• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (4)

ناصر عبدالغفور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/3/2014 ميلادي - 22/5/1435 هجري

الزيارات: 7629

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أسرار تذييل الآيات في الربع الأول من سورة التوبة (4)


الفصل الثالث

أسرار تذييل الآيات: من السابعة عشرة إلى الآية الرابعة والعشرين من سورة التوبة

قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 17 - 24].

 

المبحث الأول

أسرار تذييل الآيات: من السابعة عشرة إلى الآية العشرين

قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [التوبة: 17 - 20].

 

1- قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾:

ذُيِّلت هذه الآية المبارَكة بقوله - جل في علاه - عن المشركين: ﴿ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾، ومِن أسرار هذا التذييل:

• أن الله تعالى لما نهَى عن تمكين المُشركين من عمارة المساجد؛ لأنهم ليسوا بأهل لذلك بسبب كفرِهم الذي أحبَطَ أعمالهم، ناسَب أن يَذكُر ما يَنتظرُهم من سوء المآل؛ بسبب ما هم عليه من الكفر والضلال، فقال: ﴿ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾.

 

• وفي تقديم ذِكر النار؛ حيث عدل عن قوله "هم في النار" إلى قوله: "فِي النَّارِ هُمْ.."؛ لإدخال الحزن في قلوبهم، وكذا للتخويف والتهويل.

 

• كما أن في الإتيان بالضمير "هم" تأكيد هذا المآل لهم، وأنهم لا يَنفكُّون عنه ولا ينفكُّ عنهم.

 

• وأتى بالجملة الاسمية؛ لإفادة الثبوت واللزوم، فهم ثابِتون في النار، مُلازمون لها، لا يَنقطِع عنهم عذابُها طرفة عين - عياذًا بالله.

 

يقول الإمام الألوسي في تفسيره: ﴿ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ لعظم ما ارتكَبوه، وإيراد الجملة اسمية للمُبالغة في الخلود، والظرف متعلِّق بالخبر، قدم عليه للاهتمام به، ومراعاة للفاصلة"[1].

 

وقال ابن عاشور في التحرير: "وتقديم "في النار" على "خالدون"؛ للرعاية على الفاصلة، ويَحصل منه تعجيل المساءة للكفار إذا سمعوه"[2].

 

2- قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾:

• ذيِّلت هذه الآية بقول الباري سبحانه: ﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾، والضمير يعود على من اتَّصف بتلك الصفات العظيمة، وقام بتلك الأعمال الجليلة، ورغم ذلك فالله تعالى يقول: ﴿ فَعَسَى ﴾، ومن أسرار ذلك - والله تعالى أعلم - تطويع المؤمنين لربهم، وجعل قلوبهم تتعلَّق به غاية التعلُّق، فلا يرون لأنفسهم حظًّا، ولا لأعمالهم مهما عَظُمَت وزنًا، بل يَستصغرون كل شيء أمام ما يجب له سبحانه، وما يستحقه من الكمال والجلال، والمُجاهَدة في تحقيق العبادة على أحسن حال، فالتعبير بـ"عسى"؛ لإزالة أي شكل من أشكال الاغترار بالأعمال مهما جلَّت في الأنظار، وتغليب جانب الخوف على جانب الرجاء، وهذا أفضل الأحوال في وقت الصحة والاقتدار، كما رجَّحه العلماء الأخيار.

 

حينما يَسمع القارئ أن هؤلاء الأخيار - رغم كل ما تقدَّم من أعمالهم: الإيمان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والخشية من الله - يقول تعالى عنهم: ﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾، فلا شكَّ أن قلبه يَمتلئ وجَلاً؛ فلا يرى لعمله ثقلاً، ولا يَركن إلا إليه سبحانه، ولا يتوكل إلا عليه، وهذا ما وصف الله تعالى به عباده المؤمنين في موضع آخر من كتابه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 57 - 60].

 

يقول العلامة الألوسي - رحمه الله تعالى -: "وإبراز اهتدائهم لذلك مع ما بهم من تلك الصفات الجليلة في معرض التوقُّع؛ لحسْم أطماع الكافرين عن الوصول إلى مواقف الاهتداء؛ لأن هؤلاء المؤمنين وهم هم إذا كان أمرهم دائرًا بين لعلَّ وعسى، فما بال الكفرة بيت المخازي والقبائح؟ وفيه قطع اتكال المؤمنين على أعمالهم وما هم عليه، وإرشادهم إلى ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء، وهذا هو المناسب للمقام، وقيل: إن الأوصاف المذكورة، وإن أوجبت الاهتداء، ولكن الثبات عليها مما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد يطرأ ما يوجب ضد ذلك، والعبرة للعاقبة، فكلمة التوقع يجوز أن تكون لهذا، ولا يَخفى ما فيه؛ فإن النظر إلى العاقبة هنا لا يُناسِب المقام، الذي يقتضي تفضيل المؤمنين عليهم في الحال"[3].

 

وعلى القول بأن "عسى" من الله تعالى موجبة، فالأمر بيِّن.

 

3- قال تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾:

• لما بيَّن الله سبحانه عدم المُساواة بين بعض الأعمال من سقاية الحُجَّاج وعمارة المسجد الحرام، والإيمان والجهاد، وأنه لا مجال للموازنة، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾؛ وذلك - والله أعلم - لأن تلك الأعمال من السقاية والعمارة كان مما يَفتخِر به المشركون ويُعيِّرون به المؤمنين، فناسَبَ أن تُذيَّلَ الآية بما يُفحم هؤلاء المشركين، ويكسر كبرياءهم، ويُذلُّ شُموخهم، ويَقضي على افتخارهم؛ بنفي الهداية عنهم، وإنما نعتَهم بقوله: ﴿ الظَّالِمِينَ ﴾؛ لأنهم ارتكبوا أعظم ظلم على الإطلاق، ألا وهو الشرك بالله، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

 

• ونفي متعلق الفعل ﴿ يَهْدِي ﴾؛ لإفادة العموم، وقد سبقت الإشارة إلى القاعدة التفسيرية: "حذف المتعلق المعمول فيه، يُفيد تعميم المعنى المناسب له"؛ أي: إن الله تعالى لا يَهديهم أو لا يوفِّقهم لأي خير أو مصلحة.

 

و لعلَّ مِن أسرار هذا التذييل ما يُفهم منه بمفهوم المخالفة أن الله تعالى يهدي ويوفق أهل الإيمان لما فيه خيرهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة.

 

يقول العلامة ابن عاشور: "وجملة: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ تذييل لجملة: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ... ﴾ إلخ، والمقصود منها زيادة التنويه بشأن الإيمان؛ إعلامًا بأنَّه دليل إلى الخيرات، وقائد إليها، فالذين آمنوا قد هداهم إيمانُهم إلى فضيلة الجهاد، والذين كفروا لم ينفعْهم ما كانوا فيه من عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاجِّ، فلم يهدِهم الله إلى الخير، وذلك رهان على أنَّ الإيمان هو الأصل، وأنَّ شُعَبَه المتولِّدة منه أفضل الأعمال، وأنَّ ما عداها من المكارم والخيرات في الدرجة الثانية في الفضل؛ لأنَّها ليست من شُعب الإيمان، وإن كان كلا الصفتَين لا ينفع إلا إذا كان مع الإيمان، وخاصَّة الجهاد"[4].

 

4- قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾:

كما هو ظاهر فقد ذُيِّلت هذه الآية بقول الله - عز وجل -: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾، ومن أسرار هذا التذييل:

• أن الله - سبحانه وتعالى - بعد أن نفى المساواة بين السقاية والعمارة من جهة، والإيمان والجهاد من جهة أخرى، بيَّن سبحانه في هذه الآية أن أهل الإيمان والهجرة والجهاد أفضل وأعظم درجةً؛ وذلك لإتيانهم بهذه الأعمال الجليلة، وتحقيقهم لشرط القَبول، ألا وهو الإيمان الذي لا قيمة لعمل إلا به، فناسَب أن تُذيَّل الآية بما يُبشِّر هؤلاء الأخيار؛ فقال تعالى: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾.

 

• الإتيان باسم الإشارة للبعيد؛ لبيان رفعة منزلتهم، وعلوِّ درجتهم.

 

• والاتيان بضمير الفصل "هم"؛ لإفادة الحصر والاختصاص، فكان الفوز خاصًّا بهم ومقصورًا عليهم دون غيرهم.

 

• كما أن تعريف طرفي الجملة يُفيد هذا القَصر والحصر.

 

• واستعمال الجملة الاسمية؛ لإفادة الثبوت واللزوم، فالفوز ثابت وملازم لهم.

 

• كما أن حذف المتعلق يفيد العموم، ففوزهم شامل للدنيا والآخرة، فهو فوز مُطلَق.

 

يقول ابن عاشور - رحمه الله تعالى -: "وتعريف المسند باللام مُفيد للقصر، وهو قصر ادِّعائي؛ للمبالغة في عِظَم فوزهم حتَّى إن فوز غيرهم بالنسبة إلى فوزهم يُعَدُّ كالمعدوم، والإتيان باسم الإشارة للتنبيه على أنَّهم استحقوا الفوز لأجل تلك الأوصاف التي ميَّزتهم، وهي الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفُس"[5].

 

المبحث الثاني

أسرار تذييل الآيات مِن الآية الواحدة والعشرين إلى الآية الرابعة والعِشرين

قال تعالى: ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 21 - 24].

 

1- قال تعالى: ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾:

قوله - جل في علاه -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾: تذييل لهاتين الآيتين، ومن أسرار هذا التذييل:

• أن الله - جل في علاه - بعد أن أخبر أن الذين أتَوا بتلك الأعمال الجليلة من الهجرة والجهاد، مع تحقُّق الإيمان الصادق في قلوبهم - هم أفضل ممَّن أتى بأعمال أخرى لا أساس لها من إيمان، بشَّر سبحانه هؤلاء المؤمنين الصادقين بأعظم بُشرى، ألا وهي الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مع خلودهم الأبدي فيها، فلا ظعن منها ولا موت يقطع عنهم نعيمها، ولا بأسَ ينغِّص عليهم ملذَّاتها؛ ولذا قال تعالى عقب هذه البشرى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾، فأكَّد سُبحانه هذا الأجر بحرف "إنَّ" التوكيديَّة، وجاءت كلمة "أجْر" نكرة؛ لإفادة التعظيم والتكثير، ثم وصفَه فوق ذلك بما يُفيد مرة أخرى هذا التعظيم، فلا جرم إذًا أنه أجر وثواب لا يعلم مِقدارَه وعظمته وشأنه إلا هو سبحانه.

 

• ولعلَّ مِن أسرار تقديم اسم الجلالة والظرف المضاف إليه سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ... ﴾: الإشارة إلى عظمة هذا الأجر، فإن العظيم لا يُعطي إلا العظيم، فهو أجر لا يُمكن أن تُقابله أعمالُ المؤمنين مهما عظُمَتْ، والعِندية تُفيد علوَّ هذا الأجر، وأن أصحابه عند ربهم في أعلى المنازل وأسنى الدرجات.

 

قال العلامة ابن عاشور - رحمه الله تعالى -: "وجملة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ تذييل وتنويه بشأن المؤمنين المُهاجرين المُجاهدين؛ لأنَّ مضمون هذه الجملة يعمُّ مضمون ما قبلها وغيرَه، وفي هذا التذييل إفادة أنَّ ما ذُكر من عظيم درجات المؤمنين المهاجرين المُجاهدين هو بعض ما عند الله من الخيرات، فيَحصُل من ذلك الترغيب في الازدياد من الأعمال الصالحة ليَزدادوا رفعة عند ربِّهم، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ما على مَن دُعي من جميع تلك الأبواب من ضَرورة"[6].

 

2- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾:

ذُيِّلت هاتان الآيتان بقوله - جل جلاله -: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾، ومن أسرار هذا التذييل:

• التهديد والترهيب لمَن آثر هذه المذكورات الثمانية على محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله، فهذا التذييل تضمَّن أمرَين يكفي أحدهما في الردع والتخويف من هذا الإيثار:

الأول: الحِرمان من الهداية؛ ومَن مُنع الهداية من الله - جل وعلا - فلا تسَلْ عنه وعن حاله ومآله؛ إذ لا مناص له من الخِذلان الملازم له في معاشه ومعاده.

 

الثاني: الحكم عليه بالفِسق؛ فقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ فيه إيماء - ولعلَّه تصريح - بأن مَن آثر وقدَّم تلك المحاب - الدنيوية - على محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله سبحانه، فهو فاسق خارج عن طاعة الله.

 

• وجاء هذا التذييل في صورة جملة اسمية؛ لإفادة الثبوت، وأن عدم الهداية والحكم بالفسْق، كل هذا أمر ثابت وملازم لمَن وقع في هذا المَحذور.

 

• كما أن حذف المتعلق أو معمول الفعل ﴿ لَا يَهْدِي ﴾ يُفيد العموم، وأن الله تعالى لا يهديهم ولا يوفقهم لأي خير، سواء في الدنيا أو في الآخرة.

 

قال ابن عاشور: "وجملة: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ تذييل، والواو اعتراضية، وهذا تهديد بأنَّهم فضَّلوا قرابتهم وأموالهم على محبَّة الله ورسوله، وعلى الجهاد، فقد تحقَّق أنَّهم فاسقون، والله لا يهدي القوم الفاسقين، فحصَل بموقع التذييل تعريض بهم بأنَّهم من الفاسقين"[7].

 

وقال العلامة الألوسي: "والآية أشد آية نعَتْ على الناس ما لا يكاد يتخلَّص منه إلا مَن تدارَكَه الله سُبحانه بلطفِه..."[8].

 

وقال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى -: "﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾؛ أي: الخارجين عن طاعة الله، المقدِّمين على محبة الله شيئًا من المذكورات".

 

وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقْت الأكيد على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله.

 

وعلامة ذلك: أنه إذا عرض عليه أمران؛ أحدهما يُحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تُحبه نفسُه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدَّم ما تَهواه نفسه على ما يحبه الله، دلَّ ذلك على أنه ظالم، تاركٌ لما يَجب عليه"[9].

 

يُتبع إن شاء الله تعالى.....



[1] - روح المعاني: 5/ 258.

[2] - التحرير والتنوير: 10/ 141.

[3] - روح المعاني: 5/ 261.

[4] - التحرير والتنوير: 10/ 146 - 147.

[5] - التحرير والتنوير: 10/ 149.

[6] - التحرير والتنوير: 10/ 150.

[7] - التحرير والتنوير: 10/ 154.

[8] - روح المعاني: 5/ 265.

[9] - تيسير الرحمن: 332.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (2)
  • أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (3)
  • أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (5)
  • قوله تعالى: { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم... }

مختارات من الشبكة

  • أسرار تذييل الآيات في الربع الأول من سورة التوبة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوبة.. التوبة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سر من أسرار التكرار في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعاء للأولاد سر من أسرار النجاح والفلاح(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة حل أسرار الأخبار على إعراب إظهار الأسرار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • أسرار الأسرة والزواج من ناحية فقهية(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • سر من أسرار النجاح الإداري(مقالة - موقع موقع الدكتور خالد بن عبدالرحمن بن علي الجريسي)
  • خيانة الأمانة وإفشاء الأسرار(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • التوحيد في سورة التوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن بالقرآن من أول سورة المائدة إلى آخر سورة التوبة جمعًا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب