• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

بحوث ودراسات حول المدينة النبوية والقبر الشريف (2)

بحوث ودراسات حول المدينة النبوية والقبر الشريف (2)
الشيخ نشأت كمال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/2/2012 ميلادي - 6/4/1433 هجري

الزيارات: 10754

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مباحث مهمَّة تتعلَّق بالمدينة النبويَّة

والقبر الشريف

1- مسألة هل مكة أفضل أم المدينة؟

 

ينبغي أنْ يُعلم أولاً أنَّ فضائل الأشياء لا تثبُت ولا تُدرَك بالقياس ولا الاستنباط، وإنما تُدرَك بالنصِّ عليها، فسبيلُها التوقيفُ كما ذكَر الحافظ ابن عبدالبر[1]؛ وبناءً على ذلك فإنَّا نقول: (مكة) أفضل من (المدينة)، وليس أدلُّ على ذلك من قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما خرَج مهاجرًا منها، ووقف على الحَزوَرَة: ((والله إنَّك لخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منك ما خرجت))، وهو حديثٌ صحيح[2]، خرَّجه الترمذي (3925) والدارمي (2510) من حديث عبدالله بن عدي بن الحمراء رضِي الله عنه.


وهذا القول هو الصحيح المختار عند جمهور أهل العلم، كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه "فتح الباري"[3]، قال ابن عبدالبر[4]: وهذا نصٌّ في محلِّ الخلاف، فلا ينبغي العدول عنه؛ اهـ.

 

وقال رحمه الله أيضًا[5]: فكيف يُترَك مثلُ هذا النص الثابت ويُمال إلى تأويلٍ لا يُجَامَعُ مُتَأوِّل عليه؟! اهـ.


وقال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم"[6]: ومذهب الشافعي وجماهير العلماء أنَّ مكَّة أفضل من المدينة، وأنَّ مسجد مكة أفضلُ من مسجد المدينة، وعكسه مالك وطائفةٌ، وقال القاضي عياض: أجمعوا على أنَّ موضع قبرِه صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل بقاع الأرض[7]، وأنَّ مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبرِه صلَّى الله عليه وسلَّم فقال عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيِّين: المدينة أفضلُ، وقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان: مكَّة أفضل؛ اهـ.


وممَّا يستدلُّ به على فضل مكة على المدينة قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))؛ خرَّجه البخاري[8] رحمه الله في "صحيحه" عن أبي هريرة رضِي الله عنه وهو في "صحيح مسلم"[9]، قال ابن حجر رحمه الله في "الفتح"[10]: واستدلَّ بهذا الحديث على تفضيل مكة على المدينة؛ لأنَّ الأمكنة تشرُفُ بفضل العبادة فيها على غيرها ممَّا تكون العبادة فيه مرجوحة، اهـ.


وحكى ابن حجر رحمه الله في "الفتح"[11] أنَّ كثيرًا من المالكية رجَعُوا عن قول مالك، لكن استثنى القاضي عياض البقعة التي فيها قبرُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[12].


وقال ابن عبدالبر رحمه الله[13]: إنما يُحتَجُّ بقبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وبفضائل المدينة بما جاء فيها عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعن أصحابه على مَن أنكر فضلها وكرامتها، وأمَّا مَن أقرَّ بفضلها، وعرف لها موضعها، وأقرَّ أنَّه ليس على وجه الأرض أفضل - بعد مكَّة - منها، فقد أنزلها منزلتها، وعرف لها حقَّها، واستعمل القول بما جاء عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مكة وفيها؛ لأنَّ فضائل البلدان لا تُدرَك بالقياس والاستنباط، وإنما سبيلُها التوقيفُ؛ اهـ.


2- مسألة في الفرق بين شد الرحال إلى مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم

وبين شد الرحال إلى قبره

وهذه مسألةٌ طويلة، وهي من المسائل التي شنَّع بها بعضُ مَن لم يفهم كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ إذ فهموا مِن كلامه أنَّه يُحرِّم زيارةَ قبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو فهمٌ عجيبٌ وكلامٌ غريب، لم يتلفَّظ به الشيخ رحمه الله أبدًا، وليس فيما كتب حرفٌ واحد يدلُّ على ذلك، بل فهمُ ذلك هو عين الجور والظُّلم وعدم القيام بالقسط، نعوذ بالله من الخذلان واتِّباع الهوى، ولا يشكُّ عاقل أنَّ هذا القول كذبٌ مُفترًى لم يقله الشيخ قطُّ، ولا يوجد في شيء من كتبه، ولا دلَّ كلامُه عليه، بل كتبُه كلُّها ومناسكه وفتاواه وأقواله وأفعاله تشهَدُ ببُطلان هذا النقل عنه، ومَن له أدنى علمٍ وبصيرةٍ يقطع بأنَّ هذا مفتعلٌ على الشيخ، وأنَّه لم يقله قطُّ، بل المنقول عن شيخ الإسلام رحمه الله أنَّه فرَّق بين مَن شدَّ الرحال وأنشأ السفر لزيارة المسجد النبوي، وبين مَن شدَّ الرحال وأنشأ السفر لزيارة القبر نفسه. وقد ذهب رحمه الله وكثيرٌ من أهل العلم إلى أنَّه مَن أنشأ السفر لزيارة القبر لا يجوز؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مَساجِد))، وقالوا: فمَن شدَّ رحلَه لزيارة القبر فإنَّه داخلٌ في النهي، وإنشاء السفر على هذه النيَّة لا يجوز، ورأوا أنَّه سفرُ معصية، وأمَّا مجرَّد الزيارة على الوجه المشروع، فهذه لم يمنعها، ولم يحرِّمها الشيخ في شيءٍ من كتبه، ولم يَنْهَ عنها، ولم يكرهها، بل استحبَّها، وحَضَّ عليها، ومناسكه ومُصنَّفاته طافحةٌ بذِكْرِ استِحباب زيارة قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وسائر القبور.


قال ابن عبدالهادي رحمه الله في "الصارم المنكي في الرد على السبكي":

وإنما تكلَّم في مسألة (شد الرحال وإعمال المطي) إلى مجرَّد زيارة القبور، وذكر في ذلك قولين للعلماء المتقدِّمين والمتأخِّرين: أحدهما: القول بإباحة ذلك ممَّا يقوله بعض أصحاب الشافعي وأحمد، والثاني: أنَّه منهيٌّ عنه كما نصَّ عليه إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ولم ينقل عن أحدٍ من الأئمَّة الثلاثة خلافه، وإليه ذهب جماعةٌ من أصحاب الشافعي وأحمد؛ اهـ.


وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (1/123، 124):

يظنُّ كثيرٌ من الناس أنَّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله ومَن نحا نحوه من السلفيين يمنعُ من زيارة قبره صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا كذبٌ وافتراء، وليست هذه أوَّل فرية على ابن تيميَّة رحمه الله وعليهم، وكلُّ مَن له اطِّلاع على كتب ابن تيميَّة رحمه الله يعلم أنَّه يقول بمشروعيَّة زيارة قبرِه صلَّى الله عليه وسلَّم واستحبابها إذا لم يقترنْ بها شيء من المخالفات والبدع؛ مثل شد الرحل، والسفر إليها؛ لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد...))، والمستثنى منه في الحديث ليس هو المساجد فقط - كما يظنُّ كثيرون - بل هو كل مكانٍ يُقصد للتقرُّب إلى الله فيه، سواء كان مسجدًا، أو قبرًا، أو غير ذلك؛ بدليل ما رواه أبو هريرة رضِي الله عنه قال (في حديثٍ له): فلقيتُ بَصْرة بن أبي بَصْرة الغِفاري، فقال: من أين أقبلتَ؟ فقلتُ: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أنْ تخرج إليه ما خرجت؛ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لا تُعمل المطِيُّ إلا إلى ثلاثة مساجد...)) الحديث[14].


شبهة والجواب عنها

هل زيارة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسجد قباء راكبًا وماشيًا كل سبت يُعدُّ مِن شَدَّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة؟


وقبل الإجابة على ذلك، لا بُدَّ من التنبيه على أمرٍ، وهو أنَّ الذي حرَّم شدَّ الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة هو الذي كان يأتي قباء كلَّ أسبوع، وهو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومعلوم أنَّ هذا ليس من باب التعارُض في شيءٍ؛ لأنَّ أحاديث النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا تتعارَضُ، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف نجمع بين نهيه صلَّى الله عليه وسلَّم عن شدِّ الرحال إلى مسجد معيَّن غير الثلاثة، وبين إتيانه مسجد قباء كلَّ أسبوع؟


فنقول - وبالله التوفيق -: إنَّ مجيءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مسجد قباء كلَّ أسبوعٍ ليس بشَدٍّ للرحال أو ليس بشد رَحْل، وقد ثبت عنه صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح[15]: ((مَن تطهَّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلَّى فيه صلاةً، كان له كأجر عمرة)).


ومعنى قولنا: "ليس بشد رحل" يعني: ليس بسفر، فإنَّ مسجد قباء يبعد قليلاً عن مسجد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.


وقيل[16]: بل كان مجيءُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى قباء إنما كان لِمُواصَلة الأنصار، وتفقُّد أحوالهم، وحال مَن تأخَّر منهم عن حُضور الجمعة معه صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا هو السرُّ في تخصيص ذلك بالسبت.


وقد ذهَب الإمام أبو محمد بن قدامة إلى أنَّ النهي عن شدِّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة ليس على التحريم؛ مستدلاً بإتيان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مسجد قباء، وقد ردَّ ذلك عليه شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - وقال: وزيارة قباء ليس شد رحلٍ، راجع: "مختصر الفتاوي المصرية" (1/169- 171).


هدي الصحابة رضِي الله عنهم في زيارة قبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم

ولم يثبت أنَّ واحدًا من الصحابة قصَد القبر بسفرٍ، بل كانوا إذا سافروا لمسجده صلَّى الله عليه وسلَّم صلوا فيه، وسلَّموا عليه في صَلاتهم، فإذا كانوا بعد السفر للمسجد يفعَلون ما سنَّه لهم ممَّا ذُكر ولا يذهبون إلى القبر، فكيف يقصدون أنْ يسافروا له؟! أو يقصدونه بالسفر دُون الصلاة في المسجد؟!


قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في "مختصر الفتاوي المصرية" (1/171): ولَمَّا كانت حُجرة عائشة رضِي الله عنها التي دُفن فيها الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم منفصلةً عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبدالملك، لم يكن أحدٌ من الصحابة يدخُل إليها، لا لصلاةٍ ولا لدُعاء، وإنما يفعلون ذلك في المسجد، وكانوا إذا سلَّموا عليه أو أرادوا الدعاء استقبَلوا القبلة، وهذا كلُّه محافظةً على التوحيد.


3- حُكم السفر لقبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استقلالاً

وكيف إذا نذَرَه؟ وحكم قصر الصلاة في هذا السفر

مَن سافر للمسجد وزار القبر كما مَضَتْ به السُّنَّة، فهذا هو العمل الصالح، وأمَّا السفر للقبر استقلالاً فبدعةٌ ضَلالة، ولم يقلْ أحد من الأئمَّة بِجَوازه.


بل قد صرَّح مالك رحمه الله[17] وغيرُه بأنَّ مَن نذَر السفر إلى المدينة النبويَّة إنْ كان مقصوده الصلاة في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفى بنذره، وإنْ كان قصده مجرَّد الزيارة للقبر من غير صلاةٍ في المسجد، لم يوف بنذره؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تُعمَل المطِيُّ إلا إلى ثلاثة مساجد...)).


وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في "مختصر الفتاوي المصرية" (1/169): أمَّا مَن سافر لمجرَّد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، فهل يجوزُ له قصرُ الصلاة؟ على قولين معروفين: أحدهما: وهو قول مُتقدِّمي العلماء الذين لا يُجوِّزون القصرَ في سفر المعصية؛ كأبي عبدالله بن بطة، وأبي الوفاء بن عقيل، وطوائف كبيرة من المتقدِّمين أنَّه: لا يجوزُ القصر في مثل هذا السفر، ومذهب مالك والشافعي وأحمد: أنَّه لا يقصر في سفرٍ منهيٍّ عنه، والقول الثاني: أنَّه يقصر، وهذا يقولُه مَن يُجوِّز القصر في السفر المحرَّم كأبي حنيفة، ويقوله بعض المتأخِّرين من أصحاب الشافعي وأحمد ممَّن يُجَوِّز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين؛ كأبي حامد الغزالي، وأبي الحسن بن عبدالقدوس الحرَّاني، وأبي محمد بن قُدامة المقدسي، وهؤلاء يقولون: السفر ليس بمعصيةٍ؛ لعموم قوله: ((زُوروا القبور))، واحتجَّ أبو محمد بن قدامة بأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور قباء، وأجاب عن قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تشدُّ الرحال... الحديثَ)) بأنَّه محمولٌ على نفي الاستحباب[18].


وأمَّا الأوَّلون، فإنهم يحتجُّون بما في الصحيحين عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((لا تُشدُّ الرِّحالُ إلاَّ إلى ثلاثة مساجِدَ: المسجدِ الحرام، والأقصَى، ومَسجِدِي هذا))، فلو نذر أنْ يأتي المسجد الحرام لحجٍّ أو عمرة، لزمه بالاتِّفاق، ولو نذَر الصلاة في مسجده صلَّى الله عليه وسلَّم أو الأقصى، لزمه عند مالك والشافعي وأحمد، ولا يلزمه عند أبي حنيفة، قالوا: ولأن شدَّ الرحل والسفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعةٌ لم يفعَلْها أحدٌ من الصحابة ولا التابعين، ولا استحبَّ ذلك أحدٌ من أئمَّة المسلمين، وذكر أبو عبدالله أحمد بن حنبل أنَّ ذلك من البدع المخالفة للسُّنَّة والإجماع، وزيارة قباء ليس فيه شدُّ رحل، وحمْل حديث: ((لا تُشدُّ الرِّحالُ...)) على نفْي الاستحباب فيه تسليم أنَّ السفر ليس بعملٍ صالح، ولا قُربة، ولا طاعة، ولا من الحسَنات، فمَن اعتقد كونه قُربة، فقد خالَف الإجماع، ولا يُسافر أحدٌ إلاَّ لذلك، وأمَّا لو قُدِّر أنَّ الرجل سافَر إليها لغرضٍ ما، فهذا جائزٌ ليس من هذا الباب، والنفيُ يقتضي النَّهي، والنهي للتحريم؛ انتهى.


جواز الزيارة والسُّنَّة فيها

أمَّا مَن سافر للمسجد وأراد أنْ يزور القبر الشريف، فلا بأس، بل هو مندوب، حُكم ذلك حُكم بقيَّة القبور، ويفعل في زيارته ما يفعله في زيارته لأيِّ قبرٍ؛ من أنْ يبدأ بالسلام بصوتٍ خفيض، لا كما يفعَلُه بعض جهلة الحجيج من رفْعهم الصوت بالسلام عند قبره - عليه الصلاة والسلام - فهذا من المحدَثات والبدع، ويدعو أيضًا بما ثبت: ((السَّلام عليكم أهل الدِّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إنْ شاء الله بكم لاحقون...)).


تنبيه

واعلم - رحمك الله - أنَّ العبادة عند قبرِه صلَّى الله عليه وسلَّم ليست بأفضل منها في سائر الأماكن، وكذلك لم يكن شيءٌ من حُقوقِه لا يتمُّ إلا عند قبره.


أمَّا فضيلة الصلاة في مسجده، فثابتةٌ، ولكنَّها مقرونة بالمسجد لا بالقبر؛ إذ إنَّ فضيلة مسجد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثابتةٌ قبلَ دُخول قبرِه فيه، فلا يجوز أنْ يظنَّ أنَّ المسجد زاد فضلاً عندما أُدخِلت الحجرة فيه، وهم عندما أدخَلُوها في المسجد لم يقصدوا إدخال القبر، وإنما قصدوا توسعته.


4- مسألة في إدخال قبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في مسجدِه وحُكم ذلك

وحكم القبَّة المبنيَّة فوق قبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم

أمَّا إدخال القبر في المسجد، فكان ذلك سنة ثمانٍ وثمانين في زمن الوليد بن عبدالملك؛ حيث أمر عمر بن عبدالعزيز - وكان واليًا على المدينة - بأنْ يوسع المسجد، وكان من توسعته أنْ أدخل القبر المسجد، وذلك بعد موت عامَّة الصحابة رضِي الله عنهم بل لم يكن بالمدينة واحدٌ منهم.


وقد روي أنَّ سعيد بن المسيِّب كره ذلك وأنكَرَه؛ لأنَّ ما فعَلَه الوليد هو عين النَّهي الذي وَرَد في اتِّخاذ القبور مساجد كما في "الصحيح" وغيره[19].


قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: وهو صلَّى الله عليه وسلَّم مدفونٌ في حجرة عائشة رضِي الله عنها وكانت حُجَرُ نسائه من جهة شرقي المسجد، ولكن في خِلافة الوليد وسع المسجد، وكان يحبُّ عمارة المساجد - عمَّر المسجد الحرام ومسجد دمشق وغيرهما - فأمَر نائبه عمر بن عبدالعزيز أنْ يشتري الحُجَرَ من أصحابها الذين ورثوا أزواجَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويزيدها في المسجد، فمن حينئذٍ دخلت الحُجَرُ في المسجد، وذلك بعدَ موت الصحابة، بعد موت ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري رضِي الله عنهم وبعد موت عائشة رضِي الله عنها بل بعد موت عامَّة الصحابة رضِي الله عنهم ولم يكن بقي في المدينة منهم أحدٌ، وقد رُوِي أنَّ سعيد بن المسيب كره ذلك، وقد كره كثيرٌ من الصحابة والتابعين ما فعَلَه عثمان رضِي الله عنه من بناء مسجد بالحجارة والقصة والساج، وهؤلاء لِمَا فعل الوليد أكْرَهُ، وأمَّا عمر بن الخطاب رضِي الله عنه فإنَّه وسعه، لكنْ بناه على ما كان بناؤه من اللبن، وعمده جذوع النخل، وسقفه الجريد، ولم يُنقل أنَّ أحدًا كره ما فعل عمر رضِي الله عنه وإنما وقع النِّزاع فيما فعله عثمان - رضِي الله عنه...


إلى أنْ قال: فإنَّ الوليد بن عبدالملك تولَّى بعد موت أبيه عبدالملك سنة بضعٍ وثمانين من الهجرة، وكان قد مات هؤلاء الصحابة كلهم وتُوفِّي عامَّة الصحابة في جميع الأمصار، ولم يكن بقي بالأمصار إلا قليل جدًّا؛ مثل: أنس بن مالك بالبصرة، فإنَّه تُوفِّي في خِلافة الوليد سنة بضعٍ وسبعين، وجابر بن عبدالله - رضِي الله عنهما - مات بالمدينة، والوليد أدخَل الحجرة بعد ذلك بمدَّةٍ طويلة نحو عشر سنين، وبناء المسجد كان بعد موت جابر فلم يكن بقي بالمدينة أحدٌ، ا.هـ[20].


وذكر مثل هذا في "الرد على الإخنائي" (118)، وفي "الاقتضاء" (367)، و"عمدة الأخبار" (108) وفي "البداية والنهاية"؛ لابن كثير.


وبهذا يتَّضح لنا أنَّ الوليد أخطأ في إدخال الحُجر في المسجد النبوي، وأنَّه وقَع فيما نهى عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من اتِّخاذ القبور مساجد والصلاة إليها، فإنَّ الذين يُصلُّون في المكان الذي كان لأهل الصفة يستَقبِلون القبر كما هو مُشاهَد، وكذلك النساء فإنهن يتَّجهن في صلاتهنَّ إلى القبر.


وإنَّ الواجب على المسلمين هو إعادته كما كان من الناحية الشرقيَّة على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فإنَّ خير الهدي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.

دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ♦♦♦ فَمَا آمِنٌ فِي دِينِهِ كَمُخَاطِرِ[21]

 

واعلم أنَّ عمل القباب فوق القبور ليس من هدي سلفنا الصالح رضِي الله عنهم بل ثبَت النهيُ عن ذلك:

1 - فعن جابر بن عبدالله - رضِي الله عنهما - قال: نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُجَصَّص القبرُ، وأنْ يُقعَد عليه، وأنْ يُبنَى عليه؛ رواه (مسلم/7/37).


2 - عن ثمامة بن شُفَيٍّ رحمه الله قال: كُنَّا مع فَضالة بن عبيد رضِي الله عنه بأرض الروم برُودس، فتُوفِّي صاحبٌ لنا، فأمر فَضالة بن عبيد بقبره فسُوِّي ثم قال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأمُر بتسويتها؛ رواه (مسلم 7/36).


3- وعن أبى الهيَّاج الأسدي رحمه الله قال: قال لي علي بنُ أبي طالبٍ رضِي الله عنه: ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمَستهُ، ولا قبرًا مُشرفًا إلا سويتهُ؛ رواه مسلم (969/93).

 

وقد بُنِيَت القبَّة على قبر النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأمرٍ من السُّلطان المنصور قلاون الصالحي، وكان ذلك في سنة ثمانٍ وسبعين وستمائة (678هـ) من الهجرة، ولم يكن قبلَ ذلك التاريخ عليها قبَّة ولا شيء.

 

وقال العلامة الصنعاني رحمه الله في "تطهير الاعتقاد":

"فإنْ قلتَ: هذا قبرُ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم قد علت عليه قبَّةٌ عظيمة أُنفِقت فيها الأموال؟ قلتُ: هذا جهلٌ عظيمٌ بحقيقة الحال؛ فإنَّ هذه القبة ليس بناؤها منه صلَّى الله عليه وسلَّم ولا من أصحابه، ولا من تابعيهم، ولا من تابعي التابعين، ولا مِن علماء أمَّته، وأئمَّة ملَّته، بل هذه القبة المعمولة على قبرِه صلَّى الله عليه وسلَّم من أبنية بعض مُلوك مصر المتأخِّرين، وهو قلاون الصالحي المعروف بالملك المنصور، في سنة ثمانٍ وسبعين وستمائة"؛ اهـ.

 

وقال السمهودي رحمه الله في "وفاء الوفا": "ورأيت في "الطالع السعيد الجامع أسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد" في ترجمة الكحال أحمد بن البرهان عبدالقوي الربعي، ناظر قوص، أنَّه بنى على الضريح النبوي هذه القبة المذكورة، قال: وقصد خيرًا وتحصيل ثواب، وقال بعضهم: أساء الأدب بعُلوِّ النجارين ودقِّ الحطب، قال: وفي تلك السَّنة وقع بينه وبين بعض الولاة كلامٌ، فوصل مرسومٌ بضرب الكحال، فضُرِب، فكان مَن يقول: إنَّه أساء الأدب، يقول: إنَّ هذا مجازاة له، وصادَرَه الأمير علي الدين الشجاعي، وخرب داره، وأخذ رخامها وخزائنها"؛ اهـ.

 

فانظُر كيف اعتبروا ما فعله الكحال إساءة أدبٍ لعلوِّ النجارين والدق في الحطب، ولا شكَّ أنَّ أهل العلم رحمهم الله ينكرون ما ورد الشرع بتحريمه، فبعضهم قد يُصرِّح بالإنكار، وبعضهم قد يسكت؛ لما يعلم من عدم جَدوَى الكلام، وربما استأنسوا لجواز السكوت بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشة رضِي الله عنها: ((لولا أنَّ قومك حديثو عهد بكفرٍ، لأسَّست البيت على قواعد إبراهيم))؛ متفق عليه.

 

ومن المعلوم أنَّ الذين صرَّحوا بالإنكار قد أدَّوا ما أوجب الله عليهم من النُّصح للإسلام والمسلمين، فإليك بعض مَن أنكر ذلك:

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "الاقتضاء":

ولهذا لما بُنِيت حجرتُه على عهد التابعين - بأبي هو وأمي، صلَّى الله عليه وسلَّم - تركوا في أعلاها كوَّةً إلى السماء، وهي الآن باقية فيها موضوع عليها شمع، على أطرافه حجارة تمسكه، وكان السقف بارزًا إلى السماء، وبنى ذلك لما احترق المسجد والمنبر سنة بضعٍ وخمسين وستمائة، وظهرت النار بأرض الحجاز التي أضاءت لها أعناقُ الإبل ببصرى، وجرت بعدها فتنة التتار ببغداد وغيرها، ثم بعد ذلك بسنين متعددة بُنِيت القبَّة على السقف، وأنكرها مَن أنكرها؛ اهـ.

 

وقال أحد المفتين في زمن الشيخ النعمي رحمه الله: ومن المعلوم أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم له قبَّة وأولياء المدينة وأولياء سائر البلدان، وأنها تُزار كل وقت ويُعتقد بها حلول البركة؛ اهـ.

 

فتعقَّبه النعمي رحمه الله فقال: أقول: الأمر كذلك، فكان ماذا بعد أنْ حذر صلَّى الله عليه وسلَّم وأنذر، وبرأ جانبه المقدس الأطهر - صلَّى الله عليه وسلَّم؟! فصنعتم له عين ما تقدَّم بالنهي عنه، أفلا كان هذا كافيًا لكم عن أنْ تجعلوا أيضًا مخالفتكم لأمره حجَّة عليه، وتقدُّمًا بين يديه؟ فهل أشار بشيءٍ من هذا أو رَضِيَه أو لم ينهَ؟ وأمَّا اعتقادكم حلولَ البركة، فمِن عندكم لا من عند الله، فهو ردٌّ عليكم؛ اهـ.

وهو في "معارج الألباب" ص (147).

 

هذا وقد همَّ الإخوان رحمهم الله في زمن عبدالعزيز رحمه الله - عند دخولهم المدينة أنْ يزيلوا هذه القبَّة وليتهم فعلوا! ولكنَّهم خشوا رحمهم الله من قيام فتنة من القُبوريِّين أعظم من إزالة القبَّة، فيؤدي إزالة المنكَر إلى ما هو أنكر منه.

 

وكم للقبوريين من دعاوى باطلة إذا دعوا إلى إزالة تلك القباب التي أشبه بعضها اللات والعُزَّى وهبل! ورحم الله الصنعاني إذ يقول في قصيدته الدالية التي أرسلها إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله[22]:

لَقَدْ جَاءَتِ الأَخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ
يُعِيدُ لَنَا الشَّرْعَ الشَّرِيفُ بِمَا يُبْدِي
وَيَنْشُرُ جَهْرًا مَا طَوَى كُلُّ جَاهِلٍ
وَمُبْتَدِعٍ مِنْهُ فَوَافَقَ مَا عِنْدِي
وَيَعْمُرُ أَرْكَانَ الشَّرِيعَةِ هَادِمًا
مَشَاهِدَ ضَلَّ النَّاسُ فِيهَا عَنِ الرُّشْدِ

 

وقال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله:

قد عرفت - أرشَدَك الله - ممَّا تقدَّم ما ورَد من الأحاديث في النَّهي عن البناء على القُبور، ولعْنِ المتَّخذين لها مساجد، وأنَّ اتِّخاذ القُبور مساجد من شِعار الكفَّار، وعرفت أيضًا النَّهي عن الصلاة إلى القُبور وعليها إلا صلاة الجنازة، فإنها مُستَثناة من النهي، وعرفت أنَّه ما أدخل القبر النبوي - على ساكنه أفضل الصلاة والتسليم - إلا الوليد بن عبدالملك، ولم يبنِ القبة إلا الملك المنصور الملقَّب بقلاون، في القرن السابع، وبعد هذا لا إخالك تتردَّد في أنَّه يجبُ على المسلمين إعادة المسجد النبوي كما كان في عصر النبوَّة من الجهة الشرقيَّة؛ حتى لا يكون القبر داخلاً في المسجد، وأنَّه يجبُ عليهم إزالتها؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أحدث في أمرِنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))؛ متفق عليه، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].


ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتَنِبوه))؛ متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنه.


فجديرٌ بنا - معشر المسلمين - أنْ نعمد إلى تلك القباب المشيَّدة على القبور، فنجتثَّها من على الأرض، كما أمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليَّ بن أبي طالب، ومَن لم يفعل مع القدرة كان مخالفًا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واللهُ - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].


فكيف يسوغ لنا أنْ نتَّخذ قبره مسجدًا وهو - بأبي وأمي - قد نهى عن ذلك؟ والله - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].


وقال- عزَّ وجلَّ -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: 1، 2].


وأيُّ تقديمٍ أعظم من ردِّ نهيه عليه، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون! أوليس رد حكم الله ورسوله يُورِث زيغ القلوب ومرضها، كما يقول العليُّ الأعلى في شأن المنافقين: ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 48 - 52]؟!


حقًّا، إنَّ بناء المساجد على القبور منشؤه التقليد الأعمى، قلَّد المسلمون فيه أعداءهم من اليهود والنصارى؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق في الحديث الصحيح: ((لتتبعنَّ سنن مَن كان قبلكم حذو القذَّة بالقذَّة، حتى لو دخلوا جُحرَ ضبٍّ لدخَلتُموه))، قيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن؟)).


ثم قلَّد المسلمون المتأخِّرون آباءهم وأجدادهم في ذلك؛ كما قال تعالى حاكيًا عن الكفَّار: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 23].


ولا ريب أنَّ التقليد الأعمى داءٌ عُضال لا يرجع صاحبه إلا أنْ يشاء الله كما أخبر تعالى عن الكفَّار: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 170]؛ انتهى.



[1] راجع "التمهيد" (2/290).

[2] صحَّحه ابن عبدالبر كما في "التمهيد" (2/288)، وابن حجر كما في "الفتح" (3/67 - 68).

[3] "الفتح" (3/67).

[4] "التمهيد" (6/33).

[5] "التمهيد" (2/288).

[6] "شرح صحيح مسلم" (9/163 - 164).

[7] وهذا الإجماع غير صحيح، وقد انتقده شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (27/37) فقال: وأمَّا التربةُ التي دُفن فيها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلا أعلمُ أحدًا من الناس قال: إنها أفضلُ من المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى إلا القاضي عياض، فذكَر ذلك إجماعًا وهو قولٌ لم يسبقهُ إليه أحدٌ فيما علمناهُ، ولا حُجَّة عليه، بل بَدَنُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أفضلُ من المساجد. وأمَّا ما فيه خلقٌ أو ما فيه دفنٌ، فلا يلزمُ إذا كان هُو أفضل أنْ يكُون ما منهُ خُلق أفضل، فإنَّ أحدًا لا يقُولُ: إنَّ بدن عبدالله أبيه أفضلُ من أبدان الأنبياء، فإنَّ الله يُخرجُ الحيَّ من الميت والميتَ من الحي، ونُوحٌ نبي كريمٌ وابنُهُ المُغرَقُ كافرٌ، وإبراهيمُ خليلُ الرحمن وأبُوهُ آزرُ كافرٌ.

[8] "صحيح البخاري" (1190).

[9] "صحيح مسلم" (9/163/ نووي).

[10] "فتح الباري" (3/67).

[11] "فتح الباري" (3/68).

[12] وهذا الاستثناء غيرُ صحيح، وقد انتقده شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (27/37).

[13] "التمهيد" (2/290).

[14] أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرَّج في "أحكام الجنائز" (ص 226)، فهذا دليلٌ صريح على أنَّ الصحابة فهموا الحديثَ على عُمومه، ويُؤيِّده أنَّه لم ينقلْ عن أحدٍ منهم أنَّه شدَّ الرحل لزيارة قبرٍ ما، فهم سلف ابن تيميَّة في هذه المسألة، فمَن طعن فيه، فإنما يطعن في السلف الصالح.

[15])) "سنن ابن ماجه" (1141، 2141).

[16])) "فتح الباري" (2/48).

[17])) وكان الإمام مالك رحمه الله يَكره أنْ يُقال: "زُرت قبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم".

[18] وما ذهب إليه هؤلاء الأئمَّة مذهبٌ ضعيف؛ لأنَّ السفر لزيارة قبور الأنبياء على وجه الخصوص فيه عدَّة محاذير؛ منها: أنَّه ذريعة للشرك، ومنها: أنَّه داخلٌ في النهي عن إعمال المطيِّ وشد الرحال، ومنها: أنَّه لم يردْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيء مخصوص في فضْل زيارة قبور الأنبياء، رغم كونهم أفضل خلق الله أجمعين، ومنها: أنَّه خلافُ ما كان عليه الصحابة رضِي الله عنهم كما في قصة عمر بن الخطاب رضِي الله عنه في قصة تعميته قبر نبيِّ الله دانيال على الناس لما علموا مكانه.

[19] انظر هذه الآثار والكلام عليها في كتاب الشيخ رحمه الله "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد".

[20] "الجواب الباهر" ص (71).

[21] "رياض الجنة" ص (300-301).

[22] "رياض الجنة" ص(308).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بحوث ودراسات حول المدينة النبوية والقبر الشريف (1)

مختارات من الشبكة

  • المدينة النبوية: مركز بحوث ودراسات المدينة يقدم مكتبة رقمية وأفلاما مرئية عن تاريخها وحضارتها(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • دليل حول أهم الأخطاء الشائعة في بحوث الخدمة الاجتماعية ورؤية لمعالجتها(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مركز بحوث المدينة المنورة حافظ التراث على مر العصور(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • كناشة البحوث: بحوث حديثية محكمة لمحمد زايد العتيبي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • في أصول البحث ومناهجه: آليات وتأصيل (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المدينة النبوية: من مشاهد هطول الأمطار حول المسجد النبوي(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • بحوث ندوة السلم المدني في السنة النبوية: مقوماته وأبعاده الحضارية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بحوث ندوة: إدارة المال والأعمال في السنة النبوية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بحوث في السيرة النبوية (6)(مقالة - ملفات خاصة)
  • بحوث في السيرة النبوية (5)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب