أدلة الأحكام (2)

مدخل لدراسة الشريعة والفقه (5)

أدلة الأحكام (2)

ثانياً: أدلة فيها خلاف ضعيف:

أولاً: الإجماع:

تعريفه:

الإجماع في اللغة دال على العزم المؤكد، يقال أجمع على أن يفعل كذا، أي عزم عليه، وأما في الاصطلاح فهو: " اتفاق مجتهدي الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي "، ويظهر من خلال التعريف أركان الإجماع المعتبر:

الأول: الاتفاق: فلا بد أن يكون هناك اتفاق لجميع المجتهدين في عصر من العصور على حكم واحد، بمعنى أن مخالفة الواحد أو الاثنين يخرم الإجماع، فلا يسمى في هذه الحالة إجماعاً وإنما هو قول للجمهور، وإن قال به بعض أهل العلم، إلا أن الراجح أن مخالفة القلة للكثرة يخرم الإجماع.

الثانية: وقوعه من المجتهدين: المجتهد هو الذي امتلك آلة الاجتهاد في إدراك الحكم الشرعي، بمعنى أن وقوع الإجماع يكون من قبل المجتهدين الذي عندهم القدرة على استخراج الأحكام الشرعية، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على من تحققت فيه شروط الاجتهاد المعتبرة، وهي من حيث الإجمال: العلم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية علماً دقيقاً، والعلم بأصول الفقه وقواعده التي يستطيع من خلالها الاستدلال واستخراج الأحكام من نصوصها الشرعية، والعلم بدلالات الألفاظ من حيث العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والمنطوق والمفهوم، والعلم بمراتب الأدلة عند التعارض، العلم بمواضع الإجماع. وهذا التوصيف يُخرج المقلدين وإن كانوا عالمين بالشرع؛ لعدم أهليتهم للاجتهاد.

الثالثة: وقوعه من مجتهدي الأمة: فلا عبرة بإجماع غيرهم في الأمم الأخرى، سواء كانت من أهل الكتاب أو من غيرهم.

الرابعة: وقوعه بعد عصر النبوة: فلا عبرة بالإجماع في عهد النبوة؛ لأن المرجعية في هذا العهد تكمن في شخص النبي صلى الله عليه وسلم.

الخامسة: كونه على حكم شرعي: فلا عبرة بالإجماع على الأحكام غير الشرعية كالأحكام العقلية أو الأحكام العادية، أو الأحكام العلمية والتطبيقية.

أنواعه:

ينقسم الإجماع باعتبارات متعددة، أهمها: الإجماع الذي ينقسم باعتبار كونه صريحاً وغير صريح إلى إجماع صريح وإجماع سكوتي، أما الإجماع الصريح فهو ما صرح فيه أهل الإجماع بالحكم، والإجماع السكوتي هو أن يصرح بعض المجتهدين بالحكم ويشتهر قوله ويسكت الباقون عن إنكاره.

ثانياً: القياس:

تعريفه:

القياس في اللغة التقدير، والمساواة، وفي الاصطلاح: " إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما "، والتعريف يظهر أن للقياس أركاناً أربعة، وهي:

الأول: الفرع: وهو الواقعة العارية عن الحكم ويراد إلحاقه بالأصل في الحكم.

الثاني: الأصل: وهو ما ورد بحكمه نص ويراد إلحاق الفرع به.

الثالث: حكم الأصل: وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل ويراد أن يكون حكماً للفرع.

الرابع: العلة: وهو الوصف الذي بني عليه حكم الأصل وبناء على وجوده في الفرع يسوى بالأصل في حكمه.

مثاله:

شرب الخمر واقعة ثبت بالنص حكمها، وهو التحريم الذي دل عليه قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، لعلة الإسكار، فكل نبيذ توجد فيه هذه العلة يسوى بالخمر في حكمه ويحرم شربه.

قتل الوارث مورثه واقعة ثبت بالنص حمها، وهو منع القاتل من الإرث الذي دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يرث القاتل "، لعلة استعجال الشيء قبل أوانه فيرد عليه قصده ويعاقب بحرمانه، وقتل الموصى له للموصي واقعة لا نص فيها، وتوجد فيه هذه العلة فيقاس بقتل الوارث لمورثه ويمنع القاتل للموصي من استحقاق الموصى به له.

ثالثاً: أدلة فيها خلاف قوي

أولاً: المصلحة المرسلة:

المصلحة وهي المنفعة المستجلبة والمفسدة المستدرأة سواء أكانت عامة أم خاصة مادية أم معنوية دنيوية أم أخروية. وهذا المصدر العقلي يعد من أهم طرق اكتشاف أحكام الله وتتغير الأحكام المبنية عليها حسب تغيرها في كل زمان ومكان. وأهمية المصلحة المشروعة تتجلى في ان القرآن الكريم حصر أهداف الرسالة المحمدية في تحقيق مصالح الناس المشروعة عامة كانت ام خاصة في قوله تعالى: "﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]". والمراد هنا بالرحمة: المصلحة البشرية.

أقسام المصلحة من حيث الاعتبار وعدمه:

المصلحة المعتبرة: هي التي نص الشارع على اعتبارها ورعايتها في الأحكام، كمصلحة حماية الأرواح في إيجاب القصاص على الجاني، في قوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179].

المصلحة غير المعتبرة: وهي التي نص الشارع على إلغائها في باب الأحكام، كمصلحة الغشاش في كسب الأرباح عن طريق الغش، قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم " من غشنا ليس منا ".

المصلحة المرسلة: وهي التي لم يرد بشأنها نص على اعتبارها أو عدم اعتبارها كمصلحة تنظيم المرور في العصر الحديث لحماية الأرواح والأموال.

ثانياً: قول الصحابي:

الصحابي عند الأصوليين: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به مدة تكفي عرفاً لوصفه بالصحبة، ومات على الإسلام، وهو عند المحدثين: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم - أو رآه النبي صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على ذلك.

وقول الصحابي من حيث كونه دليلاً أصولياً مقصود به من له اجتهاد في الأحكام الشرعية، وهذا لا يصدق إلا لمن لازم النبي صلى الله عليه وسلم مدة يمكن الأخذ منه والإفادة من علمه وسيرته، وهو بهذا الاعتبار محل خلاف بين أهل العلم، والحق أن فيه تفصيلاً على النحو الآتي:

أولاً: إن كان قول الصحابي مما لا مدخل فيه للاجتهاد، فهذا له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون حجة مقبولة إذا صح سنده.

ثانياً: إن كان قول الصحابي مما يدخله الاجتهاد والرأي، ولكن وقع الاتفاق عليه، فهذا يعد حجة ليس من جهة كونه قول صحابي، وإنما هو من جهة الإجماع، وفي حكمه كذلك قول الصحابي الذي لا يعرف له مخالف.

ثالثاً: إن كان قول الصحابي مما يدخله الاجتهاد والرأي ولم يقع الاتفاق عليه ووجد له مخالف من الصحابة، فالحق أنه لا يعد حجة على غيره من الصحابة، وأما بالنسبة لغيرهم فكان محل خلاف كبير، والشافعية في الجديد يعدون قول الصحابي بهذا الاعتبار دليلاً موهوماً، والذي يظهر أن قول الصحابي ليس حجة في نفسه، ولكن إذا لم يكن هناك نص في الكتاب ولا في السنة ولا إجماع فيه، فإنه يستأنس به ويقدم على غيره.