• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحذر من عداوة الشيطان
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    حكم صيام عشر ذي الحجة
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    إمام دار الهجرة (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    يوم عرفة وطريق الفـلاح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    العشر مش مجرد أيام... هي فرص عمر
    محمد أبو عطية
  •  
    الدرس الثاني والعشرون: تعدد طرق الخير
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الموازنة بين الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    أفضل أيام الدنيا: العشر المباركات (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    دلالة القرآن الكريم على أن الأنبياء عليهم السلام ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    عظيم الأجر في الأيام العشر
    خميس النقيب
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أحب الأعمال في أحب الأيام (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    مدى مشروعية طاعة المعقود عليها للعاقد في طلب ...
    محمد عبدالرحمن صادق
  •  
    رحلة الروح إلى الله: تأملات في مناسك الحج
    محمد أبو عطية
  •  
    عيد الأضحى فداء وفرحة (خطبة عيد الأضحى المبارك)
    خميس النقيب
  •  
    شعائر وبشائر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (18)

نفحات قرآنية (18)
بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/12/2012 ميلادي - 28/1/1434 هجري

الزيارات: 4873

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (18)

الآل، والأهل، والمودة في القربى[1]


علمنا أنَّ المؤمن الحق قَريب من الله، ويظلُّ يلتمس بأعماله مزيدًا من قربٍ حتى يعلو إلى مقام المعيَّة ويَحظَى بحبِّ الرحمن، وعندئذٍ يكون ربه سمعه، وبصره، ويده، ورجله؛ "ولا يزالُ عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يسعى بها".

 

وأرباب هذه المنْزلة الرفيعة دائمًا مُترفِّعون ينعمون بحواسَّ شَبعَى، ويُعرَفون بالنَّزاهة وعفَّة اليد والعين والأذن واللسان.

 

والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوَّل المؤمنين صُنِع على عين الله، واشتمل بمحبَّة الله؛ ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39].

 

فهو إذًا في ذروة النَّزاهة المطلقة والعفَّة الشاملة، والشعب الفيَّاض وهو في غمرة الحب العلوي غني، رَضِيٌّ (بكسر الضاد، وتشديد الياء) سَخِيٌّ، رَزِين الانفعال.

 

وهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - برغم ثَباته واطمئنانه وقرَّة عينه، كان يتعوَّذ كثيرًا من شطَط الحواس، وبغي الجوارح، وجُوع الفؤاد تنبيهًا وتعليمًا وتقويمًا لنفسيَّات الأمة:

1- كان يتعوَّذ من الأربع: ((من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يُستَجاب لها))؛ "أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه".

 

2- وجُوع الفُؤاد يُورِث الجنون العاطفي، ويدفع إلى حمأة الرذائل، وتخوُّفًا من أن يحيق هذا بأمَّته كان يبيت ويصحو مُتعوِّذًا حتى تتلقَّى عنه أمَّته؛ روى الترمذي، وابن ماجه، وأحمد والنسائي أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنَّه بئس الضجيع، وأعوذُ بك من الخِيانة فإنها بئست البطانة)).

 

3- وكان يرى أنَّ الشرَّ يستطير إذا بغت الحواس؛ فعتا الفؤاد، وعَدَت الجوارح، فكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُلقِّن أصحابه الاستعاذة من شُرور النفس والجوارح؛ عن شُتَير بن شَكَل بن حميد عن أبيه قال: قلت: يا نبيَّ الله، علِّمني تعويذًا أتعوَّذ به، قال: ((قُل: اللهم إنِّي أعوذُ بك من شرِّ سمعي، وشرِّ بصري، وشرِّ الناس، وشرِّ قلبي، وشرِّ منبتي))؛ أخرجه أبو داود، والترمذي والنسائي.

 

4- وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستَجِير من خائنة الأعيُن، ودخن الصدور، ويجهَر بهذا حتى تعلم الأمَّة وتَعِي؛ روى البيهقي عن أمِّ معبد قالت: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((اللهم طهِّر قلبي من النِّفاق، وعملي من الرِّياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخِيانة؛ فإنَّك تعلم خائنة الأعيُن، وما تُخفِي الصدور)).

 

5- ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يشيد بالعفة، ويرفع المتعفِّف الأصيل، وينفر من الخِيانة، ويعد الخائن الوضيع.

 

في حديثٍ يرفع على الأنظار مشهد الجنَّة والنار، ويصنف أهل المرتفقين إلى أصناف؛ روى مسلم عن عِياض بن حِمار قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أهل الجنَّة ثلاثة: ذو سُلطان مُقسِط مُتصدِّق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلِّ ذي قُربَى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له[2]، الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يَخفَى له طمعٌ، وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يُخادِعك عن أهلك ومالك))، وذكر البخل أو الكذب، والشِّنظير الفاحش)) "الشنظير: سيِّئ الخلق".

 

والمتمعِّن في الصفات التي ذُكِرت في الحديث يتبيَّن - بلا عناء - أنَّ خِلال أهل الجنة تنمُّ عن شبع الفؤاد وأنَّ خِصال أهْل النار تَشِي بِجُوع الفؤاد.

 

هكذا يُربِّي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمَّة على الترفُّع والعزَّة، ويهديهم إلى أشفية تكفل الصحوة والسداد والصحة النفسية، فهل يُعقَل بعد هذا أنْ نظنَّ أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَطلُب المحاباة أو التحبُّب إلى أهله؟ كيف وقد روى أحمد عن أبي ذرٍّ قال: دَعاني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يشتَرِط عليَّ ((ألاَّ تسأل الناس شيئًا)) قلت: نعم، قال: ((ولا سَوْطك إنْ سقَط منك حتى تنزِل إليه فتأخُذه)).

 

إنَّ الزهد فيما في حَوْزة الناس من مادَّة أو حول، أو طول أو جاه أدْعى إلى أنْ تحب وتكرم؛ مِصداق ما روى الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعدٍ - رضِي الله عنه - قال: "جاء رجلٌ إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، دلَّني على عملٍ إذا أنا عملتُه أحبَّني الله، وأحبَّني الناس، قال: ((ازهَدْ في الدنيا يحبَّك الله، وازهَدْ فيما عند الناس يحبك الناس)).

 

التجرُّد والترفُّع سنَّة المرسلين:

المرسَلون - صلوات الله عليهم - يتميَّزون بالتَّجَرُّد لله، والترفُّع الخالص عمَّا في حوزة الناس، فهم في مسيرتهم الشاقَّة المضنية مُتوكِّلون محتَسِبون، وقطعًا للنَّوازع الغريزية التي قد تشدُّ إلى الأولاد وتشغل بأمر توفير تراثٍ يضمن لهم المستقبل ويُهيِّئ لهم عيشة رغدة... وحتى تتوفَّر كلُّ طاقاتهم للدعوة خُصُّوا (للبناء للمجهول) بأنهم لا يُورثون؛ ((نحن مَعاشِرَ الأنبياء لا نُورث، ما تَركناهُ صدقةٌ))، وهم إذ يُلزِمون أنفسَهم بهذا لا يكبتون هذه النَّوازِع الفطريَّة في غيرهم، بل ينمون الفطرة، ويعلون الغريزة، ويُوصُون بالاهتمام بالوُرَّاث والميراث؛ ((إنَّك إنْ تدَع ورثتَك أغنياء خيرٌ من أنْ تدَعَهم عالةً يتكفَّفون الناس))، حديث شريف.

 

وتجرُّد المرسلين لله يجعَلُهم فوق المشاعر القبَلِيَّة، وفوق مُقتَضيات الانتماء إلى بيتٍ أو رهطٍ؛ ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [هود: 91 - 92].

 

وترفُّع المسلمين يتجلَّى في صيحاتهم المُتَتابعة التي تنمُّ عن الورَع، والتنزُّه، والاستغناء بالله:

1- يتجلَّى في صيحة نوح التي تُزرِي بالمال، وتُعلِي شأن خلَّة الإيمان؛ ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 29 - 30].

 

﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 180].

 

2- وفي صَيْحة هود التي تُعلِن ترفُّعه واحتِسابه واستغناءَه بالله: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [هود: 51].

 

3- وتتتابَع الصَّيْحات نفسها على لسان صالح ولُوط وسائر المرسلين.

 

4- ويُجابِه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عنَت المشركين وتردُّد الحائِرين بصَيْحَة الرِّفعة واللعنة، والنَّزاهة والاحتساب، مؤتمرًا بأمر الله، منتهجًا نهج إخوانه المرسلين: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 57].

 

﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86].

 

﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].

 

﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ [سبأ: 47].

 

ولقد عرَف المشركون - بالمُمَارسة - عفَّة رسول الله وترفُّعه، وجاءَتْ هذه الصيحات مُؤكِّدة؛ وبِناءً على هذا الأمر الذي تحقَّق وتأكَّد يرفُض القرآن صُدودهم وإعراضهم، في أسلوبٍ استفهامي إنكاري تهكُّمي: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴾ [الطور: 40].

 

﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 72].

 

وعلى ضوء سنَّة المرسلين، واستِرشادًا بهذه الآيات البيِّنة التي تجلُّ مَقام المُرسَلين عن أنْ تتحرَّك نُفُوسهم أو تمتدَّ أعينهم إلى أوعية الناس، يُمكن أنْ ننظُر مرَّة أخرى في النَّصِّ الكريم الذي استَقطَبَنا واستَوقفَنا هذا الوقوف الطويل:

﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23].

 

ونُبادِر فنستَبعِد ما لاكَه المستشرِقون، وردَّدَتْه المتصوِّفة من أنَّ الآية تجعل ودَّ أهل قرابة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثمنًا لدعوة الخير.

 

ونرفُض تلك الأحاديث التي سِيقَتْ لدعْم مذهبهم ورأيهم الهزيل ((إلا أنْ تودوا أهل قَرابتي)) من مثل ما رووا معزوًّا إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حرمت الجنة على مَن ظلَم أهلَ بيتي، وآذانِي في عِترتي، ومَن اصطنع صنيعة إلى أحدٍ من ولد عبدالمطلب ولم يُجازِه فأنا أجازيه عليها غدًا يوم القيامة إذا لقيني)).

 

ومن مثل: ((مَن مات على حُبِّ آل محمَّد مات شهيدًا، ومَن مات على حُبِّ آل محمَّد جعَل الله زوار قبره الملائكة، وداره الجنة، ومَن مات على بُغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه: أيس اليوم من رحمة الله، ومَن مات على بُغض آل محمد لم يرح رائحة الجنَّة، ولا نصيبَ له في شفاعتي))، هذه ومثلها من وضع غُلاة الشيعة، وجهَلَة الصوفيَّة.

 

والنفسية العربية يومئذٍ لم تكنْ مستعدَّة لتقبل هذا التفسير الصوفي الشيعي، فقد ورد أنَّ الآية لَمَّا نزلت قال قومٌ: ما يريد محمد إلا أنْ يحثَّنا على قَرابته من بعده، فأخبر - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنهم اتَّهموه، فتلا قول الله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الشورى: 24]،  فلمَّا ندموا تلا قوله - سبحانه -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ [الشورى: 25].

 

والمقبول أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

1- أراد أنْ يُعلِي أحاسيس المودة التي كانت تتحكَّم فيهم، وتُحرِّكهم أحيانًا إلى الشر ومَهاوِي الشرك؛ ﴿ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [العنكبوت: 25] أراد أنْ يستَثمِرها في الخير.

 

وانطِلاقًا مِن هذا اهتمَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإثارة عاطفة الرَّحِم، وأواصر القُربى؛ لتتحرَّك في جميع الاتِّجاهات، وناشَد قومَه المودَّة إن لم تكن بحقِّ النبوة فبحقِّ القرابة، وسألهم أنْ يصلوا الرَّحِم المشترَكة فلا يكون غيرهم أَوْلَى منهم بحِفظِه ونُصرته، ودعاهم إلى رِعاية حقِّ الدم والنسب بلا تجهُّم ولا تنكُّر ولا إيذاء، ولا صدد ولا تعويق، ونادَى مُناشِدًا قومَه: "المودة في القربى"، أنْ يودُّوه لقرابته، فالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أوسَطَ الناس في قريش، وكان يمتُّ بصلةٍ لكلِّ بطون قريش، فإذا تضافَرُوا على إعطائه حقَّ القربى أمن جانبهم، وضمن أنْ ينطَلِق في طريق الدعوة غير مُعوَّق (بالبناء للمجهول) فوق أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أولى الناس بالمؤمنين؛ ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6].

 

وهو قطبُ الرَّحَى في الأخوة التي شدَّ أواصرها الإيمان؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

 

وهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذا الاعتبار ينبغي أنْ يتبوَّأ ذروة القُلوب؛ ((لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ماله وولده والناس أجمعين)).

 

وتأويل الآية على هذا النحو هو الذي عليه الأئمَّة الراسخون؛ أخْذًا بما رَواه البخاري وأحمد عن ابن عبَّاس أنَّه سُئِل عن المودَّة في القُربَى فقال سعيد بن جبير: "القُربَى آلُ محمد"، فقال ابن عباس: عجلت؛ إنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن بطنٌ من قريش إلا كان لهم فيهم قرابة فقال: إلا أنْ تصلوا ما بيني وبينكم من القَرابة.

 

فالقُربَى على هذا مصدرٌ كالقرابة، والاستثناء منقطعٌ كما في قوله - سبحانه -: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 57]، فاتِّخاذ السبيل إلى الله ليس أجرًا، كذلك المودة في القُربَى؛ فالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يسأل أجرًا، ولكنَّه يطلب أعمال مُقتَضيات الرَّحِم والقُربَى، ويسأل أنْ يكفُّوا عنه أيديهم، ويذَرُوه إنْ لم ينصُروه.

 

والآية مكيَّة نزلت قبل: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مكة كان يشكو إلى الله ضعْف قوَّته، وقلَّة حِيلته، وهوانه على الناس، فلا غرابه إذا راح يُهدِّئ من ثائرتهم بشتَّى الطُّرق إلى أنْ يُهيِّئ الله أمرًا كان مفعولاً، إلى أنْ تتدفَّق روافد القوَّة، وتتفتَّح مسالك النصر.

 

2- وممَّا قِيل: إنَّ المعنى "إلاَّ أنْ تتودَّدوا إلى الله بالطاعة والتقوى وشدَّة الحبِّ لله".

 

3- وممَّا قيل: إنَّ المعنى - إلا أنْ يودَّ بعضهم بعضًا بِحُكم وَشِيجة الإيمان.

 

4- وقيل: إنَّ النصَّ دعوةٌ إلى المحافظة على ما بينهم من صِلات وروابط؛ وذلك لأنَّ إيذاءهم رسولَ الله حريٌّ أنْ يُثِير ثائرة عَشِيرته الأقربين، وحينئذ تحدُث المواجهة، وتنقطع الأواصر.

 

وبهذه التآويل يكونُ عائد المودَّة راجعًا إلى المدعوِّين لا إلى الداعي وحدَه، وهذا هو المُطابِق لمعنى قوله - تعالى -: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سبأ: 47].

 

...يتبع



[1] باقيات من نفحات ﴿ تَبَّتْ يَدَا ﴾ [المسد: 1] تدفع أباطيل الخصوم، وتؤكد أن الإسلام ليس كما زعموا، بل هو دين العدالة الشاملة، والإحسان الكامل، والفرصة المتكافئة.

[2] لا زَبْرَ له: بفتح الزاي وإسكان الباء؛ أي: لا عقل له، يزبره ويمنعه ممَّا لا ينبغي، وقيل أيضًا: هو الذي لا مال له.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (13)
  • نفحات قرآنية (14)
  • نفحات قرآنية (15)
  • نفحات قرآنية (16)
  • نفحات قرآنية (17)
  • نفحات قرآنية (19)
  • نفحات قرآنية (20)
  • نفحات قرآنية (21)
  • نفحات قرآنية (22)
  • نفحات قرآنية (23)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور عم والنازعات والتكوير(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي القيامة والإنسان(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/12/1446هـ - الساعة: 18:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب