• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (31)

شرح العقيدة الواسطية (31)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/4/2016 ميلادي - 15/7/1437 هجري

الزيارات: 10984

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (31)


وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانيَةُ: فَهِيَ مَشِيئَةُ اللهِ النَّافِذَةُ وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ، وَهُوَ الإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ وَلا سُكُونٍ إِلا بِمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ، لا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إِلا مَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ، فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ إِلا اللهُ خَالِقُهُ؛ سُبْحَانَهُ لا خَالِقَ غَيْرُه، وَلا رَبَّ سِوَاهُ.


وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.


وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ، وَلا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، وَلا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وَلا يُحِبُّ الْفَسَادَ.


وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، واللهُ خَالِقُ أَفْعَالَهُمْ. وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُصَلِّي وَالصَّائِمُ.


وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أفْعَالِهِمْ وَلَهُمْ إِرَادَةٌ، وَاللهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 28، 29]. وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنَ الْقَدَرِ يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيَغْلُو فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الإِثْبَاتِ حَتَّى سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيُخْرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ حِكَمَهَا وَمَصَالِحَهَا.

♦ ♦ ♦


وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانيَةُ: فَهِيَ مَشِيئَةُ اللهِ النَّافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ. وَهُوَ الإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ وَلا سُكُونٍ إِلا بِمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ، لا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إِلا مَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ، فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ إِلا اللهُ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ، لا خَالِقَ غَيْرُه، وَلا رَبَّ سِوَاهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَالْمُحْسِنِينَ، وَالْمُقْسِطِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ، وَلا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، وَلا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وَلا يُحِبُّ الْفَسَادَ:

المرتبة الثانية وفيها درجتان: مرتبة الإرادة والمشيئة، وهذه مرتبة واحدة؛ أن ما شاءه الله وأراده واقعٌ، وكل مقدَّرٍ فقد شاءه الله وأراده كونًا، الدرجة الرابعة خلقُ الله لأفعال العباد؛ فكلُّ مقدَّرٍ فإن الله خالقُه، قال تعالى في المرتبة الثالثة: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 28، 29]. فمَشيئة الله سابقةٌ ومحيطةٌ بمشيئة العبد، وإرادتُه نافذة، وهذه الإرادة هي الإرادة الكونية العامَّة الشاملة القدرية، لها أربعة أسماء: إرادة شاملة، وكونيَّة، وقدَرية، وعامة. هي بمعنى المشيئة؛ ولهذا فإن مشية الله تأتي بمعنى الإرادة العامة، ولا تأتي بمعنى الإرادة الخاصة وهي الإرادة الدينية، وكل شيء مقدَّرٍ من المقدرات ومقضيٍّ فقد شاءه الله وأراده، ودليل العقل ما أشار إليه الشيخُ أنه لا يمكن أن يقع في ملك الله ما لم يشَأْه ولم يُرِده، وهذا يَقدَح في ربوبيته من جهة قدحِه في مُلكِه.

 

وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، واللهُ خَالِقُ أَفْعَالَهُمْ. وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُصَلِّي وَالصَّائِمُ. وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أفْعَالِهِمْ وَلَهُمْ إِرَادَةٌ. وَاللهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 28، 29]:

المرتبة الأخرى: خلق الله أفعالَ العباد؛ فالله هو خالق العباد، خالق الخلق، وأفعال الخلق هي خلقٌ لله؛ لأن المخلوق وما فعَل كلَّه لله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر: 62]، وقال: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، فعمَلُه - مِن صومه وجهاده، وبنائه وإفساده - اللهُ خلَقَه، لكن الثواب والعقاب يَنزل عليه هو؛ لأنه فعَل ذلك بمحضِ إرادته واختياره، والثوابُ والعقاب على ما يَختاره العبد ويفعله، وليس على مَحضِ القدَرِ وما يَمضي به القدَرُ مما عَلِمه الله وكتبه وشاءه وخلَقَه؛ وذلك لأن الثواب والعقاب رُتِّبا على اختياره.

 

فالله أبانَ لنا الخير، وأبان لنا الشرَّ، وجعل لنا الخير، وفي طريقه مرغِّبات محفزات، وجعل لنا في الشر منغصِّات ووعيدًا، وهنا وعد، وهنا وعيد، وترك لنا الخيار، فما نفعله بمحض اختيارنا يَكون عليه الثواب أو العقاب؛ ولهذا فإن الأفعال غيرَ الاختيارية لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب؛ فالنظرة الأولى معفيٌّ عنها لأنها ليست باختيارنا، وأما النظرة الثانية فعليها ثواب وعقاب؛ لأنها متعلقة بإرادتنا واختيارنا، كما أن الحركة الكثيرة مبطِلة للصلاة، فلو صلى المرتعِش فإن صلاته لا تَبطُل؛ لأن حركته بغير اختياره، وجرَيان الدم في عروقه بغير اختياره، فلم يرتِّب عليه ثوابًا ولا عقابا، أما ما نفعله بمحض الاختيار والإرادة فعليه الثواب والعقاب.

 

وأي فعل فعلناه مهما كان لن يخرج عن دائرة قضاء الله وقدره؛ لأنَّ علم الله تام وقدرته شاملة، وملكه كامل غير ناقص، ولا يمكن أن يقع في ملكه وفي إرادته ما لم يسبق به علمه ولا إرادته، ولا اختياره ولا خلقه، فإذا عرفنا هذا الأصل يَنحلُّ عندنا إشكال هؤلاء القدرية، والمعتزلة، والجهمية بأنواعهم.

 

المرتبة الرابعة: الخلق؛ دل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم - وأصله في مسلم ولفظه في السنن -: ((إِنَّ اللهَ خَالِقٌ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ))؛ ولهذا فالثواب والعقاب يكون على ما يفعله الإنسان بمحض اختياره، وهذه المرتبة التي فيها الدرجتان - درجة الإرادة، ودرجة الخلق - يُنكِرها عامة القدرية (المعتزلة) الذين سمَّاهم النبي مجوسَ هذه الأمة، والحديث رُوِي عن خمسةٍ من الصحابة؛ عن ابن عمر، وجابر، وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم، قال صلى الله عليه وسلم: ((الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ، إِذَا مَاتُوا فَلا تَشْهَدُوهُمْ، وَإِذَا مَرِضُوا فَلا تَعُودُوهُمْ))[1]، وتشبيههم بالمجوس وجهُه أن المجوس أثبتوا خالقَينِ اثنين: النور يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر. وهؤلاء القدرية أثبتوا خالِقِينَ كثيرين فقالوا: العباد يخلقون أفعالهم من غير إرادةٍ من الله، ولا خلقٍ لله لها. وفي مقابلهم الجبرية الذين غلَوا في إثبات القدر، وقالوا: إن العبد مجبور على فعله، لا قدرة له ولا اختيار. وهذا ما سيأتي له مزيدُ بيان.

 

مذهب القدرية مذهبٌ متهافت في الفِطَر والعقول السويَّة، أما العقول المريضة بعلم الكلام ومرض القلوب فإنها تستَسيغه، وأقربُ شواهد ذلك ما ذكَره العلماء أن أعرابيًّا دخل البصرة، فسُرِقَت ناقته، فبحث عنها، وطلبها، ولم يجدها، فدخل الجامع فإذا فيه شيخ له لحية، وعنده طلاب، فاغترَّ به - وقد أحسن به الظن، وكان هذا الشيخ في جامع البصرة هو عمرو بن عبيد القدَري إمام المعتزلة - فقال له: يا شيخ، أنا أتيت من الأعراب (البر) وقد سُرِقت ناقتي، فادع الله أن يردها علي. أي: إنه لا حيلة لي أن أرجِعَ إلا بهذه الناقة، فرفع عمرو بن عبيد يديه قال: اللهمَّ إنك لم تُرِد - أي: لم تُقدِّر - أن تُسرَق ناقته فسُرقَت، اللهمَّ رُدَّها عليه. فقال الأعرابي: مَهْ؛ إذا كان الله عز وجل لم يُقدِّر، ولم يُرِد أن تُسرق ناقتي فسُرِقَت، فأخشى أن يُقدِّر أن ترجع لي ولا ترجع؛ إذا كان يقَع في ملكه ما لا يُقدِّره ولا يريده. فخَصَم الأعرابيُّ وحَجَّ بفِطرته ذلك القدريَّ بمذهبه الفاسد الكاسد.

 

وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنَ الْقَدَرِ:

الدرجة المتضمنة لمرتبتين: مرتبة الإرادة والمشيئة، ومرتبة الخلق.

 

يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ:

أي: عامة المعتزلة؛ فالمراد بالقدرية هاهنا المعتزلة، وكما قلنا: إن وصف القدرية يُطلق على غلاة الإثبات وهم الجبريَّة، ويُطلق على غلاة النفي، ونفاة القدر وهم المعتزلة، وإن إطلاقه على المعتزلة في استعمال العلماء أكثرُ وأشهر.

 

وَيَغْلُو فِيهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الإِثْبَاتِ حَتَّى سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ:

وهم الجبرية، والجبرية هم الجهمية، والعجيب أن الجهمية اشتركوا مع المعتزلة في نفي الصفات، فالجهمية شيوخهم، والمعتزلة لهم تبع، فمذهبهم في الصفات مذهب واحد، بل حتى في الأسماء عند التحقيق؛ لأن المعتزلة موقفهم من أسماء الله على قولين: فغلاتهم ينفون أسماء الله تعالى كما ينفون الصفات، وعامتهم يقولون: إن الله تعالى له أسماء لا تدل على ذات، ولا على معنى، بل هي أعلام محضة مجردة. والعلم المحض المجرد الذي لا يفيد صفة، فبالتالي أثبتوا الاسم ظاهرًا، ونفوا معناه وحقيقته، وأما الجبرية الجهمية والمعتزلة في باب القدر فهم على ضدَّين، وقولهما متناقض، فالقدرية المعتزلة ينفون القدر، والجهمية الجبرية يغلون في إثبات القدر، حتى أفضى بهم ذلك إلى سلب قدرة العبد، وأن العبد ليست له قدرة، وإنما هو كريشة في مهب الريح، مثل ورق الشجر إذا حركته الرياح، وكالميت بين يدي مُغسِّله لا قدرة له ولا اختيار، فجعلوا العبد مسلوب القدرة؛ ولهذا سُمُّوا جبرية؛ لأنه بزعمهم أن الله قد أجبره على هذا الفعل، وهذا من أقبح الأقوال وأشنعها؛ أن يُعْتَقد أن الله أجبر خلقه ثم عذبهم، وهذا هو الظلم الذي لا يليق أن يُنسب إلى خلق الله، فكيف بنسبته إلى الله عز وجل؟!

 

وهؤلاء الذين سلبوا العبد قدرته واختياره جعلوا أفعال العباد كلها أفعالاً اضطرارية غير إرادية، وأفعال العباد على نوعين:

الأول: أفعال اضطرارية؛ كحرَكة الدَّمِ في العروق، والنفَس، وارتعاش المرتعش، والنظرة الأولى... فهذه كلها غير إرادية، وكل فعل غير إرادي لم يُرتَّب عليه لا ثواب ولا جزاء.

 

والنوع الثاني: الأفعال الاختيارية الإرادية التي يَفعلها الإنسان بمحض إرادته واختياره؛ فهذه التي يُرتَّب عليها الثواب إن أحسن، أو الجزاء إن أساء، وهذه المشكلة لم تتبيَّن لهؤلاء، ولا لأولئك؛ لا للجبرية ولا للقدرية، وإن كانت قد تبينت لهم، لكنهم عاندوا وكابروا؛ اتباعًا لأصولهم الفاسدة ومذاهبهم الكاسدة.

 

وممن شابه الجبريةَ الأشاعرةُ فقالوا بالكسب، والكسب يَؤول إلى القول بالجبر، ولهذا قال العلماء إن هذه الاصطلاحات: لا حقيقة لها: كسب الأشعري، وطفرة النظامي، وأحوال أبي هاشم تُسمى (الأحوال البهشمية)، والطفرة والأحوال من مذاهب المتكلمين الفلاسفة، كسب الأشعري - منتسب إلى المذهب الأشعري لا إلى الحسن، هذا الكسب الأشاعرة أنفسهم مختلفون في حَدِّه ومعناه، وأقرب ما يُقرب به إلى أذهاننا أن الكسب عندهم وقوع القدر عند المقدور لا بالمقدور، وضربوا له أمثلة، فقالوا: النار من صفاتها أنها حارة تحرق، والإحراق حصل عند النار لا بالنار، القطع حصل عند السكين لا بالسكين. هذا هو الكسب، وحقيقته ومآله إلى الجبر أن الإنسان ليس له قدرة، ولا إرادة، ولا اختيار؛ ولهذا فالأشاعرة في باب القدر أقرب إلى الجبرية، وكذلك هم في باب الإيمان أقرب إلى الجبرية، فكلاهما من المرجئة كما سيأتي.

 

ويستدلون بآيات في القرآن؛ ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17]، فقالوا: إن الله سلَب محمدًا الفعلَ وأثبته لنفسه، وهذا مِن أبطَلِ الباطل، وأسفَهِ السَّفِه، والآية: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17]؛ النبيُّ صلى الله عليه وسلم باشَرَ الرمي، فحَمل التراب تراب بدر، ثم رمى به وجوههم، وقال: ((شَاهَتِ الْوُجُوهُ)). فعَل الأسباب فرمى، ولكن الله تعالى أوصل هذا التراب إلى وجوهِ المشركين جميعًا، وليس معناه: سلب فعله صلى الله عليه وسلم.

 

والعجيب أن هؤلاء الجبرية ومن كان على طريقتهم لا يَنفون الفعل... وإنما يستدلُّون بالقدر في باب المعاد، بمعنى أن هذا الجبريَّ لو أتيتَ وضربتَه على وجهه لا يقول: هذا مجبورٌ فدَعوه. بل ينتقِم لنفسه، ولا يُعوِّل في هذا الباب على القدر، بينما في باب الطاعات، أو ترك المحرمات يبرِّر لنفسه فِعلَه بأنه مجبور، ينتج من ذلك نفيُ الحكمة والتعليل عن أفعال الله تعالى، ولهذا قال:

وَيُخْرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ حِكَمَهَا وَمَصَالِحَهَا:

الجبريَّة - ومعهم الأشاعرة - يَنفون الحكمة والتعليلَ عن أفعال الله، ويترتَّب عليها مسألةُ التَّحسين والتقبيحِ المشهورةُ عند الأصوليِّين، وهي لها علاقة بمذهب المعتزلة والأشاعرة، وهي مِن بِدَعِهم في باب أصول الفقه، وفي باب القضاء والقدَر؛ فهُم ينفون الحكمة والتعليلَ عن أفعال الله.

 

القدرية يَغلون في إثبات الحكم والتعاليل حتى إنَّهم يجعلون لكل شيء حكمة، وأفعال الله كلها لحكم، بعضها عَلِمناها بإعلام الله لنا، وبعضها لم نعلمها؛ قال تعالى: ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 5]، ومن أسمائه سبحانه وتعالى الحكيم؛ أي: الذي له الحكمة التامة في أقواله، وأفعاله، وأوامره، وفي قضائه وقدره.

 

ويَنفون التعليل، والتعليل في الأحكام على نوعين:

تعليلٌ في القدَر؛ فهذا مما أبان الله لنا فيه الحكمة، ومنه أنه لا يتأتى الأولاد إلا بالزواج، ولا يتأتى الزرع إلا بالحرث؛ أي: ببذل أسبابه. وقد تأتي خوارقُ على غير هذا؛ كآدم، وحواء، وعيسى عليهم السَّلام.

 

وهناك تعليلات في أوامره تعالى، منها ما هي مبيَّنة؛ كعِلَّة الإسكار في تحريم الخمر، وعلة التعبُّد في كثيرٍ مِن الأحكام، وعلَّة النجاسة في لحم الخنزير والحمار، وهناك من أوامر الله ما لا نعلم حُكمَه؛ كعدد ركعات المغرب ثلاثًا، والفجر ركعتين فهذه لا نعلم حكمتها.

 

فالأشاعرة والجهمية (وهم الجبرية) في هذا الباب ينفون عن الله تعالى الحكمة في أفعاله، والحكمة في قضائه قدره، وفي أوامره.

 

التحسين والتقبيح هذان المذهبان الخبيثان في هذه المسألة على طرَفَي نقيض؛ فالقدرية المعتزلة يرَون أن التحسين والتقبيح عقليٌّ فقط، والأشاعرة يرون أن التحسين والتقبيح شرعي فقط، وأهل السنَّة وسط في هذا الباب، فالتحسين والتقبيح، ومعرفة حُسن الأشياء وقُبحها يكون بالشرع ويكون بالعقل، وهذا هو التوسُّط.



[1] رواه أحمد (2/ 86)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه أبو داود (4691) عن حذيفة رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح العقيدة الواسطية (26)
  • شرح العقيدة الواسطية (27)
  • شرح العقيدة الواسطية (28)
  • شرح العقيدة الواسطية (29)
  • شرح العقيدة الواسطية (30)
  • شرح العقيدة الواسطية (32)
  • شرح العقيدة الواسطية (34)
  • شرح العقيدة الواسطية (35)
  • شرح العقيدة الواسطية (36)
  • شرح العقيدة الواسطية (37)

مختارات من الشبكة

  • عناية العلماء بالعقيدة الواسطية(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية لعبد العزيز الرشيد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فوائد من شرح العقيدة الواسطية للشيخ سعد بن ناصر الشثري(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. زياد بن حمد العامر)
  • شرح العقيدة الواسطية (39)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (38)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)(كتاب - موقع الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض)
  • شرح العقيدة الواسطية (25)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (24)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح العقيدة الواسطية (23)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب