• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)

وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)
ميسون عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/5/2025 ميلادي - 8/11/1446 هجري

الزيارات: 214

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين؛ أما بعد:

مقدمة:

فإن القرآن الكريم من أكبر النعم التي منَّ بها رب العالمين على عباده المسلمين، فيه الرحمة، وفيه الهدى، وفيه العلم والحكمة والبيان، فيه القصص والعِبر والعِظات.

 

هو نور ورحمة وشفاء لكل مسلم على أي حال كان، القرآن الكريم فيه الخير كله، من تمسك به فاز، ومن حُرمه خاب وخسر آخرته ودنياه، اللهم إنا نعوذ بك من الخيبة والخسران.

 

يقول تعالى في سورة يونس: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58].

 

جاء في تفسير القرطبي: "قوله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ ﴾ [يونس: 58] قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما: فضْلُ الله القرآن، ورحمته الإسلام، وعنهما أيضًا: فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله"؛ [انتهى].

 

وقد ذمَّ الله في كتابه العزيز من يقرأ القرآن بلا تدبر ولا فَهم لمعانيه ومقاصده؛ فقال عز من قائل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].

 

قال ابن كثير: "﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]؛ أي: بل على قلوب أقفالها، فهي مطبقة لا يخلص إليها شيء من معانيه".

 

فالمؤمن مأمور أن يبحث ويتقصَّى، ويحاول ويجتهد في فهم معاني القرآن الكريم، ليكون ممن ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [البقرة: 121]، فيُكتب ممن ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [البقرة: 121]؛ يقول تعالى في سورة البقرة: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [البقرة: 121].

 

قال ابن مسعود: "والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يُحِل حلاله، ويُحرِّم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئًا على غير تأويله"، وكذا رواه عبدالرزاق، عن معمر، عن قتادة ومنصور بن المعتمر، عن ابن مسعود، وقال السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: "يُحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه".

 

قال القرطبي: "وروى نصر بن عيسى، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [البقرة: 121] قال: ((يتبعونه حق اتباعه))"؛ [انتهى].

 

والعمل بالقرآن واتباع ما جاء به يقتضي تدبره، ويتطلب منا فهم مقاصده ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.

 

وقد ورد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: "لقد عُشنا بُرهةً من دهرنا، وأحدنا يُؤتَى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وآمِرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثره نثر الدَّقَل".

 

اللهم نسألك إيمانًا صادقًا، وفهمًا وتدبرًا لكتابك العزيز، ودعوانا أن تكتبنا من أهل القرآن وخاصته، دون رياء ولا نفاق، اللهم آمين.

وبعدُ:

فهذه الدراسة البسيطة لسورة آل عمران، والتي تمتد على عدد من الحلقات، هي محاولة لتدبر وتعلم ما شاء الله لنا أن نتعلم منها، وإلا فإن أسرار القرآن ومقاصده وإعجازه لا يحيط به إلا مُنزله جل وعلا، ولا نحيط نحن البشر من علم الله بشيء إلا بما شاء؛ كما قال عز وجل في آية الكرسي: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]، وفي سورة الكهف: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109].

 

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واجعل أعمالنا خالصةً لوجهك لا يشوبها من الرياء شائبة، اللهم آمين.

 

تعريف بسورة آل عمران:

آل عمران سورة مدنية من السور الطِّوال، نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وعدد آياتها مائتا آية، وهي من السور التي بدأت بالحروف المتقطعة "الم"، وتغطي بعضًا من الجزء الثالث والجزء الرابع من أجزاء المصحف الشريف، ومن حيث الأحزاب، فهي في الحزب السادس والسابع والثامن.

 

وسورة آل عمران ليست من أوائل ما نزل في المدينة، بل نزلت بعد فترة طويلة من حياة المسلمين بها، وبعد أن تقلَّبت عليهم فيها أحوالٌ من النصر والهزيمة في غزوات متعددة، واختلطوا اختلاطًا واضحًا بأهل الكتاب من يهود ونصارى، وجرى بينهم من الحِجاج والنِّقاش ما يتصل بالدعوة المحمدية وفروعها، وقد ذُكرت فيها غزوات بدر وأُحُدٍ وحمراء الأسد.

 

نزلت سورة آل عمران بعد سورة الأنفال التي تكفَّلت بالكلام على غزوة بدر، وبعدها في أواخر السنة الخامسة للهجرة نزلت سورة الأحزاب.

 

الأجواء التي نزلت فيها سورة آل عمران:

سورة آل عمران تحكي عن فترة من حياة الجماعة المسلمة في المدينة المنورة، تمتد من بعد غزوة بدر، وحتى ما بعد غزوة أحد.

 

تكمن أهمية هذه الفترة في عدة نقاط:

كانت الدولة فتيَّة ما زالت في بداياتها، وكان الإسلام غضًّا في قلوب المؤمنين لم يتجذر بما يكفي ليطغى على البُعدين القَبَلِيِّ والأسري، والتعصب لهما، فما كان واضحًا لديهم أن وشيجة الدين هي الأعلى، والغالبة على كل الوشائج التي تربط بني البشر في مختلف مجتمعاتهم، في حين كان أعداء هذه الدولة الفتية، أو الجماعة المسلمة، ينطلقون من عقيدة واضحة الملامح: المال، والسلطة، وكانت هذه العقيدة تجمعهم على اختلاف مشاربهم التي ينطلقون منها، فقد كان منطلق اليهود دينيًّا، ومنطلق العرب عروبيًّا قبليًّا.

 

تميزت تلك الفترة بنشوء مجتمع المنافقين وبداية تجذره في جسد الأمة، فكان قائده "عبدالله بن أبي سلول"، وكان له مريدون وأتباع من مرضى النفوس، ويرجع سبب نشوء هذا المجتمع إلى انتصار المسلمين في غزوة بدر انتصارًا لم يكن لعقلِ بشرٍ يؤمن بالماديات من حوله فقط أن يصدقه.

 

فبعد انتصار المسلمين في غزوة بدر أيقن هؤلاء بحقيقة الدعوة، وأن لا مدخلَ لهم على الدعوة الجديدة عن طريق الحروب، فتوجهوا نحو تشكيك المسلمين في عقيدتهم؛ تارة من باب الفكر العقائدي، وكان أبطال هذا الأسلوب اليهود: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72]، وتارة من باب التشكيك في قرارات سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكان أبطالَ هذا الأسلوب المنافقون، وهذا ما أتت عليه السورة في سياق غزوة أحد: ﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 168].

 

اختلال موازين القوى بين الجماعة المسلمة وأعدائها؛ فمن الناحية المادية كانت موازين القوى في المجتمع الجديد تميل إلى كفة أعداء الجماعة المسلمة، فقد كان حلف المنافقين مع اليهود حلفًا قويًّا في وجه الدعوة الجديدة.

 

في هذه الأجواء نزلت سورة آل عمران بدروسها وتوجيهاتها، وفضحها لسلوكيات وصفات المنافقين واليهود؛ لتغرس في قلوب المؤمنين بذور الإيمان الصحيح بصورة جلِيَّة ناصعة واضحة، وتُزيل من عقولهم كلَّ تخبُّط وتشكُّك، فغسيلُ الأدمغة أمرٌ درج عليه أعداء الإسلام والمسلمين منذ ظهور الدعوة، وأما معركة الحق مع الباطل، فهي معركة أزلية لن تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والسلاح الوحيد الذي يمكن أن يضمن لنا النصر فيها كتابُ الله وسنة رسوله.

 

آل عمران سورة التوحيد والثبات الفكري والجهادي:

فإن كان التوحيد وآياته، ودلائله والدعوة إليه، هو المحور الذي تدور حوله السورة، فإن التوجيهات الإلهية للمسلمين في مسألة الثبات على هذه العقيدة – عقيدة التوحيد - في شقَّيه الفكري والجهادي هي العنوان العريض للسورة، وهو ما سيطالعنا في مسألة وفد نجران، وغزوة أحد.


وقفة مع اسم السورة:

من المعلوم أن تسمية سورة آل عمران بهذا الاسم هو بسبب ذكر قصة آل عمران فيها، لكن، وكما كان من شأن قصة البقرة في سورة البقرة من دلالات وإضاءات على محاور السورة، كذلك نجد أن قصة آل عمران في هذه السورة تبدو بمثابة المصباح الذي يُلقي بضوئه على مواضيع السورة من كل ناحية، فلو أنك أطلْتَ التدبر والتأمل في قصة آل عمران، لوجدتها تجمع في طياتها مقاصدَ السورة الرئيسية، ومرتكزاتها الأساسية بسرد واحد.

 

فالقصة تتناول الاختلاف الجذريَّ بين مقاييس الخلق، وفهمهم للقوانين الأرضية، عن مقاييس رب الخلق؛ الله جل في علاه، وتدبيره وتصريفه لأمور أهل الأرض، وهو ما سيبدو جليًّا فيما بعد في معايير النصر والهزيمة في ساحات الجهاد في سياق الغزوات الثلاث؛ بدرٍ وأحدٍ وحمراء الأسد.

 

وينتج عن هذا الاختلاف ما يسميه البشر "بالمعجزة"، إذا عرفنا المعجزة على أنها كل ما يتجاوز حدودَ فَهم العقل البشري وتفسيره منطقيًّا، حسب القوانين والنواميس الطبيعية التي وضعها الله للبشر.

 

فالقصة تعرض لمعجزات متتالياتٍ، تبدأ من اصطفاء مريم عليها السلام وهي ما زالت في رحِم أمِّها، وتولِّي الله عز وجل لها في الرزق والإنبات، ثم استجابة الله عز وجل لزكريا في هبَتِهِ للولد، في خرق للنواميس البشرية في الإنجاب، إلى ولادة سيدنا عيسى من غير أب، إلى معجزات سيدنا عيسى في قومه إلى رفعه عليه السلام.

 

والعرض التفصيلي لتلك المعجزات في القصة، هو بمثابة تقعيد لأهم مقومات التوحيد؛ وهو: قدرة الله على الخلق والتدبير بمجرد قوله كن فيكون، بذلك خلق آدم، وبذلك خلق عيسى عليهما السلام، وكذا أمره في كل تصريف وتدبير.

 

هو الحق وأمره وتدبيره حقٌّ، ولا ينبغي لأحد أن يتناوله بأبسط مظاهر الشك؛ وهذا قوله تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [آل عمران: 60]، ومن هنا تُدخلنا القصةُ إلى باب من أهم أبواب السورة؛ وهو باب الثبات.


إذ لا تكاد تنتهي القصة، حتى يوجهنا السياق إلى دعوة وفد نصارى نجران، القائلين بألوهية عيسى عليه السلام، للمباهلة، والمباهلة في اللغة هي الملاعنة؛ أي: الدعاء بإنزال اللعنة على الكاذب من المتلاعنين، لتكون نموذجًا لكل مسلم في مسألة الثبات العقائدي في مواجهة افتراءات العقائد المنحرفة المتألية على الله عز وجل، وعلى دين التوحيد.

 

فضل السورة:

ورد في فضل سورة آل عمران عدد من الأحاديث النبوية الشريفة؛ نذكر منها:

قوله صلى الله عليه وسلم عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يُؤتَى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدَّمه سورة البقرة، وآل عمران، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أمثال ما نسيتهن بعدُ، قال: كأنهما غمامتان، أو ظُلَّتان سوداوان بينهما شَرْق، أو كأنهما حِزْقان من طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّان عن صاحبهما))؛ [صحيح مسلم].

 

وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به))؛ أي: الذين يقرؤون القرآن، ويؤمنون بأخباره، ويصدقون بها، ويعملون بأحكامه، فهؤلاء يكون القرآن حجةً لهم يوم القيامة، وخرج بذلك الذين لا يؤمنون بأخباره، ولا يقيمون حدوده، فهؤلاء يكون القرآن حجةً عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن حُجَّة لك أو عليك))، ((تقدَّمه))؛ أي: تتقدم القرآن، أو أهله: ((سورة البقرة، وآل عمران، كأنهما غمامتان، أو ظلتان))؛ أي: سحابتان، ((سوداوان))؛ لكثافتهما، وارتكام بعضهما على بعض، ((بينهما شرق))؛ أي: ضوء، ونور الشرق هو الشمس، وفي ذلك تنبيه على أنهما مع الكثافة لا يستران الضوء، وقيل: أُريد بالشرق الشقُّ، وهو الانفراج، أي: بينهما فرجة وفصل؛ كتميزهما بالبسملة في المصحف، ((وكأنهما حزقان))؛ أي: قطيعان وجماعتان، ((تُحاجَّان))؛ أي: تدافعان الجحيم والزبانية، أو تخاصمان الربَّ، أو تجادلان عنهم بالشفاعة، أو عند السؤال إذا سكت اللسان، واضطربت الشفتان، وضاعت البراهين".

 

اللهم اجعلنا من أهلهما.

 

وقد ورد في قصة مريم وعيسى عليهما السلام حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مولود يُولَد إلا والشيطان يمسه حين يُولَد، فيستهل صارخًا من مسِّ الشيطان إياه، إلا مريم وابنها، ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]؛ [حديث صحيح، رجاله رجال الشيخين، أخرجه البخاري ومسلم، والطبري والبغوي، وأحمد وأبو يعلى، وغيرهم].

 

السمات المميزة لسورة آل عمران:

ومن هذه السمات مواضيع تفردت السورة بذكرها دون غيرها من سور القرآن الكريم:

مسألة المحكم والمتشابه.


قصة آل عمران: حيث لم تُذكر القصة بتفصيلها إلا في سورة آل عمران.

 

المعجزة والغيب: تتفرد سورة آل عمران بسوقها لعدد من المعجزات كدليل ساطع على وحدة الألوهية والربوبية في آنٍ معًا، ونجدها جلية في قصة آل عمران، والغزوات الثلاث التي أتَتِ السورة على ذكرها: بدر، أحد، حمراء الأسد.

 

آيات المباهلة: في محاججة نصارى وفد نجران، ولم ترِد إلا في هذه السورة.

 

غزوة أحد: كذلك الأمر، لم تُذكر غزوة أحد بتفصيلها إلا في سورة آل عمران.


الولاء والبراء: تأتي السورة على مسألة الولاء والبراء في أكثر من موضع، وتتميز آيات الولاء والبراء في آل عمران في أنها تارة ذُكِرت بحكم قطعيٍّ، فيه من الوعيد الشديد ما تنخلع له القلوب؛ في قوله تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 28]، ثم تبرؤ الله عز وجل من كل من يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين؛ يقول تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28].

 

والموضع الآخر الذي ذُكرت فيه مسألة البراء جاء في سياق تعليميٍّ، يخاطب العقل لمن لا يقتنع إلا بالسياقات العقلية، فبيَّن لهم خبيئة هؤلاء، ولماذا ينهاهم جل في علاه عن موالاتهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118]، وسنأتي على تفصيل المسألة في قلب السورة إن شاء الله.

 

البشرية وحتمية الموت: تتناول السورة الموت في عرض تصحيحي للنظرة السطحية التي يحاكم بها الناس الموت:

تُذكِّرنا السورة بحتمية الموت في أنه مقدَّر على كل البشر؛ صغيرِهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، عظيمهم وسفيههم؛ وهذا قوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، والموت مكتوب ومقدَّر في زمانه ومكانه بغضِّ النظر عن الأسباب، ولو اختبأ منه الإنسان في سابعة الأرضين.

 

ثم تأتي مسألة موت القائد في المعركة الجهادية، فتُبين أن موت القائد لا يعني موت الرسالة التي جاهد وعاش ومات من أجلها.

 

وتخبر المؤمنين بأن من يُقتل في سبيل الله، ليس بميت، بل حيًّا عند ربه يُرزق: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].

 

عرض السورة لمسألة الثبات الخارجي والداخلي:

فسورة آل عمران، في سياق الثبات، تتمحور حول حادثتين:

حادثة وفد نصارى نجران، الذي يمثل أول حوار للأديان في التاريخ، وكيف نثبت في مواجهة الأفكار الخارجية من خلال المناقشة مع وفد نصارى نجران، وهي تُعلِّمنا فكرة مناقشة أهل الكتاب عامة.

 

والحادثة الثانية: غزوة أحد تدُلُّنا على كيفية الثبات العملي، وقد جاء ترتيب الحادثتين في سياق السورة بهذا الشكل، على رغم أن وقوعهما الزمني معكوس، إنما جاء ليخدم فكرة ضرورة بناء الثبات الخارجي أولًا، ليتحقق الثبات الداخلي، أو بتعبير آخر: الثبات العقائدي أولًا، ثم الثبات السلوكي، أو العملي.

 

وتعرض السورة من خلال الكثير من آياتها مسألةَ الثبات على الحق، لكل المؤمنين على اختلاف شرائحهم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].

 

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].

 

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

 

كما تعرض السورة في مقدمتها لعقبات الثبات:

كقوله تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

 

الحلقة القادمة وقفات مع مقدمة السورة إن شاء الله.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سورة آل عمران (2) تقرير الربوبية
  • سورة آل عمران (3) تقرير الألوهية
  • هدايات سورة آل عمران (خطبة)
  • سورة آل عمران (4) النفاق والمنافقون
  • سورة آل عمران (5) غزوة أحد (خطبة)
  • مع سورة آل عمران
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (3) سورة آل عمران
  • تدبر خواتيم سورة آل عمران (خطبة)
  • سورة آل عمران (6) الدنيا متاع الغرور

مختارات من الشبكة

  • وقفات ودروس من سورة البقرة (16) والأخيرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (14)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (12)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (11)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (9)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (8)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (7)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب