• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (11)

يوسف قاسم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/6/2010 ميلادي - 17/7/1431 هجري

الزيارات: 48042

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (11)

الفصل الرابع

في الولاية على النفس

 

الولاية: هي سُلطة شرعيَّة، يترتَّب عليها نَفاذُ التَّصَرُّف شرْعًا[1]، وهذه السُّلطة قد تكون على نفس الصغير، فتُسَمَّى ولايةً على النفس، وقد تكون على مال الصغير، فتسمى ولايةً على المال.

 

وفي المبحثَيْن التاليَيْن نتكلم أوَّلاً عن الولاية على النفس، ثم نتكلَّم ثانيًا عن الولاية على المال.

 

المبحث الأول

في الولاية على النَّفس

الولاية على النفس: هي القيام بكل ما يتعلق بشخص الطفل، من صيانة وحفظ، ورعاية وعلاج، وتهذيب وتعليم، وما يحتاج إليه بصفة عامة.

 

صاحب الحق في الولاية على النفس:

الأصل أن الأب هو صاحب الحق في الولاية على نفس الطفل، فهو المسؤول عنه في كل الأحوال، وهو الملتزِم شرعًا بالقيام بكل ما يَلزم الصغيرَ في الفترة الأولى من حياته، حتى بلوغِه سِنَّ الرُّشْد؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233].

 

أمَّا عند عدم وجود الأب، فإن الولاية على النفس تكون للأقرب فالأقرب من العَصَبات، وهم قَرابة الطفل مِن الذكور الذين ينتسبون إليه عن طريق قَرابة الذُّكور - كما سبق أن بيَّنَّا.

 

وترتيب الاستِحقاق في الولاية هو نفس ترْتيب الاستحقاق في الميراث، والمقصود هنا أن المستحقين للولاية على النفس هم جِهة الأبُوَّة، ثم جهة الأخوة، ثم جهة العُمُومة.

 

فعند عدم وُجُود الأب يكون وليُّ النفْس هو الجَدُّ (أبُ الأبِ) وإنْ عَلا، فإن لَم يُوجد أحد من هذه الجهة يكون وليُّ النفس هو الأخ الشقيق، ثم الأخ لأبٍ، فإن لَم يوجد أحد منَ الأخوة كان وليُّ النفس هو العمَّ أو ابنَ العمِّ، وهكذا.

 

سلطة ولي النفس:

منَ التَّعريف السابق للولاية على النَّفس، يَتَبَيَّن لنا أنَّ سُلطة ولي النفْس تَتَعَلَّق بنفس الصغير وذاته؛ أيْ ما يرتبط بهذه النفس الإنسانيَّة مِنْ حيثُ الإشرافُ عليها مِنْ جميع الوُجُوه، سواءٌ في ذلك الإنفاق على الصغير والعناية به، وتنشئته وتقويمه، وعلاجه وتعليمه، وإعداده للمستقبل، ويدخل في هذه السلطة - أيضًا - الإشرافُ على الطفل أثناءَ فترة الحضانة؛ حيث يكون وليُّ النفس مسْؤولاً عن الإنْفاق عليه، ومُلتزمًا بدفْع أُجْرة الحاضنة إذا كانت غيرَ الأمِّ، وتطلَّبَت المصلحةُ تأجيرَ حاضنةٍ للطفل.

 

هذا ما يَدخل في سلطة ولي النفس بصفة عامة؛ أي: سواءٌ كان وليُّ النفس هو الأبَ أو غيرَه، إلا أنه في حالةِ ما إذا كان الأبُ هو وليَّ النفس، فإنَّ هذه الولاية تكون أقوى من غيرها، وبالتالي فإنَّ ولي النفس تكون له سُلطةُ الموافَقة على إجراء العمليات الجراحيَّة، كما تكون له سُلطة تزْويج الصَّغير.

 

أساس الولاية على النفْس:

والأساس الذي تقوم عليْه أحكامُ الولاية على النَّفْس يتلخَّص في مصلحة الصغير؛ لذلك حرَصَت الشريعةُ على أن تحقق هذه المصْلحة في كلِّ الظروف والأحوال.

 

فقد افترضت شريعةُ الإسلام أنَّ الأب هو أولى الناس بالإشراف على أطفاله، وعند عدم وجوده تكون الولاية على النفس لأقرب الناس إلى الطفل، وأحرصهم عليه؛ الجد، ثم الأخ، وهكذا.

 

ومع تقْريرها هذا الحقَّ لأقربِ المقرَّبين إلى الطفْل؛ لافتراض أنهم أشفقُ الناس عليه، وأرحمهم به، فإنه إذا ثبَت مع ذلك أنَّ الولي غير كفْءٍ للقيام بهذه المهمة، وجب على المحكمة أن تعزِلَه عن الولاية، وتسندها إلى شخْصٍ آخر تتوافر فيه الشروط المطلوبة شرعًا في ولي النفس؛ وذلك كله محافظةً على الطفل.

 

شُرُوط ولي النفس:

وغنِيٌّ عن البيان أنه يشترط في ولي النفس أن يكونَ بالغًا، عاقلاً، أمينًا، قادرًا على القيام بمقتضيات الولاية، وقد سبق أن أشرنا كثيرًا إلى هذه الشُّروط في مناسبات مختلفة، وما موضوعُ الحضانة منَّا ببعيد.

 

كما يشترط في ولي النفس أن يكونَ مُتَّحِدَ الدِّين مع المُوَلَّى عليه، وهذه الشروط كلها مطلوب توافرُها ابتداءً وانتهاءً، بمعنى وُجُوب توافر هذه الشروط في كلِّ الظروف والأحوال، واستمرارِ هذه الشروط وبقائها، طالما أنَّ الصغير تحت إشْراف ولي النفْس، فإنْ تخلَّف شرْط منها سُلِبت الولاية من هذا الشخص؛ لأنَّ تخلُّف أيِّ شرط مِن شروط الولاية على النفس في أي وقت، يَجعل الشخص غيرَ أهْلٍ لهذه الولاية، فتسلب منه، وتسند إلى شخصٍ آخر يليه في الرُّتبة؛ (أي بحسب درجة القرابة وقوَّتها)، وتتوافَر فيه كل الشروط التالية.

 

وقد نصَّ المرسوم بقانون رقم 118 لسنة 1952 بتقْرير حالات سلْب الولاية على النفس، وهذه الحالات منها ما يكون سلب الولاية فيها وُجُوبيًّا، ومنها ما يكون هذا السلْب جَوَازيًّا.

 

حالات وُجُوب سلْب الولاية على النفس:

نصَّت المادةُ الثانية مِن المرسوم بقانون 118 لسنة 52 على الحالات التي يَجِب سلب الولاية فيها؛ حيث قالتْ: تُسْلَب الولاية ويَسقط كلُّ ما يترتَّب عليها مِن حقوقٍ عن:

1- مَن حُكِم عليه لجريمة الاغتِصاب، أو هَتْك العِرض، أو لجريمةٍ مِما نُصَّ عليه في القانون رقم 68 لسنة 1951 بشأن مكافحة الدِّعارة إذا وَقَعت الجريمة على أحد ممن تَشملهم الولاية.

2- مَن حُكم عليه لجنايةٍ وقعت على نفْس أحدٍ مِمن تشملهم الولاية، أو حُكم عليه لجنايةٍ وقعت من أحد هؤلاء.

3- مَن حكم عليه أكثر مِن مرَّةٍ لجريمةٍ مما نُص عليه في القانون رقم 68 لسنة 1951 بشأن مكافحة الدعارة.

 

حالات جواز سلب الولاية:

نَصَّت المادة الثالثة من المرسوم بالقانون 118 لسنة 52 فقالت: يجوز أن تُسلَب - أو تُوقف - كلُّ - أو بعضُ - حقوقِ الولاية بالنسبة إلى كلِّ - أو بعضِ - مَن تشملهم الولاية في الأحوال الآتية:

1- إذا حُكم على الوليِّ بالأشغال الشاقة المؤبَّدة، أو المؤَقَّتة.

2- إذا حكم على الولي لجريمة اغتصاب أو هتك عرض، أو لجريمةٍ مما نُص عليه في القانون رقم 68 لسنة 1951 بشأن مكافحة الدعارة.

3- إذا حكم على الولي أكثرَ مِن مرة لجريمة تعريض الأطفال للخطر أو الحبس، بغير وجه حق، أو لاعتداء جَسيم؛ متى وقعت الجريمة على أحد ممن تشمله الولاية.

4- إذا حُكم بإيداع أحد المشمولين بالولاية دارًا مِن دُور الاستصلاح؛ وفقًا للمادة 67 من القانون العقوبات، أو طبقًا لنصوص قانون الأحداث.

5- إذا عَرَّض الوليُّ للخطر صحَّةَ أحدِ مَن تشملهم الولاية أو سلامتَه، أو أخلاقَه أو تربيتَه؛ بسبب سوء المعاملة، أو سوء القدوة؛ نتيجةَ الاشتهار بفساد السِّيرة، أو الإدمان على الشراب أو المخدِّرات، أو بسبب عدم العناية أو التوجيه، ولا يُشترط في هذه الحالة أن يَصدر ضد الولِيِّ حكْمٌ بسبب تلك الأفعال.

 

المبحث الثاني

في الولاية على المال

الولاية على المال هي أن يُشْرِف الولي على مال الصغير؛ مِن تنميته واستثماره، وإجراء التصَرُّفات الشرعية التي تقْتَضيها مصلحة الصغير مِن الناحية المالية.

 

وقد أمَرَت الشريعةُ الإسلامية بالمحافظة على الأموال وعدَمِ أكْلِها بالباطل؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [النساء: 29]

 

وخاصةً أموالَ الصغار؛ فقد وَردَ في الأثر: "اتَّجِروا في أموال اليتامى؛ حتى لا تأكُلَها الزكاة".

 

ومن هنا كانت أهميةُ البحث في الولاية على مال الصغير؛ من حيث مَن تُسنَد إليه تلك الولاية، وشروطُها، ومسؤوليةُ الولِيِّ عن تصرفاته في أموال الصغير وإدارتها.

 

وقد استرشد القانونُ المصري - في تقريره أحكامَ الولاية على المال - بأحكام الشريعة الإسلامية، فصدَرَ المرسوم رقم 119 لسنة 1952 خاصًّا بأحكام الولاية على المال.

 

الولي على مال الصغير:

مما لا شك فيه أنَّ الأبَ هو أوْلى الناس بالإشراف على مالِ أطفاله؛ وذلك لِمَا أَودع الله في قلبه مِن رحمة وعطف على أولاده.

 

وقد نَصَّ القانون المصري على ذلك صراحةً؛ فطالما أن الأب موجودٌ فهو أَولى مِن غيره بإدارة أموال ولده والإشراف عليها، فإذا لم يكن الأب موجودًا كانت الولاية لمن يختاره الأب، وهو المسمَّى بوصي الأب.

 

فإن لَم يكن الأب قد اختار شخصًا انتقلت الولاية إلى الجد الصحيح (المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952).

 

سلطة ولي المال:

حدَّد المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 سلطات ولي المال في المواد 3 - 14 منه، وتختلف سلطةُ الولي حسَبَ الشخص الذي ثَبتت له هذه السلطة؛ فالأب هو - بطبيعة الحال - يملك مِن السلطات على مال الصغير ما لا يملكه غيره؛ وذلك لَمِا أودع الله في قلبه من عطف ورحمة وشفقة - كما أشرنا.

 

ومع هذا فإنَّ القاعدة التي تجب مراعاتها عند تحديد سلطة ولي المال - أبًا كان، أو جَدًّا، أو وصِيًّا - تَرجع إلى مصلحة الصغير وحماية أمواله.

 

وقد تضمَّنت الموادُّ القانونيةُ المشار إليها بعضَ الأحكامِ العامة التي يَتعيَّن على الأولياء جميعًا مراعاتُها والالتزام بها، ومِن هذه الأحكام ما يأتي:

أولاً: ما نصَّت عليه المادةُ الرابعة مِن أنه: "يقوم الولي على رعاية أموال القاصر، وله إدارتُها، وولاية التصرُّف فيها، مع مراعاة الأحكام المقررة في هذا القانون".

ثانيًا: عدَمُ التبرُّع بأموال القاصر، إلا لأداء واجب إنساني أو عائلي وبإذن المحكمة.

ثالثًا: لا يجوز للولي التصرُّفُ في عَقَار القاصر لنفسه أو لزوجته، أو لأحد أقاربه أو أقاربها إلى الدرجة الرابعة، إلاَّ بإذن المحكمة.

رابعًا: لا يجوز للولي إقراض مال القاصر أو اقتراضه، إلا بإذن المحكمة، ويَسري هذا المنْعُ على تأجير عقار القاصر لمدَّةٍ تتجاوز بلوغَه سِنَّ الرُّشْد، إلا بإذن المحكمة.

خامسًا: لا يجوز للولي الاستمرارُ في تجارةٍ آلَتْ إلى القاصر إلا بإذن المحكمة.

سادسًا: هنالك بعض الأموال التي لا يستطيع الولي التصرُّفَ فيها، وهي تلك الأموال التي تَؤُول إلى الطفل عن طريق التبَرُّع مِن شخص، يُشترط عدم خضوع هذه الأموال لسلطة الولي؛ حيث يتعيَّنُ احترام شرط المتبرع، وحينئذٍ تتولَّى المحكمةُ النظَرَ في هذا الأمر.

 

هذه القيود تَسري على الأولياء بصفة عامة، غير أنَّ القانون المصريَّ أَعطى الأَبَ بعْضَ سلطاتٍ أوسع، كما أنه حدَّد مسؤولية الأب على نحوٍ مختلفٍ عن مسؤولية غيره من الأولياء الآخرين".

 

سُلطة الأب ومسؤوليته:

سلطة الأب أقوى وأوسع نطاقًا مِن سُلطة غيره؛ ذلك أن القانون المصري قد استثنى الأب من بعض القيود السابقة.

(أ) فأَباح للأب - وحدَه دون غيره - أن يَتعاقد مع نفسه باسم القاصر، سواءٌ ذلك لحسابه، أو لحساب شخص آخر، مع ملاحظة ما ورد على ذلك من استثناءات.

وعلى العموم فقد افترض القانون المصريُّ أن تصرُّفاتِ الأب في مال الصغير قد صدَرت منه؛ تحقيقًا لمصلحة هذا الصغير نفسه، هذا هو الأصل.

ومع ذلك إذا ثبَتَ أنَّ الأب قد أضَرَّ بتصرُّفاته مصلحة الطفل، فإنَّ هذا التصرُّفَ لا يُعتبر نافذًا، ومن باب أولى إذا ثبت أنه مبذِّر، ولا يُحْسن إدارةَ أموال القاصر، فإنَّ المحكمة لها سُلطةُ عزْلِه، وتعيينِ وصِيٍّ مِن قِبَلها.

وعن مسؤولية الأب نَصت المادة 4 مِن المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أنه: "لا يُسأل الأب إلا عن خطئه الجسيم".

 

سلطة الجد ومسؤوليته:

أما عن سلطة الجد فإنها أقل نطاقًا من سلطة الأب؛ ذلك أنَّ المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 نَصَّت على أنه لا يجوز للجد - بغير إذن المحكمة - التصرُّفُ في مال القاصر ولا الصلحُ عليه، ولا التنازلُ عن التأميناتِ أو أضعافها.

وهكذا صارت سلطةُ الجَدِّ على أموال حفيده - لا تختلف كثيرًا عن سلطة الوَصِي.

وأمَّا عن مسؤوليته فقد نَصت المادة 24 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 على أن الجَدَّ يسأل مسؤولية الوصي.

 

الوصي: سلطته ومسؤوليته:

الوصِيُّ: هو الشخص الذي يَختاره الأب للإشراف على أموال أولاده القُصَّر، أو هو الذي تُعَيِّنه المحكمة للإشراف على أموال الصغير.

وغنِيٌّ عن البيان أنه يشترط في الوصي أن يكون ذا أهليةِ أداءٍ كاملة، بأن يكون بالغًا عاقلاً رشيدًا، وأن يكون أمينًا، قادرًا على إدارة أموال الصغير.

وقد نصت المادَّة 27 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 على أنه يجب في الوصي أن يكون عدْلاً، كفئًا، ذا أهليَّةٍ كاملة.

 

ولا يجوز - بوجه خاصٍّ - أن يُعيَّن وُصَاة:

1- المحكوم عليه في جريمة من الجرائم المخِلَّة بالآداب، أو الماسة بالشرف والنَّزاهة.

2- مَن حُكم عليه لجريمة كانت تقتضي - قانونًا - سلْبَ ولايته على نفس القاصر لو كان في ولايته.

3- مَن كان مشهورًا بسوء السيرة، أو مَن لم يكن له وسيلةٌ مشروعة للتعَيُّش.

4- المحكوم بإفلاسه إلى أن يُحكم برَدِّ اعتباره.

5- مَن سبَق أن سُلِبت ولايتُه، أو عُزِل من الوصاية على قاصر آخر.

6- مَن قرَّر الأبُ قبل وفاته حرمانَه مِن التعيين متى بَنَى هذا الحرمانَ على أسباب قويَّة.

7- من كان بينه - هو أو أحدِ أصولِه أو فروعِه أو زَوْجِه - وبين القاصر نزاعٌ قضائي، أو مَن كان بينه وبين القاصر أو عائلته عداوةٌ، إذا كان يُخشى مِن ذلك كلِّه على مصلحة القاصر.

ويجب - على كل حال - أن يكون الوصِيُّ مِن طائفة القاصر، فإن لم يكن فمِن أهل مذهبه، وإلا فمِن أهل دينه.

 

مسؤولية الوصي:

وَضع القانون المصريُّ القاعدةَ العامة في ذلك، والتي تقوم على وجوب مراعاة مصلحة الصغير في كل تصرُّف يُجريه الوصي (المواد 38 - 40 ولاية على المال).

فقد نصت المادة 38 من المرسوم بقانون المشار إليه على منع الوصي من التبَرُّع بمال القاصر، إلا لِوَاجب إنساني أو عائلي وبإذن المحكمة.

وقد أَخضعت المادة 39 من المرسوم بقانون المشار إليه - معظمَ تصرُّفات الوصي لإذن المحكمة؛ ضمانًا لمصلحة الصغير، ولم تَستثْنِ مِن ذلك إلا أعمال الإدارة وما يرتبط بها؛ حيث نصَّت المادة المذكورة على هذه التصرُّفات، وساقَتْها تفْصيلاً في سبعةَ عشَرَ بندًا، أهمُّها:

جميع التصرُّفات التي مِن شأنها إنشاءُ حقٍّ من الحقوق العينيَّة العقارية الأصلية أو التبعية، أو نقله، أو تغييره، أو زواله، وكذلك جميع التصرفات المقررة لحق من الحقوق المذكورة، والتصرف في المنقولات أو الحقوق الشخصية أو الأوراق المالية، فيما عدَا ما يَدخل في أعمال الإدارة، وكذلك الصلح والتحكيم، وحوالة الحقوق والاستثمار، والإقراض وإيجار العقارات - كما أشَرْنا.

وهكذا فإنَّ المادة 39 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 نصَّتْ على جملة من التصرُّفات التي تكاد تجعل عملَ الوصي مقصورًا على الإدارة فقط، وهذا احتياطٌ من القانون المصري، جَعَل أكثر تصرُّفات الوصي خاضعةً لإذْن المحكمة.

أمَّا عن مسْؤولية الوصي فإنه يُسأل مسؤوليةً كاملةً عن كل ضرَرٍ ينال الصغيرَ في ماله؛ نتيجةَ تقصير الوصي أو إهماله؛ ذلك أن الوصيَّ يَخضع في كل تصرُّفاته الأساسية لإذن المحكمة، فهي التي لها سلطة تعيين الأوصياء، كما أنها تُشرف عليهم وعلى الأولياء، وتحاسبهم، محافظةً على أموال القاصرين ومَن في حكمهم؛ حيث تستطيع أن تسلب الوصاية، بل والولاية إذا رأت أن مصلحة الصغير تستوجب ذلك.

 

أجر الوصي:

يقول الله - تبارك وتعالى - في هذا الشأن: ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6]؛ ولذلك فإنَّ المادة 46 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 تنص على أنه "تكون الوصاية بغير أجر، إلا إذا رأت المحكمة بناءً على طلب الوصي - أن تُعيِّن له أجْرًا، أو تمنحه مكافأةً عن عمل معيَّن".

 

الباب الثاني

في نفقة الأولاد والأقارب

 

سبق أن عرَّفنا النفقة شرعًا بأنها: الشيء الذي يَبذله الإنسان فيما يحتاجه - هو أو غيره - مِن الطعام والشراب ونحوهما.

 

القرابة الموجبة للنفقة هي الرابطة الأُسَرية التي تقوم على قرابة الدم وصلة النسب، والتي من شأنها أن تُوجِدَ صلة التراحم والتَّوادُدِ بين أفرادها، وكلمة (قرابة) تشمل الأصولَ والفروع والحواشي.

• الأصول يُراد بهم: الأب، والجد وإن علا، والأم، والجدة كذلك وإن عَلَت.

• والفروع يُراد بهم: الأولاد، وأولاد الأولاد وإن نزلوا.

• والحَوَاشي: مثل الإخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأولاد هؤلاء جميعًا.

 

وقرابة الأصول والفروع أقوى وأوثق من سائر القرابات؛ ولذلك فلا يصح ولا يليق أن يُطلَق على الأب لفظ قريب، ومَن يستعمل هذه العبارة يُعتبر عاقًّا؛ لأن الصلة القائمة بين الولد وأبيه أقدس مِن أن تُوصف بمثْل هذا الوصف، الذي لا يعطيها حقها المقَرَّر لها شرعًا؛ فالأولاد جزء من الأبوَين، والأبوان أصْلٌ لهما.

 

ولذلك فقد أَطلق الفقهاءُ على نفقة الأُصُول والفروع نفقةَ الأولاد، أي النفقة التي سبَبُها الولادة، وأطلقوا على نفقةِ مَن عَدَاهم نفقةَ الأقارب.

 

وهكذا فالقرابة التي هي قائمة على صلة الدم وقرابة النسب - هي وحدها التي تستوجب الإنفاق، أما الصلة القائمة بسبب الرضاع، فإنها لا تُوجب نفقةً، وذلك لا يمنع من تدعيمها بالبر والإحسان؛ استحبابًا، لا وجوبًا.

 

وتفصيل القول في نفَقة الأولاد والأقارب يَتطلَّب مِنَّا أن نبحث الأسُسَ التي تقوم عليها أحكامُ النفَقة، ثم آراءَ الفقهاء في نفَقة الأقارب، والسبب الموجب لها، فإذا ما عَلِمنا أسسَها وأسبابها وجَبَ البحْثُ عن شُرُوطها.

 

وأخيرًا بيان الحكم الواجب اتباعه، عندما يتعدَّد الأقارب المستحِقُّون للنفقة، أو الذين تجب عليهم النفقة.

 

نبحث ذلك في الفصول الثلاثة الآتية:

الفصل الأول: في الأسس التي تقوم عليها أحكام النفقة.

الفصل الثاني: شروط نفقة الأقارب.

الفصل الثالث: ترتيب الأقارب عند التعدد.

 

الفصل الأول

في الأُسُس التي تقوم عليها أحكام النفَقة

 

الأسس التي تقوم عليها أحكام النفقة إمَّا أن تكون أصلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية، أي موجودة فيهما وُجودًا يُفِيد الحكم مباشرةً، وإمَّا أن تكون قاعدةً فقهيةً أو أصوليَّةً عامةً يَستند إليها الحكمُ مِن ناحية التدْليل العقلي.

 

وفي بيانِنا للأُسُس التي تقوم عليها أحكامُ النفَقة، نَتَكَلَّم عنها من هاتَيْن الناحيتَيْن في مبحثين، على النحو الآتي:

المبحث الأول: النُّصوص الواردة في النفَقة.

المبحث الثاني: آراء العُلماء في سبب وُجُوب النفَقة.

 

المبحث الأول

في النُّصوص الواردة في وُجُوب النفَقة

1- إنفاق الإنسان على نفسه وما ورد فيه.

2- النصوص الواردة في القرآن الكريم.

3- النصوص الواردة في السنة النبوية.

4- ما يُستفاد من هذه النصوص.

 

إنفاق الإنسان على نفسه:

الأصل أن ينفق الإنسان على نفسه، فيسعى ليقتات ويتعايش؛ قال الله: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

 

فالله - عزَّ وجلَّ - هيَّأ لِعباده أسبابَ الرِّزْق[2]، وطلَب منهم السعْيَ للحصول على ما قدَّره لهم، وبناءً على ذلك فلا تجب نفَقة الشخص على غيره إلا للحاجة، وبالقدر اللازم لسدها، ومِن هنا كان إنفاق الإنسان على نفسه وعلى أولاده الصغار.

 

ولكن يُستثنى من القاعدة السابقة نفقةُ الزوجيَّة؛ حيث وَجبَت للاحتباس، كما سبق أن بيَّنَّا، ويُستثنى كذلك نفقة الأُصُول؛ إذ لا يُشترط في وجوب الإنفاق عليهم العَجْزُ عن التكَسُّب.

 

أمَّا الأقارب الآخرون فلا تجب لهم النفقة على أقاربِهم، إلا إذا توافرتِ الشروطُ التي نَبحثها تفْصيلاً بعد دراستنا للنُّصوص وآراء الفُقهاء.

 

نُصوص القرآن الكريم:

نَصَّ القرآن الكريم في آيات كثيرةٍ على وُجُوب نفقة الأولاد والأقارب، مِن ذلك قولُ الله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ... ﴾ [البقرة: 233].

 

وقولُه - جلَّ شأنُه -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 215]، وقولُ الله - تبارَك وتعالى -: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15].

 

وفي الكتاب العزيز آيات بيِّنات كثيرة تؤكِّد هذا المعنى، وردت في سور عديدة[3].

 

الأحاديث الواردة في هذا المعنى:

وردت في هذا المعنى أحاديث كثيرة جدًّا، نقتصر منها على ما يأتي:

1- ما رواه النسائي عن طارق المحاربي قال: قدمْتُ المدينة، فإذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائم على المنبر يَخطب الناس وهو يقول: ((يدُ المعطِي العليا، وابدأ بمن تعول؛ أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، ثم أَدْناك أدناك))[4].

2- وعَن كليب بن منفعة، عن جده أنه أتى النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، مَن أبَرُّ؟ قال: ((أمَّك وأباك، وأختك وأخاك، ومَوْلاك الذي يلِي ذاك - حقٌّ واجب، ورحِمٌ موصولة))[5].

3- وعنْ أبي هُريرة قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، أي الناس أحَقُّ مِني بحُسن الصحابة؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((أمُّك)) قال: ثُم مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثُم مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثُم مَن؟ قال: ((أبوك))؛ متَّفَق عليه[6].

فهذه الأحاديث الشريفة جامعةٌ لكل وُجُوه النَّفَقة، ولكل مَن تجب له النَّفَقة، فالإنسانُ يُنفق على نفسِه وزوجِه وأوْلاده، وأمِّه وأبيه، وأُخْته وأَخِيه، وهكذا.

 

وعلى ذلك فالإنفاقُ على الأولاد الصغار الفقراء العاجزين عن الكسب - أمْرٌ أوْجبَه الله على الأب وحدَه، لا يشاركه فيه أحَد، حتى لو كان الأبُ مُعسِرًا؛ لأن الولد جُزء مِن أبيه، فالإنفاق عليه بسبب هذه الجزئيَّة، فهو كالإنفاق على نفْسه.

 

ومِن ناحيةٍ أخرى فإنَّ الإنفاق على الأب الفقير أوْجبه الله على أوْلاده القادرين بالتَّساوي فيما بينهم[7]؛ لأنَّ نفقة أبِيهم تَجِب عليهم بسبب هذه الجُزئيَّة، فكان الإنفاق على الأب واجبًا على الأولاد، ولا فرْق بين الذكر والأنثى، ولا بين الوارث وغير الوارث.

 

والأم مثل الأب متى كانتْ فقيرةً، وليست زوجةً للغير، بل هي مقدَّمَة على الأب بنص الحديث.

 

المبحث الثاني

آراء الفقهاء في نفقة الأقارب

1- ضابط القرابة الموجِبَة للنفقة.

2- السبب الموجِبُ للنفقة.

اختلفَ الفُقهاء في تحْديد الأقارب الذين يجب عليهم الإنفاق، هل يجب على القريب مُطلقًا أيًّا كانتْ درجة قرابته؟ أو أنَّ لذلك حدًّا محدودًا، وضابطًا معيَّنًا يُمْكن الاستناد إليه في تَحْديد القريب الذي يجب الإنْفاق عليْه، أو الذي يكلَّف بالإنفاق على غيره مِنْ أقاربه؟

 

للفقهاء في ذلك آراء أربعة:

الرأي الأول: رأي الحنفيَّة، وهم يقولون: إنَّ النَّفَقة واجبة بسبب القرابة المَحْرَمِيَّة؛ أي القرابة التي يَحرم الزواج بسببها.

وطبقًا لهذا المعيار الذي وضعه فقهاءُ المذهبِ الحنفي، فإنَّ النفقة تجِب للأُصُول على الفروع وإنْ نَزلوا، وللفروع على الأصول وإن عَلَوْا، وكذا لباقي الأقارب ذوي الرحم المحرم، كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وكذلك أولاد الإخوة وأولاد الأخوات، تجب لهم النفقة، وتجب كذلك عليهم؛ لأنَّ قرابتهم محرميَّة؛ أي: مانِعة من الزواج.

أمَّا غير المحارم - كأولاد العم، وأولاد الخال، وأولاد الخالة - فقرابة هؤلاءِ قرابة غير مَحرميَّة، وبالتالي فإنَّها لا تستوجب الإنفاق.

وهكذا توسَّع الحنفية، فشملت الإخوة والأخوات وأولادهم، وشملت كذلك الأعمام والعمات والأخوال والخالات، دون أولادهم.

 

وقد استدل الحنفية على هذا التوسُّع بقوله - تعالى -: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36]، وقوله - سبحانه -: ﴿ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النحل: 90]، فقالوا: إن المقصود بذي القربى في الآيتين القرابة المحرميَّة؛ لأنها قرابة قويَّة.

 

ويُؤَكِّد ذلك قراءةُ عبدالله بن مسعود: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ - ذي الرَّحِم المحرم - مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 233] بزيادة ذي الرحم المحرم.

 

كما أنَّ القرابة المحرميَّة أوجب الشارعُ فيها الصلةَ، وحرَّم القطعيَّة، فقد أمر الله - تعالى - بصلة الرحِم، وأَكَّد ذلك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وقرابة الرحم المحرم مِن أَولى القرابات، فكانتْ أولاها بالصِّلة والموَدَّة والإنفاق.

فالحنفيَّة يربطون وُجُوب النفقة بالقرابة المحرمية دون نظر للإرْث، وجعلوا أساسها الصِّلة، وعلى هذا فالنفَقة عندهم تجب على الخال؛ لأنه قريب محرم، ولا تجب على ابن العم؛ لأنه قريب غير محرم، مع أن الإرث يثبت لابن العم دون الخال.

 

الرأي الثاني: رأي الحنابلة، وهم يربطون وُجُوب النفقة بالإرث.

والحنابلة - على هذا - أكثر توسُّعًا من الحنفيَّة؛ فوجوب النفقة يشمل - عندهم - كثيرًا من القرابات حتى غير المحرمية، فما دام القريب وارثًا، فإنه يجب عليه الإنفاق.

 

واستدلُّوا بقوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ فقالوا: إنَّ الآية جعلت النفقة واجبة على كلِّ وارث، وربطت النفقة بالإرث، ولم تقيِّد الوارث بكونه محرمًا أو غير محرم.

وقد رُوِي ذلك عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وجماعة من التابعين، فكما أن القرابة بين الوارثين اقتضت استحقاق أحدهما مال الآخر أو جزءًا منه، فكذلك لزم أن تقتضي القرابة وجوب النفقة للمستحق على القادر؛ إِذِ الغُرْمُ بالغُنْم.

وحيث إنهم جعلوا الميراث هو مَنَاطَ وجوبِ النفقة، فالقريب غير الوارث لا تجب عليه النفَقة؛ ولذلك قالوا: إنَّ اختلاف الدين مانع مِنْ وُجُوب النَّفَقة؛ لأنه مانع منَ الميراث.

وبالنسبة للأقارب ذوي الأرحام كالأخوال والخالات، فإن النفقة لا تلزمهم لضَعْف قرابتهم، وإن ورثوا في بعض الأحيان؛ لأنَّ إرْثَهم في الواقع لا يكون إلا إذا انْعَدَم أصحاب الفروض والعَصَبات.

وقيل: تَلزمهم النَّفَقة على هذا الاعتبار الأخير؛ ولِمَا رُوي أن عمر بن الخطاب قضى بذلك.

 

الرأي الثالث: رأى الشافعية، وهم يجعلون وُجُوب النفقة مقصورًا على الأصول والفروع، فالأصول يجب عليهم الإنفاق على فروعهم؛ بمعنى: أنَّ الأب والجد - وإن عَلا - يجب عليه أن ينفق على أولاده ذكورًا وإناثًا، وأولاد أولاده كذلك، مهما نَزَلت درجة هؤلاء الأولاد.

وكذلك الأم والجدة - وإن عَلَت درجتُها - على كلٍّ منهما الإنفاقُ على فرعها الفقير.

ومن ناحية أخرى، فإن الفروع مهما نزلت درجتهم، يجب عليهم الإنفاق على أصولهم وإن علَتْ درجتهم، فالابن أو البنت، كل منهما ينفق على أبيه أو جده وإن علا، وكذلك يجب على كل منهما أن ينفق على أمه وجدته وإن علت درجتها.

فالشافعية - كما قلنا - يَقصرون وجوبَ الإنفاق على الأصول مهما علت درجتهم، والفروع مهما نزلت درجتهم.

وقد استدلوا لمذهبهم - بأن الجَدَّ - وإن علا - يُعتبر أبًا، وأن ابن الابن وإن نزل يعتبر ابنًا – بقوله - تعالى -: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج: 78]، فالقرآنُ الكريم قد سَمى إبراهيم - عليه السلام - أبًا مع أنه بالنسبة للمخاطَبين جَد بعيد.

وكذلك قوله - تعالى -: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]؛ حيث اتفق الفقهاء على أنَّ ابن الابن في الميراث يأخذ حكم الابن، ويقولون - كذلك - أن النصوص الواردة في وجوب نفقة الأقارب جاءت خاصَّةً بوجوب النفقة على الوالد والأولاد.

ولما كان الأصول آباءً والفروعُ أبناءً، فإنهم يَدخلون في عموم النص في قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].

 

الرأي الرابع: رأي المالكية: وهذا الرأي يضيق من دائرة وجوب النفقة إلى أبعد الحدود، فهم يحصرون نفقة الأقارب في حدود ضيقة جدًّا؛ ذلك أنهم يجعلونها خاصَّةً بالأصول والفروع المباشِرِين فقط:

بالأصول المباشرين فقط، أي الأب والأم فقط دون الجد والجدة، وبالتالي دُون مَن علاهما.

وبالفروع المباشرين فقط، أي بالابن والبنت الصُّلْبِيَّيْن فقط، دون ابن الابن ودون بنت الابن.

فالشخص لا يجب عليه الإنفاق إلا على أبيه وأمه فقط، كما لا تجب عليه إلا نفقة أولاده المباشرين فقط، متى كانوا محتاجين، ولهذا الوجوب حَدٌّ محدود، بالنسبة للابن حتى يبلغ، وبالنسبة للبنت حتى تَتَزَوَّج.

فمعيارُ وُجُوب النفَقة في مذهب المالكية هو القرابة الخاصة، لا مطلق القرابة؛ إذ لا علاقة للنفقة بعموم القرابة، ولا علاقة لها أيضًا بالإرْث، فلا تجب على الشخص نفقةُ جدِّه أو جدته، ولا تجب عليه كذلك نفقة ابن ابنه ولا بنت أبيه، ومن باب أولى لا تجب عليه نفقة إخوته أو أعمامه.

على أنهم يقولون: إن وجوب النفقة - في نطاقها المحدود - لا يَعتبر اختلافَ الدِّين مانِعًا لها، فتجب نفقة الأب غير المسلم على ابنه المسلم.

 

ويَستنِد المالكيَّة في هذا إلى أن نصوص الكتاب والسنة الموجِبة للنفقة جاءت خاصَّةً بالأبوين وبالأولاد فقط، قال - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233] فالآية يُستفاد منها وجوب النفقة للأولاد المباشرين.

 

وأما قوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾، فالمراد منها عدم الإضرار بالوارث؛ لأن هذه العبارة من الآية الكريمة معطوفةٌ على قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ تنفي المضارَّةَ عن الوارث، كما هي منفية عن الوالد والوالدة.

 

هذه هي آراء الفقهاء في ضابط القرابة الموجبة للنفقة، ففقهاء المذهب الحنفي يقولون: إنَّ القرابة الموجبة للنفَقة هي القرابة المحرميَّة؛ أي التي يحرم الزواج بسببها، والحنابلة يقولون: إنَّها القرابة الموجبة للتوارُث، والشافعية يقولون: هي قرابة الأصول مطلقًا، والفروع مطلقًا، وأما الحواشي فلا، والمالكية يقولون: إنَّها قرابة الأبوَيْن المباشرين فقط، والفُرُوع المباشرين فقط.

 

ومِن استعراضِنا لأدلة كل فريق يُمكن القول - بصفة عامة -: إنَّ الراجح مِن هذه الآراء هو المذْهب الحنبلي؛ لأنَّه - في الواقع - وَضع ضابطًا محدَّدًا، وهو في نفس الوقت يساير القواعد العامة، هذا الضابط يتلخَّص في أن القرابة الموجبة للإرْث هي القرابة التي يجب الإنفاق بسببها، فضلاً عن أنَّ في الأخذ بهذا الرأي توسعةً في الكافل والرابط بين الأسر.

 

وقلنا: إن هذا الرأي هو الراجح بصفة عامة؛ لأن ترجيحه لا يمنع من الأخذ ببعض الجزئيات من المذاهب الأخرى، التي تقول بوجوب النفقة بين الأصول والفروع حتى عند اختلاف الدين، هذه الجزئية لها وجاهتها واعتبارها، وإن كان الحنابلة لا يقولون بها.

 

ذلك أن الله تعالى أوصى الإنسان بالإحسان إلى والديه، حتى ولو كانا مخالفَين له في الدين؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 14 - 15].

 

سبب وجوب نفقة الأقارب:

من هذه الآراء التي عرضناها، والتي بيَّن كلُّ مذهب وجهةَ نظره في وصف القرابة الموجبة للنفقة، يمكننا أن نصل بسهولة ويُسرٍ إلى سبب وجوب نفقة الأقارب.

 

ذلك أن هنالك أمرًا متفَقًا عليه بين الفقهاء - ولا ينبغي أن يكون محلاًّ لخلاف - وهو أن نفقة الأبوين المباشرين واجبة على الأولاد المباشرين، وكذلك نفقة الأولاد المباشرين واجبة على الأبوين المباشرين، وهذا أمر لا خلاف فيه، أي هو الحد الأدنى المتفق عليه بين الفقهاء، والسبب في الوجوب هنا هو الرابطة المباشرة بين الأب والابن، فالابن جزء من أبيه، وهذه الجزئية هي سبب للنفقة، ولما كان الأصل المباشر هو السببَ في وجود هذا الفرع، فإن يجب أن يلتزم الفرع بنفقة من كان سببًا في وجوده، وهذه الجزئية الموجبة للنفقة لا تتأثر باختلاف الدين على ما قرره جمهور الفقهاء، خلافًا للحنابلة.

 

أما الحنابلة فهم يقولون: إنَّ سبب وجوب النفقة - بين الأصول المباشرين والفروع المباشرين - هو الجزئية، مع أهلية الاستحقاق للإرث؛ ولذلك فإنهم لم يوجبوها مع اختلاف الدين.

 

وفيما عَدا قرابة الولادة المباشِرة اختلف الفقهاء في سبب وجوب النفقة على الأقارب الآخرين؛ فالمالكية لا يوجبونها لغير القرابة المباشرة؛ لأن السبب عندهم هو الجزئيَّة، وهي لا تتوافَر إلا في الوالدين المباشرين وفي الأولاد المباشرين.

 

والشافعية يقولون: السبب هو الجزئية، غير أنهم يقيسون الجد على الأب، والجدة على الأم، وابن الابن على الابن، وهكذا تجب نفقة الأقارب على الأُصُول وللفروع مطلقًا.

 

أما الحنفيَّة والحنابلة فقد توسَّعوا في مفهوم القرابة الموجبة للنفقة، كما سبق فيه؛ عند الحنفية تشمل كل قرابة محرمية: أي إنها تَتَضَمَّن قرابة الأصول والفروع، وكذلك الحواشي القريبين كالإخوة والأخوات، والبعدين نسبِيًّا كالأعمام والعمات والأخوال والخالات.

 

وأما عند الحنابلة فهي تمتد إلى هذا النطاق الذي قرَّره الحنفيَّة، ويوسِّعون فيه إلى درجة أنَّ النفقة الواجبة تشمل حتى غيرَ المحارم ما داموا وارثين.

 

وعلى هذا فسبب وُجُوب النفقة عند الحنفية هو الجزئيَّة بالنسبة للأُصُول والفُرُوع، والقرابة المحرميَّة بالنسبة للحواشي، مع مجرد أهلية الميراث لا حقيقة الميراث.

 

أما سبب وجوب النفقة عند الحنابلة فهو الاستحقاق في الإرث مع القرابة، ولو غير المحرميَّة.

 

الفصل الثاني

في شروط استحقاق نفقة الأقارب

1- حاجة القريب المستحِق.

2- يسار القريب المنفِق.

3- الشروط المختلف فيها.

 

يَشترط الفقهاء لاستحقاق النفقة - باستثناء نفقة الزوجة - شرطين أساسيين اتفق عليهما الفقهاء بصفة عامة، وهذان الشرطان هما:

1- أن يكون المستحق للنفقة محتاجًا.

2- أن يكون مَن تجب عليه النفقة موسِرًا.

وهنالك شروط أخرى هي موضع تفصيل، بل وخلاف بين الفقهاء، هذه الشروط: القرابة المحرمية، ومنها أيضًا اتحاد الدين، ومنها كذلك ما أشار إليه البعض باتحاد الدار.

 

ونحن سنتناول هذه الشروط بشيء من التفصيل:

الشرط الأول من الشروط المتفق عليها: كون الشخص المراد الإنفاق عليه محتاجًا؛ وذلك لأن الأصل - كما سبقت الإشارة - أن يسعى الإنسان لِيَقتات ويتعايَش، فإذا كان غيرَ محتاج انتفى موجب الإنفاق.

 

وهذا الشرط يُنظر إليه مِن ناحيتين؛ الأولى: ناحية الأصول، وهنا تفسَّر الحاجة بالإعسار، فلما كان الأصل معسِرًا، وَجب على الفرع أن ينفق على هذا الأصل المعسر.

 

والناحية الثانية الأقارب من غير الأصول: وهنا تفسر الحاجة على أنها الإعسار الناشئ عن عدم القدرة على الكسب؛ إذ لا بدَّ لِتحقُّق الحاجة بالنسبة لغير الأصول - من اجتماع الإعسار والعجز عن التكسُّب، والعجز عن التكسب يكون لصغر أو أنوثة أو شيخوخة أو مرض أو تعَلُّم.

 

إلا أنه إذا كان للصغير - ومَن في حكمه - مالٌ في يد أبيه، فإنه يكون للأبِ الحقُّ في الرجوع بالنفقة على مال الصغير، وذلك متى أشهد عند الإنفاق أنه غير متبَرع فيه.

 

ومن ناحية أخرى إذا كان لطالب النفقة مال غائب، أمَرَ مَن تجب عليه نفقته بالإنفاق عليه، وكان له الرجوع بما أنفقه عند حضور المال، ويشترط هنا أن يكون الإنفاق بأمر القاضي، وإلا اعتُبر المنفِق متبرِّعًا.

 

أما إذا لم يكن له مال، فإن كان مِن الأصول استحق النفقة أو ما يكملها، إذا كان له مال لا يكفي، ولا يلزم الأصل بالتكسب؛ إذ لا ينبغي للولد الموسر أن يُلزم أباه أو جدته أو جده بمشاق التكسب والكد والتعب.

 

وبالنسبة للأقارب من غير الأصول، لا بدَّ لوجوب النفقة من وجود الإعسار، مع العجز عن التكسب، فإن كان قادرًا على الكسب ولم يفعل، فليتحمل نتيجة تقصيره.

 

وقد سبقت الإشارة إلى أنه مِن مظاهر العجز عن التكسُّبِ الصِّغَر والأنوثة والشيخوخة والتعلُّم.

 

أمَّا الصغر فالمراد به مَن لم يبلغ حد التكسُّب وهو ما دون الثانية عشرة، فإذا كان الصغير فوق ذلك، جاز إجباره على العمل ما دام غير مشتَغِل بالتعليم، وليس به مرَض مانع.

 

كما أن الفقهاء اتَّفقوا على أن الأنوثة دليل العجز عن التكسُّب، فلا تُجبَر الأنثى الفقيرة على العمل، وإنما تُجاب لطلب النفقة، إلا إذا كانت متزوجةً، أو إلا إذا كانت تتكسب بالفعل.

 

ومن ناحية أخرى، فإن الرجل إذا كان غيرَ قادر على الكسب - لشيخوخة أو مرض مُزْمِن - فإنه يعتبر عاجزًا عن الكسْب، وبالتالي تجب له النفَقة.

 

كما أن الاشتغال بطلب العلم على وجْه يَحول بين الشخص وبين التكسُّب يجعله عاجزًا عن الكسْب، حتى ولو كان بالغًا، بشرْط أن يكونَ رشيدًا في دراسته جادًّا فيها.

 

فإذا كان المشتغل بالتعليم والدرس فقيرًا، فإن نفقته تجب على مَن تلزمه نفقته؛ أبًا كان أو غيره، ورسوبه مرَّةً أو مرتين لا يُنافي رشْده العلمي، ولا يُعتبر دليلاً على فشله فيه.

 

ويلاحَظ أن الاشتغالَ بالدراسة إذا كان لا يَتنافى مع العمل مثل الاشتغال بالدراسات العليا، فإن ذلك لا يكون موجِبًا للإنفاق، بل نفقته تجب عليه مِن كسبه، ومن سعيه الخاص ما دام قادرًا عليه.

 

الشرط الثاني: يسار القريب المنفق:

الشرط الثاني من الشروط المتفق عليها: أن يكون القريبُ موسِرًا حتى تجب عليه نفقة أقاربه، فهذا الشرط مطلوب توافُره في المنفق ما لَم يكن والِدًا، كما سيأتي:

ذلك أن أساس وجوب النفقة على الأقارب - غير الأب - هو الصلة القائمة على الإحسان والبر، والصِّلاتَ لا تجب إلا على الأغنياء القادرين.

 

وقد حدَّدوا اليسار بأن يكونَ عنده نصاب الزكاة زائدًا عن نفقته.

 

وإذا تعدَّد الأقارب الموسرون وتَفاوَتَ يَسارُهم؛ فذهب بعض الفقهاء إلى وجوب النفقة عليهم بالتساوي، بغَضِّ النظر عن تفاوتهم في اليسار، وذهب البعض الآخر إلى أنه إذا كان التفاوت كثيرًا فإنه ينبغي توزيع النفقة الواجبة عليهم بحسب هذا التفاوت، كما سيأتي.

 

وقد اتجه القضاء إلى الأخْذ بهذا الرأي الأخير؛ لما فيه من تحقيق العدالة أكثر من غيره.

 

وهكذا، فشرط اليسار مطلوب في المنفق ما لَم يكن أبًا؛ حيث اتَّفق الفقهاء على أن الأب يجب عليه نفقة أولاده الصغار الذين لا مال لهم، بل والكبار الفقراء العاجزين عن الكسب، وإن كان الأب فقيرًا؛ وذلك لشدَّة الصلة، فكما أن نفقته تجب عليهم إن كان فقيرًا، مِن غير تكليفه بالكسب، فكذلك نفقتهم تجب عليه ولو كان معسرًا، ما دام قادرًا على الكسب.

 

وهذا أمرٌ تقْتضيه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا خصوصية للإنسان في هذا، فكل كائن حي - بحكم ما أودع الله فيه من غريزة - يَعطف على نسله، ويُنفِق عليهم، ويتعهدهم بالرعاية حتى ينفصلوا عنه.

 

ويقول الشُّرَّاح: إن وجوب النفقة على الأب للأولاد ثابتٌ في الأصل من وقت إقدام الأب على التزوج بأمهم؛ لأن ذلك أثر مِن آثار عقد الزواج، ولذلك قال الفقهاء: إنه يجب على الأب الكسْب والسعْي للإنفاق على أوْلاده.

 

وإذا كان للأب كسْبٌ لا يَفي بنفَقة أولاده، أو لَم يجد عملاً يتكسَّب منه مع قدرته عليه، فإن ذلك لا يُسقط وجوب النفقة عنه، بل يؤدِّيها أقاربه، ويكون ذلك دَينًا في ذمته يُطالَب به عند يساره.

 

بقيتْ حالة أخيرة، وهي ما إذا كان الأب فقيرًا، وفي نفس الوقت عاجزًا عن الإنفاق، فإنه في هذه الحالة يعتبر في حكم الميت، وبالتالي تسقط النفقة عنه، وتجب على من يليه من أقاربه.

 

ولكن هل يعتبر المسجون في حكم العاجز عن الكسب، أم في حكم من لَم يتيسر له الكسب؟

ذهب فريق من الفقهاء إلى أنه في حكم العاجز مطلقًا عن الكسب؛ أي: في حكم الميت، وبالتالي تجب النفقة على من يليه، ولا يطالب بشيء بعد خروجه وتكسبه، وذهب فريق آخر إلى أنه يعتبر في حكم القادر الذي لم يجد عملاً؛ أي: في حكم من لم يتيسر له الكسب، وبالتالي فإنه يَسأل عن قيمة النفقة التي أنفقها أقاربه على أولاده بعد خروجه وتكسبه.

 

والمحاكم فرَّقت بين حالتين: حالة السجن المؤبد؛ حيث اعتبرَتْه مِن قبيل العَجْز المطْلَق عن الكسب، وبالتالي فلا يُسأل عن شيء، والحالة الثانية السجن المؤقت أو الحبس، فاعتبرته من قبيل عدم تيسر الكسب مع القدرة عليه.

 

وهكذا، فإن شرط اليسار مطلوب بالنسبة للأقارب، باستثناء الأب فلا تسقط عنه نفقة أولاده، إلا بالعجز الكلي عن الإنفاق مع الإعسار.

 

غير أنه لم يظهر في أثناء هذا العرض لشرط اليسار، أثَرٌ بالنسبة لنفقة الأصول: هل يُشترط اليسار بالنسبة للإنفاق على الأصول؟

 

الواقع أن الفرع يجب عليه الإنفاق على أصوله: الأم والجدة، والأب والجد، متى كان الأصل محتاجًا، فإذا كان الفرع موسرًا، وجب عليه الإنفاق على أصوله بلا تردد.

 

وأيضًا يجب النفقة على هذا الفرْع لأُصُوله، ولو كان معسِرًا ما دام قادرًا على السعي والكسب؛ لأنه بقدرته على الكسْب يُعتبر في حكم الموسر، فيجب عليه الإنفاق على أصوله أيضًا، فإذا كان ما يكسبه يكفي لحاجته ويزيد، وجب الإنفاق بلا شك.

 

وإذا كان ما يكسبه ليس فيه فائض عن حاجته، فإنه يُجبر على أن يَضمَّ أصله إلى أولاده إن كان ذلك لا يضره.

 

فإن كان الأصلُ قادرًا على الكسْب والابن له كسب لا يَكفيه، فقد ذهَب رأي إلى أن الابن لا يجبر في هذه الحالة على ضمِّ الأصْل إليه، وذهب رأي آخر إلى أنه يجبر على ذلك؛ لدفْع الضرر عن أصْله.

 

والخُلاصة مِن هذا: أن بعض الفقهاء يرى أن شرط اليسار غير مطلوب في الفروع الذين ينفقون على أصولهم، فتجب على الفروع نفقة أُصُولهم إذا تحققت القدرةُ على الكسب، ولو لم يَتَكَسَّب بالفعل، وقد أخذت بعضُ أحكام القضاء بهذا الرأي.

 

ولكن الذي استقر عليه القضاء هو أنَّ الفرع لا تجب عليه نفقةُ أصلِه، إلا إذا كان موسرًا بكسبه الفعلي أو بماله.

 

الشروط المختلف فيها:

الشرط الأول: القرابة المحرمية:

فقهاء المذهب الحنفي هم الذين يَشترطون هذا الشرط كما سبق تفصيله.

أما الحنابلة فقد توَسَّعوا أكثر مِن توسُّع الحنفيَّة، وقالوا بإثبات النفقة لكل قريب وارث.

والمالكيَّة والشافعيَّة قصروها على الفُرُوع والأُصُول: مطلقًا عند الشافعية، والمباشرين عند المالكية.

 

الشرط الثاني: اتحاد الدين:

سبق القول أن اختلاف الدين مانع من الإنفاق عند الحنابلة؛ لأنه مانع من الميراث، ولكن غير الحنابلة لا يشترطون اتحاد الدين بين الأصول والفروع.

 

وعلى ذلك فالشافعية والمالكية لا يشترطون ذلك في وجوب الإنفاق؛ لأنهم يقصرون الإنفاق الواجب على الأصول والفروع: مطلقًا عند الشافعية، والمباشرين عند المالكية.

 

والحنفية لا يشترطون اتحاد الدين بين الفروع والأصول استحسانًا؛ لأن الصلة بينهم أقوى من الصلة بين الأقارب، وسبب الإنفاق الجزئيَّة والولادة، وهي تتحقق دائمًا، كما أن نفقة الشخص على نفسه لا تتأثر بإيمانه، فكذلك جزؤه.

 

ولكن الحنفية يشترطون اتحاد الدين بالنسبة لباقي الأقارب غير الفروع والأصول.

 

الفصل الثالث

في ترتيب الأقارب عند التعدد


سبق أن أشرنا إجمالاً إلى أن القرابة تشمل الأصول والفروع والحواشي، فنفقة الفروع واجبة على أصولهم - وأولهم الأب - بالشروط التي قدَّمْناها، ونفقة الأصول تجب على الفروع، وكذلك نفقة القريب من الحواشي تجب على القريب منهم بالشروط السابق بيانها.

 

وترتيب الأقارب عند تعددهم يكون من وجهين؛ الوجه الأول: تعدد مَن تجب عليهم النفقة، والوجه الثاني: تعدد المستحقين للنفقة، نبحث كل وجه منهما في مبحث خاص على التوالي فيما يلي.

 

المبحث الأول

في تعدُّد من وجبت عليهم النفقة

أ- الأقارب المتعددون من نوع واحد:

• من الأصول.

• من الفروع.

• من الحواشي.

 

ب- أقارب متعددون من أنواع مختلفة.

إذا تعدد الأقارب الذين وجبت عليهم النفقة، فإما أن يكونوا من نوع واحد، وإما أن يكونوا من أنواع متفرقة.

 

أ - أقارب متعددون من نوع واحد.

إذا تعدد الأقارب الذين وجبت عليهم النفقة وهم من نوع واحد؛ بأن كانوا جميعًا من الأصول، أو كانوا جميعًا من الفروع، أو كانوا جميعًا من الحواشي، فإن الحكم يختلف باختلاف هذه الأحوال الثلاثة.

 

المتعددون من الأصول:

الأصل المباشر هو الأب، ومتى كان الأب موجودًا فهو المسؤول الوحيد عن فروعه؛ طالما كان قادرًا على الكسب، وفروعُه محتاجين على النحو السابق بيانه.

 

أما عند غياب الأب، أو عجزه الكلي عن التكسب، فإن الجد ينزل منزلته، والواقع أن تعدد الأصول بعيد التصوُّر، اللهم إلا في حالة تعدُّد الأجداد الموسرين.

 

وحكم تعدد الأصول الموسرين يختلف باختلاف ما إذا كانوا وارثين أو غير وارثين.

فإن كانوا وارثين لذلك الفرع المستحق للنفقة، وجبت عليهم جميعًا بنسبة نصيب كل منهم في الميراث دون نظر إلى التفاوُت في درجة القرابة.

 

فإن كان له أم وجدّ صحيح كانت النفقة بينهما أثلاثًا؛ لأن ميراث الأم الثلث، وميراث الجد الثلثان في مثل هذه الحالة.

وأما إن كانوا كلهم غير وارثين، فإن اختلفت درجة القرابة كانت النفقة على أقربهم درجةً؛ مثل: وجود أبي الأم، وأبي أم الأم، فإن النفقة على أبي الأم.

 

وإذا اتحدتْ درجة قرابتهم مع كونهم غير وارثين، وجبت عليهم النفقة بالتساوي، كما هو الحال في وجوب أبي أم الأم، وأبي أم الأب؛ فهُما غير وارثين، وفي درجة قرابة واحدة، والنفقة عليهم بالتساوي.

 

وأما إذا كان بعضهم وارثًا، والبعض غير وارث، فإن تساوَوْا في درجة القرابة كانت النفقة واجبةً على الوارث منهم، فعند اجتماع أبي الأب وأبي الأم تكون النفقة على أبي الأب.

 

وإن اختلفت درجة قرابتهم كانت النفقة على الأقرب درجةً وإن لَم يكن وارثًا، وهذا مذهب الحنفية، وأما الحنابلة فإنهم يوجبون النفقة على الوارث تبعًا للقاعدة التي أخذوا بها.

 

المتعَدِّدون من الفروع:

الصورة المعتادة لتعدُّدِ الملزَمِين بالنفقة: هي ما إذا تعدَّد الفروع الذين تجب عليهم النفقة لأصلهم أو لأصولهم، فهذه الصُّورة هي الأكثر تصوُّرًا، بل والأكثر وُقوعًا.

 

فالأب الفقير الذي له أربعة أولاد موسرون، تجب له نفقة على أولاده الأربعة حسب الشروط المبيَّنة سابقًا، بل إنهم ينفقون على أبيهم ولو كانوا غيرَ موسرين؛ لاعتبار الجزئية كما بيَّنا.

 

والذي نريد توْضِيحه هنا: أنَّ الفرع الوحيد تجب عليه نفقة أصله المعسر، فإن تعدَّدت الفروع وكانوا من درجة واحدة، وجبت عليهم نفقة أصلهم أو أصولهم بالتساوي، لا فرق بين الذكر والأنثى، ولا بين الموافق في الدِّين ولا المخالِف فيه[8]، ولا بين الثرِيِّ منهم ومتوسط الحال.

 

فعند وجود الابن والبنت تجب النفقة عليهما بالتساوي على الراجح في المذهب الحنفي؛ لأن النفقة وجبَتْ عليهما بسبب الجزئية التي يستوي فيها الذكر والأنثى، وكذلك الحكم عند وجود ابن الابن وبنت الابن.

 

وإذا تعددت الفروع واختلفت درجة قرابتهم، فإن النفقة تكون واجبةً على الأقرب دون الأبعد، ويرى فقهاء المذهب الحنفي أن هذا الحكم على إطلاقه؛ أيْ: دون النظر إلى الميراث، فالأقرب تجب عليه النفقة وإن كان الميراث للأبعد.

 

وأما الحنابلة فالعبرة عندهم بالميراث - كما سبق البيان - حيث تجب النفقة على الوارث وإن كان أبعد في درجة القرابة.

 

المتعدِّدون من الحواشي:

وأما عن تعدد الحواشي فإن القاعدة العامة أنهم إن كانوا مِن المحارم الوارثين وهم في درجة واحدة، فالنفقة واجبة عليهم بالتساوي بأن كانوا إخوةً، فإنَّ نفقة أخيهم المعسر تجب عليهم بالتساوي، فإن اختلفت أنصبتهم وجبت النفقة حسب نصيب كل منهم في الميراث، فإن كانوا إخوةً وأخواتٍ، فعَلَى الإخوة الثلثان، وعلى الأخوات الثلث.

 

وإن كان بعضهم مَحرمًا والآخر غير محرم، فيرى فقهاء المذهب الحنفي أن النفقة تجب على القريب المحرم متى كان أهلاً للميراث في الجملة، ولا تجب على ابن العم وإن كان وارثًا.

 

وأما عند الحنابلة: فالنفقة واجبة على ابن العم؛ لأنه الوارث، وأما الخال فلا نفقة عليه؛ لأنه غير وارث.

 

ب- أقارب مُتَعدِّدون مِن أنواع مختلفة:

إذا كان للمحتاج أكثرُ مِن قريب مُوسر، ولكن بعضهم من الأصول والبعض الآخر من الفروع أو من الحواشي، فإنَّ الحال لا تخلو من وجوه ثلاثة:

 

الوجه الأول: اجتماع الأُصُول مع الفُرُوع:

إذا اجتمع الأصول الموسرون مع الفروع الموسرين، فإن النفقة تكون واجبةً على الأقرب درجةً، فلو كان له أب، وابن ابن فإن النفقة تجب على الأب؛ حيث لا يشاركه في نفقة ولده أحد.

 

أما لو كان أبٌ وابن فإن النفقة واجبة على الابن، فإن تعددوا وتساوت درجة القرابة، مثل: الجدِّ (أبي الأب) وابن الابن، فإن النفقة هنا تكون بنسبة الميراث، فالجد عليه سدس النفقة، وابن الابن عليه خمسة أسداسها[9].

 

الوجه الثاني: اجتماع الأصول والحواشي:

إذا كان للمحتاج أصولٌ موسرون وحواشٍ موسرون كذلك: فإن كانوا جميعًا وارثين فإن النفقة تكون بنسبة الميراث، فعند اجتماع الأم مع الأخ الشقيق أو لأب، تكون النفقة على الأم بنسبة الثلث، وعلى الشقيق أو لأب بنسبة الثلثين.

 

وإن كان البعض وارثًا، والآخر غير وارث، فإنَّ الحنفيَّة يُلغون اعتبار الميراث، ويجعلون النفقة على الموجود مِن الأصول، دون نظرٍ إلى الحواشي وإن كانوا وارثين[10].

 

الوجه الثالث: الفروع مع الحواشي:

أما في حالة اجتماع الفروع مع الحواشي فإن هذه الحالة لا تثير إشكالاً؛ إذ النفقة هنا تكون واجبةً على الفروع؛ لأن الفرع جزء من الأصل، فتجب عليه نفقة أصله باعتبار هذه الجزئية التي تربط بينهما، ولا عبرة في هذه الحالة بالحواشي.

 

المبحث الثاني

تعدد المستحقين للنفقة

إذا تعدد المستحقون للنفقة، وكان الملزَمُ شرعًا أوسع اليسار، بحيث يستطيع أن ينفِق على هؤلاء جميعًا بعد نفقة نفسه وأولاده وزوجته، فلا مجال للتردُّد في وجوب النفقة لهم جميعًا على هذا الشخص الذي آتاه الله بَسطةً في الرزق.

 

وأما إذا كان الباقي لديه بعد نفقته الخاصة لا يكفي إلا لبعض هؤلاء الأقارب - والحال أنهم متعددون - فإن النفقة للأقرب فالأقرب.

 

وهنالك صورة لهذا التعدد ينبغي أن يكون حكمها واحدًا - في نظرنا والله أعلم - ألا وهي حالة اجتماع الأصول المباشرين مع الفروع المباشرين، فهنا يجب عليه شرعًا أن يَضمَّ الجميع في حالة إنفاق واحدة، بحيث ينفق على نفسه وعليهم بدرجة واحدة، حيث لا محل للمفاضلة بين الأب والأم، ولا بين الابن والبنت في هذا المجال[11].

 

ذلك ما أفهمه من النصوص الشرعية الواردة في خصوص نفقة الوالدين والأقربين، بغضِّ النظر عن أي خلاف بين الفقهاء في مثل هذه الحالة.

 

أما إذا اجتمع لديه - بَعد هؤلاء - أقاربُ آخرون، وليس عنده إلا ما يكفي لأحدهم، مثل ابن الابن والأخ الشقيق، فإن النفقة تجب لابن الابن؛ تطبيقًا للقاعدة السابقة، فإذا اجتمع الأخ والعم كانتِ المنفقة للأخ وهكذا.

 

والحمد لله أوَّلاً وآخرًا، وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمَّد، وعلى آلِه وصحبه، ومَن تبع هداه إلى يوم الدين.



[1] هذا هو المعنى الشرعي، أما الولاية في اللغة فهي مصدر الفعل: "ولَّى"، يقال: ولَّى الشيء المعنى فلم به وولاه، ومِن ذلك قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف : 196] (راجع "بردي الفقه الإسلام" للمؤلف ص 230).

[2] سورة الملك، الآية رقم "15" وفي هذه الآية المباركة تذكيرٌ مِن الله - عز وجل - لعبادِه بنِعْمة الأرض التي يكاد ينساها الجميع، إلا مَن رحِم الله، نعمة الأرض بتُربتها ومائِها وهوائِها وأرْزاقها جميعها.

"والأرض الذّلول كانتْ تَعني في أذْهان القدامى الأرضَ المذلَّلة للسير فيها بالقدم، وعلى الدابة، وبالفلك التي تمخر البحار، والمذللة للزرع والجني والحصاد والحياة بهوائِها ومائِها وتربتها...

أما العِلم الحديث فيقول في مدلول الأرض الذَّلول: إنَّ هذا الوصف "ذلولاً" الذي يُطلق عادةً على الدابة مقصود في إطلاقه على الأرض؛ فالأرض هذه التي تَراها ثابتةً مستقرةً ساكنةً، هي دائمةٌ متحركةٌ، بل رامحة راكضة، وهي - في الوقت ذاته - ذَلول، لا تُلقِي براكبها عن ظهرها، ولا تتعثَّر خُطاها، ولا تهز راكبها ولا ترهقه، ثم هي دابة حَلوب مثلما هي ذلول.

إن هذه الدابة التي تركبها تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة، ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة 65 ألف ميل في الساعة.

ثم تركض هي والشمس والمجموعة الشمسيَّة كلها بمعدَّل عشرين ألف ميل في الساعة، ومع هذا الركض كله يبقى الإنسان على ظهرها آمنًا مُستريحًا، مُطمئنًّا معافًى، لا تتمزَّق أوْصالُه، ولا تتناثر أشلاؤه، بل ولا يرتجُّ مخُّه ولا يدوخ، ولا يقع مرة عن ظهر هذه دابة الذلول!

وهذه الحركات الثلاث لها حكمة، عَرفت البشريَّة سرَّ اثنتين منها؛ فدَورة الأرض حول نفسها ينشأ عنها الليل والنهار، ودورتها حول الشمس تنشأ عنها الفُصُول، ولا يزال العلم الحديث باحثًا عن سر الحركة الثالثة، التي لا بد أن يكون لها اتِّصال بالتناسق الكوني الكبير.

والله جعل الأرض ذلولاً للبشر بأن جعل لها جاذبيةً تشدهم إليها في أثناء حركتها الكبرى، كما جعل لها ضغطًا جويًّا يسمح بسهولة الحركة فيها، وجعل الهواء المحيط بها مُحتويًا للعناصر التي تحتاج الحياة إليها ببسط سطحها، وتكوين هذه التُّربة اللَّينة فوق السطح.

والله جعل الأرض ذلولاً بآلاف من هذه الموافَقات الضرورية للحياة، ومنها حجم الأرض، وسُمك قشرتها، وبُعدها عن الشمس، ودرجة حرارتها، ومدى سرعتها، وميل مِحورها.

والنص القرآنيُّ يشير إلى هذه الحقائق؛ ليَعِيَها كلُّ فرد، وكلُّ جيلٍ بالقدْر الذي يُطيق، وبالقدْر الذي يبلغ إليه علمُه وملاحظته؛ ليشعر بيد الله - الذي بيده الملك - وهي تتولاَّه، وتتولَّى كلَّ شيء حوله، وإلا اختل هذا الكون كله، وتحطم بمن عليه وما عليه؛ (في ظلال القرآن جـ 6 ص 3637 - 3638).

• والرزق الذي فيها كله من خلق الله، وكله مِن مُلكه، وهو أوْسَع مدْلولاً مما يتبادر إلى أذهان الناس من كلمة الرزق، فليس هو المالَ الذي يجده أحدهم في يده فقط؛ إنما هو كل ما أوْدَعه الله هذه الأرض، مِن عناصرها التي تكونتْ منها، وطبيعة تقْسيم هذه العناصر بهذه النسب التي وُجدت بها، ثُم القدرة التي أودَعها الله النبات والحيوان - ومنه الإنسان - على الانتفاع بهذه العناصر.

والأرزاق المخبوءة في جوف الأرض من معادن جامدة وسائلة، كلها ترجع إلى طبيعة تكوين الأرض، والأحوال التي لابستها، فالرزق - على ضوء ذلك - أوسع مدلولاً مما يفهمه الناس مِن هذا اللفظ، وأعمق أسبابًا في تكوين الأرض ذاتها، وفي تصميم الكون كله.

وحين يأذَن الله للناس في الأكل منه، فهو يتفضَّل بتسْخيره لهم وتيْسير تناوله، كما يَمنح البشرَ القُدرة على التناوُل والانتفاع؛ ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك : 15].

(المرجع السابق ص 3639 - 3640 تفسير القرطبي ص).

[3] مثل قوله - تبارَك وتعالى -: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36].

[4] انظر حديث رقم : 8067 في صحيح الجامع.

[5] "نيل الأوطار" جـ 7 ص 136، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((ومولاك الذي يلي ذاك))، قيل: أراد بالمولى هنا القريب، ولعل وجْه ذلك أنه جعله للأم والأب، والأخت والأخ، ولا بُدَّ أن يكونَ أولى من أنفسهم في قرابة النسب، والظاهر أنَّ المُراد بالمولى هو المولى لُغةً وشَرْعًا، أي الذي يَلِيه في اسْتِحقاق النفَقة؛ السابق ص (137).

[6] "نيل الأَوْطار" جـ 7 ص 136.

[7] طبقًا للمذهب الحنفي على ما سيأتي تفصيلُه.

[8] عند الحنفية، أما الحنابلة: فإن المخالِف في الدين غيْر وارث فلا تجب النفقة عليه.

[9] اكتفينا في هذه الجزئية بالمذهب الحنفي، وهو هنا لا يختلف كثيرًا عن الحنابلة.

[10] وأما الحنابلة فيربطون النفقة بالميراث - كما تقدم.

[11] وإن كان للأمِّ فضْلٌ على الأب؛ فهو في مجال البِرِّ العام دون حد الكَفاف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (1)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (2)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (3)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (4)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (6)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (7)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (8)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (9)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (10)
  • الزوجة والانشغالات الدعوية

مختارات من الشبكة

  • في حقوق الأخوة من النسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: استبيان لمفوضية حقوق الإنسان عن حقوق المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: من أعظم حقوق الناس حق الجوار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام وحقوق المعاقين: دراسة فقهية في كيفية حماية حقوق المعاقين في المجتمعات الإسلامية وفق الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • تكفير الحج حقوق الله تعالى وحقوق عباده(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين روسيا بانتهاك حقوق الإنسان في الشيشان(مقالة - المترجمات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب