• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 40 : 44 )

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/7/2011 ميلادي - 18/8/1432 هجري

الزيارات: 36458

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة (8)

[40 : 44]

 

وقوله: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [البقرة: 40] هذا العهد المطلق الذي جاء بلفظ المفرد يراد به جميع العهود، الشرعي منها والفطري، فالعهد الفطري هو التدبر والتروي بآيات الله الكونية ووزن كل شيء بميزان العقل، فإنها شاهدة على الله وعلى كمال قدرته وإحاطة علمه وشمول حكمته وعظيم رحمته، بحيث لا يعذر معها المشرك المعطل عقله وتفكيره، تقليداً للآباء، أو انجرافاً مع تيار الإلحاد أو خضوعاً للبيئة.

 

والعهد الشرعي بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وقد اختص بنو إسرائيل بنصيب كبير من ذلك، فعندهم التوراة من أمهات الكتب السماوية، فيها التوحيد، وفيها التشريعات والحدود، وفيها ذكر العهد على النبيين وأممهم لئن جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ولينصرنه، وفيها ذكر أوصافه تماماً كما تقدم، وفيها وعد الله لهم إذا حققوا الإيمان وأخذوا وحيه بقوة أن يمكنهم من بيت المقدس، ولكنهم نكثوا جميع ذلك، فلهذا يذكرهم الله بهذا العهد المتشعب قائلاً: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ أي: أنجز لكم ما وعدتكم به تحت قيادة هذا النبي الذي تعرفونه في التوراة، ولما كان سبب مخالفتهم لوحي الله ونقضهم عهود الله الخوف والطمع، قال لهم سبحانه: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ أي: لا تخشوا من غيري أبداً لينحصر خوفكم من دون ما سواي، فان الخوف من غيري شرك، والطمع في غير مرضاتي إفلاس من الخير الصحيح.

 

فإن كنتم تخافون فوات بعض المنافع، أو نزول الأضرار بكم إذا خالفتم جماهيركم واتبعتم الوحي، فالأجدر بكم ألا تخافوا ولا ترهبوا إلا ممن بيده أزمَّة الأمور، لا يحصل نفع أو يحل ضرر إلا بأمره وتدبيره، فهو المالك لكل شيء وهو المنعم عليكم بكل شيء، وهو القادر على إنزال أفدح العقوبات بكم إذا استمررتم على ترك شكره وعدم الوفاء بعهده. ولقد كان من المنتظر أن يسارع يهود المدينة إلى الإسلام ويكونوا دعاة لمن وراءهم إليه، لأنهم يعرفون رسول الإسلام، وقد جاءهم بما يعرفون، ولأنهم كانوا يهددون مشركي العرب، كما سيأتي بيانه.

 

ولذا يقول الله لهم: ﴿ وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ﴾ ذلك أن القرآن جاء مصدقاً بالتوراة وأمراً بالإيمان بها، وهذا من أكبر الحوافز لهم على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي أنزل إليه لو كانت صدورهم سليمة ومقاصدهم حسنة، لأنه لو كان على العكس لا يجرح شعورهم وأخذهم الكبر والإعجاب بما أوتوا، لكن لما كان هذا القرآن قد أعطى التوراة وبينها حقمها فالواجب العقلي الوجداني فضلاً عن الديني يوجب عليهم الفرح والمبادرة بالإيمان، لينالوا أجر السبق ومفخرته، ولهذا يوجههم الله إلى ما فيه خيرهم وعزهم، ويحذرهم من انعكاس الأمر قائلاً: ﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ لأن الكافر الأول ينال مساوئ وجرائم كل من تبعه وقلده على الكفر، فله نصيب كبير من آثامهم دون أن ينقص عليهم شيء من الأوزار، وهذا متواصل إلى يوم القيامة، كما وردت النصوص بذلك، لأن المعجب بطريقة ما لا بد أن يحبذها ويدعو إليها، فإن كانت طريقة حسنة كان له أجرها وأجر من تبعه عليها إلى يوم القيامة، وإن كانت سيئة كان عليه وزرها وأوزار من تبعه عليها إلى يوم القيامة.

 

فلهذا نهاهم الله أن يكونوا أول كافر بالقرآن، وكفرهم به جحودهم أنه من عند الله، وأولية الكفر هنا لبني جنسهم، فكأنه يقول لهم: يا معشر أحبار أهل الكتاب صدقوا بما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن المصدق لكتابكم، والذي عندكم من التوراة والإنجيل المعهود إليكم فيهما أنه رسولي ونبيي، ذلك الرسول النبي الأمي الذي تجدونه مكتوباً عندكم فيهما، ولا تكونوا أول من كذب به من الأمم وجحده، وعندكم من العلم به ما ليس عند غيركم، فيكون عليكم إثم الجميع، وتتحملون ضلال من ضل من أمتكم إلى يوم القيام.

 

ثم قال سبحانه: ﴿ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاًً ﴾ يعني: لا تستبدلوا بآياتي ما تأخذون من عرض الدنيا على تعليم الدين، وما تريدون بقاء رئاستكم وفرض نفوذكم على عامتكم، ذلك أن أكثر ما يصرف العارفين عن الحق هو الطمع إما بالمال الذي يأخذونه بالدجل والشعوذة أو الطمع بالرئاسة والجاه ونفوذ الكلمة، وجميع هذا يعتبر قليلاً مهما عظم وكثر بالنسبة إلى ما عند الله، فان الملتزم لآيات الله ينال من فضل الله العاجل والآجل ما لا تعدله الدنيا جميعها، ولذا صار الجاحد لآيات الله والمعرض عنها طمعاً بمال أو جاه قد اشترى بها ثمناً قليلاً، فهو مغبون وصفقته خاسرة.

 

ولذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ يعني: اتقوا سخطي في بيعكم آياتي بالثمن الخسيس الذي هو طمعكم بمال أو جاه أن أنزل بكم ما أنزلته بأسلافكم من العقوبة والنقمة، وخذوا لأنفسكم وقاية منها باتباعكم هذا الوحي وتصديقكم بهذا الرسول.

 

تنبيه: جاء في هذه الآية صيغة خطاب الجمع في قوله: ﴿ وَلَا تَكُونُوا ﴾ ﴿ وَلا تَشْتَرُوا ﴾. وقد أفرد لفظ كافر، فلم يقل: (أول الكافرين) ووجه الجمع بينهما في شيء واحد هو أن ﴿ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ ﴾ أي: أول فريق كافر، فاللفظ مفرد والمعنى جمع، فيجوز مراعاة كل منهما، وقد جمع اللغتين قول الشاعر:

فإذا همو أطعموا فألأم طاعمٍ ♦♦♦ وإذا همو جاعوا فشر جياعِ

 

وقيل: هو من إطلاق المفرد وإرادة الجمع كقول الشاعر:

وكان بنو فزارة شر عم ♦♦♦ وكنت لهم كشر بني الأخينا

يعني: شر أعمام.

 

وقوله سبحانه وتعالى في آخر الآية الثانية: ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ وفي آخر الآية الأولى: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ ليس بينهما تعارض، بل هما في غاية التناسب، ففي الآية الأولى التي فيها الأمر بوفاء عهد الله ورعاية نعمة الرسالة لما كان من جملة الموانع عن الوفاء خوف بعضهم من بعض، أمرهم الله أن يحصروا خوفهم ورهبتهم من الله فقط، فهو الذي بيده مقاليد الأمور، وهو القادر وحده على عقوبتكم وعلى سلب النعمة منكم. وفي الآية التي تليها قال: ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ لأن تركهم الحق واستمرارهم على الباطل كان بسبب اتقاء المرؤوس غضب الرئيس، واتقاء الرئيس فوات منافعه من المرؤوسين، فطلب الله منهم اتقاءه وحده وعدم المبالاة بما سواه فالتناسب بينهما واضح بديع.

 

وقوله سبحانه: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [42] تحذير من الله لهم من أن يلبسوا - أي: يخلطوا - الحق بالباطل حتى يشتبه على عوام الناس، وذلك أن أكثر الضلالات لا تروج على الناس ويتفاقم شرها إلا بسبب هذا الخلط الذي يضيع به وجه الحق، وقد كان من تلبيس أحبار اليهود أنهم يلبسون الأمر على العامة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من الكذابين، استناداً لما جاء في التوراة من نبوغ أنبياء كذابين، ومِن بعْث رسول من بني إسماعيل موصوف بأوصافه الحسية الصحيحة التي يعرفونها، فهم يكتمون ما في التوراة من الحق الذي هو الأخبار ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه من الكذابين، الذين جرى التحذير منهم في التوراة، وهذا من أشنع أنواع الخلط والتلبيس. ولهذا قال تعالى: ﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ فهم يكتمون الحق بطريقة الخلط الذي يحصل فيه الالتباس، وبعضهم يلبس الحق بطريق النفاق، فيظهر الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ولكن يزعم أنه نبي العرب خاصة تلبيساً منه على العامة لئلا يشكوا في التوراة.

ومن معنى اللبس المذكور قوله تعالى: ﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴾ [الأنعام: 9].

 

وقول الشاعر:

لما لبسن الحق بالتجني ♦♦♦ غنين واستبدلن زيداً مني

 

فزعمهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى غيرهم، وهو مبعوث إلى الناس كافة هو من لبسهم الحق بالباطل ليخلط الأمر، وقيل إن الحق هو التوراة، والباطل هو ما كتبوه بأيديهم ودسوه فيها، فخلطوا الحق بالباطل، وليس هذا ببعيد، لما سيأتي من قوله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79] والسبب الحادي لهم على شن المعركة ضد الإسلام هو ما يعرفونه ويتحققونه من زوال سيادتهم وانتقال القيادة العالمية عنهم إلي بني إسماعيل، ولكنهم لم يلوموا أنفسهم لسوء تصرفاتهم وفساد أعمالهم وأخلاقهم التي بسببها قضى الله سبحانه بنقل القيادة عنهم إلينا، بل أبت نفوسهم الخبيثة إلا أن يحاربوا الحق بكل لؤم وخسة، ولا يزالون على هذه الحال، لأنهم ضربوا بوحي الله عرض الحائط.

 

ولذا فالله سبحانه يواجههم بهذه النداءات والتذكيرات والوصايا النافعة والتفريعات المؤثرة في القلوب، فنجده سبحانه وتعالى بعد تلك النواهي يأمرهم بما يعمر الضمائر قائلا: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [43] فأوصاهم بإقامة الصلاة لأنها إذا أقيمت على وجهها كانت أفضل ما يعبر عن الشعور بعظمة المعبود وشديد الحاجة إليه، ولها أعظم تأثير في تهذيب النفوس والسمو بها إلى الملكوت الأعلى، ولذا أبان الله أثرها بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلو أقامتها يهود حق إقامتها لارتدعوا عما يقومون به من صنوف المنكر ضد الإسلام والمسلمين، خصوصاً إذا قرنوها بالزكاة المرققة للقلوب، فالله يرشدهم إلى فعل ما يصلح به أخلاقهم وترتفع به نفوسهم عن المطالب الخسيسة والمقاصد الدنيئة إلى المطالب العالية التي يوجبها عليهم في وحيه المبارك من التوراة والقرآن.

 

ومن انطبع بالتكبير الصادق شمخ برأسه إلى السماء قاصراً همته على حمل بضاعة السماء وترفع عن المقاصد الأرضية المادية، ولذا طلب الله منهم أن تكون صلاتهم جماعة قائلاً: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ يريد منهم أن يكونوا في جماعة المسلمين يصلون معهم لما في صلاة الجماعة من تظاهر النفوس عند مناجاة الله، وإيجاد الألفة والتعارف والتكاتف بين المؤمنين، إذ باجتماعهم يتدارسون مشاكلهم، ويتشاورون فيما بينهم على مهمات الأمور، وتعبيره سبحانه عن الصلاة بالركوع ليبعدهم عن صلاتهم المألوفة الخالية من الركوع.

 

فهو سبحانه وتعالى بعد ما أمرهم بالقيام بشكر نعمته العظيمة والوفاء بعهده اللذين هما أصل الإيمان، أمرهم بالأعمال الصالحة، مقتصراً على مهماتها من الصلاة التي هي من أعظم دعائم العقيدة وروافد الإيمان، والزكاة التي فيها تزكية للنفس ووقاية لها من شرور الشح، وفيها مظهر من مظاهر شكر الله على نعمه، وفيها نماء للمال، وفيها صلة عظيمة بين الناس بالبذل المحبب بين النفوس، فهي وشيجة اجتماعية عظيمة يحصل بها التكافل العام في هذه الحياة، فطلب الله منهم إيجاد هذه المقاصد الأربعة التي فيها جماع الخير ليتحولوا بتحقيقها عما هم عليه من سوء الطباع وخبث الطوية. ولهذا أخذ يقرعهم ويوبخهم بعد هذه الوصايا بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [44].

وهذا الخطاب موجه إلى أحبار يهود وعلمائهم الكبار والصغار من كل من يقرءون التوراة ويخالفونها، باعوجاج طريقتهم وفساد أعمالهم، وهم يأمرون غيرهم بالبرد، إذ ينصحون بعض الناس بالإيمان بمحمد صلى الله وعليه وسلم، وهم لا يؤمنون به، بل يسعون ضده بكل مؤامرة ودسيسة.

وقال السدي: كانوا يأمرون الناس بطاعة الله، وينهونهم عن معصيته، وهم يفعلون ما ينهون عنه، ونسيان النفس هو تركها مفلسة من الهداية، ويعبر عنه للمبالغة في عدم المبالاة فيما يجره الهوى عليهم من وبال وشرور، يعني: إذا كنتم موقنين بوعد الكتاب على البر وبوعده على تركه فكيف نسيتم أنفسكم فحرمتموها حظوظها العالية التي تنالها لو اتبعتم محمداً صلى الله وعليه وسلم ودعوتم إلى دينه، ولكنكم سلكتم مسلك الغش والتلبيس الذي يضر أنفسكم على حسب ما تقومون به ضد محمد صلى الله وعليه وسلم، وأنتم تزعمون الإيمان بالتوراة وتلاوتها والمحافظة عليها، ولكنكم ما كنتم تتلونها حق تلاوتها، لأن حق تلاوتها هو العمل بها، وقد جاء فيها الإخبار بنبوة محمد صلى الله وعليه وسلم وأوصافه في مواضع كثيرة من أسفارها، حتى جاء في سفر الاشتراع (19) ما معناه: أن الله ينتقم ممن لا يسمع لما يتكلم به محمد صلى الله وعليه وسلم باسم الله. ولكن الأحبار والرهبان لا يذكرون من الحق إلا ما يوافق أهواءهم، ويرفضون كل ما يتعارض مع شهواتهم، ومن هنا كانت قلوبهم قاسية، يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظاً مما ذكروا به، وقد جاءت هذه الآية بأسلوب التقريع والتأنيب الكافي بإخراسهم.

 

وقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ يعني: أن مما يزيد في إجرامكم كونكم علماء ﴿ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ مجرد قراءة خالية عن العمل والتطبيق، فلو جرى مثل عملكم من جهال أميين لكان أسهل ذنباً وأخف جريمة، فالفرق عظيم بين من يفعل على جهل وبين من يفعل أشنع المنكر من الافتراء على الله عن علم وبصيرة، أو يترك المأمور على علم والعياذ بالله.

 

وقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ أي: أفلا يحبسكم عقلكم عن هذه الجرائم الوخيمة التي تستنزل سخط الله؟ فإن من عنده ذرة من العقل لا يدعي كمال العلم بالتوراة وينصب نفسه للهداية وهو مخالف لما يقول. وهذا الخطاب وإن كان موجها لبني إسرائيل فهو عام لجميع الأمم، وعلى الأخص أمة القرآن، فينبغي للمسلمين ألا يتشبهوا بأولئك من سائر الطبقات.

ففي الآية تحذير للحكام ألا يلبسوا الحق بالباطل تبريراً لمقاصدهم، وفيها تحذير للقضاة ألا يفتنهم الطمع، فيلبسوا الحق بالباطل، ليغيروا وجه الحق أو يبطلوه بأخذ الرشوة، وتحذير للعلماء والمفتين ألا يلبسوا الحق بالباطل أو يسكتوا عن النطق بالحق أو يلزموه لطمع في مال أو رئاسة، وألا يشتري الكل من أولئك بآيات الله ثمناً قليلاً، ذلك أن كل عالم مادي أو متميع فإنه لا بد أن يلبس الحق بالباطل في فتواه أو في حكمه، لأن المادي لا تتم له أغراضه إلا بمخالفة الشرع ودفع الحق بأنواع الشبهات، ولذا تجد الاستعماريين حتى الشيوعيين يتزلف عندهم علماء المادة ويزلفونهم لخدمة أغراضهم فيصبحون كعلماء اليهود.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (1 : 16)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 17 : 24 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 25 : 27 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 28 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 30 : 36 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 37 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (38: 41)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 45 : 47 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 49 : 50 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 51 : 57 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 58 : 60 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 61 )
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (64)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات ( 67 : 74 )
  • تفسير سورة البقرة.. الآيات (81: 82)
  • تفسير سورة البقرة.. الآية (91)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب