• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

حجية الحديث المرسل

حجية الحديث المرسل
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/8/2016 ميلادي - 14/11/1437 هجري

الزيارات: 144900

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حجية الحديث المرسل


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فلا يخفى على عاقل مكانة السنة النبوية من التشريع، واهتمام أهل العلم بروايتها والاستدلال بها، وقد كانت قاعدة الاحتجاج بالمرسل من القواعد الأصولية المتعلقة بمسائل الاحتجاج بالسنة، وانبنى على تقريرها والاختلاف فيها العديد من الفروع الفقهية، وهذا جهد المقل في تحرير وتقرير مذهب الأحناف رحمهم الله تعالى، ومن وافقهم في الاحتجاج بالحديث المرسل، وأثر ذلك فيما تفرع من مسائل فقهية على وجه الإيجاز والتلخيص، وقد جعلته على أربعة مباحث:

المبحث الأول: تحرير المراد بالحديث المرسل، وتحته أربعة مطالب:

المطلب الأول: المعنى اللغوي للحديث المرسل، وأثر الاختلاف فيه في القاعدة.

المطلب الثاني: تعريف الحديث المرسل عند المحدثين ( المتقدمين والمتأخرين )، وأثر الاختلاف بينهم في القاعدة.

المطلب الثالث: تعريف الحديث المرسل عند الأصوليين والفقهاء.

المطلب الرابع: تحرير محل الاتفاق وموضع النزاع.

المبحث الثاني: تفنيد أقوال المحتجين بالحديث المرسل: وتحته مطلبان:

المطلب الأول: ذكر من احتج بالحديث المرسل.

المطلب الثاني: تفنيد أقوال المحتجين بالحديث المرسل.

المبحث الثالث: أدلة المحتجين بالحديث المرسل، عرض ومناقشة: وتحته مطلبان:

المطلب الأول: عرض أدلة المحتجين الحديث المرسل ومناقشتها.

المطلب الثاني: عرض أدلة المانعين إجمالاً.

المبحث الرابع: أثر الاختلاف في الاحتجاج بالحديث المرسل على المسائل الفقهية: وتحته مطلبان:

المطلب الأول: مسألة نقض الوضوء من القهقهة.

المطلب الثاني: مسألة من أمسك رجلاً وقتله آخر، هل يعد الممسك شريكًا في القتل ؟.

والله أرجو أن ينفعني وإخواني في الدنيا والآخرة بما كتبت، وأن يسددني في الحق وعلى الحق، اللهم أنت المستعان، وعليك التكلان.

 

المبحث الأول: تحرير المراد بالحديث المرسل:

قبل أن نخوض في حجج القائلين في الاحتجاج بالحديث المرسل ومناقشتها، نبين حدود المسألة من جهة اللغة، ومن جهة الاستعمال الحديثي والأصولي، ومن جهة محال الاتفاق والاختلاف؛ لذا جاء هذا المبحث تحت أربعة مطالب:

المطلب الأول: المعنى اللغوي للحديث المرسل، وأثر الاختلاف فيه في القاعدة:

المرسل في اللغة جاء على عدة إطلاقات:

أ‌- مأخوذ من الإرسال، وهو الإطلاق وعدم المنع ومنه قوله تعالى: ( إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين)؛ فكأن الراوي المرسل أطلق الإسناد، ولم يقيده بجميع الرواة، وهذا المعنى يشير إلى تعريفه الاصطلاحي.

ب‌- وقيل من قولهم: ناقة مرسلة؛ أي سريعة السير؛ كأن المرسل للحديث أسرع فحذف بعض إسناده، وفي هذا المعنى تنبيه على سبب إرسال الحديث.

ت‌- مأخوذ من قولهم: جاء القوم إرسالاً؛ أي متفرقين؛ لأن بعض الإسناد منقطع عن بعضه، وفي هذا المعنى اللغوي توهين للحديث المرسل؛ يقوي جانب المضعفين له.

ث‌- مأخوذ من الاسترسال؛ أي الاطمئنان للشيء؛ لأن المرسل يدعوك إلى الاطمئنان إلى سنده وعد تكلف النظر في رجاله، وفي هذا الإطلاق اللغوي تقوية لجانب المحتجين بالحديث المرسل.[1]


المطلب الثاني: تعريف الحديث المرسل عند المحدثين ( المتقدمين والمتأخرين )، وأثر الاختلاف بينهم في القاعدة:

الخلاف بين المحدثين الأوائل والمتأخرين في الحديث المرسل، متقرر تعريفًا وتطبيقًا، وإن كان جانب التطبيق أكثر وأظهر.

• ففي جانب التنظير عرف العلائي الحديث المرسل بأنه سقط رجل واحد من أي موضع، وجعله ظاهر كلام الشافعي والخطيب والمازري وأبي حاتم وابنه.[2]

• وفي جانب التطبيق كثير، ففي مراسيل أبي داود ومراسيل ابن أبي حاتم وجامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي الأمثلة الكثيرة على حكم أهل العلم على الأحاديث المنقطعة في أي موضع بالإرسال.

 

وأما المتأخرون فقد اصطلحوا على التفريق بين الحديث المرسل وغيره من الأحاديث المنقطعة؛ فجعلوا الحديث المرسل: أن يترك التابعي الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

قال الحاكم: ( وهذا نوع من علم الحديث صعب، قل ما يهتدي إليه إلا المتبحر في هذا العلم؛ فإن مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو: الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي فيقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ).[3]


ومقصد الحاكم بنفي الخلاف إثبات الإجماع على دخول هذه الصورة في الحديث المرسل، وإن حدث الخلاف في غيرها، وقد نقل العراقي في ألفيته خمسة اصطلاحات للمحدثين في تعريفه،[4] وكلام الحاكم يعني به قول الجمهور من المتأخرين، وإنما وقع الإجماع على مرفوع التابعي الكبير، قال ابن حجر في النكت على مقدمة ابن الصلاح: (من كلام أبي عمر بن عبد البر فإنه قال: هذا الاسم واقع بالإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم)،[5] قال السيوطي: (اتفق علماء الطوائف على أن قول التابعي الكبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعله يسمى مرسلاً).[6]


وقد استقر الأمر على ما حكاه ابن الصلاح قال: ( وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل، والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم ).[7]


وتحديد المصطلح هنا مهم؛ لأن من احتج بالحديث المرسل من المحدثين؛ كمالك وأحمد وغيرهم، قصدوا المعنى الأول؛ كما سيأتي.

 

المطلب الثالث: تعريف الحديث المرسل عند الأصوليين والفقهاء:

قال النووي في شرح مسلم: (وأما المرسل فهو عند الفقهاء والأصوليين والخطيب البغدادي وجماعة من المحدثين: ما انقطع إسناده على أي وجه كان انقطاعه؛ فهو عندهم بمعنى المنقطع ).[8]


وقال شارح الكوكب المنير: (في اصطلاح الفقهاء هو قول غير صحابي في كل عصر قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أصحابنا والكرخي والجرجاني وبعض الشافعية والمحدثين، وخصه أكثر المحدثين وكثير من الأصوليين بالتابعي).[9]


فإلى أي تعريف اتجه الأحناف في تعريف الحديث المرسل؛ محل الاحتجاج عندهم ؟

يذهب الأحناف في تعريف الحديث المرسل مذهب المحدثين الأوائل وأكثر الأصوليين والفقهاء، فالحديث المرسل عندهم نوع من أنواع الانقطاع؛ إذ الانقطاع عندهم على قسمين:

الأول: انقطاع معنى ( انقطاع باطن ).

والثاني: انقطاع صورة[10] ( انقطاع ظاهر)،[11] وهو الحديث المرسل.

 

والمرسل عند الأحناف على أربع أقسام:

القسم الأول: مراسيل الصحابة؛ أي قول الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لم يأخذه منه مباشرة.

القسم الثاني: ما أرسله القرن الثاني.

القسم الثالث: ما أرسله العدل في كل عصر.

القسم الرابع: ما أرسل من وجه واتصل من وجه.

 

المطلب الرابع: تحرير محل الاتفاق وموضع النزاع:

يظهر من التعاريف أن تفسير الأصوليين أعم من تفسير المحدثين للحديث المرسل، وهنا يبرز التساؤل ما هو محل النزاع في الاحتجاج بالحديث المرسل ؟ هل هو المرسل بتعريف الأصوليين أم المحدثين، يجيب الشوكاني في إرشاد الفحول عن هنا التساؤل بقوله: (وإطلاق المرسل على هذا وإن كان اصطلاحًا ولا مشاحة فيه، لكن محل الخلاف هو المرسل باصطلاح أهل الحديث).[12]


لكن الذي ظهر من كلام أهل الأصول - والأحناف خاصة - أن الخلاف حاصل في كل إرسال من التابعين أو ممن بعدهم؛ كما ستراه قريبًا، ولعل كلام الشوكاني محمول على الخلاف القوي الذي دائر بين أهل الحديث أنفسهم في الاحتجاج بالمرسل؛ فضلاً عن خلافهم مع جمهور أهل الأصول، قال الخطيب البغدادي – وهو أصولي محدث-: (لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بتدليس هو رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه؛ كرواية سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ومحمد بن المنكدر، والحسن البصري، وقتادة، وغيرهم من التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ).[13]


وقال ابن حجر: ( إن الخلاف في قبول المرسل إنما يأتي على قول الحاكم، أما على قول الخطيب فلا يبقى الخلاف منهم لاندراج المنقطع والمعضل في تعريف المرسل على قوله، إلا بعد الاستفسار عن المرسل؛ لأن الخلاف إنما هو في رواية التابعي لا في المنقطع والمعضل؛ فيكون الخلاف في بعض أنواع المرسل لا مطلقًا، وهو خلاف ما يقتضيه إطلاقهم)،[14] والجواب عن استشكال الحافظ أن تعريف الحاكم والخلاف الذي حكام ابن حجر هو ما دائر في كلام المحدثين من المتأخرين، أما كلام الخطيب فهو في الخلاف بين هؤلاء ومن وافقهم وبين الأصوليين وكثير من الفقهاء، لذا سيكون تناولنا لحكم المرسل دائر في تعريف الأصوليين الأوسع فالخلاف واقع فيه.

 

ولتقرير موضع الخلاف أكثر، فقد أجمع أهل العلم على عدم الاحتجاج بالحديث المرسل إذا كان مرسله غير عدل يروي عن كل أحد؛ لما علم من ضعف من أظهر؛ فضلاً عمن أسقط، قال ابن عبد البر: ( لا خلاف أنه لا يجوز العمل بالمرسل إذا كان مرسله غير محترز يرسل عن غير الثقات)،[15] وقال ابن حجر: (ثم الخلاف في المرسل الذي لا عيب فيه سوى الإرسال، فأما إذا انضم إلى كونه مرسلاً ضعف راو من رواته، فهو حينئذٍ أسوأ حالاً من المسند الضعيف؛ لأنه يزيد عليه بالانقطاع، ولا خلاف في رده، وعدم الاحتجاج به، قاله أبو الحسن بن القطان في الوهم والإيهام، وكذا أبو الحسين في المعتمد، وخلائق من المالكية والحنفية، منهم القاضي عبد الوهاب، والمازري، والباجي، وشمس الأئمة السرخسي).[16]

 

المبحث الثاني: تفنيد أقوال المحتجين بالحديث المرسل:

إن أردنا أن نحرر أقوال المحتجين بالحديث المرسل لزمنا أمران: أولهما: التثبت من صحة العزو إليهم، والثاني: النظر في أقوالهم وتحرير عباراتهم؛ لمعرفة قيودهم ومواضع اتفاقهم وافتراقهم، وهذا ما سنعرضه في مطلبين:

المطلب الأول: ذكر من احتج بالحديث المرسل:

الاحتجاج بالحديث المرسل هو قول سفيان الثوري والأوزاعي،[17] وأبي حنيفة، [18] ومالك، [19] وأحمد بن حنبل في أشهر الروايتين عنه،[20] وجماهير المعتزلة؛ كأبي هاشم،[21] والزيدية إلا المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني،[22] ونقله النووي في شرح المهذب عن كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم،[23] واختاره الآمدي،[24] واختاره ابن الحاجب، وقيده بما إذا كان الراوي من أئمة النقل، وأئمة النقل يدخل فيهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين.[25]


(وممن ذهب إلى الاحتجاج به: أبو الفرج عمر بن محمد المالكي، وأبو بكر الأبهري، وهو قول أبي جعفر الطبري، وزعم الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأت عنهم إنكاره، ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين)، [26] بل ذهب هؤلاء الثلاثة إلى أن المرسل والمسند سواء.[27]


المطلب الثاني: تفنيد أقوال المحتجين بالحديث المرسل:

كثير من قال بالاحتجاج بالحديث المرسل نقل عنه خلاف ذلك، فمالك مثلاً حكي عنه قول غريب لرد المرسل؛ حكاه الحاكم،[28] مع أن صنيع في الموطأ في الاحتجاج بالمرسل، بل وجعله من أصول كتابه أمر واضح؛ وهو الذي جعل أهل الحديث لا يعدونه من كتب الصحاح، وأحمد كذلك؛ فقد نقل عنه تلميذه أبو داود في رسالته أنه تابع الشافعي في رد المرسل،[29] وقد نبه ابن رجب أن كثيرًا ممن نقل قول الإمام أحمد إنما نظروا لما احتج به من مراسيل، قال السخاوي: (فكان من لم يذكر أحمد في هذا الفريق رأى ما في الرسالة أقوى مع ملاحظة صنيعه في العلل كما سيأتي قريبًا، وكونه يعمل بالضعيف الذي يندرج فيه المرسل إذا لم يجد في الباب غيره).[30]


ولنبدأ بتحرير الأقوال:

أولاً: تحرير النسبة للجمهور: قال صاحب المقنع: (وما نقله المصنف عن الجمهور في منع قبول مرسل التابعي، قد نقل الإمام في المحصول عن الجمهور قبوله، فلا يخالف؛ إذ مراد ابن الصلاح بالنسبة إلى المحدثين، وكلام صاحب المحصول بالنسبة إلى الأصوليين)،[31] ونحوه كلام ابن حجر،[32] وقد سبق تقرير هذا.

 

ثانيًا: تحرير قول الإمام مالك: أكثر الإمام مالك[33] في موطئه من الاحتاج بالمرسلات والبلاغات، وقوله تقديم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابي على القياس،[34] قال ابن عبد البر: (والذي عليه جماعة أصحابنا المالكيين إن مرسل الثقة تجب به الحجة، ويلزم به العمل؛ كما يجب بالمسند سواء)،[35] نقل ابن عبد البر عن ابن خويز منداد المالكي البصري أن المرسل أولى من المسند.[36]


ثالثًا: تحرير قول الإمام أحمد: أخذ الإمام أحمد بالحديث المرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، ورجحه على القياس، لكنه يجعله دون الحديث المسند،[37] ويشترط ألا يروي إلا عن ثقة.[38]


رابعًا: مذهب الأحناف في الحديث المرسل:

سبق أن بينا أن الأحناف قسموا الحديث المرسل إلى أربعة أقسام:

فأما القسم الأول: وهي مراسيل الصحابة، فنقل الأحناف الإجماع على استدلال العلماء به،[39] وهو إجماع ثابت.

وأما القسم الثاني والثالث: فهو حجة عند الأحناف، وذهب عيسى بن أبان أنه فوق المسند، هو موضع الخلاف.

فقد كان أبو الحسن الكرخي لا يفرق بين مراسيل أهل الأعصار، وكان يقول: من تقبل روايته مسندًا تقبل روايته مرسلاً، وكان عيسى بن أبان يقول: من اشتهر في الناس بحمل العلم منه تقبل روايته مرسلاً ومسندًا.

 

ويفسر السرخسي عبارته فيقول: (وإنما يعني به محمد بن الحسن رحمه الله، وأمثاله من المشهورين بالعلم، ومن لم يشتهر بحمل الناس العلم منه مطلقًا، وإنما اشتهر بالرواية عنه فإن مسنده يكون حجة، ومرسله يكون موقوفًا إلى أن يعرض على من اشتهر بحمل العلم عنه). [40] وذهب أبو بكر الرازي إلى تفصيل آخر، فجعل المرسل قسمين:

1- أما مراسيل أهل القرون الثلاثة حجة ما لم يعرف منه الرواية مطلقًا عمن ليس بعدل.

2- أن مرسل من كان بعدهم لا يكون حجة إلا من اشتهر بأنه لا يروي إلا عمن هو عدل ثقة.

واحتج الرازي: أن النبي عليه السلام شهد للقرون الثلاثة بالصدق والخيرية، فكانت عدالتهم ثابتة بتلك الشهادة ما لم يتبين خلافهم، وشهد على من بعدهم بالكذب، بقوله: "ثم يفشو الكذب"؛ فلا تثبت عدالة من كان في زمن شهد على أهله بالكذب إلا برواية من كان معلوم العدالة؛ يعلم أنه لا يروي إلا عن عدل، وجعل السرخسي هذا القول أصح الأقاويل.[41]


وأما القسم الرابع: فعزى الأحناف حكمه لأهل الحديث ونقلوا: أن بعضهم أعل الرواية المتصلة بالمنقطعة، وأكثرهم جعل الرواية المتصلة مبينة للرواية المنقطعة، وقبلها.[42]


المبحث الثالث: أدلة المحتجين بالحديث المرسل، عرض ومناقشة:

وفيه كما وعدنا نتناول مطلبين:

المطلب الأول: عرض أدلة المحتجين بالحديث المرسل ومناقشتها:

استدل القائلون بالاحتجاج بالحديث المرسل بأدلة كثيرة، مردها إلى ثلاثة استدلالات وجواب:

أ- الاستدلال بعمل أهل الحديث في قبول المرويات، وهذا من وجوه:

1- أن الدلائل التي دلت على كون خبر الواحد حجة من الكتاب والسنة، كلها تدل على كون المرسل من الأخبار حجة، [43] ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، وحديث: "فليبلغ الشاهد منكم الغائب"؛ حيث لم تفرق بين النذارة والتليغ بإسناد أو بإرسال.

 

والجواب من وجوه:

أ- أن صورة المرسل لا تتحقق في عصر النبوة؛ حيث نزل الخطاب وظهرت دلالته.

ب- أن أدلة قبول خبر الآحاد النقلية إنما تحصلت من مشافهة من يخبرهم بالخبر عمن أخبره، وكذا أدلته العقلية فهي في حجية خبر الآحاد فيما يثمر غلبة الظن، وليس كذلك المرسل.

ج- ما يأتي بيانه من علل في قبول المرسل تجعل قياسه على قبول خبر الآحاد المسند قياس مع الفارق. [44]


2- الاستدلال بعمل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ومن ذلك: قول البراء بن عازب رضي الله عنه: ما كل ما نحدث سمعنا من رسول الله عليه السلام، وإنما حدثنا عنه، لكنا لا نكذب، وقال الأعمش: قلت لإبراهيم: إذا رويت لي حديثًا عن عبد الله فأسنده لي، فقال: إذا قلت لك حدثني فلان عن عبد الله فهو ذاك، وإذا قلت لك: قال عبد الله فهو غير واحد؛ فدل ذلك على أن الإرسال كان معروفًا عندهم وكانوا يحتجون به.[45]


وأجيب: بالفارق بين مراسيل الصحابة ومراسيل غيرهم من وجوه: لخصها الشافعي بقوله:

( أحدها: أنهم أشد تجوّزاً فيمن يروون عنه، والآخر: أنهم يوجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه، والآخر: كثرةُ الإحالة؛ كان أمكن للوَهَم وضعفِ مَن يُقبل عنه).[46]


ثم إن مراسيل الصحابة محمولة على السلامة لأمور:

• لأنهم جميعهم عدول.

• لأن الظاهر فيما أرسلوه أنهم سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي سمعه منه.

• ولأن ما رووه عن التابعين فقد بينوه، وهو أيضًا قليل نادر لا اعتبار به.[47]


وهذا خلاف غيرهم، قال في التبصرة: (جرت عادة أصحاب الحديث بالرواية عن كل أحد؛ ولهذا قال ابن سيرين: لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية؛ فإنهما لا يباليان ممن أخذا ).[48]


لذا رد جماعة من الصحابة والتابعين الحديث المرسل، من ذلك ما رواه مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن عباس أنه لم يقبل مرسل بعض التابعين، مع كون ذلك التابعي ثقة محتجًا به في الصحيحين.[49]


3- ثم استدلوا بعادة الرواة، فقالوا: ( والمعتاد من الأمر أن العدل إذا وضح له الطريق واستبان له الإسناد طوى الأمر وعزم عليه، فقال قال رسول الله، وإذا لم يتضح له الأمر نسبه إلى من سمعه لتحمله ما تحمل عنه).[50]

وأجيب: ( يجوز أن يكون قد أرسل لما ذكرتم، ويجوز أن يكون قد أرسل؛ لأنه نسي المروي عنه، وهذا هو الأكثر؛ لأنه جرت العادة أنهم يقولون عند النسيان: قال النبي عليه السلام، وعند الذكر والحفظ يذكرون الإسناد، ويجوز أن يكون قد أرسل؛ لأنه لم يرض الرواية عنه، أو يستنكف عن الرواية عنه، وإذا احتمل هذا سقط ما ذكروه، وعلى أن أكثر ما في هذا أن يكون المروي عنه عنده ثقة؛ فأرسل عنه، وبهذا القدر لا يلزمنا العمل به حتى يبينه لنا فننظر في عدالته)،[51] ومما يدل على ذلك: أنهم يمسكون عن تعديل الراوي وجرحه؛ فإذا سئلوا عنه جرحوه تارة وعدلوه أخرى، فعلم أن إمساكهم عن الجرح ليس بتعديل.[52]


ب- الاستدلال بالقياس، وله وجوه:

1- القياس على الاحتجاج بمراسيل الصحابة، وقد سبق.

2- قياس الإرسال على الإسناد، فلو أن الراوي قال: روى فلان عن فلان قبل ذلك منه، وإن لم يقل: حدثني ولا سمعته منه، وهذا في معنى الإرسال، ولو قيل: جاز ذلك لأن محمول على أنه سمعه منه إحسانًا بالظن بالراوي؛ فكذلك يقال في المرسل.[53]

وأجيب: أنه لو قال المرسل: حدثني العدل الثقة عندي بكذا لم يقبل حتى يذكر اسمه، فكيف وقد أسقطه تمامًا.

ثم يقال: (مدار العمل بهذه الأخبار على الظن؛ فإذا قال الراوي: قال فلان عن فلان، وقد أطال صحبته، كان ذلك دليلاً على أنه سمعه منه، ومتى لم يعلم أنه صحبه لم يقبل حديثه).[54]


ج- الاستدلال بدفع اللوازم الباطلة من ترك الاحتجاج بالمرسل، وله وجوه:

1- ما يترتب عليه من الطعن في الرواة العدول، قالوا: ( من علم أنه لا يستجيز الشهادة على غير رسول الله بالباطل؛ فكيف يظن أن يستجيز الشهادة على رسول الله بالباطل ؟ مع قوله عليه السلام: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار").[55]


وأجيب: أنا لا نسلم بذلك، (باحتمال ظنه عدالته، وليس في نفس الأمر كذلك، ويجوز أنه لو أظهره لاقتضى نظرنا أنه غير عدل)، [56] ثم يقال أيضًا: يجوز أن لا يعرفه، وهو ممن يعتقد جواز الرواية عن المجاهيل.[57]


2- استدلوا كذلك بما يترتب على رد الحديث المرسل، فقالوا: ( وفيه تعطيل كثير من السنن).[58] وقالوا: لو لم يكن المرسل حجة لما اشتغل الناس بروايته وكتبه.

 

وأجيب من وجهين:

أ- أن الخبر المسند يوجب العلم أو غلبة الظن وهو كافٍ في بيان الأحكام.

ب- أن الاشتغال بكتابتها قد يكون للترجيح بها، أو البحث عما يقويها، أو يكون كالاشتغال بمعرفة المنسوخات، مع رفع حكمها.[59]


د- وأجابوا عن حجة النافين للاحتجاج بالحديث المرسل بأجوبة، منها:

1- قال البزدوي: (فأما قوله: إن الجهالة تنافي شروط الحجة فغلط؛ لأن الذي أرسل إذا كان ثقة تقبل إسناده لم يتهم بالغفلة عن حال من سكت عن ذكره، وإنما علينا تقليد من عرفنا عدالته لا معرفة ما أبهمه، ألا ترى أنه إذا أثنى على من أسند إليه خبرًا، ولم يعرفه بما يقع لنا العلم به صحت روايته؛ فكذلك هذا). [60]

وأجيب: بأن كثير من الرواة رووا عمن لا يحتج بحديثه؛ لظنهم الحجة به، ولم يقبل ظنهم، قال الترمذي في العلل: (ومن ضعف المرسل فإنه ضعف من قبل أن هؤلاء الأئمة حدثوا عن الثقات وغير الثقات، فإذا روى أحدهم حديثًا وأرسله، لعله أخذه عن غير ثقة، قد تكلم الحسن البصري في معبد الجهني ثم روى عنه).[61]


2- وأجاب المحتجون بالمرسل: لا نستطيع أن نعلم استجماع شروط الرواية في الراوي إلا ممن أدرك أو سمع منه، فإذا ضمن ذلك وأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم دل على استجماع الشروط عنده.

 

وأجيب: بأمثلة كثيرة كان الراوي فيها يرسل دون أن يضمن استجماع شروط الصحة، من ذلك ما رواه ابن حزم بإسناده: (عن النعمان بن راشد عن زيد بن أبي أنيسة أن رجلاً أجنب فغسل؛ فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو يمموه، قتلوه قتلهم الله"، قال النعمان: فحدثت به الزهري؛ فرأيته بعد يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: من حدثك ؟ قال: أنت حدثتني عمن تحدثه، قلت: عن رجل من أهل الكوفة، قال: أفسدته في حديث أهل الكوفة دغل كثير ).[62]


حجة من قال: المرسل أقوى من المسند:

1- وذلك لأن من اشتهر عنده حديث بأن سمعه بطرق طوى الإسناد لوضوح الطريق عنده، وقطع الشهادة بقوله: قال رسول الله عليه السلام، وإذا سمعه بطريق واحد لا يتضح الأمر عنده على وجه لا يبقى له فيه شبهة؛ فيذكره مسندًا على قصد أن يحمله من يحمل عنه.

 

وأجاب الشوكاني بقوله: (أن الثقة قد يظن من ليس بثقة ثقة عملاً بالظاهر، ويعلم غيره من حاله ما يقدح فيه، والجرح مقدم على التعديل).[63]


ثم يقال: إن (لقاء التابع لرجل من أصاغر الصحابة شرف وفخر عظيم؛ فلأي معنى يسكت عن تسميته لو كان ممن حمدت صحبته، ولا يخلو سكوته عنه من أحد وجهين: إما أنه لا يعرف من هو ولا عرف صحة دعواه الصحبة، أو لأنه كان من بعض ما ذكرنا).[64]


ثم يقال: إن الجهالة بعين الراوي آكد من الجهل بصفته؛ وذلك لأن من جهلت ذاته فقد جهلت صفته، ولو كان الراوي معلوم العين مجهول الصفة لم يكن خبره مقبولاً، فإذا كان مجهول العين والصفة أولى أن لا يكون خبره مقبولاً.[65]


ومن هنا يتبين ضعف أدلة الأحناف، والله أعلم، قال ابن حزم: (فإنما أوقعهم في الأخذ بالمرسل: أنهم تعلقوا بأحاديث مرسلات في بعض مسائلهم، فقالوا فيها بالأخذ بالمرسل، ثم تركوه في غير تلك المسائل، وإنما غرض القوم نصر المسألة الحاضرة بما أمكن من باطل أو حق، ولا يبالون بأن يهدموا بذلك ألف مسألة لهم، ثم لا يبالون بعد ذلك بإبطال ما صححوه في هذه المسألة إذا أخذوا في الكلام في أخرى).[66]

 

المطلب الثاني: عرض أدلة المانعين إجمالاً:

تحرير قول المانعين للاحتجاج بالحديث المرسل:

قال الجويني: (والذي لاح لي أن الشافعي ليس يرد المراسيل، ولكن يبغي فيها مزيد تأكيد بما يغلب على الظن، من جهة أن الإرسال على حال يجر ضربًا من الجهالة في المسكوت عنه؛ فرأى الشافعي أين يؤكد الثقة، فليثق الناظر بهذا المسلك الذي ذكرته، فعلى الخبير سقط، وقد عثرت من كلام الشافعي على أنه إن لم يجد إلا المراسيل مع الاقتران بالتعديل على الإجمال؛ فإنه يعمل به، فكأن إضرابه عن المراسيل في حكم تقديم المسانيد عليها، وهذا إذا اقترن المرسل بما يقتضي الثقة، وهذا منتهى القول في ذلك، والله أعلم).[67]


أدلة المانعين إجمالاً:

استدل النافون لحجية الحديث المرسل بأدلة، منها:

أ‌- من الكتاب: قوله تعالى: ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، قال حماد بن زيد: هذا فيمن رحل في طلب العلم، ثم رجع به إلى من وراءه؛ ليعلمهم إياه، قال الحاكم: (ففي هذا النص دليل على أن العلم المحتج به هو المسموع غير المرسل)، [68] ومن السنة حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون، ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم".

ب‌- لأن العدالة شرط في صحة الخبر، والذي ترك تسميته يجوز أن يكون عدلاً، ويجوز أن لا يكون عدلاً؛ فلا يجوز قبول خبره حتى يعلم.[69]

ج- أن الخبر كالشهادة في اعتبار العدالة، وقد ثبت أن الإرسال في الشهادة مانع من قبولها؛ فكذلك الخبر.[70]

د- تغير لناس وظهور الكذب والبدع فبهم، أخرج مسلم عن ابن سيرين قال: لقد أتى على الناس زمان وما يسأل عن إسناد حديث، فلما وقعت الفتنة سئل عن إسناد الحديث؛ فينظر من كان من أهل السنة يؤخذ من حديثه، ومن كان من أهل البدع ترك حديثه.[71]


ج- سبب الخلاف في المسألة وذكر الراجح:

سبب الخلاف مبني على أصل اختلفوا فيه: هل رواية الثقة عن غيره تعديل له أم لا ؟

والجواب: التفصيل بين أن يعرف من عادته التزام ذلك بأن لا يروي إلا عن ثقة، أو يعرف صحة الحديث ذاته بما احتف به من قرائن وشواهد، فيقبل الحديث المرسل بقوة الاعتضاد أو بقودة الاستدلال، والله أعلم.[72]

 

المبحث الرابع: أثر الاختلاف في الاحتجاج بالحديث المرسل على المسائل الفقهية: وتحته مطلبان:

المطلب الأول: مسألة نقض الوضوء من القهقهة في الصلاة:

صورة المسألة:

القهقهة ما يكون مسموعًا له ولجيرانه، بخلاف الضحك ما يكون مسموعًا له دون جيرانه، أما القرقرة فهي الضحك العالي إن ظهر به حرفان أو حرف مفهم، والتبسم ما لا صوت فيه، فالتبسم مبادىء الضحك، والضحك انبساط الوجه وبدو الأسنان، والقهقهة اشتداد الضحك.[73]


ب- سبب الخلاف: حديث أبي العالية في الوضوء من الضحك في الصلاة، وقد أجمع أهل الحديث على ضعفه.[74]

قال ابن حزم: (ولم يعيبوه إلا بالإرسال )،[75] وقد رواه أيضًا الحسن وإبراهيم النخعي والزهري مرسلاً، وأسند ابن عدي في الكامل عن علي بن المديني، قال: قال لي عبد الرحمن بن مهدي- وكان أعلم الناس بحديث القهقهة-: إنه كله يدور على أبي العالية.[76]


ج- هل الحديث مرسل ؟

حكم عليه بالإرسال عامة أهل العلم، وقد استوفى الكلام عليه البيهقي في الخلافيات، وجمع أبو يعلى الخليلي طرقه في جزء مفرد، وساقها الدارقطني في سننه،[77] والعلائي في جامع التحصيل لأحكام المراسيل،[78] والزيلعي في نصب الراية،[79] وابن حجر في التلخيص الحبير،[80] وابن عبد الهادي في التنقيح،[81] والألباني في الإرواء،[82] وجمع فيها اللكنوي رسالة سماها: " الهسهسة ينقض الوضوء بالقهقهة".

 

د- هل تنطبق عليه شروط الاحتجاج عند الشافعية ؟

قال ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين لشدة تواتره عن عدد من أرسله، وقال ابن التركماني: (ويلزم الحنابلة أيضًا[83] لأنهم يحتجون بالمرسل، وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به، فأقل أحواله أن يكون ضعيفًا، والحديث الضعيف عندهم مقدم على القياس الذي اعتمدوا عليه في هذه المسألة).[84]


والصواب أنه لا يلزمهما؛ لعدم تحقق شروط الاحجاج به، فرده الشافعي لأن من مرسل الزهري، وهو يروي عن كل أحد؛ ذكره ابن حجر،[85] ورده أحمد مع أنه يحتج بالمراسيل كثيرًا؛ لأن أبا العالية كان يصدق كل من حدثه، ذكره ابن رجب، [86] وقال: (ولم يعضد مرسله هذا شيء مما يعتضد به المرسل، فإنه لم يرو من وجه متصل صحيح بل ضعيف، ولم يرو من وجه آخر مرسل، إلا من وجوه ترجع كلها إلى أبي العالية). [87]


هـ- هل وقع الخلاف الفقهي فعلاً ؟

1- ذهبت الحنفية إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء؛ إذا حدثت من مصل بالغ يقظان في صلاة كاملة ذات ركوع وسجود، سواء أكان متوضئًا أم متيممًا أم مغتسلاً في الصحيح، وسواء أكانت القهقهة عمدًا أم سهوًا، وقدموا الحديث المرسل على محض القياس،[88] وهل نقضت الوضوء؛ لأنها حدث أم عقوبة؟ قولان، أحسنهما: أن القهقهة في الصلاة معصية عظيمة؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحو أثرها بالوضوء،[89] قال ابن عابدين: ورجح في البحر القول الثاني لموافقته القياس؛ لأنها ليست خارجاً نجسًا، بل هي صوت؛ كالكلام والبكاء، وفائدة الخلاف في القولين: تظهر في جواز مس المصحف وكتابة القرآن؛ فمن جعلها حدثًا منع كسائر الأحداث، ومن أوجب الوضوء عقوبة وزجرًا جوز.

 

2- وخالفهم الجمهور: وردوا الحديث المرسل، وقالوا: الوضوء ليس بحدث، ولا يبطل الوضوء خارج الصلاة؛ فلا يبطله داخلها؛ وإنما هي صوت؛ كالبكاء.

 

المطلب الثاني: مسألة من أمسك رجلاً وقتله آخر، هل يعد شريكًا في القتل ؟.

أ‌- محل النزاع: لا خلاف في أن القاتل يقتل، وأن الممسك إذا لم يعلم أنه يقتله لا شيء عليه، واختلفوا إذا أمسكه، وقد علم أنه يقتله.

 

ب‌- سبب الخلاف: ما أخرجه الدارقطني 3/ 140 وابن عدي   ومن طريقه البيهقي 8/ 50 وابن الجوزي في التحقيق 2/ 351 عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل، ويحبس الذي أمسك ".

 

ج- هل الحديث مرسل ؟

قال ابن حجر في بلوغ المرام:[90] (رواه الدارقطني موصولاً، وصححه ابن القطان، ورجاله ثقات، إلا أن البيهقى رجح المرسل).

 

د- هل انطبقت شروط الاحتجاج به عند الشافعية ؟

الجواب: نعم؛ فقد حكم البيهقي على الحديث بالإرسال؛ لأنها رواية الأكثر.

وقوى المرسل فعل علي رضي الله عنه أنه قضى في رجل قتل رجلاً متعمدًا وأمسكه آخر، فقتل الذي قتل , وقال للذي أمسك: أمسكت للموت , فأنا أحبسك في السجن حتى تموت، رواه الشافعي وابن أبي شيبة.

وروي أيضا عن إسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعًا؛ ومراسيل سعيد بن المسيب يقبلها الشافعي؛ لذا صححه المحدث سمير البشيري في تحقيقه للبلوغ، قال: (صحيح، وهو مخرج في الأقضية النبوية لابن الطلاع ص/ 8 منسوختي).

 

وقال ابن حزم: وهو قول علي بن أبي طالب، ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وقد روي في ذلك أثر مرسل...قال: وعهدنا بالحنفيين والمالكيين, يقولون: إن المرسل والمسند سواء، وهذا مرسل من أحسن المراسيل, وقد خالفوه).[91]


هـ- هل وافق الشافعية الأحناف في هذه المسألة الفقهية ؟

ذهب الأحناف والشافعية والعترة ورواية لأحمد:[92] أنه يحبس ولا يقتل؛ لأنه متسبب، والمباشر مقدم على المتسبب في الضمان؛ فيحبس كما فعل بالمقتول.

 

وقال مالك وهي الرواية الثانية لأحمد: يقتل مع القاتل؛ قالوا: لأن القتل حاصل بفعلهما، فيكونان شريكين فيه، فيجب عليهما القصاص؛ كما لو جرحاه،[93] واستدل مالك بقضاء عمر رضي الله عنه، فروى في الموطأ أن عمر بن الخطاب قتل نفرًا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة، وقال عمر: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعًا.[94]


أهم النتائج:

( أ ) ربط الإطلاقات اللغوية لمعنى الإرسال بالمعنى الاصطلاحي.

( ب ) تحرير معنى المرسل عند أوائل المحدثين والمتأخرين منهم، وعند الأصوليين والفقهاء؛ وخصوصًا الأحناف.

( ج ) تفنيد أدلة المحتجين بالحديث المرسل، ومناقشتها بموضوعية.

( د ) مناقشة الأحناف والشافعية في فرعين فقهيين مرتبطين بهذه القاعدة.

والله أسأل أن يبارك لنا في علمنا، وأن يجعله خالصًا لوجهه، نافعًا لعباده، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.



[1] لسان العرب 11/ 281، والقاموس المحيط 3/ 100، وفتح المغيث 1/ 135، والتقريرات السنية على البيقونية للمشاط/ 51.

[2] جامع التحصيل 1 / 24.

[3] معرفة علوم الحديث/ 67.

[4] شرح التبصرة والتذكرة 1/ 180، واليواقيت والدرر 1/ 348، ونقل العلائي في جامع التحصيل/ 47-48، والسيوطي في تدريب الراوي 1/ 202 والتهانوي في ظفر الأماني/ 196-197 عشرة الأقوال في الاحتجاج به.

[5] ( 1/ 439 ).

[6] تدريب الراوي 1/ 195.

[7] علوم الحديث/ 58، والمقنع 1/ 130.

[8] النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 447، و راجع الإبهاج 2/ 339.

[9] ( 2/ 30 ).

[10] أصول السرخسي 1/ 359.

[11] أصول البزدوي 1/ 171.

[12] إرشاد الفحول 1/ 98.

[13] الكفاية في علم الرواية/ 384.

[14] النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 450.

[15] إرشاد الفحول 1/ 98.

[16] النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 499، وانظر فتح المغيث 1/ 140.

[17] رسالة أبي داود/ 24، ونقل ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول عن الأوزاعي خلافه.

[18] أصول البزدوي 1/ 171، ظفر الأماني للكنوي/ 209، قواعد في علوم الحديث للتهانوي/ 139، وأصول الحديث عند الإمام أبي حنيفة/ 44 لأحمد يوسف أبو حليبة.

[19] التوضيح الأبهر لتذكرة ابن الملقن في علم الأثر/ 42.

[20] روضة الناظر لابن قدامة / 126، والمسودة لآل تيمية/ 225، شرح الكوكب المنير 2/ 30.

[21] إرشاد الفحول/ 98.

[22] توضيح الأفكار 1/ 289، والروض النظير 1/ 125.

[23] المجموع 1/ 30.

[24] الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 2/ 136.

[25] الإبهاج 2/ 339.

[26] إرشاد الفحول 1/ 89.

[27] التمهيد 1/ 3-5.

[28] فتح المغيث 1/ 142.

[29] رسالته لأهل مكة/ 24.

[30] فتح المغيث 1/ 140.

[31] (1/ 139).

[32] النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 491.

[33] إعلام الموقعين 1/ 37.

[34] إعلام الموقعين 1/ 38.

[35] التمهيد 1/ 2.

[36] النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 498.

[37] فتح المغيث 1/ 140.

[38] شرح العلل لابن رجب 1/ 312، وإعلام الموقعين 1/ 31.

[39] أصول السرخسي 1/ 361، وأصول البزدوي 1/ 171.

[40] أصول السرخسي 1/ 363.

[41] ( 1/ 363 ).

[42] أصول السرخسي 1/ 364، وأصول البزدوي 1/ 173، وقد بسطها علماء مصطلح الحديث؛ فراجع لها إن شئت: المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي لابن جماعة/ 45.

[43] أصول السرخسي 1/ 360.

[44] توضيح الأفكار 1/ 297.

[45] أصول البزدوي 1/ 172، وأصول السرخسيي 1/ 361.

[46] الرسالة/ 465.

[47] إرشاد الفحول/ 98، والتقييد والإيضاح للعراقي 1/ 75، و الإبهاج 2/ 341.

[48] ( 1/ 327 ).

[49] إرشاد الفحول/ 98، والإحكام لا بن حزم 1/ 144.

[50] أصول البزدوي 1/ 173.

[51] التبصرة 1/ 328.

[52] الكفاية في علم الرواية/ 388.

[53] المنخول/ 274.

[54] المحصول للرازي 4/ 659.

[55] أصول السرخسي 1/ 361.

[56] الإبهاج 2/ 340.

[57] التبصرة 1/ 328.

[58] أصول البزدوي 1/ 173.

[59] التبصرة 1/ 330.

[60] أصول البزدوي 1/ 173.

[61] العلل الصغير للترمذي/ 754.

[62] الإحكام لابن حزم 2/ 145-146.

[63] المغني في أصول الفقه للخبازي/ 190، وكشف الأسرار للبخاري 3/ 2، وإرشاد الفحول/ 98.

[64] الإحكام لابن حزم 2/ 144.

[65] راجع الإحكام للآمدي 2/ 139.

[66] الإحكام لابن حزم 2/ 145.

[67] البرهان 1/ 411، الكفاية في علم الرواية الكفاية في علم الرواية 1/ 386.

[68] معرفة علوم الحديث/ 67.

[69] اللمع في أصول الفقه/ 40، المحصول للرازي 4/ 650-651.

[70] الإحكام للآمدي 2/ 141، و التبصرة 1/ 327.

[71] تدريب الراوي 1/ 203.

[72] النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 475.

[73] نصب الراية 1/ 97، وكنز العمال 7/ 490.

[74] إعلام الموقعين 1/ 37.

[75] الإحكام لابن حزم 1/ 144.

[76] نصب الراية 1/ 10 6.

[77] 59-64.

[78] (1/ 43 ).

[79] ( 1/ 47 ).

[80] ( 1/ 42 ).

[81] ( 1/ 118 ).

[82] ( 2/ 117 ).

[83] المغني 1/ 304، والمجموع 2/ 60، والسيل الجرار 1/ 75.

[84] الجوهر النقي 1/ 144.

[85] النكت على ابن الصلاح 1/ 474، وراجع الإبهاج 2/ 340.

[86] شرح علل الترمذي 1/ 124.

[87] شرح علل الترمذي 1/ 124.

[88] المبسوط 1/ 220، ومجموع فتوى ابن تيمية 1/ 404، وإعلام الموقعين 1/ 37.

[89] المبسوط 1/ 499، وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود 3/ 141.

[90] ( 1/ 248 ).

[91] المحلى 5/ 461-462.

[92] الدراري المضيئة 2/ 162.

[93] المغني 19/ 26، والمجموع 18/ 382.

[94] الموطأ 2/ 871، والروضة الندية 4/ 54.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أقسام الحديث من حيث ورود العلة عليه
  • أقسام الحديث باعتبار المنقول عنه
  • أقسام الحديث باعتبار عدد طرق نقله إلينا
  • أقسام الحديث من حيث قبوله ورده
  • أرجوزة أنفاس السحر في أقسام الحديث والأثر
  • الحديث المرسل: مفهومه، حجيته، آثاره الفقهية
  • الحديث المستفيض
  • الحديث المنسوخ في زواج المتعة: (أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال)
  • الحديث المرسل الخفي: تعريفه ومثال عليه

مختارات من الشبكة

  • الحديث الموقوف والحديث المرسل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حجية الحديث في تقعيد قواعد النحو(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الحديث المرسل بين القبول والرد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحديث المرسل (شـرح المنظومـة البيقونية)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الحديث المرسل ومثال عليه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج ودراسة تسعة أحاديث من جامع الترمذي من الحديث (2995) إلى الحديث (3005) (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • حجية مرسل الصحابي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحاديث الطب النبوي: حجيتها وضوابط فهمها لأبي بكر بن الطيب كافي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حجية أحاديث الآحاد في العقائد والأحكام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دلائل حجية العقل(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب