• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة البلد

تفسير سورة البلد
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/1/2025 ميلادي - 7/7/1446 هجري

الزيارات: 1238

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ الْبَلَدِ

 

(سورة البلد): مَكِّيَّةٌ فِيْ قَوْلِ جُمْهُوْرِ الْمُفَسِّرِيْنَ، وَهِيَ عُشْرُوْنَ آيَة[1].

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ (لَا أُقْسِمُ)، وَسُورَةُ (الْبَلَدِ)، وَسُورَةُ (الْعَقَبَةِ)[2].


الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:

حَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي الْعَظِيمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ[3]:

• التَّنْوِيهُ بِفَضْلِ مَكَّةَ، وَمَقَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَا، وَبَرَكَتِهِ فِيهَا وَعَلَى أَهْلِهَا.

• بَيَانُ مَشَقَّةِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ اللهَ مُحِيطٌ بِهِ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ.

• تَهْوِيلُ عَقَبَةِ الصِّرَاطِ، وَكَيْفِيَةُ النَّجَاةِ مِنْهَا.

• مَدْحُ الْمُؤْمِنينَ وَصَبْرُهُمْ عَلَى الْبَلَاءِ، وَرَحْمَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

• بَيَانُ سُوءِ مَصِيرِ الْكَافِرِينَ.


شَرْحُ اِلْآيَاتِ:

قَوْلُهُ: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾، أَيْ: أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَ(لَا) هُنَا لَيْسَتْ لِلنَّفْيِ، وَإِنَّمَا هِيَ زَائِدَةٌ لِتَوْكِيدِ الْقَسَمِ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ أقْسَمَ بِهَذا البَلَدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون * وَطُورِ سِينِين * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِين ﴾[سورة التين:1-3][4]، وَالْمُرَادُ بِـ(البَلَدِ): مَكَةُ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ[5].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَأَنتَ ﴾ يَا مُحَمَّدُ، ﴿ حِلٌّ ﴾، أَيْ: حَلَالٌ، ﴿ بِهَذَا الْبَلَد ﴾، أَيْ: تَفْعَلُ مَا شِئْتَ مِنَ الْقَتْلِ أَوِ الْعَفْوِ[6]. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أُقْسِمُ بِمَكَّةَ حَالَ حُلُولِكَ فِيهَا، فَيَكُونُ تَعْظِيمًا لِلْمُقْسَمِ بِهِ[7].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَد ﴾، أَيْ: وَأُقْسِمُ بِكُلِّ والِدٍ، وَبِكُلِّ مَوْلُودٍ، وَمِنْهُمْ آدَمُ عليه السلام وَذُرِّيَّتُهُ[8].

 

قَوْلُهُ: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ ﴾، أَيْ: جِنْس الإنْسَانِ، ﴿ فِي كَبَد ﴾، أَيْ: فِيْ مَشَقَّةٍ وَنَصَبٍ وَتَعَبٍ وَشِدَّةٍ، يُكَابِدُ مَصَائِبَ الدُّنْيا وَشَدَائِدَ الْآخِرَةِ[9]، وَالْآيَةُ هَذِهِ هِيَ جَوَابُ الْقَسَمِ[10].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَيَحْسَبُ ﴾، أَيْ: أَيَظُنُّ هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ[11]، ﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَد ﴾، فَيَنْتَقِمَ مِنْهُ[12]، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَادٍ: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [سورة فصلت: ١٥]، فَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون ﴾ [سورة فصلت:15][13].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَقُولُ ﴾، أَيْ: هَذَا الْإِنْسَانُ فَخْرًا وَمُبَاهَاةً وَتَعَظُّمًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، ﴿ أَهْلَكْتُ ﴾، أَيْ: أَنْفَقْتُ، ﴿ مَالاً لُّبَدًا ﴾، أَيْ: كَثِيرًا، وَذَلِكَ فِيْ عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي صَدِّ أُنَاسٍ عَنْهُ[14]. قَالَ الْأَلُوسِيُّ: "وَعَبَّرَ عَنِ الْإنْفَاقِ بِالْإهْلَاكِ إِظْهارًا لِعَدَمِ الِاكْتِراثِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ رَجَاءَ نَفْعٍ، فَكَأنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ الْكَثِيرَ ضَائِعًا"[15].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَد ﴾، أَيْ: أَيَظُنُّ هَذَا الْإِنْسَانُ حِينَ كَانَ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْألْهُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، فَيُحاسِبُهُ عَلَيْهِ؟[16].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْن ﴾، أَيْ: يُبْصِرُ بِهِمَا[17].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْن ﴾، أَيْ: يَنْطِقُ بِهِمَا، وَيُعَبِّرُ بِهِمَا عَمَّا في قَلْبِهِ[18].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن ﴾، أَيْ: طَرِيقَيِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [سورة الإنسان:3][19].

 

ثُمَّ إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى دَلَّ عِبادَهُ عَلَى الْوُجُوهِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي تُنْفَقُ فِيها الْأَمْوَالُ، وَعَرَّفَ هَذَا الْكَافِرَ أَنَّ إِنْفَاقَهُ كَانَ فَاسِدًا وَغَيْرَ مُفِيدٍ، كَمَا سَيَأْتِيْ فِيْ الْآيَاتِ التَّالِيَةِ، وَهِيَ:

قَوْلُهُ: ﴿ فَلاَ اقْتَحَمَ ﴾ فَهَلَّا تَجَاوَزَ، ﴿ الْعَقَبَة ﴾، وَهِيَ مَشَقَّةُ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ بِصِدْقِ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَخُصُوصًا إِنْفَاقُ الْمَالِ في وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَتَرْكِ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَبِهَذَا يَتِمُّ تَجَاوُزُ الْعَقَبةِ، وَإِلَّا فَثَمَّ الشَّقَاءُ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-.

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة ﴾، أَيْ: وَمَا أَعْلَمَكَ مَا الْعَقَبَة؟، وهَذَا الْتَّكْرَارُ تَعْظِيمٌ لِشَأْنِها، وَتَفْخِيمٌ لِأَمْرِهَا[20].

 

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رحمه الله: "كُلُّ شَيْءٍ قَالَ: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ ﴾، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ، وَمَا قَالَ: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْبَرْ بِهِ"[21].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فَكُّ رَقَبَة ﴾، أَيْ: فَكُّهَا مِنَ الرِّقِّ وَأَسْرِ الْعُبُودِيَّةِ بِعِتْقِهَا، أَوْ مُسَاعَدَتِهَا عَلَى الْعِتْقِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فَكَاكُ الْأَسيرِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكُفَّارِ[22].

 

قَوْلُهُ:﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة ﴾، أَيْ: يَوْمٍ ذِيْ مَجَاعَةٍ شَدِيدَةٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُطْعِمَ وَقْتَ الْحَاجَةِ أَشَدَّ النَّاسِ حَاجَةً[23]، وَهُوَ ﴿ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة ﴾، أَيْ: ذَا قَرَابَةٍ[24]، ﴿ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة ﴾، أَيْ: فَقِيرًا مُعْدَمًا لَا شَيْءَ عِنْدَهُ[25].

 

قَوْلُهُ: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، أَيْ: ثُمَّ كَانَ مُقْتَحِمُ الْعَقَبَةِ مَعَ فِعْلِهِ لِلْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ: مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ، وَأَخْلَصُوْا لَهُ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ[26].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَتَوَاصَوْا ﴾، أَيْ: وَأَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا[27]، ﴿ بِالصَّبْرِ ﴾ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَعَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمَةِ[28]، ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾، أَيْ: بِالرَّحْمَةِ عَلى عِبادِهِ[29].

 

قَوْلُهُ: ﴿ أُوْلَئِكَ ﴾، أَيْ: الْمَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، ﴿ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة ﴾، أيْ: الْيَمِينِ، الَّذينَ يُعْطَوْنَ كِتَابَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ[30]، وَيُؤْخَذُ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ[31].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا ﴾، أيْ: بِالقُرْآنِ، ﴿ هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَة ﴾، أيْ: الشِّمَالِ[32].

 

قَوْلُهُ:﴿ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَة ﴾، (مُوْصَدَةٌ)، أيْ: مُطْبَقةٌ مُغْلَقَةٌ عَلَيهِمْ[33].

 

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

فَضْلُ مَكَّةَ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَد ﴾: بَيَانٌ لِفَضْلِ مَكَّةَ، حَيْثُ إِنِّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهَا قَسَمًا مُؤَكَّدًا بِـ (لَا)؛ لِحُرْمَتِهَا وَشَرَفِهَا وَمَكَانَتِهَا، وَهِيَ الْبَلَدُ الْأَمِينُ، وَفِيهَا بَيْتُهُ الْحَرَامُ[34].

 

عِظَمُ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَد ﴾: بَيَانُ عِظَمِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعُلُوِّ شَأْنِهِ، وَعَظِيمِ قَدْرِهِ، حَيْثُ أَحَلَّ اللهُ لَهُ الْقِتَالَ فِي مَكَّةَ، وَهِيَ الْبَلدُ الْحَرَامُ، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ[35].

 

وَقَدْ أُحِلَّتْ لَهُ عليه الصلاة والسلام سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: «ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»[36].

 

وَفِيهَا أَيْضًا بِشَارَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ سَيَفْتَحُ مَكَّةَ، وَسَيَنْصُرُهُ اللهَ عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ[37].

 

فَضْلُ آدَمَ عليه السلام وَذُرِّيَّتِهُ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَد ﴾: فَضْلُ آدَمَ عليه السلام وَذُرِّيَّتِهِ، حَيْثُ إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ وَبِذُرِّيَّتِهِ، وَفِيهِمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحونَ[38].

 

الدُّنْيَا جُبِلَتْ عَلَى الْمُعَانَاةِ وَالْمُكَابَدَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَد ﴾: عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؛ أمَّا الْعُمُومُ فَهُوَ: أَنَّ جِنْسَ الْإِنْسَانِ فِي مَشَقَّةٍ وَنَصَبٍ وَعَنَاٍء؛ مُنْذُ بِدَايَةِ خَلْقِهِ حَتَّى مَمَاتِهِ وَمَبْعَثِهِ وَمَصِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ صَارَ إِلَى كَبَدٍ أَشَدَّ وَعَذَابٍ أَنْكَدَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ اسْتَرَاحَ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيه ﴾ [سورة الانشقاق:6][39].

 

وَأَمَّا الْخُصُوصُ فَهُوَ: أَنَّ فِيهَا تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُؤْمِنينَ مَعَهُ مِمَّا يُكَابِدُونَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ لِلرَّاحَةِ في الدُّنْيا، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ فَهُوَ أَشَدُّ نَصَبًا[40].

 

تَحْذِيرُ الْإِنْسَانِ مِنَ الاِغْتِرَارِ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى.

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَد ﴾: التَّحْذِيرُ الشَّدِيدُ مِنَ الاِغْتِرَارِ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى، وَاسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى؛ فَعَلَى الْإِنْسَانِ الَّذِي طَغَى وَبَطِرَ أَنْ يَسْتَشْعِرَ قُوَّةَ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِهِ وَالاِنْتِقَامِ مِنْهُ، وَمَا حَصَلَ لِقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمَا سَيَحْصُلُ لِكُلِّ مُعَانِدٍ جَاحِدٍ كَفَّارٍ.

 

التَّفْرِيقُ بَيْنَ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْخَيْرِ، وَإِنْفَاقِهِ فِي الشَّرِّ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا ﴾: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَنْفَقَ الْمَالَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالْخَيْرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِهْلَاكًا لَهُ، بَلْ تَقَرُّبًا بِهِ إِلَى اللهِ، وَتَوَصُّلًا بِهِ إِلَى رِضَاهُ وَثَوَابِهِ، وَإِذَا أَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ مَا يُرْضِيْ اللهَ كَانَ ذَلِكَ إِهْلاَكًا لِمَالِهِ وَإِضَاعَةً لَهُ[41].

 

اِطِّلَاعُ اللهِ عَلَى أَفْعَالِ الْخَلْقِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَد ﴾: أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى مُطَّلِعٌ عَلَى مَنْ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ، وَسَيُحْصِي عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَهُ، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ لِمَنْ يَغْتَرُّ فِي مَالِهِ، وَيُنْفِقُهُ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ[42].

 

وُجُوبُ شُكْرِ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْن * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْن * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن ﴾ [سورة البلد:8-10]: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَى الْإِنْسَانِ بِعَيْنَيْنِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ يَنْطِقُ بِهِمَا، وَهَدَاهُ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ وَوَضَّحَهُ لَهُ، وَأَبَانَ لَهُ طَرِيقَ الشَّرِّ وَحَذَّرَهُ مِنْهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ اللهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ، وَيَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ وَيَسْأَلَهُ الْهِدَايَةَ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ، وَلُزُومَهِ وَالاِسْتِقَامَةَ عَلَيْهِ حَتَّى الْمَمَاتِ[43].

 

وُجُوْبُ اقْتِحَامِ الْعَقَبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة * فَكُّ رَقَبَة * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة ﴾[سورة البلد:11-16]: وُجُوبُ اقْتِحَامِ الْعَقَبَةِ -التِيْ لا بُدَّ مِنِ اقْتِحَامِهَا- عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ، وَمَنْ تَأَمَّلَ وَتَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ وَخِلْقَتِهِ تَبَيَّنَ لَهُ وُجُوبُ قِيَامِهِ بِاقْتِحَامِ الْعَقَبَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وذلكَ -أي: اقْتِحَام الْعَقَبَةِ- أَمْرٌ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَذْلِ الْجُهْدِ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ، وَمَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ في اتِّباَعِ مَرْضَاةِ اللهِ، وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ؛ أَعَانَهُ اللهُ، وَيَسَّرَ لَهُ أَسْبَابَ اقْتِحَامِ هَذِهِ الْعَقَبَةِ الْكَؤُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين ﴾ [سورة العنكبوت:69].

 

مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اقْتِحَامِ الْعَقَبَةِ وَتَجَاوُزِهَا: إِطْعَامُ الطَّعَامِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَة ﴾... إلى قوله: ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة ﴾: أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اقْتِحَامِ هَذِهِ الْعَقَبَةِ وَتَجَاوُزِهَا بَعْدَ الاِسْتِعَانَةِ بِاللهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَخَاصَّةً عِنْدَ انْتِشارِ الْجُوعِ وَوُجُودِ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إِلَيْهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِخْرَاجَ الْمَالِ فِي وَقْتِ الْمَجَاعَةِ الشَّدِيدَةِ أَثْقَلُ عَلى النَّفْسِ، وَأَوْجَبُ لِلْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [سورة البقرة:177]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [سورة الإنسان:8].

 

الاِتِّصَافُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ وَالْمَرْحَمَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة ﴾ [سورة البلد:17]: إِشَارَةٌ إِلَىْ أَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ أَبَدًا فِي الْآخِرَةِ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ مَهْمَا فَعَلَ مِنَ الْخَيْرِ لَا يَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ[44]، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ عِدَّةُ أَدِلَّةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [سورة إبراهيم:18]، يَقُولُ تَعَالَى: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [سورة النساء:124]، فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ إِنَّمَا يَقْبَلُهَا مِنَ الْمُؤْمِنِ فَقَطْ، أَي: الْمُسْلِمِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَمَهْمَا فَعَلَ مِنَ الْخَيْرَاتِ في الدُّنْيَا فَاللهُ تَعَالى لَا يُثيبُهُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَتُوضَعُ سَيِّئَاتُهُ فِي كَفَّةٍ، وَتَطِيشُ الْكَفَّةُ الْأُخْرَى -أَيْ: كَفَّةُ الْحَسَنَاتِ-، إِذْ لَا حَسَنَاتَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا في الدُّنْيَا فَاللهُ يُجَازِيهِ عَلَيْهَا. ومن الأَدِلَّةِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ»[45]، فَاعْتَبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَلَ ابْنِ جُدْعَانَ مِنَ التَّصَدُّقِ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ، وَصِلَةِ الرَّحمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْر نَافِعٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ.

 

التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ وَالتَّوَاصِي بِالْمَرْحَمَةِ مِنْ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنينَ؛ ولذا حَثَّ اللهُ عليْهِمَا:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة ﴾: أَنَّ مِنْ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنينَ التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ وَالتَّوَاصِي بِالْمَرْحَمَةِ؛ وَلِذَا فَقَدْ حَثَّ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَالصَّبْرِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمَةِ[46]؛ ذلِكَ أَنَّ التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا يَقِلُّ عَنِ التَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَالتَّذْكِيرِ بِهِ، بَلْ هُوَ شَطِيرُهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ﴾ [سورة العصر:1-3]، وَحَثُّهمْ -أَيْ: الْمُؤْمِنينَ- عَلَى التَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُوَ خُلُقٌ عَظِيمٌ مِنْ أَعْظَمِ أَخْلَاقِ هَذَا الدِّينِ، وَهُوَ يَعْنِيْ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَحِيمًا بِعِبَادِ اللهِ، شَفُوقًا عَلَيْهِمْ، مُحِبًّا لَهُمْ، يُحِبُّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ[47].

 

الْحِرْصُ عَلَى الرَّفِيقِ الصَّالِحِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة ﴾: الْحِرْصُ عَلَى الرَّفِيقِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّ التَّوَاصِيَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ.

 

الْإِشَادَةُ بِأَهْلِ الْمَيْمَنَةِ، وَشَرَفِ مَنْزِلَتِهِمْ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة ﴾ [سورة البلد:18]: بَيَانُ شَرَفِ أَهْلِ الْمَيْمَنَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِين * فِي سِدْرٍ مَّخْضُود * وَطَلْحٍ مَّنضُود * وَظِلٍّ مَّمْدُود * وَمَاء مَّسْكُوب * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَة * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَة * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَة * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِين * ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِين * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِين ﴾ [سورة الواقعة:27-40].


سُوءُ عَاقِبَةِ أَصْحَابِ المشْأَمَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَة * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَة ﴾ [سورة البلد:19-20]: بَيَانُ سُوءِ عَاقِبَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الشِّمَالِ، وَأَنَّهَا النَّارُ الْمُغْلَقَةُ عَلَىْ مَنْ فِيْهَا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَال * فِي سَمُومٍ وَحَمِيم * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُوم * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيم * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِين * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيم * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُون * أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُون * قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِين * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُوم * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُون * لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّوم * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُون * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيم * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيم * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّين ﱞ ﴾ [سورة الواقعة:41-56][48].



[1] ينظر: تفسير السمرقندي (3/ 582)، تفسير ابن عطية (5/ 483).

[2] ينظر: بصائر ذوي التمييز (1/ 520)، التحرير والتنوير (30/ 345).

[3] ينظر: بصائر ذوي التمييز (1/ 520)، التحرير والتنوير (30/ 345-346).

[4] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 59).

[5] ينظر: تفسير الرازي (31/ 164)، تفسير القرطبي (20/ 60).

[6] ينظر: تفسير البغوي (8/ 426)، تفسير ابن عطية (5/ 483).

[7] ينظر: توفيق الرحمن في دروس القرآن (4/ 488-489).

[8] ينظر: تفسير البغوي (8/ 430)، تفسير البيضاوي(5/ 313).

[9] ينظر: تفسير البغوي (8/ 430)،تفسير أبي السعود (9/ 161).

[10] ينظر: تفسير الطبري (24/ 408)، تفسير القرطبي (20/ 62).

[11] ينظر: تفسير الرازي (31/ 167).

[12] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 313).

[13] ينظر: تفسير العثيمين (ص213).

[14] ينظر: تفسير الطبري (24/ 412).

[15]تفسير الألوسي (15/ 352).

[16] ينظر: تفسير البغوي (8/ 431)، تفسير ابن كثير (8/ 404).

[17] ينظر: تفسير الطبري (24/ 414)، تفسير القرطبي (20/ 64).

[18] ينظر: تفسير النسفي (3/ 644)، تفسير ابن كثير (8/ 404).

[19] ينظر: تفسير البغوي (8/ 431).

[20] ينظر: تفسير الجلالين (ص808).

[21] ينظر: تفسير البغوي (8/ 432).

[22] ينظر: تفسير السعدي (ص924).

[23] ينظر: تفسير السعدي (ص924).

[24] ينظر: تفسير الطبري (24/ 426)، تفسير البغوي (8/ 433).

[25] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 408).

[26] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 71).

[27] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 314).

[28] ينظر: فتح القدير (5/ 542)، تفسير السعدي (ص924).

[29] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 314)، فتح القدير (5/ 542).

[30] ينظر: تفسير الماوردي (6/ 280)، تفسير القرطبي (20/ 71).

[31] ينظر: تفسير الطبري (24/ 431).

[32] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 409).

[33] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 409)، فتحالقدير (5/ 542).

[34] ينظر: تفسير الرازي (31/ 164).

[35] ينظر: التبيان في أقسام القرآن (ص37)، فتح القدير (5/ 539).

[36] أخرجه البخاري (1832)، ومسلم (1354) واللفظ له.

[37] ينظر: تفسير الخازن (4/ 429).

[38] ينظر: تفسير الرازي (31/ 165).

[39] ينظر: تفسير الرازي (31/ 166)، السراج المنير للشربيني (4/ 537-538).

[40] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 476).

[41] ينظر: تفسير السعدي (ص924)، التبيان في أقسام القرآن (ص37).

[42] ينظر: تفسير السمعاني (6/ 227)، تفسير السعدي (ص924).

[43] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 404)، تفسير ابن رجب (2/ 588).

[44] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 71).

[45] أخرجه مسلم (214).

[46] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 486).

[47] ينظر: تفسير السعدي (ص924).

[48] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 409).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البلد للأطفال
  • تفسير سورة البلد
  • تفسير سورة البلد للناشئين
  • تفسير سورة البلد
  • تفسير سورة التين
  • تفسير سورة العلق

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة المفصل ( 33 ) تفسير سورة الماعون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 32 ) تفسير سورة الكوثر ( إن شانئك هو الأبتر - الجزء الرابع )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب