• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

النفاق هدم من الداخل

النفاق هدم من الداخل
د. علاء شعبان الزعفراني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/9/2016 ميلادي - 18/12/1437 هجري

الزيارات: 17840

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النفاق هدمٌ من الداخل

 

النفاق داء وبيل، وانحراف خطير، وشرٌ مستطير، وهو من أخطر الأمراض التي تُفسد القلب إن لم يكن أخطرها، وفي ظل الأحداث الجارية نجد أحد نعم الله علينا انكشاف كل واحدٍ على حقيقته.

 

وإن أكبر خطر تهددت به الأمة الإسلامية على مر العصور هو النفاق، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾[1]، والحصر في الآية لبيان أولويتهم في العداوة، ولهذا كان مصيرهم يوم القيامة أسوأ مصير في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم شر من الكفار الصُّرَح، فبلية المؤمنين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين؛ لأنهم لا يظهرون ما يعتقدون، يعملون في الخفاء، ويظهرون لباس الإخوان والأصدقاء فهم مستأمنون لا يحسب لهم حساب ولا يراقبون ولا يحترز منهم إلا القليل من المؤمنين، والعدو المخالط المداخل المساكن أخطر وأشد كيدًا من العدو الظاهر البعيد، فهم أخطر من الجيوش العسكرية، والانحرافات الفكرية لأن أصحابها أعداء معروفون واضحون لا يقبل كثير من الناس أقوالهم.

 

وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أخطر المصائب في تاريخ الأمة الإسلامية قديمًا وحديثًا عن طريق المنافقين، ولا نكاد نرى عصرًا من عصور تاريخ المسلمين إلا ونجد للمنافقين فيه دورًا خطيرًا، فقد أفسدوا عقائد كثير من الناس، والمتتبع لجذور الانحراف العقدي في تاريخ المسلمين يجد المنافقين وراءه، ومن أبرز الأمثلة في ذلك فرقة السبئيّة التي وضع أسسها المنافق اليهودي عبد الله بن سبأ، الذي أظهر الإسلام في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأخذ يطوف البلاد الإسلامية ينشر معتقده، وقد لبَّس على العامة في زمن كان فيه كثير من الصحابة، حتى إن بعض أتباعه هددهم علي - رضي الله عنه - بالموت حرقًا إن لم يرجعوا عن هذه العقيدة الضالة، فأصروا وفضلوا الموت على الرجوع عن ضلالهم، وقد كان من نتيجة فتنة عبد الله بن سبأ مقتل الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.

 

وكان سقوط بغداد مركز الخلافة الإسلامية العباسية عام (656 هـ) على يد المنافق الخبيث ابن العلقمي الرافضي الذي تعاون مع التتار الذين قتلوا جميع من يقدرون عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والشبان حتى بلغوا مليون قتيل، وقد كان ابن العلقمي وزيرًا عند الخليفة المستعصم يظهر الولاء والنصرة، له فضل في الإنشاء والأدب لكنه كان منافقًا يضمر الحقد على الإسلام وأهله، كاتب التتار وزين لهم اجتياح بغداد، وكان ذلك بعد أن سرح الجند وصرف الجيوش عن بغداد حتى لم يبق منهم إلا عشرة آلاف ثم أرسل إلى التتار يسهل عليهم أمر اجتياح المدينة فقدموا وحدث ما حدث.

 

والأمثلة كثيرة جدًا ولهذا كان الواجب التحذير من النفاق، وبيان صفات أهله، وكشف جهودهم في هدم الإسلام وخدمة أعدائه وموالاتهم وتنفيذ مخططاتهم [2].

 

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "حَذَّرَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: كلَّ منافقٍ عليمِ اللسانِ"[3].

 

لذا سنحاول اليوم عرض بعض ما ذكره ربنا في القرآن، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - في السنة المطهرة من ذكر صفات المنافقين، وموقفنا تجاه المنافقين.

بداية النّفاق هو: إظهار الخير باللّسان وكتمان الشر بالقلب[4].

 

أولاً: أنواع النفاق وحكمه:

النفاق ينقسم إلى نفاق أكبر ونفاق أصغر.

[1] النفاق الأكبر (النفاق الاعتقادي):

وهو أن يظهر الإيمان والإسلام وهو كافر في الباطن، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وقد يطلق العلماء على هذا الصنف اسم الزنديق[5].

 

[2] النفاق الأصغر (النفاق العملي):

وهو ترك المحافظة على أمور الدين سرًا، ومراعتها علنًا، مع الإيمان بالله وصحة الاعتقاد.

والنفاق الأصغر قد يجتمع في قلب المسلم مع أصل الإيمان وهو من أكبر الذنوب، بخلاف النفاق الأكبر فإنه ينافي الإيمان.

 

حكم النفاق:

النّفاق إن كان عقديّا فهو كفر صراح، بل هو أشدّ منه، ولذلك جعلت للمنافقين درجة في جهنّم لا يصلاها سواهم لعظم ضررهم، وشدّة خطرهم يقول الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [6].

وقد فضحهم الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، ووصفهم بأنّهم كذّابون يصدّون عن سبيل الله وأنّهم يستكبرون، كما وصفهم بأنّهم لا يفقهون شيئا ولا يعلمون[7].

وقد جعل الإمام ابن حجر هذا النّوع من النّفاق من كبائر الباطن قال -رحمه الله-: «ومن الأمراض الّتي تعتور القلب وتعتريه الكفر والنّفاق والكبر والفخر والخيلاء والحسد والغلّ ... »[8].

 

أمّا إذا كان النّفاق عمليّا بمعنى أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن فهذا ينطبق عليه حكم الرّياء، والرّياء من الكبائر أيضا، وقد اتّفق على ذلك الإمامان: الذّهبيّ وابن حجر وذكرا الأدلّة على ذلك في كتابيهما[9]، ومن الأدلة:

• عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان"[10].

 

في هذا الحديثِ بَيَّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النِّفاقَ العمليَّ، وذكَر فيه العلاماتِ المميِّزةَ له، فقال: آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ، أي: مِن علاماتِ النِّفاقِ العمَليِّ الَّتي تدلُّ على أنَّ صاحبَها يُشبِهُ المنافقين في أعمالِهم وأخلاقِهم أن توجَدَ في المرءِ هذه الخِصالُ الثَّلاثُ أو بعضُها:

فالعلامةُ الأولى: إذا حدَّثَ كذَبَ، أي: أن يشتهِرَ ذلك الإنسانُ بالكذبِ في الحديثِ.

العلامةُ الثَّانية: إذا وعَد أخلَف، أي: أن يشتهِرَ بخُلفِ الوعدِ، بحيث إذا وعَد بشيءٍ تعمَّد الخُلْفَ.

العلامة الثَّالثة: إذا ائتُمِنَ خان، أي: أن يشتهَرَ بالخيانةِ بين النَّاسِ.

وهذه الأشياءُ المذكورةُ ترجعُ إلى أصلٍ واحدٍ، وهو النِّفاقُ الَّذي يُبايِنُه الصِّدقُ، ويُزايِلُه الوفاءُ، وتُنافِيه الأمانةُ.

 

والمقصودُ مِن الحديثِ: أنَّ هذه الخِصالَ خِصالُ نِفاقٍ، وصاحبُها شبيهٌ بالمنافقين في هذه الخِصالِ، ومُتخلِّقٌ بأخلاقِهم، لا أنَّه مُنافِقٌ يُظهِرُ الإسلامَ وهو يُبطِنُ الكفرَ، ولم يُرِدِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا أنَّه مُنافِقٌ نِفاقَ الكفَّارِ المُخلَّدين في الدَّركِ الأسفلِ مِن النَّارِ؛ فالنِّفاقُ نوعانِ: نفاقٌ اعتقاديٌّ يُخرِجُ صاحبَه عن الإيمانِ، وهو إظهارُ الإسلامِ وإخفاءُ الكُفرِ، ونِفاقٌ عمَليٌّ، وهو التَّشبُّهُ بالمنافقين في أخلاقِهم، وهذا لا يُخرِجُ صاحبَه عن الإيمانِ، إلَّا أنَّه كبيرةٌ مِن الكبائرِ.

 

• وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا"[11].

صلاةُ الفجرِ وصَلاةُ العِشاءِ لهما خُصوصيَّةٌ عظيمةٌ في الفَضْلِ؛ حيث تَنْفي المُواظَبةُ عليهما آفةَ النِّفاقِ مِنَ القلبِ؛ فقدْ بَيَّنَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهما أَثْقَلُ الصَّلاةِ على المنافقينَ، حيثُ يقولُ في هذا الحَديثِ: "إنَّ أثقلَ صلاةٍ على المنافقينَ صلاةُ العِشاءِ، وصلاةُ الفجرِ"، أي: إنَّ أصْعبَ وأشدَّ صلاةٍ في المُواظَبةِ عليها، والحِفاظِ على أدائِها، عِند المنافقين: صلاتَا العِشاءِ والفجرِ، "ولو يَعلَمون ما فيهما لَأَتَوْهُمَا"، أي: ولو يَعلمون ما فيهما مِنَ الأجرِ والثَّوابِ لجاؤُوا يَحضُرونهما، "ولو حَبْوًا"، أي: ولو زَحْفًا، "ولقدْ هَمَمْتُ"، أي: كِدْتُ أَفْعَلُ، "أنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقامَ"، أي: آمُرَ رجلًا يُقيمُ الصَّلاةَ، "ثمَّ آمُرَ رجلًا فيُصلِّيَ بالنَّاسِ"، أي: آمُرَ رجلًا أنْ يُصلِّيَ إمامًا بالنَّاسِ بدلًا منِّي، "ثمَّ أَنطلِقَ معي برِجالٍ"، أي: ثمَّ آخُذ رجالًا، وأَنطلِق بهم، "معهم"، أي: مع هؤلاء الرِّجالِ، "حُزَمٌ"، والحُزَمُ جَمْعُ حُزْمَةٍ، وهي ما يُجمَعُ في رِباطٍ واحدٍ، "مِن حَطَبٍ"، الحطبُ هو الخشبُ اليابِسُ، الَّذي يُستخدَمُ كوَقودٍ في الإشعالِ، "إلى قَوْمٍ لا يَشهَدونَ الصَّلاةَ"، أي: فَأَذهب بهؤلاء الرِّجالِ الَّذين معهم حُزَمُ الحطبِ إلى أولئك الَّذين لا يشهدون صلاةَ الجماعةِ في المسجِدِ، "فَأُحَرِّقَ عليهم بيوتَهم بالنَّارِ"، أي: فأُشعِلَ النَّارَ في بُيوتِ الَّذين لا يَشهَدونَ صلاةَ الجماعةِ.

وفي الحديثِ: أنَّ الحِفاظَ على صلاةِ العِشاءِ والفجرِ سلامةٌ مِنَ النِّفاقِ.

وفيه: الحَثُّ على شُهودِ صلاةِ الجماعةِ، والتَّحذيرُ مِنْ تَرْكِها.

وفيه: أنَّ تَرْكَ صلاةِ العِشاءِ والفجرِ مِن صِفاتِ المنافقينَ.

 

ثانيًا: الخوف من النفاق:

اشتد خوف الصحابة ومن بعدهم من الصالحين من النفاق حتى كان أبو الدرداء - رضي الله عنه - إذا فرغ من التشهد في الصلاة يتعوذ بالله من النفاق، ويكثر من التعوذ منه، فقال أحدهم: ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟

فقال: دعنا عنك فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيُخلع منه[12].

 

• عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: -وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -- قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ[13].

 

إنَّ أصحابَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانوا على دَرجةٍ عاليةٍ منَ الإيمانِ والعَملِ الصَّالحِ ومَع ذلكَ كانوا يَتَّهِمون أنفُسَهم بالنِّفاقِ.

 

وفي هذا الحديثِ يَقولُ حَنظلَةُ - رضي الله عنه -: لَقِيَني أبو بكرٍ، أي: في بَعضِ الطُّرُقاتِ، فقال: كيف أَنتَ يا حَنظلَةُ؟ وذلك أنَّهم كانَ يَطمَئِنُّ بَعضُهم على بعضٍ ويَتَحسَّسُ بَعضُهم أَخبارَ بَعضٍ في دينِه ودُنياهُ، قال: قُلتُ: نَافَقَ حَنظلةُ، أي: خَشِيَ على نَفسِه النِّفاقَ؛ لأنَّه يَكونُ عِندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيُذَكِّرُهم بالنَّارِ والجنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأيَ عَينٍ، أي: نَكونُ وكَأنَّنا نَراهُما رأيَ عَينٍ مِن قوَّةِ الإيمانِ، واستِحضارِ القَلبِ، وتَأثَّرنا بذَلكَ تَأثُّرَ مَن يَراهُما بعَينِه، فإذا خَرجْنا مِن عِندِه، تَبدَّل حالُنا وعافَسْنا الأَزواجَ والأَولادَ، أي: لاعَبْناهُم وصَارعْناهُم وانْشغَلْنا بِهم، وبالضَّيعاتِ، وهِي مَعاشُ الرَّجلِ مِن مالٍ أو حِرفَةٍ أو صناعةٍ، ونَسينا كثيرًا، أي: كَثيرًا مِمَّا ذَكَّرَنا بِه رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وصِرنا وكَأنَّنا لم نَسمَعْ شَيئًا.

 

وإنَّما اتَّهمَ نَفسَه بالنِّفاقِ بِسببِ ذلكَ؛ لأنَّ النِّفاقَ إنَّما يَكونُ بإِظهارِ شَيءٍ وكَتْمِ غَيرِه، وهُو يُظهِرُ شَيئًا في حَضرةِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان مَع أَولادِه وزَوجَتِه يَكونُ خِلافَ ذلكَ.

 

قال أَبو بكرٍ: واللهِ إنَّا لَنلْقَى مِثلَ هَذا، أي: أَفعَلُ مِثلَ ما تَقولُ، فذَهبَ مَعه حتَّى دَخلَ على رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وشَكى إليه ما يَجِدُه مِمَّا شَكاه لأَبي بَكرٍ مِن قَبْلُ، فأَخبَرَهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ هَذا لَيسَ مِنَ النِّفاقِ، وأنَّ اللهَ لم يُكلِّفْهمُ المُداومةَ عَلى تِلكَ الحالِ مِنَ الخَوفِ والخَشيَةِ ودَوامِ الذِّكرِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهم أنَّهم لَو داموا عَلى ما يَكونون بِه عِندَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن صَفاءِ القَلبِ والخَشيَةِ والذِّكرِ لصافَحتْهمُ الملائِكةُ عَلى فُرُشِهم وفي طُرُقاتِهم عِيانًا.

 

ثُمَّ نادَاه - صلى الله عليه وسلم - باسمِه إِيناسًا لَه وتَبيُّنًا له أنَّه ثابتٌ على الصِّراطِ المُستَقيمِ، فَقال: ولَكِنْ يا حَنظَلَةُ ساعةً وساعةً، أي: ساعةً في الحُضورِ والذِّكْرِ، وساعةً في مُعافَسةِ الأَولادِ والأَزْواجِ، وكَرَّرَها ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ تَأكيدًا لِتلكَ المعاني ولِيُزيلَ عَنهم ما اتَّهَموا بِه أَنفُسَهم مِنَ النِّفاقِ.

وفي الحديثِ: عَدْلُ الشَّريعةِ الإِسلاميَّةِ في إِعطاءِ كُلِّ ذي حقٍّ حقَّه مِنَ النَّفسِ والأَولادِ والزَّوجاتِ بَعدَ حَقِّ اللهِ تَعالى.

وفيه: التَّعبُّدُ إلى اللهِ بِراحةِ النَّفسِ؛ لأنَّ العَبدَ إذا أَثقَلَ على نَفسِه مَلَّ وتَعِبَ ورُبَّما أضاعَ حُقوقًا كثيرةً.

 

• وعَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: دُعِيَ عُمَرُ، لِجِنَازَةٍ، فَخَرَجَ فِيهَا أَوْ يُرِيدُهَا فَتَعَلَّقْتُ بِهِ فَقُلْتُ: اجْلِسْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ مِنْ أُولَئِكَ، فَقَالَ: «نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَنَا مِنْهُمْ»، قَالَ: «لَا وَلَا أُبَرِّئُ أَحَدًا بَعْدَكَ»[14].

 

• ودَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، بِعْتُ أَرْضًا لِي بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَتْ: أَنْفِقْ يَا بُنَيَّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَا يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ ". فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَتَاهَا، فَقَالَ: بِاللهِ أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَتْ: " اللهُمَّ لَا، وَلَنْ أُبَرِّئَ أَحَدًا بَعْدَكَ"[15].

 

ولذلك قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثينَ من أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، كلُّهُمْ يخافُ النفاقَ على نفسهِ، ما منهم أحدٌ يقولُ : إنه على إيمانِ جبريلَ وميكائيلَ[16].

وقال ابن القيم رحمه الله: "تالله، لقد ملئت قلوب القوم إيمانًا ويقينًا، وخوفهم من النفاق شديد، وهمهم لذلك تقيل، وسواهم كثير منهم لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، وهم يدّعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل"[17].

وما عنوا به النفاق الذي هو ضد أصل الإيمان بل المراد به ما يجتمع مع أصل الإيمان فيكون مسلمًا منافقًا[18].

 

ثالثًا: من صفات المنافقين:

[1] الاستكبار:

• قال تعالى : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون].

 

﴿ وَإِذَا قِيلَ ﴾ لهؤلاء المنافقين ﴿ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ عما صدر منكم، لتحسن أحوالكم، وتقبل أعمالكم، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع، و﴿ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ﴾ امتناعًا من طلب الدعاء من الرسول، ﴿ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ﴾ عن الحق بغضًا له ﴿ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ عن اتباعه بغيًا وعنادًا، فهذه حالهم عندما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول، وهذا من لطف الله وكرامته لرسوله، حيث لم يأتوا إليه، فيستغفر لهم، فإنه سواء استغفر لهم أم لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم، وذلك لأنهم قوم فاسقون، خارجون عن طاعة الله، مؤثرون للكفر على الإيمان، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول، لو استغفر لهم كما قال تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.

 

فحال المنافقين أنهمز يفعلون الفعلة، ويطلقون القولة، فإذا عرفوا أنها بلغت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبنوا وتخاذلوا وراحوا يقسمون بالأيمان يتخذونها جُنة.

 

فإذا قال لهم قائل: تعالوا يستغفر لكم رسول الله، وهم في أمن من مواجهته، لووا رؤوسهم ترفعا واستكبارًا! وهذه وتلك سمتان متلازمتان في النفس المنافقة.

 

وإن كان هذا التصرف يجيء عادة ممن لهم مركز في قومهم ومقام، ولكنهم هم في ذوات أنفسهم أضعف من المواجهة فهم يستكبرون ويصدون ويلوون رؤوسهم ما داموا في أمان من المواجهة، حتى إذا وُوجهوا كان الجبن والتخاذل والأيمان! ومن ثم يتوجه الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قضاه الله في شأنهم على كل حال، وبعدم جدوى الاستغفار لهم بعد قضاء الله.

 

• وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ»[19].

 

الكِبرُ والتكبُّرُ والتعاظُمُ على النَّاسِ مِن الصِّفاتِ التي تدُلُّ على فسادِ القُلوبِ، وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُوءَ عاقِبةِ الكِبرِ، ويُصوِّبُ بعضَ المفاهيمِ عندَ الناسِ المتعلِّقةِ بحُسنِ الهَيئةِ، فيقولُ: "لا يدْخُل الجنَّةَ مَن كانَ في قلبِهِ مِثْقالَ ذرَّةٍ مِن كِبرٍ"، أي: لا يُدخِلُ اللهُ أحدًا الجنَّةَ وفي قَلبهِ وَزنُ ذرَّةٍ مِن الكبرِ، وهو التعاظُمُ والمُباهاةُ على الناسِ، والذَّرَّةُ هي الغُبارُ الدَّقيقُ الذي يظهرُ في الضَّوءِ، أو هي النَّمْلةُ الصَّغيرةُ، وهو يدُلُّ على أنَّ أقلَّ القليلِ مِن الكبرِ إذا وُجِدَ في القلبِ كانَ سببًا لعدَمِ دُخولِ الجنَّةِ. قالَ رجلٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الرجُلَ يحبُّ أنْ يكونَ ثوبُهُ حَسنًا ونَعلُه حَسنةً"، أي: هلْ يُعدُّ حبُّ الإنسانِ أن يكونَ ذا هيئةٍ ومَظهرٍ حَسنٍ مِن الكِبرِ؟ فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ جَميلٌ يحِبُّ الجَمالَ"، أي: هذا مِن النَّظافةِ، والجَمالِ الذي يحبُّهُ اللهُ ولا يُبغِضُه ما دامَ لم يورِثْ في القلبِ ترفُّعًا على الناسِ، وإنَّما هو مِن بَيانِ نِعمةِ اللهِ عليهِ، ثمَّ قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - موضِّحًا: "الكِبرُ بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناسِ"، أي: مَعنى الكبرِ المقصودِ هوَ بَطرُ الحقِّ: أي رفْضُ الحقِّ والبعدُ عنهُ، وغَمْطُ الناسِ، أي: احتِقارُهم.

وفي الحديثِ: النهيُ عنِ التكبُّرِ والتعاظُمِ على الناسِ، والنهيُ عن رفَضِ الحقِّ والبُعدِ عنه.

 

[2] الاستهزاء بآيات الله:

• قال تعالى ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة].

يخشى المنافقون أن تنزل فيهم (سورة تنبئهم بما في قلوبهم)، يقول: تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم.

وقيل: إن الله أنزل هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن المنافقين كانوا إذا عابوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكروا شيئًا من أمره وأمر المسلمين، قالوا: "لعل الله لا يفشي سِرَّنا!"، فقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: قل لهم:(استهزءوا)، متهددًا لهم متوعدًا:(إن الله مخرج ما تحذرون)[20].

 

• وعن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس ما رأيت مثل قُرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد: كذبتَ، ولكنك منافق. لأخبرن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقا بحَقَب[21] ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَنكُبُه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ﴿ أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ﴾ [22].

 

[3] موالاة الكافرين:

• قال تعالى ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 138، 139] .

يقول الله لنبيه: يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني "أولياء" يعني: أنصارًا وأخِلاء "من دون المؤمنين"، يعني: من غير المؤمنين "أيبتغون عندهم العزة"، يقول: أيطلبون عندهم المنعة والقوة، باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي؟ "فإن العزة لله جميعًا"، يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاءَ العزة عندهم، هم الأذلاء الأقِلاء، فهلا اتخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العزَّة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة، الذي يُعِزّ من يشاء ويذل من يشاء، فيعزُّهم ويمنعهم[23].

 

[4] التذبذب والتردد:

• قال تعالى: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء].

• وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ، كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً»[24].

 

في هذا الحديثِ يوضح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَأنَ المُنافِقين وصِفاتِهم؛ حتَّى يَحذَرَهمُ النَّاسُ، فيَضرِبُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَثَلَ للمُنافقِ بالشَّاةِ العائِرَةِ، أيِ: المُتردِّدةِ بَينَ غَنَميْنِ لا تَدري في أَيِّهِما تَدخُلُ، وكَذلك المُنافقُ يَكونُ مَتردِّدًا مُتذَبذبًا بَين هَؤلاءِ وهَؤلاءِ، فإذا كان مَع المُؤمنينَ أَظهَرَ الإيمانَ، وإذا كانَ مَع الكُفَّارِ كانَ مَعهم ظاهرًا وباطنًا.

 

ومعنى: عائرةٍ، أي: انْفلَتَت وذَهبَت وصارَتْ مُتردِّدةً، فَلا تَدري أَيُّهما تَتبَعُ؛ تَعيرُ إلى هذه مَرَّةً وإلى هذه مَرَّةً، أي: تَعطِفُ على هِذه وعلى هَذه لا تَدري أيُّهما تَتبَعُ.

 

وهذا الحديثُ يُبَيِّنُ أنَّ المُنافِقَ لَيس له أُسٌّ يَبنِي عليه ولا عَزيمةٌ يَثْبُتُ فيها، وإِنَّما يَكونُ حيثُ يَجِدُ هَواه ومَنْفَعتَه الدُّنيويَّةَ.

 

رابعًا: الوقاية من النفاق:

حتى يقي المسلم نفسه من النفاق يتحتم عليه التحلي بالصفات الحسنة والأعمال الصالحة ومنها:

[1] المحافظة على صلاة الجماعة:

عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ»[25].

فالمُحافَظةُ على الصَّلواتِ أَمْرٌ شرعيٌّ واجبٌ على كلِّ مسلم، وقد أَمَر الله وأوصْى بالمحافظةِ عليها وعلى الجَماعة، وفي ذلك أجرٌ وفَضْلٌ للمُسلم، وفي الجَماعة مُضاعَفة الأجر لسبعةٍ وعِشرين ضِعْفًا، وقد حضَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جميعَ مَن يسمع النِّداءَ على إتيان المسجدِ.

 

وهذا الحديثُ يُوضِّحُ أهميَّة صلاةِ الجَماعة؛ فقوله: "مَن سرَّه"، أي: مَن يُفرِحه، ومَن يُحِبُّ "أنْ يَلقى اللهَ غدًا مسلمًا"، أي: كاملَ الإسلام، "فليُحافِظ على هؤلاء الصَّلواتِ حيث يُنادى بهنَّ"، أي: فليُحافِظ على صلواتِ الفرائضِ الخَمْس في وقتِها وفي المسجد؛ "فإنَّ الله شَرَع لنبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الهُدى، وإنِّهنَّ مِن سُنَنِ الهُدى"؛ وسُنَن الهُدْى: هي طُرُق الوصول إلى الهداية والرَّشاد.

 

قوله: "ولو أنَّكم صلَّيتُم في بُيُوتكم كما يُصلِّي هذا المتخلِّف في بيتِه لتَرْكتُم سُنَّة نبيِّكم، ولو تَرْكتُم سُنَّة نبيِّكم لَضللتُم"، وهذا تحذيرٌ شديدٌ مِن تَرْك صلاةِ الجَماعة والاكتفاءِ بالصَّلاة في البيت مُنفرِدًا؛ إذ إنَّ صلاةَ الجماعةِ في المساجِدِ مِن سُنَّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي صلاةِ الجَماعةِ فوائدُ عظيمةٌ، مِثْل: التَّلاقي بين المسلمين، وإظْهارُ اتِّحادهم وقوَّتهم، وغير ذلك.

 

وقوله: "وما مِن رَجل يتطهَّر فيُحسِن الطَّهُورَ"، أي: يُحسِن الوضوءَ بإسْباغه، "ثمَّ يَعمِدُ إلى مَسجدٍ مِن هذه المساجِدِ"، أي: يَقصِدَ ويتَّجِهَ إلى الصَّلاةِ في المساجد، "إلا كتَب اللهُ له بكلِّ خُطوةٍ يَخْطوها حسنةً، ويَرفَعُه بها درجةً، ويَحُطُّ عنه بها سيئةً"، وهذا مِن حُسْن الجزاءِ والمَثوبة من الله، وللحضِّ على فِعْل ذلك.

 

ثم قال ابنُ مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه: "ولقد رأيتُنا وما يَتخلَّف عنها إلَّا مُنافِقٌ مَعلومُ النِّفاق"، أي: عَلمتُ من أَمْر أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لا يَتْركُ صلاةَ الجَماعة إلَّا المُنافِقُ حقيقةً، أو مَن يُخاف عليه الوقوعُ في النِّفاقِ، "ولقد كان الرَّجلُ يُؤتَى به يُهادى بين الرَّجُلين حتى يُقام في الصِّفِّ"، أي: يُؤتَى به، وهو مُستنِدٌ بين رَجُلين حتى يَقِف في الصَّفِّ وهو مُستنِدٌ أيضًا، وذلك مِن شدَّة حِرْصهم على صلاةِ الجَماعة.

 

وفي الحديث: الحثُّ على المُحافَظة على أداءِ صلاةِ الجماعة في المساجدِ.

وفيه: بيانُ حِرْصِ الصَّحابةِ على أداءِ الصَّلواتِ في الجماعةِ.

وعن أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلَّى لله أربعينَ يومًا في جماعةٍ يدرِكُ التَّكبيرةَ الأولى، كتبَ لهُ براءتانِ: براءةٌ منَ النَّارِ، وبراءةٌ منَ النِّفاقِ"[26].

 

[2] حسن الخلق والتفقه في الدين:

عن أبي هريرة مرفوعًا: "خصلتانِ لا تجتمعانِ في منافقٍ: حسنُ سمتٍ، ولا فقهٌ في الدينِ"[27].

والمعنى أن (الخصلتان لا تجتمعان في منافق) بِأَنْ تَكُونَ فِيهِ وَاحِدَةٌ دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ لَا يَكُونَا فِيهِ بِأَنْ لَا تُوجَدَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فِيهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالِاجْتِمَاعِ تَحْرِيضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى جَمْعِهِمَا وَزَجْرًا لَهُمْ عَنِ الِاتِّصَافِ بِأَحَدِهِمَا، وَالْمُنَافِقُ إِمَّا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ أَوْ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الْمُرَائِي وَهُوَ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ (حُسْنُ سَمْتٍ) أَيْ: خُلُقٍ وَسِيرَةٌ وَطَرِيقَةٌ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ التَّزَيِّي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ مَيْرَكُ: السَّمْتُ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ أَعْنِي الْمَقْصِدَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ هَيْئَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ تَحَرِّي طُرُقِ الْخَيْرِ وَالتَّزَيِّي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ مَعَ التَّنَزُّهِ عَنِ الْمَعَايِبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.

(وَلَا فِقْهٌ فِي الدِّينِ): عَطَفَ بِلَا لِأَنَّ حُسْنَ سَمْتٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ الْمُسَاقِ.

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: حَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ مَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى اللِّسَانِ، فَأَفَادَ الْعَمَلَ، وَأَوْرَثَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى، وَأَمَّا الَّذِي يَتَدَارَسُ أَبْوَابًا مِنْهُ لِيَتَعَزَّزَ بِهِ وَيَتَأَكَّلَ بِهِ فَإِنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الرُّتْبَةِ الْعُظْمَى لِأَنَّ الْفِقْهَ تَعَلَّقَ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ[28].

 

[3] قيام الليل:

قال قتادة: يقال قلما سهر الليل منافق[29].

وذلك لأن المنافق إنما ينشط للعمل الصالح إذا رآه الناس، فإن كان خاليًا لم يكن عنده الدافع للعمل الصالح. فإذا قام العبد الليل فهو دليل على عدم نفاقه، وعلى صدق إيمانه.

 

[4] الجهاد في سبيل الله:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ»[30].

الغَزْوِ هو الخروجُ للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، وهو مِن كمالِ الإيمانِ وتَمامِه. وفي هذا الحديثِ الحثُّ على الغَزوِ وعلى تحديثِ النَّفْسِ به؛ الغَزْو لِمَن يستطيع، وتَحديث النَّفْسِ لمَن عَجَزَ عنه وحِيلَ بَينه وبَينَه؛ فإنَّه يَنبغي أنْ يُحدِّثَ نَفسَه به ويَكونُ على نِيَّةِ الجِهادِ والغَزْوِ، بحيثُ إنَّه لو تَيسَّرَ له لفَعَلَه في أيِّ وقتٍ. كما أنَّ في الحديثِ تحذيرًا شديدًا مِن تَرْكِ الغَزوِ وتَركِ تحديثِ النَّفسِ به لِمَنْ لم يَكنْ مُستطيعًا له، فإنَّه لو ماتَ مِن غيرِ أن يغزو، أو يُحدث نفسه بالغزو ماتَ على شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ.

 

[5] ذكر الله:

إن كثرة ذكر الله - عز وجل - أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلو الذكر لله - عز وجل -، قال الله - عز وجل - في المنافقين: ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142] وقال كعب: من أكثر ذكر الله - عز وجل - برئ من النفاق ولهذا -والله أعلم- ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

فإن في ذلك تحذيرًا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق.

وسئل بعض الصحابة - رضي الله عنهم - عن الخوارج: منافقون هم؟ قال: لا، المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً.

فهذا من علامة النفاق قلة ذكر الله - عز وجل -، وكثرة ذكره أمان من النفاق، والله - عز وجل - أكرم من أن يبتلي قلبًا ذاكرًا بالنفاق، وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله - عز وجل -[31].

 

[6] الدعاء:

عن جبير بن نفير: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَهُوَ فِي آخِرِ صَلاَتِه، وَقَدْ فَرَغَ مِنَ التَّشهُّدِ يَتعوَّذُ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ، فَأَكْثَرَ التَّعوُّذَ مِنْهُ.

فَقَالَ جُبَيْرٌ: وَمَا لَكَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَنْتَ وَالنِّفَاقَ؟

فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، دَعنَا عَنْكَ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُقْلَبُ عَنْ دِيْنِه فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، فَيُخلَعُ مِنْهُ[32].

قال الذهبي -رحمه الله- معلقًا: "وَأَمَّا النِّفَاقُ الأَكْبَرُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتعوَّذَ بِاللهِ مِنَ النِّفَاقِ وَالشِّركِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي بِمَا يُخْتَمُ لَهُ، فَرُبَّمَا أَصْبَحَ مُؤْمِناً، وَأَمْسَى كَافِراً، نَعُوْذُ بِوَجْهِ اللهِ الكَرِيْمِ مِنْ ذَلِكَ"[33].

 

خامسًا: موقف المسلم من المنافقين:

يجب عدم التهاون مع المنافقين، ولا يجوز التقليل من خطرهم، والمنافقون اليوم أشد خطرًا منهم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.

عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، قَالَ: «إِنَّ المُنَافِقِينَ اليَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَاليَوْمَ يَجْهَرُونَ»[34].

 

والموقف منهم كالتالي:

[1] عدم طاعتهم:

قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الأحزاب].

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -:(يا أيُّها النَّبِي اتَّقِ اللَّهَ) بطاعته، وأداء فرائضه، وواجب حقوقه عليك، والانتهاء عن محارمه، وانتهاك حدوده (وَلا تُطِع الكافِرينَ) الذين يقولون لك: اطرد عنك أتباعك من ضعفاء المؤمنين بك حتى نجالسك (وَالمُنِافِقِينَ) الذين يظهرون لك الإيمان بالله والنصيحة لك، وهم لا يألونك وأصحابك ودينك خبالاً فلا تقبل منهم رأيًا، ولا تستشرهم مستنصحا بهم، فإنهم لك أعداء (إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما) يقول: إن الله ذو علم بما تضمره نفوسهم، وما الذي يقصدون في إظهارهم لك النصيحة، مع الذي ينطوون لك عليه، حكيم في تدبير أمرك وأمر أصحابك ودينك، وغير ذلك من تدبير جميع خلقه[35].

 

[2] الإعراض عنهم:

قال تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء].

 

يعني جل ثناؤه بقوله: "أولئك"، هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم "يعلم الله ما في قلوبهم" في احتكامهم إلى الطاغوت، وتركهم الاحتكام إليك، وصدودهم عنك من النفاق والزيغ، وإن حلفوا بالله: ما أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا "فأعرض عنهم وعظهم"، يقول: فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأسَ الله أن يحلّ بهم، وعقوبته أن تنزل بدارهم، وحذِّرهم من مكروهِ ما هم عليه من الشك في أمر الله وأمر رسوله، "وقل لهم في أنفسهم قولا بليغًا"، يقول: مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده[36].

 

وهذا الإعراض يستلزم عدم التّعامل أو التّعاون معهم وذلك لنجاسة معتقداتهم وسوء مقاصدهم[37].

 

[3] عدم الركون إليهم:

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران].

 

نزلت في قوم من المسلمين كانوا يخالطوهم حلفائهم من اليهود وأهل النفاق منهم، ويصافونهم المودَّة بالأسباب التي كانت بينهم في جاهليتهم قبل الإسلام، فنهاهم الله عن ذلك وأن يستنصحوهم في شيء من أمورهم[38].

 

[4] عدم تسويدهم:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ»[39].

 

الإسلامُ دِينٌ يقومُ على السُّموِّ والرِّفعةِ، وأساسُ التفاضُلِ والتقدُّم فيه هوَ التَّقوى والعملُ الصَّالحُ، أما النِّفاقُ وسيِّئُ الأخلاقِ فإنَّهما محلُّ الصَّغارِ، فإذا ما تبدَّلتِ الأزمانُ والأحْوالُ فأصبحَ الناسُ يَعدُّون الكاذِبَ صادِقًا، والمنافقَ سيِّدًا؛ فإنَّ ذلك جالبٌ لسَخَطِ اللهِ - عز وجل -، كما أخبَر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ، حيثُ قال: "لا تَقولوا للمُنافِقِ سيِّدٌ"، أي: لا تَعدُّوا المنافِقَ المعلومَ النِّفاقِ سيِّدًا على الناسِ، ولا تُعطوهُ مِثلَ هذا القَدرِ.

 

والمنافقُ هوَ مَن يُظهرُ غيرَ ما يُبطِنُ، فقد يُظهِرُ الإيمانَ والإسلامَ، ولكنَّه يُضمِر في داخلِه الكفرَ والشِّركَ، فإذا ما عُرِفَ نِفاقُه ابتُعِدَ عنه وعن تَعظيمِه.

 

"فإنَّه إنْ يكُ سيِّدًا فقدْ أسخَطْتُم ربَّكمْ - عز وجل -"، أي: إنْ أصبحَ هذا مَنهجَكُم واتخذْتُم المنافقينَ سادةً لكُم وكبراءَ علَيْكم، وجَعلتُم لهم الكَلِمةَ فيما بَيْنكم؛ فقدْ أغضَبْتُم اللهُ مِنكم، واستحقَقْتم عدمَ رِضاهُ عَنكم.

 

وفي الحديثِ: النهيُ والتحذيرُ عن تَعظيمِ المنافقِ قَولًا وفِعلًا.

نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن



[1] سورة المنافقون، من الآية [4].

[2] انظر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد (83)، (ص:176).

[3] أخرجه البزار في مسنده (1/ 434). وقال: إسناده صالح. وقال ابن كثير في مسند الفاورق (2/ 660): له طرق يشد القوي منها الضعيف فهي صحيحة من قول عمر، وفي رفع الحديث نظر.

[4] انظر التعريفات، للجرجاني (245) فيه تعريف أقرب لبيان معنى النفاق الاعتقادي.

[5] انظر: جامع العلوم والحكم (1/ 431)، وطريق الهجرتين (595).

[6] سورة النساء، الآية [145].

[7] انظر: تفصيل ذلك في سورة «المنافقون» وسورة التوبة (الآية 73 وما بعدها).

[8] الزواجر لابن حجر (99).

[9] انظر: الكبائر للذهبي (143- 146)، والزواجر لابن حجر (49-64).

[10] متفق عليه: أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59).

[11] أخرجه مسلم (651).

[12] ذكره الذهبي في السير (6/ 382) وقال: إسناده صحيح.

[13] أخرجه مسلم (2750).

[14] أخرجه البزار في مسنده (7/ 292). وحسنه الوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (304).

[15] أخرجه أحمد (26695). وقال الهيثمي في المجمع (9/ 75): رجاله رجال الصحيح‏‏. وقال الألباني في الصحيحة (6/ 1202): إسناده صحيح.

[16] ذكره البخاري (1/ 26) تعليقًا. وقال ابن رجب في الفتح (1/ 177): معروف عنه، من رواية الصلت بن دينار عنه، وفي الصلت ضعف. وقال ابن حجر في الفتح (1/ 135): روي في معناه حديث مرفوع إسناده ضعيف.

[17] مدارج السالكين (1/ 358).

[18] إحياء علوم الدين (4/ 172).

[19] أخرجه مسلم (91).

[20] جامع البيان (14/ 331).

[21] الحقب (بفتحتين): حبل يشد به الرحل في بطن البعير مما يلي ثيله، لئلا يؤذيه التصدير، أو يجتذبه التصدير فيقدمه. و "نكبته الحجارة"، لثمت الحجارة رجله وظفره، أي نالته وآذته وأصابته.

[22] أخرجه ابن جرير (16912)، وإسناده حسن.

[23] جامع البيان (9/ 319).

[24] أخرجه مسلم (2784).

[25] أخرجه مسلم (654).

[26] أخرجه الترمذي (241). وقال: لا أعلم أحدًا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة وإنما يروى عن أنس قوله. ويحسنه بعض المعاصرين.

[27] أخرجه الترمذي (2684). وقال: غريب. وقال الألباني في الصحيحة (278): صحيح بمجموع طرقه.

[28] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 302).

[29] حلية الأولياء (3/ 101).

[30] أخرجه مسلم (1910).

[31] الوابل الصيب (80-81).

[32] ذكره الذهبي في السير (6/ 382). وقال: إسناده صحيح.

[33] سير أعلام النبلاء (6/ 383).

[34] أخرجه البخاري (7113).

[35] جامع البيان (20/ 202).

[36] جامع البيان (8/ 515).

[37] شجرة المعارف (270).

[38] جامع البيان (7/ 140).

[39] أخرجه أبو داود (4977). وقال النووي في الأذكار (449): إسناده صحيح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النفاق والمنافقون
  • النفاق وأهله
  • النفاق العملي (مخالفة الأفعال للأقوال)

مختارات من الشبكة

  • التحذير من النفاق: النفاق - أنواعه - أسبابه - علاماته - خطره - وعلاجه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • النفاق والمنافقون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من النفاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النفقة على الأقارب(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • من آثار عقد النكاح: النفقة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من مائدة الحديث: من خصال النفاق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النفاق (3)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • النفاق (2)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • النفاق (1)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • النفاق والمنافقين (3) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب