رضا المولى في رحلة الحج الأولى (3)

رضا المَولَى

في رحلة الحج الأُولَى (3)

وصلنا إلى قاعة المؤتمر، وكان العدد الموجود قليلاً، ثم ازداد، ولكنه ربما لم يصل إلى أكثر من خمسين شخصًا.

جلسة أخرى من المؤتمر

وأثناءها طلبوا من الوالد أن يخرج من الجلسة ليشارك في صياغة توصيات المؤتمر، حيث كان أحد أعضاء لجنتها، إضافة إلى خمسة آخرين، ومقرر.

وكان الوالد حريصًا على أن يصحب معه ملاحظاته على توصيات المؤتمر، التي أُرسلت إليه وهو في الرياض، فلم ينسها، ووضعها أمامه حتى تكون أمام عينيه، ونزلنا، ولكن قبل أن ندخل القاعة قلت لوالدي: أين ملف توصيات المؤتمر، ففوجئ وقال: نسيتها في الحافلة.

ومضيت أركض لأصل إليها قبل أن تعود، ولكن فقدناها وفقدنا أثرها. فرجع الوالد وقال لأحد سائقي الرابطة القصة، فقال: أبشر، سأعيدها إليك وأجلبها لك وأنت في القاعة.

فمضينا، وحضرنا جلسات المؤتمر، ولم تمرَّ ربع ساعة حتى كان الملف بين يدينا.

وكان محور الجلسة: "الثقافة الإسلامية: الواقع والتحديات"، والمتحدثون ثلاثة، هم: محمد إبراهيم الشربيني صقر، أستاذ بكلية بهانج الإسلامية في ماليزيا، وكان موضوعه: "الغزو الثقافي والهزيمة النفسية".

والمتحدث الثاني: محمود الذوادي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، وكان موضوعه: "الفرقة والصراع والتعصب"، وتعرَّض أثناء حديثه إلى أهمية اللغة العربية في الثقافة الإسلامية.

والمتحدث الثالث: نور الدين بولحية، وهو أستاذ في جامعة الحاج لخضر بمدينة باتنة بالجزائر، وكان موضوعه: "الجهل والتخلف وغياب المرجعية"، وقد تحدث فيه عن أهمية التخلص من المعلومات الخاطئة في التراث والكتب بشكل عام.

وكانت المداخلات في هذه المرة كثيرة، وبعضها طويلة، أخذت نصيب الآخرين في التعليق والملاحظة.

ثم كانت الجلسة الثالثة في اليوم نفسه، وكان المتحدثون ثلاثة أيضًا، وهم: محمود عطية، أستاذ في جامعة قطر، وكان موضوعه: "معايير قبول المتغيرات الثقافية".

والمتحدث الثاني: محمد زرمان، أستاذ التعليم العالي بجامعة باتنة في الجزائر، وموضوعه: "العلاقة بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى".

والمتحدث الثالث: حسن مسكين، أستاذ المناهج وتحليل الخطاب في جامعة شعيب الدكالي بالمغرب، وموضوعه: "الإعلام والأزمة الثقافية".

وقبيل إغلاق الجلسة، أعلن عن موضوعات بحوث الجلسة التالية مساءً، واسماء أصحابها.

وخرجنا لنصلي صلاة الظهر، يؤمنا فيها أمين الرابطة، ثم رجعنا إلى السكن للغداء وشيء من الراحة، ثم انطلقنا إلى القاعة مرة أخرى لحضور الجلسة الرابعة، وهي بعنوان: "نحو ثقافة واعية"، وكان المتحدثون أربعة:

المتحدِّث الأول الشيخ عبد الرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكان موضوعه: "قراءة في كلمات خادم الحرمين الشريفين وأثرها في بناء الثقافة الواعية".

والمتحدث الثاني: أنور زناتي، أستاذ في قسم التاريخ بجامعة عين شمس، وموضوعه: "الاتصال الثقافي بين الشعوب والمجتمعات الإسلامية"، وقد فصَّل فيه تاريخ الثقافة الإسلامية.

والمتحدث الثالث: عبد الستار الهيتي، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة البحرين، وموضوعه: "التنوع الثقافي ووحدة الأمة الإسلامية".

والمتحدث الرابع: أحمد عيساوي، أستاذ بجامعة الحاج لخضر في الجزائر، وموضوعه: "كيف نبني ثقافة واعية"؟

وكان شقيقي أنس قد سلمني مجموعة نسخ من كتابه الرائع: "10 أيام في البرازيل" الذي دوَّن فيه رحلته الدعوية له إلى هناك، فوزعتها على أساتذة وباحثين قادمين من الخارج، ممن شاركوا في المؤتمر.

كتاب (10 أيام في البرازيل) لشقيقي أنس..

صحبت مجموعة نسخ منه معي إلى الحج لتوزيعها

في هذا اليوم، السادس من شهر ذي الحجة، كانت إدارة السكن حريصة على حضورنا آخر جلسات المؤتمر وتوصياته، فأعلنوا الموعد ثلاث مرات، في كل مرة يقدمون الوقت أكثر، حرصًا منهم على ذلك، فوصلنا إلى إدارة الرابطة قبل الموعد بنحو ساعة، وكان رئيس الجلسة رئيس شؤون الحرمين، والمشاركون في الحديث ثلاثة، بينهم الوالد، وكان أول من ألقى الكلمة، وموضوعه: "التوجهات الثقافية في العالم الإسلامي"، وقد قرأ مقتطفات من بحثه لمدة ربع ساعة فقط، وركز فيه على الثقافة غير الإسلامية، وخطرها على المجتمعات غير المسلمة، وطرح في آخر حديثه، مشروع "الجمعية العالمية للكتاب الإسلامي"، وقد سبق أن دعا إليها دون أن تتبناها جهة عالمية.

أما المتحدث الثاني، فكان رياض العيلة، وهو أستاذ في فرع جامعة الأزهر بغزة، وموضوعه: "الحوار الثقافي العالمي ومآلاته".

والمتحدث الثالث: حسني حمدان الدسوقي، أستاذ بكلية العلوم في جامعة المنصورة بمصر، وقد تكلم عن الإعجاز العلمي وأهميته.

وبعدها كثرت المداخلات والتعليقات، معظمها على كلمة الوالد، ثم استراحة قصيرة، واجتمع إثرها المؤتمرون والحاضرون لقراءة توصيات المؤتمر والاستماع إليها، مع كلمات أخيرة لأمين الرابطة، ومفتي السعودية، وخطيب المسجد الأقصى محمد سلامة.

خطيب المسجد الأقصى، مفتي السعودية، أمين رابطة العالم الإسلامي

وذكر أمين الرابطة في كلمته أنه لم يتوقع هذا الاهتمام الكبير بالثقافة الإسلامية، سواءً من المحاضرين أم المؤتمرين، وأنه يدل على حيوية الموضوع وأهميته، وانتهى المؤتمر.

ولما كان العزم موجودًا للذهاب إلى الحرم، جاء صديقنا المغربي وذكر أن هناك صعوبة في الرجوع، ولا يسمح لكل السيارات بالدخوال في الأنفاق، فأثر ذلك في عزمنا، وبقينا نتردد إلى مصلى الرابطة، ونقرأ وندعو.

وأصابني شيء من المرض، وكذا الوالد، فمررنا على الطبيب، وأسعفنا ببعض الأدوية، ثم خرجنا في جولة إلى الشارع، ومنه إلى مسجد الخَيف، الذي يسع لـعشرات الألوف من المصلّين.

وقبل أن يهلَّ فجر اليوم السابع من ذي الحجة بساعتين، أفقت مع والدي على صياح وتكبيرات الساكن معنا في الغرفة، وقد فزع في النوم، وسمعته يقرأ آية الكرسي كاملة بصوت عال وهو نائم، وسمعه والدي وهو يكبر تكبيرات متتالية بصوت عال جدًّا، وقام بعد ذلك، ونظر إلينا جميعًا، فرآنا ننظر إليه متعجبين، ثم نام مباشرة، وحاولت أن أنام أيضًا، أما الوالد فظن أنه بقيت ساعة واحدة للفجر، فتوضأ ومضى إلى مسجد الخيف يتعبد هناك.

وذكر صديقنا أن ما حدث له في النوم حالةٌ تعتريه أحيانًا بعد دخول لصوص بيته.

وفي ضحى اليوم قرأت في كتب الحج، وتعلمت منها فوائد وأحكامًا تفيدني في حجتي وفي ديني، والوالد يكتب في بطاقات صغيرة، ربما تغريدات، ومواد لصفحته على الفيس بوك.

الوالد يكتب.. كلمات في بطاقات.. وهو في مسجد الخيف