52]، كما رأينا هذا في الأمثلة السابقة، وقد يحدث أن يتنازع الآية أكثر من عامل، وتزدحم عليها أكثر من قرينة يكون السياق واحداً منها.

تباينت وجهات نظر المفسرين في هذه المواضع، فمنهم من قدم السياق على غيره لتميزه في هذا المقام - كما رأينا في المقدمة - وكونه كذلك عودة إلى النص، ومظهراً من مظاهر تفسير القرآن بالقرآن، وقد برز هذا الاتجاه عند كثير من مفسري العصر الحديث، بخاصة لدى مدرسة المنار.

لقي السياق من مدرسة المنار عناية خاصة، فقد فتحت له الباب على مصراعيه، وقدمته على غيره من قرائن التفسير، ووسعت دائرة الاستعانة به لأسباب كثيرة تتناسب مع توجهات المدرسة بعامة، لعل من أبرزها أن التفسير بالمأثور لم يكن أكثره محل ثقة المدرسة، حتى الأحاديث النبوية منه، وهذا يأذن لهم بالإعراض عن تفسير السابقين، بخاصة المأثور منه، وفي هذا يقول الأستاذ محمد عبده: "لا حاجة لنا في فهم كتاب الله إلى غير ما يدل عليه بأسلوبه الفصيح" [13، جـ 1، ص 340]، والانفراد بالنص والنظر إليه في ضوء السياق، والذي يعد عندهم - كما أسلفنا - مظهراً من مظاهر تفسير القرآن بالقرآن.


انتصر لهذا الاتجاه أصحاب مدرسة التفسير البياني، وعلى رأسهم د. عائشة عبد الرحمن، فيما قدمت من دراسات في مجال التفسير البياني، والذي أقامته على السياق وحده، وجعلته الميزان بينها وبين المفسرين المتقدمين، وفي هذا تقول: "نحتكم إلى سياق النص في الكتاب المحكم، ملتزمين ما يحتمله نصاً وروحاً، ونعرض عليه أقوال المفسرين" [51، جـ1، ص10]. وقد التزمت بهذا المنهج في كتابها التفسير البياني[7]، ولم يسلم منهجها من النقد؛ بسبب انحيازها المبالغ فيه للسياق، وبسبب حملتها على المفسرين المتقدمين وعلى نتاجهم[8]، على الرغم من جهودها المتميزة.

يلحظ الباحث أن للسياق حضوراً بارزاً في اتجاهات التفسير المعاصرة، ذلك "أن قاعدة السياق تشكل أساساً رئيساً من أسس الاتجاه الأدبي والمنهج الموضوعي في تفسير القرآن، وتعد المحور الحقيقي لأحد تيارات الاتجاه الأدبي، ونعني به تيار (البيانية) الذي حاولته بنت الشاطئ في التفسير البياني" [52، ص 262].

إن الغاية الكبرى هي فهم النص، ومجموعة العوامل والمعالم التي تعين على فهمه ما هي إلا وسائل، وهي متفاوتة في قيمتها، فإذا كان أحد هذه المعالم نصاً من آية تعذر تجاوزه؛ إذ ليس أحد أعلم بمراد الله من الله، وإن كان حديثاً أهلاً للاحتجاج به حيث الثبوت والدلالة؛ لم يكن لأحد تجاهله كذلك؛ لأنه ليس أحد من البشر أعلم بمراد الله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الدليلُ على المعنى إجماعَ الحجة؛ فإن الإجماع معتبر.

يصاحب هذا الذي ذكرنا سؤال حول موقع السياق ومكانته في المواطن المشار إليها، وعن مدى اعتباره عند التنازع، ولعل في الأمثلة التي سنعرض لها ما يصلح للإجابة عن هذا السؤال وأمثاله.


بين أيدينا آية تنازعها حديث وسياق، وهي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1 - 2].

نظر طائفة من المفسرين [25، جـ10، ص222؛ 36، جـ11، ص3] إلى هذه الآية في ضوء سياقها؛ فقالوا: إن هذه الزلزلة وهذه الأهوال تكون في آخر عمر الدنيا، وأول أحوال يوم القيامة، فإن من أحوال الزلزلة وأهوالها أن تذهل المرضعة عما أرضعت، ويؤكد هذا مجيء المرضعة بالتاء" والمرضعة: هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي، والمرضع: التي من شانها أن ترضع، وإن لم تباشر الإرضاع " [26، جـ3، ص24]، وهذا إنما يكون في الدنيا.


يؤكد هذا التفسير ما في سياق الآية: من أن الحامل تسقط حملها من هول الزلزلة، ويصيب الناس فزع وذهول، حتى كأنهم سكارى، لا من شرب، ولكن من جزع وخوف، وهذا كله إنما يكون في الدنيا أيضاً.

ذهب جمع من المفسرين [20، جـ17، ص ص 110-111؛21، جـ3 ، ص124؛ 39، جـ4، ص 9] إلى أن هذه الأحوال والأهوال التي عرضت لها الآية السابقة إنما هي كائنة يوم القيامة، وبعد البعث من القبور، وحجة هذا الفريق ورود حديث صريح حال دون اعتبار السياق.

صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يقول الله تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك. قال: يقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذلك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد[9])).

وفي حديث عمران بن الحصين: ((أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرأ الآية: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: 1]، ثم قال: أتدرون أي يوم هذا؟ وساق الحديث[10].


لما عرض الإمام الطبري القولين السابقين، وذكر أدلة كل فريق، أبدى إعجابه بالقول الأول المستند إلى السياق، ولم يحل بينه وبين الأخذ به إلا "مجيء الصحاح من الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلافه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعاني وحى الله وتنزيله" [20، جـ17، ص 111]، وتبعه في ذلك صاحب (أضواء البيان) حين قال: "هذا القول - يعني: الأول - من حيث المعنى له وجه من النظر، ولكن الثابت من النقل يؤيد خلافه" [39، جـ4، ص9].

لم تحل هذه الأخبار الصحاح بين ابن عطية [25، جـ10، ص222]، وبين الأخذ بالقول الأول مستنداً إلى السياق؛ لأنه يرى أن هذه الأحاديث ليست تفسيرا للآية، وإنما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقراءته الآية ابتداء أمر الساعة، ثم قصد في تذكيره وتخويفه إلى فصل من فصول يوم القيامة، وهو بهذا يرى أن دلالة السياق في هذا المقام أقوى من دلالة الحديث.

اجتهد بعض المفسرين [39، جـ4، ص14؛ 56، جـ3، ص451] في التوفيق بين دلالة الحديث ودلالة السياق، بأن جعلوا ما ورد في الآية يحدث مرتين، أو أنها حالات خاصة تحدث لمن ماتت وهي ترضع، أو وهي حامل، أو أن ما يحدث يوم القيامة مما تضمنته الآيات عبارة عن تمثيل وتخييل لبيان هول الموقف.

و ليس يبعد بعض ما ذكر من تأويل لولا افتقاره إلى الدليل، يبد أن ما يعنينا هنا حرص المفسرين على عدم إهمال دلالة السياق، حتى مع وجود أحاديث صحيحة ذات صلة بالآية، وهذا يدل على مكانة السياق عندهم.

يندرج تحت هذا القسم توجيه أسباب النزول وتقويمهما في ضوء السياق؛ كونها من الآثار، وقد سلك هذا المسلك كثيرون من آخرهم وأكثرهم توسعاً الطاهر ابن عاشور في تفسيره، حين عرض كثيراً من أسباب النزول على سياق الآية، وردها لعدم مناسبتها لهذا السياق من وجهة نظره، ولا يتسع المقام للعرض لهذا المنهج وتقويمه[11].

وقد يحول الإجماع دون اعتبار السياق أيضا، وتجاهل هذا يفضي إلى ضرب من ضروب التفسير المذموم، بخاصة إذا كانت دلالة هذا السياق ضعيفة، وهو ما نجده عند مدرسة المنار في تفسيرها لقول الله تعالى: ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 106].


الآية لغة: العلامة والأمارة، وأطلقت على المعجزة؛ لأنها علامة دالة على صدق الرسول، وهي في هذه الآية المذكورة: القطعة من القرآن. ونقل الرازي إجماع المفسرين على هذا، وشذ أبو مسلم (ت322هـ) [35، جـ3، ص208؛ 28، جـ1، ص 656] فحملها على التوراة والإنجيل، وخلافه غير معتبر.

للأستاذ محمد عبده رأي مخالف لما عليه الجمهور، تابعه فيه محمد رشيد، ومحمد أبو زهرة في تفسيره، ترى مدرسة المنار أن تفسير الآية هنا بالقطعة من القرآن لا يتناسب مع السياق، وإنما المناسب تفسيرها بالمعجزة الدالة على النبوة، ويمكن تلخيص حجتهم بما يلي:

1 - أن آية ﴿ مَا نَنْسَخْ ﴾ [البقرة: 106] ختمت بالحديث عن القدرة، وهذا يناسب المعجزات الحسية، ولا يناسب الأحكام الشرعية، يؤيده أن آية ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ ﴾ [النحل: 101] ختمت بما يناسب النسخ، وهو العلم.

2 - لا يلتئم السياق بتفسير ﴿ نُنْسِهَا ﴾ [البقرة: 106] على قراءة [48، جـ1، ص 106] بالترك على ما هي عليه، مع الوعد بالإتيان بخير منها أو مثلها.

3 - في معرض الاستدلال بالسياق العام ذكروا أنه جاء بعد آية النسخ هذه قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [البقرة: 107]، وهذا السياق يرجح أن الآية كونية.

4 - ورد في السياق نفسه: ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ ﴾ [البقرة: 108]، وهو لوم على طلب آية أخرى، وإنما سئل موسى آيات حسية ومعجزات [13، جـ1، ص ص 416 - 418][12].

هذا التفسير الذي حُمل عليه السياق الخاص والعام، والمخالف للإجماع، سبق مدرسة المنار إليه محيي الدين بن عربي، كما ذكر أحد تلاميذ هذه المدرسة [34، جـ15، ص 188]، والذي لم يتابع شيخه محمد عبده في تفسيره هذه الآية.


إن تفسير مدرسة المنار لهذه الآية - مستندة إلى السياق - مردود من وجهين:

الأول: أنه تفسير مخالف لما أجمع عليه الحجة من المفسرين؛ إذ لم يقل بهذا القول أحد من المفسرين المتقدمين [20، جـ2، ص 472؛ 25، جـ1، ص 428؛ 36، جـ2، ص64؛ 41، جـ1، ص 354؛ 26، جـ1، ص 87]؛ فلا يقوى السياق - والحالة هذه - على منازعة إجماع الحجة، إلا عند مدرسة المنار، والتي سبقت الإشارة إلى مسلكهم القائم على الاعتماد المطلق على السياق، وتقديمه على تفسير السلف، وهو مسلك غير محمود، ومعارض للقاعدة المشهورة بين المفسرين، وهي: (تفسير جمهور السلف، مقدم على كل تفسير شاذ) [17، جـ1، ص288].


الثاني:
أن ما ذهب إليه المفسرون في تفسيرهم لهذه الآية ملتئم مع سياقها لمن تدبر؛ فإن تبديل الأحكام ونسخها يستدعي قدرة، والنسخ تصريف لبعض شؤون الكون؛ فيناسبه الحديث عن ملك الله للسموات والأرض، وفي قوله تعالى: ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ ﴾ [البقرة: 108] تحذير مما قد يقع من اعتراض على الأحكام والمجادلة فيها؛ لأن النسخ مظنة لهذا [25، جـ2، ص 431؛ 26، جـ1، ص87؛ 57، جـ1، ص129؛28، جـ1، ص666].

خالفت المدرسة نفسها كذلك جمهور المفسرين قديماً وحديثاً في تفسير الموت والحياة في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243].

لقد فسروا الموت بالتيه والصغار وزوال عزهم، وفسروا الحياة بالخروج من التيه، وعودة العزة والكرامة لهم، واعتمدوا في تفسيرهم هذا على السياق؛ فإنه في الحث على الجهاد والتحريض عليه، وليس في مقام الحديث عن البعث والنشور، ولم تتضمن الآية الإشارة إلى قدرة الله تعالى التي تصاحب عادة الحديث عن البعث، وإنما ختمت الآية بالحديث عن فضل الله تعالى على الناس، المتمثل في تأديبهم، ثم في إعادة الكرامة والعزة لهم[13].

وحسبنا دليلاً على بطلان هذا التفسير أنه مخالف لما أجمع عليه المفسرون قديماً وحديثاً[14]، عدا الشيخ محمد عبده ومن تابعه، فلا يقوى السياق على منازعة هذا الإجماع، كما لا يقوى هذا السياق على صرف اللفظ عن ظاهره، وحقيقته إلى معنى مجازي، حتى لو صح أن في الآية تنازعاً بين الظاهر والسياق، "فإنه إذا تُنوزع في تأويل الكلام؛ كان أولى معانيه في أغلبه على الظاهر، إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه معني به غير ذلك" [20، جـ8، ص 91]، ولا يشفع للمخالفين الاستدلال بأن الموت ورد في القرآن بالمعنى المجازي، وكذا الحياة؛ لأن السياق هناك أسهم في الحمل على هذا المعنى.

يضاف إلى هذا أن سياق الآية ملتئم تماماً مع تفسير الحياة والموت على الحقيقة؛ لأنهم خرجوا خائفين من الموت، مترددين في الجهاد، فأماتهم الله؛ ليبين لهم أن الحذر لا يغني، ثم أحياهم بفضله؛ ليتوبوا ويرجعوا عما كانوا عليه، وما دفع مدرسة المنار إلى تجاهل هذا كله إلا التفسير العقلي الذي يضيق باب المعجزات وخوارق العادات.

قد يرد أن يتنازع معنى الآية السياق والعموم، وجرت العادة عند كثير من المفسرين على تقديم العموم على غيره؛ لأنه الأصل، ولا يصار إلى التخصيص إلا بدليل معتبر [12، جـ1، ص50؛ 25، جـ16، ص 41؛ 39، جـ1، ص280]، ويحصر بعضهم دليل تخصيص العموم بالكتاب والسنة والإجماع [17، جـ1، ص66].

يفهم مما مضى أن العموم مقدم على السياق، وهو ما صرح به الطبري [20، جـ28، ص144]، وعمل به في مواطن كثيرة من تفسيره.

وصرح بهذا بعض الباحثين بقوله: "قواعد العموم مقدمة على قواعد السياق وغيرها؛ لأن قواعد العموم أقوى من قواعد السياق" [17، جـ1، ص66].

تحسن الإشارة إلى أن تقديم العموم على السياق ليس محل اتفاق بين المفسرين، فإن المقصود من الخطاب حصول الفهم، ولا يتيسر هذا إلا بمراعاة السياق كما سبق بيانه؛ ولهذا قدم بعض العلماء السياق على قرائن متمكنة، فقد قال الزركشي: "ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سيق له، وإن خالف أصل الوضع اللغوي لثبوت التجوز" [27، جـ1، ص 317].

يتأكد هذا الذي ذكر إذا أدى الحمل على العموم إلى إشكالات في الفهم، وقصور في الدلالة على الحكم، ويتضح الذي أشرنا إليه في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233].

تباينت أقوال المفسرين في تحديد المراد بالوالدات في الآية؛ فقالت طائفة منهم: الوالدات لفظ عام، واللام فيها للجنس، فهي تشمل كل مرضعة، سواء أكانت ذات زوج أم لا؛ لأنه لم يرد على العموم مخصص معتبر [35، جـ6، ص 99؛ 21، جـ1، ص 291؛ 34، جـ2، ص 185؛ 57، جـ1، ص 276].

يرى هؤلاء أن لا اعتبار للسياق هنا؛ لأن العموم مقدم عليه، والكلام مستأنف مقطوع عما قبله من أحكام الطلاق؛ فصار حمله على العموم أولى [41، جـ2، ص 146][15].

يرد على القول بالعموم إشكالات، منها: أن الآية رتبت النفقة والكسوة على الرضاع، ومعلوم أن الزوجة المرضعة غير معينة؛ لأنها تستحق النفقة والكسوة بالزوجية، أرضعت أم لم ترضع.

تكلف بعضهم في الرد، فقال: إن النفقة خاصة ببعض أفراد هذا العموم، وهن المطلقات بخاصة [36، جـ3، ص 160]. وأجاب آخرون بأن النفقة والكسوة الواردة في الآية زيادة للزوجة على ما تستحقه أصلاً، ليكون بمثابة أجرة على الرضاع [35، جـ6، ص100]، فكأن لها نفقتين وكسوتين، وهو تكلف بارد، يسمو عنه النظم الكريم، قال صاحب المنار: "ونحن لا نستفيد من جعل الآية عامة زيادة عما نستفيد بجعلها خاصة" [13، جـ2، ص409].

ذهبت طائفة أخرى من المفسرين إلى تخصيص الوالدات، ثم اختلفوا، فمنهم [36، جـ3، ص 160] من جعلها في الزوجات خاصة؛ لأن الآية نصت على النفقة والكسوة، والمطلقة لا تستحق إلا النفقة، ويشكل عليهم الربط بين الرضاع والنفقة والكسوة، وهذا - كما أسلفنا - غير متصور في حق الزوجة.

أغرب هذا الفريق في الرد، فقال: نصت الآية على النفقة والكسوة للزوجة المرضع مع أنها ثابتة بالزوجية؛ حتى لا يتوهم متوهم أن اشتغال الزوجة بالإرضاع يسقط النفقة والكسوة؛ لأنه قد يؤدي إلى تضييع شيء من حقوق الزوجة [35، جـ6، ص 100]، وفي هذا الرد برود وتكلف، وجرأة على النص، دفع إليه التمسك بالعموم وتجاهل السياق. قال صاحب المنار: "وهذا الترجيح مرجوح لا يلتفت إليه؛ لأنه مبني على الاحتجاج بقول الفقهاء، وهو أن المطلقة المرضع تستحق الأجرة دون النفقة والكسوة على القرآن، وهذا القول أضعف الأقوال " [13، جـ2، ص 409]، ويرى أبو زهرة أنه قول لا حجة له[16].

إن الإشكالات البارزة التي وردت على القولين السابقين، وما أعقبها من ردود متكلفة مردها تجاهل السياق القرآني، وتفسير المفردات بعد انتزاعها من سياقها، والدخول إلى النص بمقرر سابق.

ترى طائفة ثالثة من المفسرين أن الوالدات في الآية هن المطلقات بخاصة، ودليلهم السياق العام منه والخاص، أما العام فإن الآية جاءت في سياق الحديث عن أحكام الطلاق، فقد بدأ هذا الحديث من الآية 226 من السورة، واستمر إلى الآية 243 من السورة نفسها، وجاءت آية الرضاع في الوسط منها (233)، وغير جائز - كما قال الإمام الطبري في أكثر من موضع - صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره إلا بحجة يجيب التسليم لها [20، جـ9، ص 389]. ولا يعكر على هذا وجود بعض آيات خارج أحكام الطلاق جاءت بعد آية الرضاع؛ فإن علم المناسبات كفيل بالكشف عن سر الترابط بينها، وقد كان.


أما السياق الخاص الذي انتظمت فيه لفظة الوالدات فإنه ناطق بأنها في المطلقات، ويمكن الكشف عن دلالة السياق على هذا من خلال المعالم الموجزة التالية:

1- مجيء الوالدات معطوفة عما قبلها يشير إلي إتحاد السياق، فكأن النص بعد أن عرض لطائفة من أحكام المطلقات قال: والوالدات ممن يرضعن. وهذه الأحكام عند الطلاق [20، جـ5، ص30؛ 12، جـ1، ص402؛ 38، جـ2، ص277؛ 25، جـ2، ص292؛ 58، جـ1، ص248].

2 - مجيء (يرضعن) بصيغة الخبر تجنباً للأمر المباشر؛ يومئ بأن الحديث عن المطلقات - وقد يدخل غيرهن لبعض الاعتبارات - والآية تشهد بهذا كما سيأتي.

3 - النص على الحولين، وتأكيدهما بـ(كاملين) يشعر بوجود خلاف، واحتمال تفريط من أحد الأبوين، وهذا لا يتصور إلا في حالات الطلاق [35، جـ6، ص100].

4 - قد يدل التعبير بالمولود له دون الزوج على انقطاع الزوجية.

5 - فرض النفقة والكسوة للمرضع يدل على أنها مطلقة؛ إذ لو كانت زوجة لكان ذكر هذا لغوا، وقد سبق بسط هذا الكلام.

6 - النهي عن الإضرار الوارد في سياق الآية دليل علي أن الحديث في المطلقات؛ إذ لا يتصور شيء منه مع بقاء الزوجية، وسواء حملت (تضار) علي المفعولية أو الفاعلية في قراءتيها المشهورتين [48، جـ1، ص296]، وسواء حملت "الباء" علي معني الإلصاق [28، جـ2، ص434؛ 26، جـ1، ص142] أو غيره، كل ذلك في قوله تعالي: ﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233] الواردة في سياق الآية، فإن دلالتها لا تخرجها علي أي وجه عن المطلقات، إذ أن مجمل ما يستفاد مما سبق: النهي عن الإضرار بالأم عن طريق الرضاع، سواء من الأب أو من المولود، وكذا العكس، لا ينبغي أن تلحق الأم ضرراً بالأب ولا بالمولود. وصور ذلك كثيرة متوقعة[17] يحول طلب الإيجاز دون تفصيلها، وهي كلها لا تتصور مع بقاء الزوجية.

7 - قوله تعالى في سياق الآية: ﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 233] دليل على أنها في المطلقات؛ فإنهم - وبغض النظر عن الخلاف في مدلولها - إلا أنها تتحدث عن من تلزمه نفقة المرضع حين فقد الأب، وهي عند الجمهور على وارث الطفل [28، جـ2، ص434].

8 - يدل قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ ﴾ [البقرة: 233] على انتقاء الزوجية؛ لأن الآية تجيز اتفاق الأبوين على ترك إرضاع المولود، وهذا لا يتصور إلا في حالة الطلاق.

9 - ختمت الآية بالحديث عن جواز أن ترضع الولد غير والدته، وهذا يحدث غالباً عند تفرق الأبوين.

إن هذه المعالم المنتزعة من سياق الآية فقط تبين - على تفاوتٍ في دلالتها - أن العموم غير مقصود في هذه الآية، وأن الاعتماد على قرينة السياق كان أولى في التقديم، وفى الكشف عن مراد الله فيها.


إن النظر في معنى الآية في ضوء السياق أدى إلي تجنب ما ظهر في الآية من إشكالات، حين حكم العموم فيها، وليس في الاحتكام إلي السياق ما يخل في أحكام الرضاع بعامة؛ لأن حكم إرضاع الوالدات غير المطلقات أولادهن يؤخذ من الآية بالطريق الأوْلى [13، جـ2، ص409]، والعكس متعذر، كما أن حكم إرضاع الوالدات غير المطلقات أولادهن قد يؤخذ من غير هذه الآية [28، جـ2، ص430]، وليس من غرض هذا البحث تتبع هذا، بخاصة أننا توسعنا قليلاً في التفصيل في هذا المثال، وسوغ لنا هذا - فيما نرى - الحرص على بيان أثر السياق، وتسويغ تقديمه على العموم في بعض المواضع.


الخاتمة:

يمكن أن نقرر على هدًى مما سبق عرضه: أن فهم النص دوَّار مع السياق، وأن له فيه قسطاً من التحكم، بخاصة إذا لم تزاحمه قرينة أخرى نصبها صاحب النص دليلاً على المعنى المراد، الذي هو أعلم به، وقد يكون هذا الدليل - في مجال تفسير القرآن - آية ذات معنى صريح، أو حديث صحيح، ويلحق بهما إجماع الحجة.

عُني كثير من المفسرين بالسياق، ورعوه حق رعايته، وأنزلوه منزلته من لدن الإمام ابن جرير الطبري، الذي أجاد وأفاد في مجال التأصيل والتطبيق، ووصولاً إلي مدرسة المنار التي رفعت شعار العودة إلي النص والاحتكام إليه، والتي كانت العناية بالسياق أبرز مظاهره.

إن المجالات التي يستحضر فيها السياق كثيرة، فهو يعين على ترجيح المحتملات، وبيان المجملات، وفى تحديد عود الضمير، وفى القراءات، وله حضور عند تنقيح التفسير من الدخيل والإسرائيليات، ودفع ما يتوهم أنه تعارض بين الآيات، وإن كان هذا البحث لم يتسع من ذلك كله إلا إلى إشارات.


أسيء إلي السياق - على الرغم من أهميته - مرتين:

الأولى: حين تم تجاهله من قِبَل بعض من اشتغل بالتفسير التحليلي التجزيئي، وحرص على تكثير المعاني، وذلك بانتزاع اللفظ من نظمه وسياقه، وتفسيره تفسيراً لغوياً معجمياً، دون التفات إلى مدى مناسبة هذا المعنى للسياق.


كانت الثانية حين قدم السياق على غيره من القرائن مطلقاً، كما صنعت مدرسة المنار في مواطن متعددة، تحت تأثير المقررات السابقة، فكان أن أخطأت في تفسير هذه المواضع.

لقد حاز مفسرو القرآن الكريم منذ وقت مبكر فضل السبق في الكشف عن أثر السياق وأهميته، وفى بيان أن الأصل بيان النص في سياق واحد، وفى التفريق بين دلالة الكلمة مفردة ومقترنة بغيرها داخل النظم، وفى مسائل أخرى تتصل بالسياق، مما يظنه البعض أنه من نتاج الدراسات اللسانية الحديثة، ومن مبتكرات مدارس تحليل الخطاب.

أحسب أن ما ورد في هذا البحث دعوة إلى الباحثين لكي يقدموا دراسات مستقلة لكل مجال من المجالات التي عمل فيها السياق، تكون استقرائية تطبيقية، وأحسب مرة أخرى أنها ستأتي بنتائج باهرة.

وأستغفر الله تعالى إن ساء فهمي، أو زل قلمي، هو سبحانه من وراء القصد.


المراجع:

1 - أولمان، ستيفن. دور الكلمة في اللغة. ترجمه وقدم له وعلق عليه د. كمال بشر. القاهرة: مكتبة الشباب، د.ت.

2 - رضوان، محمود. نظرات في اللغة. ط1. بني غازي: د.ت، 1976م.

3 - براون، جيليان ب.، وج يول. تحليل الخطاب. ترجمة وتعليق د.محمد لطفي الزليطني ود. منير التريكي. الرياض: جامعه الملك سعود، 1418هـ/ 1997م.

4 - الموسى، نهاد. العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية. ط1. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000م.

5 - حسان، تمام. اللغة العربية: معناها ومبناها. الدار البيضاء: دار الثقافة، د.ت.

6 - رواندا، بلوار. مدخل إلي اللسانيات. ترجمة بدر الدين القاسم. دمشق: مطبعة جامعة دمشق 1400هـ/ 1980م.
7 - الحواء محمد سليم. تفسير النصوص الجنائية. ط1. جدة: عكاظ، 1401هـ/ 1981م.

8 - ابن فارس، أحمد. معجم مقاييس اللغة. القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1366هـ.

9 - الأصبهاني، الراغب. المفردات في غريب القرآن. تحقيق صفوان داوودي. ط1. دمشق: دار القلم، د.ت.

10 - أبو البقاء، أيوب بن موسى. الكليات. تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري. ط1. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1412هـ.

11 - ابن منظور، جمال الدين. لسان العرب، بيروت: دار صادر، د.ت.

12 - ابن العربي، أبو بكر محمد. أحكام القرآن، تحقيق محمد على البجاوي. بيروت: دار المعرفة، د.ت.

13 - رضا، محمد رشيد. تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار. القاهرة: دار المنار، د.ت.

14 - ابن تميمة، أحمد عبد الحليم. مجموع الفتاوى. جمع عبد الرحمن بن قاسم. الرياض: د.ن، د.ت.

15 - ابن تميمة، أحمد عبد الحليم. دقائق التفسير. جمع وتحقيق د.محمد السيد الجليند. ط1. القاهرة: دار الأنصار، 1398هـ/ 1978م

16 - الدامغاني، الحسين بن محمد. إصلاح الأشباه والنظائر. تحقيق عبد العزيز سيد الأهل. ط2. بيروت: دار العلم للملاين، 1977م.

17 - الحربي، حسين بن على. قواعد الترجيح عند المفسرين. ط1. الرياض: دار القاسم، 1417هـ.

18 - الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات في أصول الشريعة. تحقيق عبد المنعم إبراهيم. ط1. مكة المكرمة: مكتبة الباز، 1418هـ.

19 - القاسمي، محمد جمال الدين. محاسن التأويل. عناية محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار الفكر، د.ت.

20 - الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل أي القرآن. تحقيق محمود شاكر. القاهرة: دار المعارف، د.ت.

21 - ابن كثير، أبو الفدا إسماعيل. تفسير القرآن العظيم. ط2. الرياض: دار طيبة، 1420هـ.

22 - الزركشي، بدر الدين. البحر المحيط. تحقيق عبد القادر القاني وآخرين. ط2. الكويت: وزارة الأوقاف، 1413هـ.

23 - أبو عبيدة، معمر بن المثني. مجاز القرآن. تحقيق فؤاد سزكين. ط2. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1401هـ.

24 - النحاس، أبو جعفر. معاني القرآن. تحقيق محمد علي الصابوني. ط1. مكة المكرمة: مركز إحياء التراث الإسلامي، 1410هـ/ 1989م.

25 - ابن عطية، عبد الحق بن غالب. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. ط1. الدوحة: د.ن، 1409هـ.

26 - الزمخشري، محمود بن عمر. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التاؤيل. بيروت: دار المعرفة، 1391هـ.

27 - الزركشي، بدر الدين. البرهان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. ط21. بيروت: دار المعرفة، 1391هـ.

28 - ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير. د.م: د.ن، د.ت.

29 - المزني، محمد بن أحمد. مختصر المزني في فروع الشافعية بهامش الأمر. القاهرة: دار الشعب، د.ت.

30 - أبو موسى، محمد. دلالات التراكيب. دراسة بلاغية. ط1. القاهرة: مكتبة وهبة، 1399هـ.

31 - العز بن عبد السلام. الإشارة إلي الإيجاز في بعض أنواع المجاز. دمشق: دار الفكر، د.ت.

32 - ابن الوزير، محمد بن مرتضي اليماني. إيثار الحق علي الخلق. ط2. بيروت: دار الكتب العلمية، 1407هـ.

33 - أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي. البحر المحيط. ط3. د.م. دار المعرفة، بيروت: 1393هـ.

34 - المراغي، أحمد مصطفي. تفسير المراغي. ط2. د.م: دار إحياء التراث العربي، 1985م.

35 - الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، التفسير الكبير. ط1. د.م: دار الكتب العلمية، 1411هـ.

36 - القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن. الرياض: مكتبة الرياض، د.ت.

37 - الخازن، علاء الدين علي. لباب التأويل في معاني التنزيل. بيروت، دار المعرفة، د.ت.

38 - البغوي، أبو محمد الحسين، تحقيق محمد النمر عثمان ضميرية، وسليمان الخرش. الرياض: دار طيبة، 1412هـ.

39 - الشنقيطي، محمد الأمين. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. د.م: د.ن.، 1403هـ.

40 - خان، صديق حسن. فتح البيان في مقاصد القرآن. عُني بطبعه عبد الله الأنصاري. بيروت: المطبعة المصرية، 1412هـ.

41 - الألوسي، أبو الفضل شهاب الدين. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. ط4. بيروت: دار إحياء التراث، 1405هـ.

42 - ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي. ط4. بيروت: المكتب الإسلامي، 1407هـ.

43 - دروزة، محمد عزة. التفسير الحديث. القاهرة: دار إحياء التراث، 1383هـ.

44 - حجازي، محمود محمد. التفسير الواضح. القاهرة: دار الكتب الحديثة، د.ت.

45 - الأخفش الأوسط، أبو الحسن سعيد بن مسعده البصري. معاني القرآن. تحقيق فائز فارس. ط3. دمشق: دار البشير ودار الأمل، 1401هـ/ 1981م.

46 - ابن قتيبة، محمد بن عبد الله. تفسير غريب القرآن. تحقيق أحمد صقر. القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، د.ت.

47 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر. التفسير القيم. جمعه محمد أوس الندوي. تحقيق محمد حامد الفقي. مكة المكرمة: مطبعة السنة المحمدية، د.ت.

48 - القيسي، مكي بن أبي طالب. الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها. تحقيق محيي الدين رمضان. ط4. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1407هـ.

49 - ابن الجزري، محمد بن محمد. النشر في القراءات العشر. د.م.:دار الفكر للطباعة والنشر، د.ت.

50 - أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل. إبراز المعاني في حرز الأماني. تحقيق إبراهيم عطوة. القاهرة: مصطفي البابي الحلبي، د.ت.

51 - عبد الرحمن، عائشة، التفسير البياني. ط3. القاهرة: دار المعارف، 1968م.

52 - شريف، محمد إبراهيم. اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر. ط1. القاهرة: دار التراث. 1402هـ.

53 - البخاري، محمد بن إسماعيل. الجامع الصحيح. ط2. الرياض: دار السلام، 1421هـ.

54 - النيسابوري، مسلم بن حجاج، صحيح مسلم. ط2. الرياض: دار السلام، 1421هـ.

55 - الترمذي، الحافظ أبو عيسى. سنن. ط2. الرياض: دار السلام، 1421هـ.

56 - الجزائري، أبو بكر جابر، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير. ط3. المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، 1418هـ.

57 - الخطيب، عبد الكريم، التفسير القرآني. د.م: دار الفكر، د.ت.

58 - قطب، سيد إبراهيم. في ظلال القرآن. ط13. جدة: دار العلم، 1406هـ.

59 - مجلة لواء الإسلام- شهرية، تصدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة.


[1] يعمل السياق بدلالته العامة خارج دائرة النص أيضاً، فإن اللون الفاتح إذا وضع بإزاء ألوان أفتح منه؛ فإنه يبدو غامقاً، والشخص القصير إذا وقف مع من هم أقصر؛ فإنه يبدو بينهم طويلاً، وهكذا [3، ص146].

[2] شهد لهذا أحاديث وإجماع، انظر [22، ج1، ص291].

[3] ينظر [20، جـ  2  ، ص82؛ جـ9، ص 212؛ جـ17، ص19].

[4] ينظر على سبيل المثال: [23، جـ1، ص91]، ورد الطبري [20، جـ3، ص 253]، وينظر أيضاً [23، جـ1، ص313]، ورد الطبري [20، جـ12، ص 233]، وينظر كذلك [23، جـ2، ص98]، ورد النحاس [24، جـ5، ص160].

[5] [26، جـ3، ص ص 19؛ 275؛ 42، جـ 5، ص 385؛ 36، جـ 11، ص 336؛ 40، جـ 8، ص 368].

[6] لمزيد من التفسير يراجع [17، جـ2 ، ص ص 585 ـ 631]، وعود الضمير من الموضوعات التي تستحق أن تفرد بدراسة مستقلة.

[7] انظر أمثلة على احتكامها للسياق، وتقديمها له في كتابها [51، جـ 1، ص ص 16، 77، 126 ، 162، 182، 208]، وغيرها كثير.

[8] عرض لمنهجها كثيرون بالدرس والنقد، منهم د. محمد إبراهيم شريف في كتابه (اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر)، ود.فهد الرومي في كتابه (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري).

[9] متفق عليه [53، ص 826، كتاب التفسير؛ 54، ص113،كتاب الإيمان].

[10] أخرجه الترمذي [55، ص 716، كتاب التفسير].

[11] انظر أمثلة لما ذكرنا من رد أسباب النزول بسبب السياق [28، جـ2، ص ص 324 ،376؛ جـ5، ص183؛ جـ6، ص138؛ جـ14، ص6؛ جـ14، ص6؛ جـ 17، ص 154.

[12] ينظر تفسير أبي زهرة لهذه الآية في ضوء هذا الفهم، وانتصاره له [59، ص 240].

[13] انظر الرأي مفصلاً في [13، جـ2، 456؛ 57، جـ1، ص129] وتابعهما أبو زهرة في تفسيره لهذه الآية [95، ص 734]، السنة السادسة، سنة 1372هـ، وأطال الاستدلال لهذا القول بالسياق، وقال: ونحن إليه أميل.

[14] انظر على سبيل المثال لا الحصر: [20، جـ5، ص 275؛ 21، جـ1، ص 305؛ 26، جـ1، ص 147؛ 35، جـ3، ص 139؛ 36، جـ3، ص 230؛ 19 ، جـ3، ص 396].

[15] انتصر لهذا القول أبو زهرة في تفسيره لهذه الآية في [59، ص 402].

[16] انظر رأيه هذا في [59، ص402].

[17] انظر بعضاً من هذه الصور والحالات في [26، جـ1، ص142؛ 13، جـ2، ص408].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ملامح من الإعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية
  • الترابط في القرآن الكريم (سورة البقرة)
  • في كم يتلى القرآن؟
  • بلاغة القرآن
  • إعجاز القرآن وبلاغته
  • التصور والتصديق في أسلوب الاستفهام
  • من الآثار الإيمانية لتعليم وتعلم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع
  • وقفات مع القرآن وشموليته
  • الإبانة في تفصيل ماءات القرآن
  • الوحدة البنائية في القرآن الكريم
  • ربط الأحاديث والحوادث بأسبابها وظروفها
  • الأصول العامة لتحليل النص القرآني
  • أثر القرآن والانبهار به
  • القرآن الكريم وأثره في اللغة والعلم والاجتماع والأخلاق (1)

مختارات من الشبكة

  • النص بين النسق والسياق (كتاب الكتاب في تعلم العربية - الجزء الثاني أنموذجا)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أثر دلالة السياق القرآني في توجيه معنى المتشابه اللفظي في القصص القرآني(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • صدر حديثاً (أثر السياق وتوجيه المعنى في تفسير (التحرير والتنوير) للطاهر بن عاشور).(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • دلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أثر السياق في تحديد دلالة الإسناد الخبري - تطبيقا على القرآن الكريم (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أثر السياق في دلالة الإيماء والتنبيه ومفهوم الموافقة والمخالفة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر السياق في دلالات النص والظاهر والاقتضاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر السياق في بيان المجمل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر السياق في دلالة التأويل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر السياق في دلالة الحقيقة ودلالة المجاز(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
11- دلالة السياق
فتحي - الجزائر 07-10-2018 01:25 AM

بحث قيم جزاك الله خيرا ، أرجو إفادتنا بمواضيع متعلقة بدلالة السياق القرآني بوركتم

10- إفادة
محمد عاشور - فلسطين 19-10-2014 09:57 AM

بحث جيد وجميل جزى الله الكاتب خير الجزاء وجعله في ميزان حسناته، لقد أفدتمونا كثيرا ،،
أرجو إن كان البحث مختصراً من بحث أكبر تزويدنا بالبحث الرئيسي .
وبعض المصادر التي تتحدث عن تعريف السياق وأنواعه وعلاقته بعلوم القرآن الأخرى ،،
خصوصاً وأنني أكتب رسالة الدكتوراة بعنوان "السياق القرآني وأثره في تفسير سورتي الإسراء والكهف"
فتح الله عليكم ولكم وبكم.

9- طلب إفادتي في مذكرة التخرج
فضيلة - الجزائر 04-02-2014 11:05 PM

الموضوع هام وشيق يساهم في تدبر آيات الذكر الحكيم وهو موضوع مذكرتي لنيل شهادة الماستر وقد أفدتموني كثيرا جزاكم الله خيرا

8- إحياء الفكر التراثي
د . سامح شاكر - مصر 21-11-2011 03:33 PM

أحيا هذا البحث وأمثاله الفكر الثراثي القديم للأئمة الأعلام الذين عنوا بالبحث والتأمل وصولا ما أمكن إلى مراد الله تعالى في كتابه منزهين أنفسهم عن التأويل المتعسف . رجاء نشر هذا البحث إتماما للفائدة .

7- السياق القرآنى وأثره فى بيان المعانى
دكتور عبدالرحمن محمد - مصر 10-04-2011 08:58 AM

شكر الله للأخ الفاضل جهده فى محاولة الغوص فى بحار هذا النوع من الموضوعات الشيقة والشائكة ونرجوا لنا وله المزيد والمزيد من التوفيق وفى المستقبل القريب إن قدر الله لى البقاء ثم اللقاء سأوافى المنتدى المبارك بالمزيد فيما يخص هذا المقام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

6- رد مع التحية والتقدير
متابع 07-02-2009 11:24 AM
أخي الكريم
المصدر هو: مجلة جامعة الملك سعود, م 15، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية (2)، ص837 - 877
بالإمكان الحصول على التفاصيل من خلالها بعد الحصول عليها من خلال المكتبات العامة
5- تساؤل
محمد - السعودية 06-02-2009 09:41 PM
بحث جميل ولكن عندي تساؤل ..

هل هذه الدراسة مختصرة من دراسة أطول ، وكيف نحصل عليها ، ثم ما معنى هذه الأرقام للأجزاء والصفحات هل هي للدراسة الأصلية أم ماذا ؟
أفيدوني أفادكم الله فأنا في شوق لهذه الدراسة .
4- لدي التخصص نفسه
ا.د.عواطف كنوش المصطفى - العراق 01-02-2009 02:03 PM
اود من الباحث أن يطلع على رسالتي الدلالة االسياقية عند اللغويين وارعب بنشر بحوثي في مجلتكم وارغب بردكم
3- السياق القرآني
أحمد مجدي النشار - مصر 09-08-2008 02:36 AM
هذا بحث جيد ومفيد جداً ، ونريد الأصل وجزاك الله خيرا ً
أحمد مجدي النشار ونر يد أن نصنع رسالة ماجستير
2- ---
الأسيفة 28-03-2008 12:32 PM
بحث ممتاز .
جزى الله الباحثَ خيرَ الجزاء .
1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب