تغريدات ربيع الأدب (7)

تغريدات ربيع الأدب (7)

• البارحة زرت مكتبة أنيقة جديدة بمدينتي، فرأيت كتابين لا يوجدان في خزانتي، أولهما في النقد الأدبي لأحد الغربيين، وثانيهما في سيرة الملوك والسلاطين، ثمنهما ليس في متناول يدي، ذهبت بفكري إلى المطبخ فذكرت الدقيق والزيت، والشاي والسكر والحليب، وما إلى ذلك من لوازم العيش، وأنا أبٌ لثلاثة أطفال، فقلت بيني وبين نفسي: (لا أستطيع اقتناءهما)، ثم قبَّلْتهما قبلات يسيرة، وعيني تكاد تفيض من الدمع حزنًا وأسفًا عليهما، ولساني يردد:

وفقد الكتاب كفقد الصواب فيا هول من قد أضاع الكتب!

• قال الدكتور طه حسين في سيرته الذاتية الأيام ج 1 ص: 24:

...وانصرافه هذا عن العبث حبب إليه لونًا من ألوان اللهو، هو الاستماع إلى القصص والأحاديث، فكان أحَب شيء إليه أن يسمع إنشادَ الشاعر، أو حديث الرجال إلى أبيه والنساء إلى أمه، ومن هنا تعلَّم حسن الاستماع!

قلت: وحسن الاستماع من الأخلاق الرفيعة التي يتحلَّى بها مَن كان له نصيب من علم، أو حظ من أدب، وقد قالوا: ومن دقائق الأخلاق فنُّ الإصغاء!

قال عطاء بن أبي رباح: إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأُنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمعتُه قبل أن يُولَد!

وقال سفيان الثوري: إن الرجل لَيحدِّثني بالحديث قد سمعتُه أنا قبل أن تلده أمه، فيحملني حسنُ الأدب أن أسمعه منه.

وقال ابن الرومي:

وتراه يُصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به!

• من أجمل المراثي في الشعر العربي قديمًا وحديثًا: مرثية المتنبي العظيم في قصيدته الرائعة، التي مطلعها:

الحزن يقلق والتجمل يَردعُ والدمع بينهما عصيٌّ طيِّعُ

رثى بها فاتكًا الرومي، الملقب بالمجنون لشجاعته، قصيدة تقطر صدقًا وروعة وحِكَمًا بالغة، كل بيت فيها لا يتركك تنصرف عنه حتى تقرأه قراءات متأنية؛ لذلك قال الزركلي في أعلامه (ج 5 ص: 126 ): وهي من المراثي الفائقة!

قلت فلله أبوه ما أجمل قوله:

ما زلتَ تدفع كل أمر فادح حتى أتى الأمرُ الذي لا يُدْفَعُ!

• الكتاب الموفق عندي هو الذي يترك في نفس القارئ آثارًا جميلة؛ ويجد نفسه تهفو إلى العودة إليه كلما حلقت عصافير الحنين في سماء ذكرياته معه، كعاشق ولهان يحيا متلذذًا بتلك اللحظات السعيدة التي قضاها قرب محبوبه في زمنِ حبهما العنيف!

• لا يكون الأديب أريبًا إلا إذا كان مترفِّعًا عن الصغائر، متواضعًا بلا مبالغة، مُعرِضًا عن اللغو والخطل - ما وَسِعَه الإعراض - وقالبًا ظهرَ المجن لكل شيء قد يحُول بينه وبين السمو الذي ينشده بقلمه الحر، وفكره المستنير!

• جلستُ في حديقة أتحدث في (الهاتف) باللغة العربية الفصيحة إلى صديق من بلد عربي شقيق، فمرتْ بعض النساء بقربي وعيونهن تتسلق جدرانَ جسدي وملامحي؛ بحثًا عن شيء يميزني عن (المغاربة)، فلم يظفرن بطائل، فاكتفين بالحوقلة، وانصرفن إلى حال سبيلهن وعلى ملامحهن مسحة من العجب والاندهاش، وكأنني جئت شيئًا إدًّا!

• أصبح كلُّ من هبَّ ودبَّ يُطلِقُ لسانه في الأحكام الشرعية، والسبب في رأيي هو تعطيل شرع الله؛ فلو كان شرع الله قائمًا، وأمير المؤمنين موجودًا، لَمَا تجرَّأَ كلبٌ على النباح، ولاكتفى باعتقاده وزندقته لنفسه، لا يُمرِّرُها لغيره من السُّذَّجِ الدراويش في العلم المُتَّبعين لكلِّ ناعق، وإن كان هذا الناعق جُوَيْهلاً لا يفرق بين الشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، كفر التابع والمتبوع!

• عندي نسختان من الكتاب الرائع "صيد الخاطر" للعلامة ابن الجوزي، نسخة في مجلد ضخم أنيقة، وأخرى عادية في مجلد صغير بحجم الجيب، هذه الأخيرة أصبحت كمِنشفةِ لليدِ من كثرة قراءتي فيها، فقد كان هذا الكتاب لا يفارقني أبدًا ولا أفارقه، ولا أعرف كتابًا قرأته مراتٍ حتى كدت أحفظ ما فيه كهذا الكتاب، وقد تأثَّرتُ به كثيرًا مذ اكتشفت روعتَه أول مرة من عشر سنوات ونيف، وقد حاولت أن أسير سيرته في كتابي الأول "أفكار على ضفاف الانكسار"، مع وجود الفارق طبعًا!

• الشاعر سلم الخاسر تلميذ بشار بن برد سُمِّي خاسرًا؛ لأنه باع مصحفًا واشترى بثمنه (ديوان امرئ القيس)، وربيع السملالي تُحدِّثُه نفسه ببيع هاتفه الذكي (أيفون 5)؛ ليشتري بثمنه (تاريخ دمشق) لابن عساكر في ثمانين مجلدًا!

• في (أضواء البيان) للعلامة الإمام الشنقيطي عند قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم ﴾ [الإسراء: 9] كلامٌ نفيس جدًّا جدًّا عن الحكمة من تعدد الزوجات، ألقم فيه حجرًا لكل خبيث يزيغ فهمه عن هذا التشريع الرباني!

• حين أجد فائدة في بطن كتاب يطرب لها قلبي، وتنطلق أسارير وجهي، وأتمنى صادقًا لو أن جميع الناس تنتهي إليهم هذه الفرحة وهذه الفائدة!

• يا إلهي! أصبحت أفكِّرُ وأنا نائم، أكثر خواطري أُدوِّنُها بعد استيقاظي من النوم! وأخشى أن تكون هذه علامة من علامات الجنون!

• حين أجلس لكتابة خاطرة من الخواطر الربيعية، أشعر وكأنني فكرة من أفكار حبيبتي المحلقة في سماء أحلامها الوردية!

• إن النفس حدثتني وهي قائلة بعدما رأتني متضايقًا منهارًا: أيها الربيع، ما ينبغي لك أن تكره الحياة وما زال فيها كتاب الله يُتْلى رغم أنف الزنادقة والكفرة والمنافقين!

• يُخيَّلُ إليَّ في كثير من الأحيان أنني مجرد خطأ مطبعي فاحش في كتاب من كتب المغاربة!

• بعد منتصف الليل يحلو لي أن أمدَّ رجلي في (تويتر)، وأُغرِّدُ بما لديَّ من أفكار ربيعية الهوى!

• ركبت البارحة سيارة أجرة، فقال لي السائق: إنه سأل شابًّا عن أسماء العشرة المبشرين بالجنة، فبدأ بعمر المختار، وانتهى بموسى بن نصير!

• أصبحت أجتنب الطريق التي كنت أسلكها لزيارة جدتي الحنون، أما بيتُها فقلبي الصغير أضعف من أن تكون له الشجاعة للذَّهاب إليه!

• قالت لي امرأة فيسبوكية: نظراتك تتطلع إلى الأفق، وكأن ما على وجه الأرض لا يعنيك!

• نعمتان مغبون فيهما كثير من الطواغيت: تطبيق شرع الله، والجهاد في سبيل إعلاء كلمته!

• كان النبي صلى الله عليه وسلم كريمًا كرمًا تجاوز حدَّ السخاء!

• أمرها زوجها أن تحذف نفسها من قائمة ربيع السملالي، فسألتْه بحيرة: ولِمَ أحذِفُه وأنا أستفيد منه كثيرًا؟! فأجابها: أرسلت له طلب صداقة ولم يقبلني! قالت لي معاتبةً: لماذا لم تقبل زوجي يا أستاذ ربيع، وقد بعث إليك طلب صداقة؟ فقلت لها: أنا لا أعرف زوجك يا سيدتي، وكيف سأعرفه وقرابة ألف رجل وامرأة طلباتهم مُعلَّقة عندي لا أستطيع قَبولَهم؛ لأن العدد القانوني منتهٍ عندي؟ فقالت بحسرة: فكيف أصنع الآن وقد أمرني بالحذف؟! قلت لها: افعلي ما أمرتِ به؛ فزوجك أولى طبعًا، فهذا شيء لا يهمني ولا أحب أن أشغل به نفسي! فقالت: أعرفك من ثلاث سنوات، ويؤسفني حقًّا أن تنتهي هذه الصداقة بهذا الشكل! قلت لها: لك أن تتابعيني أنت وزوجك من بعيد دون صداقة، فصفحتي عامة للجميع، والسلام عليكم ورحمة الله!

• اجعل من صفحتك على الفيس بوك كتابًا مفتوحًا، حتى إذا انصرفتَ بهاتفك الذكي إلى أي مكان ترتاده، تجد نفسك وسط حديقة غنَّاء من المعلومات والفوائد والدرر والخواطر التي تنعش الروح وتسعد القلب!

• قد يقول قائل: وكيف يكون ذلك يا مولانا؟ فأجيبه: يكون بحسن اختيارك للأصدقاء من الأساتذة والأدباء والشعراء والكُتَّاب؛ فوالله ما تخلو صفحاتهم من فائدة!

• الأمل هو ذاك الوميضُ الذي يلوح في أفق حياتنا كلما جنَّ ظلام اليأس عليها، هو ذاك البصيص الذي يَشعُّ من كوة صغيرة في جدار أيام البؤساء من أمثالي، هو ذاك الحبل الذي ينتشلنا من بئر تعاستنا، الأمل باختصار هو فسحتنا في الحياة، ولولاه لتمزقنا ألمًا وحزنًا وحسرة، وصدق الطُّغْرائيُّ حين قال:

أُعلِّلُ النفس بالآمال أرقبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمل!

• أن تختاري العيش في كنف رجل أدركتْه حرفة الأدب يعيش في سبيل الكتب، ويحيا في أحضانها، ولا يفارقها إلا لضرورة ليس له منها بد - يعني أنكِ اخترتِ الشقاء والضياع لنفسك، وأنت امرأة رقيقة الحس والأنوثة، تحتاجين مَن يقدّر كلَّ ما فيك من جمال، لا رجلاً كل اهتماماته بغبار مجلداته، وترتيب أوراقه، وبَرْي أقلامه، والانصياع لأفكاره التي ينتظرها معجبوه ومحبوه كما ينتظر الفلاح القطر من السماء!

• قرأت عليها رسائلي بعدما تقدم الليل ونامت الحياة، فجادت عيناها بدموع لم تستطع لها حبسًا!

• الحنين اسم جامع لكل عذاب ينتاب العاشقين كلما هبت رياح الشوق بما لا تشتهي سفينة أمانيهم!

• حبك حلم جميل ملأ أيامي القاتمة بالأشجار والبحار والأنهار والأزهار وسعادة العصافير!