• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (7)

يوسف قاسم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2010 ميلادي - 12/6/1431 هجري

الزيارات: 21365

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (7)

 

المبحث الثالث في أقسام الطلاق:

ينقسم الطلاقُ تقسيمات عديدة باعتبارات مختلفة، فبالنظر إلى صيغة الطلاق ولفظه ينقسم إلى: طلاقٍ صريح، وطلاقٍ غير صريح "طلاق بالكناية".

وبالنظر إلى وصْفه الشرعي ينقسم إلى: طلاق سُنِّي، وطلاق بِدْعي.

وبالنظر إلى وقت وُقُوعه ينْقسم إلى: طلاق منجز، وطلاق معلَّق أو مضاف.

وبالنظر إلى أَثَره في إنهاء رابطة الزوجيَّة ينقسم إلى: طلاقٍ رجعي، وطلاق بائن.

 

نَتَكَلَّم عن ذلك في أربعة مطالب، ثم نتكلم عن الطلاق الثلاث بلفظٍ واحد في مطلبٍ خامس:

المطلب الأول: في تقسيم الطلاق باعتبار صيغته:

يُقصد بصيغة الطلاق: العبارة التي ينطق بها الرجل للدلالة على حلِّ رِباط الزوجيَّة، وإيقاع الطلاق بالفعل.

وهذه الصيغة قد تكون دالَّة دلالة صريحة على هذه المعنى المقصود من الطلاق، وهو ما يُسمَّى بالطلاق الصريح، وقد لا تكون صيغة الطلاق كذلك، وإنما تدلُّ على المعنى المقصود دلالة غير صريحة، وهذا ما يُسمَّى بالطلاق الكنائي.

 

الطلاق الصريح:

الطلاق الصريح: هو الذي يتمُّ باللفظ الصريح الدال على حلِّ الرابطة الزوجيَّة، وهو يكون كذلك إذا جاء بلفظٍ صريح يدلُّ على حلِّ الرابطة الزوجيَّة، وذلك باستعمال الألْفاظ الموضوعة لذلك شرعًا؛ كأن يقول لها: أنتِ طالق، أو أنت مطلَّقة، أو باستعمال الألفاظ الدالة عُرْفًا على إرادةِ الطلاق، مثل: أنتِ خالصة، أو أنتِ محرَّمة [1].

 

الطلاق الكنائي:

والقسم الثاني من أقسام الطلاق باعتبار صيغته هو الطلاق الكنائي؛ أي: الذي يكون اللفظ فيه غير دالٍّ صراحة على إرادة الطلاق، ولكن يدلُّ عليها بطريق الكناية، وذلك إذا استعمل لفظًا يحتمل الطلاق وغيره؛ كأن يقول لها: اذهبي إلى أهلك، أو أنت مخيرَّة، أو أمرُك بيدك، أو ما شابه ذلك من الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره.

وقد اختلف الفقهاء في وُقُوع الطلاق بهذه الصيغة، فذهب الظاهريَّة إلى أنَّ الطلاق لا يقع بهذه الألفاظ[2].

 

وذَهَب الحنفية إلى أنَّ هذه الألفاظ يقع بها الطلاق بدلالة الحال أو نيَّة الزوج؛ أي إنهم يعتبرونها طلاقًا إذا كانتْ دلالة الحال تؤيِّد هذا الاحتمال، أو أن الزوج نوى بها الطلاق.

 

أما المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة: فقد اعتبروا النيَّة هي الأساس في بيان المقْصود من هذه الألفاظ، فإذا كان المتلفِّظ ينْوي بها الطلاق، كانتْ طلاقًا، وإذا لَم يكنْ ينوي بها الطلاق، فإنه لا اعتبار لها؛ لأنَّ المتلفِّظ لَم يقصد بها شيئًا.

 

وبهذا الرأي الأخير أخذ القانون المصري؛ حيث نصَّت المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 على ما يأتي: "كنايات الطلاق، وهي ما تحتمل الطلاق وغيره لا يقع بها الطلاق إلا بالنيَّة".

 

المطلب الثاني في تقْسيم الطلاق باعْتِبار وقت وُقُوعه:

ينقسم الطلاق بالنظر إلى الوقت الذي يقع فيه إلى: منجز، ومضاف، ومعلَّق:

الطلاق المنجز:

الطلاق المنجز: هو الطلاق الذي صدرتْ عبارته خالية من الشروط والتأجيل؛ كأن يقول لها: طلقتكِ، أو: أنتِ طالق، فهذه الصِّيغة تدلُّ على وُقُوع الطلاق في الحال، دون إضافة إلى أَجَلٍ أو تعليق على شرْط.

وحكم الطلاق المنجز أنه يقع بمجرَّد صدور عبارة الطلاق، متى توافرتْ سائر الشروط الأخرى.

 

الطلاق المضاف:

الطلاق المضاف: هو الذي يضيفه الزوج إلى زمنٍ مستقبل، بمجرَّد أن يُصدِرَ الزوج صيغة الطلاق، ويضيف أثرها إلى زمنٍ مستقبل، ومثاله أن يقولَ لامرأته: أنتِ طالق بعد شهر، أو بعد شهرين.

وحكم الطلاق المضاف إلى أَجَل أنه لا يقع إلا عند حلول الأجلُ الذي حدَّده المطلِّق في صيغة الطلاق.

 

وقد اختلف الفقهاء في الطلاق المضاف؛ فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يقع إلا عند حلول الأجلُ المضاف إليه[3].

 

وذهب الإمام مالك - رحمه الله - إلى أنها تطلق عليه في الحال، دون انتظار للأَجَل الذي حدَّده؛ ففي "المدونة الكبرى": "قلت: أرأيت لو قال لها: أنتِ طالق كلَّما جاء شهر، أو كلما جاءت ساعة، قال: أرى أنها طالق ثلاثًا حين تكلم بذلك؛ لأن مالكًا قال: مَن طلَّق امرأته إلى أَجَلٍ هو آت، إنما هو طلاق حين تكلَّم بذلك [4].

 

ويرى ابن حزم - رحمه الله - أنَّ الطلاق المضاف لغوٌ، ولا أَثَر له ولا تطلَّق به المرأة؛ حيث قال: "مَن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنتِ طالق، أو ذكر وقتًا ما، فلا تكون طالقًا بذلك لا الآن، ولا إذا جاء رأس الشهر، برهان ذلك أنه لم يأتِ قرآنٌ ولا سُنَّة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها، وفي غير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا؛ ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]، وأيضًا فإن كلَّ طلاقٍ لا يقع حين إيقاعه، فمن المحال بعد ذلك أن يقعَ في حين لم يوقعه فيه"[5].

 

الطلاق المعلَّق:

الطلاق المعلَّق: هو الذي يربط الزوج وقوعه بأمرٍ يحدث في المستقبل، وذلك بأن يقرن صيغة الطلاق بأداة مِنْ أدوات الشرْط، أو ما يؤدِّي معناها؛ مثل: إن، وإذا، ومتى، وما إلى ذلك.

 

فإذا قال لها: إن ذهبت إلى مكان كذا فأنتِ طالق، فإنَّ الطلاق لا يقع إلا إذا ذهبت إلى هذا المكان الذي حدَّده في عبارته؛ لأنه علَّق وُقُوع الطلاق على ذهابها إليه.

 

وقد اختلف الفقهاء في وقوع الطلاق المعلَّق؛ فذهب الحنفيَّة إلى أنه يعتبر طلاقًا، فإذا حَدَثَ الأمر المعلق عليه وقع الطلاق؛ أي إن المرأة تصير طالقًا فيما لو ذهبتْ إلى المكان المحدَّد في المثال السابق.

 

وذهب بعضُ الفقهاء، ومنهم الشافعية إلى أنَّ الطلاق المعلَّق لا يُعتبر طلاقًا متى كان المقصود منه الحمل على فعلِ شيءٍ أو الامتناع عن فِعله، فقول الرجل في المثال السابق: إن ذهبت إلى مكان كذا فأنتِ طالق، مقصود منه أن يحملَ زوجته على الامتناع عن الذهاب إلى هذا المكان.

 

ولذلك يقول العلاَّمة ابن تيميَّة: إنه في حالة حدوث الأمر المعلق عليه، يكون على الزوج كفَّارة يمين؛ لأن المقصود من الطلاق المعلَّق هو الحلف به.

 

ملاحظة هامة:

وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أنه إذا كان المقصود من الطلاق المعلَّق وقوع الطلاق فِعلاً، فإنه يُعتبر طلاقًا بلا خِلاف.

وضابط ذلك أن تنتفي إرادة الحلف، أو تنتفي إرادة الحثِّ على فِعل شيءٍ، أو الامتناع عن فِعله.

يُفهم ذلك من دلالة الحال، فإذا قال لها: إن تنازلتِ عن سائر حقوقك الماليَّة، فأنتِ طالق، فتنازلتْ فإن الطلاق يقع بتنازُلها؛ لأن هذه الصورة لا يُفهم منها إلا إرادة وقوع الطلاق فِعلاً، ولكنه رَبَطَ وقوعه بتنازلها عن حقوقها الماليَّة، فكان تنازُلها دليلاً على رغبتِها الصادقة في الابتعاد عنه وترْك الحياة معه[6].

 

المطلب الثالث في تقْسيم الطلاق باعتِبار وصْفه الشرعي:

ينقسم الطلاق بالنظر إلى وصفه الشرعي إلى: طلاق السُّنَّة، وطلاق البِدْعة، ويُقصد بهذا التقْسيم نوعان من الطلاق؛ الأول: نصَّت عليه آياتُ القرآن الكريم وبيَّنته السُّنَّة النبويَّة، والثاني: توصَّل إليه فقهاءُ الصحابة، والتابعون، والأئمة من بعدهم.

 

طلاق السُّنَّة:

طلاق السُّنَّة: هو الطلاق المنصوص عليه في القرآن الكريم صراحة، وبيَّنت السُّنة النبويَّة طريقته بيانًا وافيًا.

يقول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

 

وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - طريقته في الطلاق في الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الموضوع التي بلغت حَدَّ الشُّهرة والاستفاضة [7].

 

وتتلخص هذه الطريقة في أنَّ الرجل إذا أراد أن يطلقَ زوجته، فيطلقها في طُهرٍ لم يقربها فيه، ثم يتركها تقيم في بيته حتى تنقضي عدتها، بأن يمرَّ عليها ثلاثة قروء؛ أي: بحيث تطهر ثلاث مرات من حيضتها الشهرية، وقبل انتهاء هذه الفترة من حقِّه أن يراجعها؛ أي: يعيدها إلى عصمته مرة أخرى - كما سنُبَيِّن ذلك بعد قليل - وبعد أن بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بيانًا شافيًا، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((فتلك العدة التي أمر الله أن تطلقَ لها النساء))؛ بيانًا لقوله الله - تعالى -: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1].

 

طلاق البدْعة:

وأما طلاق البدعة: فهو الذي يقع على خلاف ما نصَّ عليه القرآن وبيَّنته السُّنة، ولهذه المخالفة المزدوجة سُمِّي طلاقًا بدعيًّا، وهذه المخالفة قد تكون راجعة إلى أن الرجل لم يلتزم بإبقاء المرأة في بيته فترة العدَّة، أو إلى كونه طلقها وهي غير طاهرٍ، أو طلقها في طُهر مسَّها فيه، فالطلاق في كلِّ حالة من هذه الحالات طلاق محرَّم، ومَن فَعَلَ ذلك عليه إثمُ المعصية دون شكٍّ وبلا خلاف من العلماء، لكن الخلاف في وقوع هذا الطلاق أو عدم وقوعه.

 

فذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى وقوع هذا الطلاق على صاحبه؛ للأدلة الثلاثة الآتية:

أولاً: جاء في رواية البخاري عن قصة ابن عمر، لمَّا طلَّق امرأته: "وحسبت تطليقة" [8]، وهي كما في "مسند ابن وهب" أكثر وضوحًا بلفظٍ، وزاد ابن أبي ذئب في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وهي واحدة"، وأخرجه الدارقطني من حديث ابن أبي ذئب، وابن إسحاق جميعًا عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((هي واحدة)).

 

ومعنى ذلك أن عبدالله بن عمر حينما طلَّق امرأته وهي في حيضتها، أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بمراجعتها، وحُسِبت عليه تطليقة؛ مما يؤكِّد أن طلاق البدعة واقع.

 

ثانيًا: في رواية "لمسلم"[9] أنَّ رجلاً طلَّق امرأته ثلاثًا وهي حائض، فقال له عبدالله بن عمر عصيتَ ربَّك، وفارقت امرأتك، قال فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر ابن عمر أن يراجعَ امرأته، قال: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق له، وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك؛ أخرجه الدارقطني عن ابن عمر أيضًا [10].

 

ثالثًا: بالمعْقُول وهو أن النهي عن طلاق البدعة ليس لذاته، وإنما لحِكَمٍ تشريعيَّة منها: ندم الرجل، فلعلَّه يعود إلى حياته الزوجيَّة، فيراجع زوجته ويردها إلى عصمته، وقد أشار الله - تعالى - إلى هذه الحكمة في قوله - عز وجل -: ﴿ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

 

ومنها عدم تطويل العدة على المرأة، وإيقاع الطلاق البدعي، وإن كان حرامًا لا يمنع من ترتيب الآثار الشرعيَّة عليه، مثله في ذلك مثل البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، فإن البيع منهيٌّ عنه، ومع ذلك فلو تمَّ البيع في هذا الوقت، فإن الآثمَ قائمٌ، ولكنه لا يمنع من ترتيب الآثار الشرعيَّة على هذا البيع.

 

وذهب الإماميَّة، والظاهرية، وبعض الزيدية، وابن تيميَّة، وابن القَيِّم إلى أن طلاق البدعة غير واقعٍ؛ لأن النهي يقتضي الفساد، وقد نهى عنه الشارع؛ لأنه يبغضه ولا يحب وقوعه فحرَّمه؛ لئلا يقع ما يبغضه ويكرهه[11]، فإن صدر كان كلامًا فاسدًا لا يقع به طلاقٌ أبدًا؛ لأنه لم يطلقْ كما أمره الله - عز وجل - ولا طلاق إلا كما أمر الله - تعالى - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ))[12].

 

وبعد أن عرض "الصنعاني" أدلة الفريقين، قال ما نصُّه: "وقد أطال ابن القَيِّم الكلام على نصرة عدم الوقوع، ولكن بعد ثبوت أنه - صلى الله عليه وسلم - حسبها تطليقة تطيح كل عبارة، ويضيع كل صنيع [13].

 

المطلب الرابع في تقسيم الطلاق باعتبار أثره:

ينقسم الطلاق باعتِبار أَثَره إلى: طلاقٍ رجعي، وطلاق بائن، وهذا التقْسيم يرتبط بالتقسيم السابق، كما يظهر ذلك جَليًّا مما يأتي:

الطلاق الرجْعي:

الطلاق الرجعي: هو الطلاق الذي يستطيع فيه الزوج إعادة زوجته إلى عصمته قبل انتهاء عدتها، أو بعبارة أدق هو الذي يملك فيه الزوج إبقاء زوجته في عصمته، واستدامة الحياة الزوجيَّة معها، ويتمُّ ذلك بمجرَّد رغبته في رجعتها.

 

وقد أشرْنا إلى ذلك في ثنايا كلامنا عن طلاق السُّنَّة؛ فقد شرعه الله - تعالى - لحِكْمَة بالغة نصَّ عليها القرآن الكريم صراحة في قول الله - تعالى -: ﴿ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

 

فإنه إذا طلقها طلقة واحدة رجعيَّة، ثم جعلها تقيم في بيته أثناء عدتها؛ لعلَّه يهدأ ويتروَّى، فيتراجع في قراره ويراجع زوجته، لا سيَّما وأنَّ السُّنَّة قد ألزمته بأن يطلقها في طُهرٍ لم يقربها فيه، وعلى ذلك فلو كانت له أدنى رغبة فيها، فإنه حتمًا سيعيدها إلى عصمته.

 

وهكذا يثبت لنا حِرْص الشريعة على الرابطة الزوجيَّة وعدم التفْريط فيها، بل إنه حتى في حالات الشقاق وصدور الطلاق يجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه لعودة الحياة الزوجيَّة إلى طبيعتها، عن طريق مراجعة النفس والعودة إلى التفكير الهادئ المطمئِن والتروِّي والاستقرار وهي معه في بيته، فلعلَّه طلَّق نتيجة غضب مفاجئ أو انفعال نفسي.

 

أما إن بقيت في بيته ما يقرب من ثلاثة أشهر دون أن يحرِّك ساكنًا، ودون أن يفكِّرَ في إعادتها إلى عصمته، فهذا دليلٌ على أنَّ قراره نهائي، وأنه يبغضها بُغضًا شديدًا، ولا يريد أن يتخذها زوجةً له، عند ذلك وبعد انتهاء العدة ينتهي تبعًا لذلك وصف الطلاق الرجعي؛ حيث يأخذ وصفًا آخرَ، ألا وهو الطلاق البائن، وتتلخص أحكام الطلاق الرجعي فيما يأتي:

1 - لا تنفصم الرابطة الزوجيَّة به، ولكن تنقص به عدد الطلقات، فإن كان أول طلاق بَقِي للزوج اثنتان، وإن كان هو الطلاق الثاني بَقِي للزوج واحدة.

2 - للزوج أن يراجعَ زوجته في أيِّ وقتٍ شاء، قبل انتهاء العدة.

3 - الطلاق الرجعي لا يمنع التوارث بين الزوجين، فإذا مات أحدهما في العدة، كان الباقي منهما وارثًا للمتوفَّى.

4 - الصَّدَاق المؤجَّل لا يحل بالطلاق الرجعي.

 

الطلاق البائن:

الطلاق البائن: هو الطلاق الذي تبينُ به المرأة مِنْ عصمة زوجها، والذي بمُقْتضاه تنْفصل عنه نهائيًّا؛ حيث لا يجوز له مراجعتها بإرادته.

والأصْلُ أن يبدأَ الطلاقُ رجعيًّا، ويظلَّ حتى إلى ما قبل انتهاء العدَّة، وبانتهائها يصبح الطلاق بائنًا.

 

الطلاق البائن من وقت صُدُروه:

ولكن هنالك حالات يكون الطلاق فيها بائنًا من وقت صدوره؛ منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلَّفٌ فيه.

الحالات المتفق عليها:

فالطلاق يكون بائنًا من وقت صدوره اتِّفاقًا في الحالات الثلاث الآتية:

أ- الطلاق قبل الدخول.

ب- الطلاق على مال، وهو ما يُسمَّى بالخُلع - كما سيأتي الكلام عنه تفْصيلاً.

ج - الطلاق المكمل للثلاث.


ويُضاف إلى هذه الحالات الثلاث المتفَق عليها ما نصَّ عليه القانون المصري من التطليق للعيوب، لسوء العِشرة، والضرر الشديد، كلُّ ذلك يقع طلاقًا بائنًا بمجرد صدور الحكم من القضاء، وسوف نتكلم عن ذلك تفصيلاً في موضعه المناسب.

 

الحالات المختلَف فيها:

تكلَّم فقهاء المذهب الحنفي عن حالات يقع فيها الطلاق بائنًا من وقت صدوره، ومن هذه الحالات:

الطلاق الموصوف بالبيْنُونة؛ كأن يقول لها: أنتِ طالقٌ طلاقًا بائنًا [14]، أو الموصوف بما يدلُّ على البينونة؛ كأن يقول لها: أنتِ طالق طلاقًا شديدًا.

 

وهذا النوع مختلف فيه؛ لأن وصف البائن مأخوذ من عبارة الزوج، وقد أجاز الحنفيَّة ذلك، وخالف فيه غيرهم؛ لأن وصف الطلاق إنما هو من عمل الشارع، فما وصفه الشارع بأنه بائنٌ فهو بائنٌ، وما لم يصفه بذلك فهو رجعي[15]، وذلك لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾ [البقرة: 228].

 

وهذه الوجْهة الأخيرة من النظر جديرة بالقَبول والترجيح؛ فليس الطلاق - كما قال الحنفيَّة - مطلقًا للزَّوج، بل هو مقيَّد بالنصوص الواردة فيه، وكتاب الله وسُنَّة رسوله أجدر بالاتِّباع، وقد كان العمل بمذْهب الحنفيَّة إلى أنْ صدر المرسوم بقانون 25 لسنة 1929، فنصَّ في مادته الخامسة على أنَّ كلَّ طلاقٍ يقع رجعيًّا إلا المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدُّخول، والطلاق على مال، وما نصَّ على كونه بائنًا في هذا المرسوم بقانون.

والطلاق البائن نوعان: بائن بينونة صُغرى، وبائن بينونة كُبرى.


الطلاق البائن بينونة صغرى:

الطلاق البائن بينونة صغرى، هو الطلاق دون الثلاث؛ أي: الذي تكتمل فيه الثلاث طلقات، فالطلاق قبل الدُّخول إذا كان لأول مرة أو لثاني مرة، فهو بائن بينونة صغرى، والطلاق على مال متى كان كذلك، فهو بائنٌ بينونة صُغرى.

 

وكذلك المدخول بها إذا ما طلقها زوجها لأول مرة طلقة واحدة، ثم انتهت عدتها، فإن هذا الطلاق الذي بدأ رجعيًّا يتحوَّل بعد انتهاء العدة إلى كونه طلاقًا بائنًا، ونظرًا لكونها هي الطلقة الأولى، فإنه يكون بائنًا بينونة صُغرى.

 

حيثُ يكون من حقِّ الرجل أن يتزوجها مرة ثانية بعقد ومهرٍ جديدين متى توافرت سائر الشروط الأخرى لعقْد الزواج، وكذلك الحال بالنسبة للطلاق الثاني، فإذا ما طلقها ثانية ثم انتهتْ عدتها، أصبح طلاقها بائنًا، ولكن مع هذا يجوز له أن يتزوَّجها مرة أخرى بعقد ومهرٍ جديدين، مع مراعاة سائر الشروط والأركان، وتتلخص أحكام الطلاق البائن بينونة صغرى في أنه يزيل العصمة الزوجيَّة، ولكنه لا يزيل حِلَّ التزوُّج، فهو ينهي عقد الزواج الذي طرأ هذا الطلاق عليه، ولكن لا يمنع من الزواج بها مرة ثانية بعقدٍ ومهرٍ جديدين - كما بيَّنَّا.

 

البائن بينونة كبرى:

أما الطلاق البائن بينونة كُبرى: فهو الطلاق المكمل للثلاث، فإذا ما طلقها الطلقة الثالثة انفصلت عنه نهائيًّا؛ ذلك أن الطلقة الأولى محكٌّ وتجربة.

 

وأما الطلقة الثانية: فهي تجربة أخرى وامتحان أخير، فإن صلحتِ الحياة بعدها فذاك، وإلاَّ فالطلقة الثالثة دليلٌ على فساد أصيل في الحياة الزوجيَّة لا تصلح معه حياة بينهما.

 

وعلى أية حال، فلا يجوز أن يكون الطلاق إلا علاجًا أخيرًا لعِلَّة لا يجدي معها سواه، فإذا وقعت الطلقتان، إما إمساك للزوجة بالمعروف واستئناف حياة راضية رخيَّة، وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء، وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خطٍّ في الحياة جديد[16].

 

وعلى ذلك فالطلاق البائن بينونة كبرى يفصم عُرى الزوجيَّة نهائيًّا، حيث لا تحل هذه المرأة لهذا الرجل إلا إذا تزوَّجت رجلاً آخرَ زواجًا شرعيًّا بنيَّة الدوام والاستمرار، ودخل بها دخولاً حقيقيًّا، وبعد فترة طالت أو قصرت طلَّقها الثاني طلاقًا طبيعيًّا معتادًا، فإذا ما انتهت عدتها، يجوز لزوجها الأول أن يتزوجها مرة أخرى، فلعلَّها بعد أن جرَّبت الأزواج تعرف فضل زوجها السابق، إذا كانت هي الناشز فيستقيم حالها، وتعود إلى حياة زوجيَّة أفضل، ولعلَّه بعد أن رآها في عصمة رجل آخرَ أن تثورَ في نفسه بواعث الندم إن كان قد ظلمها بالطلاق، فإنِ اسْتأنفا عشرة جديدة بعد ذلك، راعى كلٌّ منهما حقَّ صاحبه، وعرف نعمة الله في عشرته فيؤدم بينهما بالمودة [17].

 

ولكن ليس مجرَّد تطليقها من الثاني سببًا لعودتها إلى الأول، وإنما ذلك موكول إلى رغبة الطرفين واستعدادهما للعيش في حياة زوجية جديدة يعملان فيها على إصلاح شأنهما وتفادي ما قد سلف بينهما، ولذلك اشترط الله - تبارك وتعالى - شرطًا جوهريًّا لعودتهما إلى الحياة الزوجيَّة مرة أخرى، جاء ذلك الشرط صريحًا في قوله - عز وجل -: ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 230].

 

المطلب الخامس: الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

القول في هذا الموضوع يتلخَّص في النِّقاط الثلاث الآتية:

أولاً: الطلاق الذي كان سائدًا في عهْد النبي - صلى الله عليه وسلم - في عهد "أبي بكرٍ" ومدة سنتين من خلافة عمر هو طلاق السُّنَّة الذي نصَّ عليه القرآن الكريم، وبيَّنته السُّنَّة بيانًا وافيًا - كما سبق.

 

ثانيًا: لما أخذت ظاهرة انتشار إيقاع الطلاق الثلاث بلفظٍ واحد بعد سنتين من بَدء خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمضى ذلك عُمر.

 

فقد رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكرٍ وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إنَّ الناس قد استعجلوا في أمرٍ كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم[18].

 

ثالثًا: قال جمهور الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة، ومن قبلهم جمع كبير من فقهاء التابعين، ومن بعدهم جمع كبير من علماء المسلمين: إنَّ الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع ثلاثًا؛ عملاً بما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وخالف في ذلك بعض العلماء؛ حيث قالوا: إن الطلاق الثلاث بلفظٍ واحد يقع طلقة واحدة رجعيَّة [19].

 

وبالرأي القائل أنه يقع طلقة واحدة رجعيَّة أخذ القانون المصري؛ فقد نصَّت المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 على ما يأتي: "الطلاق المقترن بعدد لفظًا أو إشارة لا يقع إلا واحدة"[20].

 


[1] حيث دلَّ العُرف على أنه يُراد بهذه الألفاظ حل الرابطة الزوجيَّة، وللفقهاء أقوال كثيرة في هذه المسألة، ونكتفي بما أورده ابن قُدامة في هذا الموضوع؛ حيث يقول: "صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ: الطلاق، والفراق، والسراح، وما تصرَّف منهن، وهذا مذْهب الشافعي، وذهب أبو عبدالله بن حامد إلى أنَّ صريح الطلاق لفظ الطلاق وحدَه، وما تصرَّف منه لا غير، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.

إلا أنَّ مالكًا يُوقِع الطلاق بغير نيَّة؛ لأن الكنايات الظاهرة لا تفتقر عنده إلى النيَّة، وحُجة هذا القول أن الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرًا، فلم يكونا صريحين فيه كسائر الكنايات.

ووجه الأول أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب بمعنى الفرقة بين الزوجين، فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ﴾ [النساء: 130]، وقول ابن حامد أصحُّ؛ فإن الصريح في الشيء ما كان نصًّا فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالاً بعيدًا، ولفظ الفراق والسراح، وإن وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين، فقد وردا لغير ذلك المعنى وفي العُرف كثيرًا؛ "المغني"، ج (8)، ص (263 - 264).

ونظرًا لاعتماد ابن قُدامة على العُرف أيضًا، فقد رأينا إضافة ما تعارف عليه الناس في مصر مِنْ أنَّ كلمة: خالصة، أو حرام، أو محرَّمة، تعني حلَّ الرابطة الزَّوجيَّة، يراجع في هذا المعنى أيضًا شلبي؛ المرجع السابق، ص (479).

[2] يقول ابن حزم: "لا يقع طلاق إلا بلفظٍ مِنْ أحد ثلاثة ألفاظ: إما الطلاق، وإما السراح، وإما الفراق، مثل أن يقول: أنتِ طالق، أو: أنتِ مسرحة، أو: سرحتك، أو: أنت مفارقة، أو: فارقتك، هذا كله إذا نوى به الطلاق، فإن قال في شيء من ذلك: لَم أنو الطلاق، صدق في الفتيا، ولم يصدق في القضاء في الطلاق وما تصرف منه، وصدق في سائر ذلك في القضاء أيضًا.

وما عدا هذا الألفاظ فلا يقع بها طلاق البتَّة؛ نوى بها طلاق أم لَم ينوِ، لا في فتيا ولا في قضاء، مثل: الخلية والبرية، وأنت مبرأة، وقد بارأتك، وحبلك على غاربك، والتحريم والتخيير والتمليك، وهذه الألفاظ جاءتْ فيها آثارٌ مختلفة الفتيا عنْ نفرٍ منَ الصحابة - رضي الله عنهم - ولَم يأتِ فيها عنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أصلاً، ولا حجة في كلام غيرِه - عليه الصَّلاة والسلام؛ "المُحَلَّى"، ج (10)، ص (185 - 186)، المسألتين (1956 - 1957).

[3] يقول الإمام الشافعي - رحمه الله -: "إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق غدًا، فإذا طلع الفجر من ذلك اليوم، فهي طالق، وكذلك إن قال لها: أنتِ طالق في غُرَّة شهر كذا"؛ "الأم"، ج (5)، ص (116)، طبعة الشعب.

ويقول ابن قدامة - رحمه الله -: "وجملة ذلك أنه إذا قال: أنتِ طالق في شهر بعينه؛ كشهر رمضان، وقع الطلاق في أول جزء من الليلة الأولى منه، وذلك حين تقترب الشمس من آخر يوم من الشهر الذي قبله وهو شعبان"؛ "المغني"، ج (8)، ص (316).

ويقول الحَصْكَفِي في "الدر المختار": "وبقوله: أنتِ طالق غدًا، أو: في غد، يقع الطلاق عند طُلُوع الصبح، ويقول ابن عابدين تعليقًا: أي الفجر الصادق لا الكاذب"؛ "الدر المختار، وحاشية ابن عابدين عليه، ج (3)، ص (264).

[4] "المدونة الكبرى"، ج (2)، (المجلد الثاني)، ص (116)، دار الفكر: بيروت، 1398 هـ 1978م.

[5] "المحلى"، ج (10)، ص (213)، المسألة رقم (1970).

[6] وهذه الصورة تُعتبر مِن قبيل الخُلع الذي سوف نتكلَّم عنه فيما بعدُ.

[7] روى البخاري عن إسماعيل بن عبدالله عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهم - أنه - أي عبدالله بن عمر - طلَّق امرأته وهي حائض على عهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: ((مُرْه فليرجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلَّق قبل أن يمس؛ فتلك العدة التي أمر الله أن تطلقَ لها النساء))؛ "صحيح البخاري"، ج (3)، ص (166)، "سنن أبي داود"، ج (2)، ص (254)، "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، ج (3)، ص (372)، ط الاعتصام، "سُبل السلام"، ج (3)، ص (169)، "نيْل الأوطار"، ج (3)، ص (4 - 5).

ويقول العلاَّمة الدهْلوي - رحمه الله -: السرُّ في ذلك أن الرجل قد يبغض المرأة بغضة طبيعيَّة، ولا طاعة لها مثل كونها حائضًا، وفي هيئة رثَّة، وقد يبغضها لمصلحة يحكم بإقامتها العقل السليم مع وجود الرغبة الطبيعيَّة، وهذه هي المتبعة، وأكثر ما يكون الندم في الأول، وفيه يقع التراجُع، وهذا داعية يتوقف تهذيب النفس على إهمالها وترك اتِّباعها، وقد يشتبه الأمران على كثير من الناس، فلا بد من ضرب حدٍّ يتحقق به الفرق، فجعل الطهر مظنة للرغبة الطبيعيَّة، والحيض مظنة للبُغضة الطبيعيَّة، والإقدام على الطلاق على حين رغبة فيها مظنة للمصلحة العقلية، والبقاء مدة طويلة على هذا الخاطر مع تحول الأحوال من حيض إلى طهر، ومن رثاثة إلى زينة، ومن انقباض إلى انبساط مظنة للعقل الصراح والتدبير الخالص، فلذلك كره الطلاق في الحيض، وأمر بالمراجعة وتخلل حيض جديد، وأيضًا فإن طلقها في الحيض فإن عدت هذه الحيْضة في العدَّة، انتقصتْ مدة العدة، وإن لم تعد تضررت المرأة بطول العدة؛ سواء كان المراد بالقروء الأطهار أم الحيض، ففي كل ذلك مناقضة للحدِّ الذي ضربه الله في محكم كتابه من ثلاثة قُرُوء، وإنما أَمَرَ أن يكونَ الطلاق في الطُّهر قبل أن يمسَّها لمعنيين: أحدهما: بقاء الرغبة الطبيعية فيها، وثانيهما: أن يكون ذلك أبعد من اشتباه الأنساب؛ "حجة الله البالغة"، ج (2)، ص (139 - 140)، دار المعرفة.

[8] "سُبُل السلام"، ج (3)، ص (170).

[9] المرجع السابق، نفس الموضوع.

[10] "نيْل الأوطار"، ج (7)، ص (8 - 9).

[11] "زاد المعاد"؛ لابن القَيِّم، ج (4)، ص (56)، وما بعدها.

[12] "المحلى"؛ لابن حزم، ج (10)، ص (216).

[13] "سبل السلام"، ج (3)، ص (171)، وتمام عبارة الصنعاني، وقد كُنَّا نُفتي بعدم الوقوع، وكتبنا فيه رسالة، وتوقفنا مدة، ثم رأينا وقوعه.

[14] وأضافوا إلى ذلك: الطلاق المشبَّه بشيءٍ يدلُّ على العِظَم، مثل: أنتِ طالق كالجبل، والطلاق الموصوف بأفعل تفضيل يدلُّ على الشدة، مثل: أنتِ طالق "أحسن طلاق"، وألفاظ الكناية؛ لأنها تدل على الانفصال في الحال، باستثناء اعتدِّي، واستبرئي رَحِمك، وأنت واحدة.

[15] أبو زهرة راجع السابق، ص (363).

[16] "الظلال"، ج (1)، ص (248).

[17] أبو زهرة؛ "الأحوال الشخصية"، ص (371).

[18] ومعاذَ الله أن يظنَّ أحدٌ أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعل ذلك على غير حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل إن عمر امتثل بما كان عليه العمل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد أبي بكرٍ، لكن بدا له أن يتخذ موقفًا في سبيل إلزام الناس بالسَّير على سُنَّة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - وذلك من قبيل حقِّ وليِّ الأمر المقرَّر له شرعًا في سياسة العباد وما يُصلِح شأنهم، فلمَّا ثبت أمام عمر أنَّ الناس استعجلوا الأمر الذي يجعل الله لهم فيه الرَّوِيَّة والتأنِّي والتفكير الهادئ، أراد أن يعاقبَ كلَّ مَن يخالف السُّنَّة في الطلاق، وذلك بأن يلزمه بالعبارة التي يتلفظ، فمن يوقِع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، يعاقب بتنفيذ مقتضى هذه الكلمة عليه، وعسى أن يكونَ في هذا التشديد ما يمنع الناس من إيقاع الطلاق بهذه الصورة.

وفي هذا يقول العلاَّمة ابن القَيِّم: "لم يُخالف عمر إجماعَ مَن تقدَّمه، بل رأى إلزامَهم بالثلاثِ عقوبة لهم؛ لما عَلِمُوا أنه حرام، وتتايعُوا فيه، ولا ريبَ أن هذا سائغ للأئمَّة أن يُلزموا الناسَ بما ضيَّقوا به على أنفسهم، ولم يقبلوا فيه رخصة الله - عز وجل - وتسهيله، بل اختاروا الشدة والعُسر، فكيف بأميرِ المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكمال نظره للأمة، وتأديبه لهم؟! ولكن العقوبة تختلفُ باختلاف الأزمنة والأشخاص، والتمكن من العلم بتحريم الفعل المعاقب عليه وخفائه، وأمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - لم يقل لهم: إن هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو رأي رآه مصلحةً للأمة يكفهم بها عن التسارع إلى إيقاع الثلاث، ولهذا قال: "فأجيزوهن عليهم"، أفلا يُرى أن هذا رأي منه رآه للمصلحة لا إخبار عن رسول - صلى الله عليه وسلم؟ ولما علم - رضي الله عنه - أن تلك الأناة والرخصة نعمة من الله على المطلِّق، ورحمةٌ به، وإحسانٌ إليه، وأنه قابلها بضدِّها، ولم يقبل رخصةَ الله وما جعله له من الأناة، عاقبه بأن حال بينه وبينها، وألزمه ما ألزمه مِن الشدة والاستعجال، وهذا موافقٌ لقواعد الشريعة، بل هو موافق لحكمة الله في خلقه قدرًا وشرعًا، فإن الناس إذا تعدَّوا حدودَه، ولم يَقِفُوا عندها، ضيَّق عليهم ما جعله لمن اتقاه من المخرج، وقد أشار إلى هذا المعنى بعينه مَنْ قال مِن الصحابة للمطلِّق ثلاثًا: إنك لو اتقيتَ الله، لجعل لك مخرجًا، كما قاله ابن مسعود، وابنُ عباس، فهذا نظر أمير المؤمنين ومن معه من الصحابة، لا أنه - رضي الله عنه - غيَّرَ أحكام الله، وجعل حلالها حرامًا، فهذا غايةُ التوفيق بين النصوص، وفعل أمير المؤمنين ومن معه. "زاد المعاد"، ج (4)، ص (77).

[19] وتتلخص أقوال العلماء في هذا الموضوع في الأقوال الأربعة الآتية القول الأول: إنه لا يقع به شيءٌ؛ لأنه طلاق بدعي، وقد ذكرنا أدلة هؤلاء العلماء عن كلامنا من طلاق البدعة.

القول الثاني: إن الطلاق الثلاث بلفظٍ واحد يقع ثلاثًا، وإليه ذهب عمر، وابن عباس، وعائشة، ورواية عن عمر وعلي، وأئمة المذاهب الأربعة، وجمهور السلَف والخلف، واستدلوا بآيات الطلاق، وأنها لم تفرق بين الواحدة والثلاث، وأجيبَ بأنها مطلقات تحتمل التقييد بالأحاديث، واستدلوا بما في المتفق عليه من حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثًا، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لما أخبر بذلك قال: ليس لها نفقة وعليها العدة، وأجيب بأنه ليس في الحديث أنه أوقع الثلاث في مجلس واحد، فلا يدلُّ على المطلوب، وكذلك ما استدلوا به من فتاوى الصحابة أقوال لا تقوم بها حُجَّة.

القول الثالث: أن الطلاق بلفظٍ واحدٍ يقع طلقة واحدة رجعيَّة، وهو مذهب الهادي، والقاسم الصادق، والباقر، وهو رواية عن علي، وابن عباس، ونصره ابن تيميَّة، وابن القَيِّم، واستدلوا بحديثي ابن عباس، وهما صريحان في المطلوب: "الأول كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكرٍ، وسنين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة"، والحديث الثاني أنَّ أبار كان قد طلَّق أُمَّ ركانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((راجع امرأتك))، فقال: إني طلقتها ثلاثًا، قال: ((قد علمت، راجعها))، وقد قيل: إن الحديث الأول وقع فيه شيءٌ من الاضطراب، وفي الحديث الثاني ...

القول الرابع: أنه يفرق بين المدخول بها وغيرها، فيقع ثلاثًا على المدخول بها، ويقع واحدة على غير المدخول بها، وهو قول جماعة من أصحاب ابن عباس، واستدلوا بما في رواية أبي داود: "أما علمت أن الرجل كان إذا طلَّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخلَ بها، جعلوها واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالقياس، فإنه إذا قال: أنتِ طالق، باتت منه بذلك، فإذا أعاد اللفظ لم يصادف محلاًّ للطلاق، فكان لغوًا، وأجيب بثبوت ذلك في حق المدخول بها، ومفهوم حديث أبي داود لا يقاوم عموم أحاديث ابن عباس؛ "سبل السلام"، ج (3)، ص (174 - 175).

[20] ويلاحظ أن جماهير الأمة، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة حينما أخذوا بالقول السابق لم يكونوا إلا متبعين لمجموع النصوص الواردة في السُّنَّة، والتي منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).

أما الذين لم يأخذوا بما جاء عن عمر، فقد قالوا: إن ما فعله عمر كان سياسة وقتيَّة زال الداعي لها، فوجب الرجوع إلى الأصل، وهو ما كان في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (1)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (2)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (3)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (4)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (6)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (8)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (9)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (10)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (11)
  • الزوجة والانشغالات الدعوية

مختارات من الشبكة

  • في حقوق الأخوة من النسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: استبيان لمفوضية حقوق الإنسان عن حقوق المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر الموت في حقوق الشخص والتزاماته في الفقه الإسلامي(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: من أعظم حقوق الناس حق الجوار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام وحقوق المعاقين: دراسة فقهية في كيفية حماية حقوق المعاقين في المجتمعات الإسلامية وفق الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • تكفير الحج حقوق الله تعالى وحقوق عباده(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب