• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (3)

يوسف قاسم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/5/2010 ميلادي - 19/5/1431 هجري

الزيارات: 25551

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المبحث الرابع

في المحرمات من النساء


1 - أدلَّة التحريم.

2 - حِكمه بصفة عامة.

3 - تقسيم.

 

سَبَق أنْ أشرْنا إلى أنَّه من شروط انعقاد الزواج: ألاَّ تكون المرأة محرَّمة على الرجل تحريمًا مؤبَّدًا، ومهدنا هنالك بأنَّنا سوف نقوم بدراسة هذا الشَّرْط في موضعه المناسِب، وهو المبحث الخاص بدِراسة المحرَّمات من النساء.

 

أدلة التحريم:

الدليل الرئيس في هذا الموضوع هو نصُّ القرآن الكريم، حيث يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 23].

 

هذا هو النصُّ الرئيس الوارد في هذا الموضوع، وهنالك نصوصٌ أخرى وردتْ في بعض المحرَّمات؛ بيانًا لنصوص القرآن الكريم، سوف نُشير إليها أثناء دراستنا لكلِّ نوع من أنواع المحرَّمات.

 

حكمة التحريم بصفة عامة:

وعلى الرغم مِن أنَّ النصوص الكريمة لم تُشِرْ إلى الحكمة من التحريم، فإنَّ المؤمن الحق عليه أن يُسلِّم بأن اختيار الله - تعالى - وراءَه حِكمة، ولا بدَّ فيه من مصلحة، وسواء علِمْنا أو جهلنا، فإنَّ هذا لا يؤثِّر في الأمر شيئًا، ولا ينقص من وجوب الطاعة والتنفيذ، مع الرِّضا والقَبول.

 

ومع ذلك فإنَّ العقول البشرية إذ تبحث عن هذه الحِكم، فإنها قد تصل إلى بعضها في عصْر من العصور، وقد يتوصل العلم التجريبي إلى حِكم وعِلل أخرى، فلا تزال آياتُ الله تخاطب البشرية في كلِّ عصر وجيل.

 

والذي يمكن أن يقال - بصفة عامَّة - في هذا المقام: أنَّ صِلة الإنسان بهؤلاء المحرَّمات - من الأمهات والبنات والأخوات، ومَن ذكرن في النص المبارك - صلته بهنَّ صِلة الرِّعاية والعطف، والمودَّة والاحترام والتوقير، "فلا تتعرض لما قد يجدُّ في الحياة الزوجية مِن خلافات، تؤدِّي إلى الطلاق والانفصال، مع رواسب هذا الانفصال، فتخدش المشاعرَ التي يُراد لها الدوام.

 

أو يقال: إنَّ بعض هذه الطبقات كالربائب في الحُجور، والأخت مع الأخت، وأم الزَّوجة، وزوجة الأب.. لا يُراد خدش المشاعر البنوية، أو الأخوية فيها، فالأمُّ التي تحسُّ أن ابنتها قد تزاحمها في زوجها، والبنت والأخت كذلك، لا تستبقي عاطفتَها البريئة تُجاهَ بنتها التي تشاركها حياتها، أو أختها التي تتصل بها أو أمها، وهي أمها.

 

وكذلك الأب الذي قد يشعر أنَّ ابنَه قد يخلفه على زوجته، والابن الذي يشعر أنَّ أباه الراحل أو المطلق غريمٌ له؛ لأنه سبقه على زوجته، ومثل ذلك يُقال في حلائل الأبناء الذين هم مِن الأصلاب؛ لما بيْن الابن والأب من علاقة لا يجوز أن تُشاب"[1].

 

وبالنظر إلى الفِطرة التي فَطَر الله الناس عليها، فإنَّنا تؤكد أنَّ النفس البشرية لا تستسيغ حتى مجرَّد التفكير في الزواج بواحدة مِن هؤلاء المحرَّمات، وبهذا نصل إلى وضوح الحِكمة التشريعية من التحريم، وضوحًا لا نحتاج معه إلى مزيدٍ من البيان، كما هو بيِّن بذاته وطبعه، الأمر الذي يجعلنا نكتفي بهذه الإشارة العامَّة، باستثناء ما نحاول الإشارةَ إليه بإيجاز عندَ دراسة كلِّ نوع من المحرمات.

 

تقسم المحرَّمات من النساء: منهن المحرَّمات تحريمًا مؤبدًا، ومنهنَّ المحرَّمات تحريمًا مؤقتًا، ولذلك فإنَّنا نقسم الدراسة في هذا المبحث إلى المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: المحرمات على التأبيد.

المطلب الثاني: المحرمات على التأقيت.

 

المطلب الأول

في

المحرمات على التأبيد

1 - أنواع هؤلاء المحرَّمات.

2 - تقسيم.

المحرَّماتُ على التأبيد هنَّ اللائي يرجع تحريمُ الزواج بهنَّ إلى وصْف أبديٍّ دائم لا يزول، مثل البُنوة والأُخوة، ونحوهما من الأوصاف الأبدية الدائمة، وهؤلاء المحرَّمات أنواع ثلاثة:

النوع الأول: محرَّمات بسبب قرابة الدَّم وصِلة النَّسب.

النوع الثاني: محرَّمات بسبب الرَّضاع.

النوع الثالث: محرَّمات بسبب المصاهرة.

 

وفي ثلاثة فروع متوالية نتناول كلَّ نوع من هذه الأنواع على الترتيب السابق.

 

الفرع الأول في المحرمات بسبب قرابة الدم وصلة النسب:

1 - دليل التحريم.

2 - أصناف المحرَّمات.

 

حدَّد النصُّ القرآني المشار إليه هؤلاء المحرَّماتِ، وذلك في قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23]، فتحرم على الرجل أُمُّه وجَدَّاته مِن أيِّ جهة كنَّ، سواء في ذلك الجَدَّات من جهة الأب أو الجَدَّات من جهة الأم، فالأم والجَدَّات من أيِّ جهة محرَّمات عليه تحريمًا مؤبدًا، مهما عَلَتْ درجة هؤلاء الجَدَّات.

 

الصنف الثاني: فروع الرجل من النساء:

وفروع الرَّجل من النِّساء هنَّ: بناته، وبنات أبنائه، وبنات بناته، مهما نزلَتْ درجتهنَّ، المنصوص على تحريم الزواج بهنَّ في قوله تعالى: ﴿ وَبَنَاتُكُمْ ﴾، فتحرم عليه بنتُه، وبنتُ ابنه، وبنت بنته، وهكذا مهما نَزَلتْ درجة هذه البنت.

 

الصنف الثالث: فروع الأبوين من النساء:

والمقصود بهذا الصِّنف فروع أبوي الرَّجل من النِّساء؛ أي: أخواته وبنات أخواته، مهما نزَلَتْ درجة هؤلاء الفروع.

 

وقد أشار الله - سبحانه وتعالى - إلى تحريم هذا الصِّنف بقوله سبحانه: ﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾، ولفظ "الأخوات" يصدُق على الأخوات الشقيقات، وعلى الأخوات لأبٍ، وعلى الأخوات لأم، ويدخل في هذا التحريم حتمًا كلُّ فروع هؤلاء الأخوات، مهما نزلتْ درجتهن، حيث تحرم عليه بنتُ الأخت الشقيقة، وبنت الأخت لأب، وبنت الأخت لأم، وهكذا مهما نزلتْ درجة بنت الأخت.

 

وكذلك تحرم عليه حتمًا كلُّ فروع الإخوة الأشقَّاء، والإخوة لأب، فتحرم عليه بنت الأخ الشقيق، وبنت الأخ لأب، وبنت الأخ لأم، مهما نزلت درجتهنَّ، وفي كل ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ﴾.

 

الصنف الرابع: فروع الأجداد والجَدَّات المنفصلات بدرجة واحدة:

أمَّا فروع الأجداد، فالمراد بهنَّ العمات.

وأمَّا فروع الجَدَّات، فالمراد بهنَّ الخالات.

 

وقد حرَّم الله - عزَّ وجلَّ - هذا الصِّنف بقوله تعالى: ﴿ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ ﴾، فيحرم عليه التزوُّج بعمَّته وخالته، وكذلك عمَّة أبيه وعمَّة جدِّه لأبيه أو أمه، وعمَّة أمِّه وعمَّة جَدَّته لأبيه وأمه، ومثل ذلك يُقال في تحريم الخالات [2].

 

بقى معنا بخصوص هذا الصِّنف بيان المقصود من عبارة المنفصِلات بدرجة واحدة، وبيان ذلك أنَّ العمَّة محرَّمة، ولكن بنتها غيرُ محرَّمة.

 

فالمحرَّم هو فقط الفَرْع الأول مِن فروع الأجداد والجدَّات؛ أي: العمَّات والخالات، أما الفروع غير المباشِرة للأجداد والجدات؛ أي: بنات العمَّة وبنات الخالة، فيَحِلُّ التزوُّج بهنَّ. وهو ما أباحه الله - عزَّ وجلَّ - بنصوصٍ صريحة، حيث يقول - تبارك وتعالى -: ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ﴾[3] [الأحزاب: 50].

 

الفرع الثاني في المحرمات بسبب الرضاع:

1 - دليل التحريم.

2 - الحِكمة منه.

3 - أصناف هؤلاء المحرَّمات.

4 - آراء العلماء.

5 - شروط الرَّضاع المحرِّم.

6 - مقدار الرَّضاع المحرِّم.

7 - وقت الرَّضاع المحرِّم.


الأصل في تحريم الزواج بسبب الرَّضاع: قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ [النساء: 23]، وفي الحديث الصحيح: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله حرَّم مِن الرَّضاع ما حَرَّم من النَّسب))[4].


حكمة التحريم بسبب الرضاع:

مما لا شكَّ فيه أن التي ترضع طفلاً تكون بمنزلة أمِّه التي وضعتْه، فهذه قد حملتْه في بطنها، وتلك قد غذتْه بلبنها، وضمتْه إلى صدرها في وقت النشأة والتكوين، فصار كأنَّه جزءٌ منها؛ ولذلك فقد سمَّاها القرآن أُمًّا، وجعل بناتِها أخوات لهذا الطفل؛ إذ الجميع تغذى بلبن واحد، يحمل السِّرَّ الإلهي الذي اختصَّ به لبن الأم مِن العطف والحنان والمودَّة، فصارتِ الرابطة بينهم رابطةً عضوية غير قابلة للانفكاك، فكان لا بدَّ من المحافظة عليها مِن أي طارئ يؤثِّر فيها، أو ينقص من شأنها؛ توقيرًا واحترامًا وإجلالاً، وحرَّم كذلك الأخت من الرَّضاعة إبقاءً للمودة، ومحافظةً على الرابطة العضوية الدائمة بينهما.


وقد انفردتِ الشريعةُ الإسلامية دون غيرِها من الشرائع السماوية الأخرى بإعطاء هذه المنزلِة لرابطة الرَّضاع؛ تحقيقًا لهدف إنساني آخَر.


"فقد نزل القرآن الكريم، وعادة الإرضاع فاشيةٌ عند العرب، تقوم به طائفةٌ من النِّسوة نظيرَ أجْر تأكل منه، بينما يمتنع عنه الحرائرُ أنفةً وترفُّعًا، حتى جرى في أمثالهم: "تجوع الحُرَّة ولا تأكل بثدييها"، فأراد الشارِع القضاءَ على تلك العادة مبينًا للمترفِّعات عنه منهنَّ أنَّ الإرضاع ليس مهانة للمرأة، وإنما هو تكريمٌ لها، وتوسيع لدائرة أمومتها، التي هي أسْمَى ما تعتز به المرأة"[5].


أصناف المحرَّمات من الرَّضاع:

وهؤلاء المحرَّمات بسبب الرَّضاع ثمانية أقسام، بيانهنَّ على الوجه التالي:

1 - الأصول من الرَّضاعة:

نصَّ الله - تبارك وتعالى - على تحريم أصول الشخْص من الرَّضاعة في قوله سبحانه: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾، وقد قال المفسِّرون: إنَّ المراد من ذلك على العموم أصولُ الشخص من الرَّضاعة، سواء كنَّ من جهة الأب، أو من جهة الأم، وتبدأ الحلقة الأولى في أصول الشَّخْص من الرَّضاع بالأم المرضعة، فهي محرَّمة عليه؛ لأنَّها قامت بالإرضاع مباشرة، كما تحرم عليه أمُّها، وأمُّ أمِّها، وأمُّ أبيها، وهكذا تحرم على الشخص أصولُه من الرَّضاعة مهما علتْ درجتهن.


2 - الفروع من الرضاعة:

وفروع الشخْص من الرَّضاعة هم الأطفال الذين رضعوا من زوجته، فبناتُه من الرَّضاعة يحرمن عليه، بمعنى: لو أنَّ زوجته أرضعتْ بنتًا أجنبية[6]، فإنَّ هذه البنت كما أنها تصير بنتًا لزوجته من الرَّضاعة، فإنها تصير بنتًا له هو من الرَّضاعة، فلا تحل له، مثلها في ذلك مثل ابنته مِن الولادة، وهذا أوَّل تطبيق نراه أمامنا لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يحرم مِن الرَّضاعِ ما يحرم من النَّسَب))، فكما تحرم عليه ابنتُه التي هي من صُلْبه، تحرم عليه أيضًا بنته الرَّضاعيَّة؛ أي: التي أرضعتْها زوجته، وكذلك بنت هذه البنت، وهكذا.


ومِن ناحية أخرى، فإنَّ هذه المرأة لو أرضعتْ ابنًا لغيرها، فإنَّ هذا الابن يصبح ابنًا لها من الرَّضاعة، فتحرم عليه لأنَّها أمُّه، ويصبح هذا الطفل أيضًا ابنًا رضاعيًّا لزوج المرأة التي أرضعتْه، وبالتالي لو شبَّ هذا الابن ثم تزوَّج وأنجب بنتًا، فإنَّ هذه البنت تصير بنتَ ابنٍ لزوج المرأة المرضِعة المشار إليها، فهي - أي: بنت الابن من الرَّضاعة - بمنزلة بنت الابن مِن النَّسب في هذا المعنى[7].


3 - الأخوات من الرَّضاعة:

وهذا الصِّنف قد نصَّ الله - سبحانه - على تحريمه صراحةً في قوله - تعالى -: ﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ [النساء: 23]، وقد عبَّر العلماء عن ذلك بصِفة عامة، فقالوا: فروع أبويه من الرَّضاع، وإن نزلتْ هذه الفروع، بمعنى أنَّه يحرم على الرجل أن يتزوَّج أخته من الرَّضاعة، وكذلك بنت هذه البنت، وبنت بنتها، وبنت أبنها، مهما نزلت درجة البنت.


4 - فروع جَديَّة من الرَّضاعة في الدرجة الأولى فقط:

والمقصود من هؤلاء المحرَّمات: عماته وخالاته من الرَّضاعة، فإذا وضع الطفل مِن امرأة معيَّنة، فإن هذه المرأة تصير أمًّا لهذا الطفل - كما بينَّا - وتصير أخواتُ هذه المرأة خالاتٍ من الرَّضاع لهذا الطفل، فيحرمن عليه، كما أنَّ أخوات زوجها[8] يُصبحنَ عمَّاتٍ له من الرَّضاعة، فيحرم عليه الزواج بواحدة منهنَّ، كما يحرم عليه التزوُّج بالعمَّات والخالات من النَّسب، غير أنَّ هذا التحريم مقصورٌ على الطبقة الأولى فقط مِن هذا الصنف.


كما هو الحال بالنِّسبة للخالات والعمَّات من النسب، فتحرم عليه خالاته وعماته من النسب، ومن الرَّضاع، ولكن يحل له التزوج من بنت عمته، أو مِن بنت خالته من النسب، ومن الرَّضاع - كما سبق لنا البيان.


5 - أصول زوجة الشخص من الرَّضاع:

وبيان ذلك: أنَّ الله - تعالى - حرَّم على الرجل أمَّ زوجته - كما سيأتي - ويترتب على هذا التحريم أن تحرم على الرجل الأم الرضاعية لزوجته، فلو أنَّ امرأة كان قد أرضعتْ زوجته، فإنَّ هذه المرأة تكون محرَّمة عليه؛ باعتبارها أمًّا رضاعية لزوجته.


6 - الفروع الرَّضاعيُّون لزوجته:

فلو أنَّ رجلاً تزوَّج امرأةً كانت متزوِّجة من قبل من رجل آخر، وقد سبَق لها أن أرضعت بنتًا، فإنَّ هذه البنت تحرم على زوج هذه المرأة على الرغم من أنَّه لا صلة له بها، وسبب التحريم أنَّها بنتٌ رَضاعية لزوجته، ولو أنها أرضعتْها قبل أن يتزوَّج بها، ولكن شرْط التحريم في هذه الحالة أن يدخل ذلك الرجل بهذه المرأة، فإذا عقد عليها، ثم طلَّقها قبلَ أن يدخل بها، فإنَّ بنتها الرَّضاعية لا تحرم عليه [9].


7 - زوجة أصله من الرَّضاع:

وبيان ذلك أنَّ زوج المرأة التي أرضعتِ الطفل يعتبر - كما بينَّا - أبًا له من الرَّضاع، وعلى ذلك فلو أنَّ هذا الرجل قد تزوَّج بامرأة أخرى غير المرضعة، فإنَّها تُعتبر - هي الأخرى - محرَّمة على الرضيع، لا باعتبارها أمًّا من الرَّضاعة[10]، ولكن باعتبارها زوجةً لأصله الرَّضاعي.


8 - زوجة فرْعه من الرَّضاع:

وهذه الصورة بيانها كالآتي: طفل رَضَع من امرأة، فإن المرأة تعتبر أُمًّا رضاعية، وزوجها أبًا رضاعيًّا، فإذا ما تزوَّج هذا الابن الرَّضاعي، فإنَّ امرأته تحرم على زوْج المرضِعة باعتبارها زوجةً للابن الرَّضاعي[11].


تلك هي الأصناف الثانية من المحرَّمات من الرَّضاع، ومعظمها كما هو بيِّن واضح من المحرَّمات اللاتي أجمع العلماء على تحريم الزواج منهنَّ، فالأقسام الأربعة الأولى تشملها النصوص صراحةً أو دلالة، فقوله تعالى: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾ شاملٌ كلَّ الأصول الرَّضاعية، وقوله تعالى: ﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾، يفيد تحريم جوانب الرابطة الرَّضاعية وحواشيها؛ فإذا كانتِ الأخت الرَّضاعيَّة محرَّمة بنص القرآن، فمِن باب أولى البنت الرَّضاعية، ومع ذلك فقد زادنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيانًا وتوضيحًا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((يحرم مِن الرَّضاع ما يحرم مِن النسب)).


وقد روى الإمامُ البخاري - رحمه الله - عن جابر بن زيد، عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: "قيل للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "ألاَ تتزوَّج ابنةَ حمزة؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّها ابنة أخي مِن الرَّضاعة))[12].


وفي صحيح البخاري أيضًا: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمر عائشة - رضي الله عنها - بعدَ نزول آية الحِجاب ألاَّ تحتجبَ مِن عمِّها من الرَّضاعة[13].


وهكذا ثبت بلا أدْنى شكٍّ أنَّ رابطة الرَّضاع تأخذ حُكم رابطة النَّسب مِن حيث تحريم الزواج[14].


وعلى ذلك فلا خلافَ مطلقًا حولَ تحريم الزواج مِن الأقسام الأربعة الأولى، وهنَّ الأصول من الرَّضاعة، والفروع من الرَّضاعة، والأخوات من الرَّضاعة وفروعهنَّ[15]، وفروع الأجداد والجَدَّات من الرَّضاعة في الدرجة الأولى فقط[16].


وأيضًا لا خلاف على ما يبدو بالنسبة للقِسم الخامس، حتى على ما حكاه العلاَّمة ابن القيم، فقد قال - رحمه الله -: "إنَّ الله حرَّم أمهاتِ النساء، فدخل في ذلك أُمُّ المرأة، وإن علتْ مِن نَسب أو رَضاع... لصدق الاسم على هؤلاء كلهنَّ"[17].


أما الأقسام الثلاثة الأخيرة، فقد قال جمهورُ العلماء بتحريم الزواج منهنَّ على النحو الذي فصَّلْنا، ولكن خالف في ذلك بعضُ العلماء على ما حكاه العلاَّمة ابن القيم في كتابه "زاد المعاد"، حيث جاء فيه أنهم قالوا: "إنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد قصر تحريم الرَّضاع على نظيره من النَّسب، لا على شقيقه من الصِّهر، فيجب الاقتصارُ بالتحريم على مورد النص.


قالوا: والتحريم بالرَّضاع فرْعٌ على تحريم النسب، لا تحريم المصاهرة، فتحريم المصاهرة أصلٌ قائم بذاته، والله - سبحانه - لم ينصَّ في كتابه على تحريم الرَّضاع إلاَّ مِن جهة النَّسب، ولم ينبه على التحريم به مِن جهة الصهر البتة، لا بنصٍّ ولا إيماء، ولا إشارة، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أَمَر أن يحرم به ما يحرم من النَّسَب.


وفي ذلك إرشادٌ وإشارة إلى أنَّه لا يحرم به الصهر، ولولا أنه أراد الاقتصارَ على ذلك لقال: يحرم مِن الرَّضاع ما يحرم من النسب والصهر...


قالوا: وأيضًا فالرَّضاع مشبه بالنَّسب؛ ولهذا أخذ منه بعض أحكامه، وهو الحُرْمة والمحرميَّة فقط دون التوارث والإنفاق، وسائر أحكام النَّسب، فهو نَسبٌ ضعيف، فأَخذ بحسب ضعْفه بعضَ أحكام النسب، أو لم يقوَ على سائر أحكام النَّسب، وهو ألْصَق به من المصاهرة، فكيف يقوى على أخْذ أحكام المصاهرة، مع قصوره عن أحكام مشبهه وشقيقه؟!


وأمَّا المصاهرة والرَّضاع، فإنَّه لا نسبَ بينهما، ولا شبهةَ نَسب... قالوا: ولو كان تحريم الصهريَّة ثابتًا، لبيَّنه الله ورسولُه بيانًا شافيًا، يقيم الحُجة، ويقطع العُذر، فمِن الله البيان وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم والانقياد.


فهذا منتهى النظر في هذه المسألة، فمَن ظَفِر فيها بحُجَّة فليرشدْ إليها، وليدلَّ عليها، فإنَّا له منقادون، وبها معتصمون، والله الموفِّق للصواب" [18].


شروط الرضاع المحرم:

هنالك شرْطان تكلَّم الفقهاء على ضرورة مراعاتهما، بالرغم مِن أنهما من الأمور المسلَّمة بداهةً؛ لأنَّهما شرطان يتعلَّقان بطبيعة اللَّبن المرتضَع، وبضرورة وصوله إلى معدة الطفل، ولكنَّهم من ناحية أخرى اختلفوا في شَرْطين أساسين اختلافًا جوهريًّا؛ لأنَّهما شرْطان يتعلقان بكمية اللبن الذي يترتَّب عليه التحريم، وبالوقت الذي يتمُّ فيه الرَّضاع.


وتفصيل هذا الإجمال على النحو التالي:

الشرط الأول: أن يكون المرتضَع هو لبن امرأة:

فإذا اشترك طفلٌ وطفلة في رَضاع أو في شَرْب لبن غير الآدمية، فإنَّ هذا الاشتراك لا أثَر له مطلقًا في تحريم الزواج بينهما؛ ذلك أنَّ معنى الأمومة لا يتحقَّق في غير لبن الأم على الأقلِّ بالنسبة لأطفال بني الإنسان [19].


الشرْط الثاني: أن يتحقَّق وصول اللبن إلى مَعِدة الرضيع:

اشترط الفقهاءُ في لبن الرَّضاعة الذي يترتَّب عليه تحريم الزواج: أن يصل هذا اللَّبَنُ بالفعل إلى مَعِدة الرضيع، فإذا لم يكن ذلك محقَّقًا فلا تحريم، فلو أنَّ الرضيع قد الْتقم ثديَ المرأة دون أن يمتصَّ اللبن بالفعل، ولم يحصلِ اليقين بوصول اللبن إلى مَعِدة الطفل، فلا يثبت التحريمُ في مثل هذه الحالة، فالأصل هو الحِلّ، ولا يترك هذا الأصل إلاَّ إذا ثبت خلافُه ثبوتًا يقينيًّا؛ تطبيقًا لقاعدة: اليقين لا يزول بالشك[20].


مقدار الرَّضاعة التي يثبت بها التحريم:

اختلف الفقهاءُ في مقدار الرَّضاعة التي يثبت بها تحريمُ الزواج بواحدةٍ مِن الأصناف الثمانية التي ذكرْنا قبلاً.


ويمكننا تلخيص آراء العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة مذاهبَ رئيسة[21]، وفيما يلي بيان كلِّ مذهب وأدلته:

المذهب الأول: مذهب طائفة كبيرة مِن الصحابة والتابعين، وهو أيضًا مذهب الحنفية والمالكية، والثوري والأوزاعي، وحماد، وهو رواية عن أحمد.

وخلاصة هذا المذهب: أنَّ الرَّضاعة المحرِّمة لا يُشترط في ثبوت التحريم بها مقدارٌ معيَّن، ولا عدد محدَّد من الرَّضعات، وحجتهم في ذلك:

أولاً: أنَّ النصوص الدالَّة على تحريم الزواج بسبب الرَّضاعة جاءتْ من العموم، بحيث تصدق على قليلِ الرَّضاعة وكثيرها، يظهر ذلك جليًّا في نص الآية القرآنية، والأحاديث النبوية، التي ذكرْناها فيما تقدَّم.

ثانيًا: روى الإمام البخاريُّ وغيره من أئمَّة الحديث - رضي الله عنهم -: (أنَّ رجلاً[22]) قال: "تزوجتُ امرأة، فجاءتْنا امرأةٌ سوداء، فقالت: أرضعتُكما، فأتيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقلت: تزوجتُ فلانة بنت فلان، فجاءتْنا امرأةٌ سوداء، فقالت: إني قد أرضعتُكما، وهي كاذِبة، فأعرض عنه[23]، فأتيتُه من قِبل وجهه، قلت: إنَّها كاذبة، قال[24]: ((كيف، وقد زعمتْ أنَّها أرضعتكما؟! دعْها عنك))[25].


وهذا أمرٌ بمفارقة تلك المرأة دون استفسار عن عدد الرضعات، وتَرْك الرسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الاستفسارَ دليلٌ على أنَّه لا يُشترط في الرَّضاعة المحرِّمة مقدارٌ معيَّن، ولا عدد محدَّد من الرضعات.


المذهب الثاني: مذهب الشافعية والحنابلة في أرْجح أقوالهم، وهو: أنَّ التحريم لا يثبت إلاَّ بخَمْس مشبعات في أوقات متفرِّقة.

وأدلَّة هذا المذهب تتلخَّص فيما يأتي:

أولاً: ما رُوي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان فيما نَزَل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن"، ثم نُسِخْنَ بخمس معلومات، فتُوفِّي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهنَّ فيما يقرأ مِن القرآن" [26].

وقد علَّق الإمام النوويُّ[27] على ذلك فقال: "معناه أنَّ نسخ عبارة "خمس رضعات" تأخَّر إنزالُه جدًّا، حتى إنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - توفِّي.


وبعضُ الناس يقرأ "خمس رضعات"، ويجعلها قرآنًا؛ لكونه لم يبلغْه النسخُ لقُرْب عهده، فلمَّا بلَغهم النَّسْخُ بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أنَّ ذلك لا يُتلَى[28].


ثانيًا: أنَّ عِلَّة تحريم الزواج بسبب الرَّضاع: أنَّ جسم الطِّفل قد تكوَّن من لبن المرضِعة، فصارت أمًّا له؛ لأنَّه جزء منها، يؤيد ذلك قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يحرم مِن الرضاع إلا ما أنبتَ اللحمَ، وأنشزَ العظم))، وهذا لا يتمُّ حقيقة إلا برَضاع يوم كامل، وما يحتاج إليه الطِّفل على امتداد هذا اليوم هو خمس رَضعات.


المذهب الثالث: مذهب الشِّيعة الإمامية، وهو أنَّ مقدار الرَّضاعة التي يثبُتُ بها التحريم هو رَضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رَضْعة.


فهم على هذا يتَّفقون مع أصحاب الرأي الثاني في المبدأ، وهو ضرورةُ تحديد مقدار معيَّن من اللبن المرتضَع؛ حتى يترتب عليه التحريم، ولكنَّهم يختلفون معهم في تحديد عدد الرَّضعات، حيث حدَّدوها برَضاع يوم وليلة، أو بخمس عشرة رضعة كاملة، لا يفصل بينها رَضاعٌ آخَرُ[29].


ودليل هذا الرأي: أنَّ الرضاع المحرِّم هو ما أنبتَ اللحم، وأنشأ العظم، وهو لا يتمُّ إلا برَضاع يوم وليلة، أو بما قدَّروه بخمس عشرة رَضعة.


وبأدْنى تأمُّل في هذه المذاهب الثلاثة يبدو لنا رجحانُ المذهب الأوَّل؛ لضعفِ أدلَّة كلٍّ من المذهبين...


فاعتماد أصحاب المذهب الثاني على ما رُوي عن عائشة لا ينتج ما ذهبوا إليه، بل هو - كما نُقِل عن ابن العربي - أضعف الأدلَّة؛ لأنها قالت:

"كان فيما نَزَل من القرآن، ولم يثبت أصلُه، فكيف يثبت فرعُه؟!"؛ أي: لم يثبت أنَّ هذا القول من القرآن، وحيث إنَّه ليس قرآنًا، فلا يصح أن يُثبت به حُكم، فضلاً عن أنه رُوي برِوايات مضطربة، فلا يمكن الاعتمادُ عليه[30].


وأما القول بأنَّ الذي يحتاج إليه الطِّفل هو عشر رضعات، وما قاله أصحاب الرأي الثالث خمس عشرة رضعة، أو طعام يوم وليلة، فكلُّ ذلك في نظرنا مِن قبيل التحكُّم الذي لا تنبني عليه أحكامٌ شرعيَّة.


وعلى ذلك، فالراجِح في نظرنا: هو الرأي الأول، القائل بأنَّ قليلَ الرَّضاع، أو كثيرَه يترتَّب عليه التحريم[31].


وسنرى فيما بعد أنَّ المراد مِن قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يحرم مِن الرَّضاع إلا ما أنبتَ اللحمَ، وأنشز العظم)) - المراد من هذا الحديث: أنَّ اللبن الذي يترتَّب عليه التحريم هو الذي تناوله الطِّفل في الفترة مِن حياته التي لا يعتمد فيها إلاَّ على لبن الرَّضاعة، وهو ما نقوم ببحثه تفصيلاً في الفِقرات التالية.


وقت الرَّضاعة الذي يثبُت فيه التحريم:

وتعدَّدت الأقوال في تحديد الوقْت الذي إذا حصلتْ فيه الرَّضاعة، ترتَّب عليه تحريمُ الزواج.


ونظرًا لأنَّ الغالبية الغالبة مِن علماء الصحابة والتابعين، والأئمَّة المجتهدين اتَّفقوا على حُكمٍ يكاد يكون واحدًا، فقد آثرْنا الاكتفاء بعَرْض هذا الحُكم، وبيان الأدلَّة الشرعية التي يستند إليها.


وخلاصة هذا الحكم: أنَّ الرَّضاعة التي يترتَّب عليها تحريم الزواج على النحو السابق تفصيلُه هي تلك التي تتمُّ وقتَ الطفولة، حيث يكون الصغير معتمدًا على لَبَن المرضعة، وهذا القول مرويٌّ عن عمر بن الخطَّاب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمرن، وعبدالله بن عباس، وأبي هريرة، وأمَّهات المؤمنين، ما خلا عائشة - رضي الله عنهم - جميعًا.


وهو كذلك مذهب سعيد بن المسيّب، والشعبي وابن شبرمة، وإسحاق وأبي عبيد، وابن المنذر والحسن، والزهري والأوزاعي، وعكرمة وقتادة، وأبي حنيفة ومالك، والشافعي وأحمد، والعِترة[32]، وزفر وأبي يوسف ومحمَّد[33].


فهُم جميعًا يقولون بأنَّ الرَّضاعَ المحرِّم هو الذي يكون في الصِّغر، وقد حدَّد معظمُ هؤلاء الأئمَّة - رحمة الله عليهم - الصِّغَر بفترة ما قبل الفَطام، وهي حَوْلان.


والبعض الآخَرُ قد حدَّد أكثر من الحَوْلين بقليل، والبعض الثاني لم يحدِّد للصغر فترةً بعينها.


وهذا القول - في جملته - يستند إلى أدلَّة من الكتاب والسُّنة:

أما الكتاب: فقول الله - تعالى -: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، وقوله - سبحانه -:﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14].


فالأولى صريحةٌ في أنَّ مدة الحولين هي أقْصى مدَّة الرَّضاع بنصِّ الآية الكريمة ﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾، فإذا أتم الرَّضيعُ هذه المدة، فقد بلغ النهاية منها، والزيادة بعدَ ذلك لا تُعتبر مِن مدَّة الرَّضاع التي حدَّدها الله سبحانه.


والآية الثانية معناها: أنَّ فِصال الطفل - وهو فطامه - يكون بعدَ عامين مِن ولادته، فهي تؤكِّد الآية الأولى في أنَّ ما بعد الفطام لا أثَرَ له.


وأمَّا السُّنة: فقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الرَّضاعة مِن المجاعة))[34]، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يحرم مِن الرَّضاع إلا ما فَتَق الأمعاء في الثَّدي، وكان قبل الفطام))[35]، وما رُوي أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا رَضاعَ إلا ما كان في الحَوْلين))[36].


وخلاصة القول في هذه المسألة: أنَّ الرَّضاع الذي يترتَّب عليه التحريمُ هو ذلك الذي يكون في الحَوْلين الأُوليين مِن حياة الطفل، فهذان الحولان هما الفترة التي حدَّد الله - تعالى - فيها تمامَ الرَّضاعة، وهو ما قال به جمهورُ الصحابة والتابعين، والأئمَّة المجتهدين.


ومع ذلك فلو صادَف أنَّ طفلاً استمر في رَضاعته معتمدًا فقط على اللَّبن المرتضَع مِن ثدي الأم، أو ظلَّ هذا اللبن هو غذاءَه الرئيس فترةً تزيد عن الحولَيْن، فإنَّنا نرى - والله أعلم - أنَّ مِثل هذا الرَّضاع يترتَّب عليه تحريمُ الزواج؛ لأنَّ الطفل في هذه الفترة ما زال يعتمد على لبن النِّساء، ومثل هذا اللبن ينبت لحمَ الطفل، وينشز عظمَه، وقد ثبت في الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - - أنه قال: ((لا يحرم مِن الرَّضاع إلا ما أنبتَ اللحمَ، وأنشز العظم))؛ أي: ما كان في زَمن الطفولة، بحيث يكون اللَّبن هو الأساسَ الذي يعتمد عليه نموُّ الطفل، وتكوينه جسميًّا.


الفرع الثالث في المحرمات بسبب المصاهرة:

1 - بيان المقصود بهنَّ.

2 - أصناف هؤلاء المحرَّمات.

3 - حِكمة التحريم.


يُقصد بهؤلاء المحرَّمات: أولئك النِّسوة اللائي ينتسب الشخصُ إليهنَّ بسبب المصاهَرة؛ أي: قرابة الزواج، التي بينه وبينهن، فالصلة بينه وبيْن أمِّ زوجته هي صِلة مصاهرة؛ أي: إنَّ عقد الزواج هو السبب في نشأتها، وهكذا.


وقد حرَّمت النصوصُ القرآنية هؤلاء النِّسوةَ تحريمًا صريحًا[37].


أصناف المحرَّمات بسبب المصاهرة:

وهؤلاء المحرَّمات أصنافٌ أربعة، بيانهنَّ على النحو التالي:

الصنف الأول: أصول الزَّوجة مِن النِّساء وإن علون:

والمقصود بأصول الزَّوجة مِن النساء أُمُّ الزوجة وجَدَّاتها مِن أيِّ جهة كُنَّ، سواء من جهة الأب، أو جهة الأم، والأصل في هذا التحريم قولُ الله - تعالى -: ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ﴾ [النساء: 23]، وهو معطوفٌ على قوله - تعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23].


وهذا التحريم إذ يصدُقُ على أُمِّ الزوجة، فإنَّه يصدق على أمِّ أمِّها، وأُمِّ أبيها، وسائر جَدَّاتها مهما عَلَتْ درجتهنَّ، فكلمة "أمهات" تصدُق على الأم مباشرةً، وتصدق على الجَدَّات؛ لأنهنَّ أمهات غير مباشرات.


ويلاحظ أنَّ تحريم أمِّ الزوجة ومَن معها يثبت بمجرَّد العقد على هذه الزوجة، بغضِّ النظر عن الدخول، فسواء دخَل أو لم يدخل، فإنَّ أصول زوجته من النِّساء يُحرمنَ عليه بمجرَّد إتمام العقد.


الصنف الثاني: فروع الزَّوْجة من النِّساء، وإن نزلْن:

ويُقصد بهذا الصِّنف بناتُ الزوجة، وبنات بناتها، وبنات ابنها، وهكذا مهما نزلَتْ درجتُهنَّ، ولكن لا يحرم عليه فروعُ زوجته إلا بشَرْط أساسي، هو أن يدخل بزوجته.


والأصْل في تحريم هذا الصِّنف قول الله - تعالى -: ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾ [النساء: 23].


وهذا النصُّ الكريم معطوف على قوله - تعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23] والمعنى: وحرِّمت عليكم ربائبكم، و"الربيبة" هي بنت الزَّوجة من رجل آخَرَ تحرم عليه ابنتها، فإن كان قد عقد عليها، ثم طلَّقها قبل أن يدخل بها، فإنَّ بنتها لا تحرم عليه؛ أي: إن البنت لا تحرم بمجرَّد العقد، بمعنى: أنَّ العقد فقط لا يحرِّمها، وإنما الذي يحرِّمها هو الدخول بعدَ عقد صحيح.


وهنا نلمس الفارقَ الواضح بين هذه الحالة والتي قبله، ففي الحالة السابقة رأيْنا أنَّ الأم تحرم بمجرَّد العقد على البنت دون اشتراط دخول، وأما في هذه الحالة فقد اشترط القرآنُ الدخول بالمرأة حتى تحرمَ عليه بنتُها، وهذا بالنص القرآني الصريح: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾[38][النساء: 23].


ومن ناحية أخرى، فإنَّ بنت الزوجة المدخول بها تحرم، سواء كانتِ البنت في حجر الزوج - أي: في بيته - أو كانت في بيت آخَر، أو في مكان آخَر، فالوصف المذكور في الآية ليس شرطًا، بل جاء على مقتضى الغالِب من الأحوال [39].


الصنف الثالث: زوجات أصول الرجل:

المقصود بهؤلاء المحرَّمات زوجة الأب، وزوجة الجَد، وإن علا، فالأم محرَّمة بقوله - تعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23]، وزوجة الأب بمنزلة الأم، فهي داخلةٌ في التحريم بحُكم هذه الآية - كما أشرنا.


ولكن نظرًا إلى أنَّ عادة العرب في الجاهلية أنَّهم كانوا لا يحرِّمون زوجة الأب، فأنزل الله - تبارك وتعالى - تحريمَ هذه العادة القبيحة، ونصَّ عليها بذاتها في آية مخصوصة، هي قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾[40] [النساء: 22].


الصنف الرابع: زوجات فروعه وإن نزلوا:

ويُقصد بهؤلاء المحرَّمات زوجة الابن، وزوجة ابن الابن، مهما نزلَتْ درجة الابن؛ ذلك أنَّ زوجة الابن تنزل منزلةَ البنت، فلا تَحِلُّ للأب الذي هو والد الزوج.


والأصل في التحريم قولُ الله سبحانه: ﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾ [النساء: 23]، وهو معطوف على قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23].


والمعنى: وحرِّمت عليكم حلائلُ أبنائكم الذين من أصلابكم، فالتحريم يشمل زوجةَ الابن وزوجةَ ابن الابن مهما نزلَتْ درجةُ الابن، وكذلك يصدق عل زوجة ابن البنت، وهكذا تحرم على الشخص زوجاتِ فروعه، وإن نزلوا "ولا يقال: إنَّ التقييد بكونهم من الأصلاب يقصر التحريم على زوجاتِ أبنائه فقط دون زوجاتِ أبناء أبنائه وأبناء بناته؛ لأنَّ لفظ الأبناء يشمل هؤلاء، إذ يُراد به كلُّ مَن يتصل به بصِلة الولادة من الذكور"[41]، وإنَّما المقصود مِن قوله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾ إخراج زوجة الابن بالتبنِّي؛ ذلك النظام الذي كان سائدًا عند العرب في جاهليتهم، فأبطله الله - سبحانه - بقوله: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 4 - 5].


وقد سَبق أن تكلَّمْنا عن تحريم زوجة الابن من الرَّضاعة على ما قرَّره جمهور الفقهاء، وأشرْنا هنا لك إلى أنَّ بعض العلماء قد خالَف في ذلك تمسُّكًا بقوله - تعالى -: ﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾، فقد قالوا: إنَّ الابن من الرَّضاعة ليس ابنًا من الصلب؛ ولذلك فلا تحرم زوجة هذا الابن.


حكمة التحريم بسبب المصاهرة:

وتحريم الزَّواج بإحْدى هؤلاء المحرَّمات أمرٌ تقتضيه الفطرة التي فَطَر اللهُ الناسَ عليها، وتستوجبه الحِكمة العقلية حيث لا يتردَّد عاقل في قَبول هذا التحريم بمقتضى فِطرته السليمة.


ولذلك اتَّفقت الشرائع السماوية السابقة مع شريعة الإسلام في القَوْل بتحريم الزَّواج بسبب المصاهرة؛ ذلك أنَّ الذي يتزوَّج فتاة مِن أسرة معينة، فإنَّه يصير واحدًا من تلك الأسرة، وتكون الفتاةُ واحدةً من أسرة الرجل، وبذلك تتقارب الأُسرتان ويتوادَّان، فكان مما يتَّفق مع الطبع السليم أن تكون أمُّ الزوج، بمنزلة أمِّه فتحرم عليه، ويكون أبُ الزوج أبًا للزوجة، أو كأبيها فتحرم عليه؛ إذ هي بنت له، أو بمنزلة بنته، ومِن هنا اتَّفقتِ الشرائعُ السماوية على تحريم الزَّواج بسبب المصاهرة على النحو الذي بينَّا.

♦ ♦ ♦


المطلب الثاني

في المحرَّمات تحريمًا مؤقتًا

1 - بيان المقصود بهنَّ.

2 - أقسام هؤلاء المحرَّمات.

3 - من تعلَّق بها حقُّ الغَيْر - احالة.

4 - تقسيم.


المحرَّمات تحريمًا مؤقتًا هنَّ اللائي قام بإحداهن وصْفٌ مؤقَّت، يترتب عليه تحريمُ الزواج طالَمَا كان هذا الوصف موجودًا؛ بمعنى: أنَّ التحريم ليس راجعًا إلى وجود وصْف أبديٍّ دائم، وإنَّما يرجع إلى وجود وَصْف مؤقَّت قد يزول يومًا ما. وبزوال هذا الوصْف يزول التحريم.


أقسام هؤلاء المحرمات:

والوصْف الذي يكون سببًا في التحريم قد يَرجع إلى أنَّ حق الغير تعلَّق بهذه المرأة، أو إلى أنَّه لا يجوز للرجل أن يجمع في عِصمته بيْن امرأتين تربطهما قرابةٌ قريبة، أو قد يكون الوصْف هو طلاقَ هذه المرأة ثلاثًا، وقد يكون التحريم راجعًا إلى عقيدة المرأة وأنها لا تَدين بدِين سماوي، وأخيرًا قد يكون التحريم بسبب لا يرجع إلى امرأةٍ بعينها، وإنما إلى أنَّ الرجل في عصمته أربعُ زوجات.


مَن تعلق بها حق الغير:

أما من تعلَّق بها حقُّ الغير، فقد سبق أن قلنا: إنَّه من الطبيعي تحريمُ حتى مجرَّد التفكير في خِطبتها، فما بالك بالتزوُّج، حيث لا يُقبل مثلُ هذا التفكير شرعًا ولا عقلاً، فزوجة الغَيْر ومعتدَّتُه - وخاصَّة المعتدة من طلاق رجعيٍّ - محرَّمة تحريمًا لا شكَّ فيه؛ لأنَّها لا تزال في عصمة هذا الغَيْر.


ونكتفي بهذه، ونحيل في هذا إلى ما سَبَق أن قلناها في هذا الموضوع أثناءَ كلامنا عن الخِطبة وشروطها.


تقسيم:

وفيما عدَا مَن تعلَّق بها حقُّ الغير، فإنَّنا نبحث بقية المحرَّمات تحريمًا مؤقتًا في أربعة فروع، على النحو التالي:

الفرع الأول: في تحريم الجمع بين المحارم.

الفرع الثاني: في المطلَّقة ثلاثًا.

الفرع الثالث: في مَن لا تَدين بدِين سماوي.

الفرع الرابع: في تحريم الجمْع بين أكثر من أربع زوجات.


الفرع الأول في تحريم الجمع بين المحارم:

1 - معنى القرابة المحرميَّة.

2 - معنى الجمْع بين المحارم.

3 - أدلَّة التحريم.

4 - الحِكمة التشريعيَّة منه.


المحارم هم الأقارب من الجنسيْن الذين تربط بينهم القرابةُ المحرميَّة.


والقرابة المحرميَّة هي القرابة القريبة التي يترتَّب عليها تحريم الزواج، فالقرابة بيْن الأخ وأخته قرابةٌ محرميَّة؛ لأنها تحرِّم الزواج بين الأخ وأخته، وبين الأخ وبنت أخيه، وبنت أخته، وهكذا.


ومعنى ذلك أنَّ المحرَّمات على التأييد اللاتي تكلَّمْنا عنهنَّ في المطلب السابق، هنَّ قريبات للشخص قرابة محرميَّة: إما نسبًا وإما رَضاعًا، وإما مصاهرة.


وتحريم الجمْع بيْن المحارم هنا معناه: أنَّ كل امرأتين بينهما قرابةٌ محرميَّة، فإنَّه لا يجوز لرجلٍ واحدٍ أن يجمعَ بينهما في عِصمته، فلا يجوز لرجل أن يتزوَّجَ أختين في وقتٍ واحدٍ؛ لأنَّ القرابة بيْن الأختين قرابةٌ محرميَّة.


وضابط هذه القرابة: أنه لو فرضت إحداهما ذكرًا حرمتْ عليه الأخرى، فمتى وُجدتْ هذه القرابة بيْن امرأتين، فإنَّه يحرم على الرجل أن يجمعَ بينهما في عِصمته، فكما لا يجوز له أن يجمعَ بيْن الأختين، لا يجوز له أيضًا أن يجمع بيْن المرأة وعمَّتِها، ولا بين المرأة وخالتها.


أدلة التحريم:

والأصل في هذا التحريم الكتاب والسنة والإجماع.


أما الكتاب: فقول الله - تعالى -: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ﴾ [النساء: 23]، جاء هذا النص الكريم في سياق المحرَّمات معطوفًا على قوله - تعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾؛ أي: إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - حرَّم عليكم أن تجمعوا بين الأُختين.


فهذا النص الكريم يُحرِّم صراحةً على الشخص أن يجمعَ في عِصمته بيْن أختين، ويحرم دلالةَ الجمع بين امرأتين بينهما قرابةٌ محرميَّة على نحوِ ما بينَّا.


ومع ذلك، فإنَّ السُّنة النبوية قد زادتِ الأمر بيانًا ووضوحًا، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يجوز الجمْعُ بيْن المرأة وعمَّتها، ولا بيْن المرأة وخالتها))[42]، وهو حديث متَّفق عليه، رواه البخاري ومسلم[43]، وأبو داود، [44]، وغيرهم[45] من أئمَّة الحديث.


وقد ساقَه مسلم من طريق آخَرَ[46] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يَجمع الرجلُ بيْن المرأة وعمَّتها، وبيْن المرأة وخالتها"، قال ابن شهاب: فنرى خالةَ أبيها، وعمَّة أبيها بتلك المنزِلة"[47].


وقد انعقدَ إجماعُ العلماء على تحريم الجمْع بيْن الأختين. والجمْع بين الباقيات من المحارِم"[48].


وهذا التحريم شاملٌ لكلِّ أنواع القرابة المحرميَّة؛ أي: سواء كانت القرابة سببها النَّسَب، أو كان سببها الرَّضاع، والنوع الأول هو الذي أجمع العلماء على اعتباره محرمًا للزواج، أما النوع الثاني فهو محرَّم في مذهب جمهور الفقهاء؛ عملاً بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يحرم من الرَّضاع، ما يحرم مِن النَّسَب))، فكما يحرم عليه أن يجمعَ بيْن الأختين نسبًا، فإنَّه يحرم عليه أيضًا أن يجمع بيْن الأختين رضاعًا، فلو أنَّ فتاتين رضعتَا مِن امرأة واحدة، ثم جاء رجل فتزوَّج إحدى هاتين الفتاتين، فإنَّه يحرم عليه بعدَ ذلك أن يتزوَّج بالفتاة الأخرى؛ لأنَّها أخت زوجته من الرَّضاعة، ولا يجوز له شرعًا أن يجمع الأختين نسبًا أو رَضاعًا في عِصمة واحدة[49].


غير أنَّ هذا التحريم - أي: تحريم الجمْع بين المحارم - تحريمٌ مؤقَّت، بمعنى أنَّه يظلُّ ثابتًا، طالما أنَّ الزوجية قائمة، فإذا ما انتهتْ رابطة الزوجية بطلاق بائِن أو بوفاة، فإنَّ التحريم يزول، ويعود الحِلُّ إلى ما كان عليه قبلَ الزواج، وذلك بعدَ انتهاء عِدَّة الطلاق، أو عِدَّة الوفاة، فإنَّ الزوجية قد تكون قائمةً حقيقةً، كما هو الحال بالنسبة للزوجيَّة الموجودة بالفِعْل دون أن يعتريَها أي عارض، ولا تنقطع رابطةُ الزوجية إلاَّ بعد انتهاء عِدَّة الطلاق، أو عدة الوفاة.


وبناءً على ما تقدَّم: لو أنَّه تزوَّج امرأة وفي عِصمته أختها أو عَمَّتها أو إحدى محارمها، فإنَّ زواجه بالثانية باطل[50]، ولكن هذا التحريم: تحريم مؤقَّت - كما بينا.


فإذا ما طلَّق التي في عِصمته، وانقضتْ عِدَّتُها، زال التحريم، وصحَّ له الزواج بإحْدى هؤلاء القريبات، حيث زال الوصْف الموجِب للتحريم.


الحكمة التشريعية من هذا التحريم:

والحِكمة مِن تحريم الجمْع بيْن المحارم واضحة جليَّة، بل لقد صرَّحتْ بعضُ الروايات بهذه الحِكمة، وذلك في قول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّكم إن فعلتُم ذلك قطعتُم أرحامكم)).


وهكذا ثَبَت بما لا يدع مجالاً لشكٍّ أو تردُّد أنَّ تحريم الجمْع بيْن المحارم له حِكمة بالغة، هي المحافظةُ على صِلة الأرحام التي أمَر الله - تعالى - أن تُوصَل.


الفرع الثاني في المطلَّقة ثلاثًا:

1 - تحريم المطلقة ثلاثًا.

2 - إمكان العودة بعدَ التزوُّج بآخَرَ.

3 - الحِكمة من ذلك.


سوف نقوم بدِراسة الطلاق دراسةً تفصيلية في القسم الثاني - إن شاء الله تعالى - وسنتكلَّم في هذا القِسم عن الأسباب التي تدعو له، والقيود والضوابط التي تحدُّ مِن سوء استعماله.


ولكنَّنا هنا نتكلَّم عن جزئية صغيرة منه، ألا وهي: إنَّ المطلَّقة ثلاثًا تحرُم على زوجها الذي طلَّقها، بحيث لا تَحِلُّ له إلا بعدَ تتزوَّج مرةً أخرى، زواجًا بنية الدوام والاستقرار، فإذا ما طلَّقها الآخر بعدَ ذلك، فإنَّه يجوز للأوَّل أن يتزوَّجها مرَّة أخرى، بعَقْد ومهْر جديدين بطبيعة الحال؛ "لأنَّه عسى أن يكون الانقطاع لغيرِه، أو به أثَرٌ في نفسه إنْ كانت الإساءة مِن جانبه، وعسى أن تكون عِشرتُها لغيره جعلتْها تعرف قيمةَ الحياة الزوجيَّة معه، فتحسن معاملته إنْ كانت الإساءة من جانبها، وفي الجملة يُرجَى لهذه الحياة الجديدة شيءٌ من القرار والاطمئنان بعدَ الاضطراب فيما قبلها"[51].


والأصْل في هذا قول الله - تعالى -: ﴿ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 229].


فالطلاق الثلاث يُنهي العِصمة الزوجيَّة بحيثُ لا تحلُّ هذه المطلَّقة لزوجها مرَّةً أخرى في هذه العِصمة، ولكن هذا التحريم ليس تحريمًا مؤبدًا، وإنما يزول هذا التحريمُ إذا تزوَّجتْ هذه المطلَّقة رجلاً آخَرَ زواجًا حقيقيًّا لا صوريًّا، بنية الدوام والاستمرار.


ولا بدَّ في هذا الزواج من الدُّخول الفعلي، بحيثُ ينال منها ما ينال الرجلُ من زوجته عادة، ولقد ورد في الحديث ما يؤكِّد هذا المعنى[52]، فإذا نشب نزاعٌ بينها وبين هذا الزوج وطلَّقها، فإنَّه يَحِلُّ للأوَّل أن يتزوَّجها، فتعود إليه بعِصمة جديدة، وبناء عقد جديد - كما سبق أن بينَّا.


ويلحق بالمطلَّقة ثلاثًا المرأةُ التي لاعَنها زوجُها؛ أي: اتَّهمها بجريمة الزِّنا، ولكنه لم يأتِ بأربعة شهداء، حتى يقامَ عليها حدُّ الزنا - وهو الرجم - فإنَّه يلاعنها[53]، ومثل ذلك يقال فيمَن نفى نَسبَ ولده مِن زوجته، فإذا ما تمَّ لِعانُها فرَّق القاضي بينهما.


وذهب جمهورُ الفقهاء إلى أنَّ اللعان فسخ لعَقْد الزواج، يترتَّب عليه تحريمها على زوجها تحريمًا مؤبدًا[54]، فلا تحلُّ له مطلقًا بعدَ ذلك، حتى ولو كذَّب نفسه فيما اتَّهمها به، فقد روى أبو داود عن سهْل بن سعد في خبر المتلاعِنين، قال: "فطلقها[55] ثلاثَ تطليقاتٍ عند رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأنْفذَه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.


وكان ما صُنِع عند النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُنَّة، قال سهل: حضرتُ هذه عند رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمضتِ السُّنَّة بعدُ في المتلاعنين أن يُفرَّق بينهما، ثم لا يجتمعانِ أبدًا"[56].


وسببُ التحريم المؤبَّد هو زوال الثِّقة بينهما كليَّة، حتى ولو كذَّب نفسه بعدَ ذلك، فإنَّ هذه منه أدْعى إلى عدم عودتها إليه، فكيف تعيش معه بعدَ أن قال فيها قولاً عظيمًا، ثم يعترف أنَّه كان كذَّابًا فيما قال؟!


وذهب أبو حنيفة ومحمَّد إلى أنَّ التحريم مؤقَّت إلى أن يكذب نفسه، فإذا أعلن أنَّه كان كاذبًا في قوله، فإنَّ ذلك يبيح لهما العودةَ إلى الحياة الزوجيَّة من جديد، ففي تكذيب نفسه ما يدعو إلى عودة الثِّقة بينهما مرَّةً أخرى[57].

♦ ♦ ♦


الفرع الثالث

في تحريم مَن لا تَدين بدِين سماوي

1 - نطاق التحريم وأدلَّته.

2 - حِكمة التحريم.

3 - زواج المسلِم بالكتابية.

4 - تحريم زواج المسلِمة بغير المسلِم.

5 - الحِكمة من ذلك.


حرَّم الله - تبارك وتعالى - على المسلِم أن يتزوَّج بالمرأة التي لا تَدين بدِين سماوي - سواء كانت معتقدةً في دِين  مخترع من البشر - أي: ليس له أصْل سماوي - مثل المجوسيَّة التي تعبد النار، أو الوثنية التي تَعبد الأوثان[58]، أو الصابئة التي تعبُد الكواكب، وما إلى ذلك من الأديان غير السماويَّة.


التي ما أنْزل الله بها من سُلْطان، أو كانت لا عقيدةَ لها مطلقًا، مثل الملحِدة التي تُنكِر الأديان، فكلُّ امرأة على هذا النحو لا يجوز للمسلِم أن يتزوَّجها، وذلك بنصِّ كلام الله - عزَّ وجلَّ - حيث يقول - سبحانه -: ﴿ وَلاَ تَنْكِحُوا[59] الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا[60] الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221].


ولفظ "المشرِك"، وإنْ كان في اللُّغة يُطلق على كلِّ مَن جعل لله نِدًّا، أو عبد غيرَ الله سبحانه، إلا أنَّه في اصطلاح الفقهاء يشمل كلَّ مَن لا يَدين بدِين سماوي، سواء كان وثنيًّا أو ملحدًا، أو مرتدًّا[61]، أو ذا عقيدة باطلة[62]، أو منكرًا لأمر معروف من الدِّين بالضرورة[63].


ولقدْ جاء القرآنُ العظيم بنصٍّ آخَرَ يشمل بعموم لفْظه كلَّ مَن لا تدين بدين سماوي، يقول الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة: 10].


فهذا النصُّ الكريم يحرِّم التزوج بأيِّ واحدة من هؤلاء النِّسوة، والتحريم شاملٌ لابتداء العَقْد على إحداهن، كما يشمل تحريمَ إمساك عِصمة الواحدة منهنَّ، كما لو أسلم الزوج، وظلَّت هي على شِرْكها، أو كُفْرها أو إلحادها، أو عقيدتها الباطلة، فإنَّ ذلك أمر من الله تعالى بمفارقتها إن لم تُسلم، ونفس الحكم يصدق عل المرتدَّة، حيث بجب مفارقتُها فورًا.


الحكمة من التحريم:

وقد أشار الله - عز وجل - إلى تلك الحِكمة، حيث قال سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 221].


فالمشرِكون - رجالهم ونساؤهم - يَدْعون إلى النار بعقيدتهم وعملهم مِن حيث لا يشعرون، فمَن عاشرهم سيسلك طريقَهم، ويستقرُّ في مثواهم، والزوجة المشركة وإنْ لم تثن الرجلَ المسلم عن دِينه، فإنها لا شكَّ تُضعِفه.


وأوَّل السُّبل إلى النار أن يتهاون بفرائض الله، وشيئًا فشيئًا يجد نفسَه بعيدًا كلَّ البُعد عن إسلامه؛ فلهذا حرَّم الله - عز وجل - على المسلِم أن يتزوَّج المشركة.


ومِن ناحية أخرى: "فإنَّ التنافر بيْن الإسلام والأديان الوثنيَّة شديدٌ، لا يمكن أن تكون معه - في الأحوال العامَّة - عِشْرة متلائمة متفقة، وكيف تتصوَّر عِشْرة بيْن زوجين أحدهما يتقرَّب إلى الله سبحانه بذبْح بقرة وتوزيعها صدقات، والثانية تعبُد هذه البقرةَ، أو على الأقل تقدِّسها؛ إذ لا يمكن أن تكون عِشْرة إلا إذا كان ثَمَّة استهواء شديد يُفسِد دِينه، فيكون التحريم مِن هنا"[64].


زواج المسلم بالكتابية:

وإذا كان الله - تعالى - قد حرَّم على المسلِم أن يتزوَّج بالمشرِكة أو الملحدة على نحوِ ما بينَّا، فإنَّه سبحانه أباح للمسلِم أن يتزوَّج بالمرآة الكتابية؛ أي: التي تَدين بدِين سماوي أنزل الله في شأنه كتابًا مِن السماء، فالمقصود بالكتابية إذًا هي اليهودية أو المسيحية حيثُ أنْزل الله التوراةَ على موسى، والإنجيلَ على عيسى - عليهما وعلى محمد أفضلُ الصلاة والتسليم.


والأصْل في ذلك قولُه - تعالى -: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة: 5].


بمعنى: أنَّ الله أحلَّ للمسلِم أن يتزوَّج المحصنة - أي: العفيفة - مِن الذين أوتوا الكتاب، وهم اليهود والنصارى.


وقد اتَّفق الصحابةُ على فَهْم هذا الحُكم من كتاب الله تعالى، بل إنَّ بعضهم قد تزوَّج بكتابية[65]، وإن كان لعُمر بن الخطاب رأيٌ، إلا أنَّه ليس معارضةً في الحِل، وإنما يرى مِن الأفضل للمسلِم ألا يتزوَّجَ إلا مسلِمة[66].


الحكمة من الإباحة:

الحِكمة مِن إباحة زواج المسلِم بالكتابية: أنَّ الكتابية تتفق مع المسلِم في مبدأ الإيمان بالله تعالى، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، فاليهودية تؤمِن بموسى - عليه السلام - والنصرانية تؤمِن بعيسى - عليه السلام - فهذا القَدْر من الإيمان مع هيمنة الرَّجل المسلِم على الأسرة، ونِسبة الأولاد إليه يَكْفي لإباحة زواج المسلِم بالكتابية؛ "لإمْكان العشرة بينهما تحقيقًا للأغراض التي شَرَع لها الزواجَ في الجملة"[67]، مع ملاحظة أنَّ الإسلام حرَّم على الزوج المسلِم أن يؤذيَ زوجته الكتابية في دِينها؛ لأنَّ المسلم يؤمِن أساسًا بكل أنبياء الله تعالى ورسله، فالإيمان بجميع الرُّسل ركن من أركان الإيمان.


ملاحظة هامة:

إذا ما تزوَّج المسلِم بالكتابية كان له عليها كلُّ حقوق الزوج المسلِم على الزوجة المسلمة، وكان لها أيضًا حقوقُ الزوجة المسلمة عليه، باستثناء بعضِ الأحكام، مثل التوارث[68]، كما أنَّ الأولاد مسلِمون ولا شكَّ، سواء في ذلك الذَّكَر والأنثى.


ونظرًا لأنَّه قد تخفى على الزَّوجة الكتابية بعضُ حقوق الزوج المسلم، فقد جَرَى العمل في مصر على مراعاةِ بعض القواعد الهامَّة عند زواج المسلِم بالكتابية.


ومن هذه القواعد: ضرورة توثيق هذا الزواج أمامَ القاضي المختصِّ في وثيقة خاصَّة يُدوَّن فيها ما للزوج من حقوق شرعيَّة بمقتضى هذا الزواج، وتُتْلى هذه الأحكام على الزوجة؛ حتى تعرفَ ما لها وما عليها مقدَّمًا، ولكي تكونَ راضية بذلك، ملتزمة به وهي على بينة[69].


تحريم زواج المسلمة بغير المسلم:

رأينا أنَّه لا يجوز للمسلم أن يتزوَّج مشركة ولا ملحدة، وعلى العموم يحرم على المسلِم أن يتزوَّج أيَّ امرأة لا تَدين بدِين سماوي.


ورأينا كذلك أنَّه يجوز للمسلِم أن يتزوَّج بالكتابية على النحو الذي بينَّاه - فيما تقدَّم.


وأما المسلِمة فلا يجوز مطلقًا أن تتزوج إلا بمسلم؛ ذلك أنَّها - أي: المسلمة - لا تَحِلُّ لغير المسلم أبدًا، سواء كان كتابيًّا أو غير كتابي، مشركًا أو ملحدًا، فلا تحل المسلمة لغير المسلم بأيِّ وجه.


ولقد نصَّ القرآن الكريم على ذلك في حُكمٍ صريحٍ واضح، حيث يقول الله - عز وجل - في نِساء المؤمنين: ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10].


فالمسلِمة لا تَحِلُّ لغير المسلم، وغير المسلم تحرم عليه المسلمة.


وقد فَهِم الصحابة - رضوان الله عليهم - هذا الحُكم الشامل، الذي أورده القرآن الكريم فعملوا به؛ تنفيذًا لأمر الله - عز وجل - فقد رُوي: أنَّ امرأة من بني تغلب أسلمتْ وأبَى زوجُها أن يسلم، ففرَّق عمر بينهما، وقد وردتْ آثار كثيرة عن الصحابة في هذا المعنى[70].


"وبهذا استفاضتِ الأخبار عن صحابة رَسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا لا يُعرَف بالرأي، فلا بدَّ أن يكونوا قد سَمِعوا مِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما بنَوْا عليه حُكمَهم، وقد انعقد إجماعُهم على ذلك، فكان ذلك ثابتًا بالإجماع، مع أنَّ نص القرآن حُجَّة قاطعة لا مجالَ للشك فيها"[71].


الحكمة من تحريم زواج المسلمة بغير المسلم:

وإذا كان الإسلام قد حَرَّم على المسلم أنْ يُؤذيَ زوجتَه الكتابية في دِينها؛ لأنَّ الإيمان بموسى وعيسى - عليهما السلام - عنصر من عناصر الإيمان في شريعة الإسلام، فإنَّ أهل الأديان الأخرى - بوضعهم الحالي - لا يؤمِنون بالإسلام، ومِن هنا فقدْ لا يُؤمَن جانبُ الكتابي في أن يؤذيَ زوجتَه المسلِمة في دِينها، لا سيَّما وأنَّ القوامة بيد الزوج، وقد يستغلُّ سلطانَه في التأثير عليها، وقد يَفتِنها ضعفُها ووَحْدتها عن إسلامها، وهي لا تستطيعُ إنقاذَ نفسها؛ لأنَّ مِفتاح الخَلاص ليس بيدها، فهي بيْن أمرَيْن، كلاهما مُرٌّ: إمَّا أن تدافع عن دِينها فتسوء العِشْرة بينهما، وإمَّا أن تستسلمَ فتخسر الدنيا والآخرة.


من أجْل ذلك حرَّم الله - تبارك وتعالى - على المسلِمة ألاَّ تتزوَّجَ إلا بمسلِم.


وإذا كان علماءُ الإسلام قد قرَّروا هذه الحقيقةَ من قبل - وهي بذاتها غَنيَّة عن أيِّ دليل أو برهان - فإنَّ الباحثين المنصفِين من غير المسلمين قد أكَّدوا هذه الحقيقةَ في نزاهة صريحة، بعيدة عن أيِّ تعصُّب[72].

♦ ♦ ♦


الفرْع الرابع

في تحريم الجمع بين أكثر من أربع

1 - الإسلام لم ينشئِ التعدُّد.

2 - التعدُّد المشروع.

3 - قيود التعدد.

4 - مبررات التعدُّد.

5 - القانون 44 لسنة 1979.


مِن الحقائق التاريخيَّة الثابتة: أنَّ الإسلام لم ينشئْ تعدُّد الزوجات، فقد كان العربُ في الجاهلية يعيشون في فَوْضى شاملة، عمَّت كلَّ شؤون حياتهم[73]، ومنها حياتُهم الزوجية التي بلغتْ من الفَوْضى وعدم التنظيم حدًّا بعيدًا، ففي الوقت الذي نزلتْ فيه سورة النساء، كان لبعض الرِّجال منهم عشْر زوجات، وللبعض الآخَر ثمان، ومنهم مَن كان له أقلُّ من هذا العدد، ومنهم مَن كان عنده أكثر.


فقد روى الشافعيُّ وأحمد، والترمذي وابن ماجه، والدارقطني وغيرهم: أنَّ غيلان بن سلمة الثقفيَّ أسلم وعنده عشْر نِسوة - أسلمن معه - فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اختر منهنَّ أربعا))[74].


وروى أبو داود بسنده: أنَّ قيسَ بن الحارث قال: أسلمتُ وعندي ثمان نسوة، فأتيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكرت ذلك له، فقال: ((اخترْ منهنَّ أربعًا))[75].


♦ فالإسلام - إذًا - جاء ليضعَ حدًّا لهذه الفوضى الزوجية.

♦ نزَل القرآن الكريم للتحديد، لا للإطلاق.

♦ جاءت آيات الله البيِّنات، لا لتترك الأمر لهوى الرَّجل، وإنَّما لتضعَ قاعدةً عامَّة أساسيَّة هي التزوُّج بواحدة[76]، وبجانب هذه القاعدة أباح الله التعدُّد - بقيوده وضوابطه - كما سنبيِّن هذا بعْد قليل بشيء مِن التفصيل - وذلك في قوله - تعالى -:﴿ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3].


وعلى ذلك فلا يجوز للمسلِم أن يتجاوزَ هذا الحدَّ الأقصى، مهما كانت الأحوال.


فمَن كان في عصمته أربعُ زوجات، فلا تَحِلُّ له الخامسة أبدًا، إلا أن يُطلِّق إحْدى الأربع، وتنتهي عِدَّتُها، فيباح له التزوج بالأخرى حينئذٍ، هذا والعقد على ما زاد عن الأربع عقْد باطل؛ لأنَّه يخالف حُكم الله - عزَّ وجلَّ[77].


التعدد المشروع: قيوده وحدوده:

سبق أن أشرْنا إلى أنَّ الإسلام جاء ليحدَّ مِن التعدُّد القائم فعلاً، وقد سبق أنْ أشرْنا كذلك إلى أنَّ هذا التعدُّد - كما نفهمه مِن نسق الآية الكريمة - إنما هو إباحة مقيَّدة مِن الله - عز وجل - ذلك أنَّ الحالة المعتادة التي لا شروطَ فيها ولا حدود ولا قيود هي التزوُّج بالواحدة، أما ما زاد على ذلك فهي الحالة التي وَضَع الشارع لها حدودًا وضوابطَ وقيودًا.


وعلى ذلك نستطيع أن نقول - والله أعلم -: إنَّ الأصل في الشريعة الإسلامية هو عدمُ التعدُّد، والاستثناء هو التعدُّد لِمَن وُجِد في ظروف تدعو إليه، وتَوافرتِ الشروط المطلوبة فيه شرعًا، والتُزِمتْ حدودُ الله.


ولقد ترددتُ كثيرًا[78] عندَ التعبير عن التعدُّد بكلمة رُخصة، وذلك في أوَّل هذا البحث [79].


وخلاصة ما ذكرتُه هنالك أنَّ الآية الكريمة جاءتْ لتخاطبَ الناس على قدر عقولهم، فقد كان التعدُّد هو الأصلَ عندهم، فكأنها قالت لهم: تزوَّجوا ما طاب لكم في حدود الزوجات الأربع ، ولكن بشرْط العدل، وعند الخوْف من عدم العدل يجب عليكم أن تقْتَصِروا على زوجة واحدة.


ونظرًا لأنَّ الشأن في البَشَر عدمُ القدرة على العدل، والاستثناء هو القُدرة عليه، فقد ظهر لي - والله أعلم -: أنَّ الاستثناء هو التعدُّد؛ ولذلك فإني أقول بحق: إنَّ الله - تبارك وتعالى - خاطَبَ بتلك الآية القرونَ والأجيال: فالجاهليون ظنُّوا أنَّه - سبحانه - بدأ بقاعدتهم ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3] في حين أنَّ الآية الكريمة - في نظَرِنا - تجعل الأصلَ هو الاقتصار على زوجة واحدة؛ لأنَّ شأن البشر عدمُ القدرة على العَدْل، حتى في الأمور الظاهرة منه؛ إذ لا يقدر على العدلِ إلا الصابرون مِن صفوة الناس وخاصتهم.


هذا ما قلتُه هنالك، وهو فَهْم بدَا لي، وقد فوضتُ الأمر فيه لله - عز وجل - فإن كان صوابًا فهو من الله صاحِب الفَضْل والمِنَّة، وإنْ كان غير ذلك، فأستغفر الله من زلَّة قلم لا أبغي بها إلا رضوانَ الله تعالى.


قيود التعدد:

قيَّد الله - تبارك وتعالى - إباحةَ تعدُّد الزوجات بقيدين أساسيين: أحدهما نصَّ الله عليه صراحةً في ذات الآية الخاصَّة بهذا الموضوع، ألاَ وهو العدل.


وأما القيد الثاني: فهو مفهومٌ ضمنًا من مجموع النصوص، ألاَ وهو القدرةُ على الإنفاق؛ ونظرًا لأننا أشرْنا إلى هذا القيْد فيما تقدَّم، فإنَّنا نبدأ به مراعاةًَ للاختصار، ثم نتكلَّم بعد ذلك عن العدل بشيء من التفصيل.


أولاً - القدرة على الإنفاق:

أمَّا القُدرة على الإنفاق فهو شرْط في الزواج بصِفة عامَّة، فغير القادر على الإنفاق لا يجوز له شرعًا الأقدامُ على إبرام العَقْد، وقد سبق لنا أن بينَّا ذلك عند كلامنا عن حُكم الزواج، وهو شرْط مفهوم ضمنًا من كلام، الله - تبارك وتعالى -[80] وبيان رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل لقد نصَّتِ السُّنة على ذلك صراحةً، وذلك في قول النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشرَ الشباب، مَن استطاع الباءة فليتزوَّج)) الحديث.


وقد قلنا: إنَّ المراد بالباءة القدرةُ على القِيام بأعباء الزواج، وإذا كان هذا شرْطًا في الزواج المجرَّد، فإنَّه من باب أولى أن يكون شرْطًا في تعدُّد الزوجات، وإذا كانت شريعة الله تحرِّم على غير القادر أن يتزوَّج، فمِن باب أَوْلى يحرِّم عليه، بل ويزداد إثمًا أن يعدِّد الزواج، وإلا فإنَّه يضيف إلى الإثم إثماً آخر، وهذا لا ينفي أنَّه إذا كان قادرًا على الإنفاق على زوجة واحدة، فإنَّه يأخذ الحُكم السابق بالنسبة للزوجة الواحدة، ولكن يعتبر غيرَ قادر  على الزواج بالنسبة للزوجة الثانية، حيث يحرِّم عليه أن يتزوَّج ثانيًا، ومن باب أوْلى إذا كان أكثر مِن ذلك.


ثانيا - العدل:

أوجب الله - سبحانه وتعالى - العدلَ بيْن الزوجات، وقد جعله الله قيدًا في إباحة التعدُّد حيث لا يباح التعدُّد إلا عندَ القدرة على العدل، يقول سبحانه: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3].


أي: إنَّه عند خوفكم من عدم العَدْل، فيجب الاقتصارُ على زوجة واحدة، وهذا في غاية الوضوح، وعلى التحقيق - كما هو ظاهر - ليس الشَّرْط  هو انعدام القدرة، بل مجرَّد الخوف من انعدامها، فمَن خاف أن يقعَ في ظلم، فليبتعد عن التعدُّد، وليقتصر على زوجة واحدة[81].


والعدل المقصود في الآية الكريمة هو العدل بيْن الزوجتَيْن، أو الزوجات في الإنفاق والمبيت، وحُسْن العشرة، وهي الأمور التي تدخل في قُدرة البَشَر، أما ما خَرَج عن ذلك؛ أي: ما يتجاوز قدرةَ الإنسان، وهو ميلُه القلبي، فإنَّه لا يدخل في نِطاق العدل المطلوب شرعًا؛ إذ لا سيطرة لإنسان على قلْبه[82].


ومِن هنا، فقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهمَّ هذا قَسْمي فيما أملِك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك))[83].


فنحن إذًا أمام نوعَيْن من العدل: نوع جعَلَه الله قيدًا في إباحة التعدُّد، حيث لا يُباح بدونه، ألاَ وهو الذي في قدرة الإنسان وطاقتِه، مِن الإنفاق وسائرِ الأمور الظاهرة، التي أشرْنا إليها، وهو العدل المنصوص عليه في قوله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3].


أمَّا النَّوْع الثاني فهو الذي يخرج عن طاقةِ الإنسان وقدرته البشرية، وذلك هو المَيْل القلْبي، ونظرًا لأنَّ هذا الميل بعيدٌ عن الإرادة الإنسانية، فقد قال العلماء: إنَّ هذا العدل بعيد أيضًا عن دائرة التكليف؛ لأنَّ الأمر فيه إلى الله، وهو العدل الذي قال الله - تعالى - فيه: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ [النساء: 129].


وهذه الآية هي التي يحاول بعضُ الناس أن يتَّخذوا منها دليلاً على تحريم التعدُّد، والأمر ليس كذلك، وشريعة الله ليستْ هازِلة؛ حتى تشرعَ الأمر في آية، وتحرِّمه في آية، بهذه الصورة التي تعطي باليمين، وتسلب بالشِّمال!!


فالعدلُ المطلوب في الآية الأولى؛ والذي تعيَّن عدمُ التعدد إذا خِيف: ألا يتحقَّق هو العدل في المعاملة والنَّفقة، والمعاشَرة والمباشرة، وسائر الأوضاع الظاهرة، بحيث لا ينقص إحدى الزوجات شيئًا فيها، وبحيث لا يُؤْثِر واحدةً دون الأخرى بشيءٍ منها...


أمَّا العدل في الآية الثانية، فهو ما كان خاصًّا بالميْل القلْبي، والعاطفة القلبيَّة، وهو خارجٌ عن نِطاق التكليف - فالقلوب ليستْ ملكًا لأصحابها، إنَّما هي بيْن أصبعين من أصابِع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء"[84].


أما عن حدود، أو قيود التعدُّد، فقد بينَّاها تفصيلاً في أوَّل دراستنا لهذا الموضوع[85].


مبررات التعدد:

ذَكَر العلماء - على اختلاف تخصصاتهم وأجناسهم[86] - أسبابًا كثيرة توضِّح أو تجلي موقفَ الشريعة من تعدُّد الزوجات، حيث حدَّتْ من نِطاقه وقيَّدتْ من إطلاقه، ولكنها مع ذلك أبقته دون إلغاء.


وقبل أن نوجِزَ القول في هذه الأسباب، نودُّ أن نُشيرَ إلى سبب في غاية الأهمية - في نظرنا - وقد بدَا لنا عرْضُه أولاً، لأنَّ لنا فيه فهمًا خاصًّا[87]، نرجو أن يكون صوابًا.


السبب الجوهريُّ - في نظرنا -: أنَّ الإسلام هو دِين الحياة في كل أجيالها وقرونها، فالله - تبارك وتعالى - لم يَشْرَع أحكامَه لقرن دون قرن، ولا لجِيل دون جيل، ولا لفِئة من الناس دون فئة، بل إنَّ شريعة الإسلام أنزلها الله ربُّ العالمين لصالح الناس أجمعين، في كلِّ أجيالهم وقرونهم، ومهما تباعدتْ أماكنُهم ودِيارهم.


فالكل عبيدُ الله، وهم جميعًا في أمسِّ الحاجة إلى تشريع مِن ربهم يُصلح شأنَهم كلَّه، وهكذا يأخذ الناس في كلِّ عصر وجيل من الكتاب العزيز بقَدْر ما يحتاجون إليه، وبالصورة التي تتناسب مع ما وصلُوا إليه من تطوُّر.


ففي صدر الإسلام كان التعدُّدُ سائغًا، بل هو الأصلُ والقاعدة عندَهم، فخاطبهم القرآن على قدْر ما يفهمون - كما بينَّا.


ولعلَّه وُجِد مِن المنافقين مَن كان يقول - لضعف إيمانه -: "لماذا جَعَل محمدٌ عدد الزوجات أربعًا فقط لكلِّ فرد، إذ ربما كان يطلب المزيد!!


وفي القرن الحالي وُجِد من نادي بمنْع التعدُّد، وبالتأكيد فإنَّهم سيغيِّرون رأيهم، فيما لو وُجِدتْ ظروف - كما لو قامتْ حرب مثلاً - لا قدَّر الله - ترتَّب عليها نقص كبير في عدد الرِّجال، وتكدُّس هائل في أعداد النساء، وما هكذا شرْع يتغيَّر بمثل هذه السهولة تبعًا لأهواء الناس وعواطفهم.


وكم كنَّا نتمنَّى لهؤلاء وأولئك ألاَّ ينسوا أنَّ الله الحكيم الخبير ساقَ النصَّ القرآنيَّ في صورة تدعو للدهشة والغرابة، بل إنها بلغتْ من الإعجاز منتهاه، وذلك على الرغم مِن أنَّها مركَّبة من حروف يتكلَّم بها الناس!!


حقًّا إنَّه من عند الله الذي لا يَخْفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء؛ إذ كيف خاطبتِ الآية أهلَ القرون الأولى فتقبَّلوا حُكمها، وانقادوا لأمرها، ثم إنَّها - وعند التحقيق - يبدو لنا منها أنَّها جعلتِ الأصل هو التزوُّجَ بواحدة، والاستثناء هو التعدد - كما بينَّا أكثر من مرَّة.


إلاَّ أنَّ هذه الاستثناء لا يستطيع أحدٌ مهما بلغت مكانتُه في هذه الدنيا أن يقلِّل من أهميته؛ لأنَّ الله - تعالى - شَرَعه بقيوده؛ "لمواجهة واقعيات الحياة البشرية" الطاهرة النظيفة؛ خضوعًا لضرورات الفِطرة الإنسانية، التي تأبى أن تتدنَّس بدَنَسِ الفِسق والفجور، وترفض أن تنحطَّ إلى دَرك الرذيلة والفواحش.


وبعدَ هذا السبب العام الذي يرتبط بطبيعة النُّصوص الشرعية ونطاقها، فإنَّنا نوجِز بعض[88] ما ظهر للباحثين مِن مبرِّرات:

أولاً: في عدم الترخيص بالتعدُّد فتْحُ باب كبير للشرِّ والخيانة[89]، والفِسق والفجور[90]، وهذا السبب قد لا يروق كثيرًا في ذِهن البعض، وعند التحقيق نرى أنَّه هو السببُ الأكيد الذي شَهِدتِ الإحصاءاتُ الدوليَّة الرسميَّة بصِحَّته، وأكَّده الواقع النَّكد الذي تعيشه البشرية في هذا العصر، فقد جاءتِ التجارِب العلمية؛ لتثبتَ أنَّ نظام تعدُّد الزوجات كان تشريعًا مناسبًا للطبيعة الإنسانية؛ لأنَّ سدَّ باب تعدُّد الزوجات إنَّما هو فتحٌ لعشرات الأبواب الفاجِرة غير الشرعية[91].

"ففي النشرة الإحصائيَّة التي نشرتْها هيئة الأمم المتحدة عام 1959 ما يؤكِّد ذلك تمامًا، حيثُ أثبتتْ هذه النَّشرة بالأرقام والإحصائيات أنَّ العالَم يواجه الآن مشكلة "الحرام أكثر من الحلال في شأن المواليد"، وجاء في هذه الإحصائية: أنَّ نسبة الأطفال غير الشرعيِّين قد ارتفعتْ إلى ستِّين في المائة.


وأما في بعض البلاد، وعلى سبيل المثال "بناما" فقد جاوزتْ هذه النِّسبة الخمسة والسبعين في المائة؛ أي: إنَّ ثلاثة مِن طريق الحرام في كلِّ أربعة مواليد، وأرْفع  نِسبة لهؤلاء الأطفال غير الشرعيِّين موجودةٌ في أمريكا اللاتينية".


"وتثبت هذه النشرة أيضًا أنَّ نسبة الأطفال غير الشرعيِّين تصل إلى العدم في الدول الإسلاميَّة، وتقول النشرة: إنَّ نسبة هؤلاء الأطفال أقلُّ من واحد في المائة في جمهورية مصر العربية، مع أنَّها أكثر البلاد الإسلامية تأثُّرًا بالحضارة الغربية"[92].


فما هي الأسباب التي تَحْمي الدولَ الإسلامية من هذه البليَّة؟


يقول محرِّرو هذه النشرة: "إنَّ البلدان الإسلامية محفوظةٌ من هذا الوباء؛ لأنَّها تتبع نظام تعدُّد الزوجات"[93].


وفي تعليق على هذه النَّشْرة الإحصائية يقول الأستاذ وحيد الدين خان: "فقد استطاعَ هذا القانون الإلهيُّ أن يحميَ بلادنا الإسلامية من كارثة محقَّقة في هذا العصر"[94].


وإذا كانتْ هذه النشرة قد أُعِدَّت في عام 1959م، فماذا نقول الآن بعدَ عشرين سنة أو تزيد.


ثانيًا: لما كان التصارُع بين البَشَر من سُنن الله في هذا الكون، فإنَّ البشرية لا شكَّ قد تصادِفُها ظروفٌ يقلُّ فيها عدد الرِّجال عن النِّساء، وقد ثبت ذلك إحصائيًّا بعدَ الحربين العالميتَين - الأولى والثانية.


ومَن يدري؟ وهذه الكرة الأرضية تعيش على بُرْكان مدمِّر، أو تحمل ذلك البركان في طياتها، وربما على ظهرها، فبماذا ينادي أولئك المعترِضون على أحكام الله فيما لو وقعتِ الواقعة إنْ كانتْ لهم حياةٌ بعدها؟!


ثالثًا: أنَّ التعدُّد قد يُحقِّق مصلحةَ المرأة ذاتها[95]، وبنظرةٍ هادئة يَثبت لنا أنَّ هذا التشريع ذاته هو صونٌ للمرأة، وكرامتها وعفتها، فقد تكون في حالةٍ من المرَض أو العقم، ويكون زوجها بيْن أمرين كلاهما مُرٌّ: الفراق أو التزوُّج بثانية، ولا شكَّ أنَّ الحلَّ الثاني يحقِّق المصلحةَ العامة للمرأة دون سواها[96].


أمَّا ما قد يُلاحظ الآن مِن بعض الآثار غير الحميدة الناشئة عن تعدُّد الزوجات، فهذا ليس مردُّه إلى ذات النِّظام الذي وضع الإسلام حدودَه وقيوده[97]، وإنَّما أساس ذلك البُعْد عن تعاليم الإسلام، فإذا انحرف جيلٌ من الأجيال عن حُكمٍ شَرَعه الإسلام لمواجهة واقعيات الحياة البشرية، فليس ذلك مِن الإسلام في شيءٍ، وليس هؤلاء المنحرِفون هم الذين يمثِّلون الإسلام، بل إنَّهم انحدروا إلى هذا الدرك؛ لأنَّهم بعدوا عنِ الإسلام، ولم يدركوا رُوحَه النظيف الكريم"[98]، والسبب: أنَّهم يعيشون في مجتمعٍ تحكمه قوانينُ وضْعِيَّة بعيدة عن لُبِّ الإسلام وجوهره.


موقف القانون رقم 44 لسنة 1979م:

وقد جاء هذا القانونُ الأخير ببعض الأحكام الجديدة، التي سوف نُشير إليها في موضعِها المناسب.


ونكْتفي هنا بالإشارة إلى أنَّ المادة الأولى مِن القانون 44 لسنة 1979، أضافتْ إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 29 موادَّ جديدةً، منها المادة "6 مكرَّر"، حيث تنصُّ الفِقرة الثانية منها على ما يأتي: "ويُعتبر إضرارًا بالزوجة اقترانُ زَوْجها بأخرى بغير رِضاها، ولو لم تكن اشترطتْ عليه في عقْد زواجها عدمَ الزواج عليها، وكذلك إخْفاء الزَّوْج على زوجته الجديدة أنَّه متزوِّج بسواها".


هذا الجزء الذي يعنينا الآن مِن هذه المادة، وخُلاصة ما فيها - بعد ذلك أو قبله -: أنَّه يجوز للزوجة أن تطلبَ الطلاق بناءً على هذا الضرر، ويسقط حقُّها بمضيِّ سَنة من تاريخ عِلمها بقيام السبب الموجِب للضرر[99].


وقد ساقتِ المذكِّرة الإيضاحية تعليقًا على هذه المادَّة نقتصر منها الآن على العبارة الآتية: "أنَّ ما اختاره المشروع في نِطاق الشريعة الإسلاميَّة، ولا يخرج على أصولها، وهو في الوقْت ذاته لا يَبْقى على مشكلة تعدُّد الزَّوْجات إلاَّ برِضاء الزَّوْجاتِ أنفسِهنَّ".


وهذا التعليق مِن واضعي المذكِّرة التفسيرية، يستوقِف النظر طويلاً[100].


فأوَّل أمر يُؤمِن به كلُّ مسلم ومسلمة: أنَّ الله تعالى أباح التعدُّد، بحدوده وقيوده ومبرراته، التي بينَّاها تفصيلاً[101].


وأوَّل عبارة في الفِقْرة التي معنا مِن هذه المادَّة تقول: "ويُعتبر إضرارًا بالزوجة اقترانُ زوجها بأخرى...".


وقد جاء النص مطلقًا من غير تفصيل، بمعنى أنَّه اعتبر مجرَّد الزواج بثانية إضرارًا على إطلاقه.


وليس الأمرُ كذلك، فهو قد يكون إضرارًا لو أنَّ المتزوِّج لم يلتزم حدودَ ما أمر الله.


ولكن هل يُمكن القوْل بأنَّ الذي يستطيع القِيامَ بأعباء الزوجة الثانية، ولديه القُدرةُ على العدل كما أمر الله، ووُجِدتْ لديه المبرِّرات الشرعيَّة للزواج مرَّة ثانية - هل يمكن القول - بأنَّ مثل هذا الموقف يُعتبر إضرارًا؟!


أنَّ قائل ذلك يُعتبر معارضًا لحُكم الله تعالى؛ لأنَّه - عزَّ وجلَّ - لا يأمر بما فيه إضْرار، تعالَى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وحاشاه سبحانه أن يُبيحَ أمرًا يقول الناس عنه: إنَّه إضرار، ولو كان مجرَّد التزوُّجِ إضرارًا، وإن ظنَّتْه المرأة كذلك[102].


وهذا الإضرار المدَّعَى رتَّبوا عليه أنَّ للزوجة المتزوَّج عليها، والتي أخْفى عنها أنَّه متزوِّج حقَّ طلب الطَّلاق لهذا الإضرار، وإثبات هذا الحقِّ ليس له أساس ينبني عليه؛ لأنَّه تبيَّن لنا أنَّه لا إضرارَ في فعْلٍ أباحه الله بالنص"[103].


وكم كنَّا نتمنَّى لواضعي المذكِّرة التفسيرية أن يتريَّثوا قليلاً في الأمر، لعلَّهم يَصِلُون إلى حُكم يحقِّق المصلحة العامَّة التي ينشدها الجميعُ دون الوقوع في حرَج[104]، ولو أنهم[105] "رتَّبوا طلبَ الطلاق على ضررٍ واقع بأن يُجعَل هذا الحق فيما إذا تضرَّرت بالفِعْل من هذا الزواج، لكان له سندٌ صحيح من الفِقه المالكي المستنِد إلى حديث: ((لا ضررَ ولا ضِرارَ في الإسلام))، بل لكان له سندٌ صحيح من كتاب الله؛ لأنَّه تبيَّن بهذا الضَّرر الواقع أنَّ شرْط العدل غير متوفِّر فيه"[106].


ولا يُقال: إنَّ إعطاء هذا الحقِّ للمرأة من قبيل تقييد المباح، الذي لا يجوز لوليِّ الأمر[107]، بل إنَّه على التحقيق "إلْغاء للمباح وهو التعدُّد، ولكن بصورة مقنِعة؛ لأنَّ المرأة المتزوَّج عليها ستطلب الطلاق غالبًا في ظلِّ هذا القانون؛ لأنَّه أعطاها حقوقًا كثيرة فوقَ نفقة العِدَّة إذا ما طُلِّقت، فمن مُتعة جُعِل حدُّها الأدْنى نفقة سنتين، إلى حضانة أولاد طالتْ سنواتها، إلى استقلال بمسْكن الزوجية، كل هذه ستُغري الزوجةَ بطلب الطلاق، وما ثبت للأولى يثبت للثانية، فلا يتحقَّق تعدُّدٌ، وهو المباح"[108].


ولكن قد يُقال: إنَّ المرأة قد تحسُّ بضرر نفسي لا شكَّ فيه.


والجواب: أنَّ طبيعة المرأة وما جُبِلت عليه أمرٌ لا مجال لإنكاره، فهي ولا شكَّ قد ينالها ضررٌ من التعدُّد.


ولكنَّنا في كل ما تقدَّم لم نتكلَّم عن الضرر، وإنما تكلَّمنا عن الإضرار، والفرق كبير بيْن الضر والإضرار، فالضرر مجرَّد التأذِّي من شيء، وأما الإضرار فهو إيذاء يصدُر  من شخص على شخص، فالمريض الذي تُجرى له عملية جراحية، لا شكَّ أنه يجد ضررًا من العملية، ولكنَّه لا يُسمَّى إضرارًا، إنما هو ضرر محتمَل لتفادي ضررٍ أعظم، وهكذا القول في التعدد.


المبحث الخامس

الولاية والوكالة في عقد الزواج

عقْد الزَّواج هو مِن العقود التي كثيرًا ما يثور بشأنها بحثُ قواعد الولاية والوكالة.


فالزوجة يُبرِم وليُّها عقد زواجها نيابةً عنها، وكثيرًا ما يقوم وكيلُ الوليِّ بإبرام العقْد نيابةً عنه.


ونظرًا لذلك، فإنَّنا في هذا المبحث تتناول أحكامَ الولاية في عقد الزواج، ثم نتبعها بالكلام عن أحكام الوكالة في هذا العقد، وذلك في مطلبين على التوالي، فيما يلي:

المطلب الأول

الولاية في عقد الزواج

1 - معنى الولاية وأنواعها.

2 - الأولياء وشروطهم.

3 - مدى سلطة الأولياء في عقد الزواج.


الولاية: هي سلطةٌ شرعيَّة - على النفس أو على المال - يترتَّب عليها نفاذُ التصرُّف شرعًا[109].


وظاهرٌ من هذا التعريف أن الولاية من حيثُ موضوعُها قد تكون ولايةً على النفس، وقد تكون ولايةً على المال[110]، وأنها - أي: الولاية - من حيثُ نِطاقُها قد تكون ولايةً قاصرة، وقد تكون ولاية متعدية.


أمَّا الولاية القاصِرة فهي ولاية الشَّخْص على نفسه، مِن حيثُ إصدارُه تصرفاتٍ معينةً، وقدرته على تنفيذها، وأما الولاية المتعدية فهي ولاية الشَّخْص على غيره.


الأولياء وشروطهم:

القاعدة العامَّة في ثبوت الولاية: أنَّها تثبُت للأقرب فالأقرب مِن العصبات.


وعصبة الشَّخْص هم أقاربُه من الرِّجال، الذين ينتسبون إليه عن طريق الرِّجال، سواء وُجِدتْ قرابة النِّساء أو لم توجد، فالمدار على ثبوت صِفة العاصب هو وجود قرابة الرِّجال[111]، وهذه القرابة قد تكون مباشرةً، مثل قرابة الابن والأب، ومثال توسُّط القرابتَين معًا: الأخ الشقيق والعم الشقيق، حيث ينتسبانِ إلى قريبهم بواسطة قرابة الرِّجال وقرابة النِّساء، والأساس هي القرابة الأولى، ومثال توسط قرابة الرِّجال فقط: الأخ لأب، والعم لأب.


أمَّا إذا كانتْ قرابةُ الأنثى هي الوحيدة، فإنَّ القريبَ لا يُعدُّ عاصبًا، مثل: الأخ لأم، والخال وابن الخال، وهكذا.


فالأصْل في العُصبة أن يكونوا من الذُّكور الذين ينتسبون إلى بعضهم عن طريق قرابةِ الرِّجال؛ ولذلك يقال لهم: العصبة بالنفس[112].


والعُصبة بهذا المعنى أربعُ جهات، مرتبة ترتيبًا أولويًّا: البنوَّة، فالأبوة، فالأُخوَّة، فالعمومة.


ونقصد بالترتيب الأولويِّ: أنَّ كلَّ جِهة مقدَّمة على الجِهة التي تليها، بحيثُ تكون هي صاحبةَ الحق دون غيرها.


وتفصيل ذلك على الوجه التالي:

1- الجهة الأولى: الفروع من الذُّكور، وإن نزلوا؛ أي: الابن، وابن الابن، وابن ابن الابن، وهكذا مهما نزلتْ درجة الابن، وهذه الجِهة هي التي تُسمَّى جهةَ البنوة.

2- الجهة الثانية: الأصول من الذُّكور؛ أي: الأب، وأب الأب، وهكذا مهما علتْ درجة الأب، وهذه هي جِهة الأبوَّة.

3- الجهة الثالثة: فروع الأب من الذُّكور، وهم الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب وأبناؤهم وإن نزلوا، وهذه جهة الأُخوَّة.

4- الجهة الرابعة: فروع الجَدِّ الصحيح من الذكور، وهم الأعمام الأشقَّاء والأعمام لأب وأبناؤهم وإنْ نزلوا، وهذه الجهة تُسمَّى جهة العمومة.


وتتلخَّص قواعدُ الترجيح بيْن هذه الجِهات في أنَّه إذا تعدَّدوا، وكانوا من جِهة واحدة، فإنَّ جهة البُنوة تُقدَّم على غيرها، فإن لم توجد، فجِهة الأُبوة، وهكذا.


أما إذا كانوا متعدِّدين وهم مِن جهة واحدة، فإنَّ الترجيح بينهم يكون بحسب درجة القَرابة، فالابن يُقدَّم على ابن الابن، وكلاهما من جِهة البنوة، والأب يُقدَّم على الجد وإن كان كلاهما مِن جهة واحدة، وهي الأبوة، وهكذا.


أمَّا إذا كان الموجودون من العَصَبات متساويين في الجِهة والدرجة، فإنَّ الترجيح بينهم يكون بحسب قوَّة القَرَابة، وهذا لا يُتصوَّر ولا يَتأتَّي "إلا مِن الأفراد المنتمين إلى جِهة الأُخوة والعمومة؛ ذلك أنَّ الأبْناء جميعًا في قوة واحدة، ومنزلة واحدة، وكذلك جهة الأُبوة لا يُتصوَّر التعدُّدُ فيها مع اتِّحاد الدرجة؛ ولهذا قلنا أولاً إنَّ الترجيح بقوَّة القرابة لا يُتصوَّر إلا بيْن الإخْوة وأبنائهم، فالأخ الشقيق يُقدَّم على الأخ لأب، وابنُ الأخ الشقيق يُقدَّم على ابن الأخ لأب، وهكذا القول في الأعمام وأبنائهم"[113].


وبناء على ذلك فإنَّ الولاية تكون لأقربِ هؤلاء العَصَبات، والغالب في هذا المقام أن يكون الولي هو الأب[114]، فإنْ لم يوجد، فالجَدّ الصحيح (أب الأب)، فإن لم يوجد فالأخ الشقيق، وهكذا حسبَ الترتيب السابق.


غير أنَّ الفقهاء اختلفوا في حالة عدم وجود عاصِبٍ مطلقًا، فهل تنتقل الولاية إلى أحد من ذوي الأرحام، وهم الأقارب الذين ينتسبون إلى المتوفَّى عن طريق قَرابةِ النِّساء غالبًا[115]؟ أم أنَّ الولاية تنتقل إلى وليِّ الأمر، أو مَن يَحُلُّ محلَّه من القضاة ونحوهم[116]؟


وقد تناول مشروعُ قانون الأحوال الشخصية في المادة 23 منه ولايةَ تزويج الفتاة، فأسندها إلى العَصَبة بالنَّفْس حسبَ ترتيب الإرث، ولكنَّه قدَّم الجد الصحيح على الإخْوة في استحقاق هذه الولاية، فإذا لم يوجد أحدٌ مِن العصبة بالنَّفْسِ آلت الولاية للقاضي[117].


يُشترط في الوليِّ أن يكون بالغًا عاقلاً رشيدًا؛ أي: أن يكون كاملَ أهلية الأداء، نافذَ التصرُّفات في حقِّ نفسه، حتى يمكنَ أن تنفذ تصرفاتُه في حقِّ غيره؛ لأنَّ فاقِدَ الشيء لا يُعطيه.


كما يُشترَط في الوليِّ أن يكون متحدَ الدِّين مع المولَّى عليه، أما العدالة، فقد اشترطها جمهورُ الفقهاء، ومعيارها عندهم: أن يكون الشخص مبتعدًا عن كلِّ ما يقدح في السُّمْعة والشَّرَف بأن يكون مؤديًا للفرائض، متجنبًا لكبائر الذنوب، غير مُصِرٍّ على صغائرها.


ولم يشترط الحنفيَّة العدالةَ في ولاية التزويج على أساس أنَّ صِلة القُرْبى القائمة بينه وبين المولَّى عليه تمنع مِن أن يزوِّجه بغير كفء مثلاً.


والذي نراه - والله أعلم -: أنَّ العدالة شرْطٌ جوهري في ولاية التزويج، وفي غيرها من سائِر الولايات؛ إذ كيف يُؤتَمن الولي على نفس الصغير[118]، أو على مالِه وهو غير أمينٍ على حقوق الله تعالى؟! أم كيف تُعطَى الولاية لِمَن يُضيع فرائضَ الله، ويجترئ على كبائرِ الذُّنوب، ويُصِرُّ على صغائرها؟!


وأمَّا ما استدلَّ به المعارِضون، فغير مُسلَّم، بل ومستحيل أن يوجدَ، اللهمَّ إلا في حالة ما إذا كان الولي هو الأبَ، وحتى في هذه الحالة فإنَّنا كثيرًا ما نسمع عن العُصاة الذين تسْتهويهم المعصيةُ، فينسون حتى أولادَهم - أعاذنا الله من ذلك - فكيف يُعترف بالولاية لأمثال هؤلاء؟!


أنَّ مَن يظلم نفسه بإلْقائها في نار المعصية، لا أمانَ له مطلقًا، فهو جدير بأن تُسلَب منه كلُّ الولايات، حتى يتوبَ أو يموت.


مدى سلطة الأولياء في إبرام عقد الزواج:

لا شَكَّ أنَّ الرجل العاقِل هو صاحبُ الولاية على نفسِه في إبرام عقْد الزواج[119]، إنما الكلام عن مدى سلطة الوليِّ في إبرام عقْد الزَّواج بالنيابة عن غيره، وما هو الموقِف بالنسبة للمرأة في هذا الشأن؟


وعلى ذلك فأننا نتكلم عن هذه السلطة من الناحيتين الآتيتين:

الحالة الأولى: إذا كان المولَّى عليه عديمَ الأهلية، أو ناقصَها.

الحالة الثانية: المرأة ومدى حقِّ الوليِّ في تزويجها.


الحالة الأولى: الولاية على الصِّغار ومَن في حُكمهم:

من المقرَّر شرعًا: أنَّ الولاية ثابتة على الصِّغار ومَن في حكمهم مِن عديمي الأهلية وناقصيها الآخرين، وسوف نبحث هذه الأحكامَ بالتفصيل في موضعها المناسِب، ونكتفي هنا بالكلام عن حقِّ الولي في تزويج هؤلاء؛ ذلك أنَّه قد تدعو المصلحةُ إلى تزويج أحدٍ منهم.


وإذا كان القانون المصريُّ قد وضع قيودًا لمثل هذه الحالات، وهي قيود في موضِعها، سوف نتكلَّم عنها فيما بعدُ، إلا أنَّنا هنا نبحث الحُكمَ من الناحية الفقهية، وذلك على الوجه الآتي:

أولاً: إذا تولَّى الأب أو الجَدُّ الصحيح عقدَ زواج الصغير، فإنَّ العقد يعتبر صحيحًا ونافذًا، بحيث لا يكون للمولَّى عليه (الصغير ومَن في حكمه) أن يعترضَ على هذا الزواج عندَ البلوغ، أو ذَهاب السبب الموجِب للولاية، وذلك بشرْط هام، أن يكون الأب أو الجَد معروفًا بحُسن الرأي والتدبير، والاستقامة وحسن الخلق، وأساس هذا يَرجع إلى أنَّ الله - تعالى - وضع في قلْب الأب من الرَّحْمة والشفقة ما يؤكِّد أنَّ الأب في كلِّ إجراء يتَّخذه ينشد مصلحةَ ولده بدون شك، في حالة ما إذا كان الأب معروفًا بالتديُّن وحُسْن الرأي.


ثانيًا: إذا كان الأب أو الجد مشهورًا بسوء الأخلاق أو عدم الالتزام بأحْكام الله فإنَّه لا يجوز لهما أن يتوليَا عقد زواج المولَّى عليه إلا مِن كفء، وبمهر المثل.


فإذا كان الزواج كذلك فلا خِيارَ في هذه الحالة، أما إذا كان الزواجُ مِن غير كفئٍ أو بمهر دون مهْر المِثل، فإنَّه يكون من حق المولَّى عليه أن يطالب بفسْخ العقد، كما أنَّ من حقه أن يجيزَه ويقبله[120].


ثالثًا: إذا تولَّى العقدَ شخصٌ من العصبات غير الأب والجَدِّ، بأنْ كان أخًا أو ابن أخ، أو عمًّا أو ابن عم، فإنَّ الزواج لا يصح إلا إذا كان بكفء وبمهر المثل.


ففي حالة تزويج الصغيرة، يتعيَّن أن يكون زوجها كفئًا لها، وأنْ يكون مهرها مثلَ مهر أمثالها مِن بنات قومها، وفي حالة تزويج الصغير، يتعيَّن أن تكون الزوجة كفئًا، وأن يكون بمهْر المِثل أيضًا، غير أنه في الحالتين إذا كان الزواج من غير كُفء فإنَّ العقد غير صحيح، أما إذا كان المهر دون مهْر المِثل بالنسبة للزوجة الصغيرة، أو أكثر من مهْر المِثل بالنسبة للصغير، فإنَّ العقد يصحُّ إذا قَبِل الطرف الثاني دَفْعَ المهر، أو إنقاصه إلى المِثل المعتاد، وحسب كلِّ حالة.


ومع القول بصِحَّة عقْد الزواج هنا، فإنَّ هذا العقد يعتبر غيرَ لازم، ويكون للمولى عليه حقُّ فسْخ الزواج عندَ زوال السبب الموجِب لتقرير الولاية عليه.


القيود التي وضَعها القانون المصري في هذا الموضوع:

وضع القانون المصريُّ قيودًا هامة لتزويج الصِّغار، ومَن في حُكمهم، فصدر القانون رقم 56 لسنة 1923، الذي اشترط حدًّا أدْنى لسنِّ الزواج، فجعله ستَّ عشرةَ سنة للفتاة، وثمان عشرة سنة للفتى، وحظر على الموثِّق مباشرةَ عقد الزواج إذا كان الزوجانِ، أو أحدهما دون هذه السِّنِّ، كما نص هذا القانون على عدم سماع دعوى الزوجيَّة في هذه الحالة.


ومع ذلك فقد ذَكَر بعض الفقهاء[121] أنَّ زواج الصِّغار لا يصح؛ لأنَّه لا ولاية لأحد عليهم في الزواج، ذلك أنَّ هذه الولاية إنَّما تثبت للحاجة الداعية إلى ثبوتها، والصِّغار لا حاجة لهم مطلقًا إلى مثْل هذا العقد الذي لا تظهر آثارُه إلا بعد البلوغ.


والقانون المصري لم يأخذ بهذا الرأي؛ لأنَّ مقتضى الأخْذ به أن يكون عقْد الزواج باطلاً، ولكن القانون اكْتفى بعدم توثيق هذا الزواج، وبعدم سَماع الدعوى بشأنه، فهو إذًا لم يبطل الزواج وعلى ذلك يُمكن القول بأنَّ القانونَ المصريَّ استأنس فقط بما ذَهَب إليه أصحابُ هذا الرأي[122].


ويلاحظ أنَّ عدم سماع دعْوى الزوجية في هذه الحالة قد يؤدِّي إلى ضررٍ جسيم بأحد الزوجين، أو ضياع حقوقه تمامًا فيما لو قُلْنا: إنَّ هذا الحُكم يسري على كلِّ زواج، بغضِّ النظر عن المدة التي مضتْ على إبرامه، فلو أنَّ زواجًا تم بالفعل مخالفًا لهذا القانون، وبعد عشر سنوات - مثلاً - حَدَث نِزاع بين الزوجين، فلو قلنا بعدم سماع الدَّعْوى في هذه الحالة، لترتَّب على ذلك ضياع حقوق الزوجة، ولهذا فإنَّ التفسير المعقول هو الذي نظر إلى هذا السِّنِّ عندَ رفْع الدعوى، فإذا كان سِنُّ الزوجة عندَ التقاضي قد بلغ السادسة عشرة قُبِلتْ دعواها، بل إنَّ القانون رقم 78 لسنة 1931 قد الْتَزم هذا المعنى، حين أوجب أن يكون التقيُّد بالسِّنِّ عن التقاضي لا عندَ الإنشاء[123]، وذلك تيسيرًا على الناس، وصيانةً للحقوق، واحترامًا لآثار الزوجية.


وقد أحسن مشروعُ القانون كثيرًا حينما أبطل زواجَ الصِّغار، فقد نصَّ في المادة "19" منه على ما يأتي:

(أ) يشترط في أهلية الزواج: البلوغ، فيبطل زواج الصغير والصغيرة قبلَ البلوغ.

(ب) يمنع تزويج المجنون والمعتوه ذَكرًا كان أو أنثى، إلا بإذن المحكمة.


الحالة الثانية: مدى حق الولي في تزويج المرأة:

أشرْنا فيما تقدَّم إلى أنَّ الصغيرة تخضع للولاية، شأنها في ذلك شأن الصغير، على النحو الذي بينَّاه في الحالة الأولى.


بقِي معنا الكلام عن المرأة البالغة، ومدى ما للوليِّ مِن حقٍّ في تزويجها، وإذا قلنا بأنَّ له حقًّا في ذلك، فهل يجبرها على الزواج، أم لا بدَّ مِن رضائها صراحةً أو دلالة؟


للإجابة على ذلك وغيره نركِّز البحث في الموضوعين الآتيين:

1 - ولاية الإجبار.

2 - ولاية الاختيار.


1 - ولاية الإجبار:

معنى ولاية الإجبار: أنَّ وليَّ المرأة له الحقُّ في إجبارها على الزواج، والمرأة في هذا المجال نوعان: الثيِّب، وهي التي سَبَق لها الزواج، والبكر وهي التي لم تتزوَّج بعد.


أمَّا الثيِّب فلا إجبارَ عليها مطلقًا، وهو حُكم مُجْمع عليه؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الشأن، وهي أحاديثُ كثيرة تدلُّ بصراحتها على أنَّ الثيِّب هي صاحبةُ الحق في أمرِ زواجها، ومن هذه الأحاديث قولُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الثيِّب أحقُّ بنفسها مِن وليِّها))[124].


ومعنى ((أحقُّ بنفسها من وليِّها)): أنها صاحبةُ الرأي في أمر نفسها، دون وليِّها الذي ليس له الحقُّ في إجبارها على زواج لا تريده، فإنْ هي رضيتْ وجب أن تبيِّن ذلك صراحة، وإنْ لم ترضَ أعلنتْ عن ذلك صراحةً أيضًا.


وأما البِكْر، فقد اختلفتِ الآراء بشأنها، فمِن قائل بأنَّ الوليَّ يُجبرها على الزواج، ومِن قائل بأنَّ الأصل هو رضاؤها، ويباشر وليُّها عقْد زواجها بشَرْط رِضاها بالزواج، وفيما يلي نتناول هذه الآراء بشيءٍ من التفصيل.


نستطيع أن نلخِّص آراءَ الفقهاء في إجبار الفتاة على الزواج في الرأيين الآتيين:

آراء الفقهاء في ولاية الإجبار:

الرأي الأول: يقول أصحابه: إنَّ ولاية الإجبار ثابتةٌ للأب على ابنة البِكر، بمعنى أنَّ له الحقَّ في إجبارها على الزواج، سواء رضيتْ أم لم ترضَ.


وقد استدلُّوا على ذلك بظواهِر النصوص في الكتاب والسُّنَّة، فمِن الكتاب الكريم قولُ الله - تعالى -: ﴿ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 232]، ومعنى "العضل": منْع المرأة من الزواج، والنهي عن العضْل معناه إعطاء الوليِّ سلطةً في تزويج المرأة، ومتى كانتْ له هذه السلطة، فإنَّ مِن حقه أن يجبرها على الزواج.


وقد استدلُّوا من السُّنَّة بظاهر الحديث السابق، وهو قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها))، ووجه استدلالهم بالحديث: أنَّ النص على الثيِّب يُفيد أنَّ البِكر ليستْ أحقَّ بنفسها، بل إنَّ وليَّها هو صاحبُ الحق عليها في تزوجيها، واستدلوا بالمعقول؛ فقالوا: إنَّ البِكر لا تعرف شيئًا عن أمور الزواج، ولا تفهم حقيقةَ الرِّجال، فكان وليُّها أحقَّ بها، فهو أعرفُ بمصلحتها، وخاصَّة أبوها، الذي هو أحرصُ الناس على مصلحتها.


الرأي الثاني: يذهب أصحابه إلى القول بأنَّ المرأة البالِغة لا يُجبرها أحدٌ على الزواج ممَّن تكره، حتى ولو كانت بِكرًا.


وقد استدلُّوا من السُّنَّة بقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:  ((والبِكْر تُستأذن في نفسِها، وإذْنُها صماتها))[125]، وهو تمام الحديث الذي استدلَّ به أصحابُ الرأي الأول[126].


ويُمكن أن يُستدلَّ لهم أيضًا بالقواعد العامَّة في الشريعة التي توجِب رضاءَ الطرفين بالتعاقُد رِضاءً كاملاً، وإلا لم يصحَّ العقد، والزواج وإنْ كان له صيغة خاصَّة إلا أنَّه عقْد تُراعى فيه سائرُ أركان العقود وشروطها، والتراضي هو الركن الجوهري دون رَيْب.


ولا شكَّ أنَّ الراجِح هو الرأي الثاني؛ ذلك أنَّ النصوص صريحةٌ في ضرورة إِذْن الفتاة، والتأكد مِن رضائها، وإلا فلا يصحُّ العقد، يقول العلاَّمة ابن القيِّم - رحمه الله -: وهذا القول هو الذي نَدين الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافِق لحُكم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمرِه ونهيِه، وقواعدِ شريعته، ومصالح أمَّته: أمَّا موافقتُه لحُكمه، فإنَّه حَكَم بتخير البِكر الكارهة، وأمَّا موافقته لأمرِه فإنَّه قال: ((والبكر تستأذن))، وأمَّا موافقتُه لقواعد شرعه، فإنَّ البكر البالغة العاقِلة الرشيدة لا يتصرَّف أبوها في أقلِّ شيء من مُلْكها إلا برضاها، ولا يجبرها على إخْراج اليسير منه بدون رضاها، فكيف يجوز أن "تُسلم نفسها" بغير رضاها إلى مَن يُريده هو، وهي مِن أكره الناس له، وهو أبغضُ شيء إليها؟! ومعلومٌ أنَّ إخراج مالِها كله بغير رِضاها أسهلُ عليها من تزويجها بمَن لا تختاره بغير رِضاها[127].


وأمَّا ما استدلَّ به الفريق الأول، فلا يُستفاد منه إجبارُ البكر وإكراهها على الزواج بمَن لا ترضاه، فقوله - تعالى -: ﴿ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾، لا يدلُّ على إجبار أو إكراه، وسياق الآية[128] يؤكِّد هذا، فقد نزلتْ في معقِل ابن يَسَار، حيث كانتْ أخته زوجةً لأبي البَدَّاح فطلَّقها، ثم انقضتْ عِدَّتُها، ثم ندِم، فخطبها فرضيت، فقال لها أخوها معقل: وجْهي مِن وجهك حرام إنْ تزوجتِه، فنزلت الآية، فدعا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - معقلاً، فقال: ((إنْ كنتُ مؤمنًا فلا تمنع أُختَك عن أبي البدَّاح))، فقال: آمنتُ بالله، وزوَّجَها منه[129].

 

وكذلك القول في استدلالهم بالحديث، فهو بتمامه يؤكِّد ضرورةَ رِضا البِكر بالزواج، فعن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها والبِكر تُستأذن في نفسها، وإذنُها صماتها))، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى، وهي صحيحة في غاية الصِّحة[130]، وقد ترجم الإمام البخاريُّ لهذا الموضوع بما يؤكِّد أهمية رضا البِكر والثيِّب في عقد الزواج[131]، وقد رجَّح العلاَّمة الشوكانيُّ هذا القولَ أيضًا[132]، وحكاه الترمذيُّ عن أكثر أهل العلم[133].


ولاية الاختيار:

أمَّا ولاية الاختيار، فالمقصود منها إبرامُ الولي عقْد الزواج نيابةً عن المرأة، بعد أن يتأكَّد مِن رِضاها بالزواج.


والذي يبدو لنا: أنَّ هذا النوْع من الولاية سُمِّي بهذا الاسم؛ لأنَّ إبرام عقْد الزواج يتمُّ حقيقةً بناء على إرادة المرأة واختيارها[134]، ولكن الوليَّ هو الذي يقوم بإبرام العَقْد نيابةً عنها.


وهذه المسألة ينبغي ألاَّ تكون محلاًّ للخلاف، حيث يتعيَّن شرعًا أن يقوم وليُّ المرأة بإبرام عقْد زواجها بالنِّيابة عنها، وذلك للأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الشأن، وهي أحاديث كثيرة، منها: ما رواه الدارقطني وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تزوِّجِ المرأةُ المرأةَ، ولا المرأةُ نفسَها، فإنَّ الزانية هي التي تزوِّج نفسها))[135].


ونظرًا لصراحة النصوص وكثرتها واستفاضتها، فإنَّ علماء الأمَّة يكادون يُجمعون على هذا الحُكم[136]، فقد رُوي ذلك عن أمَّهات المؤمنين: عائشة وأم سلمة، وزينب بنت جحش - رضي الله عنهن -  كما رُوي عن علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وأبي هريرة - رضي الله عنهم.


كما رُوي ذلك أيضًا عن الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وابن شُبرمة، وابن أبي ليلة، والعِترة[137]، ومالك وإسحاق، وأحمد والشافعي، وجمهور أهل العلم، حيث قالوا: لا يصحُّ العقد بدون وليٍّ.


قال ابن المنذر: "إنَّه لا يُعرف عن أحدٍ من الصحابة خلافُ ذلك"[138].


غير أنَّ أبا حنيفة يرى أنَّ المرأة البالغ الرشيد، لها أن تُبرِم عقْد زواجها بنفسها؛ لأنَّ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها))، معناه: أنَّ الوليَّ لا يُعتبر، فهي تبرم عقد زواجها بنفسها، وقد سبق أن قلنا: إنَّ وجود الوليِّ هو أمرٌ لا ينبغي أن يكون محلاًّ للخلاف.


ولذلك فإنَّنا نرى أن الردَّ على استدلال أبي حنيفة - رحمه الله - في غاية السهولة واليسر، فالمراد من أحقيتها بنفسها ضرورةُ رضائها بالزواج، فإنْ رضيت أعربتْ عن رضائها بالزواج صراحةً، حيث لا حرجَ عليها في هذا التصريح[139]، الذي تُبديه لوليِّها، فيقوم هو بتزويجها؛ أي: بإبرام العقد بالنيابة عنها، فولايته هنا ولايةٌ اختيارية؛ أي: ينوب عنها بإرادتها واختيارها.


والذي نراه - والله أعلم -: أنَّ هذا الحديث الشريف بذاته يؤكِّد ضرورةَ وجود الوليِّ في إبرام عقْد الزواج؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ساق هذا الحديثَ لبيان الوسيلة التي تعبِّر بها المرأة عن رغبتها في الزواج، حيث قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكر تُستأذن، وإذنُها صماتها)).


فمعنى ((أحق بنفسها)): أنَّه لا بد من رضائها، وعبارة: ((من وليها)) تقطع بضرورة وجود الولي، فوجوده محتَّم لإبرام عقْد الزواج، غير أنَّه لا يبرم هذا العقدَ إلا إذا رضيتْ هي بالزواج؛ لأنَّ عقد الزواج عقدُ حياة يترتَّب عليه سعادتها أو شقاؤها، فكيف يمكن الإقدامُ على هذا العقْد دون رضائها؟! ووسيلة التعبير عن الرِّضا أو عدمه تختلف باختلاف المرأة: فالتي سبق لها الزواج تُعلن لوليِّها عن إرادتها صراحةً، قَبولاً أو رفضًا، وأما البِكْر فإنَّ سكوتها دليلُ رضائها، فإن سكتتْ فقد رضيتْ، وهذا إذنٌ منها للوليِّ بتزويجها، وإنْ رفضت صراحةً أو دلالة، فيمتنع على الوليِّ أن يزوجها.


وهكذا يثبت لنا أنَّ وجود الولي محتَّم في الحالتين، كما هو مستفادٌ من نفس الحديث الذي استدلَّ به أبو حنيفة.


وفضلاً عن كل ما تقدَّم، فإنَّ الأحاديث النبوية المتعدِّدة صرَّحت بأنَّ عقد الزواج الذي يبرم بدون وليٍّ هو عقد ((باطل، باطل، باطل))[140].



[1] في ظلال القرآن (1/610).

[2] أي: كما تحرم عليه خالتُه، تحرم عليه كذلك خالةُ أبيه، وخالة أمِّه، وخالة جداته مِن أيِّ الجهات.

وإذا استعرضْنا النص الكريم المشار إليه، وجدناه قد عبَّر عن الصِّنف الأول بكلمة "أمهاتكم"، والأم في لغة العرب كما تُطلق على مَن ولدتِ الشخص مباشرةً تُطلق على الجَدَّة أيضًا باعتبارها أصلاً له؛ لأنَّ الأمَّ عندهم هي الأصل، فمعنى هذه الجملة: "حُرِّمت عليكم أصولُكم من النِّساء ..." وقد انعقد الإجماع بعدَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أنَّ هذا هو المراد منها، فحرمت الأمهات والجدَّات، ولم يعد في هذا مجالٌ للاجتهاد.

على أنَّ التحريم يقوم على قُرْب القرابة، وقد جزمت الآية بتحريم العمَّات والخالات، وهنَّ في القرابة أبعدُ من الجدَّات، فيدلُّ هذا الجزء مِن الآية على تحريم الجدَّات لأنهنَّ أولى بالتحريم من العمَّات والخالات للمعنى الذي كان عليه التحريم".

"ودلَّ على تحريم الصِّنف الثاني قولُه - تعالى -: ﴿ وَبَنَاتُكُمْ ﴾، والبنات في لُغة العرب هنَّ فروع الرجل من النِّساء، والمعني: "وفروعكم"؛ ولهذا انعقد الإجماعُ على أنَّ المراد بالبنات الفروع، فيتناول بناتِ الأبناء، وبناتِ البنات مهما نزلْنَ، على أنَّ الآية جزمت بتحريم بنات الأخ وبنات الأخت، وهنَّ أبعد من بنات الابن وبنات البنت، فتدلُّ الآية على تحريمهن بطريق دلالة النص"؛ شلبي المرجع السابق (ص: 165 - 166).

[3] سورة الأحزاب من الآية رقم (50)، وهي بتمامها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 50].

[4] متفق عليه: سبل السلام (3/ 217)، رواه بهذا اللفظ الإمام أحمد، والإمام الترمذي، قرَّر ذلك العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (7/ 123)، وقد ترجم له الإمام البخاري،؛ ثم ساق - رحمه الله - عِدَّة روايات تؤكِّد أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قرَّر هذا الكلام؛ البخاري (3/ 150 - 151)، ويراجع أيضًا: سنن أبي داود (2/ 221).

[5] "وبذلك تتفتَّح قلوب النساء لهذا العمل الجليل، فيُقبلن راضياتٍ على أرضاع مَن حُرِم الرَّضاع بوفاة أمِّه أو عجزنها عنها لأيِّ سبب، ما دام في ذلك ارتفاعٌ بهن إلى تلك المكانة السامية، فتصير به المرضعة أُمًّا بعدَ أمه التي ولدتْه، فيقف منها موقفًا سواءً في الاحترام والتكريم، وقد تُصاب المرضع في بعض أولادها فتجد العزاءَ فيمَن أرضعتهم، فتعيش مع الأمومة رغمَ فقْدها لِمَن ولدتهم، وكم للحكيم - سبحانه - مِن حِكم وأسرار وراءَ كلِّ حكم من أحكامه، تسعى العقول جاهدةً للكشف عنه، فينتهي بها المطافُ إلى العجز والتسليم، فتهتِف قائلة: ﴿ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32].

[6] أي: ليست بنتًا له من صُلبه.

[7] أي: في خصوص تحريم الزواج منها.

[8] أي: زوج المرأة المرضعة.

[9] كما لا تحرم عليه بنتها من الولادة إلا بالدُّخول، وسيأتي فيما بعدُ زيادة بيان لهذه المسألة.

[10] لأنها لم ترضعه، إنما أرضعتْه المرأة الأخرى.

[11] يُلاحظ وجود بعض الحالات المستثناة من قاعدة "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"، وأساس الاستثناء عدمُ وجود صِلة بالمرأة في رابطة الرَّضاع الموجودة في تلك الحالات المستثناة، ومنها الصور الآتية:

(أ) أخت الابن من الرَّضاع، فإنَّه لا علاقة تربطهما به عَلاقة؛ ولذلك لا تحرم، بينما نظيرتها في النسب - وهي أمُّ أخيه أو أخته نسبًا - تكون حرامًا عليه؛ لأنَّها زوجة أبيه، أو من دخل بها أبوه، فلا تحِلُّ له لهذه العلاقة.

(ب) أم أخته أو أخيه رَضاعًا لا تربطهما به علاقة؛ ولذلك لا تحرم، بينما نظيرتُها في النسب - وهي أم أخيه أو أخته نسبًا - تكون حرامًا عليه؛ لأنَّها زوجة أبيه، أو من دخل بها أبوه، فلا تحلُّ له لهذه العلاقة.

(جـ) جَدَّة ابنه أو بنته رَضاعًا لا تحرم عليه؛ لعدم وجود علاقة تربطها به، بينما جَدَّة ابنه أو بنته نسبًا تحرم عليه لوجود هذه العلاقة؛ لأنَّها من أمهات زوجته، فتحرم عليه.

وأخت أخيه رَضاعًا لا تحرم عليه لعدم العلاقة، وكذلك أخت أخيه نسبًا لا تحرم عليه إذا لم تكن علاقة، كأنْ يكونَا أخوين لأبٍ، ولأحدهما أخت لأمِّه، أو أخوين لأم، ولأحدهما أخت لأمِّه، وأخوين لأم، ولأحدهما أخت لأبيه، فإنَّه لا علاقة بينه وبين أخت أخيه في هذين المثالين، فلا يوجد تحريمٌ لعدم وجود سببه؛ أبو زهرة المرجع السابق (ص: 86).

[12] صحيح البخاري ( 3/ 150 - 151)، وروى البخاري في هذا الموضع أيضًا عن عروة بن الزبير: أنَّ زينب ابنة أبي سلمة أخبرتْه: أنَّ أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتْها: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال عن بِنت أمِّ سلمة: ((إنَّها لو لم تكن رَبيبتي في حجري ما حَلَّت لي، إنَّها ابنة أخي من الرَّضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثُويبةُ، فلا تعرضن على بناتِكنَّ، ولا أخواتكن)).

وعن عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شِهاب، عن عُروةَ بن الزُّبَير، عن عائشة: أنَّ أفلح أخَا أبي القيس جاء يستأذن عليها، وهو عمُّها من الرَّضاعة بعدَ أن نزلت آية الحجاب - قالت عائشة - فأبيتُ أن آذنَ له، فلمَّا جاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخبرتُه بالذي صنعتُ، فأمرني أن آذن له؛ صحيح البخاري (3/ 151).

[13] نص الحديث في الهامش السابق.

[14] ولكن لا تأخذ حِكمة من جميع الوجوه، فهذه الرابطة لا توجب التوارث، كما أنَّها لا توجب النفقة.

[15] كما أفاد ذلك صراحةً حديثُ ابنة حمزة - رضي الله عنهما.

[16] كما أفاد ذلك صراحةً حديثُ عمِّ عائشة من الرَّضاعة - رضي الله عنهما.

[17] زاد المعاد في هدى خير العباد؛ لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيِّم الجوزية (3/ 12)، طبعة سنة 1390هـ 1970/ مطبعة الحلبي.

[18] زاد المعاد (3/ 13 - 14).

[19] وممَّا يتَّصل بهذا الشَّرْط: أن يكون اللبن خالصًا غير مخلوط بغيره، قرَّر ذلك بعضُ الفقهاء، منهم: الإمامية والظاهرية، ففي "المختصر النافع": أنَّ امتصاص اللبن من الثدي قيْد لا بدَّ من مراعاته (ص: 199) طبعة سنة 1377هـ.

ويقول العلاَّمة ابن حزم الظاهري: "وأما صفة الرَّضاع المحرِّم، فإنَّما هو ما امتصَّه الراضع من ثدي المرضعة بفِيه فقط، فأما مَن سُقي لبن امرأة، فشربه مِن إناء أو حُلِب في فيه فبلَعَه، أو أطعمه بخبز أو في طعام، أو صُبَّ في فمه أو في أنفه، أو حقن به، ذلك لا يحرم شيئًا، ولو كان ذلك غذاءَ دهْره كله"؛ المحلى (10/ 7) سنة 1952م.

ويرى فقهاء المذهب الحنفيِّ: أنَّ خلط اللبن بغيره لا يؤثِّر في التحريم، بمعنى أنَّه لا يُشترط في مذهبهم هذا الشَّرْط، ولبن المرأة رَضاعًا أو شربًا يحرم الزواج، حتى ولو كان هذا اللبن مخلوطًا بماء أو دواء، أو لبن امرأة أخرى، أو لبن شاة إذا غلب لبن المرأة" الدر المختار، وحاشية ابن عابدين عليه (3/ 218).

على أنَّ خلط لبن المرأة بلبن امرأة أخرى يترتَّب عليه تحريمُ المرأتين معًا، وذريتهما وما يترتَّب على ذلك مِن آثار".

[20] مبادئ الفقه الإسلامي للمؤلِّف (ص: 217).

[21] ذلك أنَّ الآراء كثيرة، والمذاهب متعدِّدة، وقد حاولنا تلخيصها وضَمَّ بعضها إلى بعض بقدر الإمكان، والقائل باشتراط عدد معيَّن من الرضعات منهم مَن اشترط خمسَ رضعات، ومنهم مَن اشترط سبع رضعات، ومنهم مَن قال بعشر رضعات، وهكذا.

[22]لم يقل البخاري رجلاً، بل قال - رضي الله عنه -: حدَّثنا عليُّ بن عبدالله، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا أيوب، عن عبدالله بن أبي مليكة قال: حدثني عُبيدُ بن أبي مريم، عن عقبة بن الحارث، قال: وقدْ سمعتُه من عقبة، لكني لحديث عبيد أحفظُ، قال: تزوجتْ ... إلخ.

ومعنى هذا على ما يبدو لنا: أنَّ عبدالله بن أبي مليكة قد سمع الحديثَ من عقبة بن الحارث - رضي الله عنهم جميعًا - كما سمعه كذلك رواية مِن عبد الله ابن أبي مريم، غير أنَّه أكثر حفظًا لهذه الرواية، فلأمانتِه البالغة في نقْل الحديث من عقبة، ونظرًا لقوَّة حفظه لنفس الحديث من رواية عن عبيد بن أبي مريم أثبتَ ذلك وبيَّنه.

[23] أي: إَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْرض عنه.

[24] أي: النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

[25] صحيح البخاري ( 3/ 151).

[26] صحيح مسلم ( 3/ 631) ط الشعب، سنن أبي داود (2/ 223).

[27] هو الإمام المحدِّث، الحافظ محيي الدِّين أبو زكريا يحيى بن شَرَف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني، النووي، فقيه شافعي، حافظ مُحدِّث، له مؤلَّفات جليلة في علوم الحديث والفِقه، منها شرحه لصحيح مسلم، ومنها المجموع في الفقه الشافعي، توفي - رحمه الله - سنة 671هـ.

[28] صحيح مسلم بشرح النووي ( 3/ 631).

[29] ففي "المختصر النافع": "الثاني: الكمية - أي كمية اللبن المرتضَع - وهي ما أنبتَ اللحم، وشدَّ العَظم، أو رَضاع يوم وليلة، ولا حُكم لما دون العشر، وفي العشر روايتان: أشهرهما أنها لا تنشر، ولو رضع خمس عشرة رضعة تنشر" (ص: 199).

[30] للتوسُّع في عرْض آراء العلماء في هذه المسألة، وأدلَّة كل رأي ومناقشته، راجع: شلبي - المرجع السابق (ص: 190)، وما بعدها.

[31] وقد رجَّح فضيلة الشيخ شلبي هذا الرأي، ثم قال: "وهذا لا يتعارض مع كوْن عِلَّة التحريم بالإرضاع أنَّه ينبت اللحم وينشز العظم، التي اتَّفق عليها الفقهاء؛ لأنَّ مسالة إنبات اللحم وإنشاز العظم التي تجعل الرضيعَ كجزء من الأم المرضعة أمرٌ خفي، ويخلتف باختلاف الرضعات، وربَّ رضعة تفعل ما لا يفعله العدد مِن الرضعات، فهو لا يتوقَّف على عدد معيَّن؛ المرجع السابق (ص: 195).

[32] يقصد بالعترة: آل بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

[33] يراجع في عرْض آراء العلماء في هذه المسألة: "نيْل الأوطار" للشوكاني (7/ 120) وما بعدها.

[34] صحيح البخاري (3/ 151)، وقد ترجم الإمام البخاري الحديث بقوله: "باب مَن قال: لا رَضاع بعدَ الحَوْلين لقوله تعالى: ﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، وما يحرم مِن قليل الرَّضاع وكثيره.

[35] رواه الترمذي وصحَّحه؛ "نيل الأوطار" (7/ 121)، ومعنى "فتَق الأمعاء": سَلَك فيها، ومعنى "في الثدي" في الرَّضاعة، وهذا من اللغة المعروفة، تقول العرب: مات في الثدي؛ أي في زمن الرَّضاع؛ المرجع نفسه، الموضع المشار إليه.

[36] رواه الدارقطني؛ "نيل الأوطار" (7/121).

[37] يقول الله - تعالى -: ﴿ وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 22].

ويقول - سبحانه -: ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾ [النساء: 23].

[38] هذا، "وإنَّ التفرِقة بيْن الزواج من أمِّ الزَّوجة وبنتها واضح؛ لأنَّه إن طلَّق البِنت قبلَ الدُّخول بها، وتزوَّج أمَّها ألْقى بنيران العداوة في قلْب البنت، وليس في نفسها مِن دواعي الإيثار ما يجعلها تؤثِر أمَّها بذلك الزوج على نفسها، والعُرف لا يعاونها عليه: أمَّا الأم، فإنَّها في العادة، وبسُنَّة الفِطرة تؤثِر بنتها على نفسها، وإن وقعتْ في نفسها الغَيْرة، فإنَّ مجرى العادة يُطفئها، وفرط محبتها لابنتها يلطِّفها، أما إنْ حصل دخولٌ بالأم، فإنها تكون قد استوفتْ حظوظ الزواج، وكانت بنتُها كبنت الزوج لا تحِلُّ له"؛ أبو زهرة المرجع السابق (ص: 80).

[39] وإنَّما الشَّرْط الجوهري في هذه الحالة، هو الدخول بالأم - كما بينَّاه في المتن بيانًا وافيًا.

وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أمرين:

الأمر الأول "اللمس بشهوة والنظر بشهوة، أيُعتبر كالدخول الحقيقي، ويُعطَى أحكامه في حال اشترط الدخول للتحريم، وهي حال الرَّبيبة، أم لا يكون كالدُّخول فلا تحريم به؟

قال أبو حنيفة ومالك، والثوري والأوزعي، والليث بن سعد: إنَّ اللمس بشهوة يكون كالدُّخول، وهو أحد قولي الشافعي، وقال داود: لا يحرِّم إلا الدُّخول الحقيقي، وهو القول المختار المفتَى به عندَ الشافعية.

وأساس الخلاف في هذا الأمر: أنَّ مَن يرى أنَّ النظر بشهوة، أو اللمس بشهوة كالدُّخول في إثبات التحريم توسُّع في معنى الدخول، فجعل كل ما هو مِن قبيل الاستمتاع مِن نظرٍ ولَمسٍ بشهوة، أو لمس بشهوة فقط على رأي بعضِهم يُعدُّ دخولاً، لما فيه من معنى المتعة التي جعلتِ الدُّخول محرِّمًا، وقد أيَّدوا نظرَهم ببعض الأخبار.

أمَّا الفريق الذي لا يعتبر غيرَ الدخول الحقيقي محرِّمًا، فهو لم يتوسَّع ذلك التوسُّع في معنى الدخول؛ لأنَّ اللفظ إذا أطلق لا ينصرف إلاَّ إلى معناه الحقيقي، وإنَّ الأخبار التي يعتمد عليها الفريق الأول أخبارٌ ضِعاف في نظر مَن اقتصروا في معنى الدخول على الحقيقي دون سواه.

الأمر الثاني: الذي كان موضعَ خلاف بيْن الفقهاء، هو أنَّه إذا حصَل دخول بامرأة من غير عقْد أيحرم مَن يحرمه العقد، ويحرم من يحرمه الدُّخول في عقد صحيح؟ لقد اتَّفق الفقهاء على أنَّ الدخول بغير عقْد كالدخول بعقد صحيح، إنْ كان الدخول حلالاً في أصْله كالدخول بمِلك اليمين.

أو كان حرامًا في ذاته؛ ولكن وجدتْ شبهة أسقطت الحدَّ، ومحتْ وصْف الجريمة، ولم يُعتبر زنا، كالدخول في بعض الأنكِحة الفاسدة، أو الوطء بشُبهة، ويعتبر الدُّخول في هذه الأحوال، كالعقد يحرم من يحرمه، وإنَّما موضوع الخِلاف هو الدُّخول الذي يُعتبر زنًا، فهنا اختلف الشافعيُّ وأبو حنيفة وغيرهما، فالشافعي يرى أنَّه لا يوجب تحريمًا وأبو حنيفة يعتبره محرمًا لِمَا يحرمه الدُّخول في عقْد صحيح، وأمَّا مالك، فالمروي عنه في "الموطأ" مثل قول الشافعي، وروى عنه ابن القاسم مثل قول أبي حنيفة، وسحنون يذهب إلى أنَّ الصحيح عندَ مالك ما رواه الموطأ، وهو الموافِق لرأي الشافعي.

والأصل في هذا أنَّ أبا حنيفة اعتبر الأساس في تحريم حُرْمة المصاهرة بسبب الدُّخول هو الدُّخول مِن غير قيْد الحِل، فالعِلَّة في التحريم بسبب المصاهرة في الدُّخول بمِلْك اليمين هو مجرَّد الدخول من غيْر نظَر إلى كونه مِن نكاح، وما دامتْ عِلَّة تحريم الأصل هي مجرَّد الدخول، فالدخول الحرام الذي لم يدرأ فيه الحد قد تمَّ فيه مناطُ التحريم، فيكون التحريم، ويرجح ذلك: أنَّ الدخول في النكاح الفاسد حرامٌ لا شكَّ في ذلك، ومع ذلك إنْ وُجدتْ شبهة قوية كان سببًا في التحريم بالإجماع.

والشافعي يفرِّق بين الدخول الحلال، والدخول الحرام، وأمارة الحِل والحُرْمة هو الحد، فإن لم يوجد الحد كان الدخول حلالاً، أو كالحلال، وإلا فهو حرام، والدخول الحرام غير مثبِت لحُرْمة المصاهرة؛ لأنَّها نعمة لا تكون بأمر قام الدليل على أنَّه حرام من غير شبهة.

المرجع السابق (ص: 80 - 82).

[40] سورة النساء الآية رقم 22، وهي الآية السابقة مباشرة على آية المحرَّمات.

[41] شلبي، المرجع السابق (ص: 172).

[42] صحيح البخاري ( 3/ 152).

[43] صحيح مسلم ( 3/ 652).

[44] فقد روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُنكح المرأة على عمَّتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، ولا تُنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى))؛ سنن أبي داود (2/ 224).

[45] نيل الأوطار (6/ 285).

[46] فالحديث الأوَّل طريقه عند البخاري: عبدالله بن يوسف، عن صالح، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وهو نفس الطريق عندَ مسلم باستثناء الرَّاوي الأول، فهو عند مسلم عبدالله بن مسلمة القعْنبي عن مالك ... إلخ.

[47] صحيح مسلم (3/ 563) عن طريق حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شِهاب، عن قبيصة، عن أبي هريرة، وهذا الحديث رواه البخاري بلفظه وتمامه من هذا الطريق ذاته باستثناء الرَّاوي الأول، فهو عند البخاري: عبدالله قال: أخبرني عبدالله، عن يونس ... إلخ.

[48] "ولم يخالف في الأخيرة إلا من لا يُؤبه لقوله"؛ أبو زهرة المرجع السابق (ص: 95).

[49] ولم يخالف في ذلك إلا بعضٌ قليل ناظرًا إلى أنَّ الحكمة من التحريم هي قطع الأرحام، وليس بين الأقارب من الرَّضاعة رحِم، ولكن قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يحرم مِن الرَّضاع ما يحرم من النَّسَب))، يؤكد أنَّ قرابة الرَّضاع يترتَّب عليها التحريم.

[50] "ولو تزوَّج المحرَّمتين معًا في عقد واحد لم يصحَّ زواجهما؛ لأنه لا يمكن ترجيحُ عقد إحداهما بالصِّحة؛ إذ لا سبق بينهما... وتجب المتاركة؛ أي: يتركهما ويتركانه، وإن تزوجهما في عقدين ولا يدري أيتَّهما كانت الأولى، فإنَّه يفرِّق بينهما معًا"؛ أبو زهرة، المرجع السابق (ص: 98).

"وإنْ جمع بينهما بعقدين، وعلم الأول منهما، كان الأول صحيحًا إذا استوفى شرائطَه وأركانه؛ لأنَّه لا جمع فيه، ويبطل الثاني؛ لأنَّ الجمع حصل به، فبالعقد على الأولى حرمتِ الثانية، ولا يصحُّ عقده عليها حتى تَبِينَ بالطلاق، وتنقضي عِدتُها، فيجب عليه أن يفارقها، وإنْ لم يفعل فرَّق القاضي بينهما، ولا شيء لها إذا لم يدخل بها، ولها مهْر المِثل، أو الأقل منه ومِن المسمَّى إنْ دخل بها، ووجب عليها العِدَّة، وإذا خالط صاحبة العقد الباطل وجَبَ عليه ألا يقرب صاحبةَ العقد الصحيح، حتى لا يكون جامعًا بينهما"؛ شلبي، المرجع السابق (ص: 215).

[51] أبو زهرة، المرجع السابق (ص: 99).

[52] صحيح البخاري (3/ 167).

[53] اللِّعان - كما سيأتي - هو عبارة عن أن يُقسِم الرجل أربع مرَّات بالله إنَّه صادق، ويقول في الخامسة: إنَّ لعنة الله عليه إنْ كان كاذبًا، ثم تقسم هي أربعَ مرَّات بالله إنَّه لمن الكاذبين، وتقول الخامسة: إنَّ غضب الله عليها إنْ كان من الصادقين، يتم ذلك علنًا أمام القاضي وجمهورٍ من الناس.

[54] وهذا هو السبب الذي من أجْله لم أذكرِ الملاعنة في فرْع خاص بها، فجمهور الفقهاء يقولون بالتحريم المؤبَّد.

[55] أي: فطلقها زوجها ثلاث تطليقات، ومن أجْل هذا النص وأمثاله فقد ألحقتُها بالمطلَّقة ثلاثًا.

[56] سنن أبي داود (2/ 275).

[57] ولهذا ذكر بعضُ الباحثين هذه المسألة من المحرَّمات تحريمًا مؤقتًا، ولعلنا نعود إلى دراستها في موضعها المناسب.

[58] أي: الأصنام.

[59] أي: لا تَتزوجوا المشركات (بفتح التاء الأولى).

[60] أي: ولا تُزوِّجوا نساءَكم للمشركين (بضم التاء).

[61] هو مَن يخرج عن الإسلام - والعياذ بالله.

[62] فكلُّ مَن يعتقد مذهبًا يخرج صاحبه من الإيمان إلى الكُفْر يعتبر صاحبَ عقيدة باطلة.

[63] من ينكر أمرًا معلومًا من الدِّين بالضرورة، كمن ينكر فرضيةَ الصلاة أو الزكاة، أو مَن يُنكر حُرْمةَ الزِّنا أو السرقة أو الخمر - مَن ينكر أمرًا من هذه الأمور وأمثالها - يُعتبر مرتدًّا - أعاذنا الله من ذلك.

[64] أبو زهرة، المرجع السابق (ص: 112 - 113).

[65] تفسير ابن كثير (2/20).

[66] فقد نهى عمرُ بن الخطَّاب بعضَ مَن فعل ذلك، حتى لا يكون هذا وسيلةً إلى ترْك الزواج بالمسلمات.

[67] شلبي، المرجع السابق  (ص: 228).

ومِن ناحية أخرى، فإنَّه بالنظر إلى أن الكتابية لا تؤمن بالعقيدة الإسلامية، قال جمهور الفقهاء: إنَّه من الأفضل للمسلم أن يتزوَّج بالمسلِمة متى وجدها، وقد قرَّر أكثر الفقهاء أنَّه من الأفضل للمسلِم أن يتزوَّج بالمسلِمة متى وجدها، وقد قرَّر أكثر الفقهاء الذاهبين إلى حلِّ التزوج بالكتابية أنَّه مكروه، وتشتد الكراهية إذا كان في دار الحَرْب، حيث يفقد الزوج سلطانَه عليها، وربَّما مال قلبه إليها، فتفتنه في دِينه، أو تؤثِّر في أولاده منها؛ "المرجع السابق" (ص: 228).

[68] لأنَّه يشترط اتحاد الدين بين المتوارثين، فالمسلم لا يرث غيرَ المسلم، وغير المسلم لا يرث المسلم.

[69] من البيانات المدونة في هذه الوثيقة ما يأتي:

(أ) للزوج أن يتزوَّج مثنى وثُلاثَ ورُباع، رضيت بذلك أو كرهت.

(ب) له أن يُطلِّق ما شاء، قَبِلت أو عارضت، وإذا طلَّقها طلاقًا بائنًا فليس له أن يُعيدها إلا بعقد ومهر جديدين؛ إذا كانت البينونة صغرى، أما إذا كانت البينونة كبرى، فليس له أن يتزوَّجها إلا إذا تزوجت زوجًا آخر، ودخل بها، ثم طلَّقها وانتهت عِدَّتها، وأنه إذا طلقها قبلَ الدخول، فلها نِصْف المهر المسمَّى، وإذا طلَّقها بعد الدخول فلها المهر المسمَّى كاملاً، أو مهر المثل، وإن طلقها قبل الدخول، ولا تسميةَ عند العقد، فلها المتعة حسبَ تقدير القاضي أو اتفاقهما.

(جـ) له أن يُلزِمها بالطاعة في مسكنه الشرعي، يمنعها من الخروج إلا بإذنه، وأنها تستحقُّ النفقة وقتَ الزواج، وفي العِدَّة.

(د) الأولاد الذين ترزقهم من المسلم يكونون مسلمين تبعًا لدِين أبيهم.

(هـ) لا توارث بينها وبيْن زوجها إذا مات أحدهما.

(و) لها حق الحَضَانة إلا إذا رأى القاضي ما يمنع مِن بقاء الأولاد تحت سلطانها، ولها الحقُّ في إرْضاع أولادها، وأجرة الرَّضاعة والحضانة على أبيهم.

[70] فعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -:  أنه قال: "إذا أسلمت النصرانية فهي أملكُ لنفسها"؛ تفسير ابن كثير (2/20).

[71] أبو زهرة، المرجع السابق (ص: 115).

[72] يقول الدكتور نظمي لوقا: "ولا بدَّ من كلمة أخرى عن زواج المسلِم بالكتابية - يهودية كانت أو نصرانية - في حين يمتنع العكس؛ أي: زواج الكتابي - يهوديًّا أو نصرانيًّا - بالمسلمة".

"فإذا تذكرنا أنَّ الإسلام يعترف باليهودية والنصرانية ولا يجحدهما، عرفْنا أنَّه لا غضاضة على الزوجة الكتابية في الاحتفاظ بدِينها وهي زوجٌ للرجل المسلِم، ولكن اليهود والنصارى جرَى تقديرُ رجال الدين عندهم على إنْكار الإسلام، فتكون المسلِمة غيرَ آمنة على دِينها في كنف الكتابي، وليست المسألة إذًا مسألةَ عصبية أو تحيُّز في كثير أو قليل"؛ الدكتور نظمي لوقا "محمد الرسالة والرسول" (ص: 122)، طبعة سنة 1959م.

[73] وهذا لا يتنافَى مع القول بأنَّ لهم صفاتٍ حميدةً تميِّزهم عن سائر الأمم الأخرى حينذاك، مثل: الشهامة والتمسُّك بالكرامة؛ راجع كتابنا "مبادئ الفقه الإسلامي" (ص: 65).

[74] هكذا نص العلاَّمة ابن كثير على هذا الحديث بروايته في كتابه "تفسير القرآن العظيم" (1/ 450)، وقد أضاف - رحمه الله -: أنَّ الإسناد الذي قدَّمْناه من مسند الإمام أحمد رجالة ثِقات على شرْط الشيخين البخاري ومسلم، ثم روى من طريق معمر، بل والزهري، قال البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، حدَّثَنا أبو عبدالرحمن النسائي بسند متَّصل، عن نافع وسالم، عن ابن عمر: أنَّ غيلان بن سلمة كان عند عشرة نِسْوة، فأسلَم وأسلمْنَ معه، فأمره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يختارَ منهنَّ أربعًا، هكذا أخرجه النسائيُّ في سُننه؛ "المرجع السابق" الموضع نفسه.

[75] سنن أبي داود (2/272)، وهذا اللفظ جاء في نيل الأوطار (6/ 288).

[76] قد يقال: كيف تقول: إنَّ القاعدة الأساسية هي التزوُّج بواحدة، والاستثناء هو التعدُّد، في حين أنَّ الآية الكريمة تفيد في ظاهرها عكس ما تقول؟ فالله - تعالى - يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3].

والجواب - فيما نفهم، والله أعلم -: أنَّ الله - تبارك وتعالى - خاطب الناس على قدْر عقولهم، فنزلت آيات الله في قوم كان التعدُّد شأنَهم، وهو الأصل عندهم، فخاطبتهم الآية بقَدْر حالهم: تزوَّجوا ما شئتم في حدود الأربع زوجات، ولكن بشرْط العدل، وعند عدم العدل يجب عليكم الاقتصارُ على الواحدة.

والشأنُ في البشر عدم القُدْرة على العدل، والاستثناء هو القدرة عليه، فهو - سبحانه - في هذه الآية الكريمة خاطَبَ كل القرون والأجيال، فالجاهليون ظنُّوا أنه بدأ بقاعدتهم، في حين أنَّ الآية تجعل الأصلَ هو الاقتصار على الواحدة؛ لأنَّ هذا هو شأن البشر، ولا يقدر على العدلِ إلا صفوةُ الناس وخاصتهم.

[77] جاء في تفسير العلامة ابن كثير: قال الشافعي - رحمه الله -: وقد دلَّت سُنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّه لا يجوز لغير النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يجمع بن أكثر من أربع نسوة، وهذا الذي قاله الشافعيُّ مجمَع عليه بين العلماء، إلا ما حُكِي عن طائفة أنَّه يجوز الجمع بين أكثر من أربع" (1/ 450)، وقد قال القرطبي - رحمه الله - عن هذا القول الآخر: إنَّه "جهل باللسان والسُّنة، ومخالفة لإجماع الأمَّة، إذ لم يسمعْ عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنَّه جمع في عصمته أكثرَ من أربع"، ثم ساق القرطبيُّ أحاديثَ كثيرةً تؤكِّد تحريم الجمع بين أكثرَ من أربع زوجات، وقد سبق أن أشرْنا إلى بعض هذه الأحاديث؛ "تفسير القرطبي" (ص: 1587).

وأما ما أبيح للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذلك من خصوصياته - عليه الصلاة والسلام؛ (المرجع السابق، نفس الموضع).

ولقد أطبقتِ المراجع الإسلامية على بحْث هذه الموضوع من كل جوانبه، مما لا يتسع المجال للإشارة إليه؛ اكتفاءً بما أشرنا إليه من قبل، والشأن في علماء الإسلام أن يَبحثوا هذا الموضوع تصحيحًا للعقيدة، والدِّفاع عنها، وهذا أمر لا غرابة فيه.

وان كنت لا أعْجَبُ، فقد يعجب القارئ الكريم كلَّ العجب حينما يرى باحثًا مسيحيًّا، يتصدَّى لهذه القضية، فيبحثها بحثًا موضوعيًّا نزيها، بعيدًا عن أيِّ تعصُّب أو تحيِّز، فقد سبق أن أشرنا إلى الدكتور نظمي لوقا مسيحي المولِد، والمعتقد كما يُحدِّث هو عن نفسه - فقد قال في مقدمة كتابه: "محمد الرسالة والرسول: من يغلق عينيه دون النور": يضير عينيه ولا يضير النور،  ومن يغلق عقله وضميره دون الحق، يَضير عقلَه وضميره، ولا يضير الحق".

وعن هذا الموضوع الذي نحن بصدده يقول الدكتور نظمي لوقا: "ولو نظرْنا إلى حياة الرسول نفسه، لوجدْنا أنه لم يشرك في فراشه أحدًا مدة حياة خديجة، وقد طال زواجهما ربع قرن تقريبًا هو طور الفحولة في حياة الإنسان بيْن الخمسة والعشرين، والخمسين، ولم تتعدَّد زوجاته إلا بعد وفاتها" (نظمي لوقا: محمد الرسالة والرسول ص 111).

وفي كتاب آخر للدكتور نظمي لوقا اسماه: محمد في حياته الخاصة؛ تناول فيه هذا الموضوع بالتفصيل، وفي مقدمة هذا الكتاب يقول: أَّن الغرض الأول من كتبه هو "الحث على نزاهة العقل والضمير بصفة عامة والنظر في سائر الأمور نظرًا موضوعيًّا مبرَّأً عن التحيز والتحامل، ولهذا تعمدتِ البحث في الإسلام ْليكون حجُةَّ ومثلاً على الموضوعية المترفِّعة عن التحيز؛ ص 5 - 6.

ثم تناول الموضوع الذي نحن بصدده، وهو زواج الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "ولا نفهم هذه الظروف حق فهمها إلا إذا قدرنا المرحلة الطويلة من عمر أبي القاسم - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل زواجه من التسع اللواتي جمع بينهن... مرحلة طويلة من عمره، مداها ربع قرن من الزمن، هي فترة الشباب العارم، والرجولة الفتية، ولم يكن فيها زوجًا إلا لامرأة واحدة، هي خديجة بنت خويلد، تزوجها وهو في الخامسة والعشرين، وتزوجته وهي فوقَ الأربعين، وقيل: وهي تناهز الخامسة والأربعين، ماتتْ وهي فوق الخامسة والستِّين على الأقل، وكان هو في الخمسين، ربع قرن!".

لم تكن في هذه الزوجة الواحدة مقنع لشاب في سِنِّ ابنها لو كان هذا الزوج أخَا شهوة، ولم تكن هذه الزوجة الواحدة فرضًا مفروضًا عليه، والبيئة لا تعرِف إلا التعدُّد الذي لا حصرَ له، ومع ذلك لم يتزوَّج محمد طيلةَ تلك الفترة إلا خديجة المسِنَّة.

ولا حيلة لهم في أنَّه لم يتزوج بغير خديجة لتلك المدة المديدة، وأنه أخلص، ولكنهم يلتوون به، وبتأويله على هواهم اللئيم، سيقولون: إنَّه لم يكن يفعل شيئًا من ذلك لا عن عِفَّة، بل عن مصانعة لهذه الثرية، وهو زعمٌ لا ينهض على قدميه لحظةً واحدة أمامَ الواقع الذي لم ينكره ألدُّ أعداء محمد من القرشيِّين واليهود.

أنَّ سِن الخامسة والعشرين التي تزوَّج فيها محمد من خديجة ليستْ بالسِّنِّ الصغيرة في بيئة شِبه بدوية كبيئة قريش، فهي سن متأخِّرة للزواج، وكان محمد معروفًا بالوسامة، ولقد لقبتْه قريش قبل زواجه بالأمين، والأمانة التي بهرتْهم هي الأمانة في المال؛ لأنَّ المال كان أمرًا يتصل بالجماعة كلها؛ ولذا كانت أمانةُ محمد في الأموال مضربَ المثل، وهي في الواقع أمانةٌ فرعية أصلها الأمانة الكبرى، وهي قوة النفس التي تمنع صاحبَها من تجاوز الحدود، حدود العِفَّة في الجنس، والأمانة على العِرْض.

لا زوجة يومئذٍ له ولا رقابة، ولا إلزام من العرف بالعِفَّة، ولكنه كان العفيفَ الأمين، عفة غريبة المعدن في تلك البيئة قبلَ الزواج على اكتمالٍ في الشباب، ووسامة في الخِلقة، وافتقار إلى الزوجة، وسهولة المأتى! ما القول في ذلك يا معشرَ الحصفاء؟!

ألا يتفق ذلك مع عِفَّته وقد تزوَّج في الخامسة والعشرين أخرى مثال العِفَّة والطهر؟

أكان ذلك من آيات المصانعة والرِّياء؟ ثم رِياء لِمَن؟! ومصانعة لمن؟! لم يكن تزوَّج خديجة بعدُ حتى يصانعها أو يخاف سخطها، الذي يتعلَّلون به فيما يفترون، والفِرية من أولها بغير أساس.

لقد طلبتْ خديجة محمدًا قبل أن يطلبها محمد، فأين الطامع هنا والمطموع فيه يا أولي الألباب؟!

ومصادر التاريخ مُجمِعةٌ على أن الطلب والعَرْض كان من خديجة، فظروف ذلك الزواج إذًا وأسبابه على نقيض ما يزعمه المفترون من التكالُب أو الرِّياء أو المصانعة.

ولم يكن من أمره بعد زواجها ما يدلُّ على إسرافه في مالها، بل ازداد تباعدُه عن كل ألوان القصف، وزاد زهْده في الرخاء والترف، وصار يَقضي الكثيرُ من وقته صائمًا معتزلاً للناس في الجبل، أيُّ مصانعةٍ هذه التي تجعل الزوجَ يفي لزوجته بعد مماتها بسِنين وسِنين، فلا يذكرها إلا رقَّ قلبُه، ولهج لسانه بالترحُّم والثناء؟!

فليقل مَن شاء ما يشاء، ولكن لا حيلةَ في نسبة محمَّد إلا إلى الوفاء، غاية الوفاء، عجبي!.

عجبي من عقول آدمية تنسب أبا القاسم للمصانعة، حيث يضربُ المثل المذهل، المعجِز للأَرْيَحِيَّة والوفاء، الذي لا يُبَارى.

وقد تُنكر العين ضوءَ الشمس من رمد؛ د. نظمي لوقا: "محمد في حياته الخاصة" (ص: 50 - 64).

وقد تكلَّم المؤلِّف عن أول زوجة للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد وفاة خديجة، وهي السيدة سودة بنت زمعة، ليس لها جمالُ خديجة، ولا مال لها على الإطلاق، أرملة لأحد أصحابه الأوَّلين القلائل، هاجر إلى الحبشة ومات هنالك، وقيل: مات بعد عودته وبقيتْ سودة أرملةً منقطعة عن أهلها، ويُخشى أن يردوها عن الإسلام، وليس لها ما تعيش منه، وما كان أحْرى ذلك الوارث أن يعوض ما فات عليه في ربع قرن من اللَّذَّات، لو أنه كان الرجل الذي يزعمون!! (ص: 61).

وعن السيدة حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - تكلَّم الدكتور لوقا بما سبق أن أشرْنا إليه من قبل، ثم قال بعد ذلك: "هو إذًا الشرف الذي تجاوز كلَّ أمل نعمر، ومرة أخرى دخلتِ البيت الكبير زوجةٌ لم تضمها إلى محمد غرامة الشهوة، بل نبالة النخوة؛ (ص: 76).

وأمَّا السيدة أم سلمة، فقد كانت هي وزوجها أبو سلمة من أوَّل الناس إسلامًا، هاجرَا إلى الحبشة فرارًا بدِينهما، ثم عادَا إلى مكة، فكان أبو سلمة أولَ مَن هاجر إلى يثرِب، ولكن حال بنو المغيرة دون هِجرتها، فهاجر أبو سلمة وحيدًا، وأخذ بنو عبد الأسد صغيرَها سلمةَ، فظلَّت - رضي الله عنها - تبكي عامًا كاملاً، ولقد قالت في هذا الشأن: "والله ما أعلمُ أهلَ بيت في الإسلام أصابَهم ما أصابَ آلَ بني سلمة"، وبعد جهاد طويل انتقل أبو سلمة إلى جوار ربِّه على صدر ابن خاله وأخيه من الرَّضاع محمَّد بن عبدالله؛ وهكذا يتساقط الرِّجال الكرام، والعقيلات الكريمات، والأطفال اليتامى، ينوشهم الترمل واليتم، وعندئذٍ رأى الرسول القائد أن يمدَّ يده إلى أرملة أخيه في الرَّضاع، وابن عمَّته المهاجِر الفارس الشجاع، مواسيًا بنفسه يطلب إليها يدَها؛ مواساةً يجلها الأسى على راحل عزيز.

أفي مِثل هذا الزواج الذي أملتْه دوافع الأسى والنخوة يجترئ إلا فكون على جلال ذلك الحزن النبيل، فيذكرون لفظ الشهوة؟ (ص: 76 - 84).

وأمَّا عن زواجه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بجويرية بنت الحارث سيِّدة بني المصطلق، فقد أسرت - رضي الله عنها - عندما هُزِم قومها، فكانت بنت قائد بني المصطلق مِن نصيب ثابت بن قيس، فعرض عليها أن يُكاتبها - أي يعتقها نظيرَ مال -  فخرجت بنت العِزِّ والجاه لتقفَ على باب محمَّد تشكو ما أصابها، وتستعينه على أمرها، كان ذلك الاعتبار حسبَ محمد كي يرقَّ للأسيرة، عزيزة قوم ذلُّوا فذلَّت، ولكنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - جمع بين الحُسنين في عمل واحد فذ، كسب به قلوبًا جديدة، وشعبًا جديدًا، وأعلن لأشتات القبائل أنَّ محمدًا أكرم الناس وهو منتصر.

لفتة بارعة عبقرية تجمع بين نُبل الفروسية، والإلهام السديد: فهو لا يرفع عنها ذلك الرِّقَّ والأسر فحسبُ، بل يرد إليها عزَّتَها أعزَّ مما كانت قبل السبي، يرفعها من الأسْر إلى مقام زوجة القائِد المظفَّر - ويرفعها من الكُفر إلى مقام أمِّ المؤمنين، وما أن عَرَف الناس ذلك الإصهار إلى بني المصطلق، حتى أخذ كلُّ واحد منهم يُطلق سراحَ مَن عنده من أسراهم، سباياهم أحرار لوجه الله وهم يهتفون، "أصهار رسول الله"، وفعل هذا الزواج ما لم يفعلْه السيف في سلسلة من المعارك (ص: 89 - 91).

وهكذا يتكلم الدكتور نظمي لوقا عن زوجات سيِّد المرسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم - واحدةً بعد أخرى - رضي الله عنهنَّ - وفي نهاية بحثه يقول - وهو الباحث النصراني -: "وليذكر الذاكرون أنَّ التاريخ كم وعَى من رجالات أصحاب رسالات كانتْ لهم الزوجات الكثيرات بالعَشرات وبالمئات، وهل نسي الناسُ داود وسليمان، وغير داود وسليمان؟

فكيف لا يحسب هذا التعدُّد اليسير إلا على محمَّد بن عبدالله دون سواه؟!

ألا إنَّ الميزان المستقيم لا يكيل بكيلين، ولا يُحرِّم على زيد ما يَرى أضعافه غيرَ حرام على عمرو، ومَن يظلم، إنما نفسه ظلم، والذي يجور في الحُكم إنما يضير تفكيره وضميره"؛ دكتور نظمي لوقا "محمد في حياته الخاصة" (ص: 142)، طبعة سنة 1977.

[78] وسبب التردُّد أنني لم أطلعْ على كملة "رخصة" في كتب السابقين، فخشيت - وما زلت أخشى - أن يكون في هذا التعبير ما قد يُؤوَّل أو يفسَّر على غير حقيقته، في حين أنه فَهْم هداني الله إليه، وقد وفَّقني سبحانه - فيما يبدو لي - إلى إقامة الدليل والبرهان على نصوص  القرآن تحتمل هذا الفَهم، ومع ذلك فقد عبَّر بعض المفسرين المعاصرين عن حُكم التعدُّد بأنه رخصة "ظلال القرآن" (1/ 580).

ومما زادني اطمئنانًا إلى هذا الفَهْم: أنَّ فضيلة الأستاذ الشيخ محمد مصطفى شلبي قال عن هذا الموضوع: "فإباحة التعدُّد ليستْ إباحة مطلقة بل مقيَّدة، وتلك القيود تكاد تحصره في دائرة ضيِّقة، فمجرد خوف الجور والظلم مانعٌ منه، ومن يقرأ الآية التي أباحتِ التعدد يجدها لم تفرضْه بحيث يكون لازمًا لكل شخص، وليس فيها ما يدلُّ على استحسانه والترغيب فيه، وإنما مجرَّد إباحة، بل من يمعن النظر في أسلوبها وربْطها بسابقتها مع واقع الناس حين نزولها يجدْها لم تأتِ للإباحة الأصلية، ولا لإباحة شيءٍ غير موجود أو ممنوع، وإنما مجرد إباحة، وإنما جاءت لتقييد تعدُّد الزوجات الذي كان موجودًا بصورة تصل إلى حدِّ الفوضى"؛ شلبي، المرجع السابق (ص: 236).

[79] وخاصة في الهامش رقم (3) من (ص: 151).

[80] يقول الله تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 33].

[81] مِن أجْل ذلك قلنا: إنَّ هذه الحالة هي الأصل، فالشأن في البَشَر عدم القدرة على العدل، ومع ذلك فمَن يأنس من نفسه القدرةَ على العدل وعلى الإنفاق بالعدل أيضًا، فقد انتفى المانع من التعدُّد، وبقي البحث عن المبرِّر من ضعف الزوجة، أو عدم قدرتها، وما إلى ذلك من المبرِّرات التي سوف نُشير إليها.

[82] يقول الله - تعالى -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الأنفال: 24]

[83] رواه أبو داود (2/242)، وقد قال أبو داود في هذا الموضِع بعد ذكْر الحديث مباشرة: "وهو القلْب"؛ أي: إنَّ ما يملكه الله تعالى هو الميل القلْبي؛ "نيل الأوطار" (6/ 372)، وصدر الحديث: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يقسم فيعدل ويقول ..." الحديث.

[84] في ظلال القرآن (1/ 582).

"هذان هما القيدان اللذان نصَّ عليهما الله سبحانه، ولا يصح أن يقال: إنَّ زيادة قيود أخرى على - هذين القيدين - أمرٌ جائِز مِن ولي الأمر؛ لأنَّ له سلطة تقييد المباح، ذلك أنَّ تقييد إباحة التعدُّد بما يفوق القيدين المنصوص عليهما يترتَّب عليه إشاعةُ الفاحشة بيْن الناس، وهذا ضررٌ عام يجب أن يُزال، ولو بارتكاب ضررٍ خاص"؛ فضيلة المرحوم الشيخ محمد زكريا البرديسي "الأحكام الإسلامية" (ص: 185 - 186) طبعة سنة 1385هـ.

[85] وكما هو في غاية الوضوح حيث لا يجوز للرجل أن يكونَ في عصمته أكثرُ من أربع زوجات.

[86] فقد تكلَّم عن هذه المبرِّرات علماءُ التفسير، وعلماء الفقه، وعلماء القانون، وعلماء الاجتماع، والعلماء من العرب والعلماء من غير العرب والعلماء من المسلمين، والعلماء من غير المسلمين.

[87] فقد استخلصتُه من مجموع النصوص الواردة في الكتاب والسنة، وأقوال العلماء في هذا الموضوع.

[88] فقد تكون هنا لك مبرِّرات أخرى ظهرت، أو سوف تظهر في المستقبل، فسبحان مَن بيده الأمر، وسبحان من يغيِّر ولا يتغير!

[89] قد يصفون لفظ الخيانة "بالخيانة الزوجية"، وكأنه لا يهمهم إلاَّ هذا، في حين أنَّ الرذيلة خيانةٌ فوق ذلك لله ولرسوله ولكتابه، وللعِرْض وللشرف وللكرامة، ونزول بالإنسان إلى مهاوي الانحطاط والخذلان.

[90] يراجع في هذا وفي غيره من الأسباب: أبو زهرة، المرجع السابق (ص: 104 - 105)، شلبي، المرجع السابق (ص 104 - 105) شلبي المرجع السابق (ص: 240 - 242)، البرديسي، المرجع السابق (ص: 186 - 187)، مدكور، المرجع السابق (ص: 186 - 187) البري، المرجع السابق (ص: 74)، الزميل الدكتور عبدالناصر العطار "قضية تعدد الزوجات" (ص: 28) طبعة سنة 1358 هـ، الزميل الدكتور محمود محمد الطنطاوي: الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية (ص: 138 - 148)، الدكتور نظمي لوقا "محمد الرسالة والرسول" (ص: 104)، المفكر الإسلامي البارز العلامة وحيد الدين خان في كتابه القيِّم "الإسلام يتحدى" (ص: 236)، الطبعة السابعة، سنة 1397هـ 1977م.

[91] وحيد الدين خان، المرجع السابق (ص: 236).

[92] عبارة "مع أنها - أي مصر - أكثرُ البلاد الإسلامية تأثرًا بالحضارة الغربية"، ليستْ من التقرير على ما يبدو، ولعلَّها تعليق من الصحيفة التي نشرتْ هذا التقرير، وربَّما تقصد بها الإشادة  بمصر.

ولكني أعتقد أنَّ الإشارة إلى مصر في هذا الصَّدد تُعتبر كارثة، حتى ولو كانتِ النسبة أقل من 1% يقولون: إنَّ مصر أكثر الدول الإسلامية تأثرًا بالحضارة الغربية، ونحن نقول: ألا بِئس هذا التحضُّر، الذي يجعل لمصر نصيبًا من الشر، وهو وإن كان قليلاً كما يقولون، إلا أنَّه نصيب مذكور على أيِّ حال، ولئن كان قليلاً بالنسبة لهم، فهو أكثر مِن الكثير في نظر أهل الطُّهْر والعفاف، والشرف والكرامة، ولا نملك في هذا الصَّدد إلا أن نقول: "لا حولَ ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

[93] صحيفة  Hindustan Timesعدد 12 سبتمبر سنة 1960، مشار إليها في المرجع السابق، نفس الموضع.

[94] المرجع السابق (ص: 237).

[95] ثم إنَّنا نرى في المجتمعاتِ الإنسانية قديمًا وحديثًا، وبالأمس واليوم والغد، إلى آخر الزمان واقعًا في حياة الناس، لا سبيل إلى إنكاره كذلك أو تجاهله:

نرى أنَّ فترة الإخصاب في الرجل تمتدُّ إلى سِنِّ السبعين أو ما فوقها، بينما تقف في المرأة عندَ سِنِّ الخمسين أو حواليها، فهناك في المتوسِّط عشرين سنة مِن سِني الإخصاب في حياة الرجل لا مقابلَ لها في حياة المرأة، وما من شكٍّ أنَّ من أهداف اختلاط الجنسين، ثم التقائهما امتدادَ الحياة بالإخصاب والاتصال، وعمران الأرض بالتكاثر والانتشار، فليس ممَّا يتفق مع هذه السُّنة الفطريَّة العامَّة أن تكفَّ الحياة عن الانتفاع بفترة الإخْصاب الزائدة في الرِّجال، ولكن مما يتَّفق مع هذا الواقع الفطري أن يسم التشريع - الموضوع لكافة البيئات في جميع الأزمان والأحوال - هذه الرخصة - لا على سبيل الإلزام الفَرْدي، ولكن على سبيل إيجاد المجال العام، الذي يلي هذا الواقع الفِطري، ويسمح للحياة أن تنتفع به عندَ الاقتضاء.

وهو توافق بيْن واقع الفطرة وبيْن اتجاه التشريع ملحوظ دائمًا في التشريع الإلهي، لا يتوافر عادةً في التشريعات البشريَّة؛ لأنَّ الملاحظة البشرية القاصِرة لا تنبه له، ولا تدرك جميعَ الملابسات القريبة والبعيدة، ولا تنظر من جميع الزوايا، ولا تراعي جميعَ الاحتمالات"؛ "في ظلال القرآن" (1/ 580).

[96] وكما سبق أن قلنا، فإنَّ القارئ يعجب كلَّ العجب حينما يرى من المفكرين المسيحيين مَن يدافع عن الفكرة دفاعًا موضوعيًّا نزيهًا! يقول الدكتور نظمي لوقا: "ونظرة إلى واقع الحياة البشرية في تاريخ مجتمعاتها الغابرة والحاضرة، تطلعنا على تعدُّد النساء في حياة الرجل الواحد، سواء جهرًا أو سرًّا، وسواء برخصة من القانون أو الدِّين، أو حتف القانون والعقيدة.

وما مِن عاقل يفضِّل التعدُّد بغير رخصة على التعدُّد برخصة، فإنَّ أثر الشعور بالإثم والاختلاس على السلوك البشري بعامة أثرٌ خبيث، يُسمِّم حلاوته، ويعكر صفاءَه الذي لا تقوم السعادة الروحية والنفسية بغيره، فضلاً عمَّا في العلاقات المختلسة من إضرار بالمرأة، وإفساد لحياتها لا شكَّ فيه، ثم إنَّ حياة البداوة والريف غير حياة الحَضَر، ففي الرِّيف يعزُّ القوت أحيانًا، ولا سيَّما على المرأة، وقد يكون في عدد النِّساء زيادة عن عدد الرجال، فلا يُصان عِرْض المرأة، ولا تستقر معيشتها ماديًّا ونفسيًّا، إلا إذا صارت في كنف رجل، وعندئذٍ لا مناص من التعدُّد؛ لأنَّه الحل السليم الوحيد، أو هو أسلمُ أساس لجماعات هذه حقيقة ظروفها، والضرورات تُبيح المحظورات.

وما القول في زوجةٍ أقعدها المرض؟ وما القول في الزوجة العقيم؟ وما القول في الزوجة الفاترة؟ وما القول في الزوجة السقيمة الأعصاب؟ أطلاقها أرحمُ بها، أم إردافها بزوجة أخرى؟ لا شكَّ أنَّ الأمر واضح".

[97] د. نظمي لوقا "محمد الرسالة والرسول" (ص: 104 - 105).

وبعد َذلك يستطرد الدكتور لوقا فيقول: "سأذكر حالةَ جارٍ لنا في دمنهور منذ عشرين سَنة كان متزوِّجًا من سيدة قضى معها رُبُعَ قرن لم تشركها زوجة أخرى، وكان لهما ولدٌ تجاوز العشرين من عمره، ثم مات فجأة، وخيَّم الحزن على البيت، وكان واضحًا أن الزوجة بلغت سِنَّ اليأس منذ زمن، وإذا بها تلحُّ على زوجها أن تخطب له زوجةً تنجب لهما ولدًا تقر به أعينهما في خريف العمر، وخطبت الزوجة لزوجها، وكانت الزوجة الأولى من أبرِّ الناس وأرفقهم بالزوجة الجديدة، وكأنها ابنتها، وكان فرحًا بالمولود البِكر فرحًا جارفًا، فكأنما دبَّت الخضرة في عودها الجاف، وعود زوجها الثاكِل، وأشهد أنَّ هذا الطفل كان ألصقَ بصدر زوجة أبيه الكهلة من صَدْر أمِّه الشابة، وأشهد أني أدركتُ من أحوال هذه الأسرة معنًى ما حفلت به كتب بني إسرائيل مِن ندب الزوجة العاقر جارية لها كي تحملَ مِن زوجها، وتلد لها نسلاً!! وفي اعتقادي أنَّ هذا الرأي المستمدَّ من الواقع في تحديد ظروف التوحُّد والتعدُّد هو أقرب، يكون للتعليل الطبيعي"؛ المرجع السابق (ص: 110 - 111).

[98] في ظلال القرآن جـ ص 582.

[99] وهو ما سنبينه تفصيلاً في القسم الثاني مِن هذه الدراسة - إنْ شاء الله تعالى.

[100] ولقد وعدنا من قبل أنَّنا نناقش نصوص القانون مناقشةً موضوعية هادئة، لا نبتغي بها إلا وجهَ الله تعالى، فما كان صوابًا أقررناه، وما كان غير ذلك بينَّا وجه الملاحظة فيه.

[101] ولقد رأينا أنَّ من المفكرين المسيحيين مَن يدافع عن هذه الفكرة دفاعًا موضوعيًّا نزيهًا.

[102] ولنا تعليق آخَرُ على ظن المرأة هذا نُشير إليه بعد قليل.

[103] فضيلة الأستاذ الشيخ محمد مصطفى شلبي: "ملحق لكتاب أحكام الأسرة في الإسلام" (ص: 41)، طبعة سنة 1400هـ.

[104] واضعو المذكرة أو مَن راجعوا المشروع في صورته النهائية، لكان على ما نعتقد يقصد تحقيقَ المصلحة العامة، وعلى حدِّ عبارة صاحب الفضيلة الشيخ محمد مصطفى شلبي: "وأكبر الظن عندي أنَّ هذا القرار بقانون لم يقصد به إلا علاجَ بعض مشاكل الأسرة، التي طال عليها الزمن، ولا أظن أحدًا مما شاركوا فيه في جميع مراحله قصَدَ مخالفة شريعة الله، التي هي المصدر الوحيد لجميع أحكام الأسرة"؛ شلي، المرجع السابق (ص: 6).

[105] انظر الحاشية السابقة.

[106] المرجع السابق (ص: 40).

[107] المباح غير المنصوص عليه هو الذي يجوز لولي الأمر تنظيمُ استعماله، أما المباح الذي نصَّت على إباحته النصوص الشرعية صراحةً، فإنَّه لا يجوز مطلقًا لوليِّ الأمر أن يقيده.

فما بالك بنظام تعدُّد الزوجات الذي جاء الإسلام بوضْع قيوده وحدوده وضوابطه، فأنَّى يقيد، وقد قيده الله؟! وكيف يستبيح إنسانٌ لنفسه أن يتدخل في أمْر وضع الله حدودَه وقيوده؟!

[108] المرجع السابق (ص: 42).

ويستطرد فضيلة الشيخ شلبي، فيقول: "وما قبل في الرد على دعوى التقييد: إننا لم نقيد المباح، ولم نحرِّم حلالاً، فله أن يتزوج ولم يتعرض القانون لإبطال زواجه، بل أبقاه مباحًا، لكنَّا جعلنا للمرأة المتضررة حقَّ طلب الطلاق، هذا الكلام غير مسلَّمّ؛ لأنه يؤدي إلى إلغاء المعنى المراد من الآية، وهو إباحة الجمع بين الزوجات، وإبداله بمعنى آخر، وهو إباحة التزوُّج من غير جمع ولا تعدُّد للزوجات، وليس هذا مرادًا للشارع، ولا يدل عليه نظم الآية؛ لأنها تقول: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، ومعناها: اثنين اثنين، وثلاث ثلاث، وأربع أربع، ولو كان المراد مجرَّد إباحة التزوُّج بدون جمْع لجاءت بأسلوب آخَرَ: "ثانية وثالثة ورابعة"، ويستحيل أن يكون مرادُ الشارع سبحانه ذلك؛ لأمرين:

الأول: أنَّ الآية مسوقة لإقرار التعدد وبيان حدِّه الأعلى، الذي لا يجوز للرجل أن يتخطَّاه وهو أربع، فلو كان المرادُ إباحة التزوُّج بدون جمْع لما كان للاقتصار على الأربع معنى، بل ولزادتْ وخامسة وسادسة ... إلخ.

والثاني: أنَّ الله لا يحب لعباده كثرةَ التزوج والتنقُّل بين الزوجات، يدل على ذلك قولُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله لا يحب الذوَّاقين والذواقات))...الحديث.

فإن قيل: إنَّ القانون لا يلغي تعدُّد الزوجات؛ لأنَّ الزوجة الأولى قد ترضى بالبقاء، فيتحقق التعدد والجمع.

قلنا: لو تحقَّق هذا ووُجِد الجمع، ترتَّب عليه محظور آخر، وهو نقْل الحق الثابت للرجل أصبح حقًّا ثابتًا للمرأة، فإنْ شاءت التعدُّد وجد، وإن لم ترضَ به انعدم، وليس في الآية ما يُشير لهذا لا مِن قريب ولا من بعيد، ولو كان هذا هو مرادَ الشارع لوجَّه الخطاب إلى النساء.

"وقد صرَّحتِ المذكِّرة الإيضاحية بهذا المعنى غير المراد، حيث تقول: "إنَّ ما اختاره المشروع يمتاز بأنَّه في نطاق الشريعة، ولا يخرج على أصولها، وهو في الوقت ذاته لا يُبقي على مكلة تعدُّد الزوجات إلا برِضاء الزوجات أنفسهن، وكان يكفي لإبطال هذا الحُكم ما قدَّمناه من أنَّه اتهام للمولى - سبحانه - بأنَّه يبيح ما فيه ضررٌ من الإلغاء للتعدد المشروع.

أمَّا قول المذكرة: إنَّ مستند ذلك ما أوضحَه ابن القيِّم تحريجًا على قواعد الإمام أحمد - رحمه الله - وقواعد فِقه أهل المدينة، فإنَّه سند يكتنفه الغموض والإبهام مِن كل جانب، فلم تُبيِّن أيَّ كتاب لابن القيم عَرَض لهذا، ولا ما هي تلك القواعد في المذهبين خرَّج الحُكم عليها، بينما نجدها في مواضعَ أخرى تعيِّن الكتاب والجزء والصفحة!

"وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنَّما يدل على الحيرة في إسناد ذلك الحُكم، والتلبيس على القارئ حتى لا يدركَ فساد هذا الحُكم".

"والاستناد في هذا إلى الفِقه المالكي والفِقه الحنبلي لا يفيد: فالفَرْع الذي أكَّدوا وجوده في الفقه المالكي، وهو أنَّ الرجل إذا حوَّل وجهه عن زوجته في الفِراش جاز لها أن تطلبَ الطلاق به، هذا الفرع لم أقف عليه، ومع ذلك فإنِّي أوافق على وجوده، ، ولكن لا يُفيد في التخريج؛ لأنَّ تحويل الوجه في الفِراش نوعٌ من الهجر، وهو غير مباح إلا في حالة التأديب. وفي غيرها لا يجوز؛ لأنَّه لا يتفق مع ما أمره الله به من المعاشَرة بالمعروف.

ولقد قالوا: إنَّ المذهب الحنبلي يقرِّر أنَّه لو تزوجها وشرَط لها ألاَّ يتزوج عليها، فلها فراقه إذا تزوَّج عليها، وأنَّ ابن قدامة يقول: إنَّ هذا لا يحرم حلالاً، وإنما أثبت للمرأة خيارَ الفسخ إنْ لم يفِ لها بهذا الشرط - كل هذا يرد عليه فضيلة الشيخ شلبي فيقول: "إنَّ هذا لا يُفيدكم في إثبات الحُكم العام، سواء شرطته أم لم تشترطه، كما هو نصُّ المادة؛ لأنَّ المرأة حينما تشترط ذلك في العَقْد تعلم أنها لا ترضَى بهذا الزَّوْج بدون الوفاء بهذا الشرط، فإذا فات الشَّرْط فات رِضاها بالعقد؛ لذلك كان له حقُّ طلب فسخ العقد.

وفسْخ العقد يختلف عن الطلاق في بعض الأحكام، وكوْن هذه المرأة الشارطة تَعتبر الزواج عليها إضرارًا بها لا يُفيد أنَّه إضرارٌ إنْ لم تشترطه، فلا يلزم مِن ثبوت حق الفسْخ شرطية ثبوته لغيرها، وإلا كان اشتراطها عبثًا، وبهذا يكون المذهب الحنبلي قد منع التعدُّد في هذه الحالة فقط وفاءً بالشَّرْط، ولا يلزم من ذلك أن يمنع التعدُّد في جميع الصورة، حتى يثبت الخيار لكل زوجة، بدليل أنَّ هذا المذهب أبطل شرطًا آخر يمنع التعدُّد فيما إذا شرطتِ الزوجة الجديدة على زوجها أن يُطلِّق ضرتها، فقرَّر أنَّه شرط باطل لا يجب الوفاءُ به، فيتحقق للتعدُّد في جميع الصور حتى يثبتَ الخيار لكلِّ زوجة، بدليل أنَّ هذا المذهب أبطل شرطًا آخر بمنْع التعدُّد فيما إذا شرطتِ الزوجة الجديدة على زوجها أن يُطلِّق ضرَّتها، فقرَّر أنَّه شرط باطل لا يجب الوفاء به، فيتحقق التعدُّد بدون خيار؛ ذلك لأنَّ الأصل في الشروط - وبخاصة في عقد الزواج - الصِّحة، ولا يبطل إلا الشرط المنافي لمقتضى العقْد، والشرط الذي ورد النهي عنه، وهذا الشرط الأخير ورد النهيُ عنه، فقد روي أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تسألِ المرأة طلاقَ أختها؛ لتكتفئ ما في إنائها".

فلو كان مجرَّد التعدُّد إضرارًا لَمَا نهى رسول الله  - صلَّى الله عليه وسلَّم -عن هذا الشرط، فظهر بهذا أنَّ التخريج على المذهب الحنبلي لم يوصل إلى المطلوب.

- ومِن كل ما قدمنا يثبت: أنَّ هذا التشريع فيه مخالفة لكتاب الله مِن الوجوه التي شرحْناها من قبل، وإذا أردْنا تشريعًا سليمًا لا يعارض كتابَ الله، ويخرج تخريجًا صحيحًا على مذهب القائلين بالتطبيق للضرر، تعد هذه الفِقرة على الوجه الآتي "للمرأة التي تزوَّج عليها زوجُها أن تطلب التطليق إذا لَحِقَها ضررٌ تستحيل معه العِشرة، وعليها أن تثبت ذلك الضررَ بكافة طرق الإثبات، فإن عجزت بعث القاضي حَكَمين للإصلاح بينهما"؛ شلبي، المرجع السابق (ص: 42 - 46).

[109] راجع كتابنا "مبادئ الفقه الإسلامي" (ص: 330).

[110] سوف نتكلَّم عن الولاية عن النفس وعن الولاية عن المال فيما بعد، ويعنينا الآن البحثُ عن الولاية في الزواج، وهي مرتبطة بالولاية على النفس.

[111] أي: بحيث لا تكون قرابة النساء هي الوحيدة، فإن كانت كذلك انتفتْ صفة العاصب.

[112] ولكن بالنسبة لأحكام الميراث وُجِد نوعان آخران من العصبة، والواقع أنَّ أصحاب هذه النوعين لا يصلحون أن يكونوا من العصبة بالمعنى المبيَّن في المتن.

النوع الأول: العصبة بالغير، وذلك في حالة البنت مع الابن، والأخت الشقيقة أو لأب مع الأخ الشقيق أو لأب، فالنسوة هنا لا يصلحْنَ أن يكنَّ عصبة، ولكن صِرنَ عصبة بسبب وجود ذكر في درجتهن وقوتهن.

والنوع الثاني: العصبة مع الغير، وذلك في حالة وجود الأخت الشقيقة أو لأب مع البنت أو بنت الابن، والكل هنا كما هو ظاهر من النِّساء، فإطلاق العصبة إطلاق اعتباري فقط؛ راجع في تفصيل ذلك: الدكتور يوسف قاسم: الحقوق المتعلقة بالتركة في الفقه الإسلامي (ص: 204 - 209)، طبعة سنة 399 هـ .

[113] المرجع السابق (ص: 200 - 203).

"فإذا لم يوجد أحد مطلقًا من هؤلاء العصبات، أو كان الموجود منهم ليس أهلاً للولاية، لعدم تحقُّق شروطها فيه، انتقلت الولاية إلى أقاربه غير العصبات عندَ أبي حنيفة، وفي رواية عن أبي يوسف، وقد اختلف في ترتيب هؤلاء في استحقاق الولاية، والراجح في ذلك أنَّ أولاهم: الأم، ثم الجدة أم الأب، ثم الجدة أم الأم، وهؤلاء من الأصول، ثم البنت، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت وهكذا، وهؤلاء من الفروع، ثم الجد أبو الأم، ثم فروع الأبوين، بتقديم الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأب، ثم الأخ والأخت لأم، ثم أولاد الأخوات بنفس الترتيب، ثم فروع الجدين؛ بتقديم العمَّات من أي جهة، ثم الأعمام لأم، ثم الأخوال والخالات، ثم أولادهم"؛ البرى،  المرجع السابق (ص: 82 - 83).

[114] وأعتقد أنه لا مجال لجهة البنوة في هذه الولاية، وإني لأحمد الله تعالى أن رأيتُ من الفقهاء مَن ينكر ذلك بأدلَّة قوية؛ راجع في هذا "نيل الأوطار" (6/ 256 - 257).

[115] وهم الذين أشرْنا إليهم في الهامش قبل السابق، وإنما قلنا: غالبًا؛ لأنَّ العمة من ذوي الأرحام، وهي تنتسب إلى ابنة أخيها عن طريق قرابة الرجال.

[116] وأساس الخلاف: هل سبب الولاية هو التعصب أم القرابة؟ فمن قال: إنَّ سبب الولاية هو التعصب، قالوا: إن العصبة بالنفس فقط هم الأولياء، فإذا لم يوجد واحدٌ منهم كانت الولاية للقاضي.

ومن قال: إنَّ الولاية سببها القرابة، توسَّع في المستحقين لها، وأثبتها لجميع الأقارب بما فيهم ذوو الأرحام، وهذا الرأي الأخير هو مذهب أبي حنيفة، وهو المعمول به قانونًا، غير أنَّ الغالب في الحالات العملية عدم الالتجاء إلى ذوي الأرحام؛ نظرًا لكثرة الأقارب من العصبة غالبًا، ومع ذلك فإنَّ مشروع القانون قد أخذ بالرأي الأول.

[117] وهو الترتيب الذي ذكرْناه فيما تقدم، وسبب النص على تقديم الجد على الأخوة الأشقاء أو لأب: أنَّ قانون المواريث المصري أخذ بمذهب القائلين باشتراك الجد مع هؤلاء الأخوة في الميراث بشرْط ألاَّ يقلَّ نصيب الجد عن السدس.

[118] وولاية الترويج مندرِجة في الولاية على النفس.

[119] وهذا تطبيق لأحكام الولاية القاصرة - كما سبق أن أشرنا.

[120] يُسمَّى أيضًا بخيار الإفاقة، وهو للمجنون أو المعتوه عند الإفاقة.

[121] وهم - كما أشرْنا - ليس لهم انتماء مذهبي، بل لهم اجتهادهم الخاص، ونذكر مِن هؤلاء: عثمان البتي، وابن شبرمة، وأبو بكر الأصم - رحمة الله عليهم.

[122] ويبدو أنَّ القانون المصري لم يأخذْ بهذا الرأي؛ ليكون قانونه في الجملة متلائمًا مع رأي جمهور الفقهاء؛ (أبو زهرة المرجع السابق ص: 142).

[123] أي عند رفْع الدعوى، لا عند إنشاء عقد الزواج، ومع ذلك فإنَّ المرسوم بقانون رقم 44 سنة 1933 نصَّ على عقاب مَن يُدلي بمعلومات كاذبة خاصَّة بالسن في وثيقة الزواج، فتقول المادة الثانية منه: "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين، وبغرامة لا تَزيد على مائة جنيه كلُّ مَن أبدى أمام السلطة المختصة بقصْد بيان بلوغ السِّنِّ المحدَّدة قانونًا لضبط عقد الزواج - أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة، أو حرَّر أو قدَّم أوراقًا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق، ويعاقب بالحبس مدة لا تَزيد على سنتين، أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه كلُّ شخص خوَّله القانون سلطة ضبط عقْد الزواج، وهو يعلم أنَّ أحد طرفيه لم يبلغ السِّنَّ المحدَّدة في القانون".

[124] رواه مسلم وأبو داود، والترمذي وابن ماجه؛ "نيل الأوطار "(6/ 252).

[125] رواه مسلم وأبو داود، والنسائي والترمذي وابن ماجه؛ "نيل الأوطار" (6/ 252).

[126] والحديث بتمامه كما جاء في "نيل الأوطار" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -: ((الثيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبِكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)).

[127] زاد المعاد (4/ 3 - 4).

[128] والآية بتمامها هي قول الله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 232].

[129] القرطبي (ص: 965).

[130] فقد روى أئمَّة الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر، ولا البكر حتى تستأذن)) قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت))؛ رواه الجماعة.

وفي رواية عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((البِكْر تستأذن)) قلت: إنَّ البكر تستأذن وتستحي؟ قال: ((إذنها صماتها))؛ متفق عليه.

وعن ابن عباس: "أنَّ جارية بِكرًا أتتْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكرت أنَّ أباها زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ رواه أحمد وأبو داود، وابن ماجه والدارقطني؛ "نيل الأوطار" (6/ 253).

[131] (3/ 155).

[132] نيل الأوطار (6/ 254).

[133] المرجع السابق، الموضع نفسه.

[134] البِكر والثيِّب في ذلك سواء، اللهم إلا في كيفية التعبير عن الإرادة.

[135] وعن أبي موسى عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا نِكاحَ إلا بوليٍّ))، وعن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أيما امرأةٍ نكحت نفسها بغير إذن وليِّها، فنِكاحها باطل، فنِكاحها باطل، فنكاحها باطل ....)).

ورواه أبو داود الطيالسي بلفظ: ((لا نِكاحَ إلا بوليٍّ، وأيما امرأة نَكَحتْ بغير إذن وليِّها، فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن لم يكن وليٌّ فالسلطان وليُّ مَن لا وليَّ له))؛ "نيل الأوطار" (6/ 249 - 250).

[136] باستثناء خلاف أبي حنيفة.

[137] لعلَّ الشوكاني يقصد بـ"العترة" آل بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

[138] نيل الأوطار (6/ 250 - 251).

[139] لا حرجَ عليها في هذا التصريح قَبولاً أو رفضًا؛ لأنَّها ثيِّب سبق لها الزواج قبل ذلك، فزال حرجُها لهذا السبب.

[140] روى أبو داود بسنده عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيما امرأة نكحتْ بغير وليٍّ، فنِكاحها باطل، ثلاث مرَّات))؛ سنن أبي داود (2/230).

وفي "نيل الأوطار" للشوكاني، عن أبي داود الطيالسي بلفظ: ((لا نِكاح إلا بوليٍّ، و أيما امرأة نكحت بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل، باطل، باطل)) (6/ 250).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (1)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (2)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (4)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (6)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (7)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (8)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (9)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (10)
  • حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي (11)
  • الزوجة والانشغالات الدعوية
  • لا تفش أسرار عائلتك (قصة للأطفال)

مختارات من الشبكة

  • في حقوق الأخوة من النسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: استبيان لمفوضية حقوق الإنسان عن حقوق المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر الموت في حقوق الشخص والتزاماته في الفقه الإسلامي(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: من أعظم حقوق الناس حق الجوار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام وحقوق المعاقين: دراسة فقهية في كيفية حماية حقوق المعاقين في المجتمعات الإسلامية وفق الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • تكفير الحج حقوق الله تعالى وحقوق عباده(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب