• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الدلالة والافادة في الإرادة (الصفة والأنواع والفروق)

الدلالة والافادة في الإرادة (الصفة والأنواع والفروق)
بكر البعداني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/1/2025 ميلادي - 25/7/1446 هجري

الزيارات: 794

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدِلالة والافادة في الإرادة (الصفة والأنواع والفروق)

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

اعلَم أخي القارئ - رحمني الله وإياك - أن الإرادة لفظٌ فيه إجمال، وهي عند التحقيق تنقسم إلى قسمين:

أولها: إرادة الخير أو المصلحة أو النفع، أو إرادة موافقة الحكمة.

 

وثانيها: إرادة الشر، أو الفساد، أو إرادة ما لا يوافق الحكمة، ولهذا قال أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة - رحمهم الله - أن الله - عز وجل - لا يسمى باسم المريد - وإن كان قد يوصف بالفعل كما سيأتي- معلِّلين ذلك أن هذا منقسم، هذا مع أنَّ الله - عز وجل - يريد، فيطلق عليه - عز وجل - الفعل دون الاسم؛ لأنه - عز وجل - موصوفٌ بالإرادة الكاملة، ولكن اسم المريد لا يكون من أسمائه - عز وجل - لعدم ثبوته تنصيصًا، والقاعدة المتفق عليها في هذه الأبواب أن الأسماء والصفات توقيفية لا مجالَ للعقل فيها، ولما أشرنا أنفًا إليه، والله أعلم، ومن هنا انقسم الناس في إثبات هذه الصفة.

 

الأقوال في إثبات صفة الإرادة:

والناس في إثبات هذه الصفة على أقوال أهمها:

القول الأول: قول الأشاعرة وقد أثبتوا ‌صفة ‌الإرادة لدلالة السمع والعقل عليها، أما الأدلة السمعية فستأتي معنا، وأما العقل فقالوا: إن اختلاف المخلوقات وتخصيص بعضها بما يختص به من ذاتٍ أو وصفٍ دليلٌ على الإرادة، ومعنى التخصيص: تخصيص المخلوقات بما هي عليه كلٌّ بحسب، فهو دال على الإرادة؛ قالوا: لأنه لولا الإرادة، لكان الكل شيئًا واحدًا! ومع أن هذا الدليل الذي استدلوا به على الإرادة هو أظهر وأبين، وأوضح في صفات لله - عز وجل - التي لم يثبتوها وتأوَّلوها من مثل: صفة الرحمة وغيرها - وهذا ليس موضع بيانه - إلا أنه ومع ذلك وعند التحقيق كما قال بعض أهل العلم - رحمهم الله - نرى أنهم لا يثبتون إلا إرادة واحدة قديمة تعلَّقت في الأزل بكل المرادات، فيلزمهم على هذا تخلف المراد عن ‌الإرادة.

 

القول الثاني: قول المعتزلة - والقائم مذهبهم على نفي الصفات - وهو هنا نفي صفة ‌الإرادة، ويقولون: إنه - عز وجل - يريد بإرادة حادثةٍ لا في محلٍّ، وعلى هذا فيلزمهم قيام الصفة بنفسها، وهو من أبطل الباطل كما هو ظاهر، ولتبيانه وتفصيله مواضع أُخَر.

 

القول الثالث: قول أهل السنة والجامعة، وقد هدى الله - عز وجل - أهل السنة والجماعة إلى الحق ‌لِما ‌اختلف ‌فيه بإذنه - عز وجل - وهو - عز وجل - يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فأثبتوا صفة الإرادة، وقرَّروا أنها صفة ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة - كما ستراه في ما يأتي - بل زادوا على هذا الأصل بيانَ دلالة الفطرة والعقل والإجماع عليها، وقالوا لذلك كله وبعد استقرائهم لكل تلك النصوص: إن الواجب إثبات صفة الإرادة - بقسميها الكوني والشرعي - وأنها من الصفات الذاتية الفعلية.

 

وبيان ذلك أن صفات الله - عز وجل - الثبوتية - وهي ما ثبتت عن طريق السمع - تنقسم إلى قسمين كما قرَّر أهل العلم - رحمهم الله -: ذاتية وفعلية، وقد نبَّه أهلُ التحقيق - رحمهم الله - أنها قد تكون - أعني: الصفة - ذاتية فعلية باعتبارين، وتوضيح لذلك باختصار نقول: إنه باعتبار أصله الصفة تكون ذاتية، وباعتبار آحادها تكون صفة فعلية، وصفة الإرادة هي صفة ذاتية باعتبار أصل الصفة؛ لأن الله - عز وجل - لم يزَل ولا يزال مريدًا، وهي صفة فعليه باعتبار آحادها؛ لتعلُّقها بمشيئته - عز وجل - فإنه - عز وجل - مريد متى شاء بما شاء، كما أن كل صفة تعلقت بمشيئته -عز وجل - فإنها تابعة لحكمته، سواء أدركنا تلك الحكم أو عجَزنا عن إدراكها، إلا أننا نعلم علمَ اليقين أنه - عز وجل - لا يريد شيئًا إلا وهو موافق للحكمة.

 

أنواع الإرادة:

إذا ما تبيَّن لنا هذا فاعلَم أن أهل السنة والجماعة قد قرَّروا أن الإرادة في كتاب الله - عز وجل - على نوعين:

الأول: ‌‌الإرادة الكونية:

وتُسمى: الإرادة العامة، وهي تتعلق فيما يحصل في كون الله - عز وجل - كما سيأتي، وهي مرادفة للمشيئة، وهي ‌الإرادة القدرية، أو إرادة قضاء وتقدير، وعبَّر عنها ابن القيم - رحمه الله - في نونيته بقوله: عين الحكم، فقال في نونيته - رحمه الله -:

فانظر بعين الحكم وارحَمْهم بها
إذ لا تُرَدُّ مشيئةُ الديَّانِ

والثاني: الإرادة الشرعية:

وعبَّر عنها بعضهم: بإرادة الأمر أو الإرادة الدينية، وهي المتضمنة للمحبة والرضا، أو إرادة أمر وتشريع، وقد عبَّر عنها ابن القيم - رحمه الله - في نونيته عنها بقوله: عين الأمر، فقال في نونيته - رحمه الله -:

وانظر بعينِ الأمر واحْملهم على
أحكامه فهما إذا نظران

[وانظر لبيان هذا التقسيم: المنتقى من منهاج الاعتدال (ص: 121) لشمس الدين الذهبي، ومنهاج السنة (3/156)، ومجموع الفتاوى (8/187-188-440) و(10/25)، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص: 143)، وهو في مجموع الفتاوى (11/265)، وشفاء العليل (ص:48- 270- 280)، وشرح العقيدة الطحاوية(ص: 114-447 -الألباني)، لابن أبي العز، والعقيدة الواسطية بتعليق ابن مانع (ص: 22)، وجواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية (ص: 90)؛ لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وأعلام السنة المنشورة (ص: 88)، وقطر الولي على حديث الولي (ص: 266)، ومعارج الصعود (ص: 302)، ودفع إيهام الاضطراب (10/129، 133، 159)، وأضواء البيان (7/222)، وشرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس (ص: 51-52)، وشرح ابن عيسى للنونية (1/131- 132)، والماتريدية للشمس السلفي الأفغاني (1/448)، وشرح العقيدة السفارينية (ص: 188-333)، ومذكرة على العقيدة الواسطية (ص: 22) لابن عثيمين، والقضاء والقدر (ص: 108) للأشقر، وتوضيح مقاصد العقيدة الواسطية (ص: 60) لعبد الرحمن البراك، والتحفة الندية شرح العقيدة الواسطية (ص: 94) لعبد الرحمن العقل، وغيرها كثير].

 

وهذا في الحقيقة تقسيمٌ صحيحٌ بديعٌ، دلَّت عليه النصوص وأرشدت إليه الأدلة، وكان جهله وعدم العلم به، والتسوية بين ‌الإرادة الكونية والإرادة الشرعية - سببًا في منشأ الضلال في القدر، كما فعل الجبرية والقدرية، والنصوص في إثبات إرادة الله - عز وجل - أكثر من أن تُحصر، والآثار النبوية في ذلك أكثر من أن تُستوعَب؛ كما قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (ص: 47)، ومنها:

آيات في الإرادة الكونية:

قال الله - عز وجل -: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام:125]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [البقرة 235]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ﴾ [هود 34]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾[يس:82]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ [المائدة:41]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [البقرة:253]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج:16]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ﴾ [الإسراء:16]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ﴾ [هود:34]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص:5]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16].

 

قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص: 447): "في أحد الأقوال، وهو أقواها".

 

آيات في الإرادة الشرعية:

قال الله - عز وجل -: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة:185]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 6]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النساء:26]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة:6]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء 27]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء:28]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب:33].

 

السنة النبوية:

عن حميد بن عبد الرحمن قال سمعت معاوية - رضي الله عنه - خطيبًا يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين...))؛ الحديث؛ [أخرجه البخاري رقم: (71)، ومسلم: (1037)، وقد ذكرته في رسالتي: الأربعون الفقهية، ورسالتي: رسالة في الفقه في الدين، وقد جاء نحوه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه الترمذي، والدارمي، وقال الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌1194): "قلت: وهو على شرط الشيخين"، وقال شيخنا مقبل الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (6/426): "صحيح على شرط الشيخين"، قلت: وهو الحديث الثاني في رسالتي الأربعين الفقهية].


وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (‌من ‌يرد ‌الله ‌به ‌خيرًا ‌يُصب ‌منه)؛ [أخرجه البخاري رقم: (5321)].


وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((‌إذا ‌أراد ‌الله ‌بالأمير خيرًا جعل له وزيرَ صدقٍ..)) الحديث؛ [أخرجه أبو داود رقم: (2932)، وابن حبان في صحيحه رقم: (1551 - موارد)، وقال الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/882): "ورجاله ثِقات رجال الشيخين، غير أن زهير بن محمد وهو أبو المنذر الخراساني ضعيف مِن قِبَل حِفظه"، قلت بكر: وللحديث شواهد، ولذا صحَّحه - رحمه الله - في صحيح الجامع، ومشكاة المصابيح رقم (3707)، وقال في صحيح الترغيب رقم (2296): "صحيح لغيره"، وقال - رحمه الله - في صحيح أبي داود رقم (2603 -الأم): "قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان"].


وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((إن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة...))، وفيه: ((حتى ‌إذا ‌أراد ‌الله ‌رحمة من أراد من أهل النار..))؛ [أخرجه البخاري رقم: (773)، ومسلم رقم: (182)].


عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((إن الله - عز وجل - إذا ‌أراد ‌رحمة ‌أمةٍ من عباده، قبضَ نبيَّها قبلها..))؛ [أخرجه مسلم رقم: (2288)].


وعن عمرو بن الحمق الخزاعي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((إذا أراد الله بعبد خيرًا عسَّله..)) الحديث؛ [أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3/261)، وابن حبان رقم: (1822)، وأحمد (5/224)، وغيرهم، وقال وهبة الله الطبري - رحمه الله - في الفوائد الصحاح (1/132/2): "حديث صحيح على شرط مسلم يَلزَمه إخراجُه"، وقال الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌1114): "قلت: وهو كما قال"، وقال شيخنا مقبل الوادعي - رحمه الله - في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (6/427) وغيره: "هذا حديث حسن"].


وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((‌إذا ‌أراد ‌الله ‌بعبد ‌خيرًا عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد شرًّا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافيه يوم القيامة))؛ [أخرجه الترمذي رقم: (2396) وغيره، حسنه الألباني - رحمه الله - في تحقيق المشكاة رقم: (1565)، وصححه في صحيح الجامع لشواهده، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌1220)].


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((ليس الغنى عن ظهر، إنما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد خيرًا جعل غناه في نفسه، وتُقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شرًّا جعل فقره بين عينيه))؛ [أخرجه ابن حبان في صحيحه (50/86- موارد)، وضعفه الألباني - رحمه الله - في ضعيف الجامع، وحسَّنه - رحمه الله - في صحيح موارد الظمآن رقم (72)، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (‌‌3350)].


عن أبي المليح عن رجل من قومه وكانت له صحبة قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((إذا أراد الله قبضَ عبدٍ بأرض جعل له بها حاجة))؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم: (1282)، وابن حبان رقم: (1815)، والدولابي في الكنى (1/44)، وأحمد (3/429)، وعنه الحاكم (1/42)، وصحَّحه ووافقه الذهبي، وقال الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/221 رقم: ‌‌1221): "وهو كما قالا"، وصححه في صحيح الجامع، والحديث له شواهد، وقد رجَّح الحويني - حفظه الله - وقف الحديث في تنبيه الهاجد (2/212 - الطبعة الجديدة)].


عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((‌إذا ‌أراد ‌الله - عز وجل - ‌بأهل ‌بيت خيرًا أدخل عليهم الرِّفق))؛ [أخرجه أحمد (6/71) وغيره، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع، وصحيح الترغيب رقم (2669)، وقال - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (‌‌1219): "حديث صحيح من رواية عائشة - رضي الله عنها - وقد تجمع لدي عدة طرق عنها"، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (‌‌523)].


عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: "((إذا ‌أراد ‌الله ‌بقوم ‌عذابًا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بُعثوا على أعمالهم))؛ [أخرجه مسلم رقم: (2879)، وهو في البخاري رقم: (6691) بلفظ: ((إذا أنزل الله ‌بقوم ‌عذابًا))].


عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((وكَّل الله بالرحم ملكًا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا ‌أراد ‌الله ‌أن ‌يقضي ‌خلقها..))؛ [أخرجه البخاري رقم: (6222)، ومسلم رقم: (2646) ولفظه: ((أن يقضي خلقًا))].


عن كرز بن علقمة الخزاعي - رضي الله عنه - قال: ((قال رجل: يا رسول الله، هل للإسلام من منتهى؟ قال: أيما أهل بيت - وقال في موضع آخر - قال: نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرًا، ‌أدخل ‌عليهم ‌الإسلام..))؛ [أخرجه أحمد (3/477)، والحاكم (1/34)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 117)، وقال الحاكم: "صحيح وليس له علة"، وأقرَّه الذهبي، وقال الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (‌‌51): "وهو كما قالا"، وتوسَّع في تخريجه برقم: (‌‌3091)، وقال شيخنا مقبل الوادعي - رحمه الله - في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (6/428): "هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها"].


وثَمت أدلة أُخَر وهي كثيرة جدًّا، ونكتفي بما أشرنا إليه، ففيه دلالة على صحة ما سبق الكلام عليه.


الفروق بين الإرادتين:

فإذا ما علمت هذا، واستقرَّ في قلبك فاعلَم أن ثمت جملة من الفروق بين هاتين الإرادتين، كنت قد وقفت عليها في جملة من كتب أهل العلم - رحمهم الله - أجمعين، ومشار إليها في كلام جمْعٍ من المحققين، متفرِّق ذكرُها، ‌مُتناثِرة نصوصُها، فأخرجتها وهذَّبتها، ونقَّيتها و‌شذَّبتها، ونَمَّقتها وعزَمت على ‌سَوْقِهَا، وزيَّنتها واعْتَزَمْتُ على سردها، مع تعليق خفيف، وبيان طفيف، لا يُحيل المعنى ولا يغير المبنى، مع التنبيه على أن بعضها قد تتداخل لتقارُب معانيها، وتجانُس مخارجها، لكني رأيت أن أذكرها كما هي، وفي ذلك فوائد - إن شاء الله - لا تخفى، والله أعلم وأعلى، فمنها:

الفرق الأول:

أن الإرادة الكونية: بمعنى المشيئة، هي المتعلقة بمشيئته - عز وجل - لِما خلقه، فتشمل جميع المخلوقات، وهي جميعها داخلة في مشيئته، فما شاء الله كان ولا بد، وما لم يشأ لم يكن، على حد قول الشافعي - رحمه الله - فيما أخرجه أبو بكر البيهقي - رحمه الله - في مناقب الشافعي (2/109):

ما شئتَ كان وإن لم أَشا
وما شئتُ إن لم تَشأ لم يكُن

أما الإرادة الشرعية، فهي بمعنى المحبة والرضا المتضمنة لمحبته ورضاه - عز وجل.


وعليه فالإرادة الكونية تكون فيما يُحبه الله - عز وجل - وما لا يُحبه الله - عز وجل - والإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يُحبه الله - عز وجل - ومن هنا يظهر أن المحبة غير المشيئة؛ لأن المشيئة لا تنقسم إلى مشيئة كونية وإلى مشيئة شرعية، بل هي نوع واحدٌ، وهي مشيئة في كونه - عز وجل - فلفظ المشيئة كوني، ولفظ المحبة ديني شرعي، كما قرَّر ذلك غيرُ واحد، ومنهم العلامة ابن القيم - رحمه الله - في شفاء العليل، وغيره من أهل التحقيق والتأصيل.


إذا علمت هذا أدركتَ خطأ أهل الباطل، وأنهم لَما عجزوا عن الفهم و‌الإفهام، تسرَّب إليهم من التسوية بينهما الأوهام، فإنهم جعلوا المحبة هي ‌الإرادة والمشيئة، فقالوا: إن كل ما شاءه الله - عز وجل - فقد أراده وأحبَّه، ولم يفرِّقوا بينهما، ولذلك فإن كلَّ مَن لم يفرق بين المشيئة والمحبة يلزمه -ولا بد - أحد أمرين باطلين لا بد له من التزامه:

أما الأول: فالقول بأن الله - عز وجل - يحب الكفر والفسوق والعصيان.


وأما الثاني، فهو القول بأنه - عز وجل - ما شاء ذلك ولا قدره ولا قضاه، والعياذ بالله - عز وجل - وقد قال بكلٍّ من القولين طائفة، وانحرفت الطائفتان عن سواء السبيل، والأمر كما قيل:

سارَت مُشرقةً وسِرت مُغربَا
شَتَّانَ بينَ مُشرِّق ومُغرِّب

وقد بيَّن ذلك وفصَّله غيرُ واحد من أهل التحقيق، وفي كلام العلامة ابن القيم - رحمه الله - في شفاء العليل تدقيق وتحقيق.


الفرق الثاني:

أن الإرادة الكونية - وهي التقدير الأزلي -: لا بد من وقوع مراد الله - عز وجل - بها؛ إذ هي الإرادة المستلزمة لوقوع المراد، فهي نافذة ولا بد، وواقعة لا مَحالة، ولو كانت غير مرضية.


أما الإرادة الشرعية، فليس ذلك بلازمٍ، فقد تقع وقد لا تقع، فلا تستلزم وقوع المراد، لكنها - مع ذلك - مرادة من العباد شرعًا، وهي إلى ذلك مرضية من الله - عز وجل - وإن كانت غير نافذة، ومعنى قولنا: إنها قد تقع وقد لا تقع؛ أي: قد تقع إذا تعلَّق بها النوع الآخر من الإرادة، وهي ‌الإرادة الكونية القدرية، وقد لا تقع إذا لم يتعلَّق بإيجادها إرادته الكونية القدرية، وقد قرَّر هذا غيرُ واحد من أهل العلم، ومنهم ملكُ التَّحْقِيق العلامة ابن تيمية - رحمه الله - المتربع على عرش ‌التدقيق، بكلام متين ولفظ ‌رصين، فأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وأوضح مسالك الخلاف والاختلاف، وقرَّر الصواب بإنصاف، متحاشيًا التكلف والاعتساف، فظهر الحق على التمام، وبيَّنه أتَمَّ البيان.


ويأتي معنا بيان الأقسام في هذا من كلامه - رحمه الله - وكذا المحقق الرباني والعلامة ابن القيم شيخ الإسلام الثاني في شفاء العليل (ص: 270)، وهنا أسوق قوله مختصرًا لإيضاح ذلك على عجالة، ومن أراد الاستزادة فليَطلبها في مظانها، فقد قال - رحمه الله -: "فالإرادة بالمعنى الأول - مراده: ‌الإرادة بمعنى المشيئة - تستلزم وقوعَ المراد، ولا تستلزم محبته والرضا به، وبالمعنى الثاني - مراده: ‌الإرادة بمعنى المحبة والرضا - لا تستلزم وقوع المراد وتستلزم محبته، فإنها لا تنقسم بل كل ما أراده من أفعاله، فهو محبوب مرضي له، ففرقٌ بين إرادة أفعاله وإرادة مفعولاته، فإن أفعاله خير كلها وعدل ومصلحة وحكمة، لا شر فيها بوجهٍ من الوجوه، وأما مفعولاته فهي موردُ الانقسام، وهذا إنما يتحقق على قول أهل السنة: إن الفعل غير المفعول، والخلق غير المخلوق، كما هو الموافق للعقول والفِطَر واللغة، ودلالة القرآن والحديث، وإجماع أهل السنة؛ كما حكاه البغوي في شرح السنة عنهم".


الفرق الثالث:

أن الإرادة الكونية: تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي دون ما لم يحدُث منها.


وأما الإرادة الشرعية، فهي المتناولة لِما أمَر به وجعله شرعًا ودينًا، وهي تتناول جميع الطاعات حدثت أو لم تحدُث؛ كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في مجموع فتاواه (8/198).


الفرق الرابع:

أن الإرادة الكونية: جميع الكائنات داخلة في هذه الإرادة والمشيئة، لا يخرج عنها خيرٌ ولا شر، ولا عُرف ولا نُكر، وهذه الإرادة والمشيئة تتناول ما لا يتناوله الأمر الشرعي، ولذلك فالإرادة الكونية ليست مستلزمة للأمر كما تقدم.


أما الإرادة الشرعية الدينية، فهي مطابقة للأمر الشرعي، فلا يمكن أن يختلفان، وقد قرَّر هذا العالم الرباني وشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني في مجموع فتاواه (18/132)، والله أعلم.


الفرق الخامس:

أن الإرادة الكونية: الأمر لا يستلزمها.


أما الإرادة الشرعية الدينية، فالأمر يستلزمها.


قال ابن أبي العز - رحمه الله - في شرح الطحاوية (ص:114-115) وقد نقل شيئًا منه عن منهاج السنة (3/18) لابن تيمية - رحم الله الجميع -: "الفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل، فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلًا، فهذه الإرادة معلقة بفعله، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلًا، فهذه الإرادة لفعل الغير، وكلا النوعين معقول للناس، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى، فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على ما أمَر به، وقد لا يريد ذلك، وإن كان مريدًا منه فعله، وتحقيق هذا مما يبيِّن فصل النزاع في أمر الله تعالى: هل هو مستلزم لإرادته أم لا؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسُن رُسله - عليهم السلام - بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، ولكن منهم من أراد أن يَخلق فعله، فأراد سبحانه أن يخلق ذلك الفعل ويجعله فاعلًا له، ومنهم مَن لم يُرد أن يخلق فعله، فجهةُ خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها من المخلوقات، غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لِما هو مصلحة للعبد أو مفسدة، وهو سبحانه - إذ أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالإيمان - كان قد بيَّن لهم ما ينفعهم ويُصلحهم إذا فعلوه، ولا يلزم إذا أمرَهم أن يعينهم، بل قد يكون في خلقه لهم ذلك الفعل وإعانتهم عليه وجهُ مفسدة من حيث هو فعل له، فإنه يَخلق ما يخلق لحكمة، ولا يلزَم إذا كان الفعل المأمور به مصلحةً للمأمور إذا فعله أن يكون مصلحةً للآمر إذا فعَله هو، أو جعل المأمور فاعلًا له، فأين جهة الخلق من جهة الأمر؟ فالواحد من الناس يأمر غيره وينهاه مريدًا النصيحة ومبينًا لِما ينفعه، وإن كان مع ذلك لا يريد أن يُعينه على ذلك الفعل؛ إذ ليس كل ما كان مصلحتي في أن آمُر به غيري وأنصَحه، يكون مصلحتي في أن أعاونه أنا عليه، بل قد تكون مصلحتي إرادة ما يضاده، فجهةُ أمره لغيره نصحًا غير جهة فعله لنفسه، وإذا أمكن الفرق في حق المخلوقين، فهو في حق الله أَولى بالإمكان".


ثم أخذ في الرد على القدرية في هذا الباب، فانظُره غير مأمور، وانظر: مجموع الفتاوى (8/131)، ومجموعة الرسائل والمسائل (5/151)، والتسعينية (ص:151) لابن تيمية، ولوامع الأنوار البهية (1/156) للسفاريني، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/1275) لعبد الرحمن بن صالح.


والناس في ذلك على أقوال، أشهرها ثلاثة، قال ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل (ص: 280): "مسألة الأمر والإرادة: هل هما متلازمان أم لا؟


فقالت القدرية: الأمر يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.


وقالت المثبتة: الأمر لا يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.


والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية، ولا يستلزم ‌الإرادة ‌الكونية، فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعًا ودينًا.


وقد يأمُر بما لا يريده كونًا وقدرًا، كإيمان مَنْ أَمَرَهُ ولم يوفِّقه للإيمان، مرادًا له دينًا لا كونًا، وكذلك أَمَر خليله بذبح ابنه، ولم يُرده كونًا وقدرًا، وأَمَر رسوله بخمسين صلاة، ولم يرد ذلك كونًا وقدرًا".


الفرق السادس:

أن الإرادة الكونية تتعلق بربوبيته - عز وجل - وخلقه.


أما الإرادة الشرعية الدينية، فهي متعلقة بإلهيته وشرعه - عز وجل - كما قرر غيرُ واحد، ومنهم العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابة شفاء العليل (ص: 280) فقال: "فما كان من كوني فهو متعلق بربوبيته وخلقه، وما كان من الديني فهو متعلق بإلهيَّته وشرعه".


الفرق السابع:

‌أن الإرادة الكونية تعلُّقها بما يكون، فهي تتعلق بالخلق.


وأما الإرادة الدينية الشرعية، فتعلُّقها بالأمر وبما شرَع الله - عز وجل.


وبيان ذلك أن الله - عز وجل - له الخلق والأمر، وقد فَرَّقَ الله - عز وجل - بين الخلق والأمر، فقال - عز وجل: ﴿ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف:54]، وهذا دليلٌ ظاهر على اختلاف هذا عن ذاك، وأن الأمر غير الخلق، وقد قرَّر هذا غيرُ واحد من أهل التحقيق، ومنهم العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابة شفاء العليل (ص 280)، فقال: "وهو كما أخبر عن نفسه سبحانه له الخلق والأمر، فالخلق قضاؤه وقدرُه وفعلُه، والأمرُ شرعه ودينه، فهو الذي خلَق وشرَع وأمَر".


الفرق الثامن:

أن الإرادة الكونية مقصودة لغيرها؛ كخلْق ‌إبليس وهو يَبغَضه، وخلق الشياطين والكفار والأعيان والأفعال المسخوطة له وهو يَبغَضها، والتي فيها من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجودها ما لا يعلَمه إلا الله - عز وجل - وقد نبَّه بعض أهل التدقيق على شيء منها، بل قال بعض أهل التحقيق: إن في ذلك من الحكم ما لا يُحيط بتفصيله إلا الله - عز وجل - فالله - عز وجل - لم يَخلقها عبثًا، ولا قصَد بخلقها إضرارَ عباده وهلاكهم، فكم لله - عز وجل - في خلقه من حكمة باهرةٍ وحُجة قاهرة، وآية ظاهرة ونعمة سابغة.


وأما الإرادة الدينية الشرعية، فمقصودة لذاتها.


الفرق التاسع:

أن الإرادة الكونية عامة شاملةٌ كلَّ شيء، فهي عامة لكل الموجودات، وتشمل الخير والشر، والهدى والضلال، كما تشمل الإيمان والكفر، فكل ما في الوجود فهو مراد لله كونًا.


وأما الإرادة الدينية الشرعية، فخاصة ليست شاملة كلَّ شيءٍ، بل هي مختصة بالإيمان والعمل الصالح؛ قال العلامة الرباني محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله - في كتابه قطر الولي على حديث الولي (ص: 266): "فالإرادة الكونية، والأمر الكوني، وهي مشيئته لما خلقه من جميع مخلوقاته إنسهم وجنِّهم، مسلمهم وكافرهم، حيوانهم وجمادهم، ضارهم ونافعهم، والإرادة الدينية والأمر الديني هي محبته المتناولة لجميع ما أمَر به، وجعله شرعًا ودينًا، فهذه مختصة بالإيمان والعمل الصالح".


الفرق العاشر:

أن الإرادة الكونية متوجهة إلى جميع المخلوقات بما يريد خلقه وإيجاده؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس:82].


وأما الإرادة الدينية الشرعية، فهي متوجهة إلى المكلفين، فالعباد مسؤولون عن مقتضى الإرادة الشرعية بما يجب أن يفعلوه وما يرضاه لهم من الشرائع والعبادات والأخلاق؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف:40]، ولمزيد من البيان تأمل الفرق الحادي عشر.


الفرق الحادي عشر:

‌بالنسبة إلى وجود المراد وعدم وجوده، فإن الإرادة الكونية القدرية لا يتخلف عنها المراد، أما الإرادة الدينية الشرعية فقد يتخلف المراد بها، وبيانه أن الإرادة الكونية أعمُّ مطلقًا؛ لأنَّ كلَّ مراد شرعًا يتحقَّق وجوده في الخارج إذا أُريد كونًا وقدرًا، كإيمان أبي بكر، وليس يوجد ما لم يرد كونًا وقدرًا ولو أُريد شرعًا؛ كإيمان أبي لهب، فكلُّ مراد شرعي حصل فبالإرادة الكونية، وليس كلُّ مراد كوني حصل مرادًا في الشرع، وأما بالنسبة إلى تعلُّق الإرادتين بعبادة الإنس والجن لله تعالى، فالإرادة الشرعية أعمُّ مطلقًا، والإرادة الكونية أخص مطلقًا؛ لأن كلَّ فرد من أفراد الجنِّ والإنس أراد الله منه العبادة شرعًا، ولم يُردها من كلهم كونًا وقدرًا، فتعمُّ الإرادة الشرعية عبادة جميع الثقلين، وتختصُّ الإرادة الكونية بعبادة السُّعداء منهم؛ كما قدَّمنا من أن الدعوة عامة والتوفيق خاصُّ، كما بيَّنه الله - عز وجل - بقوله: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]، فصرَّح بأنه يدعو الكلَّ ويهدي من شاء منهم، وليست النسبة بين الإرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص من وجه، بل هي العموم والخصوص المطلق كما بيَّنا، إلا أنَّ إحداهما أعمُّ مطلقًا من الأخرى باعتبار، والثانية أعمُّ مطلقًا باعتبار آخر كما بيَّنا، والعلم عند الله تعالى؛ انظر: دفع إيهام الاضطراب (ص: 122).


قال الشيخ محمد خليل هراس في شرح الواسطية (ص: 100): "لا تلازُم بين الإرادتين، بل قد تتعلق كلٌّ منهما بما لا تتعلَّق به الأخرى، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجه.


فالإرادة الكونية أعمُّ من جهة تعلُّقها بما لا يُحبه الله ويرضاه من الكفر والمعاصي، وأخص من جهة أنها لا تتعلق بمثل إيمان الكافر وطاعة الفاسق.


والإرادة الشرعية أعمُّ من جهة تعلُّقها بكل مأمور به واقعًا كان أو غيرَ واقع، وأخص من جهة أن الواقع بالإرادة الكونية قد يكون غيرَ مأمورٍ به، والحاصل أن الإرادتين قد تجتمعان معًا في مثل إيمان المؤمن، وطاعة المطيع، وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر، ومعصية العاصي، وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر، وطاعة العاصي".


وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في مقدمته لكتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص:15): "فبين الإرادة الشرعية الدينية والإرادة الكونية القدرية عمومٌ وخصوص مطلق، يجتمعان في حق المخلص المطيع، وتنفرِد ‌الإرادة الكونية القدرية في حق العاصي، فافهَم ذلك تنجُ من جهالات أرباب الكلام وتابعيهم".


وحتى يتبيَّن المراد في هذا فاعلَم أن المخلوقات مع كل من الإرادتين أربعة أقسام:

قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (8/188-190):

أحدها: ما تعلَّقت به الإرادتان، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرعٍ، فأمر به وأحبَّه ورضِيه، وأراده إرادة كون فوقَع، ولولا ذلك لما كان.


والثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الأمر الكفار والفُجارُ، فتلك كلها إرادة دين، وهو يُحبها ويرضاها لو وقَعت ولو لم تقَع.


والثالث: ما تعلَّقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدَّره وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها: كالمباحات والمعاصي، فإنه لم يأمر بها ولم يَرْضها ولم يُحبها؛ إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقدرته وخلْقه لها، لَما كانت ولَما وُجدت، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكُن.


والرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه، فهذا ما لم يكن من أنواع المباحات والمعاصي، وإذا كان كذلك فمقتضى اللام في قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، هذه الإرادة الدينية الشرعية، وهذه قد يقع مرادُها وقد لا يقع، والمعنى أن الغاية التي يُحب لهم ويرضى لهم، والتي أُمروا بفعلها هي العبادة، فهو العمل الذي خُلِق العباد له؛ أي: هو الذي يَحصُل به كمالُهم، وصلاحُهم الذي به يكونون مرضيين محبوبين، فمن لم تحصُل منه هذه الغاية كان عادمًا لما يحب ويرضى، ويُراد له الإرادة الدينية التي فيها سعادته ونجاته، وعادمًا لكماله وصلاحه العدمَ المستلزم فسادَه وعذابَه، وقول من قال: العبادة هي العزيمة أو الفطرية، فقولان ضعيفان فاسدان، يظهر فسادهما من وجوه متعددة".


الفرق الثاني عشر:

أن الإرادة الكونية - كما تقدم -: مرتبطة بمشيئة الله - عز وجل - فهي إرادة مرتبطة بالعلم وبالحكمة، فهي منظور فيها بالحكمة، فالله - عز وجل - يريد بما يوافق الحكمة، فتكون إرادته على وَفْق الحكمة، وحكمة الله - عز وجل - هي القاضية لهذه الأشياء جميعًا في الإرادات، وهذا فرق مهمٌّ يترتَّب عليه ردٌّ على طوائف كثيرة من المبتدعة في مسائل القدر، كما فصَّل ذلك غيرُ واحد من أهل التحقيق في أبواب كثيرة؛ من مثل: أبواب الظلم والعدل، والتحسين والتقبيح، وفعل العبد، وأضرابها، ويطلب تفصيل ذلك في مظانه من كتب أهل العلم -رحمهم الله.


أما الإرادة الشرعية، فهي مطلوبة من العبد أمرًا ونهيًا، ومن هنا صار المأمور به والمنهي عنه مرادًا لله - عز وجل - شرعًا، ولَما لم يتنبه أهلُ الباطل إلى هذه النكتة ولم يفرِّقوا بينهما، وقَع منهم الكثيرُ من اللغط والغلط في معصية العاصي وضلال الكافر، فتنبَّه، والله أعلمُ.


هذا آخر ما تسنَّى لي ذكرُه في هذا الباب، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قوة العزيمة والإرادة
  • الإرادة تصنع المستحيل
  • الإرادة
  • العزيمة والإرادة والقوة واليقين

مختارات من الشبكة

  • الدلالة وعلم الدلالة: المفهوم والمجال والأنواع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الدلالة الصوتية في اللغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الدلالة المركزية والدلالة الهامشية بين اللغويين والبلاغيين(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الأولويات في الآراء الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجاحظ وعلم الدلالة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دلالة الاقتضاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع الدلالات وما تدل عليه من معان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الدلالة اللغوية: اعتباطيتها وقيمتها عند دي سوسير(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الدلالة الصرفية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المنطوق والمفهوم وأنواع الدلالة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب