• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

رسالة في الفقه في الدين

بكر البعداني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/4/2016 ميلادي - 6/7/1437 هجري

الزيارات: 46462

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رسالة في الفقه في الدين


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على محمد سيد المرسلين، القائل: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يفقِّهْهُ في الدين))، وعلى آله وصحبه ومَن تَبِعهم على فقهِهم وهَدْيِهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فإن أعظمَ الطرقِ وأنفعَها، وأحسنَها وأقومَها، وأحدَ أوجب وأهم سبل النصر والتمكين، والغلبة لهذا الدين، هو الفقهُ في الدين؛ ذلك أن الفقه في الدين هو حِرفةُ المصطفى الموروثة، ووصيَّتُه المعلومة، ولبُّ العلوم والمعارف، وقيدُ العلوم والحكم، ومِرقاةُ الصعود إلى الشرف، وأوَّل عتبةٍ للوصول إلى الهدف، وهو بالجملة الطريقُ إلى العلوم الدنيويَّة، والعلوم الأُخْرَوِيَّة.

 

كما أنَّه - أي: الفقهَ في الدين - يُنيرُ الأفئدةَ والبصائر، وتقَرُّ به العيونُ، ويكسو وجهَ صاحبِه الحلاوةَ، ويمنحُه المهابةَ، وهو كجوهرة تتحلَّى به الفُهوم، وكوكب تستضيء به الدروبُ؛ وهو كأعظمِ حسناء يَهيمُ بها صاحبُها، فيُجترُّ معها إلى بحار العلوم، فتَسْري سُلافةُ حبِّها في الأفئدة سَريانَ الماء في العود؛ فيزيد بها صبابةً وكلَفًا، ومحبَّة وشَغَفًا، فيقَر بها عينًا، وينشرحُ لها صدرًا.

 

ناهيك عما يَنسالُ من شفتَيْه من رقائقِ الفصاحة، ودقائقِ البلاغة، فيبتسمُ الثَّغْرُ لحُسنها ولمعانيها المختلفة أوضحَ الابتسام، فيزيدُ بيانُه سِحرًا، وبرهانه قوة وقَدْرًا.

 

إنه - وبحقٍّ - الرتبةُ العظمى، والمنزلةُ الفُضْلى، وهو موهبة ربانيَّة، ومنحةٌ إلهيَّة، لا يجعلها عز وجل تامَّةً كاملة إلا لخاصَّةِ أوليائه المتَّقين، من العلماء العاملين، والأئمة المهتدين.

 

إن الفقه في الدين من أعظمِ المنن وأجلِّ المِنَح، وأعلى الفضائل وأسمى المنازل، وهو الفَيْصلُ بين الحقِّ والباطل، والصَّيْلَمُ بينَ الضلالة والهدى؛ ذلك أن الفقهَ في الدين يُرشدُنا إلى معاني التنزيل ودفائنِه، ونُكَتِه ولطائفِه، ويرشدُنا إلى عمل الطاعة وتجنُّب المعصية، ويتحصَّل منه الفضلُ العظيم في الكتاب، والثوابُ الكبير يوم الحساب.

 

الفقه في الدين يُحفِّزُ العبدَ على القيامِ بأمر الله عز وجل، وأداءِ فرائضه وسننه، ويُحذِّره من مساخطِه، ويحثُّه على محاسن الأعمال، وفضائل الأقوال، والنُّصْحِ لله ولعباده، ويدعوه إلى مكارم الأخلاق، ويصرفُ صاحبَه عن صحبة الفُسَّاق، ويقودُه إلى الخشية، فهو - بحقٍّ - المصباحُ الذي يُضيء لصاحبه في الآخرة، وينتهي به - بعون الله - إلى الجنة.

 

الفقه في الدين كَنزٌ عظيم، ونورٌ يهتدي به المرءُ عند اختلاط الآراء، واختلافِ الأفهام، وتخبُّط الأذهان، لا يَزيد العزيزَ إلا عزًّا، والشريف لا يزيدُه إلا شرفًا.

 

الفقه في الدين دِعامةُ الإسلام[1]، وطريق السلام، وهو أفضلُ العبادة، وعَلَم من أعلام السعادة، وركن من أركان الاستخلاف والخلافة، وشرط رئيسٌ للخيريَّة والسُّؤْدُد في الإسلام؛ كما نطقت بذلك النصوص، مَن حَازَه وأدركه، صحَّ فهمُه، وقَوِي إدراكُه، وحَسُنَ تصرُّفُه في الشرعيَّات والعقليَّات، وكان الفردَ الكاملَ في طوائف أهل العلم.

 

وهو - أعني: الفقه في الدين - جُندٌ عظيم متين، يؤيِّدُ الله به أهلَ اليقين، وهو نِعْمَ المعينُ والنَّصيرُ، والرِّفْد والظهير، وهو ينفعُ ويرفع أهلَه على أَيْكَةِ المَجدِ، فعِذْقُهُم في المجد باسقٌ، وفي الفنون واسقٌ، وهم لا يزالون - ولم يزالوا - في كثرة من الرِّياش، وطَثْرةٍ من المعاش.

 

فأهلُه - بحقٍّ - أولو المعارف والنُّهَى، وذوو البصائرِ والحِجَا، الذين صرَفوا إلى هذا الشأن طرَفًا من عنايتهم، وجانبًا من رعايتهم، فشرَعوا فيه للناس مواردَ، ومهَّدوا فيه لهم معاهد؛ حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياع، وحفظًا لهذا المهمِّ العزيز الغالي من الاختلال.

 

فيا للهِ ما يتضمَّنُه الفقه في الدين من آثارٍ طيبة، ومعالمَ حسنة، لا تستطيع مطاولتَها الأفهام، ولا تتخيَّلها الأوهام، ولا تتصورُها مسارح الأذهان، ولا تطُولها مباني الأفكار، ولا تحصرُها الأقلام!

وكم في طرقاته وبينَ جنَباته من خفايا في الزوايا وخبايا، يَصعُب حصرُها وسردُها، فضلًا عن إدراكها ودركها.

 

تنبيه:

وهنا أنبِّهُ على أمرٍ مهمٍّ؛ وهو أنَّ أهلَه وإن كانوا فيه متفاوتين، إلا أنهم - جميعًا - من مَعِينه الثَّر يَنهلون، وفي ظِلاله الوارفة يتفيَّؤون، ومن أنهاره الجارية يشربون، وهم في كل ذلك يُحْبَرون، إنهم يَنعَمون في حمايته، ويسترْوِحون برعايتِه، وهم فيها يختلفون بحسب الجهد والسعي، والحرص والطلب؛ فلا يَرغبَنَّ - واللهِ - عنه إلا محروم، وقد قيل:

يعشى عن المجدِ الغبيُّ ولن ترى = في سُؤدُدٍ أَرَبًا لغير أريبِ

 

إذًا: فالفقه في الدين: "منزلة لا يَخفَى شرفُها وعَلاؤُها، ولا تحتَجب عن العقول طوالعُها وأضواؤها، وأرفعُها بعدَ فهمِ كتاب الله المُنزَّل: البحثُ عن معاني حديثِ نبيِّه المُرْسَل؛ إذ بذاك تثبتُ القواعد ويستقرُّ الأساس، وعنه يقومُ الإجماع ويصدرُ القياس، وما تَعيَّن شرعًا تَعيَّن تقديمُه شروعًا، وما يكونُ محمولًا على الرأس لا يَحْسُنُ أن يُجعَل موضوعًا، لكنَّ شرط ذلك عندنا: أنْ يُحفَظَ هذا النظامُ، ويُجعَل الرأيُ هو المأمومَ والنصُّ هو الإمامَ، وتُردَّ المذاهبُ إليه، وتُردَّ الآراءُ المنتشرة حتى تقفَ بين يديه، وأمَّا أن يُجعَل الفرعُ أصلًا ويُرَدَّ النصُّ إليه بالتكلُّف والتحيُّل، ويُحمَل على أبعد المَحامل بلطافةِ الوهم وسَعَة التخيُّل، ويُرتكَب في تقرير الآراء الصعبُ والذَّلُول، ويُحتَمل من التأويلات ما تنفِرُ منه النفوسُ وتستنْكِرُهُ العقول؛ فَلَذلك عندنا مِن أردأ مذهبٍ وأسوأ طريقة، ولا تعتقد أنه يَحصُل معه النصيحة للدين على الحقيقة، وكيف يقع أمرٌ مع رجحان منافِيهِ؟! وأنَّى يصحُّ الوزن بميزانٍ مالَ أحدُ الجانبين فيه؟! ومتى يُنصِفُ حاكمٌ مَلكَتْه غضبيَّةُ العصبية؟! وأين يقع الحقُّ من خاطرٍ أخذَتْه العزَّة بالحميَّة؟!"[2].

 

ولذلك لَمَّا كان الفقهُ في الدين يحصل به ومعه ومنه هذا كلُّه، وكان الحضُّ عليه والتأصيلُ له من الأهمية بمكان، كانت هذه الرسالةُ؛ التي هي بعنوان: "الفقه في الدين"؛ للتوصُّل إلى شيءٍ مما يتعلَّق بالفقه في الدين، مما يُطمأَنُّ إليه، ويُنتفَع به، بإذن الله عز وجل، بكلامٍ مختصر، وبأسلوب ميسَّر، فأَسألُ الله عز وجل لي التوفيقَ والسَّداد، والهدى والرشاد.

 

فضل الفقه في الدين:

فأقول: لقد ذمَّ الله المنافقين بأنهم ليسوا أهلَ فقه، فقال عز وجل:﴿ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 7].

لقد كانت هذه الآية حين نزلت على رؤوس المنافقين كالصاعقةِ؛ لأنها رفعَت ما كان قد يُتوهَّمُ من أنهم - أي: المنافقين - حين يقولون ما يقولون، أن يكونوا قالُوه عن بصيرة، أو عن فقهٍ، وأنَّى يكون ذلك وهُم لا فقهَ لديهم أصلًا؟ إذْ معرفةُ هذه الأمور وأمثالِها وأَضْرابها تحتاج إلى فِطنة، والمنافق لا فطنةَ له أصلًا.

 

بل جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خَصلَتان لا تجتمعان في منافقٍ: حسنُ سَمْتٍ، ولا فقهٌ في الدين))[3].

 

وقد قيل[4]: "ليس المرادُ أن إحداهما قد يَحصُل دون الأخرى، بل هو تحريضٌ للمؤمنين على الاتِّصاف بهما والاجتناب عن أضدادهما؛ فإنَّ المنافقَ مَن يكون عاريًا منهما، وهو من باب التغليظ".

 

ويقول ابنُ القيِّم رحمه الله: "فجعَل الفقهَ في الدين مُنافيًا للنفاق"[5].

 

وقال ابن القيم أيضًا: "وهذه شهادةٌ بأنَّ مَن اجتمع فيه حسنُ السَّمْت والفقهُ في الدين، فهو مؤمن... فإنَّ حُسْنَ السمت، والفقهَ في الدين، من أخصِّ علامات الإيمان، ولن يجمعَهما اللهُ في منافق؛ فإن النفاق يُنافِيهِما ويُنَافِيَانِه"[6].

 

كما أن الفقهَ في الدين يُورِثُ الغَيرة على الدين بعلم وبصيرة وحِلم، بعيدًا عن الأهواء والعواطف؛ لأن صاحبَه ينظر في العواقبِ والمآلات، ويدركُ - بنظر ثاقب - ما سَتَؤُول إليه الأمور، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

 

فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((نضَّر اللهُ امرَأً سمِع مِنَّا حديثًا، فحَفِظه حتى يُبلِّغَه؛ فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منه، ورُبَّ حامل فقه ليس بفقيهٍ))[7].

 

الفقه في الدين وصية السلف رضي الله عنهم:

بل لقد كان الفقهُ في الدين من أعظم ما يتواصى به أهلُ العلم والفضل والخير، وأهلُ الدين وحمَلَتُه؛ لأن أفضلَ ما تزيَّن به المرء: الفقهُ في الدين والطلبُ له، والحثُّ عليه والمعرفةُ به، ولأنه مِن أعظم - إن لم يكن أعظمَ - ما يُتقرَّب به إلى الله عز وجل، ولأنه الدليلُ على الخير كله - كما سيأتي - وهو القائد له والآمرُ به، والناهي عن المعاصي والمُوبِقات، وبه يزداد العبدُ معرفةً لله عز وجل وإجلالًا له، وذكرًا للدرجات العلى في المعاد، ناهيك عمَّا في ظهوره للناس من التوقير لأمر صاحبه، والهيبة لسلطانه، والأنسة به، والثقة بعدلِه.

 

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "عليكم بالتفقُّه في الدين، والتفهُّم في العربية، وحُسْن العبارة"[8].

 

وقال الأَزْدِيُّ: سألتُ ابنَ عباس رضي الله عنه عن الجهاد، فقال: "ألا أدلُّك على خيرٍ من الجهاد؟"، فقلتُ: بلى، قال: "تَبني مسجدًا، وتُعلِّم فيه الفرائضَ والسنة، والفقه في الدين"[9].

 

وقال نافع: جاء رجلٌ إلى ابن عمر رضي الله عنه فقال: "يا أبا عبدالرحمن، علِّمْني شيئًا أَنَالُ به خيرًا"، قال: "تَفَقَّهْ في الدين"، قال: "ما أُرَاه فَهِم عني"، فعاوَدَه، قال: "إنما أسألُك أن تعلِّمَني شيئًا أنالُ به خيرًا!"، قال ابن عمر رضي الله عنه: "وَيْحَ الآخَر! أليس الفقهُ في الدين خيرًا من كثير العمل؟! إن قومًا لَزِمُوا بُيوتهم؛ فصامُوا وصلَّوْا حتى يَبِسَتْ جلودهم على أَعْظُمِهم، لم يزدادوا بذلك من الله إلا بُعدًا"[10].

 

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "لَأنْ أتفقَّه ساعةً، أحبُّ إليَّ من أن أُحْيِيَ ليلةً أصلِّيها حتى أصبح، ولَفقيهٌ واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابدٍ، ولكل شيء دِعامة، ودِعامة الدين الفقهُ"[11].

 

وقال عبدُالله بن مسعود رضي الله عنه: "لَأنْ أجلسَ في مجلسِ فقهٍ ساعةً، أحبُّ إليَّ من صيام يوم وقيام ليلة"[12].

 

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لَأنْ أَذكُرَ الفقهَ ساعةً، أحبُّ إليَّ من قيام ليلة"[13].

 

وقال محمد بن شهاب الزهريُّ رحمه الله: "ما عُبِدَ اللهُ بمثل الفقه"[14].

 

يقول ابن القيم: "وهذا الكلام ونحوه يُرادُ به أنَّه ما يُعبَدُ اللهُ بمثل أن يُتعبَّد بالفقه في الدين؛ فيكون نفسُ التفقُّه عبادةً، وقد يراد به أنه ما عُبِدَ الله بعبادةٍ أفضلَ من عبادةٍ يَصحَبُها الفقه في الدين؛ لعِلْم الفقيه في دِينه بمراتب العبادات ومفسداتها، وواجباتها وسننها، وما يكملها وما ينقصُها، وكلا المعنيَيْن صحيح"[15].

 

وقال محمد بن الحنفية رحمه الله: "الكمال في ثلاث: الفقه في الدين، والصبر على النوائب، وحسن تقدير المعيشة"[16].

 

وقال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: "إذا أراد الله تعالى بعبد خيرًا، جَعل فيه ثلاث خِلال: فقهٌ في الدين، وزَهادةٌ في الدنيا[17]، وبَصَرٌ بعيوبه"[18].

 

ولذلك قال في أضواء البيان في إيضَاح القرآن بالقرآن (7/33): "ليس التفقهُ في الدين إلا عِلمَ كتابِ الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم".

 

ولقد أحسن من قال، حين قال[19]:

كلُّ العلوم سوى القرآنِ مشغَلةٌ
إلَّا الحديثَ وإلَّا الفقهَ في الدِّينِ
العلمُ ما كان فيه "قال" "حدَّثَنا
"وما سوى ذاك وَسواسُ الشياطينِ

 

وقال الآخر[20]:

الفقه في الدِّينِ بالآثار مقترنٌ
فاشغَلْ زمانكَ في فِقْهٍ وفي أَثَرِ
فالشُّغْل بالفقه والآثار مُرتَفِعٌ
بقاصد الله فوْقَ الشمس والقَمرِ

 

من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين:

يقول العلامة بكر أبو زيد رحمه الله في مقدمته الأولى لكتاب التقريب لعلوم ابن القيم (ص10): "قد حصل بالتتبع والاستقراء اتِّفاقُ كلمتهم على أنَّ مِن أشرفِ العلوم جمعًا، وأعظمِها خيرًا ونفعًا: علمَ أحكامِ أفعالِ العبيد، المشتهر بعدُ باسم "الفقه الإسلامي"، المشمول في عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من يُرِد الله به خيرًا، يفقهه في الدين))".

 

ولذلك كان للمتفقه في الدين من المنزلة والفضل ما ليس لغيرِه، وقد ورد في الآثار المرفوعة والموقوفة: ((من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين)).

 

أولًا: المرفوع:

لقد بَوَّبَ البخاري في صحيحه[21]، باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ثم ذكر بإسناده حديث حميد بن عبدالرحمن، قال: سمعت معاوية رضي الله عنه خطيبًا[22] يقول: "سمعتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من يُرِد[23] الله به خيرًا، يفقهه في الدين...)) الحديث".

 

وروى أحمد في مسنده[24]، والترمذي في جامعه[25]، والدارمي في سننه[26]، والبغوي في شرح السنة[27]، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين))[28]، وبَوَّبَ عليه "بابٌ: إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا فَقَّهَهُ في الدين".

 

وروى ابن ماجه في سننه[29]، والنسائي في الكبرى[30]، والطحاوي في مشكل الآثار[31]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين)).

 

وروى الطحاوي في مشكل الآثار[32]، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله[33]، والضياء المقدسي في المختارة[34]، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنهما، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيرًا، يُفهِّمه[35]))[36].

 

ثانيًا: الموقوف والمقطوع:

ورَوَى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه[37]، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "من يُرِد الله به خيرًا، يفقهه في الدين".

 

ورَوَى عن عبيد بن عمير قال: "إذا أراد الله بعبد خيرًا، فَقَّهَه في الدين، وألْهَمَه رُشْدَه"[38].

 

وروى عن محمد بن كعب قال: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين، وزَهَّده في الدنيا، وبَصَّره عيبَه، فمن أوتي هذا فقد أوتي خير الدنيا والآخرة "[39].

 

من فوائد هذه الأحاديث وفقهها:

يقول السعدي رحمه الله: "هذا الحديث من أعظم فضائل العلم"[40].

 

وقال العثيمين رحمه الله: "ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم، لكان كاملًا في الحث على طلب علم الشريعة، والفقه فيها"[41].

 

وما ذلك إلَّا لأن في هذه الأحاديث بيانًا لفضل الفقه في الدين وعظيم شرفه، ودليلًا على عظمة شأن التفقُّه في الدين، كما أن فيه دليلًا ظاهرًا على شرف المتفقِّهين في الدين على سائر العلماء، فكيف بمَن سواهم؟!

 

وفيها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل خيريَّة الفرد والأمة مَنُوطة بالفقه في الدين.

 

وفيها كذلك - كما يقول الحافظ المناوي رحمه الله -: "أنَّ العناية الربانية وإن كان غَيَّبَها عنا، فلها شهادةٌ تدل عليها، ودَلالة تهدي إليها؛ فمَن ألهمه الله الفقه في الدين، ظهرَتْ عنايةُ الحق به، وأنه أراد به خيرًا عظيمًا كما يُؤْذِنُ به التنكير"[42].

 

وفيها كذلك - كما يقول السعدي رحمه الله[43] -: "أنَّ العلمَ النافع علامةٌ على سعادة العبد، وأنَّ الله أراد به خيرًا... ودلَّ مفهوم الحديث على أنَّ مَنْ أعرض عن هذه العلوم بالكلية فإن الله لم يرد به خيرًا؛ لحرمانه الأسباب التي تُنَالُ بها الخيرات، وتُكْتَسَب بها السعادة".

 

وقفات مع حديث ((من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين)):

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((مَن)): هذه الصيغة واللفظة مِن صيغ العموم وألفاظه؛ فهي تعني إذًا: أنَّ كلَّ مَن أُعطِيَ فقهًا في الدين، فإن هذا دليلٌ على أنَّ الله قد أراد به خيرًا، وأنَّ كل مَن لم يُعْطَ الفقه في الدين، ما أُرِيدَ به الخيرُ.

 

وكذلك فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((خيرًا)): هذه الكلمة المُنَكَّرة، هي أيضًا من صيغ العموم، وهي تعني - كما يقول الصنعاني -: "أنه لا يُعطاه - يعني: الفقه في الدين - إلا من أراد اللهُ به خيرًا عظيمًا، كما يُرشِد إليه التنكير"[44].

 

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الدين)): يعني في جميع مراتبه وأبوابه؛ كما سيأتي التنبيه عليه.

 

إذًا، فالخير كلُّه في الفقه في الدين، كما أن الشرَّ كلَّه في الجهل بالدين أو الإعراض عنه؛ لأنه لا يكاد يَخفَى على أحد أنَّ مفهوم الشرط أو المخالفة من كلِّ هذه الأحاديث - كما سبق الإشارة إليه في كلام العلامة السعدي -: أنَّ مَن لم يُرزَق الفقه في الدين قد فاته الخير، وماذا بعد الخير إلا الشر؟!

 

يقول الصنعاني رحمه الله: "ومفهوم الشرط أنَّ من لم يتفقه في الدين، لم يُرِد الله به خيرًا، وقد ورد هذا المفهوم منطوقًا في رواية أبي يعلى[45]: ((ومن لم يَفْقَهْ، لم يُبَالِ اللهُ به))"[46].

 

قال السندي رحمه الله[47]: "فأشار إلى أنَّ طالب الفقه كالفقيه، ومن لا فقه له ولا طلب، فلا خير له؛ لتنزيل الحرمان عن خير الفقه مَنزِلَةَ الحرمان عن مُطلَق الخير".

 

ولَمَّا كان الفقه في الدين أمرًا مطلوبًا، جاءت النصوص القرآنية داعيةً إليه، ومُرَغِّبَةً فيه، ومنها:

 

أنَّ الله عز وجل قَرَنَهُ بالنفير في سبيله؛ فقال الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة:122].

 

وفي الآية دلالة على فضل الفقه في الدين، وهي أيضًا أصلٌ في وجوبه، كما نصَّ على ذلك غير واحد من المحقِّقين[48]، وكذا أنَّه يحصُلُ به ما لا يمكن أن يحصُلَ بغيره، بقطع النظر عن المراد من تلك الطائفة؛ فإن الخطاب هنا مُوَجَّهٌ إلى بعضٍ مُبهَم، وفي تعيين هذا المبهَم قولان لأهل العلم[49]، والمهم أنه متعلِّق بواجب كفائيٍّ؛ ولعله من أجل ذلك قال سفيان بن عُيَيْنة رحمه الله : "طلبُ العلم والجهادُ فريضةٌ على جماعتهم، ويجزئ فيه بعضهم عن بعض، وتلا هذه الآية: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم ﴾ [التوبة: 122]"[50].

 

جملة من الفوائد المتعلقة بالآية من كلام العلماء:

وقد قال الخطيب رحمه الله في "الفقيه والمتفقه" (1/ 69-70): "فجعلهم فرقتَيْن، أوجب على إحداهما الجهاد في سبيله، وعلى الأخرى التفقه في دينه؛ لئلا ينقطع جميعُهم إلى الجهاد فتَنْدَرِسَ الشريعة، ولا يتوفروا على طلب العلم؛ فتَغلِب الكفار على الملة، فحَرَسَ بَيْضَة الإسلام بالمجاهدين، وحَفِظَ شريعةَ الإيمان بالمُتعلِّمين"[51].

 

وقال ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة" (1/56): "ندب تعالى المؤمنين إلى التفقهِ في الدين؛ وهو تعلُّمُه، وإنذارُ قومهم إذا رجعوا إليهم، وهو التعليم".

 

وقال السعدي رحمه الله في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" (ص355): "ففي هذا فضيلة العلم؛ وخصوصًا الفقه في الدين، وأنَّه أهمُّ الأمور، وأنَّ من تعلَّم عِلمًا، فعليه نشرُه وبثُّه في العباد، ونصيحتُهم فيه؛ فإنَّ انتشار العلم عن العالم مِن بركته وأجره الذي ينمى له.


وأما اقتصارُ العالم على نفسه، وعدمُ دعوته إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتركُ تعليم الجُهَّال ما لا يعلمون، فأيُّ منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأيُّ نتيجة نَتَجت من علمه؟ وغايتُه أن يموت، فيموت علمُه وثمرتُه، وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه الله علمًا، ومنحه فَهمًا".


وقال ابن حزم رحمه الله في الأحكام (5/689 - محققه): "فبيَّن الله عز وجل في هذه الآية وجهَ التفقه كله، وأنه ينقسم قسمين:

أحدهما: يخُصُّ المرءَ في نفسه؛ وذلك مُبَيَّنٌ في قوله تعالى: ﴿ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: 122]، فهذا معناه: تعليم أهل العلم لمَن جَهِلَ حُكمَ ما يلزمه.


والثاني: تفقُّهُ من أراد وجهَ الله تعالى؛ بأن يكون مُنذِرًا لقومه وطبقته، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43، والأنبياء: 7]، ففرض على كل أحد طَلَبَ ما يلزمُه، على حسَب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه في تعرُّف ما ألزمه الله تعالى إياه"[52].

 

وما من شك أن المتعيِّن اليوم هو التفقه في الدين، وهو مقدم على "النُّفرة للجهاد ومدافعة الظالمين، وحماية الأمة من تسلط الأعداء؛ حتى يأتيَ الجهاد على بصيرة، واضحَ المقصد، بَيِّنَ الهدف، منضبِطًا بضوابط التشريع، بعيدًا عن الانفجارات العشوائية، وهدر الطاقات، وشتات الأمر"[53].

 

ومنها - أي: من النصوص القرآنية -: أنَّ الله عز وجل امتَدح أنبياءه ورسلَه بالفقه في الدين، فقال: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 44].

 

قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ﴿ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾، قال: "أولي القوة في العبادة، والفقه في الدين"[54].

 

ولذلك فقد عَدَّ أهلُ التفسير رحمهم الله هذا القول - كما هو معلوم - أحَدَ الأوجه في تفسير الآية؛ فقالوا: ﴿ وَالْأَبْصَارِ ﴾: "إنه الفقه في الدين"[55].

 

ومنها: أنَّ الله عز وجل امتَنَّ به على نبيه يحيى عليه السلام، فقال عز وجل: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]، قال بعض أهل التفسير[56] في معنى ﴿ الْحُكْمَ ﴾: "الفقه في الدين".

 

ومنها: أنَّ الله عز وجل امتَنَّ به على نبيه يوسف عليه السلام، فقال عز وجل: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22]، والعلم: الفقه في الدين[57].

 

ومنها: أنَّ الله عز وجل امتَنَّ به على لقمان أيضًا، فقال عز وجل:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ [لقمان: 12]، والمعنى - كما يقول الطبري -: "ولقد آتينا لقمان الفقه في الدين، والعقل والإصابة في القول"[58].

 

ومنها: قول الله عز وجل: ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 129]؛ والحكمة: الفقه في الدين، كما قال مالك بن أنس رحمه الله، قال ابن وهب رحمه الله: قلت لمالك: "ما الحكمة؟"، قال: "المعرفة بالدين، والفقه في الدين، والاتِّباع له"[59].

 

ومنها: قول الله عز وجل: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]، والحكمة: الفقه في الدين[60]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، والكثيرة جدًّا...

 

بل منها: أنَّ أحدَ أقوال المفسرين في الكوثر أنه: الفقه في الدين[61]، وانظر ذلك عند تفسير قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ [الكوثر: 1].

 

ولذلك كان من أعظم المناقب أن يقال في أحد: إنه من أهل الفقه في الدين[62]؛ لأنهم هم أهل الحَل والعقد، وهم أولو الأمر الذين تجب طاعتهم، قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]، قال ابن عباس رضي الله عنه: "﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ: ﴾ أولو الفقه في الدين"[63]، وقال مجاهد، وابن أبي نَجِيحٍ رحمهما الله: "أولي الفقه في الدين والعقل"[64].

 

وقال أبو بكر الجصاص رحمه الله: "فإن قيل: أولو الأمر مَن يملك الأمر بالولاية على الناس، وليست هذه صفة أهل العلم؟

قيل له: إنَّ الله تعالى لم يَقُل: مَن يملك الأمر بالولاية على الناس، وجائزٌ أن يسمِّيَ الفقهاء ﴿ أُوْلِي الْأَمْرِ ﴾؛ لأنهم يعرفون أوامر الله ونواهيه، ويَلزمُ غيرَهم قَبولُ قولهم فيها؛ فجائزٌ أن يُسَمَّوْا أولي الأمر من هذا الوجه"[65].

 

وقال عز وجل:﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83]، قال ابن عباس رضي الله عنه: "﴿ أُولِي الْأَمْرِ ﴾ أولي الفقه في الدين، والعقل"[66]، ورُوِيَ مثله عن ابن جريج[67] رحمه الله.

 

ما هو الفقه في الدين ومَن هو الفقيه؟

وهذا كله يَجرُّنا إلى السؤال - المهم والملح - ما هو الفقه في الدين؟! ومن هو الفقيه في الدين؟!

 

معنى الفقه في الدين:

لقد اختلفت عبارات العلماء في ذلك لفظًا، وإن كان الكثير منها يكاد يدل على أمر واحد؛ ولذلك سوف أنقل لك جملة منها مما وقفْتُ عليه كما هي، مع أنَّ بعضَهم قد ينقلُه عن غيره أو مِن غيره، وبعضها - عند التحقيق والتأمل - قد يدخل في بعض، ومنها:

قال سعيد بن جبير - وقد سُئِل عن الفقه في الدين -[68]: "العلم بأمر الله، وما نهى الله عنه، وما أمر مِن العلم بسنَّة نبيِّ الله، والمحافظةُ على ما عَلِمْتَ؛ فذلك الفقه في الدين".

 

وقيل[69]: "هو العلم الذي يُورِثُ الخشية في القلب، ويَظْهَرُ أثرُه على الجوارح، ويَترتبُ عليه الإنذار".

 

وقيل[70]: "هو الفقه في القواعد الخمس، وما يتَّصل من الكلام عليها في الأحكام الشرعية".

 

وقيل[71]: "إن المراد بالفقه علمُ الأحكام الشرعية الاجتهادية".

 

وقيل[72]: "تعلُّم قواعد الإسلام وما يتَّصل بها من الفروع".

 

وقيل[73]: "هو علم الظاهر والغامض من الأحكام، في الحلال والحرام، والأوامر والزواجر والمحبوب، والنوافل والمندوب، وهي الأعمال التي من تعاطاها وعَلِمها وأخذ بها، أوصلتْه إلى جِوار الله تعالى، والجناتِ الطيبة في دار القرار، ووُقِيَ فتنة القبر وعذاب النار".

 

وقيل[74]: "المراد بالفقه الفهم؛ لأنَّ الفهمَ انكشافُ الغطاء عن الأمور، فإذا عَبَدَ اللهَ بما أمر ونهى - بعد أن فَهِمَ أسرار الشريعة، وانكَشف له الغطاء عن تدبيره فيما أمر ونهى - انشرح صدره، وكان أشدَّ تسارُعًا إلى فِعْل المأمور وتجنُّب المنهيِّ، وذلك أعظم الخُيُور، وغيرُه إنما يعبده على مُكابَدة وعُسر؛ لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله تعالى، فالنفس إنما تَنْشَطُ وتَنْقَاد إذا رأت نفْع شيء أو ضُرَّه، وأمَّا مَن فهِم تدبيرَ الله تعالى في ذلك، فينشرحُ صدره ويَخِفُّ عليه فعله؛ فذلك هو الفقه"؛ وهو قول الحكيم الترمذي وجَمْعٍ، كما قال المناوي.

 

وقال التوربشتي رحمه الله[75]: "حقيقة الفقه في الدين ما وَقَع في القلب، ثم ظَهَر على اللسان، فأفاد العملَ، وأَوْرَثَ الخشية والتقوى، وأمَّا الذي يَتَدارس أبوابًا منه؛ ليتَعزَّز به ويَتَأَكَّل به، فإنه بمعزلٍ عن الرتبة العظمى؛ لأن الفقه تَعَلَّقَ بلسانه دون قلبه؛ ولهذا قال عليٌّ رضي الله عنه[76]: ولكني أخشى عليكم كل منافق عليم اللسان".

 

وقيل: "هو عِلْمُ الآخرة الذي هو فرض عين"[77].

 

وقال الصنعاني رحمه الله: "الفقه في الدين تعلُّمُ قواعد الإسلام، ومعرفةُ الحلال والحرام"[78].

 

وقال أيضًا: "المراد به معرفة الكتاب والسنة"[79]، ومراده رحمه الله: معرفتُها التامة، والتي تشمل أيضًا التأملَ فيها، ومعرفةَ ما اشتملت عليه من كُنُوز، وما اشتملت عليه من أحكام، ومن حِكَم... إلخ.

 

وقال السعدي رحمه الله[80]: "والفقه في الدين يشمل الفقهَ في أصول الإيمان، وشرائعِ الإسلام والأحكام، وحقائقِ الإحسان؛ فإن الدين يشمل الثلاثة كلها، كما في حديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بحدودها، ففَسَّر الإيمان بأصوله الستة، وفَسَّر الإسلام بقواعده الخمس، وفَسَّر الإحسان بـ ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).

فيدخل في ذلك: التفقهُ في العقائد، ومعرفةُ مذهب السلف فيها، والتحقُّقُ به ظاهرًا وباطنًا، ومعرفةُ مذاهب المخالفين، وبيانُ مخالفتها للكتاب والسنة.

ودخل في ذلك: علم الفقه؛ أصوله وفروعه: أحكام العبادات والمعاملات، والجنايات وغيرها.

ودخل في ذلك: التفقُّه بحقائق الإيمان، ومعرفةُ السَّيْر والسلوك إلى الله، الموافِقة لما دلَّ عليه الكتاب والسنة.

وكذلك يدخل في هذا: تعلُّم جميع الوسائل المعينة على الفقه في الدين كعلوم العربية بأنواعها.

فمن أراد الله به خيرًا، فقَّهَه في هذه الأمور، ووَفَّقَه لها".

 

وقال العثيمين رحمه الله في بعض دروسه[81]: "والفقه في الدين ليس المقصودُ به فقهَ الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكنَّ المقصودَ به هو علم التوحيد، وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله عز وجل".

 

وقال بعضهم[82]: إن "مراده بالفقه في الدين: العلمُ بالدنيا في باطنه؛ فالمنافق قد يَقصِد سَمْتَ الدين من غير فِقْهٍ في باطنه، وقد يُحَصِّلُ الإنسانُ علمَ الدين ويغلبُه هواه فيخرجُ عن سَمْت الصالحين، فإذا اجتمع الظاهر والباطن انتفى النفاق لا يستوي سره وعلنه".

 

وقال حجة الإسلام رحمه الله[83]: إن "حقيقة الفقه في الدين: ما وقع في القلب، ثم ظهر على اللسان، فأفاد العمل، فأورث الخشية، فالتقوى".

 

وقال ابن رشد رحمه الله - الجَدُّ -[84]: "ليس العلم - الذي هو الفقه في الدين - بكثرة الرواية والحفظ؛ وإنما هو نور يضعُه الله حيث يشاء".

 

وقال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في مقدمة كتابه (الجمع بين الصلاتين في السفر): "والفقه في الدين: هو فهم الكتاب والسنة على ما أراده الله بحسب الطاقة البشرية".

 

وقيل[85]: "هو معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية؛ فمَن لم يعرف ذلك لم يكن متفقِّهًا في الدين، لكن من الناس من قد يَعجِز عن معرفة الأدلة التفصيلية في جميع أموره، فيسقُط عنه ما يعجز عن معرفته، لا كُلُّ ما يعجز عنه من التفقه، ويلزمُه ما يقدر عليه".

 

وقيل[86]: "فَهمُ معاني الأمر والنهي؛ ليَستبصِر الإنسان في دينه".

 

وقيل[87]: "معرفة حِكمة الشريعة: مقاصدها ومحاسنها".

 

وفي الحقيقة يمكن أن نقول بأنَّ الفقه في الدين يشمل كل ما ينفعُ، أو يعودُ على صاحبه بالنفع، وأما الذي لا ينفع، فليس بفقه أبدًا، ولا يمكن أن يكون فقهًا، ولا أن يسمى صاحبُه فقيهًا.

وعليه؛ فإن ما يحمله كلٌّ من الفُسَّاق وغيرهم ليس فقهًا في الدين، وإنْ سمَّوْه أو سمَّاه الناس فقهًا، إلا أنه - عند التحقيق والتحصيل - ليس بشيء، وكذلك فَهمُ المراد من نصوص الشرع؛ سواءٌ أكانت النصوص تتعلق بمسائل الأصول أم بمسائل الفروع، وكذا تقديمُ الآراء والحلول لما يَجِدُّ من أشياء وأمور، استنادًا إلى النصوص الشرعية والفقه فيها، وتكوينُ آراء قائمة على التأمل في الواقع من خلال الخبرات المُكتسَبة، وإعمالُ العقل انطلاقًا من تلك الخبرات، والله أعلم.

 

مَن هو الفقيه في الدين؟

ولذلك يقول الحسن البصري رحمه الله في بيان مَن هو الفقيه في الدين، كما في سنن الدرامي[88] عن عمران قال: "قلتُ للحسن يومًا في شيء: يا أبا سعيد، ليس هكذا يقول الفقهاء؟!"، فقال: "ويحك! هل رأيتَ فقيهًا قطُّ؟ إنما الفقيه الزاهدُ في الدنيا، الراغبُ في الآخرة، البصيرُ بأمر دينه، المداوِمُ على عبادة ربه".

 

وسأل فرقدُ السنجيُّ الحسنَ البصريَّ عن شيء، فأجابه، فقال: "إن الفقهاء يخالفونك"، فقال الحسن: "ثَكِلَتْكَ أمُّك فُرَيْقِدُ! وهل رأيتَ بعينيك فقيهًا؟ إنما الفقيهُ الزاهدُ في الدنيا، الراغبُ في الآخرة، البصيرُ بدينه، المداومُ على عبادة ربه، الذي لا يَهْمِزُ مَن فوقه، ولا يَسْخَرُ بمن دونه، ولا يبتغي على عِلْمٍ علَّمَه الله تعالى أجرًا"[89].

 

ولما سُئل سعدُ بن إبراهيم عن أَفْقَهِ أهل المدينة، قال: "أتْقَاهم"[90].

 

وقال بعض السلف[91]: "إن الفقيه مَن لم يُقَنِّطِ الناس من رحمة الله، ولم يُؤَمِّنهم مكرَ الله، ولم يَدَع القرآنَ رغبةً عنه إلى ما سواه".

 

ولذلك كله يقول ابن القيم رحمه الله: "فهذا القرآن والسنة، وإطلاقُ السلف من الصحابة والتابعين - يدل على أن العلم والمعرفة مستلزمٌ للهداية، وأن عدم الهداية دليلٌ على الجهل وعدم العلم"[92].

 

وإن أحقَّ الناس بهذا الفضل العظيم، وأولى الناس بهذا الخير العميم، الصحابةُ رضي الله عنهم أجمعين؛ فقد رَوى ابن ماجه في سننه[93] عن أبي هارون العبدي، قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنا: ((إنَّ الناسَ لكم تبع، وإنَّهم سيأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا جاؤوكم فاستوصُوا بهم خيرًا)).

 

وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: "هل لك في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه؟ فإنه ما أوتر إلا بواحدة"، قال: "أصاب؛ إنه فقيه"[94].

 

الدعاء بالفقه في الدين:

ومن هنا، ولأجل هذا كله؛ كان الدعاء بالفقه في الدين من أعظم الأدعية نفعًا، وأَجْمَعِها للخير، وكان من أعظم ما يُكافَأُ به مَن يصنع المعروف؛ ألا ترى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يُكافئَ ابنَ عباس رضي الله عنهما على صنيعه - دعا له بهذا الدعاء: ((اللهم فَقِّهه في الدين، وعلِّمه التأويل)).

 

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سكب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وَضوءًا عند خالته ميمونة، فلما خرج، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من وَضَعَ لي وَضوئي؟))، قالت: "ابن أختي يا رسول الله"؛ قال: ((اللهم فقِّهْهُ في الدين، وعلِّمْه التأويل))[95]، وفي البخاري[96]: ((اللهم علِّمه الكتاب))، وفي البخاري[97] أيضًا: ((علمه الحكمة)).

 

وروى غير واحد عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: "أَتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم [وهو يصلي من آخر الليل]، فصليتُ خلفه، فأخذ بيدي فجَرَّني فجعَلَني حِذَاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صلاته خَنَسْتُ، فصلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرف قال لي: ((ما شأني [وفي رواية: ما لك] أجْعَلُكَ حِذائي فتَخْنُسَ؟))، فقلتُ: "يا رسول الله، أوَينبغي لأحد أن يصلِّيَ حذاءك، وأنت رسولُ الله الذي أعطاك الله؟))، قال: فأعجبْتُه، فدعا اللهَ لي أن يزيدَني علمًا وفهمًا"، زاد أحمد: "قال: ثم رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم نام، حتى سمعتُه ينفخ، ثم أتاه بلال فقال: "يا رسول الله، الصلاةَ"، فقام فصلَّى ما أعاد وُضوءًا"[98].


قال الحافظ رحمه الله: "وهذه الدعوة مما تَحَقَّقَ إجابةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها؛ لما عُلِم من حال ابن عباس رضي الله عنهما في معرفة التفسير والفقه في الدين"[99].

 

إذًا؛ فهذه الدعوة النبوية فيها مَنقَبة ظاهرة لعبدالله بن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه "قد خصَّ بالدعوة بالفقه في الدين ربيب بيت النبوة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، فصار - ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم - تَرجُمانَ القرآن وحَبْر الأمة وبحْرها الذي لا ينزف"[100].

 

فائدة:

قال ابن القيم رحمه الله: "والفرق بين الفقه والتأويل أنَّ الفقه هو فَهْمُ المعنى المراد، والتأويل إدراكُ الحقيقة التي يَؤُول إليها المعنى، التي هي أخيَّتُهُ وأصله، وليس كل من فَقِهَ في الدين عرف التأويل؛ فمعرفة التأويل يختصُّ به الراسخون في العلم، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى؛ فإن الراسخين في العلم يعلمون بُطلانَه، والله يعلم بُطلانَه"[101].

 

كيف يكون الفقه في الدين؟

إن الفقه في الدين هو كالمِفتاح؛ لا بد له من أسنان؛ فإن كان المِفتاح لا أسنان له، فهل - يا تُرى - سيكون نافعًا؟ من المؤكَّد أنه لن يكون كذلك، وكذلك الفقه في الدين فإنَّه لا بد له من أسنان، يجدُر بمن أراده الحرصُ عليها والعناية بها، وهذه جملة من الأمور لا يكون الفقهُ في الدين إلا بها:

 

أولًا: الإخلاص.

ثانيًا: التفقُّه: إنَّ من المعلوم والمتقرِّر - عقلًا وشرعًا - أن الفِقْهَ في دين الله عز وجل لا يكون ولن يكون إلا بالتفقُّه؛ كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الفقه بالتفقه))[102].

 

ثالثًا: قَبوله وحبه: قال العثيمينرحمه الله - في بعض دروسه -: "والفقه في الدين يقتضي قَبولَ الدين؛ لأن كل من فَقِهَ في دين الله وعَرَفه، قَبِله وأحَبَّه"[103].

 

رابعًا: العمل بالفقه: إن الفقه في الدِّين لا يتم ولا يستقيم بحال إِلَّا بالعلم والعمل معًا، ومتى تراخى - ولا أقول: تفلَّتَ – أحدُهما من الآخر، كان فاعل ذلك - يقينًا - ليس بفقيه، ولا يُعَدُّ من أهل الفقه في الدين، ولا يدخل فيهم.

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والمقصود هنا أن السعادة - التي هي كمال البهجة والسرور واللذة - ليس هي نفس العلم، ولا تَحْصُلُ بمجرد العلم، بل العلم شرط فيها، بل لا بد من العلم بالله وبأمره، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق على صحته: ((من يُرِد الله به خيرًا، يفقهه في الدين))؛ فكل مَن أراد الله به خيرًا فلا بد أن يُفَقِّهَهُ في الدين، فمن لم يفقِّهه في الدين لم يُرِد به خيرًا، وليس كل من فَقَّهَهُ في الدين قد أراد به خيرًا، بل لا بد مع الفقه في الدين من العمل به، فالفقه في الدين شرط في حصول الفلاح؛ فلا بد من معرفة الرب تعالى، ولا بد مع معرفته من عبادته، والنعيمُ واللذة حاصل بذلك"[104].

 

وقال ابن القيم رحمه الله في معرِض مناقشة بعضهم في حديث معاوية رضي الله عنه السابق: "فدلَّ على أن الفقه مستلزم لإرادة الله الخير في العبد، ولا يُقال: الحديث دلَّ على أن من أراد الله به خيرًا فقهه في الدين، ولا يدلُّ على أن كل من فقهه في الدين فقد أراد به خيرًا، وبينهما فَرْق، ودليلكم إنما يتم بالتقدير الثاني، والحديث لا يقتضيه؛ لأنَّا نقول: النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الفقه في الدين دليلًا وعلامةً على إرادة الله بصاحبه خيرًا، والدليل يستلزم المدلول ولا يتخلف عنه؛ فإن المدلول لازِمُه، ووجود الملزوم بدون لازمه محال"[105].

 

وقال العثيمين رحمه الله: "والفقه في الدين ليس هو العلم فقط، بل العلم والعمل؛ ولهذا حذَّر السلف من كثرة القُرَّاء وقلة الفقهاء، فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "كيف بكم إذا كثر قراؤكم، وقل فقهاؤكم؟"؛ فإذا عَلِم الإنسان الشيءَ من شريعة الله ولكن لم يعمل به، فليس بفقيه، حتى لو كان يحفظ أكبر كتاب في الفقه عن ظهر قلب ويفهمه، لكنْ لم يعمل به، فإن هذا لا يُسمى فقيهًا، يسمى قارئًا، لكن ليس بفقيه، الفقيه هو الذي يعمل بما علم؛ فيَعْلم أولًا، ثم يعمل ثانيًا، هذا هو الذي فقه في الدين، وأمَّا من علم ولم يعمل، فليس بفقيه، بل يسمى قارئًا، ولا يسمى فقيهًا"[106].

 

مراتب الفقه في الدين:

كنا أشرنا فيما سبق أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((في الدين)) يعني: في جميع مراتب الدين وأبوابه، والفقه في الدين مرتبتان:

المرتبة الأولى: ما يُعَبِّرُ عنه بعض أهل العلم بالفقه الأكبر؛ ويراد به: الفقه في الله عز وجل، والفهم في الله عز وجل، ويعنُون به: أسماءه، وصفاته، وأفعاله، وكلَّ ما يتعلق بأمور العقيدة.

وهذه المرتبة هي أفضلهما وأُولاهما وأعظمهما، كما قرر ذلك السلف رِضوان الله عليهم، ونصَّ عليه العلماء رحمهم الله.

 

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "الفقه في الدين - يعني هذه المرتبة - أفضل من الفقه في الأحكام؛ ولَأنْ يتفقه الرجل كيف يعبد ربَّه خيرٌ له من أنْ يجمع العلم الكثير"[107].

 

قال أبو الليث السمرقندي رحمه الله وهو يشرح كلام الإمام: "لِأنَّ الفقهَ في الدين أصلٌ، والفقه في العلم فرعٌ؛ وفضل الأصل على الفرع معلوم"[108].

 

والمرتبة الثانية: يراد بها معرفةُ الأحكام الشرعية؛ الحلال والحرام، وأدلتِهما من الكتاب والسنة، وملازمةُ طريقة الصحابة رضي الله عنهم، وهذا هو الفقه، ومن لم يعرف ذلك لم يكن متفقِّهًا، وأما ما سواه، فإنه يَصرِف ويُبعِد العبدَ عن طريقة السلف، وبمقدار ما يكون ذلك الانصراف أو البعد، يكون البعدُ من الفقه في الدين.

 

وفي ختام هذه الرسالة: ما أحسنَ قولَ بعضهم[109]:

عليك بعلم الفقه في الدين إنه
سيُرفَع فاستدرِكْه قبل صعوده
فمَن نال منه غايةً بلغَ المُنى
وصار مُجِدًّا في بروج سعوده

 

ولذلك وجب التنبيه على أن أهل الإسلام قد غَفَلُوا عن هذا الباب العظيم من أبواب الدين، وتهاونوا في تحصيله، وأُذَكِّر بأنه ما وصل حال المسلمين اليوم إلى ما وصلوا إليه، ولا وُجِد هذا الخلل الذي في صفوفهم؛ إلا بتخلِّيهم أو إهمالهم لهذا الأصل العظيم؛ الفقه في الدين.

 

والله وحده عز وجل المسؤول أن يُصلحنا وأحوالَنا وجميع المسلمين، وأن يرزقَنا الفقهَ في الدين، ومتابعةَ سنة سيد المرسلين، وسلوكَ طريق السلف الصالحين، وأن يعيذنا من تلبيس الشياطين، ومن مُضِلات الفتن، وأن يغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، وأن يشفي قلوبنا من الأدواء والأهواء، وأبدانَنا من الأمراض واللَّأْواء، وأن يدفع عن أوطاننا الفتن والبلاء، نحن وجميع المسلمين إنه سبحانه سميع قريب، كريم جواد، عظيم النَّوال.

 

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وتابعيهم وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.



[1] رُوِي في ذلك حديثٌ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لكلِّ شيء دِعامةٌ، ودِعامةُ الإسلام الفقهُ في الدين))؛ أخرجه البيهقيُّ في (شُعَب الإيمان) (3/ 233)، وقال: "تفرَّد به أبو الربيعِ، عن أبي الزِّناد"، وقد ضعَّفه ابن عديٍّ في الكامل (1/ 378) في ترجمة أشعثَ بنِ سعيدٍ، وابنُ الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (1/ 135)، والسَّخاوي في المقاصد الحَسَنة (ص: 534)، والحوينيُّ في النافلةِ في الأحاديث الضعيفة والباطلة (ص: 185)، وفيه أبو الربيع السمَّان؛ وهو: أشعثُ بنُ سعيدٍ، ضعَّفه ابنُ معينٍ، وأحمدُ، والنَّسائيُّ، والبخاريُّ، وقال هُشَيم: "كان يَكذِبُ"، وتركه الدارقطنيُّ، وقال ابنُ القيِّم: "رُوِي من كلام أبي هريرة، وهو أشبهُ"؛ مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 68).

[2] طبقات الشافعية (9/ 230).

[3] أخرجَه الترمذيُّ رقم: (2684)، وعزاه إليه السيوطي في (الدُّرِّ المنثور) (2/ 71)، وقد صحَّحه عبدالحق الإشبيليُّ في (الأحكام الكبرى)، وهذا الحديث كان قد ضعَّفه الألبانيُّ في المشكاة (1/ 47)، ثم تراجَع وصحَّحه بمجموع طرقه، في الصحيحة (1/ 499) رقم: (278).

[4] قاله الطيبُّي كما في (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) (7/ 378)، و(فيض القدير شرح الجامع الصغير) (3/ 441)؛ للمناوي.

[5] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 89).

[6] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 75).

[7] أخرجه أبو داود رقم: (3662)، وصحَّحه الألباني، وهو في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، وله شواهد كثيرة.

[8] فضائل القرآن؛ للقاسم بن سلام.

[9] جامع بيان العلم وفضله (1/ 22-23)، وفيه: ليثُ بن أبي سليم.

[10] الفقيه والمتفقه (1/ 108)؛ للخطيب.

[11] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 192)؛ لأبي نعيم، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 110)، والفقيه والمتفقه (1/ 124) للخطيب، وانظر: أدب الإملاء والاستملاء (ص:60)؛ للسمعاني، وقد رُوِي مرفوعًا ولا يَصِحُّ.

[12] المدخل إلى السنن الكبرى (ص: 305)؛ للبيهقي.

[13] الفقيه والمتفقه (1/ 103)؛ للخطيب.

[14] مصنف عبدالرزاق (11/ 256)، والفقيه والمتفقه (1/ 119)، جامع بيان العلم وفضله (1/ 24)، وذكره البغوي في (شرح السنة) (1/ 279)، والكناني في (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمُتعلِّم) (ص: 9).

[15] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 119).

[16] تاريخ دمشق (54/ 337)، والمجالسة وجواهر العلم (5/ 151) (7/ 175)؛ للدينوري.

[17] في الشُّعَب: "وزهده في الدنيا".

[18] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 213)؛ لأبي نعيم، وشعب الإيمان (7/ 347)؛ للبيهقي، وروي مرفوعًا بنحوه من حديث معاوية رضي الله عنه ولا يصحُّ.

[19] تُنسَب للشافعي كما في (الأماني الشيخونية)؛ للسيد المرتضى، قاله صديق حسن في (الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة)، وكذا عزاها له ابنُ كثير في البداية والنهاية (10/ 254)، على أنه قد نسبها بعضهم لبعض علماء شاش؛ كما في (الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع) (ص: 41)؛ للقاضي عياض، و(شرف أصحاب الحديث) (ص: 52)؛ للخطيب البغدادي، وانظر: (من عيون الشعر في فضل الحديث وطلبه وأهله (1)) على الشبكة المحبوبة (شبكة الألوكة).

[20] الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، (ص: 236).

[21] رقم: (71)، ومسلم رقم: (1037).

[22] في رواية لأحمدَ في مسنده من طريق معبد الجهني (4/ 98) أنه قال: "وكان قلَّما خطب إلا ذكر هذا الحديث".

[23] والمراد بالإرادة هنا: الإرادة القدريَّة الكونيَّة، وهي التي لا بدَّ لكل شيء منها، ولا محيص ولا محيد لأحد عنها، وهي مشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة.

[24] (1/ 306) وقال الأرنؤوط: "إسناده صحيح".

[25] رقم: (2645)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 191) رقم: (1194): "قلت: وهو على شرط الشيخين".

[26] رقم: (2748) وبوَّب عليه: باب: "من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين".

[27] (1/ 285) وقال: "هذا حديث صحيح".

[28] وهو في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ لشيخنا مقبل رحمه الله، وله في الجامع الصحيح (1/ 14): باب: "فضل الفقه في الدين".

[29] رقم: (216)، وبوَّب عليه: "باب فضل العلماء والحث على طلب العلم"، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 191): "هذا سندٌ صحيح على شرط الشيخين".

[30] (3/ 425) ووضَعَه تحتَ باب: فضل العلم.

[31] (4/ 392).

[32] (4/ 394).

[33] (1/ 19).

[34] رقم: (430).

[35] قال الطَّحاوي: "قال أبو جعفر: فعقَلْنا بذلك أن معنى "يُفقِّهه" على معنى ما قد رويناه في هذا الباب أنه يُفهِّمُه" (4/ 394).

[36] وعلَّقه البخاري، وقال الحافظ في فتح الباري (1/ 131)، والعينيُّ في عمدة القاري (1/ 436): "وإسناده حسن"، وقال الألبانيُّ: "رجاله ثقات؛ رجال الستة غير عباد بن سالم؛ فلم أجد مَن ترجمَه"؛ السلسلة الصحيحة (3/ 191)، وانظر: (تغليق التعليق على صحيح البخاري) (2/ 79)؛ للحافظ.

[37] (6/ 240).

[38] المصنف (6/ 240).

[39] المصنف (6/ 240).

[40] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص:33).

[41] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (26/ 24).

[42] فيض القدير شرح الجامع الصغير (1/ 258).

[43] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص: 33).

[44] سبل السلام شرح بلوغ المرام (4/ 205).

[45] أخرجه أبو يعلى (13/ 371)، ولفظه: عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن اللهَ عز وجل لا يُغلَبُ، ولا يُخلَبُ، ولا يُنبَّأُ بما لا يعلمُ، مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُفقِّهه في الدين، ومن لم يُفقِّهْه، لم يُبَل به))، وهو عند الطبراني في مسند الشاميِّين (1/ 240)، وعنه في حلية الأولياء (5/ 219)، لأبي نعيم الأصبهاني، ، وقال صاحب (المجمع) (1/ 183): "وفيه الوليدُ بن محمد الموقري، وهو ضعيف"، وقال الألباني في هذا الحديث: "ضعيف جدًّا" كما في السلسلة الضعيفة (14/ 457) رقم: (6708).

[46] سبل السلام (4/ 205).

[47] حاشية السندي على سنن ابن ماجه.

[48] كالإمام القرطبي في تفسيره (8/ 294).

[49] أحدهما: أنها المتخلِّفة أو الماكثة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قاله ابن عباس رضي الله عنه، كما في (الفقيه والمتفقه) (1/ 279)، وقتادة، ومجاهد.

والثاني: أنها النافرةُ دونَ المتخلِّفة؛ قاله الحسن، واختاره الطبريُّ، ورجَّحه ابن الجوزي، وقال: إنه "أولى الأقوال في ذلك بالصواب"، وصحَّحه ابنُ قيِّم الجوزيَّة رحمه الله، وقال: "وهذا قولُ الأكثرين"؛ انظر: (جامع البيان في تأويل القرآن) (14/ 571)؛ للطبريِّ، والجامع لأحكام القرآن (8/ 294)؛ القرطبي، و(زاد المسير في علم التفسير) (2/ 309)، بدائع الفوائد (4/ 995)، ومفتاح دار السعادة (1/ 56).

[50] جامع بيان العلم وفضله (1/ 10).

[51] وانظر للفائدة: جامع بيان العلم وفضله (1/ 11).

[52] وانظر للفائدة: ضوابط للدراسات الفقهية؛ للدكتور سلمان بن فهد العودة.

[53] مقاصد الشريعة الإسلامية (1/ 9)؛ لمحمد الحبيب بن الخوجة.

[54] أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وكذا ابن جرير (21/ 215)، وانظر: فتح الباري (8/ 546)، وتغليق التعليق على صحيح البخاري (4/ 296)؛ لابن حجر.

[55] تفسير الماوردي (5/ 105)، وانظر: الإتقان في علوم القرآن (1/ 328)؛ للسيوطي.

[56] ومنهم الجزائري في أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (3/ 296).

[57] تفسير البغوي (4/ 226).

[58] تفسير الطبري (20/ 134).

[59] تفسير الطبري (3/ 87).

[60] تفسير الطبري (3/ 211).

[61] انظر: فتح الباري (8/ 732-733)، وإن كان هذا غير مسلَّمٍ بإطلاقه، ولبيانه موضع آخر.

[62] كما قال ابن حبان - مثلًا - في: أحمد بن محمد بن الشرقي؛ صحيح ابن حبَّان رقم: (6576)، وقال: في زبيد بن الحارث الإياميِّ؛ الثقات (6/ 341)؛ لابن حبَّان، وفي يونس بن عبيد بن دينار، كما في (الثقات) (7/ 647) له، وفي إبراهيم بن ميمون الصائغ أبي إسحاق؛ كما في (مشاهير علماء الأمصار) (1/ 195)؛ لابن حبَّان.

[63] الوجوه والنظائر (ص: 74)؛ لأبي هلال العسكري.

[64] المدخل إلى السنن الكبرى (ص:215)؛ للبيهقي، وتفسير الطبري (8/ 500).

[65] أحكام القرآن (3/ 182).

[66] تفسير القرآن (2/ 806)؛ لابن المنذر.

[67] تفسير الطبري (8/ 572).

[68] الفقيه والمتفقه (1/ 190).

[69] مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 708)؛ لأبي الحسن المباركفوري.

[70] انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 8)؛ لبدر الدين العيني.

[71] فيض القدير (1/ 258)؛ للمناوي.

[72] فتح الباري (1/ 165).

[73] الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/ 153)؛ لأبي يعلى القزويني.

[74] فيض القدير (1/ 258)؛ للمناوي.

[75] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (7/ 378)؛ للمباركفوري، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 133).

[76] لم أجده.

[77] فيض القدير (1/ 242)؛ للمناوي.

[78] سبل السلام (4/ 205).

[79] سبل السلام (4/ 206).

[80] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص: 32).

[81] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (26/ 24).

[82] انظر: فيض القدير (3/ 441)؛ المناوي.

[83] انظر: فيض القدير (6/ 242)؛ المناوي.

[84] مسائل أبي الوليد بن رشد (2/ 1327)؛ لأبي الوليد القرطبي، وعنه البهجة في شرح التحفة (1/ 35)؛ لأبي الحسن التسولي.

[85] الفتاوى الكبرى (5/ 123)؛ لابن تيمية، والدرر السنية في الأجوبة النجدية (4/ 39).

[86] الفتاوى الكبرى (6/ 168)، وانظر: لسان المحدثين (ص: 157)؛ محمد خلف سلامة.

[87] مجموع الفتاوى (11/ 354)، مجموعة الرسائل والمسائل (5/ 30)؛ لابن تيمية.

[88] (1/ 337)، والزهد (ص: 8)؛ لابن المبارك، ولأحمد بن حنبل (ص: 267)، وحلية الأولياء (2/ 147).

[89] الطبقات الكبرى (7/ 177).

[90] حلية الأولياء (3/ 169)، وسنن الدارمي (1/ 337)، وإسناده فيه ضعف.

[91] مفتاح دار السعادة (1/ 89).

[92] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 89).

[93] رقم: (249)، وضعفه الألباني.

[94] أخرجه البخاري، رقم: (3554).

[95] أخرجه الطبراني، انظر: السلسلة الصحيحة (6/ 173) رقم: (2589)، وهو في الصحيح المسند؛ لشيخنا مقبل.

[96] رقم: (75).

[97] رقم: (3546).

[98] أخرجه الحاكم (3/ 534)، والرواية الثانية، والزيادة الآتية بين المعقوفتين له، وأحمد (1/ 330)، والسياق له، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وقال الألباني: "هو كما قالا"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 284): "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح"؛ وانظر: السلسلة الصحيحة (2/ 159) رقم: (606)، و(6/ 174) رقم: (2590).

[99] فتح الباري (1/ 170).

[100] التقريب لعلوم ابن القيم (ص: 10).

[101] إعلام الموقِّعين عن رب العالمين (1/ 386)، وانظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (4/ 216)؛ للشنقيطي.

[102] وحسَّنه بشواهده الألباني كما في صحيح الترغيب (1/ 16).

[103] شرح العقيدة الواسطية (ص: 221)، وانظر: مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن عثيمين (8/ 138-181).

[104] الصفدية (2/ 266).

[105] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 89).

[106] شرح رياض الصالحين، عند شرحه رحمه الله حديث: معاوية رضي الله عنه مرفوعًا: ((مَن يُرِد الله به خيرًا، يُفقِّهه في الدين)).

[107] الفقه الأكبر (ص: 82) المنسوب لأبي حنيفةَ.

[108] جهود علماء الحنفيَّة في إبطال عقائد القبوريَّة (1/ 64-65)؛ للأفغاني.

[109] إعانة الطالبين على حلِّ ألفاظ فتح المعين (1/ 22)؛ للنووي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفقه في الدين .. حجر الزاوية
  • الفقه في الدين وفضله
  • الفقه في الدين وأهميته وفضيلته
  • الفقه في الدين

مختارات من الشبكة

  • رسالة إلى أختي المسلمة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كلمة (رسالة أو الرسالة) - تأملات(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إحكام الدلالة لأحكام الرسالة: أدلة مسائل رسالة ابن أبي زيد القيرواني في فقه الإمام مالك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أربع رسائل في الاجتهاد والتجديد للإمام السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رسائل إلى المواهب الصاعدة: رسالة إلى حنان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( الرسالة التبوكية ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الرسالة السينية والرسالة الشينية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رسالة قديمة من دفتر الرسائل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مجموع فيه ثلاث رسائل أولها رسالة في الرسم(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب