• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

استيفاء القوامة في تفسير آيات الاحتضار من سورة القيامة

استيفاء القوامة في تفسير آيات الاحتضار من سورة القيامة
عبدالقادر بن محمد بنعمان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/1/2012 ميلادي - 22/2/1433 هجري

الزيارات: 39780

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استيفاء القوامة في تفسير آيات الاحتضار من سورة القيامة

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

الحمد لله الذي أعطى ومنع؛ وخفض ورفع؛ وضر ونفع؛ وفعل ما شاء وصنع، سبحانه جلّ وارتفع؛ وذلّ لعزه كل مخلوق وخضع؛ وسبّح بحمده كل شيء وركع، لا إله إلاّ هو، سميع بصير؛ عليم قدير؛ لا شبيه له ولا نظير؛ ولا معين ولا مشير ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

 

والصلاة والسلام على النبي الأمي البشير النذير، وعلى آله وصحبه أولي الشرف والتقدير، وعلى التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم يلقى الموحدون الجزاء والفضل الكبير؛ ويصلى الكفار نار السعير.

 

أما بعد:

فهذا بحث بسيط مفصل؛ مُوسّع مرسل؛ في تفسير آيات خمس من آي الكتاب الحكيم تفسيرا دقيقا؛ وتنقيحا عميقا؛ وذلك حسب جهد المقل؛ وتمحيص الغافل قليل العلم والعمل؛ الذي يتشرف بمشاركة إخوانه القائمين على الموقع بهذه البضاعة القليلة الزهيدة.

 

سميت هذا البحث المتواضع في حجمه؛ والواسع في معانيه ومسائله: ((استيفاء القوامة في تفسير آيات الاحتضار من سورة القيامة))؛ وهي خمس آيات من قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ [القيامة: 26]....حتى... ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 30].

 

وقسمت هذا البحث إلى فصلين اثنين في كل فصل ثلاثة مباحث:

الفصل الأول: تفسير الآيات.

المبحث الأول: تفسير الآيات من الآثار وأقوال المفسرين.

المبحث الثاني: إعراب الآية السادسة والعشرين وهي محل الفائدة المنشودة.

المبحث الثالث: درء تعارض حلول الجمع محل المثنى في كلمة ((التراقي)).

 

الفصل الثاني: فوائد من تفسير الآيات.

المبحث الأول: فائدة طبية عن عظم التَّرقوة.

المبحث الثاني: فرائد لغوية من تفسير الآيات.

المبحث الثالث: فوائد شرعية من تفسير الآيات المعنية.

وفي الأخير خاتمة.

 

كما رأيت أن بعض المواضع من إشارات وعبارات المفسرين الأفذاذ تحتاج إلى شرح وتبيان، وذلك لهشاشة الأركان وضعف البنيان في لغة أهل هذا الزمان؛ فجعلت لتلكم المواضع شرحا بين عارضتين، لذا فما كان في هذا البحث بين عارضتين فليس من أقوال المفسرين بل هو مجرد توضيح لما قد يستشكل على البعض.

 

هذا والله المسؤول أن يجعل هذا العمل في ميزان الحسنات؛ وأن يغفر لنا الخطايا والزلات؛ وأن يجزي إخواننا في موقع الألوكة خير الجزاء في المحيا والممات؛ وأن يرفع لهم الدرجات جرّاء تشجيعهم وخدمتهم لدين واهب الصِّلات؛ ورب الأرض والسموات، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.

 

كما لا أنسى أن أشكر القائمين على إدارة الموقع على ما يقدمونه للناس من خدمات قيمة في مجال الدين والأدب؛ مع حرصهم على الجودة وإتقان الصنعة؛ وأشكر لهم اهتمامهم بأخبار وأحوال المسلمين في شتى بقاع الأرض((فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا))، و((مثل المسلمين في توادهم؛ وتراحمهم؛ كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).

 

هذا وما كان مني من حسن إشارة؛ أو عذب عبارة أو إتقان؛ فبفضل الواحد الديان؛ وما كان مني من زلل أو خلل أو نسيان؛ فمن نفسي ومن الشيطان؛ والله ورسوله منه بريئان؛ وصلى الله وسلم على سيد ولد عدنان؛ وعلى صحابة الرضوان؛ وعلى التابعين ومن اتبعهم بإحسان.

كتبه أخوكم الداعي لكم بالخير
عبد القادر بن محمد بنعمان

 

استيفاء القوامة

في تفسير آيات الاحتضار من سورة القيامة

الفصل الأول: تفسير الآيات

المبحث الأول: تفسير الآيات من الآثار وأقوال المفسرين

المبحث الثاني: إعراب الآية السادسة والعشرين وهي محل الفائدة المنشودة

المبحث الثالث: درء تعارض حلول الجمع محل المثنى في كلمة ((التراقي))

 

قال الله سبحانه وتعالى في الذكر الحكيم:

﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 26 - 30].

 

المبحث الأول: تفسير الآيات من الآثار وأقوال المفسرين:

قال جل شانه وتعالى عزه وسلطانه: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ [القيامة: 26]:

 

قال إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:" يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها.-أي هناك يوقن أنه لا محالة هالك-

 

وقال ابن زيد في قول الله: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ [القيامة: 26] قال: التراقي: نفسه.

"الطبري، تفسير الطبري، تحقيق محمود شاكر، دار الرسالة ط1 1420-2000 ج24 ص75".

 

وقال أبو الفداء إسماعيل بن كثير: " يخبر تعالى عن حالة الاحتضار؛ وما عنده من الأهوال فقال تعالى: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ [القيامة: 26] إن جعلنا ﴿ كَلا ﴾ رداعة فمعناها: لست يا ابن آدم تُكذِّب هناك بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا. وإن جعلناها بمعنى(حقّا) فظاهر، أي: حقا إذا بلغت التراقي، أي: انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع تَرقوة، وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق، كقوله: ﴿ فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ الواقعة: 83 -87 ]. وهكذا قال هاهنا: ﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾. والتراقي: جمع تَرقوة، وهي قريبة من الحلقوم."

 

"ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي سلامة، دار طيبة ط2 1999 ج8 ص281".

قال الإمام القرطبي المالكي: "قيل: "كلا" معناه حقا، أي حقا أن المساق إلى الله "إذا بلغت التراقي" أي إذا ارتقت النفس إلى التراقي.

 

وكان ابن عباس يقول: إذا بلغت نفس الكافر التراقي.

والتراقي جمع تَرقوة وهي العظام المكتنفة لنُقْرة النحر، وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر، موضع الحشرجة، قال دريد بن الصمة:

ورب عظيمة دافعت عنهم ♦♦♦ وقد بلغت نفوسهم التراقي

 

وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت."

"القرطبي، تفسير القرطبي،تحقيق أحمد البردوني ج19 ص111".

 

قال شهاب الدين بن عبد الله الألوسي:" ﴿ كَلاَّ ﴾ ردع عن إيثار العاجلة على الآخرة كأنه قيل ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي تنقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة ﴿ إِذَا بَلَغَتِ ﴾ أي النفس أو الروح الدال على سياق الكلام كما في قول حاتم:

أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى ♦♦♦ إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

" الألوسي، روح المعاني".

 

قال العلامة الواعظ أبو الفرج بن الجوزي في زاد المسير:" قوله تعالى: ﴿ كَلاَّ ﴾ قال الزجاج: ((كلا)) ردع وتنبيه. المعنى: ارتَدِعوا عما يؤدِّي إلى العذاب. وقال غيره: معنى ((كلا)): لا يُؤْمِنُ الكافر بهذا.

 

قوله تعالى: ﴿ إِذَا بَلَغَتِ ﴾ يعني: النفس. وهذه كناية عن غير مذكور. و((التراقي)) العظام المكتنفة لنُقْرَة النَّحر عن يمين وشمال. وواحدة التراقي: تَرْقوة، ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت."-أي على شفى حفرة الموت؛ أو المشارفة على الموت والقرب منه. "ابن الجوزي، زاد المسير".

 

قال فخر الدين الرازي:" قوله تعالى: ﴿ كَلاَّ ﴾ قال الزجاج: كلا ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: لما عرفتم صفة سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء في الآخرة، وعلمتم أنه لا نسبة لها إلى الدنيا، فارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين، وقال آخرون: ﴿ كَلاَّ ﴾ أي حقاً إذا بلغت التراقي كان كذا وكذا، والمقصود أنه لما بيّن تعظيم أحوال الآخرة بيّن أن الدنيا لا بد فيها من الانتهاء والنفاد والوصول إلى تجرع مرارة الموت. وقال مقاتل: ﴿ كَلاَّ ﴾ أي لا يؤمن الكافر بما ذكر من أمر القيامة ولكنه لا يمكنه أن يدفع أنه لا بد من الموت، ومن تجرع آلامها، وتحمل آفاتها.

 

ثم إنه تعالى وصف تلك الحالة التي تفارق الروح فيها الجسد فقال: ﴿ إِذَا بَلَغَتِ التراقى ﴾ وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: المراد إذا بلغت النفس أو الروح، أخبر عما لم يجر له ذكر لعلم المخاطب بذلك، كقوله: ﴿ إِناّ أَنْزَلْنَاهُ فِي ليْلَةِ القَدْرِ ﴾ [القدر: 1] وهاء "أنزلناه" تعود على القرآن ولم يذكر القرآن لعلم المخاطب به- والتراقي جمع تَرقوة. وهي عظم وصل بين ثغرة النحر، والعاتق من الجانبين.

 

واعلم أنه يُكَنَّى ببلوغ النفس التراقي عن القرب من الموت، ومنه قول دريد بن الصمة:

ورب عظيمة دافعت عنها ♦♦♦ وقد بلغت نفوسهم التراقي

 

ونظيره قوله تعالى: ﴿ فلولا إذا بَلَغَتِ الحلقوم ﴾ [الواقعة: 83].

 

المسألة الثانية: قال بعض الطاعنين: إن النفس إنما تصل إلى التراقي بعد مفارقتها عن القلب ومتى فارقت النفس القلب حصل الموت لا محالة، والآية تدل على أن عند بلوغها التراقي، تبقى الحياة حتى يقال فيه: من راق، وحتى تلتف الساق بالساق والجواب: المراد من قوله: ﴿ حتى إِذَا بَلَغَتِ التراقى ﴾ أي إذا حصل القرب من تلك الحالة."انتهى "الرازي، مفاتيح الغيب".

وقال سبحانه ﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾.

 

قال الإمام الطبري حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) يقول تعالى ذكره: وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا.

 

وقال آخرون: بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض، يقول بعضهم لبعض: من يَرقى بنفسه فيصعد بها.

 

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا - اختصار لكلمة حدثنا- معاذ بن هشام، قال: ثني-اختصارا لكلمة حدثني- أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس ﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ قال: إذا بلغت نفسه يُرقى بها، قالت الملائكة: من يصعد بها، ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؟

 

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، في قوله: ﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ قال: بلغني عن أبي قلابة قال: هل من طبيب؟ قال: وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال: قالت الملائكة بعضهم لبعض: من يرقَى: ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب ؟"

 

"الطبري، تفسير الطبري، تحقيق محمود شاكر، دار الرسالة ط1 1420-2000 ج24ص75-76".

 

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي:" قوله تعالى: (وقيل من راق) اختلف فيه، فقيل: هو من الرقية، عن ابن عباس وعكرمة وغيرهما.

 

روى سماك عن عكرمة قال: من راق يرقي: أي يشفي.

 

وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس: أي هل من طبيب يشفيه، وقاله أبو قلابة وقتادة، وقال الشاعر:

هل للفتى من بنات الدهر من واق ♦♦♦ أم هل له من حمام الموت من راق

 

وعن ابن عباس أيضا وأبي الجوزاء أنه من رقي يرقى: إذا صعد، والمعنى: من يرقى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقيل: إن ملك الموت يقول من راق؟ أي من يرقى بهذه النفس، وذلك أن نفس الكافر تكره الملائكة قربها، فيقول ملك الموت: يا فلان اصعد بها." "القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج19 ص111-112".

 

قال الشيخ السعدي: "﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ أي: من يرقيه من الرقية لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فلم يبق إلا الأسباب الإلهية. ولكن القضاء والقدر، إذا حتم وجاء فلا مرد له."

 

"عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم المنان، تحقيق عبد الرحمن اللويحق، دار الرسالة ط1 1420-2000 ص900".

 

قال ابن الجوزي: "﴿ وقيل مَنْ راق ﴾ فيه قولان:

أحدهما: أنه قول الملائكة بعضهم لبعض: من يرقى روحه، ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؟ رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية، ومقاتل.

والثاني: أنه قول أهله: هل مِنْ رَاقٍ يَرْقيه بالرُّقى؟ وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال عكرمة، والضحاك، وأبو قلابة وقتادة، وابن زيد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج." "ابن الجوزي، زاد المسير".

 

﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾

قال الإمام الطبري في تفسيره:" وقوله: ﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾ يقول تعالى ذكره: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل؛ والمال؛ والولد.

 

وبنحو الذي قلنا في ذاك قال أهل التأويل.

 

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾ أي: استيقن أنه الفراق.

 

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾ قال: ليس أحد من خلق الله يدفع الموت، ولا ينكره، ولكن لا يدري يموت من ذلك المرض أو من غيره؟ فالظنّ كما هاهنا هذا.

 

"الطبري، تفسير الطبري، تحقيق محمود شاكر، دار الرسالة ط1 1420-2000 ج24ص76".

 

قال الإمام القرطبي: قوله تعالى: "وظن أي أيقن الإنسان " أنه الفراق " أي فراق الدنيا والأهل والمال والولد، وذلك حين عاين الملائكة.

 

قال الشاعر:

فراق ليس يشبهه فراق ♦♦♦ قد انقطع الرجاء عن التلاق

 

"القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج19 ص112".

 

قال الفخر الرازي: "قال المفسرون: المراد أنه أيقن بمفارقته الدنيا، ولعله إنما سمى اليقين ههنا بالظن، لأن الإنسان ما دام يبقى روحه متعلقاً ببدنه، فإنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة على ما قال: ﴿ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة ﴾ [ القيامة: 20] ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاء الحياة." "الرازي، مفاتيح الغيب".

 

ومن أجمل ما قيل في تفسير الظن في قوله سبحانه: ﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾ قول العلامة الجزائري عبد الرحمن الثعالبي في تفسيره الموسوم بالجواهر الحسان في تفسير القرآن:" وظن أنه الفراق أي" أيقن" وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة "الظن". "عبد الرحمن الثعالبي، الجواهر الحسان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بيروت-، ج4 ص368".

 

﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة:"عن ابن عباس في قوله: ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ قال: التفت عليه شدة الدنيا والآخرة. وكذا قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ يقول: آخر يوم في الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله.

 

وقال عكرمة: ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ الأمر العظيم بالأمر العظيم. وقال مجاهد: بلاء ببلاء. وقال الحسن البصري في قوله: ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ هما ساقاك إذا التفتا.وفي رواية عنه: ماتت رجلاه فلم تحملاه، وقد كان عليهما جوالا. وكذا قال السدي، عن أبي مالك.

 

وفي رواية عن الحسن: هو لفهما في الكفن. أي الساقان:

وقال الضحاك: ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ اجتمع عليه أمران: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه."

 

"ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي سلامة، دار طيبة ط2 1999 ج8 ص282".

 

قال الإمام القرطبي:" (والتفت الساق بالساق) أي فاتصلت الشدة بالشدة، شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما.

 

وقال الشعبي وغيره: المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب.

وقال قتادة: أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى.

وقال سعيد بن المسيب والحسن أيضا: هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن.

وقال زيد ابن أسلم: التفت ساق الكفن بساق الميت.

وقال الحسن أيضا: ماتت رجلاه ويبست ساقاه فلم تحملاه، ولقد كان عليهما جوالا.

قال النحاس: القول الأول أحسنها.

 

وروى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: "والتفت الساق بالساق" قال: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحمه الله، أي شدة كرب الموت بشدة هول المطلع، والدليل على هذا قوله تعالى: "إلى ربك يومئذ المساق" وقال مجاهد: بلاء ببلاء.

يقول: تتابعت عليه الشدائد.

 

وقال الضحاك وابن زيد: اجتمع عليه أمران شديدان: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه، والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن قال الشاعر: "وقامت الحرب بنا على ساق".

وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة "ن والقلم".

 

وقال قوم: الكافر تعذب روحه عند خروج نفسه، فهذه الساق الأولى-أي المحنة الأولى-، ثم يكون بعدها ساق البعث وشدائده" "القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج19 ص112-113".

 

قال فخر الدين الرازي: "والتفت الساق بالساق" الالتفاف هو الاجتماع، كقوله تعالى: ﴿ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴾ [الإسراء: 104] وفي الساق قولان: القول الأول: أنه الأمر الشديد، قال أهل المعاني: لأن الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقه، فقيل للأمر الشديد: ساق، وتقول العرب: قامت الحرب على ساق، أي اشتدت، قال الجعدي:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ♦♦♦ وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

 

ثم قال: والمراد بقوله: ﴿ والتفت الساق بالساق ﴾ أي التفت شدة مفارقة الدنيا ولذاتها وشدة الذهاب، أو التفت شدة ترك الأهل، وترك الولد، وترك المال، وترك الجاه، وشدة شماتة الأعداء، وغم الأولياء، وبالجملة فالشدائد هناك كثيرة، كشدة الذهاب إلى الآخرة والقدوم على الله، أو التفت شدة ترك الأحباب والأولياء، وشدة الذهاب إلى دار الغربة.

 

والقول الثاني: أن المراد من الساق هذا العضو المخصوص، ثم ذكروا على هذا القول وجوهاً أحدها: قال الشعبي وقتادة: هما ساقاه عند الموت أما رأيته في النزع كيف يضرب بإحدى رجليه على الأخرى والثاني: قال الحسن وسعيد بن المسيب: هما ساقاه إذا التفتا في الكفن والثالث: أنه إذا مات يبست ساقاه، والتصقت إحداهما بالأخرى." "الرازي، مفاتيح الغيب".

 

قال محمود بن عبد الله الألوسي: ﴿ والتفت الساق بالساق ﴾ أي التفت ساقه بساقه والتوت عليها عند الموت كما روي عن الشعبي وقتادة وأبي مالك وقال الحسن وابن المسيب هما ساقا الميت عندما لُفّا في الكفن وقيل المراد بالتفافهما انتهاء أمرهما وما يراد فيهما يعني موتهما وقيل يبسهما بالموت وعدم تحرك إحداهما عن الأخرى حتى كأنهما ملتفتان فهما أول ما يخرج الروح منه فتبردان قبل سائر الأعضاء وتيبسان فالساق بمعناهما الحقيقي وأل فيها عهدية أو عوض عن المضاف إليه وقال ابن عباس والربيع ابن أنس وإسماعيل بن أبي خالد وهو رواية عن الحسن أيضاً التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة واختلطتا ونحوه قول عطاء اجتمع عليه شدة مفارقة المألوف من الوطن والأهل والولد والصديق وشدة القدوم على ربه جل شأنه لا يدري بماذا يقدم عليه. فالساق عبارة عن الشدة وهو مثل في ذلك والتعريف للعهد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك التفت أسْوُقُ حاضريه من الإنس والملائكة هؤلاء يجهزون بدنه إلى القبر وهؤلاء يجهزون روحه إلى السماء فكأنهم للاختلاف في الذهاب والإياب والتردد في الأعمال قد التفت أسْوُقُهُم." "شهاب الدين محمود بن عبد الله الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني".

 

قال السعدي:" ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ أي: اجتمعت الشدائد والتفت، وعظم الأمر وصعب الكرب، وأُريد أن تخرج الروح التي ألفت البدن ولم تزل معه، فتُساق إلى الله تعالى، حتى يجازيها بأعمالها، ويقرّرها بفعالها."

 

"عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم المنان، تحقيق عبد الرحمن اللويحق، دار الرسالة ط1 1420-2000 ص900".

 

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾

قال الإمام الطبري:" قوله: ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ يقول: إلى ربك يا محمد يوم التفاف الساق بالساق مساقه."

 

"الطبري، تفسير الطبري، تحقيق محمود شاكر، دار الرسالة ط1 1420-2000 ج24 ص80".

 

قال ابن كثير:" وقوله: ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ أي: المرجع والمآب، وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات، فيقول الله عز وجل: ردوا عبدي إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. كما ورد في حديث البراء الطويل. وقد قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 61، 62]."

 

قال الإمام القرطبي:"إلى ربك" أي إلى خالقك "يومئذ" أي يوم القيامة "المساق" أي المرجع.

 

وفي بعض التفاسير قال: يسوقه ملكه الذي كان يحفظ عليه السيئات.

 

والمساق: المصدر من ساق يسوق، كالمقال من قال يقول." القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج19ص113

 

المبحث الثاني: إعراب الآية السادسة والعشرين وهي محل الفائدة المنشودة:

الإعراب:

كلاّ: حرف ردع وزجر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهو قول سيبويه والخليل، وقال الزجاج: حرف ردع.

 

وتنبيه؛ ومعلوم أن الزجر والتنبيه متوازيان في المعنى.

 

وممكن أن تكون كلا بمعنى حقّا وهو قول الكسائي، ويرى النضر بن شميل أنها تأتي بمعنى: نعم.

 

قال ابن أم قاسم المرادي:" وركب ابن مالك هذه المذاهب الثلاثة، فجعلها مذهباً واحداً. قال في التسهيل: كلا حرف ردع وزجر، وقد تؤول بحقاً، وتساوي إي-أي نعم كما تقول إي ورب الكعبة بمعنى نعم ورب الكعبة- معنى واستعمالاً"

 

"ابن أم قاسم المرادي، الجنى الداني في حروف المعاني".

 

إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط؛ منصوب بجوابه خافض لشرطه، أو:

 

ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط؛ في محل نصب مفعول به؛ وهو مضاف.

 

بلغت: بلغَ فعل ماض مبني على الفتح؛ وتاء التأنيث مبنية على السكون لا محل لها من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي و"هي" هنا تعود على النفس أو الروح؛ وقد استُغني عن ذكرها لعلم المخاطب بها. وكانت العرب تقول أرسلت عند نزول المطر، فيُضمر الفاعل وهو السماء وذلك لعلم المخاطب به.

 

قال الزمخشري في كشافه:" والضمير في ﴿ بَلَغَتِ ﴾ للنفس وإن لم يجر لها ذكر، لأنّ الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها، كما قال حاتم:

أَمَاوِيَّ مَا يُغْني الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى  ♦♦♦ إذَا حَشْرَجَتْ يَوْماً وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

 

وتقول العرب: أرسلت، يريدون: جاء المطر، ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء." *الزمخشري، الكشاف*

 

قال ابن عادل:" والفاعل في ﴿ بَلَغَتِ ﴾ مضمر، أي: النفس وإن لم يجرِ لها ذكر، كقول حاتم: [الطويل]

أمَاوِيَّ ما يُغنِي الثَّراءُ عن الفَتَى ♦♦♦ إذَا حَشْرجتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

أي: حشرجت النفس.

 

وقيل: في البيت: إن الدال على النفس ذكر جملة ما اشتمل عليها وهو* الفتى* فكذلك هنا ذكر* الإنسان* دال على النفس." "ابن عادل، تفسير اللباب".

 

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير:"وضمير ﴿ بلغت ﴾ راجع إلى غير مذكور في الكلام ولكنه معلوم من فعل ﴿ بلغَتْ ﴾ ومن ذكر ﴿ التراقي ﴾ فإن فعل ﴿ بلغت التراقي ﴾ يدل أنها روح الإنسان. والتقدير: إذا بلغت الروحُ أو النفس. وهذا التقدير يدل عليه الفعل الذي أسند إلى الضمير بحسب عُرف أهل اللسان، ومثله قول حاتم الطائي:

أمَاوِيَّ ما يغني الثَّراء عن الفتى ♦♦♦ إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاق بهَا الصدر

 

أي إذا حشرجت النفس. ومن هذا الباب قول العرب ((أرْسَلَتْ)) يريدون: أرسلت السماء المطر، ويجوز أن يقدر في الآية ما يدل عليه الواقع." "ابن عاشور، التحرير والتنوير".

 

والأصل السكون على تاء بلغت وقلب السكون خفضا للاتقاء الساكنين.

 

التراقيَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

 

التراقي جمع تكسير مفرده تَرقوة، ومعلوم أن جمع التكسير ينصب بالفتحة بخلاف جمع المذكر السالم الذي ينصب ويُجر بالياء وجمع المؤنث السالم الذي ينصب ويجر بالكسرة.

 

و التراقي جمع تَرْقُوَة مثل عَرْقُوَة وشاع اللحن فيها بجعلهم مفردها تُرقُوة بضم أولها وهو خطأ، فالصحيح تَرقوة على وزن فَعْلُوة لا على وزن تَفْعِلة.

 

وبعدما تبين من الإعراب أن التراقي جمع تكسير لكلمة ترقوة منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره؛ وقع إشكال وغموض ألا وهو أن لكل إنسان تَرقوتان ثِنْتَان فلماذا قال الله-جل علاه-: ﴿ كَلاّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ ولم يقل: ﴿ كَلاّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرقوتان ﴾؟

 

هذا هو محل الفائدة المقصودة؛ والدرة المنشودة، وقد أفردت لهذه المسألة مبحثا خاصا وهو المبحث التالي.

 

المبحث الثالث: درء تعارض حلول الجمع محل المثنى في كلمة ((التراقي)):

﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾: عُلم مما مضى أن التراقي جمعٌ وواحده تَرقوة، وهي العظمة الناتئة إلى الأمام بين ثغرة النحر والعاتق، ولكل إنسان تَرْقُوتان اثنتان، فلماذا جاءت هذه الكلمة في الآية بصيغة الجمع لا بصيغة المثنى؟

 

ولماذا قال الله تعالى ﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ ولم يقل ﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرقوتان ﴾؟

الجواب:

قد يظن البعض أن معنى قوله تعالى ﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾: كلا إذا بلغت الروح العظمين اللذين بين ثغرة النحر والعاتق، فيجد أنهما عظمان اثنان فيستشكل عليه الأمر والجواب على هذا الأمر سهل ميسور من عدة أوجه:

 

الوجه الأول:

جواز إيراد الجمع مكان المثنى، وهذا معروف في لغة العرب، فهو عندهم مألوف ليس بعجب، وهو موجود في القرآن في غير موضع قال الزجاج:" ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنية:

 

فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾ وأجمعوا، غير ابن عباس، أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، خلافا له، فإنه لا يحجب إلا بوجود ثلاثة إخوة ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ أي يديهما ومن ذلك قوله: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾، أي قلباكما مثل هذا لا يجوز فيه الإفراد استغناء بالمضاف إليه، وتجوز فيه التثنية اعتبارا بالحقيقة، ويجوز فيه الجمع اعتبارا بالمعنى، لأن الجمع ضم نظير إلى نظير كالتثنية"

 

وقال أيضا -رحمه الله-: "فأما قوله تعالى: ﴿ فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ﴾ فقيل هو من هذا الباب، لقوله: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴾، فعبر عن التثنية بالجمع ومعنى رب المشرقين ورب المغربين، قيل المشرقان الشتاء والصيف، وكذا المغربان عن ابن عباس وقيل مشرق الشمس والفجر، ومغرب الشمس والشفق قوله يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين قيل معناه بعد المشرق والمغرب فهذا كالقمرين-الشمس والقمر- والعمرين-أبو بكر وعمر وقيل عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص- وقيل مشرق الشتاء والصيف" "الزجاج، إعراب القرآن".

 

قال ابن عادل:" و((التراقي)): جمع ((ترقوة))، أصلها: ((تراقو)) قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها.

والترقوة: أحد عظام الصدر. قاله أبو حيان، والمعروف غير ذلك.

قال الزمخشري: ولكل إنسان ترقوتان، فعلى هذا يكون من باب: غليظ الحواجب وعريض المناكب.

وقال القرطبي: ((هي العظام المكتنفة لنُقْرة النحر، وهو مقدم الدّلق من أعلى الصدر، وهو موضع الحَشْرجة)).

 

قال دريدُ بن الصمَّةِ: [الوافر]:

ورُبَّ عَظِيمةٍ دَافعْتُ عَنْهَا ♦♦♦ وقَدْ بَلغَتْ نُفوسُهُمُ التَّراقِي

 

وقال الراغب: ((التَّرْقُوة)): عظم وصل ما بين نُقرة النحر والعاتق انتهى." "ابن عادل، تفسير اللباب".

 

والشاهد من هذا الكلام النفيس قول الزمخشري:" ولكل إنسان ترقوتان، فعلى هذا يكون من باب: غليظ الحواجب وعريض المناكب" أي أن لكل إنسان ترقوتان وحل الجمع محل المثنى هنا كما حل جمع حاجب وهو حواجب محل الحاجبين وكذلك هو الأمر في المناكب التي استعملت بلفظ الجمع وسياق الكلام يحملها على المثنى.

 

الوجه الثاني:

لانتظام نظم القرآن، وبقاء حلاوته، وطلاوته وبلاغته. فلو جاء في الآية –كلا إذا بلغت التَرقوتان-لكانت الجملة هشة البنيان؛ سمجة على الطبع؛ ثقيلة على اللسان، ولزالت الصبغة الجمالية في الآية ولأفل بدرها وخبا نورها، لكن اللفظ الذي جاءت عليه لفظ معجز من لدن حكيم خبير.

 

قال ابن عاشور: "و﴿ التراقي ﴾: جمع تَرْقُوة (بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو مخففة وهاء تأنيث) وهي ثُغرة النحر، ولكل إنسان ترقوتان عن يمينه وعن شماله.

 

فالجمع هنا مستعمل في التثنية لقصد تخفيف اللفظ وقد أُمِن اللبس، لأن في تثنية ترقوة شيئاً من الثقل لا يناسب أفصح كلام، وهذا مِثل ما جاء في قوله تعالى: ﴿ فقد صغت قلوبكما ﴾ في سورة [التحريم: 4]." "ابن عاشور، التحرير والتنوير".

 

الوجه الثالث:

هو أن الجمع هنا باعتبار الأفراد؛ فالمقصود بالآية ﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ أي إذا بلغت أرواح العباد موضع التراقي، نعم لكل عبد ترقوتان؛ ولكن إذا اعتبرنا أن سياق الكلام يشير إلى العباد جميعهم كان لزاما أن نجمع الترقوة فتصير تراقٍ، وهذا القول قوي يدعمه كون فاعل بَلَغَت هو الروح أو النفس؛ وكل منهما اسم جنس قال أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي:" و﴿ بَلَغَتِ ﴾ يريد: النفس و﴿ التراقى ﴾ جمع تَرْقُوَةٍ، وهي عظام أعلى الصدر، ولكل أحد تَرْقُوَتَانِ، لكن جُمِعَ من حيثُ أَنَّ النفس المرادةَ اسمُ جنس" "عبد الرحمن بن مخلوف الثعالبي، الجواهر الحسان".

 

قال حقي في تفسيره:" ﴿ التراقى ﴾ جمع ترقوة بفتح التاء والواو وسكون الراء وضم القاف قال في القاموس الترقوة ولا تضم تاؤه العظم بين ثغرة النحر والعاتق انتهى.

 

والعاتق موضع الرداء من المنكب، قال بعضهم لكل احد ترقوتان ولكن جمع التراقى باعتبار الأفراد" "حقي، تفسير حقي".

 

الوجه الرابع:

أنه جاء الجمع في كلمة "التراقي" للتعبير عن شدة السكرة، وعظم الحسرة، إذ تجتمع الروح من كامل الجسد إلى موضع الترقوتين، وموضع الحشرجة قال إبراهيم بن عمر البقاعي:" ﴿ التراقي ﴾ أي عظام أعالي الصدر، جمع ترقوة وهي العظام التي حول الحلقوم عن يمين ثغرة النحر وشمالها بين الثغرة وبين العاتق، ولكل إنسان ترقوتان، وهو موضع الحشرجة، لعله جمع المثنى إشارة إلى شدة انتشارها بغاية الجهد لما هي فيه من الكرب لاجتماعها من أقاصي البدن إلى هناك وضيق المجال عليها كأنها تريد أن تخرج من أدنى موضع يقرب منها، وهذا كناية عن الإشفاء على الموت وما أحسن قول حاتم الطائي وأشد التئامه مع ما هنا من أمر الروح:

أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى ♦♦♦ إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

 

"البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور".

 

الفصل الثاني: فوائد من تفسير الآيات.

المبحث الأول: فائدة طبية عن عظم التَّرقوة.

المبحث الثاني: فرائد لغوية من تفسير الآيات.

المبحث الثالث: فوائد شرعية من تفسير الآيات المعنية.

 

المبحث الأول: فائدة طبية عن عظم التَّرقوة:

عظم الترقوة عظم زوجي العدد واحد عن اليمين وآخر عن الشمال،معقوف بشكل حرف السين الإيطالية"- s-italique"

 

غير متناظر، يرتبط من طرفه الداخلي مع عظم الجؤجؤ "sternum"، ويرتبط من طرفه الخارجي مع لوح عظم الكتف"omoplate"، وهو يتكون من:وجهين؛ وطرفين؛ وحافتين.

 

يشكل عظم الترقوة مع لوح عظم الكتف ما يسمى بحزام الكتف "ceinture scapulaire"، حيث يشكل عظم الترقوة الجزء الأمامي من هذا الحزام.

 

موضعه في الجسم:

يقع عظم الترقوة فوق أول عظم ناتئ من عظام القفص الصدري، موازيا لنقرة النحر والحلقوم لهذا قال بعض العلماء أن قوله عز وجل: ﴿ كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾ هو معنى قوله سبحانه ﴿ كَلا إذا بلغت الحلقوم ﴾ فقال بعض أهل العلم أن التراقي موارية للحلقوم، وذلك لأنهما يقعان في نفس مستوى العلو من جسم الإنسان.

 

قال الكواكبي الجزائري: "والتراقي هي موارية للحلاقيم، فالأمر كله كناية عن حال الحَشْرَجَةِ ونزع الموت يَسَّرَهُ اللَّه علينا بِمَنِّهِ، وجعله لنا راحةً من كل شَرٍّ " "عبد الرحمن الكواكبي، الجواهر الحسان".

 

مكوناته:

يتكون عظم الترقوة من: وجهين: علوي وسفلي.

حافتين: أمامية وخلفية.

طرفين: داخلي وخارجي.

 

الوجه العلوي:

1-سطح الوصلة المتصلة بلوح عظم الكتف.

2-سطح الوصلة المتصلة بالجؤجؤ.

3-العضلة الدالتية.

4-العضلة الشبه منحرفية.

5-العضلة الصدرية الكبرى.

6-غلاف عضلي ضام

 

الوجه السفلي:

1-الحاشية الشبه منحرفية والرباط الشبه منحرف.

2-الدرنة المخروطية والرباط المخروطي.

3-أخدود العضلة الفوق ترقوية.

4-الرباط الترقو-صدري.

 

الحافة الأمامية:

هي مقعرة في جزئها الجانبي الداخلي؛ ومتصلة بالعضلة الصدرية الكبرى، محدبة في جزئها الجانبي الخارجي، ومتصلة بالعضلة الدالتية -muscle.deltoid

 

الحافة الخلفية:

مقعرة في جزئها الجانبي الداخلي؛ ومتصلة بالعضلة الستيرنو-كلييدو-ماستوييديان.

 

محدبة في جزئها الجانبي الخارجي، ومتصلة بالعضلة الشبه منحرفية.

 

 

 

المبحث الثاني: فرائد لغوية من تفسير الآيات:

الفائدة الأولى: أن كلا تستعمل في الغالب للردع والزجر، قال صاحب المفصل في صنعة الإعراب:" كلا. قال سيبويه: هو ردع وزجر. وقال الزجاج كلا ردع وتنبيه، وذلك قولك: كلا لمن قال شيئاً تنكره نحو فلان يبغضك وشبهه أي ارتدع عن هذا وتنبه عن الخطأ فيه. قال الله تعالى بعد قوله: " ربي أهانني كلا ". أي ليس الأمر كذلك لأنه قد يوسع في الدنيا على من لا يكرمه من الكفار وقد يضيق على الأنبياء والصالحين للاستصلاح." "الزمخشري، المفصل في صنعة الإعراب".

 

وتستعمل كلا أحيانا بمعنى حقا و: إي أو نعم.

وكان ابن هشام صاحب مغني اللبيب يرى أنها تأتي في الغالب للردع، وإلا فإنها تكون استفتاحية.

 

الفائدة الثانية: يمكن ترك ذكر المعمول أو الفاعل في الجملة لعلم المخاطب به؛ كقوله تعالى ﴿ إنا أنزلناه في ليلة مباركة ﴾: أي القرآن الكريم، وهذا أمر معروف في لغة العرب الأقحاح إذ كانوا يقولون عند سقوط المطر:أرسلت ولا يذكرون السماء لعلم السامع بقصد المتكلم.

 

الفائدة الثالثة: التراقي جمع تَرقوة وضم أولها لحن بين.

 

وتَرقوة على وزن فعلوة لا على وزن تفعلة قال ابن عادل: "وقال الراغب: ((التَّرْقُوة)): عظم وصل ما بين نُقرة النحر والعاتق انتهى.

وقال الزمخشري: العظام المكتنفة لنقرة النحر عن يمين وشمال. ووزنها: ((فَعْلُوة)) فالتاء أصل والواو زائدة، يدل عليه إدخال أهل اللغة إياها في مادة ((ترق)).

 

وقال أبو البقاء والفراء: جمع تَرْقُوَة، وهي ((فَعْلُوة))، وليست ب ((تَفْعلَة))، إذ ليس في الكلام ((رقو))." "ابن عادل، تفسير اللباب".

 

الفائدة الرابعة: راقٍ تحمل في لغة العرب على وجهين:

الأول: أنه الراقي أو الطبيب.

الثاني: أنه من يرتقي ويرتفع، وحملها المفسرون في سورة القيامة على أنها الملائكة التي ترتقي بروح الإنسان.

 

الفائدة الخامسة: من كمال بلاغة كلام الملك العلام أن سمى اليقين فيما لم يقع بعد ظنّا عند إيقان المحتضر بالموت والحساب رغم أنه لم يمت؛ ولم تفارق الروح الجسد بالكلية بل بلغت موضع الحشرجة والتراقي؛ وذلك في قوله سبحانه ﴿ وظن أنه الفراق ﴾.

 

الفائدة السادسة: يقال للأمر الشديد"ساق" في لغة العرب؛ وذلك لأن الإنسان إذا أصابته شدة شمر لها عن ساقه جاء في لسان العرب لابن منظور:"وفي حديث القيامة ﴿ يَكْشِفُ عن ساقِه ﴾ الساقُ في اللغة الأمر الشديد وكَشْفُه مَثَلٌ في شدة الأمر كما يقال للشحيح يدُه مغلولة ولا يدَ ثَمَّ ولا غُلَّ وإنما هو مَثَلٌ في شدّة البخل وكذلك هذا لا ساقَ هناك ولا كَشْف وأَصله أَن الإنسان إذا وقع في أمر شديد يقال شمَّر ساعِدَه وكشفَ عن ساقِه للاهتمام بذلك الأمر العظيم قال ابن سيده في قوله تعالى يوم يُكشَف عن ساقٍ إنما يريد به شدة الأمر كقولهم قامت الحربُ على ساق ولسنا ندفع مع ذلك أَنَ الساق إذا أُريدت بها الشدة فإنما هي مشبَّهة بالساق هي التي تعلو القدم وأَنه إنما قيل ذلك لأن الساقَ هذه الحاملة للجُمْلة والمُنْهِضَةُ لها فذُكِرت هنا لذلك تشبيهاً وتشنيعاً وعلى هذا بيت الحماسة لجدّ طرفة:

كَشَفَتْ لهم عن ساقِها ♦♦♦ وبدا من الشرَّ الصُّراحْ

 

وقد يكون يُكْشَفُ عن ساقٍ لأن الناس يَكِشفون عن ساقِهم ويُشَمِّرون للهرب عند شدَّة الأَمر ويقال للأَمر الشديد ساقٌ لأن الإنسان إذا دَهَمَتْه شِدّة شَمّر لها عن ساقَيْه ثم قيل للأَمر الشديد ساقٌ ومنه قول دريد:

كَمِيش الإزار خارِجِ نصْفُ ساقِه

 

أَراد أَنه مشمر جادٌّ ولم يرد خروج الساق بعينها ومنه قولهم ساوَقَه أي: فاخَره أَيُّهم أَشدّ." "ابن منظور، لسان العرب مرفقا بحواشي اليازجي وجماعة من اللغويين، دار صادر-بيروت- ط1".

 

قال محمد الحسيني الملقب بمرتضى الزبيدي:" وقولُه تعالَى: ﴿ التَفَّتِ السّاقُ بالسّاقِ ﴾ أَي: التَفَّ آخِرُ شِدة الدنيا بأولِ شِدةِ الآخِرَةِ وقِيلَ: التَفتْ ساقُه بالأخرَى إِذا لُفُّتا بالكَفَنِ

 

وقالَ ابنُ الانْباريّ: يَذْكُرُونَ السّاقَ إذا أَرادوا شِدًّةَ الأمرِ والإخْبارَ عن هَوْلِهِ" "مرتضى الزبيدي، تاج العروس".

 

المبحث الثالث: فوائد شرعية من تفسير الآيات المعنية:

الفائدة الأولى: أن الروح تفارق الجسد عند الموت قال ابن القيم في كتابه الروح "قال محمد بن إسحاق الصغانى حدثنا يحيى بن أبى بكير حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبى ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبى هريرة عن النبي قال إن الميت إذا خرجت نفسه يعرج بها إلى السماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل وإذا كان الرجل السوء يعرج بها إلى السماء فانه لا يفتح لها أبواب السماء فترسل من السماء فتصير إلى القبر وهذا إسناد لا تسأل عن صحته وهو في مسنده أحمد وغيره وقال أبو داود الطيالسى حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبى وائل عن موسى الأشعري قال تخرج روح المؤمن أطيب من ريح المسك فتنطلق بها الملائكة من دون السماء فيقولون ما هذا فيقولون هذا فلان ابن فلان كان يعمل كيت وكيت لمحاسن عمله فيقولون مرحبا بكم وبه فيقبضونها منهم فيصعد بها من الباب الذي كأن يصعد منه عمله فتشرق في السموات ولها برهان برهان كبرهان الشمس حتى ينتهي إلى العرش وأما الكافر فإذا قبض انطلق بروحه فيقولون ما هذا فيقولون هذا فلان ابن فلان كان يعمل كيت وكيت لمساوئ عمله فيقولون لا مرحبا لا مرحبا ردوه فيرد إلى أسفل الأرض إلى الثرى." "أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الملقب بابن القيم، الروح، دار الكتب العلمية ط سنة 1975".

 

وجاء في تذكرة العلامة القرطبي:" باب منه في خروج نفس المؤمن والكافر:

خرج أبو نعيم [من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نفس المؤمن تخرج رشحا وإن نفس الكافر تسل كما تسل نفس الحمار وإن المؤمن ليعمل الخطيئة فيشدد عليه عند الموت ليكفر بها عنه وإن الكافر ليعمل الحسنة فيسهل عليه عند الموت ليجزى بها]." "القرطبي، التذكرة".

 

الفائدة الثانية: أن الروح ترقى إلى السماء بعد مفارقتها للجسد؛ فقد فسر الكثير من المفسرين قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وقيل من راق ﴾ أنه من قول الملائكة التي ترتقي بروح الإنسان إلى السماء روى الإمام البيهقي عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فما يزال يقال له ذلك حتى تخرج فيعرج بها حتى ينتهي بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال فلان بن فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أدخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء أظنه أراد السماء السابعة قال وإذا كان الرجل السوء قالوا أخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا يزال يقال له ذلك حتى تخرج فيُنتهى بها إلى السماء فيقال من هذا فيقال فلان بن فلان فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لا تفتح لك أبواب السماء فترسل إلى الأرض ثم تصير إلى القبر." "أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، إثبات عذاب القبر".

 

الفائدة الثالثة: أن شدة السكرة؛ وعظم النزع أمر مهول؛ وخطب جلل، فقد سماه الله بالساق، وذلك لشدة سكرات الموت، واجتماعها مع حسرات الفوت.قال الإمام القرطبي في تذكرته البديعة الرفيعة:

 

"باب ما جاء أن للموت سكرات وفي تسليم الأعضاء بعضها على بعض وفيما يصير الإنسان إليه:

وصف الله سبحانه وتعالى شدة الموت في أربع آيات:

الأولى: قوله الحق: ﴿ وجاءت سكرة الموت بالحق ﴾.

الثانية: قوله تعالى: ﴿ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ﴾.

الثالثة: قوله تعالى: ﴿ فلولا إذا بلغت الحلقوم ﴾.

الرابعة: ﴿ كلا إذا بلغت التراقي ﴾.

 

روى البخاري عن [عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إله إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يديه فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده].

 

وخرج الترمذي عنها قالت: [ما أغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم].

 

وفي البخاري عنها قالت: [مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم] الحاقنة: المطمئن بين الترقوة والحلق والذاقنة: نقره الذقن وقال الخطابي: الذاقنة: ما تناوله الذقن من الصدر.

 

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده [عن جابر بن عبد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحدثوا عن بني إسرائيل فإنه كانت فيهم أعاجيب] ثم أنشأ يحدثنا قال: [خرجت طائفة منهم فأتوا على مقبرة من مقابرهم فقالوا لو صلينا ركعتين ودعونا الله يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت قال: ففعلوا فبينما هم كذلك إذا طلع رجل رأسه بيضاء أسود اللون خلا شيء بين عينيه أثر السجود فقال يا هؤلاء ما أردتم إلي؟ لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن فادعوا الله أن يعيدني كما كنت].

 

وروى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة قال: [حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليعالج كرب الموت وسكرات الموت وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول: عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة]." "القرطبي،التذكرة، تحقيق محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية –بيروت- ط2 ج1 ص18-19".

 

خاتمة:

هذا ما أمكن جمعه، وترتيبه؛ وتشذيبه؛ وتهذيبه؛ وتنميقه؛ وتزويقه في هذا البحث حتى يكون واضح الخطة سديد المنهج؛ معتدل القوام؛ مع الاعتراف بالتقصير والتأخير؛ فقد انصرم الوقت من بين يدي انصراما؛ وتفلت انفلاتا، حتى لم تبق إلا أيام معدودات.

 

لقد حاولت في هذه الصفحات انتقاء التفسير الأيسر والقول الأبين من بين أقوال جهابذة أهل العلم؛ مع الإحاطة بكل جوانب التفسير في كل آية من الآيات الخمس؛ وذلك بالتعرض لجميع أوجه تفسيرها؛ والتعريج على ما قد يستشكل على البعض في تأويلها؛ وكنت فيما مضى أحد الذين تساءلوا عن سبب ورود: ﴿ التراقي ﴾ بصيغة الجمع في الآية رغم أنهما ترقوتان ثنتان في كل إنسان؛ فيسر الكريم المنان أن أبحث في هذا الموضوع اليانع الغض الأفنان؛ فكان نتاج ذلك أن نقبت وانتقيت فكان لي من كل فائدة زوجان؛ ومن كل بستان تفسير وردة أو باقة من شقائق النعمان، كما أضفت إلى البحث بعض المعلومات الطبية من طب هذا الزمان؛ دون بحث معمق في ذلك أو تنقيب متعب للغافل الوسنان، ثم أحببت أن أشارككم ببحثي هذا لعله ينال منكم منزلة الرضا والاستحسان؛ رغم ما فيه من هشاشة بنيان؛ وقلة التركيز والإتقان، فإن أصبت فبفضل وكرم وجود الواحد الديان؛ وإن كنت أخطأت أو أسأت في أيما موضع من هذا البحث أو مكان؛ فرحم الله من نبهنا على ذلك وقوم فينا اعوجاج الأركان؛ وبين لنا السيئة لنبدلها بالإحسان؛ هذا والله الموفق والمستعان.

 

ثم لا يسعني في الأخير إلا أن أشكر القائمين على هذا العمل التحفيزي التشجيعي الأجر الجزيل؛ والثواب العظيم إنه جواد كريم؛ سميع عليم؛ لا إله إلا هو رب السموات والأرض رب العرش العظيم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ظاهرة تسلط النساء على الرجال
  • ذكرى الاحتضار
  • تفسير سورة القيامة كاملة

مختارات من الشبكة

  • استيفاء القصاص(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • اللحظات الحرجة: الاحتضار (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • من أقوال السلف في الموت وأحوالهم عند الاحتضار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ساعة الاحتضار والإشراف على عالم البقاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عند الاحتضار(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عند الاحتضار(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • موقف لعائشة عند الاحتضار: دروس وفوائد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاحتضار وحكم تغسيل الميت والصلاة عليه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ساعة الاحتضار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لحظة الاحتضار وخروج الروح(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب