• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي

من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/2/2025 ميلادي - 3/8/1446 هجري

الزيارات: 4308

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فالذنوب والمعاصي من المواضيع التي تكلم عنها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه، وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.


[كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين]

الذنوب تزيل النعم:

الذنوب تزيل النعم ولا بد، فما أذنب عبد ذنبًا إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصرَّ لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمةً نعمةً حتى يُسلَب النعم كلها، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وأعظم النعم الإيمان، وذنبُ الزنا والسرقة وشرب الخمر وانتهاب النهبة تزيلها وتسلبها.


وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها، كما تأكل النارُ الحطب، عياذًا بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته.


[كتاب: الكلام على مسألة السماع]

جميل الوجه كلما ازداد من المعاصي فإنه كلما كبر ازداد وحشة وظلمًا وقبحًا:

جميل الوجه إذا لم يصن جماله وحسنه، وبذله وتبذل به، فإنه كلما كبر وطعن في السن ازداد وحشةً وظلمةً وقبحًا، وكلما ازداد من الفواحش والمعاصي ازداد حتى تكسف ظلمة المعصية شمس حسنه، وتخسف قمرها، ويعلو قبحها وسوادها الجمال الصوري، فتراه في السن لا يزاد إلا قبحًا ووحشةً ونفرةً عنده.


[كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد]

تنكُّر الأرض والنفس والأهل والولد للمذنب:

قول كعب رضي الله عنه: "حتى تنكرت لي الأرض، فما هي بالتي أعرف" هذا التنكرُ يجده المذنب العاصي بحسب جرمه حتى في خُلُق زوجته وولده وخادمه، ودابَّته، ويجده في نفسه أيضًا، فتتنكَّر له نفسه حتى ما كأنه هو، ولا كأن أهله وأصحابه ومن يُشفقُ عليه بالذين يعرفهم، وهذا سرٌّ من الله لا يخفى إلا على من هو ميت القلب، وعلى حسب حياة القلب، يكون إدراك هذا التنكر والوحشة، و"ما لجرح بميت إيلام".


من هان على الله جل جلاله خلَّى بينه وبين معاصيه:

الرب سبحانه...يؤدِّبُ عبده المؤمن الذي يُحبهُ وهو كريم عنده بأدنى زلة وهفوة، فلا يزال مستيقظًا حذرًا، وأما من سقط من عينه وهان عليه، فإنه يخلي بينه وبين معاصيه، وكلما أحدث ذنبًا أحدث له نعمة، والمغرور يظن أن ذلك من كرامته عليه، ولا يعلم أن ذلك عينُ الإهانة، وأنه يريد به العذاب الشديد، والعقوبة التي لا عاقبة معها، كما في الحديث المشهور: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عجَّل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبدٍ شرًّا أمسك عنه عقوبته في الدنيا، فيرِدُ يوم القيامة بذنوبه)).


المعاصي توجب الهم والخوف والحزن:

المعاصي تُوجب الهم والغم والخوف والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب، حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم، وسئمتها نفوسهم ارتكبوها دفعًا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم....وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب، فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار.


الذنوب تضعف القلب وتهلكه:

الذنوب للقلب بمنزلة السموم، إن لم تهلكه أضعفته ولا بُدَّ، وإذا ضعفت قوته لم يقدر على مقاومة الأمراض.


ذنوب العباد تحدث لهم الفساد العام والخاص:

لم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها وسلب منافعها أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا.


وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم.


لقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم [في القرن الثامن الهجري] كما كانت البركة فيها أعظم.


وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عُذِّبت به الأمم السابقة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، حكمًا قسطًا، وقضاء عدلًا.


وجعل ظلم المساكين والبخس في المكاييل والموازين وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يُظهرُ للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم...وتارة بتسلُّط الشياطين عليهم...وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم...والعاقل يسير بصيرته بين أقطار العالم فيشاهده.


[كتاب: بدائع الفوائد]

فضول الطعام والكلام والنظر تولد أكثر المعاصي:

فضول الطعام داعٍ إلى أنواع كثيرة من الشَّرِّ، فإنه يُحركُ الجوارح إلى المعاصي، ويثقلها عن الطاعات، وحسبك بهذين شرًّا! فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام، وكم من طاعة حال دونها، فمن وقي شرَّ بطنه فقد وقي شرًّا عظيمًا.


أكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يملان ولا يسأمان...فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام، فجنايتهما مُتسعةُ الأطراف، كثيرة الشعب، عظيمة الآفات.


[كتاب: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة]

فساد الشيء الذي يُعصى به الله عز وجل:

كل شيء عُصي الرب سبحانه به فإنه يُفسده على صاحبه، فمن عصاه بماله أفسده عليه، ومن عصاه بجاهه أفسده عليه، ومن عصاه بلسانه أو قلبه أو عضو من أعضائه أفسده عليه، وإن لم يشعر بفساده، فأي فساد أعظم من فساد قلب خربٍ من محبة الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه والطمأنينة بذكره، والأنس به، والفرح بالإقبال عليه؟ وهل هذا القلب إلا قلب قد استحكم فساده والمصاب لا يشعر؟ وأي فساد أعظم من فساد لسان تعطل عن ذكره وما جاء به وتلاوة كلامه، ونصيحة عباده وإرشادهم ودعوتهم إلى الله؟ وأي فساد أعظم من فساد جوارح تعطلت عن عبودية فاطرها وخالقها وخدمته، والمبادرة إلى مرضاته؟ وبالجملة فما عُصي الله بشيء إلا أفسده على صاحبه، ومن أعظم معصية العقل إعراضه عن كتابه ووحيه الذي هدى به رسوله وأتباعه، والمعارضة بينه وبين كلام غيره، فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل؟!


[كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين]

الفرح بالمعصية جهل بقدر من عصاه:

الفرحُ بالمعصية دليلُ شدة الرغبة فيها، والجهل بقدر من عصاه، والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها، ففرحه بها غطى عليه ذلك كله، وفرحه بها أشدُّ ضررًا عليه من مواقعتها، والمؤمن لا تتم لذته بمعصيته أبدًا، ولا يكمل بها فرحه، بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه، ولكن سكر الشهوة يحجبه عن الشعور به، ومتى خلا قلبه من هذا الحزن واشتدت غبطته وسروره فليتهم إيمانه، وليبكِ على موت قلبه، فإنه لو كان حيًّا لأحزنه ارتكابه للذنب، وغاظه، وصعب عليه، ولأحسَّ القلب بذلك، فحيث لم يُحسَّ به فـ"ما لجرح بميت إيلام".


خطورة الإصرار على المعصية:

الإصرار على المعصية يوجب...خوف القلب من غير الله، ورجاءه لغير الله، وحبه لغير الله، وذلّه لغير الله، وتوكله على غير الله، ما يصير به منغمسًا في بحار الشرك، والحاكم من هذا ما يعلمه الإنسان من نفسه إن كان ذا عقل، فإن ذلَّ المعصية لا بد أن يقوم بالقلب فيورثه خوفًا من غير الله...ويورثه محبةً لغير الله، واستعانة بغيره في الأسباب التي توصله إلى غرضه، فيكون عمله لا بالله ولا له، وهذا حقيقة الشرك.


قلوب المعرضين عن الله في جحيم:

قلوب أهل البدع والمعرضين عن القرآن وأهل الغفلة عن الله وأهل المعاصي في جحيم قبل الجحيم الكبرى، وقلوب الأبرار في نعيم قبل النعيم الأكبر ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾[الانفطار: 13، 14]، هذا في دورهم الثلاثة ليس مختصًّا بالدار الآخرة وإن كان تمامه وكماله وظهوره لهما هو في الدار الآخرة وفي البرزخ دون ذلك.


صاحب البصيرة إذا صدرت منه الخطيئة نظر إلى أمور تحدث له معرفة بالله:

اعلم أن صاحب البصيرة إذا صدرت منه الخطيئة نظر...إلى تمكين الله تعالى له منها، وتخليته بينه وبينها، وتقديرها عليه، وأنه لو شاء عصمه منها وحال بينها وبينه، فيُحدثُ له ذلك أنواعًا من المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وحكمته، ورحمته، ومغفرته، وعفوه، وحلمه، وكرمه، وتوجب له هذه المعرفة عبودية بهذه الأسماء لا تحصل بدون لوازمها البتة...فمن بعضها:

معرفة عزته في قضائه: فيعرف أنه مدبر مقهور، ناصيته بيد غيره، لا عصمة له إلا بعصمته، ولا توفيق له إلا بمعونته.


ومنها: أن يعرف برَّه سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية مع كمال رؤيته له، ولو شاء لفضحه بين خلقه فحذروه، وهذا من كمال بره، ومن أسمائه البرُّ، وهذا البرُّ من سيده به مع كمال غناه عنه، وكمال فقر العبد إليه، فيشتغل بمطالعة هذه المنة ومشاهدة هذا البرِّ والإحسان والكرم.


ومنها: شهودُه حلم سبحانه تعالى في إمهال راكب الخطيئة، ولو شاء لعاجله بالعقوبة، ولكنه الحليم الذي لا يعجل، فيحدث له ذلك معرفته سبحانه باسمه الحليم.


ومنها: معرفةُ العبد كرم ربه في قبول العذر منه إذا اعتذر إليه...فيقبل عذره بكرمه وجوده، فيوجب له ذلك اشتغالًا بذكره وشكره.


ومنها: أن يشهد فضله في مغفرته، فإن المغفرة فضل من الله تعالى، وإلا فلو واخَذَنا بالذنب لواخَذَ بمحض حقه، وكان عادلًا محمودًا، وإنما غفره بفضله لا باستحقاقك، فيوجب لك ذلك أيضًا شكرًا له، ومحبة إليه، وإنابة إليه، وفرحًا وابتهاجًا به، ومعرفةً له باسمه الغفَّار، مشاهدةً لهذه الصفة، وتعبدًا بمقتضاها.


وحقيق بمن هذا شأنه أن يرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيه شرها، وأن يؤتيها تقواها، ويزكيها، فهو خير من زكَّاها، فإنه وليُّها ومولاها، وألَّا يكله إليها طرفة عين، فإن وكله إليها هلك، فما هلك من هلك إلا حيث وكل إلى نفسه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين بن المنذر: ((قل: اللهم ألهمني رُشدي، وقني شرَّ نفسي)).


المجاهرة بالذنب خطر عظيم:

وأشدُّ من هذا كله: المجاهرة بالذنب مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه إليه، فإن آمن بنظره إليه وأقدم على المجاهرة، فعظيم، وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه، فكفر وانسلاخ من الإسلام بالكلية.


صاحب البصيرة إذا صدر منه الذنب نظر إلى الآمر به فاتخذه عدوًّا له:

العبد في الذنب له نظر إلى...الآمر له بالمعصية، المزين له فعلها، الحاضِّ له عليها، وهو شيطانه الموكل به، فيفيده النظر إليه وملاحظته اتخاذه عدوًّا، وكمال الاحتراز منه والتحفظ واليقظة والانتباه لما يريده منه عدوُّه وهو لا يشعر.


تقطع قلب العاصي على ما فرَّط:

من لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فَرَّط حسرةً وخوفًا؛ تقطع في الآخرة إذا حقَّت الحقائق وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين، فلا بدَّ من تقطُّع القلب إمَّا في الدنيا وإمَّا في الآخرة.


[كتاب: الصلاة]

ترك الصلاة من أعظم الذنوب:

لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنُوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وأنه متعرِّض لعقوبة الله وسَخَطِه وخِزيه في الدنيا والآخرة.


[كتاب: الفوائد]

آثار وثمار ترك الذنوب في الدنيا:

لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي إلا إقامةُ المروءة، وصونُ العرض، وحفظُ الجاه، وصيانةُ المال الذي جعله الله قوامًا لمصالح الدنيا والآخرة، ومحبة الخلق، وصلاح المعاش، وراحة البدن، وقوة القلب، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، والأمن من مخاوف الفساق والفجار، وقلة الهمّ والغم والحزن، وعزّ النفس عن احتمال الأذى، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية، وحصول المخرج مما ضاق على الفساق والفجار، وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسب، وتيسير ما عسُرَ على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليه، وتيسير العلم، والثناء الحسن في الناس، وكثرة الدعاء له، والحلاوة التي يكتسبها وجهه، والمهابة التي تُلقى له في قلوب الناس، وانتصارهم وحميتهم له إذا أُوذي وظُلم، وذبُّهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب، وسرعة إجابة دعائه، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله، وقُربُ الملائكة منه، وبعدُ شياطين الإنس والجن منه، وتنافس الناس في خدمته وقضاء حوائجه، وخطبتهم لمودته وصحبته، وعدم خوفه من الموت؛ بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه، وصغرُ الدّنيا في قلبه، وكِبَرُ الآخرة عنده، وحرصُهُ على الملك الكبير والفوز العظيم فيها، وذوقُ حلاوة الطاعة، ووجدُ حلاوة الإيمان، ودعاءُ حملة العرش ومن حوله من الملائكة له، وفرحُ الكاتبين به ودعاؤهم له كل وقت، والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته، وحصول محبة الله له وإقباله عليه وفرحه بتوبته، وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجهٍ من الوجوه. فهذه بعض آثار ترك المعاصي في الدنيا.


فإذا مات تلقَّته الملائكةُ بالبُشْرى من ربه بالجنة، وبأنه لا خوف عليه ولا حُزْن، وينتقل من سجن الدنيا وضيقها إلى روضة من رياض الجنة ينعم فيها إلى يوم القيامة.


فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحرِّ والعرَقِ، وهو في ظلِّ العرش، فإذا انصرفوا من بين يدي الله أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين وحزبه المفلحين و﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].


أصول الخطايا والمعاصي:

أصول الخطايا: الكبرُ؛ وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره، والحرص؛ وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحسدُ؛ وهو الذي جرَّأ أحد ابني آدم على أخيه، فمن وقي شرَّ هذه الثلاثة فقد وقي الشَّرَّ، فالكفر من الكِبر، والمعاصي من الحرص، والظلم من الحسد.


أصول المعاصي كلها - كبارها وصغارها- ثلاثة: تعلق القلب بغير الله، وطاعة القوة الغضبية، والقوة الشهوانية؛ وهي: الشرك، والظلمُ، والفواحش.


[كتاب:حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح]

ترك الذنوب مفتاح حياة القلوب:

ومفتاح حياة القلب: تدبر القرآن والتضرع بالأسحار، وترك الذنوب.


[كتاب:اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية]

حال من كان مستوحشًا مع الله بمعصيته:

من كان مستوحشًا مع الله بمعصيته إياه في هذه الدار، فوحشته معه في البرزخ، ويوم المعاد أعظمُ وأشدُّ، ومن قرَّت عينُه به في هذه الحياة الدنيا، قرَّت عينه به يوم لقائه عند الموت ويوم البعث، فموت العبد على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، ويعود عليه عمله بعينه، فينعم به ظاهرًا وباطنًا، أو يعذب به ظاهرًا وباطنًا.


[كتاب: الداء والدواء]

كل شر وداء في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب والمعاصي:

مما ينبغي أن يعلم أن الذنوب تضر ولا بُدَّ، وأن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي؟


فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟


وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع؟


وما الذي غرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟


وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية....حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟


وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟


وما الذي رفع قوى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعًا....وما هي من الظالمين ببعيد؟


وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تَلَظَّى؟


وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق، والأرواح للغرق؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟


أقسام الذنوب:

الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام: مَلَكيَّة، وشيطانية، وسبعية، وبهيمية، ولا تخرج عن ذلك:

فالذنوب الملكية: أن يتعاطى ما لا يصلح له من صفات الربوبية؛ كالعظمة، والكبرياء، والجبروت، والقهر، والعلو، واستعباد الخلق، ونحو ذلك، ويدخل في هذا الشرك بالرب تعالى...وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب....فمن كان من أهل هذه الذنوب فقد نازع الله سبحانه ربوبيته وملكه، وجعل له ندًّا، وهذا أعظم الذنوب عند الله، ولا ينفع معه عمل.


وأما الشيطانية: فالتشبه بالشيطان في الحسد، والبغي، والغش والغل، والخداع، والمكر، والأمر بمعاصي الله وتحسينها، والنهي عن طاعته، وتهجينها، والابتداع في دينه، والدعوة إلى البدع والضلال، وهذا النوع يلي النوع الأول في المفسدة.


وأما السبعية: فذنوب العدوان والغضب وسفك الدماء والتوثُّب على الضعفاء والعاجزين، ويتولد منها أنواع أذى النوع الإنساني والجرأة على الظلم والعدوان.


وأما الذنوب البهيمية: فمثل الشَّره والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولد الزنا، والسرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل والشح، والجبن، والهلع، والجزع، وغير ذلك.


وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق؛ لعجزهم عن الذنوب السبعية والملكية، ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام، فهو يجرهم إليها بالزمام، فيدخلون منه إلى الذنوب السبعية، ثم إلى الشيطانية، ثم إلى منازعة الربوبية، والشرك في الوحدانية.


الجرأة على معاصي الله من أسباب سوء الخاتمة:

إذا نظرت إلى كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة، عقوبة لهم على أعمالهم السيئة، قال الحافظ أبو محمد عبدالحق بن عبدالرحمن الأشبيلي رحمه الله: واعلم أن لسوء الخاتمة – أعاذنا الله منها – أسبابًا، ولها طرق وأبواب، أعظمها: الإكباب على الدنيا، والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة، ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الجرأة والإقدام، فملك قلبه، وسبى عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حجبه، فلم تنفع فيه تذكرة، ولا نجعت فيه موعظة، فربما جاءه الموت على ذلك.


ولقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح، فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفًا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض، وقال: الذنوب أهون من هذا، ولكن أبكي من خوف الخاتمة.


وهذا من أعظم الفقه، أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى.


قال: واعلم أن سوء الخاتمة – أعاذنا الله منها – لا تكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، ما سمع بهذا ولا علم به، ولله الحمد، وإنما تكون لمن له فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه، حتى ينزل به الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية، ويُصطلم قبل الإنابة، فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله.


الآثار القبيحة للذنوب والمعاصي:

للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة والمضرة بالقلب والبدن...ما لا يعلمه إلا الله:

فمنها: حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.


ومنها: حرمان الرزق...فما استُجلب رزقُ الله بمثل ترك المعاصي.


ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله...فلو لم يترك الذنوب إلا حذرًا من وقوع تلك الوحشة، لكان العاقل حريًّا بتركها.


ومنها: الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس، ولا سيما أهل الخير منهم...وكلما قويت تلك الوحشة بعُد منهم ومن مجالستهم، وحُرِمَ بركة الانتفاع بهم.


ومنها: تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقًا دونه، أو متعسرًا عليه.


ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة...وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادًا فيه يراه كل أحد.


ومنها: أنها توهن القلب والبدن، أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية، وأما وهنها للبدن...فإن الفاجر وإن قوي البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة.


ومنها: حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصدُّ عن طاعة تكون بدله...


ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنةِ الحسنةَ مثلها...ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها، ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه برحمته عليه الملائكة تؤزه إليها أزًّا، وتحرضه عليها، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها، ولا يزال يألف المعاصي، ويحبها، ويؤثرها، حتى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزه إليها أزًّا.


ومنها: وهو- من أخوفها على العبد أنها تُضعف القلب- أنها تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى الله.


ومنها: أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.


ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، وسقوطه من عينه.


ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك، فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظُم عند الله.


ومنها: أن غيره من الناس...يعود عليه شؤم ذنوبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب.


ومنها: أن المعصية تورث الذلَّ ولا بدَّ، فإن العزَّ كل العزِّ في طاعة الله تعالى.


ومنها: أن المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نورًا، والمعصية تطفئ نور العقل ولا بدَّ، وإذا طفئ نوره ضعف ونقص، قال بعض السلف: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله.


وهذا ظاهر فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى وتحت قهره، وهو مطلع عليه...وملائكته شهود عليه، ناظرون إليه، وواعظ القرآن ينهاه، وواعظ الإيمان ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كلِّه والاستخفاف به ذو عقل سليم؟!


ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين؛ كما قال بعض السلف في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، قال: هو الذنب بعد الذنب.


ومنها: أنها تُحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن...ومن تأثير المعاصي في الأرض: ما يحلُّ بها من الخسف والزلازل ومحق بركتها.


ومنها: أنها تطفئ من القلب نار الغيرة...وأشرف الناس وأعلاهم همَّةً أشدُّهم غيرةً على نفسه، وخاصته، وعموم الناس.


ومنها: ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه....فمن لا حياء فيه ميت في الدنيا شقي في الآخرة.


ومنها: أنها تُضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتُضعف وقاره في قلب العبد...ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه...فإن عظمة الله وجلاله في قلب العبد وتعظيم حرماته تحول بينه وبين الذنوب...وكيف ينتهك عبد حُرُمات الله، ولا يطمع ألَّا ينتهك الناس حرماته؟ أم كيف يهون عليه حقُّ الله، ولا يهوِّنه الله على الناس؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله، ولا يستخف به الخلق؟


ومنها: أنها تستدعي نسيان الله لعبده، وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهناك الهلاك الذي لا يُرجى معه نجاة.


ومنها: أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان...فإذا خرج من دائرة الإحسان فاته صحبة رُفَقِه الخاصة....وفاته كل خير رَتَّبَه الله في كتابه على الإيمان، وهو نحو مائة خصلة، كل خصلة منها خير من الدنيا.


ومنها: أنها من أقوى الأسباب الجالبة لجهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وزوال نعم الله، وتحول عافيته، وفجاءة نقمته، وجميع سخطه.


ومنها: أنها تُزيل النِّعَم وتُحِلُّ النِّقَم، فما زالت عن العبد نعمة، ولا حَلَّت به نقمة، إلا بذنب؛ كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة.


ومنها: ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا...فمن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء.


ومنها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضًا معلولًا...ولا تحسب أن قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14] مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة كذلك؛ أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم، وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ وأي عذاب أشدُّ من الخوف، والهم، والحزن، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلقه بغير الله، وانقطاعه عن الله، بكل وادٍ منه شعبة، وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب.


فكل من أحب شيئًا غير الله عُذِّب به ثلاث مرات في هذه الدار، فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل، فإذا حصل عُذِّب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته...فإذا سلبه اشتد عذابه عليه...فأين هذا من نعيم من يرقص قلبه طربًا وفرحًا وأنسًا بربه، حتى يقول أحدهم في حال نزعه: واطرباه! ويقول الآخر: إن كان أهل الجنة في مثل هذا؛ إنهم لفي عيش طيب، ويقول الآخر: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها، وما ذاقوا لذيذ العيش فيها، وما ذاقوا أطيب ما فيها.


ويقول الآخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.


ومنها: أنها تصغر النفس وتقمعها وتحقرها، حتى تصير أصغر شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها.


ومنها: أن العاصي دائمًا في أسر شيطانه، وسجن شهواته، وقيود هواه، فهو أسير مسجون مقيد، ولا أسير أسوأ حالًا من أسير أسره أعدى عدوٍّ له.


ومنها: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه.


ومنها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذمِّ والصَّغار، فتسلبه اسم المؤمن، والمتقي، والمطيع...وتكسوه اسم الفاجر، والعاصي، والمفسد.


ومنها: أنها تؤثر بالخاصية في نقصان العقل، فلا تجد عاقلين: أحدهما مطيع لله، والآخر عاصٍ، إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل، وفكره أصحُّ، ورأيه أسدُّ، والصواب قرينه.


ومنها: أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير، واتصلت به أسباب الشر.


ومنها: أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة....فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله.


ومنها: أنها تُجرِّئ على العبد من لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات، فيجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين....ويجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، ويجترئ عليه أهله وخَدَمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم، قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأعرف ذلك في خُلُق امرأتي ودابَّتي، وكذلك تجترئ عليه نفسه، فتتأسد عليه وتستصعب عليه، فلو أرادها لخيرٍ لم تطاوعه، ولم تنقَدْ له، وتسوقه إلى ما فيه هلاكه، شاء أم أبى.


ومنها: أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه...فإذا وقع في مكروه، واحتاج للتخلص منه، خانه قلبه ونفسه وجوارحه...فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله، والإنابة إليه، والجمعية عليه، والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه...بل إن ذكر أو دعا ذكر بقلبٍ لاهٍ ساهٍ غافل، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقَدْ له، ولم تطاوعه....وهذا، وثمَّ أمر أخوفُ من ذلك وأدهى منه، وأمرُّ، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذَّر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرًا من المحتضرين أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل: لا إله إلا الله، فقال: آه! آه! لا أستطيع أن أقولها!


وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال:

يا رُبَّ قائلةٍ يوم وقد تعبت
كيف الطريق إلى حمام منجاب

وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء، وقيل لآخر ذلك، فقال: وما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ركبتها، ثم قضى ولم يقلها، وقيل لآخر ذلك، فقال: وما يغني عنِّي، وما أعرف أني صليتُ لله صلاة، ولم يقلها.


وقيل لآخر ذلك، فقال: كلما أردت أن أقولها فلساني يُمسك عنها.


وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبرًا، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم...فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره، واتَّبَع هواه، وكان أمره فُرُطًا؟ فبعيد من قلبه بعيد من الله تعالى، غافل عنه، متعبد لهواه، أسير لشهواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة عن طاعته، مشتغلة بمعصيته- أن يوفق للخاتمة بالحسنى.


ومنها: أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه، وجيش يقويه به على حربه، وذلك أن الله سبحانه ابتلى...الإنسان بعدوٍّ لا يفارقه طرفة عين، ينام ولا ينام عنه، ويغفل ولا يغفل عنه، يراه هو وقبيلُه من حيث لا يراه، يبذل جهده في معاداته في كل حال، ولا يدع أمرًا يكيده به يقدر على إيصاله إليه إلا أوصله، ويستعين عليه ببني أبيه من شياطين الجن وغيرهم من شياطين الإنس، قد نصب له الحبائل...والفخاخ والشباك، وقال لأعوانه: دونكم عدوكم وعدو أبيكم، لا يفوتنكم، ولا يكن حظُّه الجنة وحظُّكم النار، ونصيبُه الرحمة ونصيبكم اللعنة، وقد علمتم أن ما جرى عليَّ وعليكم من الخزي واللعن والإبعاد من رحمة الله فبسببه ومن أجله، فابذلوا جهدكم أن يكونوا شركاءنا في هذه البلية.


ودونكم ثغر العين، فإن منه تنالون بغيتكم، فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر، فإني أبذر به في القلب بذر الشهوة، ثم أسقيه بماء الأمنية، ثم لا أزال أعدُه وأمنِّيه حتى أقوِّي عزيمته، وأقوده بزمام الشهوة إلى الانخلاع من العصمة.


ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر، فاجتهدوا ألَّا تدخلوا منه إلا الباطل، فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستملحه، وتخيروا له أعذب الألفاظ وأسحرها للألباب...وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شيء من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو كلام النصحاء، فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء فحُولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه.


ثم...قوموا على ثغر اللسان، فإنه الثغر الأعظم...فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه، وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه...فالرباط الرباط على هذا الثغر...فزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق، وخوِّفوه من التكلم بالحق بكل طريق.


وكونوا أعوانًا على الإنس بكل طريق، وادخلوا عليهم من كل باب، واقعدوا لهم كل مرصاد...اقعدوا...على سائر طريق الخير بالتنفير منها وذكر صعوبتها وآفاتها، ثم اقعدوا على طرق المعاصي، فحسنوها في أعين بني آدم، وزينوها في قلوبهم، واجعلوا أكبر أعوانكم على ذلك النساء، فمن أبوابهن فادخلوا عليهم، فنعم العون هن لكم.


واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما:

أحدهما: جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله والدار الآخرة بكل طريق...فإن القلب إذا غفل عن الله تمكنتم منه ومن أعوانه.


الثاني: جند الشهوات فزينوها في قلوبهم، وحسنوها في أعينهم.


وإذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضركم من ذكر الله أو مذاكرة أمره ونهيه ودينه، ولم تقدروا على تفريقهم، فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من البطَّالين، فقربوهم منهم، وشوشوا عليهم.


وبالجملة...فادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته، فساعدوه عليها، وكونوا عونًا له على تحصيلها.


ورابطوا على الثغور، وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة، والغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.


واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين، وإنما أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة، وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب.


وأعظم أسلحتهم فيكم وأمنع حصونهم: ذكر الله، ومخالفة الهوى، فإذا رأيتم الرجل مخالفًا لهواه، فاهربوا من ظله، ولا تدنوا منه.


ومن عقوباتها: أنها تعمي القلب، فإن لم تُعمه أضعفت بصيرته ولا بدَّ، فإذا عمي القلب وضعف فاته من معرفة الهدى وقوته في تنفيذه في نفسه وفي غيره بحسب ضعف بصيرته وقوته....ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلا هذه العقوبة وحدها، لكانت كافية داعية إلى تركها والبعد منها.


ومن عقوباتها: أنها تنسي العبد نفسه، فإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها...فينسى أسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وما تكمل به...وينسى عيوب نفسه ونقصها وآفاتها، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها...وينسى أمراض نفسه وقلبه وآلامها، فلا يخطر بقلبه مداواتها ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها.


ومن عقوباتها: أنها تزيل النِّعَم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل، وتمنع الواصل، فإن نعم الله ما حُفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته...فإذا أراد الله حفظ نعمته على عبده، ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه، خذله حتى عصاه بها.


ومن عقوباتها: أنها تباعد عن العبد وليه، وأنفع الخلق له، وأنصحهم له، ومَن سعادتُه في قربه منه، وهو الملك الموكّل به، وتُدني منه عدوه، وأغشَّ الخلق له، وأعظمهم ضررًا له؛ وهو الشيطان، فإن العبد إذا عصى الله، تباعد منه الملك بقدر تلك المعصية، حتى إنه يتباعد عنه بالكذبة الواحدة مسافة وحيدة.


وإذا اشتد قرب الملك من العبد تكلم على لسانه، وألقى على لسانه القول السديد، وإذا بعد منه، وقرب منه الشيطان، تكلم على لسانه، وألقى عليه قول الزور والفحش، حتى ترى الرجل يتكلم على لسانه الملك، والرجل يتكلم على لسانه الشيطان.


ومن عقوباتها: أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه وآخرته.


فإن الذنوب هي أمراض متى استحكمت قتلت، ولا بد، وكما أن البدن لا يكون صحيحًا إلا بغذاءٍ يحفظ قوته، واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة، والأخلاط الرديئة التي متى غلبت عليه أفسدته، وحمية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه ويخشى ضرره، فكذلك القلب لا تتم حياته إلا بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة يحفظ قوته، واستفراغ بالتوبة النصوح يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة منه، وحمية توجب له حفظ الصحة، وتجنب ما يضادها...والتقوى اسم متناول لهذه الأمور الثلاثة، فما فات منها فات من التقوى بقدره.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من درر العلامة ابن القيم عن ذكر الله
  • من درر العلامة ابن القيم عن الزنا واللواط
  • من درر العلامة ابن القيم عن الصدق والكذب
  • من درر العلامة ابن القيم عن الصدقة
  • من درر العلامة ابن القيم عن العشق
  • من درر العلامة ابن القيم عن العقوبة والعذاب
  • من درر العلامة ابن القيم عن العلم
  • من درر العلامة ابن القيم عن الغناء والسماع
  • من درر العلامة ابن القيم عن النعم

مختارات من الشبكة

  • من درر العلامة ابن القيم عن حفظ اللسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الدعاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الجهاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الصبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن التوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن البلاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن غض البصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن اتباع الهوى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن النفس(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب