• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (3)

دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (3)
الشيخ نشأت كمال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/1/2025 ميلادي - 11/7/1446 هجري

الزيارات: 735

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية  (3)

 

عام الفيل، الذي وُلِدَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم، عُرِف بهذا الاسم للقصة المشهورة في سورة الفيل: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5].

 

هذه من النِّعم التي امتنَّ الله بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيَّب سعيَهم، وأضل عملهم، وردَّهم بشرِّ خيبة، وكانوا قومًا نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالًا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلِدَ على أشهر الأقوال.

 

1- وأصل ذلك أن ملك حِمْيَر المشرك الوثني الذي قتل المؤمنين من النصارى في اليمن في قصة أصحاب الأخدود، هرب بعضهم إلى الشام، واستنجد بقيصر الروم، فأرسل إلى النجاشي ملك الحبشة في غزو اليمن، وقَتْلِ ملك حمير الوثني، فأرسل النجاشي أميرين أرياط وأبرهة، ثم استقر حكم اليمن لأبرهة، وبنى كنيسة عظيمة تُسمَّى القُلَّيس؛ لإرضاء ملك الحبشة، وأراد صرف حج الناس إليها بدلًا من مكة، فنادى بذلك في اليمن، فكرِهت العرب ذلك، وعلِمت قريش به، فغضِبوا، وذهب بعض العرب فدخل الكنيسة ليلًا، فأحدث فيها وخرَّبها، فلما أصبحوا وعلِم أبرهة، أقسم ليسِيرَنَّ إلى مكة وليهدِمَنَّ الكعبة حجرًا حجرًا، فتجمَّع رجال من العرب، وهاجموا جيش أبرهة، لكنه انتصر عليهم، وأسَرَ بعضَهم، وقصد مكة في جيش كبير ومعهم عدة أفيال، وفيها فيل عظيم يُقال له: محمود، فلما أصبح أبرهةُ تهيَّأ لدخول مكة، وهيأ فيله - وكان اسمه محمودًا - وعبَّأ جيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة، أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه وقال: ابرُك محمودُ، أو ارجِع راشدًا من حيث جئت؛ فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين، وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجَّهوه راجعًا إلى اليمن، فقام يُهرول، ووجَّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى مكة فبَرَكَ، وأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف والبَلَسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في مِنقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحِمَّص والعَدْس، لا تُصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق؛ قال ابن إسحاق: فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل، وأُصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أُنملة أُنملة، حتى قدِموا به صنعاء وهو مثل فَرْخِ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون، وأنزل الله على رسوله بعد ذلك: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5]، وقال بعدها: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4].

 

الأبابيل: الكثيرة المتتابعة المجتمعة، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أطلَّ يوم الحديبية على الثَّنِيَّة التي تهبط به على قريش، بركت ناقته، فزجروها فألحَّت، فقالوا: خلأت القصواء؛ أي: حَرَنَتْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكن حبسها حابسُ الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خُطَّةً يُعظِّمون فيها حرمات الله، إلا أجبتهم إليها، ثم زجرها فقامت))؛ [رواه البخاري]، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: ((إن الله حبس عن مكة الفيلَ، وسلَّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألَا فلْيُبْلِغ الشاهد الغائب)).

 

هدم الكعبة وبناؤها:

2- بناء قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام، وقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وثلاثين سنة، قامت قريش في ‌بناء ‌الكعبة حين تضعضعت، واتفقوا على ألَّا يدخلوا في بنائها إلا طيِّبًا، فلا يدخلوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربًا، ولا مظلمة أحد من الناس، وكانوا يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومي، وتبِعه الناس لما رأوا أنه لم يُصِبْه شيء، ولم يزالوا في الهدم، وأخذوا يبنونها، ولما بلغ البنيان موضعَ الحجر الأسود، اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليالٍ أو خمسًا، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكِّموا فيما شَجَرَ بينهم أولَ داخلٍ عليهم من باب المسجد، فارتضَوه، وشاء الله أن يكون ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، رضِيناه، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبرَ طلب رداءً، فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يُمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده، فوضعه في مكانه، وهذا حلٌّ حصيف رَضِيَ به القوم، وقصرت بقريش النفقة الطيبة، فأخرجوا من الجهة الشمالية نحوًا من ستة أذرع، وهي التي تُسمَّى بالحجر.

 

3- وبناء عبدالله بن الزبير بإدخال الحجر وذلك لما وَلِيَ بلاد الحجاز، وقد زالت العلة التي من أجلها تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي البخاري من طريق يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((يا عائشةُ، ‌لولا ‌أن ‌قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهُدِم، فأدخلت فيه ما أُخرِج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين؛ بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، فبلغتُ به أساس إبراهيم))، فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه، قال يزيد: "وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه، وأدخل فيه من الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم، حجارة كأسنمة الإبل".

 

4- وبناء الحجاج بن يوسف الثقفي[1] بإخراج الحجر وهو الموجود حتى الآن.

 

وفي عهد عبدالملك بن مروان كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إليه فيما صنعه ابن الزبير في الكعبة، وما أحدثه في البناء من زيادة، وظن أنه فعل ذلك بالرأي والاجتهاد، فردَّ عليه عبدالملك بأن يُعيدها كما كانت عليه من قبلُ، فقام الحجاج بهدم الحائط الشمالي، وأخرج الحجر كما بنته قريش، وجعل للكعبة بابًا واحدًا فقط، ورفعه عاليًا، وسد الباب الآخر، ثم لما بلغ عبدالملك بن مروان حديث عائشة رضي الله عنها، ندم على ما فعل، وقال: "وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك"، وأراد عبدالملك أن يُعيدها على ما بناه ابن الزبير، فاستشار الإمام مالك في ذلك، فنهاه خشيةَ أن تذهب هيبة البيت، ويأتي كل مَلِكٍ وينقض فِعْلَ منَ سبقه، ويستبيح حرمة البيت.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهل الشام وأمراءهم، يزيدًا أو الحجَّاج أو حصين بن نمير، لم يكونوا يقصدون الكعبة، وإنما مقصدهم محاربة أهل مكة؛ قال الدكتور الصلابي في كتاب الدولة الأموية: "لا شكَّ أن أحدًا من أهل الشام لم يقصد إهانة الكعبة، بل كل المسلمين مُعظِّمون لها، وإنما كان مقصودهم حصار ابن الزبير، والضرب بالمنجنيق كان لابن الزبير لا للكعبة، ويزيدُ لم يهدم الكعبة، ولم يقصد إحراقها، لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين"؛ ا.هـ.

 

(والقرامطة)[2] وهم من الملاحدة في سنة 317 ه دخلوا المسجد الحرام، فسفكوا دم الحجيج في وسط المسجد حول الكعبة، وكسروا ‌الحجر ‌الأسود، واقتلعوه من موضعه، وذهبوا به إلى بلادهم، ثم لم يزل عندهم إلى سنة 339، فمكث غائبًا عن موضعه من البيت 22 سنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

5- وأما آخر بناء للكعبة فكان في العصر العثماني سنة 1040 للهجرة، عندما اجتاحت مكةَ سيولٌ عارمة أغرقت المسجد الحرام، حتى وصل ارتفاعها إلى القناديل المعلَّقة؛ مما سبَّب ضعف بناء الكعبة، عندها أمر محمد علي باشا - والي مصر - مهندسين مهرةً، وعمالًا يهدمون الكعبة، ويعيدون بناءها، واستمر البناء نصف سنة كاملة، وكلَّفهم ذلك أموالًا باهظة، حتى تم العمل.



[1] كان الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا على العراق من قِبل عبدالملك بن مروان، وكان معروفًا بالظلم وسفك الدماء، وانتقاص السلف، وتعدِّي حرمات الله بأدنى شبهة، وقد أطبق أهل العلم بالتاريخ والسير على أنه كان من أشد الناس ظلمًا، وأسرعهم للدم الحرام سفكًا، ولم يحفظ حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، ولا وصيته في أهل العلم والفضل والصلاح من أتباع أصحابه، وكان ناصبيًّا بغيضًا يكره عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته.

قال ابن كثير رحمه الله: "كان ناصبيًّا يُبغض عليًّا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جبارًا عنيدًا، مِقدامًا على سفك الدماء بأدنى شبهة، وقد رُوِيَ عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باقٍ في عهدتها، ولكن قد يُخشى أنها رُوِيت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يُبغضونه جدًّا لوجوه، وربما حرَّفوا عليه بعض الكَلِم، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات"؛ [انتهى، البداية والنهاية (9/ 153)].

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت للحجَّاج: ((أمَا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذَّابًا ومُبيرًا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه))، والمبير: الْمُهْلِك، الذي يُسرف في إهلاك الناس.

وقد كان الحجاج نشأ شابًّا لبيبًا فصيحًا بليغًا حافظًا للقرآن؛ قال بعض السلف: كان الحجَّاج يقرأ القرآن كل ليلة، وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري، وكان الحسن أفصح منه، وقال عقبة بن عمرو: ما رأيت عقول الناس إلا قريبًا بعضها من بعض، إلا الحجاج وإياس بن معاوية، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس؛ [البداية والنهاية - (9/ 138، 139)]؛ قال ابن كثير: "وقد رُوينا عنه أنه كان يتدين بترك الْمُسكر، وكان يُكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفُرُوج، وإن كان متسرعًا في سفك الدماء، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها، وخفيات الصدور وضمائرها، وأعظم ما نُقِم عليه وصحَّ من أفعاله سفكُ الدماء، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل، وقد كان حريصًا على الجهاد وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيرًا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلاثمائة درهم"؛ [انتهى، البداية والنهاية (9/ 153)]؛ قال ابن كثير: "وكانت فيه شهامة عظيمة، وفي سيفه رَهَق، وكان كثيرَ قَتْلِ النفوس التي حرَّمها الله بأدنى شبهة، وكان يغضب غضب الملوك"؛ [انتهى، البداية والنهاية (9/ 138)].

وكان فيه سَرَف وإسراع للباطل، مع لَجاجة في الحقد والحسد؛ فعن عاصم بن أبي النجود والأعمش أنهما سمعا الحجاج يقول للناس: والله ولو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا الباب، لحلَّت لي دماؤكم، ولا أجد أحدًا يقرأ على قراءة ابن أم عبدٍ إلا ضربت عنقه، ولأحُكَنَّها من المصحف ولو بضلع خنزير، وقال الأصمعي: قال عبدالملك يومًا للحجاج: ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه، فصِفْ عيب نفسك، فقال: أعْفِني يا أمير المؤمنين، فأبى، فقال: أنا لجوج حقود حسود، فقال عبدالملك: إذًا بينك وبين إبليس نسب؛ [البداية والنهاية (9/ 149 – 153)].

وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى كفره - وإن كان أكثر العلماء لم يَرَوا كفره - وكان بعض الصحابة كأنس وابن عمر يُصلُّون خلفه، ولو كانوا يرونه كافرًا لم يصلوا خلفه؛ فعن قتادة قال: قيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج؟ قال: إني والله ما خرجت عليه حتى كفر، وقال الأعمش: اختلفوا في الحجاج فسألوا مجاهدًا، فقال: تسألون عن الشيخ الكافر؛ [البداية والنهاية (9/ 156 - 157)]، وقال الشعبي: الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت، كافر بالله العظيم، وقال القاسم بن مخيمرة: كان الحجاج ينقض عُرى الإسلام، وعن عاصم بن أبي النجود قال: ما بَقِيت لله تعالى حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج؛ [تاريخ دمشق (12/ 185 -188)].

وروى الترمذي في سننه (2220) عن هشام بن حسان قال: أحصَوا ما قتل الحجاج صبرًا، فبلغ مائة ألف وعشرين ألف قتيل، وقال عمر بن عبدالعزيز: لو تخابثت الأمم وجئتنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة؛ [تاريخ دمشق (12/ 185)].

وكان مضيعًا للصلوات، مفرطًا فيها، لا يصليها لوقتها: كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطاة: بلغني أنك تستنُّ بسنن الحجاج، فلا تستنَّ بسننه، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها، ويأخذ الزكاة من غير حقها، وكان لما سوى ذلك أضيع؛ [تاريخ دمشق (12 / 187)].

وقال الذهبي رحمه الله: "كان ظلومًا جبارًا ناصبيًّا خبيثًا سفَّاكًا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن، قد سُقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة، ورميه إياها بالمنجنيق، وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله، فنسُبُّه ولا نحبه، بل نبغضه في الله؛ فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء"؛ [انتهى، سير أعلام النبلاء (4 / 343)].

وبالجملة: فقد كان الرجل على درجة كبيرة من الظلم والعدوان، والإسراف على نفسه، وكانت له حسنات مغمورة في بحر سيئاته، وكان له جهد لا ينكر في الجهاد وقتال أعداء الله، وفتح البلاد ونشر الإسلام، فالله تعالى حسيبه، ونبرأ إلى الله تعالى من ظلمه وعدوانه، ونوالي من عاداهم من سادات المسلمين من الصحابة والتابعين، ونعاديه فيهم، ونَكِل أمره إلى الله تعالى، والأولى عدم الانشغال بذكره، وما أحسن ما روى الإمام أحمد رحمه الله في الزهد (ص332) عن بلال بن المنذر قال: قال رجل: إن لم أستخرج اليوم من الربيع بن خيثم سيئة لم أستخرجها أبدًا بحال، قلت: يا أبا يزيد، قتل ابن فاطمة عليها السلام – يعني الحسين – قال: فاسترجع ثم تلا هذه الآية: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: 46]، قال: قلت: ما تقول؟ قال: ما أقول؟ إلى الله إيابهم، وعلى الله حسابهم.

[2] وهم فرقة ضالَّة منحرفة، ادَّعَوا التشيع في بدايتهم إلى الإسماعيلية، ثم دعوا إلى أنفسهم وتفرقوا إلى فرق، وينسبون إلى مؤسس دولتهم حمدان بن الأشعث الملقب بـ(قرمط)، وهو يمني الأصل، تلقى ‌الباطنية من فارسي يدعى حسين الأهوازي، وقد تزعم الحركة في الكوفة سنة 287 هـ/ 900 م، وامتد نشاطهم إلى الشام والخليج العربي، ثم اليمن والحجاز، استطاع الخليفة العباسي المعتضد أن يقضي عليهم قضاءً مبرمًا في العراق، ثم في سوريا، بعد عدة حروب طاحنة، وبقيت أكبر قوة لهم في البحرين والأحساء، وكان أول دعاتهم في البحرين أبو سعيد حسين الجنابي (287 - 301 هـ)، وبنى ابنه سليمان (301 - 332 هـ) مدينة الأحساء على أنقاض هَجَر عام 317 هـ/ 929 م، وجعلها عاصمتها، وارتكب مذابح عظيمة في البصرة والكوفة، وفي عام 317 هـ هاجم مكة والمدينة، فدخل مكة أيام الحج، وارتكب مذبحة عظيمة، فقتل الحُجَّاج، ورمى بجثثهم في بئر زمزم، ثم اقتلع ‌الحجر ‌الأسود، وجرَّد الكعبة من كُسوتها، وحمل ذلك إلى القطيف، وظلَّ هناك إلى أن أعادوه بشفاعة حاكم مصر الفاطمي عام 339 هـ/ 950 م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (1)
  • دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (2) المولد النبوي
  • دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (4)
  • دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (5)
  • دروس وعبر وفوائد من السيرة النبوية (6)

مختارات من الشبكة

  • "إن الله معنا" درس من دروس الهجرة النبوية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تعظيم الله: درس من دروس رمضان 1445 هـ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس القيادة: 39 درسا لتعلم قيادة السيارة (جير عادي) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس السادس عشر: الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الخامس عشر: مقدمة في الإيجاز والإطناب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الرابع عشر: التقديم والتأخير في الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثالث عشر: التقديم والتأخير(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثاني عشر: النهي(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب