أحكام السائح غير المسلم في الجزيرة العربية - دراسة مقارنة

ملخص الرسالة

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [2]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [3].

أما بعد[4]:

فمن فضل الله - عزَّ وجلَّ - أن اختص بلاد جزيرة العرب بخصائص عديدة تتميز بها عن غيرها من البلدان؛ فهي مهد الإسلام، ومنطلق الرسالة الخاتمة المهيمنة على جميع الشرائع والرسالات السابقة لها، وفيها وُلد خير البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وفيها بعثه الله وأرسله للناس جميعًا، كما أن فيها أعظم البقاع وأشرف الأماكن في الأرض؛ ففيها المسجد الحرام أول بيت وضع للناس، جعله الله مثابة للناس وأمنًا، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [5]، وفيها طيبة الطيبة مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومستقره، التي بها مسجده - عليه الصلاة والسلام - ذو المرتبة التالية للمسجد الحرام، وفي صعيدها الطيب وُورِي جسده الشريف صلى الله عليه وسلم، كما اختصت جزيرة العرب: بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - اختار لغة أهلها لتكون لغة لأعظم كتبه وأشرفها وخاتمها، قال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [6]، وهذِه الخصائِصُ العظيمة وغيرها جعلَتْ لِهذه الجزيرة أهمّيَّة وفضلاً منذ بداية ظهور هذا الدين الحنيف، وفي أزمنة عديدة[7].

وفي العصور الأخيرة جدَّد الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- لهذه الجزيرة دورها القيادي بين المسلمين؛ بقيامه بدعوته الإصلاحية المباركة، فكان له فضل عظيم- بعد فضل الله تعالى- في إعادة كثير من المسلمين إلى الدين الصحيح، وتجلية عقائدهم من الشوائب والانحرافات الخطيرة في الجزيرة العربية بخاصة، وفي عدد من بلدان العالم الإسلامي بعامة، وكان الإمام محمد بن سعود وأبناؤه الكرام من بعده- رحمهم الله- يناصرون الشيخ في ذلك كله.

وقد اهتمت الدولة السعودية منذ بدايات نشأتها الأولى باستناد أحكامها وأنظمتها وفق أحكام الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولم تَزَلْ - ولله الحمد - على هذا المنهج الثابت الرَّاسخ - بفضل الله - ثُمَّ بِرِعايةٍ من حُكَّام هذه البلاد المباركة وعلمائِها - حفظهم الله ووفقهم لكل خير وصلاح - وخصوصًا أنَّ ذلك واجبٌ رئيس ولازم على الحاكم المسلم، الذي أكَّده ربنا بقوله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [8].

ومن الفضائل المباركة لهذه البلاد: أنَّ النّظام الأساسي للحكم فيها نص على حماية العقيدة، وتطبيق الشريعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بواجب الدعوة إلى الله[9]، مِمَّا يؤكد على أن هذا النهج نهج ثابت وراسخ لدولة التوحيد، لا يمكن أن تتزحزح عنه- بإذن الله تعالى- نسأله عز وجل أن يثبت الجميع حكَّامًا ومحكومين بقوله الثابت في الدنيا والآخرة.

وانطلاقًا من ذلك كله رغب الباحث القيام بدراسته الموسومة: "أحكام السائح غير المسلم في الجزيرة العربية- دراسة مقارنة"، من خلال تصوير المسألة المراد بحثها في الفقه الإسلامي والأنظمة المعمول بها لدى الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية، وخصوصًا أنَّ قطاع السياحة - وما يتبعه من خدمات - يعد من أكثر القطاعات نماء في العالم اليوم، وقد اتجهت الدولة في السنوات القليلة الماضية إلى تطوير مرافق السياحة، وإنشاء هيئة عليا لها؛ لتعنى بتنظيمها وإيجاد المقومات المناسبة لها، بما يتناسب مع مكانة هذه البلاد الدينية وعراقتها القومية.

وستتخصص هذه الدراسة بالنظر إلى السائح الأجنبي - الوفود السياحية- لمعرفة أحكامهم، وما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات وفق الشريعة الإسلامية.

ويأمل الباحث أن تكون هذه الدراسة عونًا - بعد الله- للقائمين على السياحة وشؤونها في بلادنا المباركة في توضيح هذه الحقوق والواجبات والالتزامات التي ينبغي تقديمها للسائح الأجنبي، وفي الوقت نفسه ما يجب على السائح من واجبات وآداب يجب عليه الالتزام بها تجاه هذه البلاد وأهلها.

أهمية الموضوع:

تبرز أهمية الموضوع من خلال النقاط التالية:

1- توجُّه الدولة إلى تطوير مرافق السياحة وإنشاء هيئة عليا لها.

2- ما للسياحة من آثار مهمة سياسية ودينية واقتصادية.

3- قدوم وفود سياحية من غير المسلمين من عدد من الدول الغربية في السنوات الأخيرة، مما يؤكد أهمية تقديم دراسة علمية لمعرفة أحكامهم، وما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات وفق الشريعة الإسلامية.

4- تطوّر وسائل الاتصالات والمواصلات وأثرها في تيسير السفر؛ مِمَّا أدَّى إلى انتشار السياحة، حتَّى أصبحَتْ ظاهِرةً عالمية ومَصدرًا اقتِصاديًّا مُهِمًّا لكثير من البلدان.

5- حرص عدد من الأجانب على معرفة الإسلام، وأخذه من منبع رسالته.

6- إقامة المحاضرات والنداوات والمؤتمرات في المملكة؛ مما ساعد في قصد المملكة من قِبل الأجانب.

7- قصد عدد من العلماء والمكتشفين المملكة؛ لمعرفة ما فيها من أسرار ومناطق أثرية.

أسباب اختيار الموضوع:

1- ما للموضوع من ارتباط في مجال التخصص.

2- دعوة السياح الأجانب غير المسلمين إلى دين الله تعالى، وذلك بمعرفة ما أوجبه الدين الحنيف من حقوق لهم، وما ألزمهم به من واجبات.

3- انتشار السياحة في المملكة.

4- حاجة المسلمين وخاصَّة في هذا الوقت لمعرفة ما للأجانب غير المسلمين من حقوق.

5- لا أعلم بحثًا أكاديميًّا شاملاً حول هذا الموضوع.

الدراسات السابقة:

قام الباحث بزيارة مركز الملك فيصل، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة الملك عبدالعزيز، ولم يجد أحدًا أفردَ السائح بوجه عام، ولا أحكام السائح غير المسلم بوجه خاص، في بحث مستقبل، وخاصة في الجزيرة العربية.

وإنما كثر الكلام حول السياحة وأهميتها وآثارها، وكان أبرز ما اطلعت عليه من الدراسات السابقة مِمَّن تناولت السياحة وأحكامها الآتي:

1- "السياحة في الإسلام" عبدالله الخضير:

وهو بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في المعهد العالي قسم الفقه المقارن، حيث تكلم الباحث عن مفهوم السياحة وأحكام السياحة في بلاد الإسلام، كما ذكر أحكام السياحة في بلاد غير المسلمين، وفي الأماكن المخصوصة كديار المعذبين وأماكن اللهو، كما ذكر في الفصل الثاني ضوابط السياحة وآثارها على الفرد والمجتمع، وواجب المسلمين تجاه هذه السياحة، ثم ذكر واقع السياحة في المملكة، ونشأة الهيئة العليا، وتطرق في بحثه إلى حكم سياحة الكفار في جزيرة العرب، وسلبيات دخول الكفار إلى الجزيرة العربية.

بالاستناد إلى هذه الدراسة القيمة في بعض الجوانب التمهيدية للموضوع، وإن كان الباحث سينفرد عنها بذكر أحكام السائح غير المسلم في الجزيرة العربية في الفقه، وسيقارن الباحث ذلك بالنظام المعمول به في المملكة، وتتركز أحكامه في أمور:

♦ دخوله إلى الجزيرة العربية.

♦ إقامته في الجزيرة العربية.

♦ خروجه من الجزيرة العربية.

♦ ما له من حقوق.

♦ ما عليه من واجبات.

2- "أحكام السياحة وآثارها" هاشم بن محمد نافور:

وهي رسالة ماجستير مقدمة لجامعة أم القرى قسم الدراسات الإسلامية، وقد تكلَّم الباحث عن مفهوم السياحة، وأحكام الرخص فيها، والسياحة في بلاد المسلمين والكفار والأماكن المخصوصة، وآثار السياحة، ووسائل جذب السياح، وتطرق في بحثه إلى ذكر حكم سياحة الكفار في بلاد المسلمين، وحكم دخولهم إلى المساجد.

3- "مسؤولية وكالات السفر والسياحة في الفقه الإسلامي" بكر عبداللطيف الهبوب:

وهو بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في المعهد العالي للقضاء قسم الفقه المقارن، وتناول في بَحْثِه مفهوم السياحة والمسؤولية، وتطور مفهومها، ودراسة عقود وكالات السفر والسياحة وتكييفها الفقهي، وحالات مسؤولية الوكالات، وأحكام المسؤولية ببيان التزامات العميل ووكالات السفر.

ولم يتطرَّق في بحثه إلى ذكر أحكام السائح.

منهج البحث:

سيلتزم الباحث في بحثه بالمنهج الآتي:

1- عزو الآيات بذكر رقم الآية واسم السورة.

2- تخريج الأحاديث، بالنسبة للأحاديث التي تكون في الصحيحين أو في أحدهما فسأقتصر عليها، وما عداهما فسأذكر تخريجه، وأحاول الحكم عليه من خلال كلام أهل الحديث.

3- تصوير المسألة المراد بحثها في الفقه الإسلامي والنظام.

4- ذكر الحكم الشرعي والتكييف الفقهي.

5- إن كانت المسألة مِمَّا اتّفق عليها شرعًا فسوف أذكر حكمها بدليلها.

6- ذكر المسائل الخلافية وأدلتها والراجح منها، ومحاولة أخذ الأقوال من مصادرها الأصلية.

7- تخريج الآثار من مصادرها الأصلية.

8- التعريف بالمصطلحات من كتب المصطلحات المعتمدة.

9- العناية بقواعد اللغة العربية، والإملاء، وعلامات الترقيم.

10- التركيز على موضوع البحث وتجنب الاستطراد.

11- ذكر بعض التطبيقات النظامية الواردة في هذا البحث فيما يمكن الوقوف عليه.

12- العناية بدراسة ما جد من القضايا المتعلقة بالبحث.

13- ترجمة الأعلام الأموات الذين ورد ذكرُهم في متن الرسالة.

14- تكون الخاتمة متضمنة لأهم النتائج والتوصيات.

15- وضع الفهارس الفنية المتعارف عليها:

♦ فهرس الآيات القرآنية.

♦ فهرس الأحاديث والآثار.

♦ فهرس الأعلام.

♦ فهرس المصادر والمراجع.

♦ فهرس الموضوعات.

خطة البحث:

المقدمة: وتشتمل على أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، والمنهج الذي أسير عليه، وخطَّة البحث.

التمهيد: ويحتوي على مصطلحات الدراسة.

المبحث الأول: تعريف الحكم.

المطلب الأول: تعريف الحكم في اللغة.

المطلب الثاني: تعريف الحكم في الاصطلاح.

المبحث الثاني: تعريف السائح.

المطلب الأول: تعريف السائح في اللغة.

المطلب الثاني: تعريف السائح في الاصطلاح.

المبحث الثالث: حدود جزيرة العرب وخصائصها.

المبحث الرابع: مشروعية السياحة في الفقه والنظام.

المطلب الأول: السياحة في الفقه.

المطلب الثاني: السياحة في النظام.

المطلب الثالث: مقارنة بين الفقه والنظام في مشروعية السياحة.

الفصل الأول: إقامة السائح وخروجه في الفقه والنظام.

المبحث الأول: عقد الدخول للسياحة.

المبحث الثاني: دخول السائح للمملكة.

المبحث الثالث: إقامة السائح في المملكة.

الخاتمة

الحمد لله أوَّلاً وآخرًا، أحْمَدُه سبحانه وأشكره، وأُثْنِي عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحقّ المبين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

ثم أما بعد:

فها نَحْنُ في نِهاية الطريق، ومن الله وحْدَهُ التَّوفيق، وبعد إكمال الفصول والمباحث، يحسن أن نذكر أبرز النتائج، وهي:

1- أنَّ ما ينطبق على المستأمن في الفقه الإسلامي ينطبق على السائح غير المسلم.

2- أنَّ السياحة في الإسلام مشروعة، وقد دعا إليها القرآن الكريم، وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

3- أن السياحة في الإسلام أنواع، وهي:

أ- سياحة الاستجمام.

ب- سياحة للنظر في آيات الله.

ج- سياحة لطلب الرزق.

د- سياحة علمية.

هـ- سياحة دينية.

4- أن مدة الأمان إلى حين انتهاء العهد المتفق عليه.

5- أن عقد السياحة جزء لا يتجزأ من عقد الأمان لغير المسلم في دار الإسلام.

6- أنَّ السَّائِحَ الأجنبيَّ في المملكة العربية السعودية يطبق عليه نظام الإقامة، ما لم يصدر به نظام خاص.

7- أنَّ من مقتضيات عقد الأمان حصول الأمان للطَّرَفَيْنِ؛ المؤمِّن والمستأمَن.

8- أنَّ مَن قَتَلَ مستأمَنًا فإنَّ للإمام أن يعزره حسب ما يراه متفقًا مع المصلحة.

9- لا يجوز للسائح غير المسلم دخول الحرم ولو لحاجة، كما لا يجوز له دخول غيره من المساجد ولو أَذِنَ له المسلم.

10- على السَّائح في دار الإسلام الالتزام بالأمور الآتية:

أ- احترام العقائد والشعائر الإسلامية.

ب- ترك ما فيه ضرر بالمسلمين.

ج- الخضوع لأحكام الإسلام العامة.

11- توقَّع على السائح عقوبة إذا أخل بالالتزامات المفروضة عليه، وهذه العقوبة تكون حسب الجرم الذي ارتكبه.

فهذه هي أبرز نتائج هذا البحث.

وأما التوصيات فهي:

1- إيجاد مراكز ومكاتب لتوعية السياح وإرشادهم، وتبصيرهم بأنظمة الدولة ولوائحها، وعدم الخروج عليها.

2- إيجاد أماكن للسواح في الأماكن السياحية تليق بقيمة هذه الدولة وإمكانياتها.

وفي الختام؛ فهذا جهد المقل، وعمل البشر، لا يخلو من الخطأ والنقص والزلل، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ أو نقص أو نسيان فمن نفسي والشَّيطان، والله ورسوله منه براء.

أسأل الله - جلَّ وعلا - التَّوفيق والإعانة، وأن يَجعل هذا العمل خالصًا لوجهه، إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس الموضوعات