• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

الخمسون النبوية الشاملة (4 / 10)

الشيخ محمد بن عبدالله العوشن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/11/2010 ميلادي - 3/12/1431 هجري

الزيارات: 17040

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخمسون النبوية الشاملة (4 / 10)

الحديث السادس عشر

عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا في النِّدَاءِ والصّفِّ الأوّلِ ثُمّ لمْ يَجدُوا إلّا أنْ يَسْتَهِمُوا عَليه لاسْتَهَمُوا، ولوْ يعْلَمونَ ما في التَّهْجِيرِ لاسْتَبقُوا إليه، ولوْ يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأَتَوْهُما ولوْ حَبْوًا" أخرجه البخاري ومسلم[1].


راوي الحديث:

سبقتْ ترجمته في الحديث الرابع عشر، ويضاف إليها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: "كنتُ أدعو أُمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ما أكره، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أُمّ أبي هريرة.

 

فقال رسول الله صلى عليه وسلم: "اللهم أهدِ أُمّ أبي هريرة" فخرجتُ مستبشرًا بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما جئت فصرتُ إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمّي خشف قدميّ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعتُ خضخضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعها، وعجلتْ عن خمارها، ففتحتِ الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

قال: فرجعتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا. قال: قلت: يا رسول الله ادعُ الله أن يُحبّبني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويُحبّبهم إلينا، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم حبِّبْ عُبَيْدك هذا - يعني: أبا هريرة - وأُمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين" فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني، إلا أحبّني"[2].

 

معاني الكلمات:

1- النداء: الأذان.

2- يستهموا: يقترعوا.

3- التهجير: التبكير.

4- العتمة: صلاة العشاء.

5- حبوًا: مشيًا على اليدين والركبتين - أوْ زحفًا -.

 

الشـرح:

يبين الرسول - صلى الله عليه وسلم -  في هذا الحديث بعض الفضائل المتعلقة بالأذان والصلاة، "لو يعلم الناس ما في النداء والصف  الأول" أي لو يعلمون ما في الأذان، والصف الأول من الأجر العظيم: "ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا.." ثم لم يجدوا حلًا مرضيًا لهم إلا القرعة لفعلوا ذلك.

 

"ولو يعلمون ما في التهجير.."، وأيضًا لو علموا ما في التبكير إلى الصلاة من الفضل العظيم لاستبقوا إليه، وأيضًا "لو يعلمون ما في العتمة.." أي: صلاة العشاء "والصبح" لأتى إليها الناس ولو زحفًا لعظم ما فيهما من الأجر.

 

وهما أثقل الصلاة على المنافقين "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلًا يؤمّ الناس، ثم آخذ شعلًا من نار فأحرّق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد"[3].

 

وقد ورد في فضل المذكورات في الحديث أحاديث كثيرة منها: ففي الأذان: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤذنون أطول الناس أعناقْا يوم القيامة"[4].

 

قال العلماء: والحكمة في طول أعناقهم - والله أعلم - حتى لا يلجمهم العرق. ومنها: "لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهدَ له يوم القيامة"[5]، ولذا قال عمر - رضي الله عنه -: "لو كنت أطيق الأذان مع الخليفا (الخلافة) لأذّنت"[6]. وقال لرجل: من مؤذنكم اليوم؟ قال: موالينا وعبيدنا. فقال: إن ذلك بكم لنقص كبير[7].

 

وذكر البخاري في صحيحه تعليقًا: "أن أقوامًا اختلفوا في الأذان فأقرعَ بينهم سعد"[8]. يعني ابن أبي وقاص وذلك يوم القادسية. "والصف الأول" وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -  بأن "خير صفوف الرجال أولها"[9].

 

قال العلماء: في الحضّ على الصف الأول المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين"[10].

وسبق في شرح الحديث الخامس ذكر بعض القصص عن السلف في حرصهم على المبادرة إلى الصف الأول.

 

"لاستهموا"، أي: اقترعوا، وفي رواية عند مسلم: "لكانت قرعة".

"ولو يعلمون ما في التهجير": قيل: المراد الإتيان إلى صلاة الظهر أول وقتها، لأنه مشتق من الهاجرة وهي شدة الحرّ. وقيل: المراد التبكير إلى الصلاة مطلقًا.

"لاستبقوا إليه" ولم يقل: لاستهموا؛ لأن الاقتراع يكون حيث الاختيار، أما والأمر ميسر للجميع فهنا المبادرة "فاستبقوا الخيرات".

"ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا" أي كما يحبوا الصغير، ولكن غُيّبَ الأجر في هذه الأعمال ليشتدّ الحرص عليها.

 

ومن العجب أن تجد من حرص الكثير من الناس على أمور الدنيا والسعي لها ما لا تجده منهم عند طلب أمور الآخرة، فالمنبّه يُضبط على وقت الدوام، أمّا صلاة الفجر فعند الاستيقاظ، والله غفور رحيم. وهو جل وعلا كذلك، وأيضًا: شديد العقاب. قال أبو حازم سلمة بن دينار رحمه الله: "عجبًا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة ويدعون أن يعملوا لدارٍ يرحلون إليها كل يوم مرحلة"[11].

 

ما يستفاد من الحديث:

1- فضل الأذان، وعِظَمُ أجر المؤذّن.

2- فضل الصف الأول، والترغيب فيه.

3- الحثّ على التبكير إلى الصلاة.

4- فضل صلاة العشاء، وصلاة الفجر.

5- مشروعية القرعة.

6- تغييب الأجر على بعض الأعمال دليل على عظيم أجرها، وترغيبًا للمبادرة إليها.

• • • •


الحديث السابع عشر

عن جابرِ بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلى مَا مَاتَ عَليْه". أخرجه مسلم [12].


راوي الحديث:

جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أحد السبعة المكثرين من الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. شهد وأبوه بيعة العقبة الثانية. وتغيّب عن غزوة أُحد طاعةً لأبيه؛ لأجل أخواته. زاره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  في بيته فلمّا أراد الانصراف نادته زوج جابر: يا رسول الله صلّ عليّ وعلى زوجي، فقال: "صلى الله عليك وعلى زوجك"[13]، وأضافَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -  والمسلمين يوم الخندق وهم ألف.

 

أصبح مفتي المدينة في زمانه بعد وفاة ابن عمر. رحل من المدينة إلى الشام مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس ليسأله عن حديث واحد![14]. مات في المدينة سنة 78، وهو ابن أربع وتسعين سنة ت.

 

معاني الكلمات:

1- كلّ عبد: كل مكلَّف، حرًا كان أو عبدًا، رجلًا أو امرأة.

2- على ما مات عليه: أي على الحالة التي مات عليها.

 

الشرح:

يبيّن - صلى الله عليه وسلم -  في الحديث أن كل إنسان يُبعث يوم القيامة على الحالة التي مات عليها، كما في قصة الرجل الذي سقط من ناقته في حجة الوداع فقال - صلى الله عليه وسلم - : "اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبين، ولا تُمِسوه طيبًا، ولا تخمّروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا"[15] الله أكبر! ما أعظم هذه الهيئة في ذلك اليوم العظيم.

 

وكذا من مات مجاهدًا في سبيل الله "لا يُكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب، اللون لون دم، والريح ريح مسك"[16] (يُكلم: يجرح. يثعب: يجري متفجرًا.

ومثله من مات وهو يصلّي، أو يقرأ القرآن، أو غيرهما من العبادات يبعث يوم القيامة على هذه الهيئة الشريفة التي تشرئبُّ لها الأعناق.

وفي المقابل - ولا سواء - من مات وهو متلبّس بمعصية، يُبعث يوم القيامة كحاله يوم مات! وأيّ خزي في ذلك اليوم أعظم من حال من يكون كذلك. نسأل الله حسن الخاتمة.

 

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "الذنوب والمعاصي تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان فيقع في سوء الخاتمة.. وسوء الخاتمة لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله"[17].

 

والحديث فيه حثّ للمسلم على أن يكون في كل أحواله على هيئة ترضي الله، حتى إذا بغتة الموت بُعث على حال حسنة. قال بعض السلف: "كلّ أمرٍ كرهتَ الموت لأجله فدعه، ثم لا يضرّك متى متّ"[18].

 

وأختم بذكر قصتين إحداهما في ذكر خاتمة حسنة، والأخرى بضدّها:

أما الأولى: فقد جاء في ترجمته الإمام الكبير أبي زُرعة الرازي عبيد الله ابن عبد الكريم (ت264).. وكان في السَّوق (الاحتضار) وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء، فذكروا حديث التلقين وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" قال: فاستحيوا من أبي زرعة وهابوه أن يلقّنوه، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث. فقال محمد ابن مسلم: حدثنا الضحاك بن مخلد عن عبد المجيد بن جعفر عن صالح، وجعل يقول ولم يجاوز، وقال أبو حاتم: حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم عن عبد المجيد بن جعفر عن صالح، ولم يجاوز، والباقون سكتوا، فقال أبو زرعة - وهو في السَّوْق -: حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد المجيد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" وتوفي رحمه الله[19]!

نسأل الله الكريم من فضله، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.

 

أما التي بضدّها: فهي لشخص عشق غلامًا اسمه أسْلَم، وتمكن حُبّه من قلبه، حتى لزم الفراش بسببه، وتمنّع الآخر عليه...حتى اشتد الأمر بالعاشق، وقد طمع أن يزوره محبوبه، فلم يَحْدُثْ، حتى ظهرت عليه دلائل الموت فجعل يقول في تلك الحال:

أسلمُ يا راحة العليل
رفقًا على الهائم النحيل
وصْلُكَ أشْهى إلى فُؤادِي
مِنْ رَحْمَةِ الخَالِقِ الجَليل!


فقال له مَنْ عنده: اتق الله ما هذه العظيمة؟

فقال: قد كان ما كان، فخرج عنه فما توسّط الطريق حتى سمع الصياح عليه[20].

نعوذ بالله من سوء الخاتمة.

 

ما يستفاد من الحديث:

1- الحثّ على حسن العمل.

2- الابتعاد عن ما نهى الله عنه.

3- الموت يأتي فجأة، فالعاقل من استعدّ له.

4- يُبعث العبد على الحال التي مات عليها، إن خيرًا، وإن شرًا.

• • • •


الحديث الثامن عشر

عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنّما الشَّدِيدُ الذّي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضِب" متفقٌ عليه[21].


راوي الحديث:

سبقت ترجمته - رضي الله عنه - في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.

 

معاني الكلمات:

1- الشديد: القوي.

2- الصُّرَعَة: الذي يصرع الناس كثيرًا.

 

الشــرح:

يبيّن - صلى الله عليه وسلم -  في هذا الحديث المفهوم الصحيح للرجل الشديد، أنه الذي يملك نفسه عند الغضب"لأن هذه هي القوة الحقيقية، قوة داخلية معنوية يتغلب بها الإنسان على الشيطان، لأن الشيطان هو الذي يلقي الجمرة في قلبك من أجل أن تغضب[22]" وقد أثنى الله جل وعلا على من يكظم غيظه: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134] ، وقال تعالى ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور ﴾ [الشورى: 43]. ولما طلب رجل الوصية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال له: "لا تغضب" فردد مرارًا قال: "لا تغضب"[23]. وهذا من جوامع كلامه - صلى الله عليه وسلم - ، فالإنسان إذا غضب ربّما اعتدى على غيره، وربما أتلف ماله، وربما طلّق زوجه، بل وربما قتل، أو تلفّظ بالكفر. ولهذا عدّه الإمام ابن القيم رحمه الله أحد أركان الكفر الأربعة: الكبْر، والحسد، والغضب، والشهوة. فالغضب مثل السّبُع إذا أفلته صاحبه بدأ بأكله[24].

 

وأخبر - صلى الله عليه وسلم -  بالأجر العظيم لمن كظم غيظه مع قدرته على إنفاذه فقال: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفِّذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيّره من أي الحور العين شاء"[25]، وسيرته - صلى الله عليه وسلم -  معطّرة بقصص حلمه وإعراضه عن الجاهلين. منها قصة ذي الخويصرة لما قال: يا رسول الله اعدل، فقال - صلى الله عليه وسلم - : "ويلك، من يعدل إذا لم أعدل" فاستأذنه عمر في قتله، فقال: "لا" الحديث. متفق عليه. وكذا في سيرة أصحابه ي وسيرة السلف الصالح.

 

ولما قال عُيينة بن حصن لعمر بن الخطاب: هِيْ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همّ به فقال له الحرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] ، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب الله[26].

 

وفي ترجمة سبرة بن فاتك الأسدي ت أن رجلًا سبّه فكظم غيظه متحرجًا من جوابه حتى بكى من الغيظ[27]!

وليس حليمًا من تُقبَّل كفّه ♦♦♦ فيرضى ولكنْ من تُعضّ فيحلم

 

ويكون الغضب محمودًا بل مطلوبًا في حالة واحدة: إذا كان لأمر الله تعالى.قالت عائشة ل: "ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  لنفسه إلاّ أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها"[28].

 

وعلاج الغضب يكون بأمور منها:

1- ما أرشدنا إليه ربنا جل وعلا بقوله تعالى ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36]. وما أرشدنا إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -  لذاك الرجل الذي غضب حتى احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد"[29].

2- ترويض النفس على كبح جماح الغضب، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم"[30].

3- تغيير الهيئة: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلاّ فليضطجع"[31]. وقد فعل ذلك الصحابي الجليل أبو ذر ت لما أغضبه رجل فجلس ثم اضطجع، فلما سئل عن ذلك ذكر هذا الحديث[32].

4- السكوت، قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا غضب أحدكم فليسكت" قالها مرتين[33].

5- ورُوي أنه يتوضأ، "إن الغضب من الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"[34].

 

ما يستفاد من الحديث:

1- بيانه - صلى الله عليه وسلم -  لمعنى القوة الحقيقية.

2- ذمّ الغضب، والتحذير منه.

3- الحثّ على الحِلْم.

• • • •


الحديث التاسع عشر

عن عثمانَ بن عفّان – رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَه" أخرجه البخاري[35].


راوي الحديث:

أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُمية بن عبد شمس القرشي الأُموي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وثالث الخلفاء الراشدين. من السابقين الأولين للإسلام. وُلد بعد عام الفيل بست سنين. تزوج رقية بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهاجرا معًا إلى الحبشة، ومرضتْ ل قبل غزوة بدر، فتخلّف عن الغزوة ليمرِّضها. وضربَ له الرسول - صلى الله عليه وسلم -  بسهمه وأجره. ولما ماتت زوجُه رقيّة أيام بدر، زوّجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  بابنته الأخرى أم كلثوم؛ فلذا عُرف بـ: ذي النورين.

 

كان من الأسخياء، جهّز جيش العسرة، واشترى بئر أرومة. كان شديد الحياء، حتى قال - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"[36]. تولى الخلافة عام 23 بعد مقتل عمر. وجمع المسلمين على مصحف واحد.

 

شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم -  بالجنة في عدة أحاديث. ابتلي ببعض الخارجين عليه، وحاصروا داره. ورفض ت أن تسيل قطرة دم واحدة من أجله. حتى تمكن البُغاة من الدخول عليه وقتلِه فمات شهيدًا.

 

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم -  قد أخبره بأنه سيبتلى ويُقتل مظلومًا. كما في حديث أبي موسى: "..ائذن له وبشّره بالجنة على بلوى ستُصيبه"[37]، وقال له: "إن الله مقمِّصك قميصًا (يعني الخلافة) فإذا أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه"[38].

 

وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ذكر فتنة فقال: "يُقتل هذا فيها مظلومًا" يعني عثمان[39]، وقُتل – رضي الله عنه -  وهو يقرأ القرآن، فكانت أول قطرة من دمه وقعت على قوله تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138][40]، وانتقم الله له من قتلته.

 

قال ابن كثير: "وقد أقسم بعض السلف بالله أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولًا"[41] وكان قتله في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ت.

 

شرح الحديث:

القرآن كلام الله عز وجلّ وعلا منه بدأ وإليه يعود. و"من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن: ألفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف"[42].

 

وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه"[43]، وقال: "يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"[44].

 

والعجب من إعراض كثير من الناس عن قراءة القرآن فالبعض لا يقرؤه إلا في كل جمعة، والبعض أكثر من ذلك، بل ربما اكتفى بالقراءة فيه من رمضان إلى رمضان، نعوذ بالله من الخسران. قال الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورً ﴾ [الفرقان: 30].

 

وهجر القرآن نوعان: عدم العمل بما فيه من أحكام، والآخر عدم قراءته. وقد عظمت عناية السلف بتعلم القرآن وتعليمه لأبنائهم.

 

قال ابن أبي حاتم: "لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن"[45]، وسأل الميموني الإمام أحمد: أيّما أحبّ إليك: أبدأ ابني بالقرآن، أو بالحديث؟ قال له: لا، بالقرآن، القرآن"[46].

 

ولما مات ابن المبارك رآه رجل في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن"[47].

 

"وتكرار القراءة للقرآن يفتح أفاقًا من المعرفة لطالب العلم، فقد ذكر عبّاس بن عبد الدايم المصري الكناني عن شيخ ضرير أنّه أوصاهم بوصايا، منها:...أكثر من قراءة القرآن، ولا تتركه، فإنّه يتيسّر لك الذي تطلبه على مقدار ما تقرأ، قال: فرأيت ذلك وجرّبته كثيرًا، فكنت إذا قرأت تيسّر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسّر لي "[48].

 

و: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته"[49]. ولذا كان عمر بن عبد العزيز لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن، فإنْ لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير[50].

 

قال ابن القيّم: "فما أشدّها من حَسْرة وأعظمها من غَبْنَة على من أفنى أوقاته في طلبِ العلم ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن، ولا باشرَ قلبُه أسرَارَه ومعانيه فالله المستعان"[51]، فإذا كان ابن القيم يقول هذا عمن أفنى أوقاته في طلب العلم وانشغل به عن تدبر القرآن وفهم حقائقه، فما القول فيمن انشغل بقراءة الصحف والمجلات المبتذلة، يمضي الساعات كل يوم في تصفحها، وليس لكلام الله عز وجلّ من وقته نصيب، وكذا من أحرق وقته بمتابعة الفضائيات، والشبكة العنكبوتية، وهلمّ جرًا..

 

وتجد البعض من هذا الصنف يتأثر بما يشاهده ويقرأه ويسمعه تأثرًا شديدًا، حتى ربّما بكى مِنْ أحداث مُسْلسَلة أو فلم أو قصة! ولكن هذا التأثر لا يكون عند قراءة كتاب الله! قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].


لكن كما قال بعض السلف - قد قيل له: إن قومًا يجدون قلوبهم في القصائد، ولا يجدونها في القرآن؟ - فقال: إنّ القرآن عزيز، ويريد عقلًا عزيزًا، وهؤلاء عقولهم فيها ضعف[52].

 

وصدق ذو النورين عثمان ت لما قال: "لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربّنا"[53].

 

وينبغي لمن وفّقه الله لتعلّم كتابه الكريم أن يُعنى بأمور منها:

1- المراجعة المستمرة لما حَفِظَه: "تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشدّ تفصِّيًا من الإبل في عُقُلها"[54].

2- العمل بما فيه، من اتباع أوامره واجتناب نواهيه.

3- التحلي بسمت أهل القرآن، والتأدب بآدابهم.

4- تعليم القرآن لغيره، حتى يجمع الفضْلَيْن: تعلم القرآن وتعليمه، وهو من أفضل القربات، حتى أن الإمام سفيان الثوري لما سئل عن الجهاد وإقراء القرآن، رجّح الثاني، واستدل بحديث عثمان[55].

 

وليتذكر كل منّا قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين"[56]. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "وبه نعرف فضيلة الحِلَق الموجودة الآن في كثير من البلاد، ولله الحمد...فمن أسهم فيها بشيء فله أجر، ومن أدخل أولاده فيها فله أجر، ومن تبرّع، وعلّم فيها فله أجر، كلهم داخلون في قوله: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه"[57].

 

ما يستفاد من الحديث:

1- فضل تعلم القرآن وتعليمه.

2- من تعلّم القرآن وعلّمه فهو من خير هذه الأمة.

• • • •


الحديث  العشرون

عن عمّار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ الرَّجُلَ لينْصَرِفُ ومَا كُتِبَ له إلّا عُشْرُ صَلَاتِه، تُسْعُها، ثُمْنُها، سُبْعُها، سُدُسُها، خُمُسُها، رُبُعها، ثلُثها، نِصْفُها" أخرجه أبو داود[58].


ترجمة الراوي:

عمار بن ياسر بن عامر بن مالك أبو اليقظان العنْسي. كان وأُمُّه من السابقين إلى الإسلام، ثم أسلم أبوه. قيل: لم يُسلم أبوا أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار وأبو بكر[59].

 

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يمرُّ بعمّار وأمّه وأبيه وهم يعذّّبون فيقول: "صبرًا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"[60]، "واتفقوا على أنه نزل فيه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [النحل: 107][61]. شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم شهد معركة اليمامة ضد المرتدين فقُطعت أُذُنه بها.

 

عيّنه عمر واليًا على الكوفة. من فضائله: ما أخرجه النسائي وابن ماجه عن علي -كرم الله وجهه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مُلئَ عمّار إيمانًا إلى مُشَاشِه"[62]، ومنها: "جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم -  فقال: "ائذنوا له مرحبًا بالطيّب المطيّب"[63].

 

توفي مقتولًا في معركة صفين عام 37 للهجرة. وله ثلاث وتسعوَن سنة. وقد تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم -  قوله: "ويْحَ عمّار تقتله الفئة الباغية"[64].

 

معاني الكلمات:

1- لينصرف: أي من صلاته.

2- عشر صلاته: أي عُشر الأجر.

 

الشرح:

الصلاة عمود الإسلام، والخشوع هو لبّ الصلاة. وفي هذا الحديث يبيّن - صلى الله عليه وسلم -  كيف أن الرجل - وكذا المرأة - ينصرف من صلاته ولم يُكتب له من الثواب إلا عُشر صلاته، أو أكثر من ذلك، أو ربما أقل، بل قد ينصرف ولم يكتب له منها شيء. فتبرأ ذمته بذلك، فلا يُطالب بإعادتها على الراجح من قولي العلماء، لكن لا ثواب له بتلك الصلاة[65].

 

أخرج البخاري عن شقيق (ابن سلمة) أن حذيفة – رضي الله عنه- رأى رجلًا لا يُتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه حذيفة فقال له: ما صليتَ، قال (شقيق): وأحسبه قال: ولو متَّ متّ على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - [66].

 

بل جعل - صلى الله عليه وسلم -  "أسوأُ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته" قالوا: يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يُتمُّ ركوعها ولا سجودها". أخرجه أحمد.

وجعل هذه الصلاة غير مُجزية: "لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود" أخرجه الأربعة.

 

وقد مدح الله عز وجل الخاشعين في صلاتهم: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1-2]، وصحّ عنه - صلى الله عليه وسلم -  أنه قال: "أول ما يُحاسب به العبد الصلاة"[67].

 

وهاك بعضًا من أخبار الخاشعين:

فهذا سيّد الخاشعين وإمام المتقين - صلى الله عليه وسلم -  يقول عنه عبد الله بن الشّخّير  ت: "أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -  وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَل من البكاء"[68]. وصاحبه الصّديق قالت عنه ابنته عائشة - رضي الله عنها - تخاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وهو في مرض موته -: "إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يُسمع الناس من البكاء"[69].

 

وقال عبد الله بن شدّاد: "سمعتُ نشيجَ عمر وأنا في آخر الصفوف فقرأ: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86][70]،  "وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود"[71]، وحتى أثناء حصار الحَجّاج له، يقول ابن المنكدر: "لو رأيتَ ابن الزبير يصلّي تحت ظلّ شجرة كأنه غصن من أغصانها، ويجيئه المنجنيق من ها هنا وها هنا، فما يَلتفتُ إليه"[72].

 

"وكان أبو صالح ذَكْوان السَّمَّان إذا أمَّ قومه لا يُجيز الصلاة من الرقّة"[73]، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي إذا دخل صلاة الجماعة بكى، فقال له رجل: ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة؟ فقال: يا ابن أخي، وما سؤالك عن ذلك؟ فقال: لعل الله أن ينفعني به، فقال: ما قمتُ إلى صلاة إلاّ مُثّلتْ لي جهنم[74]. إلى غير ذلك من أخبار الخاشعين.

 

ومن تأمل صلاة كثير من المسلمين اليوم - هداهم الله - لا يجد فيها إلا الاسم فقط، "وعجبًا لابن آدم كيف يلعب به الشيطان وهو واقف بين يدي الله عز وجل يناجي الله ويتقرّب إليه بكلامه وبالثناء عليه وبالدعاء ثم كأنّه ملحوقٌ في صلاته، كأنّ عَدوًّا لاحقٌ له فتراه يهرب من الصلاة.

 

أنت لو وقفتَ بين يدي ملك من ملوك الدنيا يناجيك ويخاطبك لو بقيت معه ساعتين تكلمه لوجدتَ ذلك سهلًا.. فكيف وأنت تناجي ربّك الذي خلقك ورزقك وأمدّك وأعدك تناجيه وتهرب هذا الهروب"!؟[75].

 

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هُوّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقُه شُدّد عليه ذلك الموقف.."[76].

 

فعلينا جميعًا أن نسعى لإقامة الصلاة وأدائها كما ينبغي. وأُحيل القارئ الكريم إلى ثلاث رسائل نافعة في هذا الباب: الأولى: الخشوع في الصلاة، أوْ الذلّة والانكسار، للإمام ابن رجب، الثانية: 33سببًا للخشوع في الصلاة، للشيخ محمد المنجد، والثالثة: كيف تخشعين في صلاتك؟ للدكتورة رقية المحارب.

 

ما يستفاد من الحديث:

1- عظم شأن الصلاة.

2- تفاوت أجور المصلين بحسب خشوعهم فيها.

3- الحثّ على تحصيل الثواب الأكبر من الصلاة.

 


[1] أخرجه البخاري، رقم(615)، و(2689)، ومسلم رقم(437).

[2] أخرجه مسلم، رقم(2491).

[3] أخرجه البخاري (657).

[4] أخرجه مسلم (387).

[5] أخرجه البخاري (609).

[6] أخرجه البيهقي (1/433).

[7] التمهيد (19/255).

[8] باب الاستهام في الأذان (2/96 فتح).

[9] أخرجه مسلم (440).

[10] فتح الباري (2/208).

[11] صفة  الصفوة (2/112).

[12] كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى، رقم(2878).

[13] قال ابن حجر: أخرجه أحمد بإسناد حسن، (الفتح 7/398).

[14] أخرجه البخاري تعليقًا، كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم، (1/173فتح).

[15] أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206).

[16] البخاري (2803)، ومسلم (1876)، واللفظ له.

[17] البداية والنهاية (9/163).

[18] تُنسب لأبي حازم سلمة بن دينار (السير 6/98).

[19] أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد (10/333)، وابن البنّا في (فضل التهليل وثوابه الجزيل، ص(80)، والنووي في (الترخيص بالقيام..) ص(90)، والذهبي في السير (13/85).

[20] معجم الأدباء (1/554)، نقلًا عن ابن الجوزي في المنتظم، وذكرها ابن القيم في الجواب الكافي، الداء والدواء ص(199)، نقلًا عن الحافظ عبد الحقّ الاشبيلي.ولعلّ هذا الهالك هو ابن قزمان، انظر: (طوْق الحمامة) لابن حزم، ص 116.

[21] أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609).

[22] ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين (1/272)، طبعة (1424) للهجرة.

[23] أخرجه البخاري (6116).

[24] الفوائد، ص(157 ـ 159).

[25] أخرجه أحمد (الفتح الرباني 19/79)، أبو داود (4777)، والترمذي وحسنه (2021)، وابن ماجه (4186)، وأورده النووي في: رياض الصالحين فدلّ على ثبوته عنده، وحسّنه الألباني صحيح الجامع (1/639).

[26] أخرجه البخاري (4642).

[27] الإصابة (2/14).

[28] أخرجه البخاري (3560)، ومسلم (2328).

[29] أخرجه البخاري (3282).

[30] أخرجه الخطيب في تاريخه، وحسنه الألباني (الصحيحة 342).

[31] أخرجه أبو داود (4782).

[32] أخرجه أحمد وصححه ابن كثير في تفسيره (آية 13، آل عمران) والعراقي (تخريج الإحياء 2862).

[33] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (245)، وصححه الألباني (الصحيحة 1375).

[34] أخرجه أحمد (الفتح الرباني 19/81) وأبو داود (4784)، وإسناده ضعيف.

[35] كتاب فضائل القرآن (5027).

[36] أخرجه مسلم (2401).

[37] أخرجه البخاري (3695)، ومسلم (2403).

[38] أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، والحاكم وصححه، وتعقبه الذهبي، وصححه الحميّد بمجموع الطرق (مختصر استدراك الذهبي على الحاكم، لابن الملقن (3/1270)، وصححه عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول (8/644).

[39] أخرجه الترمذي، وصحح ابن حجر إسناده (الفتح 7/38).

[40] أخرجه أحمد في:(فضائل الصحابة) قال محقّقه: بسند صحيح عن عمرة بنت أرطاة.

[41] البداية والنهاية (7/189).

[42] أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح (2910).

[43] أخرجه مسلم (804).

[44] أخرجه أبو داود (1252)، والترمذي (2838).

[45] تذكرة الحفاظ (3/830).

[46] طبقات الحنابلة (1/214).

[47] سير أعلام النبلاء (8/419).

[48] معالم في طريق طلب العلم، الشيخ عبد العزيز السدحان، ص 197.

[49] أخرجه أحمد، والنسائي، وحسنه العراقي (تخريج الإحياء 810)، وصححه الألباني (ص.ج2161).

[50] البداية والنهاية (9/207).

[51] بدائع الفوائد (1/194).

[52] تاريخ بغداد (14/412).

[53] البداية والنهاية (7/215).

[54] أخرجه البخاري (5033)، ومسلم (791).

[55] فتح الباري (9/77).

[56] أخرجه مسلم (817).

[57] شرح رياض الصالحين (4/639).

[58] برقم (796)، عون (3/3)، وصححه  المناوي، ونقل تصحيح العراقي له (فيض  القدير 2/234)، قال ابن باز: سنده جيد (فتاواه، 12/9)، وحسّنه الألباني  ص ج (1622).

[59] سير النبلاء (1/410).

[60] أخرجه ابن إسحاق، والحاكم والطبراني، وصححه الألباني بطرقه (فقه السيرة، 103).

[61] الإصابة (2/506).

[62] النسائي (5010)، وابن ماجه (147)، وحسّنه ابن حجر في الإصابة (2/506)، وعزاه إلى الترمذي، ولم أجده عنده، وفي الفتح (7/92) عزاه إلى النسائي والبزار، وصحح إسناده، والمشاشة: ما أشرف من عظم المنكب (لسان العرب. مادة مشش).

[63] أخرجه الترمذي (3798)، وقال: حسن صحيح، وصححه النووي (تهذيب الأسماء واللغات 2/38).

[64] البخاري (2812)، ومسلم (2915).

[65] قال شيخ الإسلام في من أساء في صلاته "فهل يقال: إن وجودها كعدمها، بحيث يعاقب على تركها؟ أو يقال: إنه يُثاب على ما فعله، ويعاقب على ما تركه بحيث يجبر ما تركه من الواجبات بما فعله من  التطوع؟ هذا فيه  نزاع، والثاني أظهر الفتاوى (22/532)، وبحث الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذه المسألة في مدارج السالكين (1/520) ورجّح القول بعدم الإعادة.

[66] البخاري رقم (791)، وذكر الشيخ الألباني أنه قد روي مرفوعًا بسند حسن عند أبي يعلى، والطبراني وغيرهما. (صفة الصلاة، 98)، وهذا الكتاب (صفه..) قال عنه الشيخ سلمان العودة: "لو أن رجلًا سافر إلى آخر الدنيا للحصول على هذا الكتاب لما كان كثيرًا". شرح البلوغ ش(93).

[67] أخرجه النسائي (3996).

[68] أخرجه النسائي، رقم(1215)، قال ابن حجر: وإسناده قوي (2/206 الفتح).

[69] البخاري (679)، ومسلم (940).

[70] البخاري، باب إذا بكى الإمام في الصلاة (الفتح 2/206).

[71] أخرجه البيهقي عن مجاهد، قال ابن حجر: بإسناد صحيح (الفتح 2/226).

[72] الزهد لأبي داود، رقم(389)، وصححه المحققان ص(324).

[73] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/275، 298) وسنده صحيح.

[74] سير أعلام النبلاء (8/34).

[75] ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين (2/368).

[76] الفوائد، ص(200).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخمسون النبوية الشاملة (2 / 10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (3/10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (5/10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (6 /10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (7 /10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (8 /10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (9 /10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (10/10)

مختارات من الشبكة

  • الخمسون النبوية الشاملة(كتاب - آفاق الشريعة)
  • المغرب: مؤتمر يدعو لإنجاز السيرة النبوية الشاملة(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • أثر استخدام المكتبة الشاملة في خدمة السنة النبوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • السيرة النبوية الكاملة الشاملة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبكة السنة تتيح الاستماع لأحاديث السيرة النبوية(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • المختصر في السيرة النبوية من المولد إلى البعثة النبوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أثر السنة النبوية في إصلاح الواقع الاجتماعي: نماذج عملية تطبيقية في السيرة النبوية (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الأربعون النبوية في السنة النبوية: السنة في السنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منازل السنة النبوية في مناهج السيرة النبوية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأحاديث الخمسون المختارة فيما يتعلق بشهر رمضان وصيامه وقيامه (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب