• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة: مضت أيام العشر المباركة
    محمد أحمد الذماري
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446 هــ
    أ. شائع محمد الغبيشي
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك: تضحية وفداء، صبر وإخاء
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446 هـ
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    حكم صلاة الجمعة لمن صلى العيد إذا وافق يوم الجمعة ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    المسائل المختصرة في أحكام الأضحية
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    الثامن من ذي الحجة
    د. سعد مردف
  •  
    خطبة عيد النحر 1446 هـ
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    التشويق لفضائل النحر والتشريق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

يا أهل جدة: {وعسى أَن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}

أحمد بن عبدالرحمن آل إبراهيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/12/2009 ميلادي - 28/12/1430 هجري

الزيارات: 76578

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يا أهل جدَّة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}


تأملتُ غالب ما سطَّرتْه أناملُ مفكِّرينا، وما نطقتْ به وسائلُ إعلامنا، حول مصاب أهلنا في جدة - على اختلاف توجُّهات وأهداف تلك الأنامل والوسائل - فوجدتُ أن القضية الأم التي دارت عليها رَحَى كلامهم، وكَثُر حولها شجبهم واستنكارهم هي الفساد الإداري، والغش الميداني الحاصل في مؤسسات الإدارة والتنفيذ في جدة، ولا يَظُنَّنَّ ظانٌّ أني أبرِّئ ساحة مؤسسات الإدارة والتنفيذ مِن توجيه أصابع الاتهام لهم، وسرد قوائم المُساءلات عليهم.

كلا وحاشا، فما حصل يوجب وقفةً حازمةً، ولكن قلوبنا تفطَّرَت حزنًا لأهلٍ لنا فُجِعوا بما أُصِيبوا، فَفَقَدوا آباءهم وأبناءهم وأموالهم، فجاءت كلماتنا مواساةً للأم الثكلى، والأب المكلوم، والأطفال اليتامى، علَّها تكفكف شيئًا من دموع مصابهم، وتخفف بعض آلامهم؛ لتضيء مصابيح الأمل في ظلمة آلامهم، فالآلام حُبْلَى بالآمال، والمِحَن تضمُّ بين جنباتها المِنَح، والليل مهما طال يعقبه الفجر.

فإلى كلِّ مكلوم قد أظلمَت في وجهه الدنيا فأصبح حزينًا حائرًا، وإلى كل مَن أصبح وحيدًا في حياته تائهًا، وإلى كل مَن فَقَدَ حبيبًا على قلبه غاليًا، وإلى كل مَن ضاع ماله أو كثيرٌ مِن ماله، أبشِر بقول الله: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

إن العلاقة بين الحب والخير ليست طردية دائمًا، فمَحبَّة النفس ورغبتها في أمر معيَّن ليست دالَّة على وجود الخير وحصوله في ذلك المحبوب؛ فقد يَكره المرءُ قدَرًا حادثًا، وتكون رحمةُ الله كامنةً في طيَّاته؛ ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، فاللهُ يعلم الخير لعبده، ولو كرهه العبدُ لعدم علمه.

وكم مِن قدَرٍ يحسب الرائي له في بداية أمره أنه الشر المحض، ولكن مع مرور الزمن يبزغ فجر الأمل فيمحو دياجير الألم! ويلوح في الأفق قول الحق تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11].

فيا أهل جدة ليكن قولكم كقول النبي الصابر يعقوب:
﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]، ولتكن قلوبكم مستشعرة موقِنَة ببقية قوله: ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86]، وكما تمَّم اللهُ ليعقوب حُسن ظنِّه بالله تعالى فقال لبنيِّه حين رد الله يوسف وأخويه: ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 96].

فالزموا حسْن الظن بربكم وتعلَّقوا بعظيم الرجاء بكرم مُوجِدكم، فلن يضيع الله آلامكم، وسيحقق لكم آمالكم؛ ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، فالخير في ذاته مُحبَّب للنفوس، فكيف إن كان: ﴿ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]؟!

وإن المتأمل في مصابكم - يا أهلنا - ليلمح مِنَحًا مضمَّنة في هذه المِحَن، وخيرات بين ثنايا هذه المكروهات، ونِعَمًا وإشراقات في هذه المصيبة.

ولعل الانطلاقة لبيان هذه الإشراقات تكون من فاجعة مرَّت على خير أجيال التاريخ، فكسرت قلوبهم، وضاعفت همومهم، حتى نزل القرآن بردًا على قلوبهم، فخفَّف مُصابَهم وهذَّب نفوسهم، تلكم هي حادثة غزوة أحد، حينما ابتُلي المسلمون فيها بقتل وجرح أصابهم، حتى طال القائد الأعلى محمدًا صلى الله عليه وسلم.

فأنزل الله آيات تُتْلَى إلى يوم القيامة ضمَّنها سلوةً لمحزونهم، وهداية لقلوبهم، وعبرة لكل مَن جاء بعدهم؛ ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ... ﴾ [آل عمران: 121]، الآيات. 

الإشراقة الأولى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]:
إنَّ ما يصيب المؤمنَ في حياته مِن مصائب وبلايا لا تجعله يستسلم للهموم والأحزان؛ ذلك لأن المؤمن موقنٌ بأن عيشه في هذه الدنيا مؤقَّت، وعما قريب عنها سيرحل، فيُجازَى بكل ما قدَّم وأخر.

والمرء في دنياه وأخراه دائر بين أمرين: خير يحبه، وشر يبغضه، وذلك الخير المحبوب والشر المبغض دائر بين بقائه وفنائه.

فخير الدنيا ومتاعها وزخرفها مهما عَظُم فهو فانٍ، وشر الدنيا وقسوتها وآلامها وأحزانها كذلك؛ ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾ [النساء: 77]، وفي هذا سلوة للمؤمن وعبرة له حين يصاب ببليَّة، أو ينال عطيَّة؛ وذلك لعلمه أن المكروه مهما عَظُم وقبح فهو فانٍ، وأن المحبوب مهما حسُن وجمُل فهو فانٍ كذلك؛ ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26].

أما خير الآخرة ونعيمها وأنسها، فهو خيرٌ في ذاته وباقٍ على حاله؛ ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]، فالخير وحده ليس بكافٍ، والبقاء وحده ليس بكافٍ كذلك، وإنما اجتماع الخير مع بقائه هو الكمال.

وأما شر الآخرة وعذابها فهو شرٌّ في أصله، ولا يتغير عن حاله؛ ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [فاطر: 36].

فيا أهل جدة، ما أصابكم من بلاء وسوء في دنياكم، فلا تهنوا ولا تحزنوا لأجله فأنتم الأعلون؛ لأن بلاءكم وما أصابكم سيفنَى، وحسْن جزائكم على صبركم - بإذن الله – سيبقى؛ ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]، ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النساء: 77]، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

الإشراقة الثانية: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾ [آل عمران: 140]:
تلكم هي سُنَّة الله في الأرض، يقلِّب الليل والنهار، ويبدل النعمة والنقمة، ويُزاوِج بين الخير والشر، وإن ما أصابكم ليس بدعًا من الأحداث، فقد مسَّ قومًا قبلكم مثل ما مسَّكم أو أشد؛ كغزة وعمان وأندونيسيا وغيرها من البلدان؛ ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، والمؤمن حين يُبصر عظيمَ بلاءِ أخيه يَهون عليه مصابُه وبلاؤه.

والابتلاء من الله للمؤمنين سُنَّة ماضية؛ ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2].

والمصائب في الدنيا مقارنة لها لا تنفك عنها، وحال السراء لا تدوم، بل لا بُدَّ من ضراء تصيب أو تحوم؛ ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].

وإن ملاحظة حسن الجزاء، وكمال العاقبة، ووافر النِّعَم في ماضي الأيام، والموجود منها في حاضرها، كل ذلك مُعين على تخفيف البلاء والصبر على الضرَّاء.

والله جل وعلا حين يصيب عباده إنما ليبلوهم أيُّهم أحسَنُ عملاً، فيظهر عند ذلك الصادق المنيب، مترنمًا بأنين التوبة، ومتقربًا إلى الله بحنين التضرُّع؛ لعل رحمةً مِن الله تدركه؛ ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83- 84]، ففي خبر أيوب ورحمةِ الله له ذكرى وعِبرةٌ لكل عابد معتبر، وهو سبحانه يَبتلي خلْقه ليُقرِّبهم إليه، ويُنشئ لهم من عباداتِ الحال ما يَرفع درجاتهم يوم يلقونه؛ ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]، فاللهَ اللهَ بصِدْق اللجوء إليه، وحُسْن التضرُّع بين يديه؛ فلعل بابًا مِن رحمته فتح لكم لِتلِجوا منه إلى أُنْس في الدنيا، ونعيم باقٍ في الآخرة، وتنالوا بذلك ولاية الله؛ ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [يونس: 62 - 64]، فيا أهلنا، ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140].

الإشراقة الثالثة: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 166]:
إنَّ كل ما هو كائن في الدنيا إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها، إنما هو بعِلْم الله، وبقدَرٍ مِن الله؛ ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 22، 23]،فإذا علِمَ العبدُ ذلك، وآمَن به، ووقر في قلبه عظيمُ رحمةِ اللهِ بعباده، أيقن حينها أن ما أصابه من بلاء فهو الخير المحض، وإنْ لَم يظهرْ له ذلك، وسينكشف له ذلك الخير يومًا من الأيام، فيَعلم حينها أن قلبه قد اشتغل بعظيمِ وقْع العاجل، وغاب عنه عظيمُ خيرِ الآجل.

فيا أهلنا في جدة، أبشروا برحمة الله، فعاجل آلامكم ستبصرونها خيرًا كثيرًا في آجل أيامكم؛ ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

وإن كنتم قد ابتُلِيتُم بفَقْد شيء مِن ملاذِّ الدنيا ومتاعها، فلا تخافوا ولا تحزنوا، فإن الله معكم، ولن يضيعكم، وسيكتب أجركم، وسيجمعكم مع أهلكم في دار كرامته؛ ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]، فالصبر والرضا بما قدر الله وقضى بَلْسَمٌ لجروحكم، وعزاء لمصابكم؛ ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، وجزاء الله للصابرين قد أخفاه لعظيم الأجر لهم؛ فهو سبحانه أكْرَمُ الأكرمين؛ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزُّمر: 10]، ولا تخافوا، فلكم من الله البشرى؛ ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، ولا تحزنوا فلكم منه سبحانه الولاية والمحبة على صبركم؛ ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].

الإشراقة الرابعة: ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [آل عمران: 140]:
يَبتلي اللهُ عبادَه بالمِحَن والبلايا؛ ليظهر صدق المؤمنين بثباتهم، وليُعظم أجر الموتى باتخاذهم شهداء، فمَن بقي بعد البليَّة أكرمه الله بأجر الصبر والبلاء، ومَن مات فيها ألحقه الله بزمرة الشهداء؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما تَعُدُّونَ الشهداءَ فيكم؟))، قالوا: يا رسول الله، مَن قُتل في سبيل الله فهو شهيدٌ، قال: ((إن شهداء أمتي إذًا لقليل))، قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: ((مَن قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومَن مات في الطاعون فهو شهيد، ومَن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد))؛ رواه مسلم (1915).

وعنه رضي الله عنه؛ أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله))؛ متفق عليه.

فمَن فَقَدْتُم في هذه المحنة، فالله أولى به، ورحمة الله أحق به - إن شاء الله - وقدَرُ اللهِ عليهم بالموت ماضٍ ولا مناص، ولعل الله أراد لهم حُسْن الخاتمة؛ ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ [آل عمران: 154]، وهم - بإذن الله - ومِن حُسن ظننا به أنهم ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 171]، نسأل الله أن يرحم موتاكم، وأن يكتبهم في الشهداء.

الإشراقة الخامسة: ﴿ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾:
مِن عدْل اللهِ في الكون أن بنيان الظلْم لا يدوم، ولا محالة يومًا ما سيضمحل ويزول؛ ﴿ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [لقمان: 24]، وهو سبحانه يَسُوق الأقدارَ ليكشف زيف المبطلين، ويظهر احتيال المادِّيِّين؛ ﴿ لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [الأنفال: 37]، وما أصاب أهلنا وإن كان ظاهره السوء، إلا أن الأمور ليست على ظاهرها؛ ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴾ [الكهف: 71]، فهذه الفعلة من الخضر قد ظنها موسى عليه السلام سوءًا لهؤلاء المساكين، ولكن حين استبان الحق ظهر خير ذلك الفعل؛ ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79]، فهذا الخرْق الذي ظنَّهُ موسى عليه السلام شرًّا لهؤلاء المساكين، كان في ظاهر أمره سوءًا وشرًّا عليهم، والحق أن الله قد دفع به شرًّا أعظم منه.

وإنَّ ما أصاب أهلنا في جدة سيفتح ملفًّا طويلاً لمراجعة كثير من الظواهر التي عانَى منها المجتمع؛ من ضياع الأموال، وغلول العمال، وتدليس المناقصات، وغير ذلك كثير؛ فـ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11].

فيا أهلنا في جدة، أبشروا وأملوا، واصبروا وصابروا واحتسبوا؛ ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، والله معكم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 56]، ﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196]، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].

وهو سبحانه يتولاكم برحمته، ويفرغ على قلوبكم صبرًا، ويلهم نفوسكم رشدًا وثباتًا.

أعظم الله أجوركم، وغفر لموتاكم، وجمعكم في دار كرامته؛ ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24].




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هل ستجرف سيول جدة الفساد؟
  • وقفات قرآنية ونبوية مع كارثة سيول جدة
  • سيول جدة.. عبرة وعظة، وموقف المسلم منها
  • يا أهل جدة، لا تحسبوه شرًّا لكم
  • خواطري وأحداث جدة
  • خطبة المسجد الحرام 22/ 1/ 1431هـ
  • وقفات مع قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير)
  • {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} (خطبة)
  • لا تكرهوا الملمات الواقعة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • محاضرات في علم المواريث (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهلا أهلا فيمن حضروا (قصيدة للأطفال)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • الإحرام من جدة لغير أهلها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل وجدت بطلك؟ (خاطرة في قصة أهل موسى عليه السلام)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإحرام من جدة لغير أهلها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ميقات من يعمل في الشرقية وأهله في جدة(مقالة - ملفات خاصة)
  • ما ميقات من يدرس في الشرقية وأهله في جدة ؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/12/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب