• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

تلخيص باب المياه من الشرح الممتع

تلخيص باب المياه من كتاب الطهارة من الشرح الممتع
سلطان بن سراي الشمري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/12/2018 ميلادي - 3/4/1440 هجري

الزيارات: 25384

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تلخيص باب المياه

من الشرح الممتع


مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومَنْ والاه، ثم أما بعد:

هذا ملخص (باب المياه) من كتاب الطهارة (الشرح الممتع على زاد المستقنع)؛ للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وقد اقتصرت فيه على القول الراجح، أو ما يُشير إليه الشيخ رحمه الله أنه الراجح، مع ذكر اختيار شيخ الإسلام أو أحد المذاهب الأربعة إذا كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى ترجيحه، ومع ذكر المتن وتوضيح ذلك إذا احتجنا إلى توضيحه، ومع ذكر بعض المسائل والفوائد المكمِّلة للباب، وذِكْر استدراكات الشيخ رحمه الله على المتن إن كان هناك استدراكات، وقد أنقل أحيانًا من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد رحمه الله ترجيحًا أو تقريرًا أو توضيحًا مهمًّا لشرح.

 

وهذا الملخص يستعين به - إن شاء الله - الطالبُ المبتدئ، ولا يستغني عنه الراغب المنتهي.

مع العلم أنه تم - ولله الحمد - تلخيص كتاب الصلاة، والصيام، والحج، وإني عازمٌ إن شاء الله على إتمام ما بدأت به.


نسأل لله الإعانة والتوفيق والسداد، وأن يكفينا شرَّ الصوارف، وأن يُبارك لنا في أوقاتنا، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكتب الأجر لكل من أسهم في إخراج هذا العمل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

ومن كان لديه اقتراحات أو ملاحظات فليُراسلنا على هذا الإيميل:

bensrray@hotmail.com

سلطان بن سراي الشمري

♦  ♦  ♦  ♦

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

قوله:(بسم الله):

قوله: «بسم الله»، الجار والمجرور متعلِّق بمحذوف فعلٍ مؤخَّرٍ مناسبٍ للمقام؛ وإنما قَدَّرناه فعلًا؛ لأن الأصلَ في العمل للأفعال، وقدَّرناه مؤخَّرًا لفائدتين:

الأولى: التبرُّكُ بالبَداءة باسم الله سبحانه وتعالى.

الثانية: إفادةُ الحصر؛ لأن تقديم المتعلِّق يُفيد الحصر.

 

وقدَّرناه مناسبًا؛ لأنه أدلُّ على الْمُراد، فلو قلت مثلًا ـ عندما تريد أن تقرأَ كتابًا ـ: بسم الله أبتدئُ ما يُدْرَى بماذا تبتدئُ؟ لكن: بسم الله أقرأ، يكون أدلَّ على المراد الذي أبتدئ به؛ [ص7].

 

قوله: (الله):

قوله: "الله" هو عَلَمٌ على الباري جلَّ وعلا، وهو الاسم الذي تَتْبَعُه جميعُ الأسماء؛ [ص7].

 

قوله: (الرحمن):

من أسماءِ الله المختصَّةِ به، لا يُطَلقُ على غيره، و"الرَّحْمَن" معناه: المتَّصِف بالرَّحمةِ الواسعةِ؛ [ص7].

 

قوله: (الرَّحيم):

الْمُراد به: ذو الرحمةِ الواصلةِ، وإذا جُمِعَا - الرَّحمن الرَّحيم - صار الـمُراد بالرَّحيم: الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده؛ كما قال تعالى: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21]، فهو ملحوظ فيه الفعل.

 

وابتدأَ المؤلِّفُ كتابَه بالبسملة اقتداءً بكتاب الله عزَّ وجلَّ، فإنه مبدوءٌ بالبسملة، واقـتداءً بالنـبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فإنَّـه كـان يبـدأ كُتُبَه بالبسملة؛ [ص7-8].

 

قوله:(الحمدُ لله):

والحمدُ: وصفُ المحمود بالكمال؛ سواءٌ كان ذلك كمالًا بالعَظَمة؛ أو كمالًا بالإحسان والنِّعمة، واللَّهُ تعالى محمودٌ على أوصافه كلِّها وأفعاله كلِّها.

واللام في قوله: «لله»، قال أهل العلم: إنها للاختصاص والاستحقاق.

فالمستحقُّ للحمد المطلق هو الله، والمختصُّ به هو الله؛ [ص8-9].

 

قوله: (حَمْدًا لا يَنْفَدُ):

والربُّ عزَّ وجل مُستحِقٌّ للحمد الذي لا ينفَد؛ لأن كمالاته لا تنفد، فكذلك الحمد - الذي هو وصفه بالكمالات - لا ينفَد؛ [ص9].

 

قوله: (أفْضَلَ ما يَنْبَغِي أنْ يُحمدَ):

صفةُ لحمْد، فيكون المؤلف رحمهُ الله وصف الحمدَ بوصفين:

الأول: الاستمرارية بقوله: "لا ينفد".

الثاني: كمالُ النوعية بقوله:" أفضل ما ينبغي أن يُحمَد"؛ أي: أفضل حَمْدٍ يستحقُّ أن يُحمدَه؛ [ص9-10].

 

قوله: (وصلَّى الله وسَلَّمَ):

الصلاة: قال أبو العالية: "إنَّ الصَّلاة من الله ثناؤه على الـمُصَلَّى عليه في الملأ الأعلى"؛ أي: عند الملائكة المقرَّبين، وهذا أخصُّ من الرَّحمة المطلقة، وهو الصواب.

 

قوله: «وسلَّم»

والسَّلامُ: هو السَّلامةُ من النقائص والآفات، فإذا ضُمَّ السَّلامُ إلى الصَّلاةِ حَصَلَ به المطلوبُ، وزال به المرهوبُ، فَبالسَّلامِ يزولُ المرهوبُ، وتنتفي النقائصُ، وبالصَّلاة يحصُلُ المطلوبُ وتَثْبُتُ الكمالاتُ؛ [ص:11].

 

قوله: (الْمُصْطَفَيْن محمَّد):

بضمِّ الميم وفتح الفاء، أصله: «المصتفين» بالتَّاء من الصفوة؛ وهي خُلاصة الشَّيء، والمصطفَوْنَ من الرُّسْل: أولو العزم من الرُّسل، وهم مَذْكُورون في القرآن الكريم في موضعين: في سورة الأحزاب: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [الأحزاب: 7]، وفي الشُّورى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ [الشورى: 13].

فهؤلاء الخمسة هم أولو العزم، ومحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أفضلهم.

 

قوله: «محمد»، عطفُ بيان؛ لأن أفضل الْمُصطَفَيْن لا يُعرف مَنْ هو، فإِذا قيل: «محمَّد» صار عطف بيان بَيَّنَ مَنْ هذا الأفضل.

 

وهو: محمد بن عبدالله بن عبدالمطَّلب بن هاشم القُرشي؛ كما قال عن نفسه: ((إن الله اصطفى من بني إسماعيل كِنانة، واصطفى من كِنانة قريشًا، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خِيارٌ من خِيارٍ))؛ [ص:11-12].

 

قوله: (وعلى آله):

إذا ذُكِر «الآل» وحده، فالمرادُ: جميعُ أتباعه على دينه، ويدخلُ بالأولويَّة مَنْ على دينه من قرابته؛ لأنهم آلٌ من وجهين: من جهة الاتِّباع، ومن جهة القَرابة، وأما إِذا ذُكِرَ معه غيرُه، فإِنَّه يكون المرادُ بحسب السِّياق، وهنا ذُكِرَ الآلُ والأصحابُ ومَنْ تعبَّد، فنفسِّرُها بأنهم المؤمنون من قرابته؛ مثل عليِّ بن أبي طالب، وفاطمة، وابن عبَّاس، وحمزة، والعبَّاس، وغيرهم؛ [ص11-12].

 

قوله:(وأصْحَابِهِ):

جمع صَحْب، وصَحْبٌ: اسم جمعِ صاحبٍ، فأصحابه: كُلُّ من اجتمع به مؤمنًا به، ومات على ذلك، ولو لم يَرَهُ، ولو لم تَطُل الصُّحبةُ؛ [ص13].

 

قوله:(وَمَنْ تَعَبَّدَ):

أي: تعبَّد لله؛ وتذلَّل له بالعبادة والطَّاعة.

والعبادة مبنيَّة على أمرين:

1- الحُب.

2- والتَّعظيم.

 

فبالحبِّ يكون طلب الوصول إلى مرضاة المعبود، وبالتَّعظيم يكون الهرب من الوقوع في معصيته؛ لأنك تعظِّمه فتخافه، وتحبُّه فتطلبه.


وأما شرطا قَبولها فهما: الإِخلاصُ لله، والمتابعةُ لرسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وكلمة «من تعبَّد» عامة في كل من تعبَّد لله من هذه الأمَّة، ومن غيرها؛ ولهذا قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قولنا: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين: ((إنكم إذا قلتم ذلك فقد سلَّمتم على كُلِّ عبدٍ صالحٍ في السَّماء والأرض)) حتى الملائكة، وصالحو الجنِّ وأتباع الأنبياء السابقين يدخلون في هذا؛ [ص13].

 

قوله:(أمَّا بَعْدُ):

هذه كلمة يُؤتى بها عند الدُّخول في الموضوع الذي يُقْصَدُ.

وأما قول بعضهم: إنها كلمة يُؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، فهذا غيرُ صحيح، لأنه ينتقلُ العلماءُ دائمًا من أسلوب إلى آخر، ولا يأتون بأمَّا بعدُ؛ [ص14].

 

قوله: (فهذا مخْتَصَرٌ):

قال العلماء: هو ما قلَّ لفظُه، وكثُر معناه؛ [ص:15].

 

قوله: (فِي الفقهِ):

الفقه لغة: الفهم.

وفي الشَّرع: معرفة أحكام الله العَقَديَّة والعَمَليَّة.

ومراد المؤلِّف هنا: الفقه الاصطلاحي؛ وهو: معرفة الأحكام العمليَّة بأدلَّتها التفصيلِيَّة.

 

شرح التَّعريف:

قولنا: «معرفة» ولم نقل: علم؛ لأن الفقه إما علمٌ، وإما ظنٌّ، وليس كلُّ مسائل الفقه علميَّة قطعًا، ففيه كثيرٌ من المسائل الظنِّيَّة، وهذا كثيرٌ في المسائل الاجتهادية التي لا يصلُ فيها الإِنسان إلى درجة اليقين؛ لكن لا يُكلِّفُ اللَّهُ نفسًا إلا وسعَها.
فقولنا: «معرفةُ»؛ لأجل أن يتناول العلم والظنَّ.

 

وقولنا: «العمليَّة»؛ احترازًا من الأحكام العَقَديَّة، فلا تدخل في اسم الفقه في الاصطلاح، وإن كانت تدخل في الشرع.

 

وقولنا: «بأدلتها التفصيليَّة»؛ احترازًا من أصول الفقه؛ لأن البحث في أصول الفقه في أدلة الفقه الإجمالية، وربما تأتي بمسألة تفصيليَّة للتمثيل فقط.

 

وعُلِمَ من قولنا: «بأدلَّتها» أن المقلِّدَ ليس فقيهًا؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط، وقد نقل ابنُ عبدالبَرِّ الإجماعَ على ذلك.

 

وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: ﴿ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 65]، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني.

 

ولكن التَّقليد عند الضَّرورة جائزٌ؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ [ص1516].

 

قوله:(من مُقْنعِ الإِمامِ المُوَفَّق أبي مُحَمَّد):

قوله: «من مُقْنِعِ»، جار ومجرور، صفة لمختصر- مؤلف «زاد المستقنع»-.

و«مُقْنِع» اسم كتاب للموفَّق رحمه الله، «والمقنع»: كتابٌ متوسِّطٌ يذكر فيه مؤلِّفُه القولين، والرِّوايتين، والوجهين، والاحتمالين في المذهب؛ ولكن بدون ذِكْرِ الأدلَّة أو التَّعليل إِلا نادرًا.

 

وله كتاب فوقه اسمه «الكافي» يذكر القولين، أو الرِّوايتين، أو الوجهين في المذهب، أو الاحتمالين؛ ولكنه يذكر الدَّليل والتَّعليل، إِلا أنَّه لا يخرج عن مذهب أحمد، وله كتاب فوق ذلك هو «المغني»، فقه مُقَارَنٌ يذكر القولين، والرِّوايتين عن الإِمام أحمد وغيره من علماء السَّلف والخلف، وله كتاب «العُمدة في الفقه» وهو مختصر على قول واحد؛ لكنه يذكر الأدلة مع الأحكام.

 

وقوله: «الإمام»، هذا من باب التَّساهل بعض الشيءِ؛ لأن الموفَّق ليس كالإِمام أحمد، أو الشَّافعي، أو مالك، أو أبي حنيفة، لكنه إِمام مقيَّد، له مَنْ يَنْصُرُ أقوالَه ويأخذُ بها، فيكون إِمامًا بهذا الاعتبار، أما الإِمامةُ التي مثل إِمامة الإِمام أحمد ومَنْ أشْبَهَهُ، فإِنَّه لم يصلْ إلى دَرجتها.

 

وقد كَثُر في الوقت الأخير إطلاق الإمام عند النَّاس؛ حتى إِنه يكون الملقَّب بها من أدنى أهل العلم، وهذا أمرٌ لو كان لا يتعدَّى اللفظَ لكان هيِّنًا، لكنه يتعدَّى إلى المعنى.

 

وقوله: «الموفَّق أبي محمَّد»، الموفَّق: اسم مفعول، وهو لقب لهذا الرَّجل العالم رحمه الله؛ [ص17-18].

 

قوله: (على قَوْلٍ وَاحِدٍ، وهو الرَّاجِحُ في مَذْهَب أحْمَد):

قوله: «على قولٍ واحد»، بمعنى أنه لا يأتي بأكثرَ من قولٍ لأجل الاختصار؛ وعدم تشتيت ذهن الطَّالب.

قوله: «وهو الرَّاجح»؛ يعني: الرَّاجح من القولين، وقد لا يكون في المسألة إلا قولٌ واحد.

قوله: «في مذهب أحمد» المذهب في اللُّغَةِ: اسم لمكان الذَّهاب، أو زمانه، أو الذَّهاب نفسِه.

 

وفي الاصطلاح: مذهب الشَّخص: ما قاله المجتهدُ بدليلٍ، ومات قائلًا به، فلو تغيَّر قولُه فمذهبه الأخير.

 

واعلمْ أن قول العلماء: مذهب فلان، يُراد به أمران:

الأول: المذهب الشَّخصي.

الثاني: المذهب الاصطلاحي.

 

والغالب عند المتأخِّرين إذا قالوا: هذا مذهب الشَّافعي، أو أحمد، أو ما أشبه ذلك، فالمراد المذهب الاصطلاحي، حتى إِنَّ الإِمام نفسَه قد يقول بخلاف ما يُسمَّى بمذهبه؛ ولكنهم يجعلون مذهبه ما اصطلحوا عليه.

ومُراد المؤلِّف هنا بمذهب أحمد: المذهب الاصطلاحي [ص18-21].

 

قوله: (ورُبَّما حَذَفْتُ مِنْهُ مَسَائِلَ نَادِرَةَ الوقُوعِ، وزِدْتُ مَا على مِثْلِه يُعتَمد):

قوله: «وربما حَذفتُ منه مسائلَ»، منه: الضَّميرُ عائدٌ على «المقنع».

والمسائل: جمع مسألة، والمسألة ما يُستدلُّ له في العلم؛ ولهذا قالوا: العلم دلائل ومسائل، والدلائل سمعية: إِن كانت نصًّا من كتاب أو سُنَّة أو إجماع، أو عقليَّة: إن كانت قياسًا.

قوله: «نادرةَ الوقوعِ»، يعني: قليلة الوقوع.

قوله: «وزدتُ ما على مثله يُعتَمد»، والمعنى: زدت من المسائل أشياء مهمة يُعتمد عليها.

 

إذًا؛ هذا الكتاب اشتمل على ثلاثة أمور:

الأول: الاقتصار على قول واحد.

الثاني: حذف المسائل النادرة.

الثالث: زيادة ما يُعتمد عليه من المسائل؛ [ص21-22].

 

قوله: (إِذ الهِمَمُ قد قَصُرَتْ):

والهمم: جمع همَّة، وهي الإِرادة الجازمة، وقد يُراد بالهمَّة ما دون الإرادة الجازمة، وهي شاملة لهذا وهذا؛ [ص22].

 

قوله: (والأسباب المثبِّطَة عن نيل المُرادِ قد كَثُرَتْ):

الأسباب: جمع سبب، وهو في اللغة: ما يُتَوَصَّلُ به إلى المطلوبِ، وهو المراد هنا.

قوله: «المثبِّطة» بمعنى المفتِّرة للهمم.

قوله: «قد كثُرت»، ولكن مع الاستعانة بالله عزَّ وجل، وبذل المجهود يحصُل المقصود، وليُعلَمْ أنه كلَّما قَويَ الصَّارف، فإِن الطَّالب في جهاد، وأنه كلَّما قوِيَ الصَّارف، ودافعه الإِنسان، فإِنه ينال بذلك أجرين: أجر العمل، وأجر دفع المقاوم؛ [ص:22].

 

قوله: (ومعَ صغَر حجمه حَوَى ما يُغْني عن التَّطوِيلِ):

حوى: جَمَعَ، وهو أجمع من كتاب الشيخ مرعي رحمهُ الله "دليل الطَّالب"، و"دليل الطَّالب" أحسن من هذا ترتيبًا؛ لأنه يذكر الشُّروط، والأركان، والواجبات، والمستحبَّات، على وجه مفصَّل؛ [ص:23].

 

قوله: (ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلَّا بِالله):

لا: نافية للجنس، والحول: التحوُّل وتغيُّر الشيء عن وجهه.

والقوة: صفة يستطيع بها القوي أن يفعل بدون ضعف.

 

قوله: «إلا بالله»:

الباء للاستعانة، فكأن المؤلِّف استعان بالله تعالى أن يُيَسِّرَ له الأمر؛ [ص23-24].

 

قوله: (وهو حَسبُنَا، ونِعْمَ الْوَكِيلُ):

قوله: «وهو حسبنا»، الضَّمير «هو» عائدٌ إلى الله، والحَسْبُ بمعنى الكافي، وكلُّ مَنْ توكَّلَ على الله فهو حَسْبُه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، ومن لا يتوكَّل عليه فليس الله حَسْبَه؛ بل هو موكول إلى مَنْ توكَّل عليه.

 

قوله: «ونِعْمَ الوكيل»، والوكيل: هو الذي فُوِّضَ إليه الأمر، فيكون تفويضنا الأمر إلى الله تفويضَ افتقار وحاجة؛ لأنه هو الذي منه الإعداد والإِمداد، كما أنَّه هو الذي منه الإِيجاد.

 

ونظيرُ هذا في القرآن قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].

 

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «قالها إبراهيمُ عليه الصَّلاة والسَّلام حين أُلقيَ في النَّار»؛ دفعًا للمكروه، وطلبًا للمحبوب وهو النَّجاة؛ [ص24].

 

كِتَابُ الطَّهارة: [باب المياه].

قوله: ( كتاب ):

أي: مكتوب، يعني: هذا مكتوب في الطهارة.

 

الطهارة لغة: النظافة، طهُر الثوب من القذر، يعني: تنظَّف، وفي الشرع: تطلع على معنيين:

الأول: الأول: أصْل، وهو طهارة القلب من الشِّرك في عبادة الله، والغِلِّ والبغضاء لعباد الله المؤمنين، وهي أهمُّ من طهارة البدن، والثاني: فَرْع، وهي الطَّهارة الحسِّيَّةُ؛ [ص25 ].

 

قوله : (وهِيَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ، ومَا في مَعْنَاهُ، وَزَوَالُ الخَبَثِ ):

قوله: «وهي ارتفاعُ الحَدَث»، أي: زواله.

والحدث: وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة.

 

قوله: «وما في معناه»، الضَّمير يعود على «ارتفاع»، لا على الحَدَث؛ أي: وما في معنى ارتفاع الحَدَث، فلا يكون فيها ارتفاع حَدَث، ولكن فيها معناه.

 

فصار معنى ارتفاع الحدث: هو كل طهارة لا يحصُل بها رفع الحَدَث، أو لا تكون عن حَدَث.

 

قوله: «وزوال الخَبَث»، لم يقل: وإزالة الخَبَث، فزوال الخَبَث طهارة، سواء زال بنفسه، أو زالَ بمزيل آخر، فيُسمَّى ذلك طهارة.

 

فيكون قوله: «وزوال الخَبَث» أعَمَّ من إِزالة الخَبَث؛ لأن الخَبَث قد يزول بنفسه.

 

والخَبَثُ: هو النَّجاسة.

والنَّجاسة: كلُّ عَينٍ يَحْرُم تناولُها لا لحُرمتها ولا لاستقذارها، ولا لضررٍ ببدَنٍ أو عقلٍ، وإنْ شئت فقل: كلُّ عينٍ يجب التطهُّرُ منها، هكذا حدُّوها.

 

وبدأ المؤلِّفُ بالطَّهارة لسببين:

الأول: أنَّ الطَّهارة تخليةٌ من الأذى.

الثاني: أنَّ الطَّهارة مفتاح الصَّلاة، والصَّلاة آكدُ أركان الإسلام بعد الشَّهادتين، ولذلك بدأ الفقهاء رحمهم الله بكتاب الطَّهارة، والطَّهارة تحتاج إِلى شيء يُتطهَّرُ به، يُزَال به النَّجسُ، ويُرفعُ به الحدثُ وهو الماء؛ ولذلك بدأ المؤلفُ به؛ [ص:25_27].

 

قوله: ( المياهُ ثلاثةٌ: طهورٌ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ، ولا يُزِيلُ النَّجَسَ الطَّارِئَ غَيْرُهُ ):

قوله: «المياهُ ثلاثةٌ: طَهُورٌ»، المياه: جمع ماء، والمياه ثلاثة أقسام:

الأول: الطهور بالفتح: اسم ما يتطهر به والسحور بالفتح اسم للطعام الذي يتسحر به، وأما طهور، وسحور بالضم، فهو الفعل.

والطهور: الماء الباقي على خلقته حقيقةً؛ بحيث لم يتغير شيء من أوصافه، أو حكمًا؛ بحيث تغير بما لا يسلبه الطهورية.

قوله: «لا يرفع الحدث»؛ أي: لا يرفع الحدث إلا الماء الطهور.

 

والتُّراب في التيمُّم على المذهب لا يرفع الحَدَث، والصَّواب أنَّه يرفع الحَدَث؛ لقوله تعالى عَقِبَ التيمُّم: ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾ [المائدة: 6]، ومعنى التَّطهير أن الحَدَث ارتفع، وقوله صلى الله عليه وسلم: «جُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطَهُورًا» بالفتح، فيكون التُّراب مطهِّرًا.

 

قوله: «ولا يزيل النَّجس الطارئَ غيرُه»؛ أي: لا يزيل النجس إلا الماء.

والصواب: أنه إذا زالت النجاسة بأي مزيل كان طهر محلها؛ لأن النجاسة عين خبيثة، فإذا زالت زال حكمُها، فليست وصفًا كالحدث، لا يزال إلا بما جاء به الشرع.

 

وقوله: «النَّجس الطَّارئ»، أي: الذي وَرَدَ على محَلٍّ طاهر.

 

أما النجاسة العينية، فهذه لا تطهر أبدًا، لا يطهِّرها لا ماء ولا غيره؛ كالكلب فلو غسل سبع مرات إحداهن بالتراب، فإنه لا يطهر؛ لأن عينه نجسة، وذهب بعض العلماء إلى أن النجاسة إذا استحالت طهرت؛ [ص:28-31].

 

قوله: ( وَهُوَ الْبَاقِي على خِلْقَتِهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بغير مُمَازجٍ كَقِطَع كَافُور ):

قوله: «وهو الباقي على خلقته»، هذا تعريفُ الماء الطَّهور.

 

قوله: «فإن تغيَّر بغير ممازجٍ كقطع كافور»، إن تغيَّر الماءُ بشيء لا يُمازجه كقطع الكافور؛ وهو نوع من الطِّيب يكون قِطعًا، ودقيقًا ناعمًا غير قطع، فهذه القطع إذا وُضِعَت في الماء فإنَّها تُغيِّر طعمه ورائحته، ولكنها لا تمازجُه؛ أي: لا تُخالطه؛ أي: لا تذوب فيه، فإذا تغيَّر بهذا فإنه طَهُور مكروه.

 

فإن قيل: كيف يكون طهورًا وقد تغيَّر؟

فالجواب: إن هذا التغيُّر ليس عن ممازجة، ولكن عن مجاورة، فالماء هنا لم يتغير لأن هذه القطع مازجته، ولكن لأنها جاورته.

 

فإن قيل: لماذا يكون مكروهًا؟

فالجواب: لأن بعض العلماء يقول: إنه طاهر غير مطهِّر، فيرون أن هذا التغيُّر يسلبه الطهوريَّةَ فصار التَّعليل بالخلاف، فمن أجل هذا الخلاف كُرِهَ.

 

والصَّواب: أن التَّعليل بالخلاف لا يصحُّ؛ لأنَّنا لو قُلنا به، لكرِهنا مسائل كثيرة في أبواب العلم، لكثرة الخلاف في المسائل العلمية، وهذا لا يستقيم.

 

فالتعليل بالخلاف ليس علَّة شرعية، ولا يُقبل التَّعليل بقولك: خروجًا من الخلاف؛ لأنَّ التَّعليل بالخروج من الخلاف هو التَّعليل بالخلاف، بل نقول: إن كان لهذا الخلاف حظٌّ من النَّظر، والأدلَّة تحتمله، فنكرهه؛ لا لأنَّ فيه خلافًا، ولكن لأنَّ الأدلَّة تحتمله، فيكون من باب «دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَريبُك»؛ أما إذا كان الخلاف لا حَظَّ له من النَّظر، فلا يُمكن أن نعلِّلَ به المسائل؛ ونأخذ منه حكمًا؛ [ ص30-32 ].

 

قوله: ( أو دُهْنٍ، أو بملْحٍ مَائِيٍّ، أوْ سُخِّن بنَجَسٍ كُره ):

قوله: «أو دُهْنٍ»، معطوف على «غير ممازج»، أو على «قطع كافور»، فتغيُّره به تغيُّر مجاورة لا ممازجة، فإنه لا يسلبه الطَّهوريةَ، بل يبقى طَهورًا.

 

قوله: «أو بملح مائي»، وهو الذي يتكوَّن من الماء، فهذا الملح لو وضعتَ كِسْرةً منه في ماء، فإِنه يُصبح مالحًا، ويبقى طَهورًا مع الكراهة خروجًا من الخلاف.

 

فإن قيل: لماذا لا تنسلب طَهوريته؟

فالجواب أن يقال: لأن هذا الملح أصله الماء.

والتَّعليل بالخلاف للكراهة قد تقدَّم الكلام عليه.

 

وعُلِم من قوله: «مائي» أنَّه لو تغيَّر بملح معدني يُستخرَجُ من الأرض، فإنه يسلبه الطَهوريَّةَ على المذهب، فيكون طاهرًا غير مطهِّر.

 

قوله: «أو سُخِّن بنَجَسٍ كُرِه»؛ أي: إِذا سُخِّن الماءُ بنجَسٍ تَغيَّر أو لم يتغيَّر فإِنه يُكره.

 

مثاله: لو جمع رجلٌ روث حمير، وسخَّن به الماء فإِنهيُكره، فإِن كان مكشوفًا فإِنَّ وجه الكراهة فيه ظاهر؛ لأن الدُّخان يدخله ويؤثِّر فيه.

 

وإِن كان مغطًّى، ومحكم الغطاء كُره أيضًا؛ لأنَّه لا يَسْلَمُ غالبًا من صعود أجزاء إِليه، والصَّواب: أنَّه إِذا كان محكم الغطاءِ لا يكره؛ [ص33-34].

 

قوله: ( وإن تغيِّرَ بمكثه، أو بما يَشقُّ صون الماء عنهُ من نابتٍ فيه وورَقِ شَجَرٍ ):

قوله: «وإن تغيَّرَ بمكثه»؛ أي: بطول إقامته، فلا يضر؛ لأنه لم يتغير بشيء حادث فيه، بل تغير بنفسه، فلا يكره.

 

قوله: «أو بما يَشقُّ صون الماء عنه من نابتٍ فيه وورَقِ شَجَرٍ»؛ مثل: غدير نَبَتَ فيه عُشبٌ، أو طُحلب أو تساقط فيه ورقُ شجر، فتغيَّر بها، فإنَّه طَهُورٌ غير مكروه، ولو تغيَّر لونهُ وطعمه وريحُه، والعِلَّة في ذلك أنه يشقُّ التحرُّز منه.

 

وإن تغيَّر بطينٍ كما لو مشى رجل في الغدير برجليه، وأخذ يحرك رجليه بشدة حتى صار الماء متغيِّرًا جدًّا بطين؛ فإِنَّ الماء طَهُورٌ غير مكروه؛ لأنه تغير بمُكْثِه؛ [ص:34-35].

 

قوله: ( أو بمُجَاوَرَةِ مَيْتةٍ، أو سُخِّنَ بالشَّمس، أو بطَاهر؛ لم يُكْرَه، وإِن استُعْمِلَ ):

قوله: «أو بمجَاورة مَيْتَةٍ»، يقول المؤلِّفُ: إِنه طَهُور غير مكروه؛ لأن التغيُّر عن مجاورة، لا عن ممازجة، والأَوْلَى التنزُّه عنه إن أمكن، فإِذا وُجِدَ ماء لم يتغيَّر فهو أفضل، وأبعد من أن يتلوَّث بماء رائحته خبيثة نجسة، وربما يكون فيه من النَّاحية الطبيَّة ضرر، فقد تحمل هذه الروائح مكروبات تَحُلُّ في هذا الماء.

 

قوله: «أو سُخِّن بالشَّمس»، أي وُضِعَ في الشَّمس ليسخنَ، واغتسل به، فلا حرج، ولا كراهة.

قوله: «أو بطاهر»، يعني: أو سُخِّن بطاهر؛ مثل: الحطب، أو الغاز، أو الكهرباء، فإنه لا يُكره.

قوله: «وإن استُعْمِلَ» الضَّمير يعود على الماء الطَّهور.

 

والاستعمال: أن يُمَرَّ الماء على العضو، ويتساقط منه، وليس الماء المستعمل هو الذي يُغْتَرفُ منه، بل هو الذي يتساقط بعد الغَسْل به، [ص:35-36].


قوله: ( في طهارة مستحبَّة كتجديد وضوء، وغُسْل جُمُعَة، وغَسْلة ثانية، وثالثة كُرِهَ ):

والصواب في هذه المسائل كلِّها: أنه لا يُكره؛ لأن الكراهة حكمٌ شرعيٌّ يفتقر إلى دليلٍ، وكيف نقول لعباد الله: إنه يكره لكم أن تستعملوا هذا الماء، وليس عندنا دليل من الشَّرع.

 

يجب أن نعرف أن منع العباد مما لم يدلَّ الشرعُ على منعه، كالتَّرخيص لهم فيما دَلَّ الشَّرع على منعه؛ [ص:36-37].

 

قوله: (وإن بلغ قُلَّتين - وهو الكثيرُ - وهما خَمسمائة رَطْلٍ عراقيٍّ تقريبًا):

قوله: «وإن بلغ قُلتين»، القُلَّتان: تثنية قُلَّة، والقلة مشهورة عند العرب، قيل: إنها تَسَعُ قربتين ونصفًا تقريبًا.

 

قوله: «وهو الكثير» من الماء في عرف الفقهاء رحمهم الله ما بلغ القُلَّتين، واليسير: ما دون القُلَّتين.

 

قوله: «وهما خمسمائة رَطْلٍ عراقيٍّ تقريبًا»، مائة الرَّطل العراقي يزن قرابة ماء تقريبًا، وعلى هذا تكون خمس قِرَب تقريبًا.

فائدة: القلتان بالكيلو = 191.25؛ [ص: 37-38].

 

قوله: ( فَخالَطَتْهُ نجاسةٌ غَيرُ بولِ آدميٍّ، أو عَذِرته المائعةِ، فلم تغيِّرهُ ):

قوله: «فخالطته نجاسة»؛ أي: امتزجت به، وتقَّدم تعريف النَّجاسة.

 

قوله: «غَيرُ بولِ آدميٍّ، أو عَذِرته المائعةِ، فلم تغيِّرهُ»: المراد لم تغيِّرْ طعمه، أو لونه، أو رائحته، وهذه المسألة - أعني مسألة ما إذا خالطت الماءَ نجاسةٌ - فيها أقوال:

أحدها: وهو اختيار شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم -: أنه لا ينجس إِلا بالتَّغيُّر مطلقًا؛ سواء بلغ القُلَّتين أم لم يبلغ، لكن ما دون القلتين يجب على الإنسان أن يتحرَّز إذا وقعت فيه النَّجَاسة؛ لأنَّ الغالبَ أنَّ ما دونهما يتغيَّر، وهذا هو الصحيح للأدلة الأثريَّة والنَّظرية.


فالأثر قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الماء طَهُور لا ينجِّسُهُ شيءٌ»، ولكن يُستثنى من ذلك ما تغيَّر بالنَّجَاسة، فإِنه نجسٌ بالإِجماع، وهناك إشارة من القرآن تدُلُّ على ذلك؛ قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [المائدة: 3]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145]، فقوله: «فإنه رجس» معلِّلًا للحكم، دليلٌ على أنه متى وُجِدَت الرِّجْسيةُ ثبت الحكم، ومتى انتفت انتفى الحكم، فإِذا كان هذا في المأكول، فكذلك في الماء.

 

ومن حيث النَّظَرُ، فإنَّ الشَّرع حكيم يُعلِّل الأحكام بعللٍ منها ما هو معلوم لنا؛ ومنها ما هو مجهول، وعِلَّةُ النَّجاسة الخَبَثُ، فمتى وُجِد الخَبَثُ في شيء فهو نَجِس، ومتى لم يوجد فهو ليس بنجس، فالحكم يدور مع عِلَّته وجودًا وعدمًا؛ [ص:38-41].

 

قوله: ( أو خَالَطَهُ البَولُ، أو العَذِرَةُ، ويَشُقُّ نَزْحُه كمصانِع طريق مكَّة فَطَهُورٌ ):

مصانعُ جمعُ مصنع؛ وهي عبارةٌ عن مجابي المياه في طريق مكَّة من العرق، وكان هناك مجابٍ في أفواه الشِّعاب، وهذه المجابي يكون فيها مياهٌ كثيرة، فإِذا سقط فيها بول آدمي أو عَذِرَتُه المائعةُ ولم تغيَّره فطَهُورٌ؛ حتى على كلام المؤلِّف؛ لأنه يَشُقُّ نزحُه.

وقوله: «كمصانع» هذا للتَّمثيل؛ يعني: وكذلك ما يشبهها من الغُدران الكبيرة؛ [ص:43].

 

قوله: ( ولا يرفع حَدَثَ رَجُلٍ طَهُورٌ يَسيرٌ خَلَتْ به امرأةٌ لطَهَارةٍ كَامِلةٍ عن حَدَثٍ ):

«حَدَثَ» هذا قيد، «رجل» قيد آخر، «طَهُور يسيرٌ» قيد ثالث، «خلت به» قيد رابع، «امرأة» قيد خامس، «لطهارة كاملة» قيد سادس، «عن حدَثَ» قيد سابع.

 

إِذا تمَّت هذه القيودُ السَّبعَةُ ثَبَتَ الحكم، فإِذا تطهَّرَ به الرَّجُلُ عن حَدَثٍ لم يرتفع حدثُه، والماء طَهُور، هذا حكم المسألة على المذهب.

 

والصواب أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة، فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ [ ص43-46].

 

قوله: ( وإِن تغيَّر لونه، أو طعمه، أو ريحُه ):

هذا القسم الثاني من أقسام المياه على المذهب، وهو الطَّاهر؛ أي: تغيَّر تغيرًا كاملًا؛ بحيث لا يُذاقُ معه طعمُ الماء، أو تغيَّر أكثر أوصافه، وهي هذه الثَّلاثة: الطعم، والرِّيح، واللون؛ [ص46-47].

 

قوله: ( بطَبْخٍ، أو سَاقِطٍ فِيه):

قوله: «بطبخ»؛ أي: طُبخ فيه شيء طاهر كاللحم، فتغيَّر طعمه، أو لونه، أو ريحه تغيُّرًا كثيرًا بيِّنًا، فإِنَّه يكون طاهرًا غير مطهِّر.

 

قوله: «أو ساقط فيه»؛ أي: سقط فيه شيء طاهر، فغيَّر أوصافه أو أكثرها، فإِنه يكون طاهرًا غير مطهِّر.

 

ويُستثنى من هذه المسألة ما يَشُقُّ صَوْنُ الماء عنه، وما لا يمازجه، كما لو وضعنا قطع كافور فيه وتغيَّر فإِنه طَهُور، وكذا لو كان حول الماء أشجارٌ، فتساقطت أوراقها فيه فتغيَّر فطهور.

 

والتَّعليل لكون هذا طاهرًا غير مطهِّر: أنَّه ليس بماء مطلق، وإِنما يُقال ماءُ كذا فيُضاف، كما يُقال: ماءُ ورد.

 

ولكن يُقال: إِن هذا لا يكفي في نقله من الطَّهورية إلى الطَّهارة، إِلا إِذا انتقل اسمه انتقالًا كاملًا، فيُقال مثلًا: هذا مَرَقٌ، وهذه قهوة، فحينئذٍ لا يُسمَّى ماءً، وإِنَّما يُسمَّى شرابًا؛ يُضاف إِلى ما تغيَّر به، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

 

ومما يدلُّ على ضَعف ما قاله المؤلِّف: أنهم يقولون: إِن ورق الشجر إذا كان يشقُّ صونُ الماء عنه؛ فوقع فيه وتغيَّر به الماء فهو طَهُور، ولو وضعه إِنسان قصدًا، فإِنه يصير طاهرًا غير مطهِّر.


ومعلوم أن ما انتقل حكمه بتغيُّره، فإِنه لا فرق بين ما يشُقُّ صون الماء عنه وما لا يشقُّ، ولا بين ما وُضِعَ قصدًا أو بغير قصد؛ [ص47-48].

 

قوله: ( أو رُفِع بقليله حدثٌ ):

أي: بقليل الماء "وهو ما دون القُلَّتين" حَدَثٌ، وهو أنَّ هذا الماء استُعمل في طهارة فلا يُستعمل فيها مرَّة أخرى.

 

والصواب: أن ما رُفع بقليله حدثٌ طَهورٌ؛ لأن الأصل بقاء الطَّهورية، ولا يمكن العُدُول عن هذا الأصل إلا بدليل شرعي يكون وجهيًا؛ [ص:48-49].

 

قوله: ( أو غُمِسَ فيه يَدُ قائمٍ مِنْ نَوْمِ ليلٍ ناقضٍ لوضُوءٍ ):

الضَّمير في قوله: «فيه» يعود إلى الماء القليل، واليد إِذا أُطلقت، فالمراد بها إلى الرُّسغ مفصِل الكفِّ من الذِّراع، فلا يدخل فيها الذِّراع.

 

مثاله: رجل قام من النَّوم في الليل، وعنده قِدْرٌ فيه ماء قليل، فغمس يده إِلى حَدِّ الذِّراع، فيكون طاهرًا غير مطهِّر بدليل صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدُكم من نومه، فلا يَغمِسْ يدَهُ في الإِناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإِنه لا يدري أين باتت يدُه».

 

ففيه النهي عن غمس اليد في الإِناء، وعلى تقرير كلامهم رحمهم الله، أنه ولو غمس المكلَّف يده بالشروط التي ذكر المؤلِّفُ، كان طاهرًا غير مطهِّر.

 

ولكن إِذا تأمَّلتَ المسألةَ وجدتها ضعيفة جدًّا؛ لأنَّ الحديث لا يدلُّ عليه، بل فيه النهي عن غمس اليد، ولم يتعرَّض النبيُّ صلى الله عليه وسلم للماء.

 

وفي قوله: «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه»، دليل على أنَّ الماء لا يتغيَّر الحكم فيه؛ لأن هذا التَّعليلَ يدلُّ على أن المسألةَ من باب الاحتياط، وليست من باب اليقين الذي يُرفَعُ به الشكُّ.

 

وخلاصة كلامهم: أنه إِذا تمت الشُّروط - وهي الإِسلام، والتكليف، وأن يكون من نوم ليل، وغمس يده في الماء قبل غسلها ثلاثًا - فإِنه يكون طاهرًا لا طَهُورًا.

 

والصواب: أنه طَهُور، لكن يأثم من أجل مخالفته النهي؛ حيث غمسها قبل غسلها ثلاثًا؛ [ص49-51].

فائدة: الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وليس هذا حكمًا تكليفيًّا، بل وضعيًّا؛ [ص50].

 

قوله: ( أوْ كان آخر غَسْلةٍ زالت بها النجاسة فَطَاهرٌ ):

الضَّمير يعود إلى الماء القليل، وهو المنفصل في الغسلة السَّابعة، فيكون طاهرًا غير مطهِّر.

وقوله: «فطاهر»، هذا جواب قوله: «وإِن تغيَّر طعمه»... إلخ.

 

والصَّحيح أن الماء قسمان فقط: طَهُور ونجس، فما تغيَّر بنجاسة فهو نجس، وما لم يتغيَّر بنجاسة فهو طَهُور، وأن الطَّاهر قسم لا وجود له في الشَّريعة، وهذا اختيار شيخ الإِسلام، والدَّليل على هذا عدم الدَّليل؛ [ص53-54].

 

قوله: (والنَّجسُ ما تغيَّرَ بنجاسةٍ، أوْ لاَقَاهَا، وهو يسيرٌ، أوِ انفَصَلَ عَنْ محلِّ نَجَاسَةٍ قَبْلَ زوالها):

قوله: «والنَّجس ما تغيَّر بنجاسة»؛ أي: تغيَّر طعمه أو لونه، أو ريحه بالنَّجاسة، ويُستثنى من المتغيِّر بالرِّيح ما إِذا تغيَّر بمجاورة ميتة، وهذا الحكم مُجمَعٌ عليه.

 

قوله: «أو لاقاها وهو يسير»؛ أي: لاقى النَّجاسة وهو دون القُلَّتين، والدَّليل مفهوم قوله صلى الله عليه وسلّم: «إِذا بلغ الماء قُلَّتين لم ينجِّسْه شيء».

 

ومفهوم قوله: «وهو يسير» أنه إِن لاقاها وهو كثير فإِنَّه لا ينجس، لكن يُستثنى من هذا بول الآدمي وعَذِرَتُه كما سبق.

 

والصَّحيح: أنَّ هذا ليس من قسم النَّجس إِلا أن يتغيَّر.

ويُستثنى من ذلك على المذهب ما إِذا لاقاها في محلِّ التطهير، فإِنه لا ينجس.

قوله: «أو انفصل عن محلِّ نجاسة قبل زوالها»؛ أي: قبل زوال حكمها؛ [ص54-55].

 

قوله: (فإِن أُضيف إِلى الماء النَّجِسِ طَهُورٌ كثيرٌ غيرُ ترابٍ، ونحوِه، أو زال تغيُّر النَّجس الكثير بنفسه، أو نُزِحَ منه فبقِيَ بعده كثيرٌ غَيْرُ مُتغيرٍ طَهُرَ):

وقوله: «فإِن أُضيف إِلى الماء النَّجِسِ طَهُورٌ كثيرٌ غيرُ ترابٍ، ونحوِه» في هذا الكلام بيان طُرق تطهير الماء النَّجس، وقد ذكر ثلاث طُرقٍ في تطهير الماء النَّجس:

إحداها: أن يضيف إليه طَهورًا كثيرًا غير تراب ونحوه، واشترط المؤلَّفُ أن يكون المضافُ كثيرًا؛ لأنَّنا لو أضفنا قليلًا تنجَّس بملاقاة الماء النَّجس.

 

وقول: «أو زال تغيُّر النَّجس الكثير بنفسه» الكثير: هو ما بلغ قُلَّتين، وهذه هي طريقة الثَّانية لتطهير الماء النَّجس، وهي أن يزول تغيُّره بنفسه إِذا كان كثيرًا.

 

وقوله: «أو نُزِحَ منه فبقِيَ بعده كثيرٌ غَيْرُ مُتغيرٍ طَهُرَ» هي الطريقة الثَّالثة لتطهير الماء النَّجس، وهي أن يُنزح منه حتى يبقى بعد النزح طهور كثير.

 

والخلاصة: أن ما زاد على القُلَّتين يمكن تطهيره بثلاث طُرق:

1- الإضافة.

2- زوال تغيره بنفسه.

3- أن ينزح منه؛ فيبقى بعده كثير غير متغيِّر.

والقول الصحيح: أنه متى زال تغيُّر الماء النَّجس، طهر بأي وسيلة كانت.

 

وقوله: «غير تراب ونحوه»: استثنى المؤلَّفُ هذه من مسألة الإضافة، فلو أضفنا ترابًا، ومع الاختلاط بالتُّراب وترسُّبه زالت النَّجاسة، فلا يَطْهُر مع أنَّه أحد الطَّهورين، قالوا: لأن التطهر بالتُّراب ليس حسِّيًّا، بل معنويًّا، فالإنسان عند التيمُّم لا يتطهَّر طهارة حسِّيَّة، بل معنويَّة.

 

وقوله: «ونحوه» كالصابون وما أشبه؛ لأنه لا يُطهر إِلا الماء، وما مشى عليه المؤلِّف هو المذهب.

والصحيح: أنه إِذا زال تغيُّر الماء النَّجس بأي طريق كان، فإنه يكون طَهُورًا.

 

واعلم أن هذا الحكم - على المذهب - بالنِّسبة للماء فقط، دون سائر المائعات، فسائر المائعات تَنْجُس بمجرد الملاقاة، ولو كانت مِائة قُلَّة.

والصَّواب: أَن غير الماء كالماء لا يَنْجُس إٍلا بالتغيُّر؛ [ص55-58].

 

قوله: ( وإِن شكَّ في نجاسة ماء، أو غيرِه، أو طَهارته بَنَى على اليقين ):

أي: في نجاسته إذا كان أصله طاهرًا، وفي طهارته إذا كان أصله نجسًا.

 

مثال الشَكِّ في النَّجاسة: لو كان عندك ماء طاهر لا تعلم أنه تنجس، ثم وجدت فيه روثة لا تدري أروثة بعير، أم روثة حمار، والماء متغيِّر من هذه الرَّوثة، فحصل الشكٌّ هل هو نجس أم طاهر؟

 

فيقال: ابْنِ على اليقين، واليقين أنه طَهُور فتطهَّر به ولا حرج، وكذا إذا حصل شك في نجاسة غير الماء.

مثاله: رجل عنده ثوب فشكَّ في نجاسته، فالأصل الطَّهارة حتى يعلم النجاسة، وكذا لو كان عنده جلد شاة، وشكَّ هل هو جلدُ مُذَكَّاة، أم جلد ميتة، فالغالب أنه جلد مذكاة، فيكون طاهرًا، إذًا الأصل بقاء الشيء على ما كان حتى يتبين التغير.

قوله: «بَنَى على اليَقِينِ »، اليقين: هو ما لا شَك فيه؛ [ص58-60].

 

وقوله: ( وإِن اشتبه طَهور بنجس حرم استعْمَالُهُمَا، ولم يتحرَّ ):

يعني: إِن اشتبه ماء طهور بماء نجس حرم استعْمَالُهُمَا؛ لأن اجتناب النَّجس واجب، ولا يتمُّ إِلا باجتنابهما، وما لا يتمُّ الواجب إِلا به فهو واجب، وهذا دليل نظري.

 

قوله: «ولم يتحرَّ»؛ أي: لا ينظر أيُّهما الطَّهور من النَّجس، وعلى هذا فيتجنَّبُهُما حتى ولو مع وجود قرائن، هذا المشهور من المذهب.

 

والصواب: أنه يتحرى، وهو القول الثَّاني في المذهب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في مسألة الشكِّ في الصَّلاة: «وإذا شَكَّ أحدُكُم في صلاته، فليتحرَّ الصَّوابَ، ثم ليَبْنِ عليه»، فهذا دليل أثريٌّ في ثبوت التَّحرِّي في المشتبهات.

 

والدَّليل النَّظري أنَّ من القواعد المقرَّرة عند أهل العلم أنَّه إذا تعذَّر اليقين، رُجع إِلى غلبة الظنِّ، وهنا تعذَّر اليقينُ، فنرجع إِلى غلبة الظنِّ وهو التحرِّي، هذا إن كان هناك قرائن تدلُّ على أن هذا هو الطَّهور، وهذا هو النَّجس؛ لأن المحلَّ حينئذ قابل للتحرِّي بسبب القرائن، وأما إذا لم يكن هناك قرائن؛ مثل: أن يكون الإِناءان سواءً في النَّوع واللون، فهل يمكن التَّحرِّي؟

قال بعض العلماء: إِذا اطمأنتْ نفسُه إِلى أحدهما أخذ به؛ [ص61-62].

 

قوله: ( ولا يُشْتَرطُ للتيمم إراقتُهمَا، ولا خَلْطُهُمَا ):

أفادنا المؤلِّفُ رحمه الله أنه في حال اجتنابهما يتيمَّم.

وهل يُشترط للتيمُّم إراقتهما أو خلطهما؟ فيه قولان، ولهذا نفى المؤلِّف اشتراط إراقتهما أو خلطهما ردًّا للقول الثاني، وإلَّا لَمَا كان لنفيه داعٍ، فقال: (( ولا يُشتَرط... إلخ ))، لردِّ قول من قال: إنه يُشتَرط إراقتهما، أو خلطهما، وهو قولٌ في المذهب.

 

قالوا: لا يمكن أن يتيَمَّم حتى يُريقَ الماءين؛ ليكون عادمًا للماء حقيقة، أو يخلطهما حتى يتحقَّق النَّجاسة.

 

وعُلم من ذلك أنه إذا أمكن تطهيرُ أحدهما بالآخر وجب التطهير، ولا يحتاج إلى التيمُّم، وذلك إذا كان كلُّ واحد من الإناءين قُلَّتين فأكثر؛ فيُضاف أحدُهما إلى الآخر، فإن الطَّهور منهما يطهِّر النَّجس إذا زالَ تغيُره؛ [ص:62-63].

 

قوله: (وإن اشتَبَه بطَاهِر تَوَضَّأ منهمَا وُضُوءًا واحدًا، مِنْ هذا غَرْفَةٌ، ومن هذا غَرفةٌ، وصَلَّى صلاةً واحدةً ):

وهذه المسألة لا تَرِدُ على ما صحَّحناه؛ لعدم وجود الطَّاهر غير المطهِّر على القول الصِّحيح، لكن تَرِدُ على المذهب، وسبق بيان الطَّاهر؛ [ص:63].

 

قوله: (وإن اشْتَبَهتْ ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ أو بمحرَّمةٍ صلَّى في كلِّ ثوبٍ صلاةً بعددِ النَّجس أو المحرَّم، وَزاد صلاةً):

هذه المسألة لها تعلُّق في باب اللباس، وفي باب ستر العورة في شروط الصَّلاة، ولها تعلُّق هنا، وتعلُّقها هنا من باب الاستطراد؛ لأن الثِّياب لا علاقة لها في الماء.

 

والصَّحيح: أنه يتحرَّى، وإذا غلب على ظَنِّه طهارة أحد الثِّياب صَلَّى فيه، والله لا يكلِّف نفسًا إلا وسعها، ولم يوجب الله على الإنسان أن يُصلِّيَ الصَّلاة مرتين.

 

فإن قلت: ألا يحتمل مع التحرِّي أن يُصلِّيَ بثوب نجس؟

فالجواب: بلى، ولكن هذه قدرته، ثم إنَّ الصَّلاة بالثَّوب النَّجس عند الضَّرورة، الصَّواب أنها تجوز، وأنَّه يُصلِّي ولا يعيد.

قوله: «أو بمحرَّمةٍ صلَّى في كلِّ ثوبٍ صلاةً بعددِ النَّجس أو المحرَّم، وزَاد صلاةً»؛ أي: إذا اشتبهت ثيابٌ محرَّمةٌ بمباحة، هذه المسألة لها صورتان:

الأولى: أن تكون محرَّمة لحقِّ الله كالحرير.

الثانية: أن تكون محرَّمةٌ لحقِّ الآدمي.

والصَّحيح: أنه يتحرَّى، ويُصلِّي بما يغلب على ظَنِّه أنَّه الثَّوب المباح ولا حرج عليه؛ لأن الله لا يكلِّف نفسًا إلا وسعها.

 

ولو فرضنا أنه لم يمكنه التحرِّي لعدم وجود القرينة، فإنه يصلِّي فيما شاء؛ لأنه في هذه الحال مضطر إلى الصَّلاة في الثَّوب المحرَّم، ولا إعادة عليه؛ [ص:65-67].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تلخيص باب المسح على الخفين من الشرح الممتع
  • تلخيص باب فروض الوضوء وصفته من الشرح الممتع
  • تلخيص باب نواقض الوضوء من الشرح الممتع
  • تلخيص باب الحيض من الشرح الممتع
  • تلخيص باب الاستنجاء من الشرح الممتع
  • تلخيص باب المسح على الخفين من الشرح الممتع

مختارات من الشبكة

  • تلخيص باب الغسل من الشرح الممتع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلخيص باب السواك وسنن الوضوء من الشرح الممتع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلخيص باب الآنية من الشرح الممتع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلخيص باب المسح على الخفين من كتاب الطهارة من الشرح الممتع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب الصيام من الشرح الممتع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب الحج من الشرح الممتع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تلخيص كتاب الصيام من الشرح الممتع(مقالة - ملفات خاصة)
  • تلخيص كتاب الحج من الشرح الممتع(مقالة - ملفات خاصة)
  • تلخيص لباب المبني والمعرب والمنصوبات والتوابع في النحو العربي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تقييد وتلخيص لشرح الشيخ حسام لطفي الشافعي على شرح المحلي لمتن الورقات للإمام الجويني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- تلخيص وتهذيب نافع ومميز
عبدالله الشمري - المملكة العربيه السعودية 22-12-2018 01:20 AM

ننتظر باقي كتاب الطهارة بشوق وباقي الكتابات والملخصات لشيخ سلطان وفقه الله
أعجبني بالتهذيب الشمول والاختصار لو يخرج قسم العبادات في مجلد أو مجلدين سيكون إنجاز .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب