• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

الصدقة وعلاقتها بالجهاد والنصر

فتحي حمادة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/1/2014 ميلادي - 26/3/1435 هجري

الزيارات: 21763

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصدقة وعلاقتها بالجهاد والنصر


الصدقة كانت وما زالت سببًا رئيسيًّا في إعداد العدة وبناء جيش قوي لمواجهة حملات الغرب والصهاينة، فبالصدقة تبنَى المصانع الحربية، وتُنشَأ الأساطيل البحرية، الصدقة لها أهمية لا يُستغنى عنها، وهناك وقائع تاريخية تؤكِّد دور الصدقة في بناء الجيوش، فانظروا إلى ما قدَّمه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه؛ قال الله - تعالى - عنه: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ [الليل: 17، 18]، إلى آخر سورة الليل، أجمع العلماء على أنها نزلت في أبي بكر.

 

وقد أخرج أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر))، فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟.

 

وأخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة - رضي الله عنها - وعروة بن الزبير أن أبا بكر - رضي الله عنه - أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار، وفي لفظ: أربعون ألف درهم، فأنفقها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

و أخرج أبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدَّق، فوافق ذلك مالاً عندي، قلت: اليوم أسبق أبا بكر - إن سبقتُه يومًا - فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيتَ لأهلك؟))، قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكلِّ ما عنده، فقال: يا أبا بكر، ما أبقيتَ لأهلِك؟ قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسوله، فقلتُ: لا أسبقه في شيء أبدًا.

 

وأخرج الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما لأحد عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه، إلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر)).

 

وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: جئتُ بأبي قُحَافةَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((هلا تركتَ الشيخ حتى آتيَه))، قال: بل هو أحق أن يأتيَك، قال: ((إنا نحفظُه لأيادي ابنه عندنا)).

 

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أحد عندي أعظم يدًا من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته)).

 

وانظروا إلى ما قدَّمه عثمانُ بن عفان - رضي الله عنه؛ فقد أخرج البخاري عن أبي عبدالرحمن السلمي أن عثمان حين حُوصِر أشرف عليهم، فقال: "أنشدُكم بالله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ألستُم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن جهَّز جيش العُسْرة، فله الجنة؟))، فجهَّزتُهم، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن حفر بئر رومة فله الجنة))، فصدَّقوه بما قال.

 

وأخرج الترمذي عن عبدالرحمن بن خباب قال: شهدتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحثُّ على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله، عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله، عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله، عليَّ ثلاثمائة بعيرٍ بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: ((ما على عثمانَ ما عمل بعد هذه شيء)).

 

وأخرج الترمذي عن أنس، والحاكم عن عبدالرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفِ دينار حين جهَّز العسرة، فنثرها في حجره، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقلِّبها ويقول: ((ما ضرَّ عثمان ما عَمِل بعد اليوم)) مرتين.

 

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "اشترى عثمان الجنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّتين؛ حيث حفر بئر رومة، وحيث جهَّز جيش العسرة".

 

وعلى هذا، فإن الصدقة لا يستهان بها، فلو قدَّم كلُّ مسلم شيئًا ولو بسيطًا سنجد في جيشِنا قوة عظيمة في العدة والعتاد، خاصة وأن الجيوش تحتاج دائمًا إلى مؤنة كثيرة، بالإضافة إلى ذلك الثواب العظيم للصدقة في تجهيز الجيوش، فإذا تمعنا في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لوجدنا الخير العظيم؛ فعن زيد بن خالد - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومَن خلَّف غازيًا في أهله بخير فقد غزا))؛ متفق عليه.

 

وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله، ومَنِيحَة خادم في سبيل الله، أو طَرُوقة فحلٍ في سبيل الله))؛ رواه الترمذي.

 

وعن أنس - رضي الله عنه - أن فتى مِن أسلم قال: يا رسول الله، إني أريد الغزو، وليس معي ما أتجهز به، قال: ((ائت فلانًا؛ فإنه قد كان تجهَّز فمرض))، فأتاه فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك السلام، ويقول: أعطني الذي تجهزت به، قال: يا فلانة، أعطيه الذي كنت تجهَّزت به، ولا تحبسي منه شيئًا، فو الله لا تحبسي منه شيئًا فيبارك لك فيه"؛ رواه مسلم.

 

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بنى لحيان، فقال: ((لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما))؛ رواه مسلم، وفي رواية له: ((ليخرج من كل رجلين رجل))، ثم قال للقاعد: ((أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير، كان له مثل نصف أجر الخارج)).

 

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله))، قالوا: ثم مَن؟ قال: ((مؤمن في شِعب من الشعاب، يتقي الله، ويدع الناس من شره))؛ (رواه البخاري).

 

وإذا نظرنا إلى هذا الحديث - أي الناس أفضل؟ - لوجدنا أن الإنفاق في سبيل الله - تعالى - بالمال ملازم للإنفاق في سبيل الله - تعالى - بالنفس، ودائمًا ما يسبق الإنفاق بالمال الإنفاق بالنفس، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على أن المتصدِّق في وقت السلم أول مَن يضحِّي بنفسه في وقت الحرب؛ قال - تعالى -: ﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التوبة: 88]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111]، لذلك فإن الصدقة لم تَقِفْ عند إعداد العدة والسلاح، ومساعدة الفقراء والمساكين، بل إنها تساعدُ المسلم على جهاد النفس، والتضحية بها وقت الحرب، ومع أن الإنفاق بالنفس أفضل من الإنفاق بالمال، إلا أن الإنفاق بالمال أو الصدقة سبب في تعوُّد المسلم على العطاء في سبيل الله - تعالى - وعليه فإن العطاء يمتد إلى العطاء بالروح في سبيل الله - تعالى - فلن يبيع أحدٌ حياته لله إلا إذا قدَّم ماله لله - تعالى - بلا انتظارٍ لما سيحدث من أزمات المستقبل، ولا يفعل ذلك إلا شجاع لا يريد إلا رضا الله - تعالى - وليس رضا نفسه، فلا يمكن لأحدٍ أن يَبِيع حياته لله - تعالى - وهو لم يقدِّم ماله لله - تعالى - لأن المال أرخص من الحياة، فهو لم يقدِّم الرخيص لله - تعالى - فكيف له أن يقدِّم الغالي لله - تعالى؟!.

 

فعلى المسلم أن يعوِّد نفسه على التصدُّق في سبيل الله - تعالى - ليجعلَ نفسه متعلِّقة بالله - تعالى - فيقدم حياته لله - تعالى - وقت الحرب ليفوزَ بإحدى الحسنيين؛ إما النصر، وإما الشهادة.

 

ولم تتوقف أهمية الصدقة عند إعدادِ الجيوش، بل إنها تتعدى ذلك كثيرًا؛ حيث إنها تربي أجيالاً على الحب والتعاون والاتحاد، وذلك عندما نجد شخصًا يعطي أخاه المسلم صدقة تُعِينه على مشاكله وأزماته، والتي جعلت حياته صعبة ومريرة، فينشأ بينهما ترابط قوي؛ لأن الحب هو الذي يتحكَّم فيهما، فمِن هذا الترابط تأتي القوة، ومن القوة يأتي النصر.

 

وأيضًا الصدقة عندما تُوضِع في مكانٍ لتربية الأجيال؛ كالمدارس، والمعاهد، والجامعات، سنجد من ذلك مؤشراتٍ إيجابية في تكوين أبناء متميِّزين يهتمون بالعلم، وتنقية العقل من أهواء الشياطين ووساوس النفس، فبالعلم تبنَى الأمم - كما قلنا في باب العلم - ومن العلم يأتي النصر.

 

وهناك من الأمور التي تنجلي وتتضح في أهمية الصدقة، فالصدقة تجعل المسلم نقيًّا تقيًّا، طاهرًا زكيًّا؛ لأنها تؤثر في نفسه، فعندما يعطي المسلم الصدقة لأخيه المسلم، ويمسك على نفسه إرضاءً لله - تعالى - فهو بذلك يُؤثِر على نفسه: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]؛ فيرضى الله - تعالى - عنه، ومَن رَضِي الله - تعالى - عنه فقد فاز في الدنيا والآخرة، ولو طلب النصر من الله - تعالى - لنَصَره الله - تعالى - فضلاً عن ذلك أن المسلم الذي يعطي فإن قلبه يتسع لكل الناس، ومَن يتسع قلبه لكل الناس، فإنه لا يحمل في نفسه ضغينة ولا حسدًا ولا حقدًا لأحد، فيصبح قلبه دائمًا نقيًّا طاهرًا، زكيَّا تقيًّا.

 

خير الصدقة وأفضلها:

الصدقة كأي عبادة تَزِيد وتنقص، وتكون في خيرِ حال، وتكون في أسوأ حال، مع أنها صدقة، نجد أمورًا تكون فيها أفضل، وأمورًا أخرى تقل فيها الأفضلية، فعلى المسلم أن يتخيَّر الأمور التي فيها الصدقة تكون أفضل وأخير؛ فقد أخرج أحمد والبخاري عن حكيم بن حزام - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمَن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غِنى، ومَن يستغنِ يُغْنِه الله، ومَن يستعفِفْ يعفَّه الله))، ففي هذا الحديث تكون خيرية الصدقة إذا كانت عن ظهر غنًى.

 

وأخرج البخاري في الأدب عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((أربعة دنانير: دينار أعطيتَه مسكينًا، ودينار أعطيتَه في رقبة، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقتَه على أهلك، أفضلُها الذي أنفقتَه على أهلك))، فالدينار الذي ينفق على أهل بيتك أفضل، وذلك حتى تكون الأسرة قوية لا تحتاج إلى غيرها؛ فالاحتياج إلى الغير يفكِّك الأسر، ويجعلها غير متماسكة، وإذا تفكَّكت الأُسر ضاعت الأمة، وليس معنى ذلك أن كل النفقة على أهلك من الأفضلية، فالأفضلية قد تكون في سبيل الله - تعالى - وذلك عند الحرب وعند احتياج الأمة لكلِّ دينار لبناء جيش قوي، أو مستشفيات لعلاج المرضى، أو غير ذلك من الأمور الطارئة، فلكلِّ مقامٍ مقال؛ فقد أخرج أبو يعلى عن أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((لَدِرهمٌ أعطيته في عقل أحب إليَّ من خمسة دراهم في غيره))؛ ولذلك فإنه لا تعارض بين الحديثين، فكل وقت له أذان، ولكل زمن له حكمه.

 

وأخرج أحمد عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((أفضل الصدقة، أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا))؛ فالفقير المحتاج تكون صدقته أعظم من غيره، خاصة وإن كان يتمنَّى الغنى، ويسعى لذلك، ويخشى من الفقر، فقليلاً ما نرى فقيرًا يأمل الغنى، ويخشى الاستمرار في الفقر، ويتصدق ليلاً ونهارًا، في السر والعلن، ولا يؤجل الصدقة ساعة من نهار أو ليل، ولا يؤجلها إلى بلوغ الحلقوم؛ فهو بذلك قد وصل لمرحلة الرضا والتوكل على الله - تعالى - وذاق طعم الإيمان، وعليه فإنه مؤمن حقٌّ، فالمؤمن يُرضِي الله - تعالى - بالصدقة فبالرغم من كونه فقيرًا، فإنه لا ينظر إلى شيء أكثر مما ينظر إلى رضا الله - تعالى - الغنيِّ، الذي يعطي بلا انقطاع، فخزائنه مملوءة لا تنفد؛ لذلك فإن الصدقة هنا من أفضل الصدقات.

 

وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((أفضل الصدقة سر إلى فقير، وجهد من مُقِلٍّ))؛ ففي الحديث إشارة إلى أفضلية صدقة السر؛ لأنها دليل على الإخلاص، فلن تجد متصدقًا يرضي الله - تعالى - بحق ولا يتصدق في السر، فإذا لم يتعوَّدِ المسلم على صدقة السر، فإن الشيطان قد يختلسه خلسة تضيِّع ما قدَّمه من عطاء، حتى لو كان كثيرًا، فصدقة السر تطهِّرُ القلوب والنفوس من وساوس الشيطان وعوارض الزمان، وتطهر القلوب والنفوس من البغضاء والأحقاد؛ لذلك كانت صدقة السر من خير الصدقات وأفضلها، فلا بد وأن تكون في الخفاء حتى لا تعلم شمالك ما أنفقته يمينك، وانظر إلى هذا الحديث البديع الذي أخرجه أحمد والترمذي عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((لمَّا خلق الله - تعالى - الأرض، جعلت تَمِيد، فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خَلق الجبال، فقالت: يا رب، هل لك في خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد، فقالت: يا رب، هل في خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار، قالت: يا رب، هل في خلقك شيء أشد من النار؟ قال: نعم، الماء، قالت: يا رب هل في خلقك شيء أشد من الماء؟ قال: نعم، الريح، فقالت: يا رب، هل في خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها من شماله)).

 

ومن أفضل الصدقات أن تشبع كل روح إنسانًا أو حيوانًا؛ فقد أخرج البيهقي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الصدقة أن تشبع كبدًا جائعًا))؛ رواه الشيخان، وروي أيضا: ((أن رجلاً اشتد عليه العطش، فرأى بئرًا فشرب منها، ثم رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ الخف ماءً، ثم أمسكه بفِيهِ حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له))، قالوا: يا رسول الله: إن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: ((في كل كبدٍ رطبة أجر))، وروي: ((بينما كلب يُطِيف برَكِيَّة (أي بئر) قد كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بَغِيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقَها (أي خفَّها) فاستقَتْ له به فسقته إياه فغفر لها به)).

 

وفي هذه الأحاديث دليل دامغ على رحمة الإسلام بكل ما يدب على الأرض، أو يطير في السماء، أو يعيش في البحار والأنهار، إنه حقًّا دين الرحمة، ومن هذا المنطلق فإن الصدقة تجعل القلوب رقيقة وودودة، ورحيمة بخلق الله - تعالى.

 

وحتى تكون الأفضلية في تمامها لا بدَّ وأن تكون عن طيب نفس، وبشاشة وجه، ويحرم المنُّ بها؛ لأنها تبطل الثواب، قال الله - تعالى -: ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [البقرة: 264]، وقال سفيان: المنُّ هو أن يذكرها ويتحدث بها، وقيل: هو أن يستخدمه بالعطاء، والأذى أن يعيره بالفقر، وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((المعتدي في الصدقة كمانعها))؛ ولذلك لا يجوز إهانة الفقير أو المسكين عند إعطائه الصدقة، أو تذكيره بالصدقة بعد إعطائه إياها؛ لأن هذا يعد اعتداءً، ومَن اعتدى فلا ثواب له؛ لأنه مثل الذي منع الصدقة عن الفقير والمسكين، وعلى ما سبق، فإن الصدقة لا تقتصر على الفقير والمسكين وابن السبيل، بل يدخل كل ما يدب على الأرض أو يطير في السماء؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلمٍ يغرسُ غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة))؛ رواه البخاري ومسلم وأحمد.

 

الصدقة تحفظ صاحبها من السوء:

من رحمة الله - تعالى - أن جعل الكريم الخيِّر المتصدِّق في حفظِه، ما لم يعصِ أو يبتدعْ؛ فالصدقة تحفظ صاحبها من أي سوء، أو بلايا، أو غمة، وعليه فمَن أراد الحفاظ على نفسه من كل مكروه، فليبادر بالصدقة؛ فالصدقة تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا تحفظه من المكاره، وفي الآخرة تدخله الجنة - بإذن الله تعالى - والعجب في ذلك أن صدقة السر تجعل صاحبها من الذين دخلوا في رحمة الله - تعالى؛ حيث إن العاصي الذي أغضب الله - تعالى - إذا تصدَّق صدقة يرجو بها رضا الله - تعالى - فإن الله - تعالى - يرضى عنه ويرحمه، وانظروا إلى هذا الحديث الذي أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((إن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وعن قول: لا إله إلا الله تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابًا من البلاء، أدناها الهم))، وأخرج الطبراني في الصغير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب)).

 

وعلى ذلك، فإن على المسلم الفطن الذي يسعى لإرضاء الله - تعالى - ويرجو رحمته وجنته أن يبحث عن المحتاجين وذوي الحاجة، وأن يبحث عن الأماكن التي تحتاج للصدقة؛ فإن في ذلك الحصن، والحفظ، والأمان، فلن تُصِيبه البلايا ما دام يتصدَّق بطيب نفس، ويرجو بها رضا الله - تعالى؛ فقد أخرج الطبراني عن علي، والبيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه -: "أن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((باكروا بالصدقة، فإن البلايا لا تتخطى الصدقة)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل الصدقة
  • من تحرم عليهم الصدقة
  • الصدقة - أهميتها وعلاقتها بالصحة والقوة
  • الصدقة في القرآن (1)
  • فضل الجهاد في سبيل الله
  • الإخلاص في الجهاد
  • الجهاد والشجاعة
  • الصدقة (خطبة)
  • الجهاد والولاء والحكم (س/ج)
  • عز الأمة بالجهاد (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الصدقة في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام الصدقة الإلكترونية(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • الصدقات تدخلك الجنة من باب الصدقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدقة في رمضان: فوائد وأحكام وآداب (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الدرس السابع: الصدقة(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحاديث في فضل صلاة الضحى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل الصدقة في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الصدقة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب