تحقيق تخريج مسألة (من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة) (1)

تحقيق مسألة

من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة

قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: وسمعت أبي وذكر حديثاً رواه حيوة بن شريح، عن أبي الأسود، عن بكير بن الأشج، عن بسر[1] بن سعيد، عن خالد بن عدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف[2] ولا مسألة، فليقبله ولا يرده؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليه ".

فقال أبي: هذا خطأ؛ إنما يروى عن بسر بن سعيد، عن ابن الساعدي، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم[3].

رجال الإسناد:

• حيوة بن شريح المصري، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة، رقم 506.

• أبو الأسود، هو محمد بن عبدالرحمن، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 600.

• بكير بن عبدالله الأشج، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 534.

• بسر بن سعيد المدني، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 523.

• خالد بن عدي الجهني المدني.

قال ابن حبان: له صحبة. وذكره ابن عبدالبر في الصحابة.

وقال ابن أبي حاتم: كان ينزل الأشعر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جاءه من أخيه معروف من غير مسألة، ولا إشراف نفس فليقبله". روى عنه بسر بن سعيد الحضرمي.

سمعت أبي يقول ذلك، سألت أبي عن خالد هذا؟، فقال: لا يدرى من هو. وهذا الحديث اختلف في الرواية عن بكير بن الأشج... الخ.

وذكره ابن حجر في القسم الأول من الإصابة، وقال: روى حديثه أحمد وابن أبي شيبة والحارث وأبو يعلى والطبراني، من طريق بسر بن سعيد عن خالد بن عدي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:: من جاءه من أخيه... " إسناده صحيح السياق لأبي يعلى[4].

وقال في تعجيل المنفعة: له صحبة ورواية، عداده في أهل المدينة، وكان ين-زل الأشعر، روى عنه بسر بن سعيد، ثم قال: قلت: ورجال إسناده موثوقون، وصححه ابن حبان والحاكم، وقبلهما الطبراني، وبعدهم ابن حزم وعبد الحق وابن القطان، وأعله أبو حاتم الرازي، وقال: خالد بن عدي لا يدرى من هو. قلت: ومداره عند من صححه على ابن الأسود: يتيم عروة، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عنه. وخالفه الليث، فقال: عن بكير عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي عن عمر، قال أبو حاتم: هو أصح، فعند أبي حاتم أنه مقلوب. انتهى كلام ابن حجر.

قلت: وفي كلامه نظر؛ فكل من ذكره في الصحابة اقتصر على حديثه هذا، وسيأتي أنه من وجه مرجوح، وعليه ففي صحبته نظر، والله أعلم.

انظر الجرح 3/ 338، الثقات 3/ 105، الاستيعاب 3/ 177، أسد الغابة 2/ 87، الإصابة 2/ 64، تعجيل المنفعة (263).

• ابن الساعدي، أو ابن السعدي، هو عبدالله القرشي العامري، واسم أبيه وقدان، وقيل غير ذلك، صحابي جليل، قيل له السعدي، لأنه كان مسترضعاً في بني سعد، أسلم يوم فتح مكة. قيل: مات في خلافة عمر. وقيل: عاش إلى خلافة معاوية.

انظر الطبقات 7/ 407، أسد الغابة 3/ 175، الإصابة 6/ 104، التهذيب 5/ 235.

تخريج الحديث:

روى بكير بن الأشج هذا الحديث، واختلف عليه، وعلى بعض الرواة عنه:

1- فرواه أبو الأسود، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن خالد بن عدي.

2- ورواه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن ابن السعدي، عن عمر.

3- ورواه ابن لهيعة، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني.

4- ورواه ابن عجلان، واختلف عليه:

‌أ- فرواه الثوري، عن ابن عجلان، عن بكير، عن ابن السعدي، عن عمر.

‌ب- ورواه يحيى القطان، عن ابن عجلان، عن يعقوب بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عمر.

وفيما يلي تفصيل ما تقدم:

أولاً: رواه أبو الأسود، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن خالد بن عدي:

أخرجه أبو يعلى 2/ 226، رقم 925 – ومن طريقه ابن حبان 8/ 195، رقم 3404،

وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 87 - عن أحمد بن إبراهيم الدورقي.

وابن حبان 11/ 509، رقم 5108، من طريق يحيى بن موسى.

والحاكم 2/ 62، من طريق يحيى بن أبي مسرة.

وأحمد 4/ 220، 221.

والطبراني في الكبير 4/ 196، رقم 4124، - ومن طريقه الضياء المقدسي في حديث أبي عبدالرحمن المقرئ مما وافق رواية الإمام أحمد (ق 173/ أ) - عن بشر بن موسى.

وابن عبدالبر في التمهيد[5] 5/ 93، من طريق أبي زيد: عبدالرحمن بن إبراهيم.

وابن حزم في المحلى 9/ 153 - ومن طريقه عبد الحق الأشبيلي في الأحكام الكبرى (كما في بيان الوهم 2/ 358) -، من طريق الفضل بن الصباح.

والبيهقي في شعب الإيمان 3/ 281، رقم 3551، من طريق محمد بن عبيد الله المنادي.

وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 5/ 26، رقم 2563، عن ابن أبي شيبة، ويعقوب بن حميد.

والحارث بن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث 1/ 404) - ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1 ق 209/ أ) -.

وابن أبي شيبة في مسنده - كما في بيان الوهم والإيهام 2/ 359 -.

وتابعهم ابن المديني، وعباس العنبري، ودحيم:

ذكر ذلك أبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن الأثير في أسد الغابة.

كلهم عن أبي عبدالرحمن: عبدالله بن يزيد المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، عن أبي الأسود: محمد بن عبدالرحمن[6]، عن بكير، به.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 350، عن عبدالله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب، وحيوة، عن أبي الأسود، عن بكير، به.

وأخرجه البغوي في معجم الصحابة (ق 142)، من طريق عبدالله بن يزيد، عن حيوة، عن أبي الأسود، عن بكير، به.

وأخرجه أحمد - كما في جامع المسانيد 4/ 31، وأطراف المسند 2/ 293 - ومن طريقه ابن الجوزي في الحدائق 2/ 233 -، عن أبي عبدالرحمن المقرئ، عن حيوة[7] عن أبي الأسود، به.

وأخرجه ابن عبدالبر في التمهيد 5/ 93، من طريق عبدالله بن أحمد عن أبيه، عن عبدالله ابن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب، وحيوة بن شريح، معاً، كلاهما عن أبي الأسود، به.

ثانياً: ورواه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن ابن السعدي، عن عمر:

أخرجه مسلم 2/ 723، كتاب الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسألة ولا إشراف، رقم 1045/ 112، والنسائي 5/ 102، كتاب الزكاة، باب من آتاه الله - عز وجل - مالاً من غير مسألة، رقم 2604، وأبو داود 2/ 296، كتاب الزكاة، باب في الاستعفاف، رقم 1647، وفي 3/ 353، كتاب الخراج والإمارة، باب في أرزاق العمال رقم 2944، وأبو عوانة 3/ 64، وأبو نعيم في المستخرج 3/ 11، رقم 2231، وابن خزيمة 4/ 67، رقم 2364، وابن حبان 8/ 197، رقم 3405، والدارمي 1/ 326، رقم 1656، والبيهقي في الكبرى 7/ 15، وأحمد 1/ 52، والبزار 1/ 364، رقم 245 والطحاوي في شرح مشكل الآثار 15/ 236، 237، رقم 5979، 5980، وابن الأعرابي في المعجم 1/ 361، رقم 700، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (ص 166)، رقم 47، وفي كتاب القناعة (ق 103/ أ)[8]

من طرق عن الليث بن سعد.

ومسلم، الموضع السابق، وأبو عوانة 3/ 65، وأبو نعيم في المستخرج 3/ 112، رقم 2232، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 15/ 235، رقم 5978. من طريق عمرو ابن الحارث.

كلاهما عن بكير، به.

قلت: والليث: ثقة ثبت. وعمرو: ثقة حافظ (التقريب 5684، 5005).

ثالثاً: ورواه ابن لهيعة، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني.

أخرجه الطبراني في الكبير 5/ 248، رقم 5241، من طريق أبي الأسود: النضر بن عبد الجبار.

والخطيب في تاريخ بغداد 5/ 152، من طريق زيد بن الحباب.

كلاهما عن ابن لهيعة، به.

وقال الهيثمي في المجمع 3/ 101: رواه الطبراني في الكبير، وأبو يعلى، عن أحمد بن إبراهيم الموصلي، وهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام.

قلت: وفي نسبته لأبي يعلى نظر، فتقدم أن رواية أبي يعلى عن أحمد بن إبراهيم إنما هي بذكر خالد بن عدي، وليس زيد بن خالد، كما تقدم في الوجه الأول.

وتوبع ابن لهيعة، لكنها متابعة لا تثبت:

أخرجه الحارث بن أبي أسامة (بغية الباحث 1/ 403، رقم 309)، عن خالد بن القاسم عن ليث بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، عن بسر، عن زيد بن خالد.

قلت: وخالد بن القاسم، هو المدائني، وهو متروك (الميزان 1/ 367).

رابعاً: ورواه ابن عجلان، واختلف عليه:

1. فرواه الثوري، عن ابن عجلان، عن بكير، عن ابن السعدي، عن عمر:

أخرجه الدارقطني في العلل 2/ 173، وفي الأفراد (أطراف الغرائب (ق 26/ أ)، من طريق أبي عاصم النبيل، عن سفيان الثوري، به.

وذكره أيضاً في العلل، وقال: ولم يذكر بسر بن سعيد.

وقال الدارقطني في الأفراد: تفرد به أبو عاصم عن الثوري عن محمد بن عجلان عن بكير عن عبدالله.

2. ورواه يحيى القطان، عن ابن عجلان، عن يعقوب بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عمر.

ذكره الدارقطني في العلل 2/ 173، وقال: ولم يذكر ابن السعدي.

قلت: ومحمد بن عجلان صدوق في غير أحاديث أبي هريرة، كما في ترجمته (انظر الفهرس)، والرواة عنه أقوى منه، فكلاهما ثقة ثبت، ولعله كان يحدث به على الوجهين معاً، وقد خولف بأقوى منه في كلا الوجهين، كما تقدم، والله أعلم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على بكير بن الأشج، وخلاصة ما تقدم ما يلي:

1- رواه أبو الأسود، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن خالد بن عدي.

2- ورواه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن ابن السعدي، عن عمر.

3- ورواه ابن لهيعة، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني.

4- ورواه ابن عجلان - مرة -، عن بكير، عن ابن السعدي، عن عمر.

5- ورواه مرة أخرى، عن يعقوب بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عمر.

ولعل أرجح هذه الأوجه هو الوجه الثاني؛ حيث رواه ثقتان كذلك، إضافة إلى إخراج مسلم لروايتهما على هذا الوجه، في حين خالفهما في الوجه الأول ثقة واحد، وفي الوجه الثالث ابن لهيعة، وهو ضعيف، كما تقدم مراراً، وأما الوجهان الرابع والخامس فمن رواية ابن عجلان، وهو صدوق، كما تقدم، وقد اضطرب فيه.

ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من ترجيحه للوجه الثاني على الوجه الأول في هذه المسألة، وفي الجرح 3/ 338، حيث ذكرهما أيضاً، وأما بقية الأوجه فلم يذكرها.

والحديث من وجهه الراجح صحيح؛ فقد أخرجه مسلم كما تقدم، والله أعلم.