• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (2)

ناصر عبدالغفور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/2/2014 ميلادي - 5/4/1435 هجري

الزيارات: 17195

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (2)


الربع الأول من سورة التوبة يبدأ من فاتحة السورة:

﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 1]، إلى قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]؛ حيث إن هذه السورة المباركة تتكون من حزبين تقريبًا، فربعها إذن هو نصف حزب، وهو يبدأ كما أسلفت من أول السورة وينتهي عند الآية الثالثة والثلاثين.

 

ولتفصيل القول في أسرار تذييل هذا الجزء من هذه السورة سأجعله في أربعة فصول، مخصِّصًا كل فصل منها لثماني آيات تقريبًا.

 

الفصل الأول: أسرار تذييل الآيات:

من الآية الأولى إلى الآية الثامنة من سورة التوبة:

قال الله تعالى: ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ * كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾} [التوبة: 1، 8].

 

المبحث الأول: أسرار تذييل الآيات الأربع الأوائل من سورة التوبة:

قال تعالى: ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 1 - 4].

 

1- قال تعالى: ﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 2].

قوله جل في علاه: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾ هذا تذييل لما قبله يفيد تأكيد الوعيد الذي تضمَّنَهُ قوله تعالى قبل ذلك: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ﴾، فبعد أن تم التصريح ببراءة الله تعالى من المشركين وأمهلهم مدة أربعة أشهر، أخبر سبحانه بأنهم غير معجزين له، وكيف يعجزونه وهم في قبضته وتحت سلطانه وقهره؟ وكيف يُعجِز الضعيفُ الناقصُ القويَّ الكامل، وفي طي هذا الكلام تهديد ووعيد للمشركين إن استمروا في غيهم وضلالهم، ثم ذُيِّلَت الآية بقوله جل شأنه: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾.

 

• والسر في هذا التذييل كما سبق: تأكيد هذا الوعيد والتهديد، وأنه كائن لا محالة، متمثل في الخزي - عياذًا بالله – والخزي: الفضيحة والعار والهوان.

 

يقول الإمام الراغب في المفردات:"خزى: خَزِيَ الرجل لَحِقَه انكسار إما من نفسه وإما من غيره، فالذي يلحقه من نفسه هو الحياء الْمُفْرِط ومصدره الخزاية، ورجل خزيان وامرأة خَزْيَا، وجمعه خزايا، وفي الحديث ((اللهم احشرنا غير خزايا ولا نادمين)) والذي يلحقه من غيره يقال: هو ضرب من الاستخفاف، ومصدره الخزي، ورجل خزي"[1].

 

وفي المعجم الوسيط: (خزي) خزى وخزية وقع في بلية وشر وافتضح فذل بذلك وهان وهلك، فهو خَزٍ وهي خَزِية[2].

 

• ولم تصرح الآية بمكان ووقت هذا الخزي - الذي سيكون من الله لهؤلاء المشركين - ليعم كل الأوقات، وكلا الدارين: الدنيا والآخرة، فَمِنْ صُوَرِ خزيهم في هذه الدار ما يتعرضون له على يد المؤمنين من القتل والأسر والسبي، وفي الآخرة ما ينتظرهم من العذاب المهين.

 

• كما نجد في هذا التذييل إظهارًا مقامَ الإضمار، وهذا - كما هو معلوم - لا يكون إلا لنكتة، كما هو مقرر في قواعد التفسير، قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِين ﴾ [التوبة: 2]، فلو قال: "وأنه مخزي الكافرين" لاستقام اللفظ والمعنى، لكن الله تعالى أظهر اسم الجلالة لنكتة عظيمة، وهي زرع الخوف والمهابة في قلوب هؤلاء المشركين.

 

• ومن أسرار التذييل في هذه الآية الإتيان بلفظ "الكافرين" ليفيد العموم؛ أي: عموم وشمول الخزي لكل كافر أو مشرك، فمن قواعد التفسير المتعلقة بوجوه المخاطبة أنه: "إذا كان سياق الآيات في أمور خاصة، وأراد الله أن يحكم عليها، وذلك الحكم لا يختص بها، بل يشملها وغيرها، جاء الله بالحكم العام"، وهذه القاعدة - كما يقول الدكتور خالد السبت - تتحدث عن جانب بديع من طريق القرآن في تقرير بعض المعاني، ذلك أنه يَعْرِضُها عرضًا تكون فيه أشمل ما تكون لمدلولاتها، وهذا - لا شك - من طرائق دلالته على المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة"[3].

 

فالله تعالى لم يقل: "وأن الله مخزيكم" بل قال: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾ ليكون هذا الحكم شاملاً لكل كافر.

 

• هناك سر آخر في الإتيان بلفظ "الكافرين"، وهو ذمهم، وكذا بيان سبب هذا الخزي وعلة الحكم، وهو كفرهم.

 

يقول الإمام الألوسي رحمه الله تعالى في تفسيره:".. ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾ في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالعذاب المهين، وأظهر الاسم الجليل لتربية المهابة وتهويل أمر الإخزاء، وهو الإذلال بما فيه فضيحة وعار، والمراد من الكافرين إما المشركون المخاطبون فيما تقدم، والعدول عن مخزيكم إلى ذلك لذمهم بالكفر بعد وصفهم بالإشراك، وللإشعار بأن علة الإخزاء هي كفرهم، وإما الجنس الشامل لهم ولغيرهم ويدخل فيه المخاطبون دخولاً أوَّلِيًّا"[4].

 

وقال العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى: ".. وكان ذكر "الكافرين" إخراجًا على خلاف مقتضى الظاهر؛ لأنَّ مقتضى الظاهر أن يقول: وأنَّ الله مخزيكم، ووجه تخريجه على الإظهار الدلالة على سبيبة الكفر في الخزي، والإخزاء: الإذلال، والخزي بكسر الخاء: الذلُّ والهوان؛ أي: مقدِّرٌ للكافرين الإذلالَ بالقتل والأسر وعذاب الآخرة ما داموا متلبِّسين بوصف الكفر"[5].

 

2- قال تعالى: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 3].

 

ذيلت هذه الآية بقوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، فبعد أن فتح الله تعالى للمشركين باب التوبة، وبيَّن لهم أنها خير لهم - في الحال والمآل - حيث أتى بإن الشرطية، وأتى سبحانه بجواب الشرط الدال على هذه الخيرية – فهو خير لكم - قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ﴾ وهذه الجملة كذلك حوت شرطًا وجوابه، وفيها من التهديد ما يكفي في رجوعهم من غيهم ويقظتهم من غفلتهم، فاعلموا أنكم غير معجزي الله، وكيف تعجزونه وهو القوي العزيز القاهر فوق عباده الذي أمْرُه كيفما كان بعد الكاف والنون؟ فناسب بعد هذا أن تُذَيَّل الآية بالوعيد الشديد والتهديد الأكيد؛ حيث قال جل ذكره: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 3].

 

• والبشارة إنما تكون في الغالب في الخير وفيما يَسُرُّ، لكن قد تستعمل في الشر وما يضر من باب التهكم والإهانة، وما أحسن ما سطَّرَهُ الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآيات: "والبشارة: إعلام بخبر سار، والإنذار إخبار بسوء، فهل العذاب بشارة أم إنذار؟ نقول: إن هذا هو جمال أسلوب القرآن الكريم، يُبَشِّر الكفار فيتوقعون خبرًا سارًّا، ثم يعطيهم الخبر السيئ بالعذاب الذي ينتظرهم؛ تمامًا كما تأتي إلى إنسان يعاني من العطش الشديد، ثم تأتي بكوب ماء مثلج، وعندما تصل به إليه ويكاد يلمس فمه، تفرغه على الأرض، فيكون هذا زيادة في التعذيب وزيادة في الحسرة، فالنفس تنبسط أولاً، ثم يأتي القبض"؛ تفسير الشعراوي: 3359.

 

والعذاب الذي بُشِّرً به الكافرون يَعُمُّ ما يصيبهم في الدنيا من القتل والأسر والسبي والهزيمة وغير ذلك، وما ينتظرهم في دار الخزي والهوان والذل والخسران - عياذًا بالله -.

 

• كما نلاحظ في هذا التذييل التفاتًا من الخطاب إلى الغيبة، فبعد أن كان الكلام يخرج مخرج الخطاب تَمَّ الالتفاتُ إلى أسلوب الغيبة: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التوبة: 3]، والنكتة في هذا الالتفات زيادة التهديد وتأكيد الوعيد.

 

• وكذا من أسرار هذا التذييل الإتيان بالاسم الموصول: "الذين"، وذلك لبيان جرمهم وسبب خسرانهم المتمثل في كفرهم، وكذلك لتعميم الحكم، وأنه شامل للمخاطبين وكل من تلبَّسَ بالكفر، وقد مر قبل قليل ذكر القاعدة التفسيرية في هذا الجانب.

 

• كذلك من الأسرار: الإظهار موضع الإضمار: فلو قال تعالى: "وبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" لكان صوابًا، لكن الله سبحانه عدل عن الإضمار إلى الإظهار؛ لبيان قبح فعلهم وشناعة جرمهم في حق ربهم، وكذا لبيان السبب فيما بُشِّرُوا به من العذاب وهو كفرهم وإعراضهم عن الإيمان بخالقهم الذي أمدهم وأنعم عليهم بما لا يُحصَى من النعم، فقابلوه بالكفر فاستحقوا هذه البشارة بما يسوؤهم، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الروم: 10].

 

• ومن الأسرار كذلك - والعلم عند الله - التنكير في قوله تعالى: "بعذاب"، وفائدة هذا التنكير التهويل والتعظيم، - عياذًا بالله -.

 

3- قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4].

 

في هذه الآية المباركة يَحُثُّ الله تعالى على الوفاء بالعهد الذي أُبْرِمَ مع المشركين الذين لم يصدر منهم ما يوجب نكث العهد أو نقضه؛ حيث إنهم احترموا الشروط فلم ينقصوا المسلمين شيئًا ولم يقفوا ضدهم، فهؤلاء يأمر الله جل جلاله بالوفاء بالعهد معهم وإتمامه إلى مدته دون نقض أو إخلال، ثم ذيل الله تعالى الآية بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4]، ومن أسرار هذا التذييل:

• بيان أن الوفاء بالعهود - التي توفرت فيها الشروط وانتفت فيها الموانع - من التقوى التي يحبها الله ويحب أهلها.

 

وفي هذا أكبر تحفيز وأعظم ترغيب على الوفاء بالعهود، وفيه - بمفهوم المخالفة - أعظم زجر وأشد ترهيب من نقض العهود ونكثها والغدر بأهلها.

 

يقول الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: "﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4] تعليل لوجوب الامتثال وتنبيه على أن مراعاة العهد من باب التقوى وأن التسوية بين الغادر والوفي منافية لذلك وإن كان المعاهد مشركًا"؛ 5/244.

 

• والمحبة - كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة - صفة من صفات الله تعالى الفعلية التي نثبتها له سبحانه على ما يليق به جلت عظمته دون تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، فلا نقول كما قالت بعض الفرق: الحب من الله إرادة الجزاء، بل نقول: الحب صفة من صفاته سبحانه، فهو يحب حُبًّا حقيقيًّا يليق بجلاله، كما دلت على ذلك كثير من الآيات والأحاديث، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة خيبر: ((سأعطي الراية غدًا رجلاً يحب اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُه".

 

• ومن أسرار هذا التذييل حذف المعمول، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4]، و"المتقين" اسم مفعول من الفعل اتقى، وهو متعد، وقد حُذِفَ معموله؛ حيث لم يقل: المتقين النارَ أو العقابَ؛ لإفادة العموم.

 

فمن قواعد التفسير الهامة: "حذف المتعلق المعمول فيه يفيد تعميم المعنى المناسب له"، يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في شرحها: "وهذه قاعدة مفيدة جدًّا، متى اعتبرها الإنسان في الآيات القرآنية أكسبته فوائد جليلة، وذلك أن الفعل وما هو في معناه متى قُيِّدَ بشيء تقيَّدَ به، فإذا أطلقه الله تعالى وحَذَفَ المتعلق، كان القصد من ذلك التعميمَ، ويكون الحذف هنا أحسنَ وأفيد كثيرًا من التصريح بالمتعلقات، وأجمعَ للمعاني النافعة، ثم ذكر أمثلة لذلك؛ منها قوله تعالى: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]؛ أي: المتقين لكل ما يُتَّقَى من الكفر والفسوق والعصيان، المؤدِّين للفرائض والنوافل التي هي خصال التقوى"[6].

 

المبحث الثاني: أسرار تذييل الآيات من الخامسة إلى الثامنة:

قال تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ * كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 5، 8].

 

1- قال تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5] ذُيِّلَت هذه الآية باسمين عظيمين من أسماء الله جل جلاله، وذلك في قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5]، فبعد أن أَمَرَ الله المؤمنين بقتال المشركين عند انتهاء المهلة وانسلاخ الأشهر الحرم ومحاصرتهم والقعود لهم في كل مرصد وأسْرِهِم وأخْذِهِم، فَتَحَ الكريم الحليم سبحانه باب التوبة مرة أخرى في وجه هؤلاء المشركين، فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾؛ أي: إن تابوا من شركهم ودخلوا في دين الإسلام الذي لم يرتض سبحانه دينًا غيره، وأدوا فرائض الله من صلاة وزكاة، فاتركوهم وخلوا سبيلهم؛ لأنهم صاروا بذلك إخوانًا لكم، والإسلام يَجُبُّ ما قبله، كما أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، فناسب أن تُذَيَّل هذه الآية الكريمة باسمين جليلين يدلان على عِظَم مغفرته وسَعَة رحمته، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5].

 

و"الغفور" اسم من أسماء الله الحسنى، وقد سمى الله نفسه بهذا الاسم في واحد وتسعين موضعًا من القرآن، وهو على وزن فَعُول - من صيغ المبالغة - مِنْ: غفر يغفر مغفرة؛ أي: ستر، والغفور: "هو الذي يَكْثُر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته"[7].

 

يقول الإمام ابن القيم في نونيته:

وهو الغفور فلو أتى بقرابها
من غير شِرْكٍ بل من العصيانِ
لاقاه بالغفران ملء قرابها
سبحانه هو واسع الغفرانِ

 

وكذلك "الرحيم" اسم من أسماء الله تعالى الدالة على رحمته الواصلة، وهذه إحدى الفروق بينه وبين اسم الرحمن الدال على رحمة الله الواسعة التي تعم الخلق أجمعين، المؤمن والكافر، والبارَّ والفاجر، الكل تشملهم رحمة الله الواسعة، أما اسم الرحيم فهو - كما يقول العلماء - يدل على رحمة الله الواصلة التي تبقى موصولة للمؤمنين حتى بعد موتهم.

 

فالرحمة العامة أو الواسعة التي يدل عليها اسم "الرحمن" تنقضي بالنسبة للكفار وتنقطع عنهم بمجرد موتهم، فلا يلحقهم إلا عدل الله، ولا نصيب لهم من رحمته، بخلاف المؤمنين، فإن رحمة الله الواصلة تَصِلُهم دنيا وأخرى، وهذا - كما أسلفْتُ - أحد الفروق بين اسْمَي الرحمن الرحيم.

 

• ومنه نستشف سرًّا في تذييل الآية باسم الغفور واسم الرحيم - بدلاً من اسم الرحمن – وهو ترغيب المشركين وحثهم على التوبة والإنابة وأنهم إن فعلوا نالوا مغفرة الله تعالى فيستر كل ما صدر منهم من معاصٍ وكفر وشرك، بل قد يُبَدِّلُ الله كل ذلك حسنات إن صدقوا في توبتهم كما قال تعالى: ﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ [الفرقان: 70]، كما يفوزون بالرحمة الواصلة التي تشملهم حتى بعد موتهم فيكونون من المرحومين يوم القيامة، هذا اليوم العظيم الذي مَنْ نَالَتْهُ رحمة الله فيه فقد فاز بكل مرغوب وأَمِنَ من كل مرهوب.

 

• كما أن من أسرار التذييل بهذين الاسمين: حَثَّ المسلمين على التجاوز والصفح عن المشركين إن تابوا، وأن يغفروا لهم ما قد صدر منهم، مقتدين بربهم ومتصفين بصِفَتَيِ الرَّحمة والمغفرة اللتين اتصف الله بهما وأحب كل من اتصف بهما - مع الفارق طبعًا بين صفات الخالق والمخلوق -.

 

يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى: "وجملة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5] تذييل أُرِيدَ به حثُّ المسلمين على عدم التعرُّض بالسوء للذين يُسْلِمون من المشركين، وعدم مؤاخذتهم لما فَرَط منهم، فالمعنى: اغفروا لهم؛ لأنَّ الله غفر لهم وهو غفور رحيم، أو اقتدوا بفعل الله؛ إذ غفر لهم ما فَرَطَ منهم كما تعلمون، فكونوا أنتم بتلك المثابة في الإغضاء عمَّا مضى"[8].

 

2- قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 6].

 

في هذه الآية تذييل بقوله سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، والسر في هذا التذييل أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجير من استجار به من المشركين ويأذن له في سماع القرآن، لعله يهتدي من ضلاله، ويرشد مِنْ غَيِّه ويتوب إلى ربه بعد سماع كلامه، ثم يُبْلِغه مأمَنَهُ.

 

والاستجارة: طلب الْجِوار، وهو الكون بالقرب، وقد اسْتُعْمِل مجازًا شائعًا في الأمن؛ لأنَّ المرء لا يستقر بمكان إلاَّ إذا كان آمنًا، فمن ثم سَمَّوُا الْمؤمِّن جارًا، والحليفَ جارًا، وصار فعل أجَار بمعنى أمَّنَ، ولا يطلق بمعنى جعَلَ شخصًا جارًا له، والمعنى: إنْ أحد من المشركين استأْمَنَك فأَمِّنْه"[9].

 

فإما أن يكون سماعه لكلام الله قد أثَّرَ فيه وانشرح به صدره للإسلام، فهذا يصير مسلمًا، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ولا يرجع إلى بلاد الكفر، وإما أن يكون قلبه قد طُبِع عليه فلا يَدْخُله خير ولا يتأثر بكلام الله، فهذا يُسْتَأْمَنُ ويُجارُ حتى يرجع إلى بلده، فيدخل في زمرة الكفار المحاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

ثم ذُيِّلَت الآية بقوله سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 6]؛ أي: إن هذا الحكم إنما أمر به الله من الإذن لهم في سماع القرآن وقبول جوار من استجار، ثم تمكينه من الرجوع إلى بلده، كل ذلك بسبب أنهم قوم انتفى عنهم العلم النافع وحُرِمُوه، فلا علم لهم بما ينفعهم وما يضرهم، قد ملأ الجهل قلوبهم وانتكست فِطَرُهم، فالشر عندهم هو الخير بعينه، والخير هو عين الشر، ولا أَعْظَمَ مِنْ جَهْلِ مَنْ عَبَدَ حجارة صماء لا تنفع ولا تضر، واتخذها إلهًا من دون الله.

 

3- قال تعالى: ﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 7].

 

في هذه الآية المباركة تذييل بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 7]، ومن أسرار هذا التذييل:

أنه لَمَّا صُدِّرَت الآية بذلك الاستفهام الإنكاري المفيد للنفي؛ أي: نفي وقوع عهد للمشركين عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بسبب ما يصدر من هؤلاء المشركين مِنْ شِرْك بالله وصَدٍّ عن سبيله ومضادة له سبحانه ولرسوله وخيانة له ونَبْذ للمواثيق واعتداء على المؤمنين وغير ذلك من سوء الأفعال وقبيح الأقوال، استثنى الله تعالى من هؤلاءِ المشركينَ الذين عاهدهم المؤمنون عند المسجد الحرام، فهؤلاء أَمَرَ الله تعالى عباده المؤمنين بالوفاء معهم والاستقامة لهم مُدَّةَ استقامتهم ووفائهم، أو في أي مكان استقاموا لكم فلتستقيموا لهم، ثم ذُيِّلَت الآية بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ إشارة إلى أن الوفاء بالعهود والاستقامة من تقوى الله تعالى التي يحبها ويحب أهلها، فهذا التذييل قُصِدَ به التعليل لوجوب الامتثال لأمر الله بالاستقامة والوفاء.

 

4- قال تعالى: ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 8].

السر في تذييل هذه الآية بقوله تعالى: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 8] بيانُ حال أغلب المشركين، وأن صِفَتَهم الفسوق؛ أي: الخروج عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وفي هذا ذمٌّ وتوبيخ لهم، فمهما طابت ألسنتهم وأَرْضَوْكُم بأفواههم فقلوبهم مليئةٌ غيظًا وحقدًا عليكم؛ بحيث إنهم كلما سنحت لهم الفرصة للإضرار بكم أسرعوا لاستغلالها، ووَصْفُ الأكثريةِ بالفسق من العدل الإلهي؛ حيث إن هناك قلة قليلة تتصف بمكارم الأخلاق وتعلو عن سفاسفها، فتأنف الغدر والخيانة، فهؤلاء وَفَوْا بعهودهم ولم يَنْقُصُوا المؤمنين شيئًا ولم يظاهروا عليهم أحدًا.

 

يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى: "وقوله تعالى: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ يوضِّح بأنه قد تكون هناك قلة ملتزمة، وهذا احتياط قرآني جميل" اهـ.

 

ويقول ابن عاشور: "مقصودٌ منها الذمُّ بأن أكثرهم موصوف مع ذلك بالخروج عن مَهِيع المروءة والرُّجولة؛ إذ نجد أكثرهم خالعين زمام الحياة، فجمعوا المذمة الدينية والمذمَّة العرفية، فالفسق هنا الخروج عن الكمال العرفي بين الناس، وليس المراد الخروج عن مهيع الدين؛ لأنَّ ذلك وَصْفٌ لجميعهم لا لأكثرهم، ولأنَّه قد عُرِفَ مِنْ وَصْفِهِم بالكفر"[10].



[1] المفردات في غريب القرآن:147.

[2] المعجم الوسيط:1 /233.

[3] قواعد التفسير:1/280.

[4] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني:5/241.

[5] التحرير والتنوير:10/107.

[6] القواعد الحسان في تفسير القرآن: 47-48.

[7] النهج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: 125.

[8] التحرير و التنوير:10/117.

[9] التحرير و التنوير:10/118.

[10] التحرير و التنوير:10/124.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أسرار تذييل الآيات في الربع الأول من سورة التوبة (1)
  • أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (3)
  • أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (4)
  • أسرار التذييل في الربع الأول من سورة التوبة (5)
  • {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور ...}
  • قوله تعالى: { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم... }

مختارات من الشبكة

  • سر من أسرار التكرار في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعاء للأولاد سر من أسرار النجاح والفلاح(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة حل أسرار الأخبار على إعراب إظهار الأسرار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • أسرار الأسرة والزواج من ناحية فقهية(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • سر من أسرار النجاح الإداري(مقالة - موقع موقع الدكتور خالد بن عبدالرحمن بن علي الجريسي)
  • الأسرة السعيدة بين الواقع والمأمول (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سورة الجمعة: أسرار وأنوار، دراسة تحليلية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسرار الفاتحة (1) اعرف ربك من خلال سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقود الدر والجوهر في نبذة من أسرار سورة الكوثر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أسرار الالتفات في سورة النحل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- جزاكم الله خيراً
خالد المسافر - مصر 24-03-2014 08:27 PM

السلام عليكم

بارك الله فيكم ونفع بكم

أين الجزء رقم 1

سكرتير التحرير:

الجزء الأول منشور على هذا الرابط:

http://www.alukah.net/Sharia/0/65477/

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب