• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

القرآن عند الأصوليين: تعريفه وحجيته، عروبته وتواتره، المحكم والمتشابه في القرآن

القرآن عند الأصوليين: تعريفه وحجيته، عروبته وتواتره، المحكم والمتشابه في القرآن
أ. طاهر العتباني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/12/2020 ميلادي - 1/5/1442 هجري

الزيارات: 62599

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القرآن عند الأصوليين

تعريفه وحجيته، عروبته وتواتره، المحكم والمتشابه في القرآن

 

ينبني فهمُ المسلم لدينه على فهمه لكتاب الله تعالى، وينبني استنباط المجتهد لأحكامه على معرفته بجملة من العلوم المتعلقة به؛ منها معرفة محكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، ومجمله ومفصله، وغيرها من علومه التي ينبني عليها فهمه والاستدلال به.

 

وفي هذا البحث نقف على جوانب تتعلق بفهم القرآن عند الأصوليين هي: تعريفه وحجيته، وعروبته وتواتره، ومحكمه ومتشابهه.

 

أولًا: تعريفه وحجيته:

تعريف القرآن:

لا يحتاج القرآن إلى تعريف؛ فهو معروف عند الكافة، ولكن الأصوليين درجوا على تعريف القرآن، فنعرف القرآن في مطلبين:

تعريف القرآن في اللغة:

لفظ القرآن مصدر مرادف للقراءة من (قرأ)، ومنه قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17، 18]، ثم نُقل من هذا المعنى المصدري، وجعل اسمًا لكلام الله تعالى المعجز المنزَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب إطلاق المصدر على مفعوله، ويقال للقرآن فرقان؛ كما قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، وذلك باعتباره كلامًا فرَّق الله به بين الحق والباطل، أو باعتبار أنه نزل مفرَّقًا عن بعضه، أو باعتبار تفريقه إلى سور وآيات.

 

والقرآن اسم كتاب الله خاصة، ولا يسمى به شيءٌ من سائر الكتب، وإنما سُمي قرآنًا؛ لأنه يجمع السور ويضمها، وللقرآن أسماء أخرى منها: الكتاب والذكر والتنزيل.

 

تعريف القرآن في الاصطلاح:

عرف القرآن في اصطلاح العلماء تعريفات كثيرة نذكر بعضًا؛ منها:

1) القرآن الكريم هو: الكلام المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف، المنقول نقلًا متواترًا [1].

 

2) القرآن الكريم هو: الفظ العربي المنزل للتدبر والتذكر المتواتر [2].

 

3) القرآن الكريم هو: الكلام المنزل للإعجاز بسورة منه [3].

 

4) القرآن الكريم هو: المنزل على رسولنا المكتوب في المصاحف المنقول تواترًا بلا شبهة.

 

5) القرآن الكريم هو: الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته.

 

6) القرآن الكريم هو: كلام الله تعالى المعجز المتعبد بتلاوته، المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ العربي، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس.

 

وقد أورد علماء الأصول في كل مؤلفاتهم تعريفات متعددة للقرآن، وناقش بعضهم بعضَ ما أورده من تعريفات، وما يرد عليها من اعتراضات، وما يجاب به على هذه الاعتراضات، ثم رجحوا تعريفًا منها، ونحن نرجح التعريف الأخير؛ حيث اشتمل على خصائص القرآن.

 

بقي أن نقول إن التواتر في القرآن من أهم شروطه وخصائصه، فلا تعد القراءات الشاذة المنقولة آحادًا من القرآن، وهوما سنعرض له في مكانه.

♦    ♦    ♦

 

حجية القرآن:

القرآن الكريم حجة على الناس جميعًا؛ لأنه كتاب الله العزيز الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

 

وحجية القرآن الكريم أمر لا يحتاج إلى استدلال؛ لأنه كلام رب العالمين، وهو معجز للناس جميعًا بفصاحة ألفاظه وبلاغة أسلوبه، وحقائقه الثابتة، وإخباره بالمغيبات، فقد أعجز القرآن العرب أن يأتوا بمثله على ما كانوا عليه من الفصاحة والبلاغة والبيان، فغيرهم ممن لا يعرف لغتهم يكون أعجز من باب أولى، والقرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع في الأحكام المختلفة من أحكام اعتقادية وخلقية وعملية، وأحكامه واجبة الاتباع، ويجب الأخذ بمقتضاها، وعلى المجتهد أن يرجع إلى القرآن في استنباط الأحكام، ولا يجوز العدول عنه إلى ما بعده من الأدلة الأخرى، إلا إذا لم يجد فيه ما يبحث عنه، والحق أن كل المسائل لا بد لها من أصل في الكتاب؛ إما مجملًا غير مبين، أو مطلقًا غير مقيد، أو عامًّا غير مخصَّص، أو مفصلًا أو مقيدًا، أو مخصصًا، فيجب البدء إذًا في بحث المسائل بالقرآن.

 

روى أبو داود أن معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، سأله النبي: "بِمَ تقضي إذا عرض لك قضاء؟"، قال معاذ: أقضي بكتاب الله، قال: "فإن لم تجد؟"، قال: أقضي بسنة رسول الله، قال: "فإن لم تجد؟"، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: "الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي الله ورسوله"[4].

 

فعلم الصحابة أن القرآن هو أول حجة على الناس في تشريع الأحكام، وفي غيرها من أمور الإسلام؛ يقول الإمام الشاطبي: "إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه، وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه; لأنه معلوم من دين الأمة، وإذا كان كذلك، لزِم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة، وطمع في إدراك مقاصدها، واللحاق بأهلها - أن يتَّخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي نظرًا وعملًا، لا اقتصارًا على أحدهما، فيوشك أن يفوز بالبغية، وأن يظفر بالطلبة، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول، فإن كان قادرًا على ذلك، ولا يقدر عليه إلا من زوال ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب، وإلا فكلام الأئمة السابقين، والسلف المتقدمين، آخذ بيده في هذا المقصد الشريف والمرتبة المنيفة" [5].

 

حجية القرآن من القرآن:

ويدل على حجية القرآن القرآنُ نفسه بإعجازه وتحديه للخلق أن يأتوا بمثله، وسيأتي الحديث عن إعجاز القرآن، ونسوق هنا بعضًا من الآيات دليلًا على حجية القرآن:

1- قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، تدل على حجية القرآن، وتيسره للفهم والدرس والحفظ.

 

2- ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 97].

 

3- ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 121].

 

4- ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 146، 147].

 

يتلونه حق تلاوته؛ أي يتبعونه حقَّ اتباعه، وتظهر حجية القرآن في أن من كفر به، فقد خسر دنياه وآخرته.

 

5- ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 2 - 4].

 

6 - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 10]؛ أي: كفروا بما جاء به القرآن من عقائد وشرائع.

 

7- ﴿ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 162].

 

فقد بيَّن الراسخون في العلم كونَ القرآن حجة، فالتزموا منهجه؛ لأن كتبهم دلَّت على وجوب اتباعه.

 

8- ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 48 - 50].

 

بيَّنت الآيات أن القرآن نزل مهيمنًا على الكتب السابقة، وناسخًا لها، وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بما فيه، وهو خطاب لكل الأمة بأن تحكم القرآن في كل أمورها بدلًا من تحكيم المرجعيات الجاهلية التي يمكن أن تظهر في كل عصر.

 

9- ﴿ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 2، 3].

بعد أن ذكر الله عز وجل الكتاب والرسول الذي جاء به وأُنزل عليه، أمَر أمرًا جازمًا لكل البشر باتباع القرآن، وعدم اتباع الأولياء من دونه.

10 - ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

 

أثنى الله عز وجل على أهل العلم من أهل التوراة والإنجيل باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع النور الذي أنزل معه وهو القرآن، فبهذا ظهرت حجية القرآن على كل الطوائف، المشركين الذين لا يعلمون شيئًا من الكتاب الأول، ثم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

 

وإذا مضينا نتتبع آيات القرآن لوجدنا عددًا جمًّا من الآيات يبيِّن حجية القرآن على الخلق أجمعين.

 

حجية القرآن من السنة النبوية:

وفي السنة النبوية كثير من الأحاديث التي تتحدث عن حجية القرآن؛ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبة الله ما استطعتم، إن هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبِعه، لا يعوجُّ فيقوَّم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يَخلَق من كثرة الرد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم: (ألم) حرف، ولكن ألف ولام وميم" [6].

 

فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن، وبيَّن ثوابه الجزيل من أجل أن يصبح المرء الذي يتلوه ويكثر من تلاوته عالِمًا بأحكامه عاملًا بها.

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران" [7].

 

وكان صلى الله عليه وسلم يحمل الناس على القرآن حملًا، ويفاضل بينهم بمنزلتهم من القرآن، ويوصي من عجز عن القراءة أن يستمع ويتفهم؛ حتى لا يُحرم بركة الصلة الروحية بكتاب الله تعالى.

 

"من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى، كُتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة"[8].

 

عن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أبشروا أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا" [9].

 

ومن الآثار الجامعة في حجية القرآن ووجوب التمسك به: قول علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتاب الله فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة رد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي من تركه من جبار قصَمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي من عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم" [10].

 

قال صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك" [11]، من حديث طويل للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم نص في حجية القرآن.

 

وبعد، فهذه الأحاديث وغيرها تدل دلالة واضحة على حجية القرآن الكريم القاطعة التي هي عماد حركة المسلم في حركته في الحياة والفقيه في تناوله للأحكام والقضايا والمجتهد في الاستدلال والاستنباط.

 

من أقوال أهل العلم في حجية القرآن الكريم:

يقول الشافعي رضي الله عنه في الرسالة: "فليست تنزل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على الهدى فيها، ويقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنزل عليه كتابه، فقال: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42]، فنقلهم من الكفر والعمى إلى الضياء والهدى، وبيَّن فيه ما أحل بالتوسعة على خلقه، وما حرَّم لما هو أعلم به من حظهم في الكف عنه في الآخرة والأولى، وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل، وإمساك عن محارم حماهموها، وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته، والنجاة من نقمته ما عظمت به نعمته جل ثناؤه، وأعلمهم ما أوجب لأهل طاعته، ووعظهم بالأخبار عمن كان قبلهم ممن كان أكثر أموالًا وأولادًا، وأطول أعمارًا، وأحمد آثارًا، فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آماله، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم؛ ليعتبروا في أنف الأوان، ويتفهموا بجلية البيان، وينتهوا قبل رين الغفلة، ويعملوا قبل انقطاع المدى، حين لا يعتب مذنب ولا تؤخذ فدية"، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]، فكل ما أنزله الله في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة، علِمه مَن علمه، وجهِله من جهله، لا يعلم من جهله ولا يجهل من علمه، والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به؛ أي: بالقرآن، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصًّا واستنباطًا، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرك خير إلا بعونه، فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصًّا واستدلالًا، ووفَّقه للقول والعمل بما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيب، وتورثُ في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين وضع الإمامة " [12].

 

ولذا فقد أجمع المسلمون على اختلاف نزعاتهم ومذاهبهم وآرائهم على أن القرآن الكريم هو مصدر الشريعة الأول، وما عداه من المصادر، فإنما يستند إليه ويرجع في حجيته إليه.

 

يقول الغزالي: "واعلم أنا حقَّقنا النظر بأن أصل الأحكام واحد، وهو قول الله تعالى؛ إذ قول الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحكم ولا ملزم، وإنما هو مخبر عن الله أنه حكم كذا وكذا" [13].

 

ويقول ابن حزم: "ولَما تبيَّن بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا، والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه، وصح بنقل الكافة الذي لا مجال للشك فيه أن هذا القرآن هو المكتوب في المصاحف، المشهور في الآفاق كلها، وجب الانقياد لما فيه، فكان هو الأصل المرجوع إليه؛ لأننا وجدنا فيه ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، فما في القرآن من أمر أو نهي فواجب الوقوف عنده، ولا خلاف بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة والمعتزلة والخوارج، والمرجئة والزيدية في وجوب الأخذ بما في القرآن، وأنه هو المتلو عندنا نفسه، وإنما خالف في ذلك قوم من غلاة الروافض هم كفار بذلك، مشركون عند جميع أهل الإسلام" [14].

 

ولو مضينا نتتبَّع أقوال العلماء في حجية القرآن لطال بنا الحديث.

 

ومن هنا نخلُص أن المصدر الأول للشريعة هو كتاب الله تعالى، وأن الفقيه الذي يستنبط الأحكام عليه أن يتجه أول ما يتجه إلى بحث المسألة في القرآن الكريم، ثم ما بعده من المصادر.

 

ثانيًا: عروبة القرآن وتواتره:

عروبة القرآن:

أنزل الله جل شأنه القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بلغة العرب التي هي لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن سبحانه وتعالى هذه الحقيقة في كتابه أبلغ البيان في عدد من الآيات منها: قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [طه: 113]، وقوله تعالى: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 28]، وقوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾ [فصلت: 44].

 

ومن سنة الله تعالى في الرسل والأنبياء أنه يرسلهم بلسان أقوامهم، ولقد كان العرب أول من بلغتهم الدعوة إلى الإسلام، فكان البلاغ في القرآن بلسانهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4].

 

ولقد بهرت بلاغة القرآن القلوب والعقول، واستولت على المشاعر، حتى إن العرب مع تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم في سني الدعوة الأولى، لم يستطيعوا أن يفلتوا من أسر بلاغة القرآن، وتفوُّقه على ما عرفوا من درجات الفصاحة والبلاغة والبيان، ولقد كانوا رغم معارضتهم له، يتسللون سرًّا ليسمعوا إليه، لفرط حلاوته وسمو بلاغته، حتى قال بعضهم لبعض: لا تسمعوا لهذا القرآن والْغوا فيه، كما حكى عنهم القرآن في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26].

 

ولقد عجزوا أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله، وقد حكى القرآن ذلك كله بعد أن تحدَّاهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فعجزوا عجزًا بينًا؛ قال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ [الطور: 33، 34]، وكما قال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

 

فتحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود: 13، 14].

 

ثم تحدَّاهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 23، 24].

 

ولقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن لو كان أعجميًّا، لكان للعرب أن يجتمعوا في رده بأنه ليس عربيًّا، فهو خارج عن خطابهم، ولكن الحق شاءت إرادته أن يكون نزوله عربيًّا، وقد كانت اللغة العربية في وقت نزوله في أسمى درجات النضج والاكتمال والصفاء، فلم يَشُبْها ما يشوب اللغات الأخرى بسبب الاختلاط بين الأجناس.

 

ومن هنا وجدنا أئمة العلم من المسلمين يحرصون على بيان منزلة اللغة العربية لغة القرآن في فهمه وتدبُّره؛ يقول الإمام الشافعي: "إنه يجب على غير العرب أن يكونوا تابعين للسان العرب، وهو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجب أن يكونوا تابعين له دينًا، وإن الله تعالى قضى أن ينذروا بلسان العرب خاصة، وعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله، ويتلو به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افتُرض عليه من التكبير، وأُمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك، وكلما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته، وأنزل به آخر كتبه، كان خيرًا له" [15].

 

ويقول الشاطبي في الموافقات: "إن القرآن نزل بلسان العرب، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة، فمن أراد تفهمه من جهة لسان العرب يفهمه، ولا سبيل إلى تفهمه من غير هذه الجهة" [16].

 

ويترتب على كون القرآن عربيًّا أمور؛ منها:

1) أن جميع ألفاظ القرآن هي ألفاظ عربية؛ إما أصالة واستعمالًا، وإما استعمالًا، وأن الألفاظ غير العربية الواردة في القرآن، صارت عربية بالاستعمال العربي لها، ومن هذه الألفاظ كلمات مثل: قسورة – مشكاة – قسطاس – إسرائيل – جبريل – إبراهيم، وهي كلمات قليلة تصل إلى حد الندرة، وقد قال بعض أهل العلم بالعربية: إن هذه الألفاظ عربية وهي مما اشتركت فيه اللغات.

 

2) لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب، كما لا يجوز التكبير في الصلاة بغير لغة العرب، وكذلك قراءة الفاتحة في الصلاة لا يجوز بغير لغة العرب، وغير القادر على العربية يأتَمُّ بمن يحسنها، وإن لم يجد من يأتم به، فقد سقطت عنه قراءتها، وعليه بذكر الله وتسبيحه وتحميده بالعربية، ويعلم من القرآن ما تصح به صلاته.

 

وقد أجمع أئمة المذاهب الأربعة على ذلك، فقد روي أن الإمام أبا حنيفة رجع عن رأيه الذي يرى فيه أنه يجوز قراءة الفاتحة في الصلاة بالفارسية لمن لم يقدر على العربية.

 

تواتر القرآن:

من المعلوم يقينًا في دين الإسلام أن القرآن متواتر لفظًا ومعنًى.

ومعنى التواتر لغة هو التتابع؛ يقال: تواتر المطر: إذا تتابع، وتواترت الكتب: إذا جاءت يتبع بعضها بعضًا.

ومعنى التواتر اصطلاحًا: نقل الخبر عن جماعة نقلًا مفيدًا اليقينَ.

 

ومعنى نقل القرآن بالتواتر: أن يرويه جمع عظيم عن جمع مثله، بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب، حتى يصلوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا جيلًا عن جيل كما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم بلا تحريف ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان.

 

والتواتر ثابت للقرآن الكريم كله كتابة وحفظًا في الصدور في جميع العصور من الوقت الذي نزل فيه به جبريل الأمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا، وإلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى.

 

فقد كُتب القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الصحابة من يحفظ القرآن كاملًا، بل كانوا عددًا كبيرًا يبلغ حد التواتر، ثم جاء من بعدهم جمع من التابعين ممن أخذوا القرآن عن جيل الصحابة، وهكذا جيلًا بعد جيل شفاهةً وكتابة، يؤديه كل جيل إلى الذي يليه بنفس ما تلقاه من الجيل الذي قبله.

 

وقد كُتب القرآن في عهد أبي بكر الصديق، وتمت مراجعته آية آية على الحفاظ من جيل الصحابة، ثم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه جمعه مرة ثانية، وأرسل به إلى الأمصار بعدما خطه في المصاحف، واستبقى لديه مصحفًا سماه المصحف الإمام.

 

ولذا نقل أهل العلم من المسلمين تواتر القرآن في مصنفاتهم، ونصوا على ذلك في كتبهم؛ يقول الغزالي: "حد الكتاب: ما نُقل إلينا بين دفتي المصحف على الأحرف السبعة المشهورة نقلًا متواترًا، ونعني بالكتاب القرآن المنزل، وقيَّدناه بالمصحف; لأن الصحابة بالغوا في الاحتياط في نقله حتى كرهوا التعاشير والنقط، وأمروا بالتجريد؛ لكيلا يختلط بالقرآن غيره، ونقل إلينا متواترًا، فعلم أن المكتوب في المصحف المتفق عليه هو القرآن، وأن ما هو خارج عنه فليس منه؛ إذ يستحيل في العرف والعادة مع توفر الدواعي على حفظه أن يهمل بعضه، فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه"[17].

 

ويقول السيوطي: "لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترًا في أصله وأجزائه، وأمَّا في محلِّه ووضعه وترتيبه، فكذلك عند محقِّقي أهل السنة، للقطع بأنَّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله؛ لأن هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم، مما تتوافر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحادًا ولم يتواتر، يقطع بأنَّه ليس من القرآن قطعًا" [18].

 

ويقول الباقلاني في إعجاز القرآن: "والقرآن الكريم الذي هو متلو محفوظ مرسوم في المصاحف، هو الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الذي تلاه على من في عصره ثلاثًا وعشرين سنة، والطريق إلى معرفة ذلك هو النقل المتواتر الذي يقع عنده العلم الضروري به" [19].

 

ولثبوت القرآن شروط ثلاثة:

1) أن توافق القراءة وجهًا من وجوه اللغة العربية، بحيث لو لم توافق ولو وجهًا واحدًا من وجوه اللغة العربية، لا تُعد قرآنًا.

 

2) أن تكون القراءة موافقة لرسم المصحف العثماني، فلو خالفت رسم المصحف لا تعد قرآنًا.

 

3) أن يكون إسنادها متواترًا، فلا يعتد بالأسانيد الأحادية.

وبهذه الشروط الثلاثة تثبت القرآنية للنص المقروء.

 

وذكر أهل العلم بالقراءات أن القراءات: متواترة وآحاد وشاذة، وجعلوا المتواتر السبع، والآحاد الثلاث المكملة للعشر، ثم ما يكون من قراءات الصحابة، وبَقِيَ ما هو شاذ، وقيل: العشر متواترة.

 

وقبل أن نختم الحديث في هذه الخصيصة من خصائص القرآن نتكلم على حكم القراءة غير المتواترة:

القراءة غير المتواترة هي القراءة التي نقلت نقلًا آحاديًّا، فلا تعد من القرآن، ولا تصح تلاوتها، ولا الصلاة بها؛ لأنها ليست من القرآن.

 

أما من حيث استنباط الأحكام منها، فقد ذهب أهل العلم في ذلك مذهبين:

الأول: يرى أنها ليست من القرآن، فلا يصح الاحتجاج بها على الأحكام الشرعية.

 

والثاني: يرى أنها وإن كانت ليست من القرآن، فإنها قد تعتبر من السنة بحسب صحة السند الآحادي المنقولة به، فهي يمكن أن تكون من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لذا تعتبر في استنباط الأحكام منها.

 

وقد مثَّل فقهاء الحنفية لذلك بكلمة (متتابعات) التي وردت في قراءة ابن مسعود لقوله تعالى: ﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ﴾ [المائدة: 89]، متتابعات، فلذا يرون صيام الأيام الثلاثة المذكورة في الآية متتابعا لما نقل عن ابن مسعود، وهذا المذهب هو الأرجح؛ لأن حرص الصحابي على قراءة الكلمة عند التلاوة وإثباتها في مصحفه، يدل دلالة واضحة على أنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرًا وبيانًا للآية، فحسبها من القرآن، ولذا تُعد سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة حجة في استنباط الأحكام.

 

ثالثًا: المحكم والمتشابه في القرآن:

ذكر الحق في كتابه العزيز أن القرآن كله محكم، فقال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1].

 

وذكر جل وعلا أيضًا في كتابه العزيز أن القرآن كله متشابه، فقال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].

 

وذكر جل ذكره في القرآن أيضًا أن القرآن منه ما هو متشابه، ومنه ما هو محكم، فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

 

وللتوفيق بين الآيات الثلاث نقول:

إن القرآن لا يعارض بعضه بعضًا، ولا يخالف بعضه بعضًا، فإذا كانت الآية الأولى قد ذكرت أن القرآن كله أُحكمت آياته، فيجب الاعتقاد أن القرآن كله محكم بمعنى من المعاني.

 

وإذا كانت الآية الثانية قد ذكرت أن القرآن كله متشابه "كتابًا متشابهًا"، فيجب الاعتقاد أن القرآن كله متشابه بمعنى من المعاني لا يتناقض مع معنى الإحكام المذكور في الآية الأولى.

 

وعلى هذا فالإحكام والتشابه في القرآن له معنى عام لا يخالف فيه الإحكام التشابه.

 

ومن الآية الثالثة التي قسمت آيات القرآن إلى قسمين: محكم ومتشابه، يتضح أن الإحكام والتشابه لكل منهما معنى خاص، كل منهما يخالف الآخر في هذا المعنى الخاص، وبهذا لا تتخالف معاني الآيات الثلاث.

 

ولبيان ما يتعلق بالمحكم والمتشابه نتكلم عن كل من الإحكام العام والتشابه العام، والإحكام الخاص والتشابه الخاص.

 

الإحكام العام والتشابه العام:

الإحكام لغة: المنع يقال: حكمت الدابة: إذا منعتها بالحكمة، وهي خشبة تحيط بالحنك، وهي اللجام؛ لأنها تمنع الدابة من الاضطراب.

 

ومنه الحكم: وهو الفصل بين الشيئين أو بين الخصمين، والحكمة سُميت كذلك؛ لأنها تمنع صاحبها مما لا يليق وإحكام الشيء إتقانه.

 

والمحكم: المتقن، فإحكام الكلام: إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في الأخبار والرشد من الغي في الأوامر.

 

وعلى هذا المعنى العام وصف القرآن كله بأنه محكم كما قدمنا، فالقرآن كله متقن فصيح يميز بين الحق والباطل والصدق والكذب، فمعنى إحكامه كله أنه منظَّم رصين متقن متين، لا يتطرق إليه خلل لفظي ولا معنوي، كأنه بناء محكم يتحدى الزمن، ولا ينتابه تصدُّعٌ ولا وهنٌ.

 

والمتشابه لغة من التشابه، وهو أن يكون أحد الشيئين نظير الآخر، ومن هنا جاء لفظ الشبهة وهي: ألا يتميز أحد الشيئين من الآخر لما بينهما من التشابه، سواء كان هذا التشابه عينًا، أو معنى؛ قال تعالى: ﴿ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ﴾ [البقرة: 25]؛ أي: يشبه بعضه بعضًا في اللون لا في الطعم والحقيقة.

 

والقرآن كله متشابه بمعنى تماثله في الدقة والإجادة، وتناسبه بحيث يصدق بعضه بعضًا، وعلى جاء وصف القرآن كله بأنه متشابه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ [الزمر: 23]، وكل من الإحكام والتشابه بمعناه العام لا ينافي الآخر ولا يناقضه، فالقرآن كله محكم بمعنى الإتقان، وهو متماثل يصدق بعضه بعضًا، فإن الكلام المحكم المتقن تتفق معانيه وإن اختلفت ألفاظه، فإذا أمر القرآن بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، وكذلك الشأن في نواهيه وأخباره، فلا تضاد فيه ولا اختلاف؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

 

الإحكام الخاص والتشابه الخاص:

قد اتَّضح معنى كل من المحكم والمتشابه في معناهما العام الذي ورد به القرآن، وبقي أن نبيِّن معنى المحكم والمتشابه بالمعنى الخاص، وهو المعنى الاصطلاحي عند أهل الأصول.

 

اختلف في تعريف المحكم والمتشابه على أقوال منها:

1) المحكم هو ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه ما اسـتأثر الله بعلمه؛ كقيام الساعة وخروج الدجال، والحروف المقطعة في أوائل السور.

 

2) المحكم: ما وضح معناه، والمتشابه ما خفي معناه.

 

3) المحكم: ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما احتمل أوجهًا.

 

4) المحكم: ما كان معقول المعنى، والمتشابه ما كان غير معقول المعنى؛ كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام برمضان، وغير ذلك.

 

5) المحكم: ما استقل بنفسه، والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه إلا بردِّه إلى غيره.

 

6) المحكم: ما تأويله تنزيله، والمتشابه: ما لا يدرك إلا بالتأويل.

 

7) المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ.

 

وهذه التعريفات للمحكم والمتشابه تبيِّن أن هذا الأمر من الأمور التي كثُرت فيها مناقشات أهل العلم، وإذا أردنا أن نعطي أمثلة توضيحية لكل من المحكم والمتشابه، فهذه الأمثلة التي عرف بها السلف المحكم والمتشابه.

 

عن ابن عباس قال: المحكمات ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده، وفرائضه، وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابهات منسوخه، ومقدمه، ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به [20]، وعن الربيع قال: المحكمات هي أوامره الزاجرة.

 

وقال يحيى: الفرائض والأمر والنهي والحلال.

 

كما يمثلون للمتشابه بالآيات المنسوخة وكيفيات آيات الصفات وأسماء الله تعالى؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وكما في قوله تعالى: ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الفتح: 10]، وكما في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18]، ففي هذه الآيات نُثبت الصفة، وهذا هو وجه إحكامها، ونفوِّض الكيفية، وهذا هو وجه تشابهها، وكذلك من المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور، وكذلك حقائق اليوم الآخر الوارد ذكرها في القرآن، وحقائق الساعة.

 

الاختلاف في العلم بالمتشابه:

قد اختلف في إمكان معرفة المتشابه كما اختلف في معنى كل من المحكم والمتشابه، ومنشأ الاختلاف هو في قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

 

هل "الراسخون في العلم" معطوف على لفظ الجلالة "الله"، و"يقولون "جملة حالية؟ أم أن "الراسخون في العلم" مبتدأ خبره "يقولون"، والواو للاستئناف؟ وعلى القول بالعطف والوصل في الآية طائفة يسيرة من السلف منهم مجاهد وأحد الروايتين عن ابن عباس.

 

عن الضحاك قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله، ولو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه ومنسوخه، ولا حلاله من حرامه، ولا محكمه من متشابهه [21]، واختار هذا القول ابن الحاجب والنووي.

 

وعلى القول الثاني الأكثرون، ومنهم ابن عباس في أصح الروايتين عنه - كما يقول السيوطي - وهو مذهب أهل السنة، ويستدلون بحديث رواه الشيخان عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾  إلى قوله: ﴿ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذَرهم"[22].

 

وقال ابن الحصار: "قسَّم الله آيات القرآن إلى محكم ومتشابه، وأخبر عن المحكمات أنها أم الكتاب؛ لأن إليها تُرَدُّ المتشابهات، وهي التي تعتمد في فَهْم مراد الله من خلقه في كل ما تعبدوهم به من معرفته وتصديق رسله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وبهذا الاعتبار كانت أمهات، ثم أخبر عن الذين في قلوبهم زيغٌ أنهم هم الذين يتبعون ما تشابه منه، ومعنى ذلك أن من لم يكن على يقين من المحكمات، وفي قلبه شك واسترابة، كانت راحته في تتبع المشكلات المتشابهات، ومراد الشارع منها التقدم إلى فَهْم المحكمات وتقديم الأمهات، حتى إذا حصل اليقين ورسخ العلم لم تُبال بما أشكل عليك، ومراد هذا الذي في قلبه زيغ التقدم إلى المشكلات وفَهْم المتشابه قبل فهم الأمهات، وهو عكس المعقول والمعتاد والمشروع"[23].

 

الجمع بين الرأيين:

ونحن نرى أن كلا الرأيين له حظ من النظر السليم، فالوقف عند البعض من أئمة الإقراء على قوله تعالى: "وما يعلم تأويله إلا الله"، وقف جائز وهو يتضمن ترجيح القول الأول، والوقف عن البعض من أئمة القراءات في هذا الموطن وقف لازم، وهو يتضمن ترجيح القول الثاني.

 

قال الراغب في المفردات:

"الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب:

‌أ. محكم على الإطلاق.

‌ب. ومتشابه على الإطلاق.

‌ج. ومحكم من وجه متشابه من وجه.

 

فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب:

أولًا: متشابه من جهة اللفظ فقط.

ثانيًا: متشابه من جهة المعنى فقط.

ثالثًا: متشابه من جهة اللفظ والمعنى.

 

أولًا: المتشابه من جهة اللفظ وينقسم إلى ضربين:

‌أ. ضرب يرجع إلى الألفاظ المفردة، وذلك إما من جهة غرابته؛ نحو كلمات: الأب في قوله تعالى: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ [عبس: 31]، ويزفون في قوله تعالى: ﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴾ [الصافات: 94]، وإما من جهة المشاركة في اللفظ كاليد والعين، فالعين لفظ مشترك يطلق على الباصرة وعلى عين الماء.

 

‌ب. ضرب يرجع إلى جملة الكلام المركب، وذلك ثلاثة أضرب:

1) ضرب لاختصار الكلام؛ نحو: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3].

 

2) ضرب لبسط الكلام؛ نحو: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]؛ لأنه لو قيل: ليس مثله شيء كان أظهر للسامع.

 

3) ضرب لنظم الكلام؛ نحو: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ [الكهف: 1، 2]؛ تقديره: أنزل على عبده الكتاب قيمًا، ولم يجعل له عوجًا.

 

ثانيًا: المتشابه من جهة المعنى:

وهو ما ورد في القرآن من أوصاف الله تعالى، وأوصاف يوم القيامة، فإن تلك الصفات لا تتصور لنا؛ إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه، أو لم يكن من جنس ما نحسه.

 

ثالثًا: المتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعًا: ينقسم إلى خمسة أضرب:

1) من جهة الكمية كالعموم والخصوص؛ نحو: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 5].

 

2) من جهة الكيفية كالوجوب والندب؛ نحو: " ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3].

 

3) من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ؛ نحو: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102]، وقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16] التي نسخت الآية السابقة.

 

4) من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها؛ نحو: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ﴾ [البقرة: 189]، وقوله: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ﴾ [التوبة: 37]، فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذَّر عليه معرفة تفسير هذه الآية، ذلك أنهم كانوا يجعلون المحرم صفرًا.

 

5) من جهة الشروط التي بها يصح الفعل، أو يفسد كشروط الصلاة والنكاح" [24].

 

وجميع المتشابه على ثلاثة أنواع:

1) نوع لا سبيل إلى الوقوف عليه؛ كوقت الساعة وخروج الدابة وغير ذلك.

 

2) نوع للإنسان سبيل للوقوف عليه ومعرفته؛ كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة.

 

3) نوع متردد بين النوعين يعرفه بعض الراسخين في العلم، ويخفى على مَن دونهم، وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "اللهم فقِّهه في الدين وعلِّمه التأويل"[25].

 

إذا عرف هذا تبيَّن أن الوقف على قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 7]، والوصل بما بعدها ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ جائز، وأن لكل منهما وجهًا صحيحًا.

 

على أن هناك توفيقًا آخر بين الرأيين يتضح بالرجوع إلى معنى التـأويل؛ حيث يتبين أنه لا منافاة بين الرأيين، فقد ورد التأويل بمعاني ثلاثة:

الأول: التأويل بمعنى التفسير، تقول: تأويل هذه الآية كذا؛ أي تفسيرها كذا.

 

الثاني: التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، فتأويل ما أخبر الله تعالى به عن صفاته وأسمائه وذاته العلية، وما لها من حقيقة، هو حقيقة الذات والصفات والأسماء، وهو ما لا تدرك كيفيته، وتأويل ما أخبر الحق به جل وعلا عن اليوم الآخر هو ما يكون واقعًا في اليوم الآخر نفسه.

 

الثالث: يأتي الـتأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر إلى معنى آخر بقرينة، فالذين يقولون بالوقف على ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله ﴾، إنما عنوا التأويل بالمعنى الثاني الذي هو حقيقة الشيء التي يؤول إليها الكلام.

 

والذين يصلون الآية يعنون التفسير بالمعنى الأول الذي هو التفسير، وبهذا يتضح أنه لا منافاة بين الرأيين بحمل التأويل على معنيين، أما التـأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر بقرينة، فهو مرتبط بصحة القرينة ودلالتها، وكون المعنى الظاهر مستحيلًا، فيرجَّح المعنى المصروف إليه اللفظ.

 

والله الموفق للصواب..



[1] الشوكاني، محمد بن علي: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، بيروت، دار المعرفة، (د.ن)، ص 26-27.

[2] المرجع السابق، ص 26-27.

[3] المرجع السابق ص:26-27.

[4] أخرجه أبو داود، وقد نازع في صحة هذا الحديث عدد من العلماء؛ كابن حزم الظاهري، وصححه ابن تيمية، وابن القيم، وسر تضعيفه عند من ضعفوه جهالة الرواة، وهم عدد من أصحاب معاذ عن معاذ، وهذا في نظرنا ليس بقادح في السند؛ إذ إن الرواة وإن لم يذكروا بأسمائهم، إلا أنهم جمع من أصحاب معاذ ذكرهم من روى عنهم جملة لشهرتهم.

[5] الشاطبي، إبراهيم بن موسى؛ الموافقات في أصول الشريعة، القاهرة، المكتبة التوفيقية، 2003م، ج3 ص 293.

[6] رواه الحاكم وابن أبي شيبة في المصنف، والحديث رُوي مرفوعًا وموقوفًا، وقد صحح العلماء وقفه على ابن مسعود، واختلفوا في رفعه ما بين مصحح ومضعف، وممن ضعف الرواية المرفوعة الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب.

[7] رواه البخاري.

[8] رواه أحمد وتفرد به.

[9] رواه ابن أبي شيبة.

[10] رواه ابن أبي شيبة.

[11] رواه مسلم.

[12] الشافعي، محمد بن إدريس: الرسالة، بيروت، دار الكتب العلمية، (د.ن) ص: 3-4.

[13] الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد؛ المستصفى في علم الأصول، بيروت، دار الكتب العلمية، (1403هـ - 1983م) ، ج1، ص 9.

[14] ابن حزم، علي بن أحمد: الإحكام في أصول الأحكام، القاهرة، دار الحديث، ( 1426هـ - 2005م)، ج1، ص 95-96.

[15] الشافعي، محمد بن إدريس: الرسالة (مرجع سابق) ص: 48-49.

[16] الشاطبي، إبراهيم بن موسى: الموافقات في أصول الشريعة ( مرجع سابق) ج2، ص 42.

[17] الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد؛ المستصفى في علم الأصول ( مرجع سابق)، ج1، ص 82.

[18] السيوطي، جلال الدين عبدالرحمن: الإتقان في علوم القرآن، القاهرة، المكتبة التوفيقية، ( د.ن) ج1، ص243.

[19] الباقلاني، إعجاز القرآن، القاهرة، دار المعارف، (د.ن) ص: 17.

[20] أخرجه ابن أبي حاتم.

[21] أخرجه ابن أبي حاتم.

[22] رواه الشيخان.

[23] السيوطي، جلال الدين عبدالرحمن: الإتقان في علوم القرآن، ( مرجع سابق)، ج2 ص 244.

[24] المرجع السابق، ج2ص: 244-225.

[25] رواه البخاري.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صلات الأدلة بالدلالة عند الأصوليين وأثرها في بناء التعلمات
  • علاقة مبحث الأدلة بالاجتهاد عند الأصوليين وارتباطها بالتدريس
  • تعريف السنة بين المحدثين والأصوليين والفقهاء
  • مقدمة كتاب: الإفتاء بالخلاف الفقهي بين ضوابط الأصوليين وقراءات المعاصرين
  • دراسة لمنهج الأصوليين من الشافعية في قرونهم الأربعة الأولى
  • حكم وصف الملتزمين بالأصوليين والمتطرفين
  • الوقت وتعلق الأمر به عند الأصوليين وتطبيقاته الفقهية
  • الإجزاء عند الأصوليين مفهومه وأحكامه لمحمود عبد الرحمن عبد المنعم

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الأولى: تعريف القرآن عند أهل السنة والجماعة(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الرابعة: رد دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الثالثة: أصول وقواعد في الدفاع القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • رحلتي مع القران (76) وعاء القرآن(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • رحلتي مع القران (69): (مثل من القرآن)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • شذرات في علوم القرآن (1) جواب القسم في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في القرآن منهج السعادة (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) خطبة عيد الفطر 1443(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب