• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الله الودود جل جلاله

الله الودود جل جلاله
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/12/2024 ميلادي - 6/6/1446 هجري

الزيارات: 1031

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اللَّهُ الوَدُودُ جل جلاله


عَنَاصِرُ المَوْضُوعِ:

أوَّلًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِكَلِمَةِ (الوَدُودِ).

ثَانِيًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ.

ثَالِثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى.

 

رَابِعًا: مِنَ المَعَانِي الإِيمَانِيَّةِ لِهَذَا الاسْمِ:

1- اللهُ يُحِبُّ الطَّائِعِينَ.

2- أَنَّ المُسْتَحِقَّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ هُوَ اللهُ.

3- حُبُّ الله سُبْحَانَهُ وَرَسُولِهِ يَقْوَى بِقُوَّةِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ.

4- الوُدُّ أَصْفَى الحُبِّ وَأَلْطَفُهُ.

5- الخُلَّةُ وَهِيَ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الحُبِّ.

6- الخُلَّةُ أَخَصُّ مِنَ المَحَبَّةِ.

7- الغَرَامُ.

 

خَامِسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهَذَا الاسْمِ الكَرِيمِ.

1- حُبُّ المُؤْمِنِينَ للهِ عز وجل وَعَلاَمَاتُهُ.

• حَتَّى الجَمَادَاتِ وَالصُّخُورِ تُحِبُّ وَتُحَبُّ.

2- شُرُوطُ الحُبِّ الصَّادِقِ:

الأَوَّلُ: أَنْ يُحِبَّ اللهَ عز وجل حُبًّا مِنْ جِنْسِ حُبِّ العِبَادَةِ.

الثَّانِي: أَنْ لاَ يُحِبَّ شَيْئًا مِثْلَهُ مَعَهُ.

الثَّالِثُ: أَلاَّ يُحِبَّ شَيْئًا غَيْرَ الله إِلاَّ مِنْ أَجْلِهِ.

الرَّابِعُ: أَنْ يُبْغِضَ مَا يُبَاعِدُهُ عَنِ الله.

 

سَادِسًا: عَلاَمَاتُ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِرَبِّهِ.

1- طَاعَةُ الله وَتَركُ مَعْصِيَتِهِ.

2- اتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ شَيءٍ.

3- حُبُّ القُرْآنِ.

4- الشَّوْقُ إِلَى لِقَاءِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَرُؤْيَةِ وَجْهِهِ الكَرِيمِ.

5- الحُبُّ فِي الله وَالبُغْضُ فِي الله.

6- الرِّضَا بِقَضَاءِ الله وَقَدَرِهِ.

7- حُبُّ الصَّلاَةِ وَالشَّوْقُ إِلَيْهَا.

8- ذِكْرُ الله وَالإِكْثَارُ مِنْهُ.

9- حُبُّ المَوْتِ مَعَ الرَّاحَةِ وَالعَافِيَةِ.

 

سَابِعًا: حُبُّ الله لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَعَلاَمَاتُهُ.

فَضْلُ حُبِّ الله لِلْمُؤْمِنِينَ:

1- أَحْبَابُ الله هُمُ الطَّيِّبُونَ.

2- إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْ أَحْبَابِهِ.

3- إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ أَحْبَابَهُ.

4- يُحِبُّهُ جِبْرِيلُ وَأَهْلُ السَّمَاءِ «يُحَبِّبُهُ إِلَى خَلْقِهِ».

مَعْنَى مَحَبَّةِ الله لِلمُؤْمِنِينَ.


ثَامِنًا: مِنْ أَسْبَابِ حُبِّ الله لِلعَبْدِ.

1- اتِّبَاعُ النَّبِيِّ غ.

2- التَّقَرُّبُ إِلَى الله أ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الفَرَائِضِ.

3- القُرْآنُ الكَرِيمُ.

4- الحُبُّ فِي الله وَالتَجَالُسُ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

5- حُبُّ الأَنْصَارِ.

6- الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا.

7- قُوَّةُ الإِيمَانِ.

8- المُدَاوَمَةُ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ.

9- ثَلاَثُ خِصَالٍ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ.

10- أَنْ يُعْطِيَهُ الدِّينَ وَالإِيمَانَ.

11- الْتِمَاسُ مَرْضَاةِ الله.

12- هَؤُلاَءِ الثَّلَاثَةُ يُحِبُّهُم اللهُ وَيَضْحَكُ إِلَيْهِم.

 

تَاسِعًا: عَلاَمَاتُ مَحَبَّةِ الله لِلْعَبْدِ.

1- كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ.

2- وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ.

3- وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا.

4- وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا.

5- وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ.

6- وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ.

7- حُسْنُ الخَاتِمَةِ.

 

عَاشِرًا: دُعَاءُ الله بِاسْمِهِ (الوَدُودِ) جل جلاله:

النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ: قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ:

أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:

1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري.

 

2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ [1].

 

3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ [2].

 

4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.

 

5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.

 

6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ [3].

 

7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ [4].

 

8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ [5].

 

9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ [6].

 

10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك(4).

 

11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»، رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).

 

ثُمَّ قَدْ يَفْتَحِ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، مُتَّفَقٌ عَلَيه.


ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:

1- تعريف المسلمين بمعاني اسم الله (الودود).

حث المسلمين على التودد إلى الله بالطاعات.

3- بيان سعة رحمة الله وفضله.

4- بيان رحمة الله للطائعين.

5- حث المسلمين على نشر الود بينهم وبين إخوانهم المسلمين؛ «مثل المسلمين في توادهم....».

 

أَوَّلًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لِكَلِمَةِ (الوَدُودِ):

الوَدُودُ فِي اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ المُبَالَغَةِ، وَالوُدُّ مَصْدَرُ المَوَدَّةِ، فِعْلُهُ وَدَّ الشَّيْءَ وُدًّا وَوِدًّا وَوَدًّا، وَالوُدُّ بِمَعْنَى الأُمْنِيَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 96]، وَالوُدُّ أَيْضًا بِمَعْنَى المَحَبَّةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

 

وَالوَدُودُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا قَدْ يَأْتِي عَلَى مَعْنَى المَعِيَّةِ وَالمُرَافَقَةِ وَالمُصَاحَبَةِ كَلَازِمٍ مِنْ لَوَازِمِ المَحَبَّةِ، كَمَا وَرَدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الله وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِاليَسِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ الله: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» [7].

 

وَالوَدُودُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يُحِبُّ رُسُلَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَيَتَوَّدَّدُ إِلَيْهِمْ بِالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فَيَرْضَى عَنْهُم وَيَتَقَبَّلُ أَعْمَالَهُم وَيُوَدِّدُهُمْ إِلَى خَلْقِهِ فَيُحبِّبُ عِبَادَهُ فِيهِم كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96].

 

وَعِنْدَ البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إنَّ اللَه يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ» [8].

 

قَالَ عبدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ ب: «الوَدُودُ الحَبِيبُ المَجِيدُ الكَرِيمُ».

 

وَاللهُ عز وجل وَدُودٌ يُؤَيِّدُ رُسُلَهُ وَعِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِمَعِيَّتِهِ الخَاصَّةِ، فَلَا يُخَيِّبُ رَجَاءَهُمْ وَلَا يَرُدُّ دُعَاءَهُم وَهُوَ عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّهِم بِهِ، وَهُوَ الوَدُودُ لِعَامَّةِ خَلْقِهِ بِوَاسِعِ كَرَمِهِ وَسَابِغِ نِعَمِهِ، يَرْزُقُهُم وَيُؤَخِّرُ العِقَابَ عَنْهُم لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ إِلَيْهِ.

 

قَالَ ابنُ القَيِّمِ: «وَأَمَّا الوَدُودُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَهُوَ الذِي يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَعِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ بِمَعْنَى مَوْدُودٍ وَهُوَ المَحْبُوبُ الذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ الحُبَّ كُلَّهُ وَأَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَى العَبْدِ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَجَمِيعِ مَحْبُوبَاتِهِ» [9].

 

قَالَ ابنُ العَرَبِيِّ: «اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ المَودَّةَ هِيَ المَحَبَّةُ» [10].

 

وَجَمَعَ بَيْنَ المَعْنَيَيْنِ الرَّاغِبُ فَقَالَ: «الودُّ مَحَبَّةُ الشَّيْءِ وَتَمَنِّي كَوْنِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ المَعْنَيَيْنِ، عَلَى أَنَّ التَّمَنِّيَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الوُدِّ؛ لأَنَّ التَّمَنِّيَ هُوَ تَشَهِّي حُصُولِ مَا تَوَدُّهُ» [11].

 

ثَانِيًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ [12]

وَرَدَ مَرَّتَيْنِ:

الأُولَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90]، وَالثَّانِيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾ [البروج: 13، 14].

 

ثَالِثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:

قَالَ ابنُ جَرِيرٍ: «(وَدُودٌ) يَقُولُ: ذُو مَحَبَّةٍ لِمَنْ أَنَابَ وَتَابَ إِلَيْهِ يَوَدُّهُ وَيُحِبُّهُ» [13].

 

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾: «يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَهُوَ ذُو المَغْفِرَةِ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَذُو المَحَبَّةِ لَهُ» [14].

 

قَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَقَولِكَ: غَفُورٌ بِمَعْنَى غَافِرٍ، وَكَمَا قَالُوا: رَجُلٌ صَبُورٌ بِمَعْنَى صَابِرٍ، وَشَكُورٌ بِمَعْنَى شَاكِرٍ، فَيَكُونُ الوَدُودُ فِي صِفَاتِ الله عز وجل عَلَى هَذَا المَذْهَبِ أَنَّهُ: يَودُّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ وَيُحِبُّهُم».

 

قَالَ ابنُ القَيِّمِ فِي النُّونِيَّةِ:

وَهُوَ الوَدُودُ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّهُ
أَحْبَابُهُ وَالفَضْلُ لِلمَنَّانِ
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ المَحَبَّةَ فِي قُلُو
بِهِم وَجَازَاهُمْ بِحُبٍّ ثَانِ
هَذَا هُوَ الإِحْسَانُ حَقًّا لَا مُعَا
وَضَةً وَلَا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ
لَكِنْ يُحِبُّ شَكُورَهُمْ
لَا لِاحْتِيَاجٍ مِنْهُ لِلشُّكْرَانِ[15]

 

قَالَ السَّعْدِيُّ: «(الوَدُودُ) الذِي يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُم، وَيُحِبُّونَهُ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَدِ امْتَلَأتْ قُلُوبُهُم مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَلَهَجَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَانْجَذَبَتْ أَفْئِدَتُهُم إِلَيْهِ وُدًّا وَإِخْلَاصًا وَإِنَابَةً مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ»[16].

 

رَابِعًا: مِنَ المَعَانِي الإِيمَانِيَّةِ لِهَذَا الاسْمِ:

1- اللهُ يُحِبُّ الطَّائِعِينَ:

قَالَ القُرطُبيُّ: «فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ (الوَدُودُ) عَلَى الإِطْلَاقِ، المُحِبُّ لِخَلْقِهِ، وَالمُثْنِي عَلَيْهِم وَالمُحْسِنُ إِلَيْهِم» اهـ [17].

 

فَاللهُ ـ يُحِبُّ مَنْ أَطَاعَهُ وَيُبْغِضُ مَنْ عَصَاهُ، يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَالمُتَطَهِّرِينَ وَالصَّابِرِينَ وَالمُتَوَكِّلِينَ وَالمُقْسِطِينَ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُتَّقِينَ وَالمُحْسِنِينَ، وَجَمِيعَ الطَّائِعِينَ، وَيُبْغِضُ وَيَكْرَهُ المُعْتَدِينَ وَالمُفْسِدِينَ وَالمُسْرِفِينَ وَالخَائِنِينَ وَالمُسْتَكْبِرِينَ وَالفَاسِقِينَ والظَّالِمينَ وَالكَافِرِينَ، وَلَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَلَا كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ.

 

فَيَجِبُ عَلَى العَبْدِ أَنْ يَتَّبِعَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَيَتَجَنَّبَ مَا يُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبُّهُ.

 

يَقُولُ القُرْطُبِيُّ فِي تَتِمَّةِ كَلامِهِ السابِقِ: «ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَدَّدَ إِلَى رَبِّهِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، كَمَا تَوَدَّدَ إِلَيْهِ بِإِدْرَارِ نِعَمِهِ وَفَضْلِهِ، وَيُحِبَّهُ كَمَا أَحَبَّهُ.

 

وَمِنْ حُبِّ العَبْدِ للهِ رِضَاهُ بِمَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَحُبُّ القُرْآنِ وَالقِيَامُ بِهِ، وَحُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَحُبُّ سُنَّتِهِ وَالقِيَامُ بِهَا وَالدُّعَاءُ إِلَيْهَا، قَالَ اللهُ العَظِيمُ: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، فَمَنِ اتَّبَعَ رَسُولَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَصَدَقَ فِي اتِّبَاعِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي أَحَبَّ اللهَ وَأَحَبَّهُ اللهُ.

 

وَاعْلَمْ أَنَّ مِثَالَ مَحَبَّةِ الله تَعَالَى بِتَرْكِ المَنَاهِي أَكْثَرُ مِنْ مِثَالِهَا بِسِوَاهَا مِنْ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، فَالأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ قَدْ يَعْمَلُهَا البَرُّ وَالفَاجِرُ، وَالانْتِهَاءُ عَنِ المَعَاصِي لَا تَكُونُ إِلَّا بِالكَمَالِ وَإِلَّا مِنْ مُصَدِّقٍ.

 

قُلْتُ - القُرْطُبِيُّ -: وَعَلَى هَذَا الحَذْوِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - يَتَرَتَّبُ حُبُّ الله تَعَالَى لِلْعَبْدِ وَحُبُّ النَّاسِ لَهُ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الحَدِيثُ الَّذِي خَرَّجَهُ مَالِكٌ وَالبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إنَّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ اللهُ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ»[18].

 

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: «وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ عِبَادَهُ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ، وَالمَحْبُوبُ لِغَيْرِهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْبُوبًا، فَإِذَا كُنَّا إِذَا أَحْبَبْنَا شَيْئًا للهِ كَانَ اللهُ هُوَ المَحْبُوبُ فِي الحَقِيقَةِ، وَحُبُّنَا لِذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَكُنَّا نُحِبُّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ؛ لِأَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ، فَاللهُ تَعَالَى يُحِبُّ الذِينَ يُحِبُّونَهُ، فَهُوَ المُسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ المَحْبُوبُ المَأْلُوهُ المَعْبُودُ، وَأَنْ يَكُونَ غَايَةَ كُلِّ حُبٍّ» [19].

 

2- أَنَّ المُسْتَحِقَّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ هُوَ اللهُ:

أَنَّ المُسْتَحِقَّ أنْ يُحَبُّ لِذَاتِهِ هُوَ اللهُ، وَكُلُّ مَحَبَّةٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ للهِ وَفِي الله، فَإِذَا أَحَبَّ العَبْدُ أَحَبَّ للهِ وَإِذَا أَبْغَضَ أَبْغَضَ للهِ، وَإِذَا أَعْطَى أَعْطَى للهِ، وَإِذَا مَنَعَ مَنَعَ للهِ، وَإِذَا وَالَى وَالَى فِي الله وَإِذَا عَادَى عَادَى فِي الله، وَهَكَذَا كُلُّ أَعْمَالِهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِيمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ.

 

وَكَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلعَبْدِ أَنْ يُبْغِضَ مَنْ أَحَبَّهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَلَا يُحِبَّ مَنْ أَبْغَضَهُ اللهُ مِنَ الفُسَّاقِ وَالعَاصِينَ وَالمُكَذِّبِينَ وَالمُحَارِبينَ للهِ بِأَمْوَالِهِم وَأَنْفُسِهِم، مَهْمَا كَانَتْ قَرَابَتُهُم لَهُ.

 

فَعَنِ الأوَّلِ يَقُولُ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَليًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إِلَيَّ بِالنَوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتَي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» [20].

 

فَالحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعَادَاةَ أَوْلِيَاءِ الله إِنَّمَا هِيَ فِي الحَقِيقَةِ مُعَادَاةُ الله، وَمَنْ ذَا الَّذِي يُطِيقُ أَنْ يُعَادِيَ اللهَ تَعَالَى شَأْنُهُ أَوْ يُحَارِبَهَ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الفَرَائِضَ مِنْ أَحَبِّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الله تَعَالَى، وَيَلِيهَا النَّوَافِلُ.

 

وَأَمَّا عَنِ الثَّانِي وَهِيَ أَنْ لَا يُحِبَّ مَنْ عَصَى اللهَ، يَقُولُ تَعَالَى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

 

قَالَ ابْنُ تَيْمِّيَةَ رحمه الله:

«وَلَيْسَ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ المَحْبُوبَ لِذَاتِهِ، المُرَادَ لِذَاتِهِ، المَطْلُوبَ لِذَاتِهِ، المَعَبودَ لِذَاتِهِ، إِلَّا اللهُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَا هُوَ بِنَفْسِهِ مُبْدعٌ خَالِقٌ إِلَّا اللهُ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَلَيْسَ فِي المَخْلُوقَاتِ مَا يَسْتَقِلُّ بِإِبْدَاعِ شَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ رَبًّا لَهُ، وَلَكِنْ ثَمَّ أَسْبَابٌ مُتَعَاوِنَةٌ وَلَهَا فَاعِلٌ هُوَ سَبَبُهُا.

 

وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي المَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِأَنْ يَكُونَ المُسْتَقِلَّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ المَعْبُودَ المَقْصُودَ المُرَادَ بِجَمِيعِ الأَعْمَالِ، بَلْ إِذَا اسْتَحَقَّ أَنْ يُحَبَّ وَيُرَادَ، فَإِنَّمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ، وَلَهُ مَا شَارَكَهُ فِي أَنْ يُحِبَّ مَعَهُ، وَكِلَاهُمَا يَجِبُ أَنْ يُحَبَّ للهِ، لَا يُحَبُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِذَاتِهِ، إِذْ لَيْسَتْ ذَاتُهُ هِيَ التِي يَحْصُلُ بِهَا كَمَالُ النُّفُوسِ وَصَلَاحُهَا وَانْتِفَاعُهَا، إِذَا كَانَتْ هِيَ الغَايَةَ المَطْلُوبَةَ.

 

وَاللهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ كَوْنِهِ فَطَرَهُمْ عَلَى حُبِّ الأَغْذِيَةِ الَّتِي تُصْلِحُهُمْ، فَإِذَا تَنَاوَلُوا غَيْرَهَا أَفْسَدَتْهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَفِي المُمْكِنِ أَنْ يَجْعَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَا يُعَذِّيهِمْ، وَأَمَّا كَوْنُ الفِطْرَةِ يُمْكِنُ أَنْ تَصْلُحَ عَلَى عِبَادَةِ غَيْرِ الله، فَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ لِلعَالَمِ مُبْدِعٌ غَيْرُ الله.

 

قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

 

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟»[21].

 

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللهُ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُم فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا» [22].

 

وَالفِطَرُ تَعْرِفُ هَذَا أَعْظَمَ مِمَّا تَعْرِفُ مَا يُلَائِمُهَا مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، لَكِنْ قَدْ يَحْصُلُ لِلْفِطْرَةِ نَوعُ فَسَادٍ، فَيَفْسَدُ إِدْرَاكُهَا، كَمَا يَفْسَدُ إِدْرَاكُهَا إِذَا وَجَدَتِ الحُلْوَ مُرًّا، وَهَذَا هُوَ أَعْرَفُ المَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ الرُّسُلَ أَنْ تَأْمُرَ بِهِ، وَالشِّرْكُ أَنْكَرُ المُنْكَرِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَالشِّرْكُ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، فَإِنَّهُ فَسَادٌ لَا يَقْبَلُ الصَّلَاحَ.

 

وَلِهَذَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الحُبِّ مَعَ الله، وَالحُبِّ للهِ، فَالأَوَّلُ شِرْكٌ، وَالثَّانِي إِيِمَانٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة: 165].

 

وَقَالَ: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

 

فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِبَّ شَيْئًا مَعَ الله وَأَمَّا الحُبُّ للهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ يُحَبُّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ» [23] اهـ [24].

 

3- حُبُّ الله ـ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَقْوَى بِقُوَّةِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ:

حُبُّ الله سُبْحَانَهُ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَقْوَى بِقُوَّةِ العِلْمِ الشَّرْعِي، وَكُلَّمَا كَانَ المُسْلِمُ عَالِمًا بِدِينِ الله وَأحْكَامِهِ وَشَرَائِعِهِ، عَامِلًا بِهِ، كَانَ حُبُّهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الجَاهِلِينَ، وَإِنْ كَانَتْ مَحَبَّهُ الله سُبْحَانَهُ تُوجَدُ فِي الفِطَرِ وَلَكِنَّهَا تَقْوَى بِالعِلْمِ وَتَخْبُو وَتَضْعُفُ بِالشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ.

 

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: «وَكَذَلِكَ حُبُّ الله وَرَسُولِهِ حَاصِلٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا خُيِّرَ المُؤْمِنُ بَيْنَ أَهْلِهِ وَبَيْنَ الله وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ يَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ.

 

وَالمُؤْمِنُونَ مُتَفَاضِلُونَ فِي هَذِهِ المَحَبَّةِ، وَلَكِنِ المُنَافِقُونَ ـ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الإِسْلَامَ وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ ـ لَيْسُوا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ إِذَا ذُكِرَ لَهُ رُؤْيَةُ الله اشْتَاقَ إِلَى ذَلِكَ شَوْقًا لَا يَكَادُ يَشْتَاقُهُ إِلَى شَيْءٍ.

 

وَقَدْ قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: «لَوْ عَلِمَ العَابِدُونَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا»[25].

 

وَالحُبُّ للهِ يَقْوَى بِسَبَبِ قُوَّةِ المَعْرِفَةِ وَسَلَامَةِ الفِطْرَةِ، وَنَقْصُهَا مِنْ نَقْصِ المَعْرِفَةِ وَمِنْ خُبْثِ الفِطْرَةِ بِالأَهْوَاءِ الفَاسِدَةِ.

 

وَلَا رَيْبَ أَنَّ النُّفُوسَ تُحِبُّ اللَّذَّةَ بِالأَكْلِ وَالشُرْبِ وَالنِّكَاحِ، وَقَدْ تَشْتَغِلُ النُّفُوسُ بِأَدْنَى المَحْبُوبَيْنِ عَنْ أَعَلَاهُمَا، لِقُوَّةِ حَاجَتِهِ العَاجِلَةِ إِلَيْهِ، كَالجَائِعِ الشَّدِيدِ الجُوعِ، فَإِنَّ أَلَمَهُ بِالجُوعِ قَدْ يَشْغَلُهُ عَنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ للهِ فِي الصَّلَاةِ.

 

وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ»[26].

 

وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ قُرَّةَ عَينِ العَارِفِينَ، وَالإِنْسَانُ إِنَّمَا يَشْتَاقُ إِلَى مَا يَشْعُرُ بِهِ مِنَ المَحْبُوبَاتِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَهُوَ لَا يَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ شَعَرَ بِهِ لَكَانَ شَوْقُهُ إِلَيْهِ أَشَدَّ مِنْ شَوْقِهِ إِلَى غَيْرِهِ» اهـ [27].

 

4- الوُدُّ أَصْفَى الحُبِّ وَأَلْطَفُهُ:

الوَدُودُ مِنْ صِفَاتِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَصْلُهُ مِنَ المَوَدَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَينِ: فَقِيلَ: هُوَ وَدُودٌ بِمَعْنَى وَادٌّ كَضَرُوبٍ بِمَعْنَى ضَارِبٍ وَقَتُولٍ بِمَعْنَى قَاتِلٍ وَنَؤُومٍ بِمَعْنَى نَائِمٍ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا القَوْلِ أَنَّ فَعُولًا فِي صِفَاتِ الله ـ فَاعِلٌ كَغَفُورٍ بِمَعْنَى غَافِرٍ، وَشَكُورٍ بِمَعْنَى شَاكِرٍ، وَصَبُورٍ بِمَعْنَى صَابِرٍ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ بِمَعْنَى مَوْدُودٍ وَهُوَ الحَبِيبُ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، فَقَالَ: الوَدُودُ الحَبِيبُ، وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ لِاقْتِرَانِهِ بِالغَفُورِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾ [البروج: 14]، وَبِالرَّحِيمِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90]، وَفِيهِ سِرٌّ لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَأَنَّهُ يُحِبُّ عَبْدَهُ بَعْدَ المَغْفِرَةِ فَيَغْفِرُ لَهُ وَيُحِبُّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، فَالتَّائِبُ حَبِيبُ الله، فَالوِدُّ أَصْفَى الحُبِّ وَأَلْطَفُهُ.

 

5- الخُلَّةُ وَهِيَ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الحُبِّ:

وَأَمَّا الخُلَّةُ فَتَوْحِيدُ المَحَبَّةِ، فَالخَلِيلُ هُوَ الَّذِي تَوَحَّدَ حُبُّهُ لِمَحْبُوبِهِ، وَهِيَ رُتْبَةٌ لَا تَقْبَلُ المُشَارَكَةَ، وَلِهَذَا اخْتُصَّ بِهَا فِي العَالَمِ الخَلِيلَانِ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ الله وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].

 

وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ اتَّخَذَنِيَ خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» [28].

 

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ» [29].

 

وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: «إِنَّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ» [30].

 

وَلَمَّا كَانَتِ الخُلَّةُ مَرْتَبَةً لَا تَقْبَلُ الشَّرِكَةَ امْتَحَنَ اللهُ سُبْحَانَهُ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ لَمَّا أَخَذَ شُعْبَةً مِنْ قَلْبِهِ، فَأَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُخَلِّصَ تِلْكَ الشعْبَةَ لَهُ وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِ، فَامْتَحَنَهُ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَالمُرَادُ ذَبْحُهُ مِنْ قَلْبِهِ، لَا ذَبْحُهُ بِالمُدْيَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمَا لِأَمْرِ الله وَقَدَّمَ مَحَبَّةَ الله تَعَالَى عَلَى مَحَبَّةِ الوَلَدِ، خَلُصَ مَقَامُ الخُلَّةِ وَفَدَى الَولَدَ بِالذَّبْحِ.

وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ خُلَّةً لِتَخَلُّلِ المَحَبَّةِ جَمِيعَ أَجْزاءِ الرُّوحِ، قَالَ:

قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي
وَبِذَا سُمِّيَ الخَلِيلُ خَلِيلًا

وَالخُلَّةُ الخَلِيلُ يَسْتَوِيِ فِيهِ المُذَكَّرُ وَالمُؤَنَّثُ؛ لِأَنَّهُ فِي الأَصْلِ مَصْدَرُ قَوْلِكَ خَلِيلٌ بَيْنَ الخُلَّةِ وَالخِلَّةِ وَالخَلَولَةِ، قَالَ:

أَلَا أَبْلِغَا خُلَّتِي جَابِرَا
بِأَنَّ خَلِيلَكَ لَمْ يُقْتَلِ

وَيُجْمَعُ عَلَى خَلَالٍ مِثْلَ قُلَّةٍ وَقِلَالٍ، وَالخِلُّ الوَدُّ وَالصَّدِيقُ، وَالخِلَالُ أَيْضًا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى المُخَالَةِ، وَمِنْهُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ [إبراهيم: 31]، وَقَالَ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: ﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ ﴾ [البقرة: 254]، قَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

وَلَسْتُ بِمُقْلِي الخِلَالِ وَلَا قَالِيَ

وَالخَلِيلُ الصَّدِيقُ، والأُنْثَى خَلِيلَةٌ، وَالخِلَالَةُ وَالخَلَالَةُ وَالخُلَالَةُ بِكَسْرِ الخَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا: الصَّدَاقَةُ وَالمَوَدَّةُ، قَالَ:

وَكَيْفَ تُوَاصِلَ مَنْ أَصْبَحَتْ
خُلَالَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ[31]

6- الخُلَّةُ أَخَصُّ مِنَ المَحَبَّةِ:

وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّ الحَبِيبَ أَفْضَلُ مِنَ الخَلِيلِ، وَقَالَ: مُحَمَّدٌ حَبِيبُ الله وَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الله، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:

أَنَّ الخُلَّةَ خَاصَّةٌ وَالمَحَبَّةَ عَامَّةٌ؛ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ، وَقَالَ فِي عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54].

 

وَمِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلٌ، وَأَخْبَرَ أَنَّ أَحَبَّ النِّسَاءِ إِلَيْهِ عَائِشَةُ وَمِنَ الرِّجَالِ أَبُوهَا [32].

 

وَعَنْهَا أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» [33].

 

وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أَخُوَّةٌ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ» [34].

 

7- الغَرَامُ:

وَأَمَّا الغَرَامُ فَهُوَ الحُبُّ اللَّازِمُ، يُقَالُ: رَجُلٌ مُغْرَمٌ بِالحُبِّ، أَيْ قَدْ لَزِمَهُ الحُبُّ وَأَصْلُ المَادَّةِ مِنَ اللُّزُومِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ رَجُلٌ مُغْرَمٌ مِنَ الغُرْمِ أَوْ الدَّيْنِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: «وَالغَرَامُ الوُلُوعُ، وَقَدْ أُغْرِمَ بِالشَّيءِ، أَيْ أُوْلِعَ بِهِ، وَالغَرِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، يُقَالُ: خُذْ مِنْ غَرِيمِ السُّوءِ مَا سَنَحَ، وَيَكُونُ الغَرِيمُ أَيْضًا الذِي لَهُ الدَّيْنُ، قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

قَضَى كُلُّ ذَي دَيْنِ فَوَفَّى غَرِيمَهُ
وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنَّى غَرِيمُهَا

وَمِنَ المَادَّةِ قَولُهُ تَعَالَى فِي جَهَنَّمَ: ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان: 65]، وَالغَرَامُ: الشَّرُّ الدَّائِمُ اللَّازِمُ وَالعَذَابُ، قَالَ بِشْرٌ:

وَيَوْمَ النَّارِ وَيَوْمَ الجِفَارِ
كَانَا عَذَابًا وَكَانَا غَرَامَا

وَقَالَ الأَعْشَى:

إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْ
طِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾، كَانَ هَلَاكًا وَلِزَامًا لَهُمْ. وَلِلُطْفِ المَحَبَّةِ عِنْدَهُمْ وَاسْتِعْذَابِهِمْ لَهَا لَمْ يَكَادُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا لَفْظَ الغَرَامِ وَإِنْ لَهَجَ بِهِ المُتَأَخِّرُونَ [35].

خَامِسًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ الكَرِيمِ: [36]

لِهَذَا الاسْمِ الكَرِيمِ أَثَرَانِ عَظِيمَانِ:

الأَوَّلُ: حُبُّ الله لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ وَعَلَامَاتُهُ وَأَسْبَابُهُ.

 

الثَّانِي: حُبُّ المُؤْمِنِينَ للهِ تَعَالَى وَعَلَامَتُهُ وَأَسْبَابُهُ.

 

وَسَنُحَاوِلُ فِيمَا يَلِي أَنْ نَتَنَاوَلَهَا بِبَعْضِ التَّفْصِيلِ وَالشَّرْحِ، وَسَنَبْدَأُ ـ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ـ بِحُبِّ الخَلْقِ للهِ ﻷ، تَأَدُّبًا مَعَ الله عز وجل وَسَعْيًا إِلَى حُبِّهِ وَمَرْضَاتِهِ، عَسَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَحْبَابِهِ وَمُحِبِّيهِ.

 

1- حُبُّ المُؤْمِنِينَ للهِ عز وجل وَعَلاَمَاتُهُ:

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ، إِنَّ الحُبَّ لَشَيْءٌ عَجِيبٌ يُودِعُهُ اللهُ قُلُوبَ الأَصْفِيَاءِ مِنْ خَلْقِهِ فَتَسْعَدُ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وَتَهْنَأُ بِهِ قُلُوبُهُمْ، فَتَسْهَرُ لِمُنَاجَاتِهِ الجُفُونُ، وَتَبْكِي مِنَ الشَّوْقِ إِلَيْهِ العُيوُنُ، فَالحُبُّ عَلَامَةٌ عَلَى سَلَامَةِ الفِطْرَةِ، وَدَلِيلٌ عَلَى الحَيَاةِ، فَالكَائِنَاتُ مِنْ حَوْلِنَا تَشْعُرُ وَتُحِبُّ فَتَدُقُّ بِالحُبِّ قُلُوبُهَا وَتَتَأثَّرُ بِهَا نُفُوسُهَا.

 

وَقَبْلَ أَنْ نَبْدَأَ فِي حُبِّ المُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِم نُحِبُّ أَنْ نَتَعَرَّفَ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ المَخْلُوقَاتِ حَتَّى نَعْلَمَ مَاذَا تَعْنِي كَلِمَةُ الحُبِّ، وَإِلَيكَ بَعْضًا مِنَ الصُّوَرِ المُشْرِقَةِ مِنْ مَحَبَّةِ تِلْكَ الكَائِنَاتِ مَا أَجْمَلَهَا وَمَا أَبْلَغَهَا.

 

فَانْظُرْ إِلَى الفَرَسِ العَرَبِيِّ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِحُبِّ صَاحِبِهِ لَهُ وَيَدْعُو اللهَ عز وجل أَنْ يُحَبِّبَهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ يَومٍ، فَكُلُّ أَيَّامِهِ سُؤَالًا لِلمَحَبَّةِ.

 

فَعَنْ أَبِي ذَرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ إِلَّا يُؤْذَنُ لَهُ مَعَ كُلِّ فَجْرٍ يَدْعُو بِدَعْوَتَيْنِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ فَاجْعَلْنِي مِنْ أَحَبِّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ»[37].

 

فَالفَرَسُ العَرَبِيُّ يُحِبُّ صَاحِبَهُ وَيَأْلَفُهُ وَيَفْرَحُ لِقُرْبِهِ وَيَحْزَنُ لِفَقْدِهِ، رُويَ أَنَّ رَجُلًا اسْمُهُ الزَّعْتَرِيُّ كَانَ لَهُ فَرَسٌ يُحِبُّهُ وَيَرْعَاهُ، وَكَانَ يَخْلِطُ لَهُ الشَّعِيرَ بِالسُّكَّرِ، فَأَحَبَّهُ الفَرَسُ، فَلَمَّا مَرِضَ الزَّعْتَرِيُّ أَضْرَبَ الفَرَسُ عَنِ الطَّعَامِ وَوَقَفَ عِنْدَ بَابِ الحُجْرَةِ الَّتِي بِهَا صَاحِبُهُ وَلَمْ يَبْرَحْهُ، فَلَمَّا مَاتَ الزَّعْتَرِيُّ انْطَلَقَ الفَرَسُ إِلَى أَحَدِ الرَّوَابِي فَوْقَ الجَبَلِ وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ لِيَلْقَى مَصْرَعَهُ حُزْنًا عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي أَحَبَّهُ.

 

حَتَّى الجَمَادَاتِ وَالصُّخُورِ تُحِبُّ وَتُحَبُّ..


فَتَأَمَّلْ قَولَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ جَبَلِ أُحُدٍ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[38].

 

اللهُ أَكْبَرُ.. الجَبَلُ يُحِبُّ الخَلْقَ، فَكَيْفَ حُبُّهُ لِرَبِّ الخَلْقِ! وَقَدْ بَكَىَ جِذْعُ النَّخْلِ حُبًّا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَاشْتِيَاقًا إِلَيْهِ وَإِلَى مَا كَانَ يَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ الله.

 

فَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي الخُطْبَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَصَاحَتْ صِيَاحَ الصَّبِيِّ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: «بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ»[39].

 

تِلْكَ الكَائَنَاتُ تُحِبُّ مَنْ أَحبَّهَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا، فَكَيْفَ بِالله عز وجل سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ تَتَابَعَتْ نِعَمُهُ وَزَادَ كَرَمُهُ وَفَاضَ بِرُّهُ، وَأَسْبَغَ عَلَى خَلْقِهِ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، حَتَّى عَجَزُوا عَنْ إِحْصَاءِ آلَائِهِ، فَكَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهُ وَكَيْفَ غَفَلَ عَنْهُ الغَافِلُونَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ العُصَاةُ وَالمُذْنِبُونَ، أ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ.

 

فَأَيْنَ البَشَرُ الَّذِينَ لَمْ تَذقْ قُلُوبُهُم حُبَّ الله مِنْ هَذِهِ الكَائِنَاتِ؟ فَوالله إِنَّهَا لأَعْقَلُ مِنْهُمْ، وَإِنَّ الصَّخْرَ لأَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِهِم؛ فَإِنَّهُمْ أُنَاسٌ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَوْ شَبَّهْنَاهَا بِالحِجَارَةِ لَكَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا لِلْحِجَارَةِ.

 

وَأَصْدَقُ وَصْفٍ لَهُمْ هُوَ قَولُ الله عز وجل: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].

 

فَكَيْفَ يَعِيشُ العَبْدُ بِغَيْرِ حُبِّ رَازِقِهِ وَخَالِقِهِ وَإِلَهِهِ وَمَعْبُودِهِ؟ بَلْ كَيْفَ يَحْيَا دُونَ أَنْ يَعْرِفَ إِنْ كَانَ اللهُ يُحِبُّهُ أَمْ لَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الحُبِّ إِلَّا البُغْضُ وَلَيْسَ بَعْدَ النَّعِيمِ إِلَّا الجَحِيمُ.

 

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُبَّ الله ﻷ، يَتَعَرَّفَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلَ نَفْسَهُ هَلْ يُحِبُّ اللهَ؟ وَهَلْ هُوَ صَادقٌ فِي ذَلِكَ؟ وَمَا عَلَامَاتُ الحُبِّ الصَّادِقِ للهِ ﻷ، كَذَلِكَ هَلْ يُحِبُّهُ اللهُ أَمْ لَا؟ وَمَا عَلَامَاتُ حُبِّ الله لَهُ؟

 

2- شُرُوطُ الحُبِّ الصَّادِقِ:

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله تعالى: «لَا يَكُونُ العَبْدُ مُوَحِّدًا صَادِقًا فِي حُبِّهِ للهِ عز وجل إِلَّا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:

الأوَّلِ: أَنْ يُحِبَّ اللهَ عز وجل حُبًّا مِنْ جِنْسِ حُبِّ العِبَادَةِ المَقْرُونِ بِالذِّلَّةِ وَالخُضُوعِ وَالافْتِقَارِ وَالطَّاعَةِ المُطْلَقَةِ، حُبًّا لَا يُشَابِهُ أَيَّ حُبٍّ آخَرَ، حُبًّا لَا يُشَابِهُ حُبَّ الشَّهْوَةِ لِلنِّسَاءِ، وَلَا حُبَّ البِرِّ للآبَاءِ، وَلَا حُبَّ الشَّفَقَةِ بِالأَبْنَاءِ، وَلَا حُبَّ النِّدِّيَّةِ لِلْأَصْدِقَاءِ، بَلْ يُحِبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حُبَّ العَابِدِ لِرَبِّهِ، وَالمَخْلُوقِ لِخَالقِهِ، وَالمَمْلُوكِ لَمِالِكِهِ، وَالمَرْزُوُقِ لِرَازِقِهِ، حُبًّا مَقْرُونًا بِالخَشْيَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].

 

الثَّانِي: أَلاَ يُحِبَّ شَيْئًا مِثْلَهُ مَعَهُ، بَلْ وَلَا تَبْقَى مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ هَذَا الحُبِّ ـ أَيْ حُبُّ العِبَادَةِ ـ إِلَّا صَرَفَهَا للهِ وَحْدَهُ، فَلَا يُحِبُّ أَحَدًا غَيْرَ الله عز وجل مِثْلَهُ فِي النَّوْعِ، وَكَذَلِكَ فِي الكَمِّيَّةِ فَلَا يُحِبُّ أَحَدًا أَكْثَرَ مِنَ الله بَلْ لَا يُحِبُّ أَحَدًا مِثْلَ الله أَصْلًا حَتَّى وَإِنْ كَانَ حُبُّهُ لِهَذِهِ الأَشْيَاءِ لَيْسَ حُبَّ العِبَادَةِ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِعُقُوبَةِ الله ﻷ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

 

قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: «هَذِهِ أَشَدُّ آيَةٍ فِي الوَعِيدِ لِمَنْ آثَرَ شَيْئًا فِي المَحَبَّةِ عَلَى الله وَرَسُولِهِ وَالجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ».

 

الثَّالِثِ: أَلَّا يُحِبَّ شَيْئًا غَيْرَ الله إِلَّا مِنْ أَجْلِهِ. وَهُوَ الحبُّ فِي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

 

الرَّابِعِ: أَنْ يُبْغِضَ مَا يُبَاعِدُهُ عَنِ الله أَشَدَّ مِنْ بُغْضِهِ لِأَبْغَضِ الأَشْيَاءِ إِلَيْهِ وَهِيَ النَّارُ.

 

وَقَدْ جَمَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَالَ فِيهِ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحبُّهُ إِلَّا للهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» [40].

 

سَادِسًا: عَلاَمَاتُ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِرَبِّهِ

فَإِنَّ الحُبَّ لَا تَخْفَى دَلَائِلُهُ
كَالطِّيبِ يَخْرُجُ مِنْ حَامِلِ المِسْكِ

اعْلَمْ أَخِي الحَبِيبِ ـ وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكَ إِلَى مَا فِيهِ رِضَاهُ ـ أَنَّ العَبْدَ لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا لِيَحِبَّ اللهَ وَيَعْبُدَهُ وَهُنَاكَ عَلَامَاتٌ لِذَلِكَ الحُبِّ تُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالكَاذِبِ؛ لِأَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ عز وجل وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الله وَهُوَ مِنْهُ بَعِيدٌ. وَللهِ دَرُّ القَائِلِ:

وَكُلٌّ يَدَّعِي حُبًّا لِرَبِّي
وَرَبِّي لَا يُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَا
إِذَا اشْتَبَكَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ
تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَا
فَأَمَّا مَنْ بَكَىَ فَيَذُوبُ وجْدًا
وَيَنطِقُ بِالكَذِبِ مَنْ قَدْ تَبَاكَا



فَكَمْ مِنْ غَافِلٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الذَّاكِرِينَ، وَكَمْ مِنْ عَاصٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الطَّائِعِينَ، وَكَمْ مِنْ كَفُورٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَكَمْ مِنْ جَهُولٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ العَالِمِينَ.

 

وَكَمْ مِنْ عَبْدٍ يَدْعُوهُ اللهُ عز وجل لِيُقْلِعَ عَنْ ذَنْبِهِ وَيَعُودَ إِلَى رَبِّهِ وَيَنْعَمَ بِحُبِّهِ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ المُقْبِلِينَ عَلَيْهِ المُتَقَرِّبِينَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِهَوَاهُ وَيَتَّبِعُ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُ مِنْ رَبِّهِ الهُدَى، وَيَصْدُقُ عَلَى هَؤُلَاءِ قَوْلُ القَائِلِ:

تَطْوِى المَرَاحِلَ عَنْ حَبِيبِكَ دَائِبًا
وَتَظَلُّ تَبْكِيِهِ بِدَمْعٍ سَاجِمِ
كَذَبَتْكَ نَفْسُكَ لَسْتَ مِنْ أَحْبَابِهِ
تَشْكُو البُعَادَ وَأَنْتَ عَيْنُ الظَّالِمِ

 

وَلِهَذَا وَأَمْثَالِهِ نَقُولُ: أَفِقْ وَأَدْرِكْ مَا فَاتَكَ، فَوَالله لَوْ ضَاعَتْ مِنْكَ الفُرْصَةُ وَانْتَهَتْ حَيَاتُكَ وَأَنْتَ عَلَى هَذَا لَتَكُونَنَّ مِنَ الذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104].

 

فَأَزِلْ عَنْ عَيَنْيَكَ غِشَاوَةَ المَعَاصِي وَعَنْ قَلْبِكَ حُكْمَ الهَوَى، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَيْكَ قَولُ القَائِلِ:

أَتَتْرَكُ مَنْ تُحِبُّ وَأَنْتَ جَارٌ
وَتَطْلُبُهُمْ إِذَا بَعُدَ المَزَارُ
تَرَكْتَ سُؤَالهُمْ وَهُمُ حُضُورٌ
وَتَرْجُو أَنْ تُخَبِّرَكَ الدِّيَارُ
فَنَفْسَكَ لُمْ وَلَا تَلُمِ المَطَايَا
وَمُتْ كَمَدًا فَلَيْسَ لَكَ اعْتِذَارُ

 

فَمَنْ أَحَبَّ اللهَ حقًّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الحُبِّ، فَإِنَّ الحُبَّ فِي القَلْبِ وَلَكِنْ تَظْهَرُ آثَارُهُ عَلَى البَدَنِ كُلِّهِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فِي الجَسَدِ مُضْغَةٌ إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ»[41].

 

لِذَلِكَ يَكُونُ حُبُّ الله عز وجل اعْتِقَادًا بِالجَنَانِ وَقَوْلًا بِاللِّسَانِ وَعَمَلًا بِالأرْكَانِ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالمَعْصِيَةِ، فَمِنْ هَذِهِ العَلَامَاتِ:

1- طَاعَةُ الله وَتَركُ مَعْصِيَتِهِ:

كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

تَعْصِي الإِلَهَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ حُبَّهُ
هَذَا وَرَبِّي فِي القِيَاسِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ
إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ


وَقَالَ آخَرُ:

وَكُنْ لِرَبِّكَ ذَا حُبٍّ لِتَخْدُمَهُ
إِنَّ المُحِبِّينَ لِلْأَحْبَابِ خُدَّامُ

2- اتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ شَيْءٍ:

بِفْعِلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

 

قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: «زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللهَ فَابْتَلَاهُمْ ـ أَيِ امْتَحَنَهُمْ ـ بِهَذِهِ الآيَةِ: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]».

 

وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا آيةَ المِحْنَةِ [42]، فَإِذَا صَدَقُوا فِي دَعْوَاهُمْ وَاتَّبَعُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَبَّهُمُ اللهُ ﻷ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ لَهُمْ مِنْ أَنْ يُحِبُّوهُ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبَّ وَلَكِنْ الشَّأْنُ أَنْ تُحَبَّ».

 

أَيْ لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبَّ اللهَ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حُبُّكَ هَذَا ادِّعَاءٌ، وَلَكِنِ الشَّأْنُ أَنْ يُحِبَّكَ اللهُ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ إِلَّا الطَّيِّبِينَ.

 

قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبلُ إِلَّا طَيِّبًا»[43].

 

3- حُبُّ القُرْآنِ:

قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأْ فِي المُصْحَفِ»[44].

 

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ت: «مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ عَلَى القُرْآنِ، فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ القُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللهَ فَإِنَّمَا القُرْآنُ كَلَامُ الله».

 

وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه إِذَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ المُصْحَفُ يَفْرَحُ بِهِ وَيَقُولُ: «كَلَامُ رَبِّي، كَلَامُ رَبِّي».

 

وَقَالَ أَيْضًا: «اطْلُبْ قَلْبَكَ عِنْدَ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، عِنْدَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، وَمَجَالِسِ العِلْمِ، وَوَقْتِ السَّحَرِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَلْبَكَ فَسَلِ اللهَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْكَ بِقَلْبٍ فَإِنَّكَ لَا قَلْبَ لَكَ».

 

وَقَالَ عُثمَانُ بْنُ عَفَّانَ ت: «لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُكُمْ مَا شَبِعَتْ مِنْ كَلَامِ رَبِّكُمْ».

 

وَقَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «كَفَى بِالله حَبِيبًا وَبالقُرْآنِ مُؤْنِسًا وَبِالمَوْتِ وَاعِظًا وَمَنْ لَمْ يَتَّخِذْ اللهَ صَاحِبًا وَالقُرْآنَ مُؤْنِسًا فَلَا آنَسَ اللهُ وحْشَتَهُ».

 

وَكَانَ بَعْضُ المَشَايِخِ مِنْ مُحَفِّظِي القُرْآنِ يُقْسِمُ أَنَّهُ عِنْدَمَا يَقْرَأُ القُرْآنَ يَشْعُرُ بِحَلَاوَةِ العَسَلِ تَنْزِلُ فِي رِيقِهِ..

 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حَلَاوَةَ ذِكْرِكَ يَا كَرِيمُ.. آمين.

 

4- الشَّوْقُ إِلَى لِقَاءِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَرُؤيَةِ وَجْهِهِ الكَرِيمِ:

وَدِدْتُ أَنَّ جَوَانِحِي جَوَارِحِي
مُقَلٌ تَرَاكَ وَمَا لَهُنَّ جُفُونُ
وَدِدْتُ دَمْعَ الخَافِقَيْنِ لِمُقْلَتِي
حَتَّى عَزِيزُ الدَّمْعِ فِيكَ يَهُونُ

 

أَخِي الكَرِيمُ، هَلْ رَأَيْتَ حَبِيبًا لَا يُحِبُّ رُؤْيَةَ حَبِيبِهِ؟

فَمَنْ أَحَبَّ أَحَدًا أَحَبَّ رَؤْيَتَهُ، لِذَلِكَ يَبِيتُ المُؤْمِنُونَ وَيُصْبِحُوا وَهَمُّهُم الأَكْبَرُ لِقَاءُ الله وَرُؤْيَتُهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 5].

 

وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ مِنَ الشَّوْقِ إِلَى لِقَاءِ الله عز وجل مَا أَذْهَبَ صَبْرَهُ عَلَى لِقَاءِ رَبِّهِ الرَّحِيمِ وَرُؤْيَةِ وَجْهِهِ الكَرِيمِ حَتَّى كَانَ يَسْأَلُ اللهَ عز وجل وَيَدْعُوهُ بِهِ وَيَتَمَنَّى حُدُوثَهُ، فَانْظُرْ إِلَى دُعَائِهِ وَرَجَائِهِ صلى الله عليه وسلم، حَيثُ يَقُولُ: «وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ القَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» [45].

 

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَفْرَحُ بِالمَطَرِ وَيَتَلَقَّاهُ بِثَوْبِهِ وَلمَّا يُسْأَلِ عَنْ ذَلِكَ يَقُولُ: «إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» [46].

 

وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَكُونُ أَعْظَمُ نَعِيمٍ لِأَهْلِ الجَنَّةِ هُوَ رُؤْيَةُ الله عز وجل، فَإِذَا رَأَوْهُ تَضَاءَلَتْ أَمَامَ رُؤْيَتِهِ كُلَّ اللَّذَّاتِ وَشُغِلُوا بِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَلِسَانُ حَالهِمْ يَقُولُ:

وَلَوْ أَنَّ عَيْنِي إِلَيْكَ الدَّهْرَ نَاظِرَةٌ
جَاءَتْ وَفَاتِي وَلَمْ أَشْبَعْ مِنَ النَّظَرِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ / : «لَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي سَأَرَى اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَمَا عَبَدْتُهُ».

 

5- الحُبُّ فِي الله وَالبُغْضُ فِي الله:

فَفِيهِ حَلَاوَةُ الإِيمَانِ، وَهُوَ أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ؛ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه مرفوعًا، قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» [47].

 

وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ المُوَالَاةُ فِي الله وَالمُعَادَاةُ فِي الله وَالحُبُّ فِي الله وَالبُغْضُ فِي الله عز وجل» [48]، وَبِهِ كَمَالُ الإيمَانِ؛ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ للهِ وَأَبْغَضَ للهِ وَأَعْطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيَمَانَ» [49].

 

مَعْنَى الحُبِّ فِي الله:

قِيلَ: وَحَدُّ الحُبِّ فِي الله: هُوَ كُلُّ حُبٍّ لَوْلَا الإِيمَانُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُجُودُهُ فَهُوَ حُبٌّ فِي الله يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالمَعْصِيَةِ.

 

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: «الحُبُّ فِي الله لَا يَزِيدُ بِالبِرِّ وَلَا يَنْقُصُ بِالجَفَاءِ، أَيْ لَا يَزِيدُ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مِنَ الهَدَايَا وَالعَطَايَا وَإِنَّمَا يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَالهِدَايَةِ، وَلَا يَنْقُصُ بِالبُعْدِ وَالجَفَاءِ وَإِنَّمَا يَنْقُصُ بِالمَعْصِيَةِ وَالتَّقْصِيرِ.

 

وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي الله فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا» [50].

 

وَلَا يَكُونُ لِلأنْسَابِ وَالرَّحِم: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ الله لَعِبَادًا يَغْبِطُهُم الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ»، قِيلَ: مَنْ هُمْ لَعَلَّنَا نُحِبُّهُم؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ الله عَلَى غَيْرِ أَمْوَالٍ وَلَا أَنْسَابٍ» [51].

 

وَانْظُرْ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكَيْفَ كَانَ حُبُّهُ فِي الله؛ فَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ أَسَرَ بِلَالٌ بْنُ رَبَاحٍ رضي الله عنه أَخَا مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ رضي الله عنه فَرآهُ مُصْعَبٌ فَقَالَ لِبِلَالٍ: يَا بِلَالُ شُدَّ وَثَاقَ أَسِيرِكَ؛ فَإِنَّ لَهُ أُمًّا غَنِيَّةً سَتَفْدِيهِ بِمَالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: أَتَقُولُ هَذَا وَأَنَا أَخُوكَ؟ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: إِنَّ بِلَالًا أَخِي دُونَكَ.

 

أَحَقُّ الخَلْقِ بِالحُبِّ فِي الله:

أَوَّلًا: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» [52].

 

وَقَالَ أَيْضًا: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» [53].

 

ثَانِيًا: أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ:

فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ» [54].

وَقَالَ أَيْضًا فِي الأَنْصَارِ: «لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ» [55].

 

ثَالِثًا: حُبُّ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

وَحُبُّهُمْ يَعْنِي وُدَّهَمْ وَالحِفَاظَ عَلْيِهِم وَرِعَايَتَهُمْ وَصِلَتَهُمْ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيِتِي» [56]، وَلَيْسَ كَمَا يَفْعَلُ عُبَّادُ القُبُورِ بِالطَّوَافِ حَوْلَ المَقَامَاتِ وَالقُبُورِ وَالنَّذْرِ لَهَا وَالنَّحْرِ عِنْدَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الشِّرْكِ الذِي نَهَى عَنْهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؛ لِذَلِكَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَمِنْ غَالَى فِي حُبِّهِمْ: «أَحْبَبْتُمُونَا حَتَّى أَصْبَحَ حُبُّكُمْ عَارًا عَلَيْنَا».

 

6- الرِّضَا بِقَضَاءِ الله وَقَدَرِهِ:

فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» [57].

 

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ - فِي ابْتِلَاءِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ -: «إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ إِلَّا العَبَاءَةَ يُحَوِّيهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ» [58].

 

وَعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللهَ عز وجل قَالَ: «إِنَّ عَبْدِي المُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنَزْلَةِ كُلِّ خَيْرٍ؛ يَحْمَدُنِي وَأَنَا أَنْزِعُ نَفْسَهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ» [59].

 

7- حُبُّ الصَّلاَةِ وَالشَّوْقُ إِلَيْهَا:

سُبْحَانَ مَنْ لَو سَجَدْنَا بِالعُيُونِ لَهُ
عَلَى شَبَا الشَّوْكِ المُحْمَى مِنَ الإِبرِ
لَمْ نَبْلُغِ العُشْرَ مِنْ مِعْشَارِ نِعْمَتِهِ
وَلَا العُشَيْرَ وَلَا عُشْرًا مِنَ العُشْرِ
أَنْتَ الحَبِيبُ وَأَنْتَ الحِبُّ يَا أَمَلِي
مَنْ لِي سِوَاكَ مَنْ أَرْجُوهُ يَا ذُخْرِي



وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].

وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِ لِعِبَادِ الرَّحْمَنِ: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» [60]، وَكَانَ يَقُولُ: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا» [61].

 

وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَورَّمَ قَدَمَاهُ، وَيَقُولُ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» [62].

 

وَكَانَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ خَرَجَ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» [63].

 

وَرُبَّمَا تَرَكَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْهِ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ.

 

عَنْ عَطَاءَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيرٍ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَ عُبَيْدُ ابنُ عُمَيْرٍ: حَدِّثِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِيهِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَبَكَتْ وَقَالَتْ: قَامَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّدْ لِرَبِّي»، قَالَتْ: قُلْتُ: وَالله إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا يَسُرُّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، ثُمَّ بَكَى، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الأَرْضَ [64].

 

8- ذِكْرُ الله وَالإِكْثَارُ مِنْهُ:

وَإِذَا ذَكَرْتُكَ كَادَ الشَّوْقُ يَقْتُلُنِي
وَأَرَّقَتْنِي أَحْزَانٌ وَأَوْجَاعُ
فَإِذَا ذَكَرْتُكَ صَارَ كُلِّي فِيكَ أَلْسِنَةً
وَإِذَا سَمِعْتُ صَارَ كُلِّي فِيكَ أَسْمَاعُ



قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى الله أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ الله» [65].

 

وَقَالَ أَيْضًا: «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ». قَالُوا: مَا المُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» [66].

 

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الله تَعَالَى، وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ رَوُحُكَ فِي السَّمَاءِ وَذِكْرُكَ فِي الأَرْضِ» [67].

 

أَخِي الحَبِيبُ، إِنَّ اللهَ يَذْكُرُ المُؤْمِنِينَ وَلَا يَنْسَاهُمْ، فَكَيْفَ يَنْسَاهُ المُحِبُّونَ الصَّادِقُونَ فِي حُبِّهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 43].

 

فَإِذَا ذَكَرْتَهُ ذَكَرَكَ مَرَّةً ثَانِيَةً، قَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» [68].

 

وَقَالَ ـ: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وَقِيلَ: لَيْسَ العَجَبُ قَوْلُهُ: ﴿ þ فَاذْكُرُونِي﴾، وَلَكِنِ العَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿ أَذْكُرْكُمْ﴾.

 

أَخِي الحَبِيبُ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ مَا مِنْ شَيءٍ فِي هَذَا الكَوْنِ إِلَّا يُحِبُّ اللهَ وَيَذْكُرُهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [ الإسراء: 44 ]، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَسْتَقِلُّ الشَّمْسُ فَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الله إِلَّا سَبَّحَ اللهَ بِحَمْدِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَأَغْبِيَاءِ بَنِي آدَمَ» [69].

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

 

أَخِي الحَبِيبُ، هَلْ سَمِعْتَ نِدَاءَ الله لَكَ بِأَنْ لَا يُلْهِيكَ عَنْهُ شَيْءٌ؟ وَمَا عَسَى أَنْ تَكُونَ الإِجَابةُ؟ إِنَّ إِجَابَةَ هَذَا النِّدَاءِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِدَمْعِ العُيُونِ وَرِقَّةِ القُلُوبِ وَحَنِينِهَا إِلَى هَذَا الإِلَهِ العَظِيمِ وَالرَّبِّ الكَرِيمِ، وَقُلْ كَالَّذِي قَالَ:

مَا عَنْكَ يَشْغَلُنِي مَالٌ وَلَا وَلَدٌ
نَسِيتُ بِاسْمِكَ ذِكْرَ المَالِ وَالوَلدِ
فَلَو سُفِكَتْ دِمَائِي فِي التُّرْبِ لَانْكَتَبَتْ
بِهَا حُرُوفُ اسْمِكَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ



وَانْظُرْ إِلَى المُحِبِّينَ الصَّادِقِينَ وَكَيْفَ كَانَ ذِكْرُهُم لِرَبِّ العَالَمِينَ.

 

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ إِلَّا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِرَبِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ ل، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» [70].

 

حَتَّى فِي النَّوْمِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» [71].

 

أَبُو الدَّرْدَاءِ يُسَبِّحُ مِائَةَ أَلفِ تَسْبِيحةٍ فِي كُلِّ يَومٍ:

عَنْ أَبِي حَلبسٍ: قِيلَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَكَانَ لَا يَفْتُرُ عَنِ الذِّكْرِ: كَمْ تُسَبِّحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ؟ قَالَ: مِائَةَ أَلْفٍ إِلَّا أَنْ تُخْطِئَ الأَصَابِعُ [72].

 

وَانْظُرْ إِلَى أحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ زَكَرِيَّا بْنُ دَلَّوَيْهِ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيِ الحَجَّامِ لِيُحْفِيَ شَارِبَهُ يُسَبِّحُ، فَيَقُولُ لَهُ الحَجَّامُ: اسْكُتْ سَاعَةً، فَيَقُولُ: اعْمَلْ أَنْتَ عَمَلَكَ، وَرُبَّمَا قَطَعَ مِنْ شِفَّتِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.

 

9- حُبُّ المَوتِ مَعَ الرَّاحَةِ وَالعَافِيَةِ:

1- قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: «عَلَامَةُ الاشْتِيَاقِ حُبُّ المَوْتِ مَعَ الرَّاحَةِ وَالعَافِيَةِ، فَإِنَّ يُوسُفَ حِينَ أُلِقَيَ فِي الجُبِّ لَمْ يَقُلْ: تَوَفَّنِي، وَحِينَ أُدْخِلَ السِّجْنَ لَمْ يَقُلْ: تَوَفِّنِي، وَحِينَ مُكِّنَ فِي الأرْضِ وَأَصْبَحَ مِنَ المُلُوكِ وَتَمَّتْ لَهُ النِّعْمَةُ قَالَ: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].

 

وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَعْظَمَ النَّاسِ اشْتِيَاقًا لِرَبِّهِ فَقَدْ كَانَ يَتَعَجَّلُ لِقَاءَهُ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ الله»، قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، فَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هُوَ المُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَعْلَمَنَا» [73].

 

أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَانَ مِنَ المُشْتَاقِينَ، فَيَقُولُ ت: أُحِبُّ الجَّوعَ وَالمَرَضَ وَالمَوْتَ، فَقِيلَ لَهُ: «إِنَّكَ تُحِبُّ أَشْيَاءَ لَا يُحِبُّهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: أَنَا إِنْ جُعْتُ رَقَّ قَلْبِي، وَإِنْ مَرِضْتُ خَفَّ ذَنْبِي، وَإِنْ مُتُّ قَابَلْتُ رَبِّي».

 

وَمُعَاذٌ بْنُ جَبَلٍ: يَسْتَعْذِبُ المَوْتَ لِلِقَاءِ الله فَيَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ: «اخْنُقْ خَنْقَكَ فَوَالله إِنِّي لَأُحِبُّكَ».

 

وَصْفٌ جَامِعٌ فِي المَحَبَّةِ:

اجِتَمَعَ الشُّيُوخُ فِي مَكَّةَ ـ شَرَّفَهَا اللهُ ـ فَتَذَاكَرُوا أَشْيَاءَ فِي المَحَبَّةِ، فَقَالُوا لِلجُنَيْدِ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا: هَاتِ مَا عِنْدَكَ يَا عِرَاقِيُّ، فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: «عَبْدٌ ذَاهِبٌ عَنْ نَفْسِهِ، مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ رَبِّهِ قَائِمٌ بِأَدَاءِ حُقُوقِهِ، نَاظِرٌ إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ، أَحْرَقَ قَلْبَهُ نُورُ هَيْبَتِهِ، وَصَفَا شُرْبُهُ مِنْ كَأْسِ مَوَدَّتِهِ، فَانْكَشَفَتْ لَهُ صِفَاتُ الجَبَّارِ مِنْ أَسْتَارِ غَيْبِهِ، فَإِنْ نَطَقَ فَبِالله، وَإِنْ تَكَلَّمَ فَعَنِ الله، وَإِنْ سَكَنَ فَمَعَ الله، فَهُوَ للهِ وَبِالله وَمَعَ الله»، فَبَكَى الشُّيُوخُ وَقَالُوا: مَا عَلَى هَذَا مِزِيدٌ جَبَرَكَ اللهُ يَا تَاجَ العَارِفِينَ.

 

سَابِعًا: حُبُّ الله لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَعَلاَمَاتُهُ:

فَضْلُ حُبِّ الله لِلْمُؤْمِنِينَ:

قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: «لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبَّ وَلَكِنَّ الشَّأْنَ أَنْ تُحَبَّ»، أَيْ لَيْسَ الأَمْرُ أَنْ تَظُنَّ أَنَّكَ تُحِبُّ اللهَ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ العَظِيمَ أَنْ يُحِبَّكَ اللهُ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ إِلَّا مَنِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الحُبَّ، وَلِحُبِّ الله لِعَبْدِهِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ، بَلِ الخَيْرُ كُلُّهُ تَابِعٌ لِتِلْكَ المَحَبَّةِ؛ فَمِنْ هَذِهِ الفَضَائِلِ:

1- أَحْبَابُ الله هُمُ الطَّيِّبُونَ:

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا» [74]، فَإِنْ كَانَ اللهُ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا فَكَيْفَ يُحِبُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ طَيِّبًا.

 

2- إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْ أَحْبَابِهِ:

قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]، وَجَعَلَ لِأَوْلِيَائِهِ النَّصِيبَ الأَعْظَمَ مِنْ هذَا الدِّفَاعِ، فَقَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» [75].

 

3- إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ أَحْبَابَهُ:

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة: 18].

 

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رحمه الله: «قَالَ بَعْضُ الشُّيوخِ لَبَعْضِ الفُقَهَاءِ: أَيْنَ تَجِدُ فِي القُرْآنِ أَنَّ الحَبِيبَ لَا يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَتَلَا عَلَيْهِ الشَّيْخُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾».

 

وَهَذَا الَّذِي قَالَ حَسَنٌ وَلَهُ شَاهِدٌ فِي المُسْنَدِ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَصَبِيٌّ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ القَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُولُ: ابْنِي ابْنِي، وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ، فَقَالَ القَوْمُ: يَا رَسُولَ الله، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِي وَلَدَهَا فِي النَّارِ، قَالَ فَحَفَّظَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَا وَالله مَا يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ» [76].

 

4- يُحِبُّهُ جِبرِيلُ وَأَهْلُ السَّمَاءِ «يُحَبِّبُهُ إِلَى خَلْقِهِ»:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ تَعَالَى العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ» [77].

 

مَعْنَى مَحَبَّةِ الله لِلمُؤْمِنِينَ:

إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ غَايَةَ الطِّيبِ، جَمِيلٌ غَايَةَ الجَمَالِ، كَامِلُ الصِّفَاتِ وَالنُّعُوتِ غَايَةَ الكَمَالِ فَإِذَا أَحَبَّ أَحَدًا فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيلًا طَيِّبًا فَإِنَّ اللهَ عز وجل لَا يُحِبُّ كَمَا يُحِبُّ الخَلْقُ بَعْضُهُم بَعْضًا فَإِنَّ الخَلْقَ قَدْ يَحْدُثُ بَيْنَهُم الحُبُّ لِصِلَةِ النَّسَبِ أَوْ لِلْهَوَى وَالدُّنْيَا، أَمَّا اللهُ أ فَلَا يُحِبُّ بِالهَوَى وَلَا لِلدُّنْيَا فَإِنَّهَا لَا تَزِنُ عِنْدَهُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُم وَأَعْمَالِكُم» [78]. فَإِذَا أَحَبَّ اللهُ أَحَبَّ بِالحَقِّ، وَإِذَا أَبْغَضَ أَبْغَضَ بِالحَقِّ، وَللهِ دَرُّ القَائِلِ:

وَدُودٌ بِلَا مَيْلٍ وَدُودٌ بِلَا هَوَىً
فَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ سِوَاكَ جَمِيلُ

لِذَلِكَ نَجِدُ أَنَّ حُبَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ مَقْرُونًا بِصِفَاتٍ طَيِّبَةٍ وَأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ.

 

قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76]، وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وَقَالَ أيْضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].

 

وَكَذَلِكَ بُغْضُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمَعْصِيَةِ وَالعُصَاةِ وَالطُّغْيَانِ وَالطُّغَاةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140].

 

ثَامِنًا: مِنْ أَسْبَابِ حُبِّ الله لِلعَبْدِ:

1- اتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

 

2- التَّقَرُّبُ إِلَى الله أ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الفَرَائِضِ:

قَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: «... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِيَ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» [79].

 

3- القُرْآنُ الكَرِيمِ:

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» [80].

 

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِم فَيَخْتِمُ بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: «سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ» [81].


4- الحُبُّ فِي الله وَالتَّجَالُسُ فِي الله وَنَحْوِ ذَلِكَ:

قَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالمُتَباذِلِينَ فِيَّ وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ» [82]، وَقَالَ ﻷ: «حُقَّتْ مَحَبَّتِي لِلمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحُقَّتْ مَحَبَّتِي لِلمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ، وَحُقَّتْ مَحَبَّتِي لِلمُتَنَاصِحِينَ فِيَّ، وَحُقَّتْ مَحَبَّتِي لِلمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَحُقَّتْ مَحَبَّتِي لِلمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، المُتَحَابِّينَ فِيَّ عَلَى مَنَابِرٍ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُم بِمَكَانِهِم النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ» [83].

 

وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي، اليَوْمَ أُظِلُّهُم فِي ظِلِّي، يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» [84].

 

5- حُبُّ الأَنْصَارِ:

عَنِ البَرَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُم إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُم إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُم أَحِبَّهُ اللهُ وَمَن أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ» [85].

 

6- الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا:

عَنْ أَبِي العَبَّاسِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ» [86].

 

7- قُوَّةُ الإيمَانِ:

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى الله مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» [87].

 

8- المُدَاوَمَةُ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ:

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى الله أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» [88].

 

9- ثَلاَثُ خِصَالٍ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ:

«إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَّ» [89].

 

10- أَنْ يُعْطِيَهُ الدِّينَ وَالإِيمَانَ:

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ت: «إِنَّ اللهَ يُعطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ» [90]، وَفِي رِوَايَةٍ: «.. وَلَا يُعْطِي الإِيمَانَ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ».

 

تَاسِعًا: عَلاَمَاتُ مَحَبَّةِ الله لِلْعَبْدِ:

كَمَا أَنَّ حُبَّ المُؤْمِنِينَ للهِ لَهُ عَلَامَاتٌ تُؤَكِّدُهُ، فَإِنَّ لِحُبِّ الله لِعِبَادِهِ عَلَامَاتٌ كَذَلِكَ وَهِيَ كَالبُشْرَى العَاجِلَةِ لَهُم لِتَطْمَئِنَّ بِهَا قلُوبُهُم، وَتَسْعَدْ بِهَا نُفُوسُهُم فَيَا سَعَادَةَ مَنْ وُفِّقَ وَكَانَتْ فِيهِ هَذِهِ العَلَامَاتُ أَوْ بَعْضُهَا، وَيَا فَرْحَةَ مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ بِحُبِّهِ وَأَسْعَدَهُ بِقُرْبِهِ، وَسَنَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ هَذِهِ العَلَامَاتِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» [91].

 

وَفِي الحَدِيثِ ذُكِرَتْ سِتُّ عَلَامَاتٍ لمَحَبَّةِ اللِه لِعَبْدِهِ.

 

1- كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ:

أَيْ لَا يَسْمَعُ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ كَسَمَاعِهِ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الله وَلِكَلَامِ الله وَرَسُولِهِ؛ لَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مِثْلَمَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَقْرَأُ القُرْآنَ يَجْهَرُ بِهِ» [92].

 

وَكَذَلِكَ لَا يُحِبُّ الاسْتِمَاعَ إِلَى السُّوءِ مِنَ القَوْلِ كَالكَذِبِ وَالغِيبَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 148].

 

وَكَذَلِكَ يُعْرِضُ عَنِ اللَّغْوِ وَالغِنَاءِ المُحَرَّمِ، قَالَ اللهُ فِي عِبَادِ الرَّحْمَنِ: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]، وَقَدْ يَكُونُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ أَيْضًا أَنْ يَرْزُقَهُ الفَرَاسَةَ فِي الأَقْوَالِ فَيَعْرِفُ مَا تَعْنِيهِ كَلَمِاتُ الحَقِّ أَوْ كَلِمَاتُ البَاطِلِ فَيَعْرِفُ أَصْنَافَ النَّاسِ مِنْ خِطَابِهِم؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30].

 

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ: «أَيْ فِيمَا يَبْدُو مِنْ كَلَامِهِم الدَّالِّ عَلَى مَقَاصِدِهِم يُفْهَمُ المُتَكَلِّمُ مِنْ أَيْ الحِزْبَينِ هُوَ بِمَعَانِي كَلَامِهِ وَفَحْوَاهُ وَهُوَ المُرَادُ مِنْ لَحْنِ القَوْلِ كَمَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ت: «مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَبْدَاهَا اللهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ»، وَفِي الحَدِيثِ: «مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا كَسَاهُ اللهُ تَعَالَى جِلْبَابَهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ» [93].

 

وَقَدْ يَعْنِي بِذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عَلَى مَا يَسْمَعُ بِشَرْعِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَالطَيِّبُ مَا كَانَ فِي الشَّرْعِ طَيِّبًا، وَالخَبِيثُ مَا حَكَمَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ بِالخُبْثِ مَهْمَا كَانَ فِيهِ تَزْيِينُ الشَّيْطَانِ وَإِغْرَائِهِ.

 

2- وَبَصَرُهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ:

فَيُحِبُّ النَّظَرَ لآيَاتِ الله الكَوْنِيَّةِ مِثْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهَا أَوِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلَ كِتَابِ الله وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].

 

وَلَا يُحِبُّ النَّظَرَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللهُ كَأَنْ يُشَاهِدَ شَيْئًا مِنَ البَاطِلِ أَوْ يَحْضُرَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]، وَ(الزُّورُ) قِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ وَعِبَادَةُ الأَصْنَامِ، فَلَا يَشْهَدُونَهُ وَلَا يَحْضُرُونَهُ.

 

وَقِيلَ: هُوَ أَعْيَادُ المُشْرِكِينَ، وَقَالَ عَمْرُوُ بنُ قَيْسٍ: «هِيَ مَجَالِسُ السُّوءِ وَالخَنَا».

 

وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: شُربَ الخَمْرِ لَا يَحْضُرُونَهُ وَلَا يَرْغَبُونَ فِيهِ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الخَمْرُ»» اهـ [94].

 

وَقَدْ يَكُونُ ذَا بَصِيرَةٍ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ كَثْرَةِ حِفْظِهِ لِنَظَرِهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الحَرَامِ.

 

فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَابِ رضي الله عنه يَرَى بِنُورِ الله، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ [95].

 

وَقَالَ شَاه بْنُ شُجَاع الكرمَانِي: «مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ المُرَاقَبَةِ وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الحَرَامِ وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَاعْتَادَ الحَلَالَ لَمْ تُخْطِئْ فَرَاسَتُهُ»، وَكَانَ شَاهُ هَذَا لَا تُخْطِئُ لَهُ فَرَاسَةٌ [96].

 

3- وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا:

أَيْ لَا تَمْتَدُّ يَدُهُ إِلَّا إِلَى مَا يُحِبُّ اللهُ وَيَرْضَى كَالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَيَكُفُّهَا عَمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى فَلَا يَمَسُّ بِهَا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ كَالنِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ، أَوْ يَأْخُذُ بِهَا مَا لَيْسَ لَهُ كَحُقُوقِ النَّاسِ، وَلَا تَمْتَدُّ بِالأَذَى كَأَنْ يَضْرِبَ أَوْ يَظْلِمَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ» [97].

 

وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ النَّصِيبِ مِنْ هَذَا الحُبِّ، وَلِذَلِكَ فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ ل: مَا ضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ الله، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمُ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ الله تَعَالَى فَيَنْتَقِمُ للهِ تَعَالَى» [98].

 

4- وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا:

فَلَا يَمْشِي إِلَى مَا حَرَّمَ اللهُ مِنَ الأَعْمَالِ وَالأَمَاكِنِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَى» [99].

 

وَلَا يَتَكَبَّرُ فِي مِشْيتِهِ؛ فَإِنَّهَا يُبْغِضُهَا اللهُ وَرَسُولُهُ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجَّلٌ رَأْسُهُ، يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ فَهُوَ يِتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» [100].

 

وَلَكِنَّهُ يَسْعَى فِي الخَيْرِ كَالجِهَادِ فِي سَبِيلِ الله، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ الله أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [101].

 

أَوِ المَشْيِ إِلَى المَسَاجِدِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنَ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» [102].

 

5- وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ:

فَأَيُّ أَجْرٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، وَأَيُّ جَائِزَةٍ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ اللهُ مَا سَأَلَ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَكْرَمَ اللهُ بِهِ أَصْحَابَ الكَهْفِ مِنَ الآيَاتِ العَظِيمَةِ حِينَ قَالُوا: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10]، وَحِينَ قَالَ يُونُسُ: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].

 

6- وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ:

وَإِذَا اسْتَعَاذَ بِالله مِنْ شَرِّ فِتْنَةٍ أَوْ بَطْشِ ظَالِمٍ أَعَاذَهُ اللهُ فَمِنْ ذَلِكَ:

حِفَاظَتُهُ لِيُوسُفَ؛ حِينَ رَاوَدَتْهُ امْرَأَةُ العَزِيزِ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23]، فَأَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ.

 

وَكِفَايَتُهُ مِنْ بَطْشِ الطُّغَاةِ لِطِفْلِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ، فَكُلَّمَا أَرَادُوا قَتْلَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ»، فَيَكْفِيهِ اللهُ وَيُنْجِيهِ وَيُهْلِكُ أَعْدَاءَهُ.

 

عِصْمَتُهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ نَجَسِ المُشْرِكِينَ؛ فَقَدْ قَتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ اثْنَينِ مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَنَذَرَتْ أُمُّهُمَا أَنْ تَقْتُلَ عَاصِمًا وَتَشْرَبَ فِي قَحْفِ رَأْسِهِ الخَمْرَ وَجَعَلَتْ لِمَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ، فَلَمَّا غَدَرتْ هُذَيلُ بِالمُسْلِمِينَ وَأَرَادُوا قَتْلَ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمِي لِدِينِكَ وَأُدَافِعُ عَنْهُ، فَاحْمِ لَحْمِي وَعَظْمِي وَلَا تُظْفِرْ بِهِمَا أَحَدًا مِنْ أَعَدَاءِ الله، وَقَالَ أَيْضًا: اللَّهُمَّ إِنِّي حَمَيْتُ دِينَكَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَاحْمِ جَسَدِي آخِرَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ أَحَاطَ بِهِ الدَّبْرُ (وَهُوَ النَّحْلُ وَالزَّنَابِيرُ) فَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدُهُمْ لَمسَهُ، فَقَالُوا: دَعُوهُ إِلَى اللَّيْلِ، فَبَعَثَ اللهُ الوَادِيَ فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا فَذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ مَا حَدَثَ قَالَ: يَحْفَظُ اللهُ العَبْدَ المُؤْمِنَ، كَانَ عَاصِمُ نَذَرَ أَلَّا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ، فَمَنَعَهُ اللهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ فِي حَيَاتِهِ [103].

 

7- حُسُنُ الخَاتِمَةِ:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها ـ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ ـ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنُ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوانِ الله وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ الله فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ» [104].

 

8- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي مَحَبَّتِهِ [105]:

فَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَ الله فَنَسْأَلُهُ بَعْضَ الأَسْئِلَةِ وَمِنْ إِجَابَتِهِ عَلَيْهَا سَيَعْلَمُ الفَرْقَ بَيْنَ حُبِّ الله وَحُبِّ غَيْرِهِ.

• هَلْ عَلِمَ مَنْ تُحِبُّهُ أَنَّكَ تُحِبُّهُ وَكَمْ تُحِبُّهُ؟

• هَلْ إِذَا عَلِمَ مَحَبَّتَكَ لَهُ بَادَلَكَ المَحَبَّةَ وَأَحَبَّكَ هُوَ أَيْضًا؟

• هَلْ إِذَا أَحَبَّكَ مَنْ تُحِبُّ تَضْمَنُ ثَبَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ الحُبِّ وَأَلَّا يَتَقَلَّبَ عَلَيْكَ قَلْبُهُ وَيَتَحَوَّلَ عَنْكَ حُبُّهُ؟

• وَهَلْ إِذَا أَحَبَّكَ تَضْمَنُ أَلَّا يُنَافِسَكَ فِي مَحَبَّتِهِ غيرُكَ فَيَنْصَرِفَ عَنْكَ وَيَهْجُرَكَ؟

• وَإِذَا ضَمِنْتَ ذَلِكَ كُلَّهُ هَلْ تَضْمَنُ بَقَاءَهُ مَعَكَ لِتَنْعَمَ بِحُبِّهِ وَتَهْنَأَ بِقُرْبِهِ؟

 

الإِجَابَةُ عَنْ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ: (لَا).

 

فَلَا تَتَوَافَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ إِلَّا فِي حُبِّ الله وَحْدَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ:

1- فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَحَبَّتَكَ لَهُ وَكَمْ تُحِبُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فَإِنَّهُ يَعْلَمُهَا مِنْ قَلْبِكَ فَإِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.

 

2- وَلَا نَقُولُ أَنَّ اللهَ عز وجل يُبَادِلُ النَّاسَ المَحَبَّةَ، إِنَّمَا نَقُولُ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَحْبَابَهُ قَبْلَ حُبِّهِمْ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]، فَقَدَّمَ مَحَبَّتُهُ لَهُمْ عَلَى مَحَبَّتِهِمِ لَهُ.

 

3- وَحُبُّ الله لِلخَلْقِ لَا يُغَيِّرُهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ العَبْدُ مَا بِنَفْسِهِ تِجَاهَ رَبِّهِ فَيَنْقُضَ عَهْدَهُ وَيَتْرُكَ وُدَّهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53].

 

وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ كَانُوا عَلَى مَا يُغْضِبُ اللهَ فَتَحَوَّلُوا عَنْهُ إِلَى مَا يُرْضِيهِ إِلَّا حَوَّلَهُمُ اللهُ مِمَّا يُغْضِبُهُمْ إِلَى مَا يُرْضِيهِمْ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ كَانُوا عَلَى مَا يُرْضِي اللهَ عز وجل فَتَحَوَّلُوا عَنْهُ إِلَى مَا يُغْضِبُهُ إِلَّا حَوَّلَهُمُ اللهُ مِمَّا يُرْضِيهِمْ إِلَى مَا يُغْضِبُهُمْ».

 

4- وَكَثْرَةُ المُتَنَافِسِينَ عَلَى حُبِّ الله لَا تَزِيدُهُمْ عِنْدَهُ إِلَّا مَحَبَّةً لَهُمْ وَرِضًا عَنْهُمْ وَلَا يَشْغَلُهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ فَإِنَّ الطَّرِيقَ إِلَى الله يَتَّسِعُ لَهُمْ كُلَّمَا تَنَافَسُوا فِيهِ.

 

5- حُبُّ الله لِأَحْبَابِهِ بَاقٍ لَا يَفْنَى إِذَا مَاتُوا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي القَبْرِ وَفِي الدَّارِ الآخِرَةِ، فَقَدْ قَالَ جِبْرِيلُ؛ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ» [106].

 

وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:

وَمَنْ كَانَتْ لِغَيْرِ الله خُلَّتُهُ
فَخَلِيلُهُ مِنْهُ عَلَى خَطَرِ

 

عَاشِرًا: دُعَاءُ الله بِاسْمِهِ (الوَدُودِ) جلال جلاله:

فَإِنَّ الحُبَّ وَحْيٌّ وَإِلْهَامٌ لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ أَرَادَهُ عَلَى الحَقِيقَةِ سَأَلَ اللهَ عز وجل أَنْ يَرْزُقَهُ إِيَّاهُ.

 

فَقَدْ عَلَّمَ اللهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْأَلَهُ حُبَّه وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّهُ، فَعَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ ت، قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ» [107].

 

أَحَبُّ الكَلامِ إِلَى الله وَرَسُولِهِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله العَظِيمِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العَظِيمِ» [108].

 

2- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلَامِ إِلَى الله؟ إِنَّ أَحَبَّ الكَلَامِ إِلَى الله: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ» [109].



[1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

[2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك.

[3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ».

وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً».

[4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصلاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ».

ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه».

[5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ».

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَى كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا».

[6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ.

[7] مسلم (2552).

[8] أخرجه البخاري (3209)، ومسلم (2637).

[9] جلاء الأفهام (315).

[10] الكتاب الأسنى (ورقة 383 أ).

[11] المفردات (ص: 516).

[12] النهج الأسمى (1/ 420-429).

[13] جامع البيان (12/ 64).

[14] المصدر السابق (30/ 89)، ونقل معناه ابن كثير (4/ 496).

[15] النونية (2/ 230)، وقوله: يحب شكورهم... إلخ. الأول بفتح الشين اسم فاعل من شكر يشكر فهو شكور، والثاني بضم الشين مصدر (الشارح).

[16] تيسير الكريم (5/ 302).

[17] الكتاب الأسنى (ورقة 384 ب).

[18] أخرجه البخاري (6/ 303) (13/ 461) (2970، 5580، 6931)، ومسلم (4/ 2030).

[19] درء تعارض العقل والنقل (4/ 15).

[20] أخرجه البخاري (6021).

[21] البخاري في مواضع ؛ منها: (3 / 219)، ومسلم (4/ 2047).

[22] مسلم (4/ 2197)، ومعنى فاجتالتهم: استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه.

[23] صحيح: رواه البخاري (16)، ومسلم (43).

[24] درء تعارض العقل والنقل (9/ 374-376).

[25] أخرجه عبد الله في السنة (1/ 263) (2/ 471)، والآجري في الشريعة (ص: 253) وفيه عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد، قال يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: تركوه، الميزان (2/ 672-673).

[26] رواه مسلم (1/ 393) عن عائشة ل.

[27] درء تعارض العقل والنقل (6/ 72-73).

[28] صحيح: أخرجه مسلم (532) في المساجد، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور، من حديث جندب ت.

[29] صحيح: وهو جزء مما قبله، وهو في الصحيحين أيضًا من غير هذا الطريق، وانظر ما بعد.

[30] صحيح: أخرجه ابن ماجه (93) في المقدمة، باب: في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه: صحيح.

[31] روضة المحبين (ص: 46).

[32] الحديث أخرجه الترمذي (3886) في المناقب، باب: فضل عائشة ل.

[33] صحيح: وقد تقدم.

[34] صحيح: وقد تقدم.

[35] روضة المحبين (ص: 46).

[36] النور الأسنى للأنصاري (1/ 195-225).

[37] رواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2414).

[38] رواه البخاري (2679)، ومسلم (2428).

[39] رواه البخاري (867).

[40] صحيح: رواه البخاري (16)، ومسلم (43).

[41] أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599)، من حديث النعمان بن بشير، ب.

[42] المحنة: الاختبار والامتحان.

[43] أخرجه مسلم (1015) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[44] حسن: رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود، وحسنه الألباني في الصحيحة (2342).

[45] أخرجه النسائي (1304، 1305) من حديث عمار ت.

[46] أخرجه مسلم (898) من حديث أنس ت.

[47] سبق تخريجه.

[48] صحيح: رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس، والطيالسي، والحاكم، والطبراني في الكبير والأوسط عن ابن مسعود، وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن نصر عن البراء، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4312).

[49] صحيح: رواه أبو داود في الضياء المختارة عن أبي أمامة، وصححه الألباني في الصحيحة (380)، وصحيح الجامع (5965).

[50] صحيح: رواه البخاري في الأدب المفرد عن أنس، وصححه الألباني في الصحيحة (637)، وصحيح الجامع (5603).

[51] رواه أحمد، وأبو يعلى بإسناد حسن.

[52] صحيح البخاري (14) (1/ 58).

[53] رواه مسلم.

[54] متفق عليه.

[55] متفق عليه.

[56] رواه مسلم.

[57] رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

[58] حديث حسن: أخرجه ابن ماجه.

[59] صحيح: أخرجه أحمد (16/ 8473).

[60] أخرجه أحمد (3/ 128، 199)، والنسائي (3949)، والحاكم (2/ 160)، من حديث أنس ت، وقال الحافظ: إسناده حسن، وانظر: التلخيص الحبير (3/ 116)، وصحيح سنن النسائي (3680).

[61] أخرجه أحمد (5/ 364)، وأبو داود (4985)، وانظر: صحيح سنن أبي داود (4171).

[62] أخرجه البخاري (1130، 4837)، ومسلم (2819، 2820)، من حديث المغيرة وعائشة ب.

[63] أخرجه البخاري (676) من حديث عائشة ل.

[64] صحيح: رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وابن حبان، وصححه الألباني.

[65] حسن: رواه ابن حبان، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (165).

[66] رواه مسلم، والترمذي.

المفردون: الذين ذهب القرن الذي كانوا فيه وبقوا هم يذكرون الله، قال ابن الأعرابي: «فرَّد الرجل إذا تفقَّه واعتزل الناس بمراعاة الأمر والنهي».

[67] حسن: رواه أحمد عن أبي سعيد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2543).

[68] متفق عليه.

[69] حسن: رواه ابن السني، وأبو نعيم في الحلية عن عمرو بن عبسة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5599).

[70] رواه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه.

[71] رواه البخاري، والنسائي، ومالك، وأحمد، وأبو داود، والطحاوي عن عائشة ل.

[72] إسناده صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 500).

[73] رواه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة (3654-7/ 12).

[74] تقدم تخريجه.

[75] رواه البخاري.

[76] رواه أحمد في المسند عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس، وتفرد به أحمد.

[77] متفق عليه.

[78] رواه مسلم.

[79] رواه البخاري.

[80] متفق عليه، ومعنى «أَذِن الله» أي: استمع، وهو إشارة إلى الرضا والقبول.

[81] رواه البخاري (11/ 347، 348) (7375).

[82] رواه أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4331)، وتخريج المشكاة (5011).

[83] أخرجه أحمد، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك وصححه عن عبادة بن الصامت، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4321).

[84] رواه أحمد، ومسلم عن أبي هريرة ت.

[85] متفق عليه.

[86] حديث حسن: رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة، قال الألباني: يتقوى الحديث بغير طريقه وبشواهد خرجتها في الصحيحة (944).

[87] رواه مسلم.

[88] أخرجه البخاري (6464)، ومسلم (783) من حديث عائشة ل.

[89] رواه مسلم: عن سعد بن أبي وقاص ت، والمراد بـ (الغِنَى) غِنَى النفس.

[90] أخرجه أحمد (1/ 387)، والحاكم (2/ 447)، وصحح الحاكم رفعه، وصحح الدارقطني الوقف.

[91] رواه البخاري (11/ 341) مع الفتح.

[92] صحيح: رواه البخاري (7544)، ومسلم (792).

[93] انظر: تفسير ابن كثير (4/ 175).

[94] ابن كثير (3/ 313).

[95] رواه البخاري.

[96] من كتاب: البحر الرائق للشيخ أحمد فريد.

[97] متفق عليه.

[98] رواه مسلم.

[99] رواه مسلم (16/ 205، 206 – القدر).

[100] متفق عليه، مُرجَّل: أي مُمَشَّط، يتجلجل: أي يغوص وينزل.

[101] رواه البخاري (6/ 13) الجهاد، ومسلم (13/ 27) الإمارة.

[102] متفق عليه.

[103] انظر كتاب: الجزاء من جنس العمل (2/ 42، 43) بتصرف.

[104] رواه البخاري (11/ 357).

[105] انظر: معنى محبة العبد لربه ومعنى محبة الله لعباده المؤمنين.

[106] أخرجه الطبراني في الأوسط (4278)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 431): إسناده حسن.

[107] أخرجه الترمذي (55/ 3235)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل ـ وهو الإمام البخاري ـ عن هذا الحديث فقال: حديث حسن صحيح.

[108] متفق عليه.

[109] رواه مسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التواب جل جلاله
  • الحيي جل جلاله
  • المجيد جل جلاله
  • السبوح القدوس جل جلاله
  • السيد جل جلاله

مختارات من الشبكة

  • إنه العظيم جل جلاله - انتبه الأمر جلل - (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تأملات إيمانية في اسم الودود (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الودود سبحانه يتودد إلينا وهو غني عنا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • من أسمائه تعالى: (الودود)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • فتح الودود في التحكم في جنس المولود (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المغيث الودود(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (الودود)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما يحبه غير المؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم ادعاء بنوة الله أو محبته جل جلاله وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب