• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نهاية عام وبداية عام (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    التواصل العلمي الموضوعي بين الصحابة: عائشة وأبو ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    راحة القلب في ترك ما لا يعنيك
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    الإلحاد
    د. عالية حسن عمر العمودي
  •  
    يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الإسلام يدعو إلى العدل
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    من مائدة التفسير سورة قريش
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    عناية النبي - صلى الله عليه وسلم- بحفظ القرآن ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    خطبة: فوائد الأذكار لأولادنا
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    إمامة الطفل بالكبار
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    القران الكريم في أيدينا، فليكن في القلوب
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    مقام العبودية الحقة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    الصدقات والطاعات سبب السعادة في الدنيا والآخرة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الخشوع المتخيل! الخشوع بين الأسطورة والواقع
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    الانقياد لأوامر الشرع (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    الوقت في الكتاب والسنة ومكانته وحفظه وإدارته ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة الانفطار

تفسير سورة الانفطار
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/11/2024 ميلادي - 15/5/1446 هجري

الزيارات: 1202

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ الِانْفِطَارِ

 

سُورَةُ (الانْفِطَارِ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِالإِجْمَاعِ[1]، وَآيُهَا تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً.

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمائِها: سُورَةُ (الاِنْفِطَارِ)، وَسُورَةُ (انْفَطَرَتْ)، وَسُورَةُ (الْمُنْفَطِرَة)[2].

 

الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:

يُمْكِنُ إِجْمَالُ مَقَاصِدِ السُّوْرَةِ فِيْ الْآتِيْ[3]:

• بَيَانُ حَالِ السَّمَاءِ وَنُجُومِهَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ.

 

• ذِكْرُ غَفْلَةِ الإِنْسَانِ وَاغْتِرارِهِ بِنَفْسِهِ.

 

• الإِشَادَةُ بِدَوْرِ الْمَلَائِكَةِ الْمُوكَّلينَ بِمَا يَصْدُرُ مِنَ اللِّسانِ وَالْأَرْكانِ.

 

• انْقِسَامُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِلى فَريقَيْنِ: فَريقٍ في الْجَنَّةِ، وَفَريقٍ في السَّعيرِ.

 

• بَيَانُ أَنَّ الأَمْرَ يَوْمَ القِيَامَةِ كُلُّهُ بِيَدِ اللهِ.

 

مِنْ فَضاْئِلِ السُّورَةِ:

وَرَدَ في هَذِهِ السُّورَةِ: أَنَّها تُذَكِّرُ الْمُسْلِمَ بِمَا يَحْصُلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ وَتَغَيُّراتٍ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾، و﴿ إِذَا السَّمَاء انفَطَرَت ﴾، و﴿ إِذَا السَّمَاء انشَقَّت ﴾»[4].

 

شَرْحُ الْآيَاتِ:

قَوْلُهُ: ﴿ إِذَا السَّمَاء انفَطَرَت ﴾، أَيْ: انْشَقَّتْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ [سورة المزمل:18][5].

 

قَوْلُهُ:﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَت ﴾، أَيْ: تَسَاقَطَتْ مُتَفَرِّقَةً[6].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَت ﴾، أَيْ: اخْتَلَطَ بَعْضُها بِبَعْضٍ، فَصَارَ الْكُلُّ بَحْرًا وَاحِدًا[7].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَت ﴾، أَيْ: قُلِبَ تُرَابُها وَأُخْرِجَ مَوْتَاهَا[8].

 

قَوْلُهُ:﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت ﴾، أي: ما قدَّمتْ مِنْ عَمَلٍ، وَمَا أخَّرَتْ مِنْهُ فَلَمْ تَعْمَلْهُ، كَما قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّر ﴾ [سورة القيامة:13]، وهذه الآية -قوله تعالى: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت ﴾-: جَوَابُ: ﴿ إِذَا السَّمَاء انفَطَرَت ﴾[9].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم ﴾، الْمُرَادُ بِالإِنْسانِ هُنَا: الْكَافِرُ، والمعنى: أَيُّ شَيْءٍ خَدَعَكَ وَجَرَّأكَ عَلَى الْكُفْرِ بِرَبِّكَ الَّذي تَفَضَّلَ عَلَيْكَ بأَنْواعٍ مِنَ النِّعَمِ.

 

وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى في آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ الَّذِيْ غَرَّهُ هُوَ الشَّيْطانُ فَقالَ: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُور * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير ﴾[سورة فاطر:5-6][10].

 

قَوْلُهُ: ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك ﴾، هنا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنَ النِّعَمِ الَّتي تَفَضَّلَ بِها عَلَى الإِنْسَانِ، فَقَالَ: (الذِيْ خَلَقَكَ) مِنْ نُطْفَةٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، ثم (سَوَّاكَ) وجَعَلَكَ مُسْتَوِيَ الْخِلْقَةِ، وَسَالِمَ الْأَعْضَاءِ، وَحَسَنَ الصُّورَةِ، (فَعَدَلَكَ) وَجَعَلَكَ مُعْتَدِلَ الخَلْقِ مُتَنَاسِبَ الأَعْضَاءِ، فَلَيْسَتْ يَدٌ أوْ رِجْلٌ أطْوَلَ مِنَ الأُخْرَى[11].

 

قَوْلُهُ: ﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَك ﴾، أَيْ: رَكَّبَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَهَا، وَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ في أَحْسَنِ صُورَةٍ، كَمَا قالَ تَعَالَى: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِير ﴾ [سورة التغابن:3]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم ﴾ [سورة التين:4][12].

 

قَوْلُهُ: ﴿ كَلاَّ ﴾ فِيهَا مَعْنَى الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنِ الِاغْتِرارِ بِكَرَمِ اللَّهِ بِتَزْيينِ الشَّيْطَانِ، ﴿ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّين ﴾، أَيْ: بِالْبَعْثِ وَالْحِسابِ وَالْجزاءِ عَلَى الْأَعْمالِ[13].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين ﴾، أَيْ: إِنَّ الَمَلائِكَةَ رُقَباءَ يَحْفَظُونَ أَعْمالَكُمْ، لَا يَفُوتُ مِنْهَا شَيْءٌ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظ ﴾ [سورة الطارق:4][14].

 

قَوْلُهُ: ﴿ كِرَامًا كَاتِبِين ﴾، أَيْ: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ مَلائِكَةً كِرَامًا عَلَى اللهِ تَعَالَى، أَصْحَابَ مَنْزِلَةٍ رَفيعَةٍ، وَمَكانَةٍ عَظيمَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ كِرَامٍ بَرَرَة ﴾، (كَاتِبِيْن): يَكْتُبونَ أَقْوالَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ﴾[سورة ق:18][15].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون ﴾، أَيْ: لَا يَخْفى عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَعْمالِكُمْ وَأَقْوالِكُمْ[16].

 

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ ﴾، وَهُمُ الْقَائِمُونَ بِحُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، ﴿ لَفِي نَعِيم ﴾، أي: فِيْ دُورِهِمُ الثَّلاثَةِ: دَارِ الدُّنْيا وَدَارِ البَرْزَخِ وَدَارِ القَرَارِ، وَإنْ كَانَ تَمَامُهُ وَكَمالُهُ وَظُهُورُهُ إنَّما هُوَ فِي دَارِ الْقَرَارِ[17].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ ﴾: ضِدُّ الْأَبْرارِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَصَّرُوا في حُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، ﴿ لَفِي جَحِيم ﴾، أَيْ: في دُورِهِمُ الثَّلاثَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا[18].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَصْلَوْنَهَا ﴾، أَيْ: يَدْخُلُونَها وَيُقَاسُونَ حَرَّهَا، ﴿ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّين ﴾، أَيْ: يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الجَزاءِ عَلَى الْعَمَلِ[19].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا هُمْ عَنْهَا ﴾، أَيْ: عَنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، ﴿ بِغَائِبِين ﴾، أَيْ: بِمُخْرَجِينَ؛ لِخُلُودِهِمْ فِيها -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-، كَما قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار ﴾ [سورة البقرة:167][20].

 

قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ ﴾، أَيْ: وَمَا أَعْلَمَكَ، ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّين ﴾، أَيْ: مَا يَوْمُ الجَزاءِ وَالْحِسَابِ، وَما فِيهِ مِنْ أَهْوَالٍ.

 

قَوْلُهُ: ﴿ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّين ﴾، التَّكْرارُ يُفيدُ تَعْظِيمَ وَتَهْويلَ هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ تَصَوُّرِ الْعَقْلِ لِشِدَّةِ أهْوَالِهِ وَعَظِيمِ شَأْنِهِ[21].

 

قَوْلُهُ: ﴿ يَوْمَ[22] لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه ﴾، أَيْ: في ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى نَفْعِ أَحَدٍ، ﴿ وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه ﴾، أَيْ: وَحْدَهُ، لَا يُنازِعُهُ فيهِ غَيْرُهُ إِلا لِمَنْ يَأْذَنُ مِمَّنْ شاءَ مِنْ عِبادِهِ وَرُسُلِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ﴾ [سورة الفرقان:26]، فَتَضْمَحِلُّ جَمِيعُ الْمَمَالِكِ وَتَذْهَبُ جَمِيعُ الرِّياسَاتِ[23].

 

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

نِهَايَةُ الْكَوْنِ بِنِهَايَةِ عُمُرِ الدُّنْيَا:

في هَذِهِ السُّورَةِ ذِكْرٌ لِبَعْضِ الْمَشاهِدِ الْعَظيمَةِ الَّتِي وَرَدَ شَيْءٌ مِنْها في سورَةِ التَّكويرِ وَفي سُوَرٍ أُخْرى، وَتُفيدُ أَنَّهُ عِنْدَ نِهايَةِ عُمُرِ الُّدنْيا يَنْفَرِطُ عِقْدُ الْكَوْنِ، وَيَخْتَلُّ تَوازُنُهُ، وَيَذْهَبُ تَماسُكُهُ وَتَكامُلُهُ.


بَيَانُ الْمَقْصُودِ مِنْ ذِكْرِ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ:

في هَذِهِ السُّورَةِ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى:

أَمْرَيْنِ عُلْوِيَّيْنِ، وهُما: انْفِطارُ السَّمَاءِ، وَتَنَاثُرُ الْكَوَاكِبِ.


• وَأَمْرَينِ أَرْضِيَّيْنِ، وَهُمَا: انْفِجَارُ الْبِحَارِ، وَتَبَعْثُرُ الْقُبورِ.


وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذلِكَ: الْعِظَةُ وَالاِعْتِبارُ، وَاسْتِيلَاءُ الْهَوْلِ عَلَى قَلْبِ الإِنْسَانِ؛ حَتَّى يَفْعَلَ ما أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى، وَيَتَجَنَّبَ مَا نَهاهُ الله تَعَالَى عَنْهُ[24].


تَقْرِيْرُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا:

فَالآيَاتُ الوَارِدَةُ في هَذِهِ السُّورَةِ تُؤَكِّدُ أَنَّ السَّاعَةَ آتيَةٌ لَا رَيْبَ فيهَا، وَأَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ سَيُسْأَلُ عَنْ أَعْمالِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ لِيَنَالَ جَزاءَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت ﴾ [سورة الانفطار:5][25].

 

تَحْذِيرُ الإِنْسَانِ مِنْ غُرُورِهِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم ﴾ [سورة الانفطار:6]: تَحْذيرٌ لِلْإنْسَانِ مِنْ غُرُورِهِ وَتَجُرُّئِهِ عَلَى عِصْيَانِ اللهِ تَعَالَى. قَالَ الْقَاسِمِيُّ رحمه الله: "﴿ يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم ﴾، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ خَدَعَكَ وَجَرَّأَكَ عَلَى عِصْيانِهِ، وَالاِنْحِرافِ عَنْ فِطْرَتِهِ، وَذَكَرَ (الْكَريمَ) لِلْمُبَالَغَةِ في الْمَنْعِ عَنِ الاْغْتِرارِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ الْكَامِلِ في نُعُوتِهِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَجَديرٌ بِأَنْ يُرْهَبَ عِقَابُهُ وَيُخْشَى انْتِقَامُهُ وَعَذَابُهُ؛ لَا سِيَمَا وَلَهُ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ وَالقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ مَا يَزِيدُ في الرَّهْبَةِ"[26].

 

وُجُوبُ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَك ﴾: أَنَّ مِنْ كَرَمِ اللهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ سَوَّى خَلْقَهُ وَحَسَّنَ صُورَتَهُ، فَجَعَلَهَا فِي أَحْسَنِ خِلْقَةٍ وَأَفْضَلِ صُورَةٍ، مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ اللهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَلا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَجْحَدَ إِحْسَانَ الْمُحْسِنِ، أَوْ أَنْ يَكْفُرَ نِعْمَةَ الْمُنْعِمِ. يَقولُ السَّعْدِيُّ رحمه الله: "أَلَيْسَ اللهُ هُوَ ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ ﴾ في أَحْسَنِ تَقْويمٍ، ﴿ فَعَدَلَك ﴾ وَرَكَّبَكَ تَرْكيباً قَويماً مُعْتَدِلاً في أَحْسَنِ الْأَشْكَالِ، وَأَجْمَلِ الْهَيْئَاتِ، فَهَلْ يَلِيقُ بِكَ أَنْ تَكْفُرَ نِعْمَةَ الْمُنْعِمِ، أَوْ تَجْحَدَ إِحْسَانَ الْمُحْسِنِ؟ إِنْ هَذَا إِلَّا مِنْ جَهْلِكَ وَظُلْمِكَ وَعِنادِكَ وَغَشْمِكَ، فَاحْمَدِ اللهَ إِذْ لَمْ يَجْعَلْ صُورَتَكَ صُورَةَ كَلْبٍ أَوْ حِمارٍ أَوْ نَحْوِهمَا مِنَ الْحَيَواناتِ"[27].

 

قُدْرَةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى إِعَادَةِ الْخَلْقِ أَسْهَلُ مِنِ ابْتِدَائِهِ:

فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك ﴾ الْآيَةَ: إِشَارَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا قَادِرٌ عَلَيْهِ ثَانِيًا، بَلْ هُوَ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ﴾ [سورة الروم:27][28].

 

التَّكْذِيبُ بِالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ سَبَبُ الْكُفْرِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّين ﴾ [سورة الانفطار:9]: بَيانُ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي حَمَلَ الْكَافِرَ عَلَى الْكُفْرِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى هُوَ تَكْذيبُهُ بِالْمَعَادِ وَالْجَزاءِ وَالْحِسَابِ[29].

 

وُجُوبُ الاِسْتِحْيَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين * كِرَامًا كَاتِبِين * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون ﴾: أَنَّ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنَ الْمَلائِكَةِ، وَإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ يَسْتَحْيِي مِنَ الرَّجُلِ الْكَريمِ أَنْ يَعْمَلَ أَمَامَهُ عَمَلًا شَائِنًا، فَمَا بَالُكَ بِمَلَكٍ كَريمٍ يُسَجِّلُ عَلَيْكَ ما تَفْعَلُ، وَيَكْتُبُ حَسَنَاتِكَ وَسَيِّئَاتِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "...، وَقَدْ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين * كِرَامًا كَاتِبِين * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون ﴾[سورة الانفطار:10-12]، أَيْ: اسْتَحْيُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَافِظِينَ الْكِرَامِ، وَأَكْرِمُوهُمْ، وَأَجِلُّوهُمْ أَنْ يَرَوْا مِنْكُمْ مَا تَسْتَحْيُونَ أَنْ يَرَاكُمْ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ مِثْلُكُمْ، وَالْمَلَائِكَةُ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ، وَإِذَا كَانَ ابْنُ آدَمَ يَتَأَذَّى مِمَّنْ يَفْجُرُ وَيَعْصِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِأَذَى الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؟ -وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ-"[30].

 

حِفْظُ الْمَلَائِكَةِ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين * كِرَامًا كَاتِبِين * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون ﴾ [سورة الانفطار:10-12]: أَنَّ كُلَّ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْعَبْدِ مِنْ حَسَناتٍ أَوْ سَيِّئاتٍ وَأَقْوالٍ وَأَفْعالٍ.. تُسَجِّلُهُ مَلائِكَةٌ كِرامٌ مِنْ بِدَايَةِ حَيَاتِهِ إِلى نِهايَتِها؛ وَلِهَذا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى الَمَلَائِكَةَ بِأَنَّهُمْ حَفَظَةٌ؛ لِحِفْظِهِمْ لِكُلِّ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْعَبْدِ، فَلَا يُهْمِلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا أَوِ اعْتِقَادًا[31].

 

وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِعز وجل قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ؛ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً»[32].

 

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ: هَلْ يَكْتُبُ الْمَلائِكَةُ كُلَّ شَيءٍ يَصْدرُ عَنِ الإِنْسانِ، كَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالنَّوْمِ وَالْكَلامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ أَمْ أَنَّهُ لَا يُكْتَبُ إِلَّا مَا فِيهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ؟

 

قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمَيَّةَ رحمه الله: "وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسيرِ هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ؟ فَقَالَ مجاهِدٌ وَغَيْرُهُ: يَكْتُبانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ في مَرَضِهِ[33]، وَقالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَكْتُبانِ إِلَّا مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُؤْزَرُ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبانِ الْجميعَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ ﴾ [سورة ق:18] نَكِرَةٌ في الشَّرْطِ مُؤَكَّدَةٌ بِحَرِفِ (مِنْ)، فَهَذا يَعُمُّ كُلَّ قَوْلِهِ"[34].


إِثْبَاتُ الْإِيمَانِ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين * كِرَامًا كَاتِبِين * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون ﴾ [سورة الانفطار:10-12]: تَقْرِيْرُ الْإِيمَان بِوُجُودِ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، وَهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، ﴿ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون ﴾ [سورة التحريم:6].

 

وَهُمْ قوىً رُوحِيَّةٌ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ كَجِبْريلَعليه السلام، وَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَمِنْهُمُ الْمُكَلَّفُ بِالرِّياحِ وَالْأمْطارِ وَالْخِصبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْفُخُ في الصُّورِ وَهُوَ إِسْرافِيلُعليه السلام.

 

وَلِلْملَائِكَةِ قُوَّةٌ فَوْقَ قُوَّةِ الْبَشَرِ، وَقُدْرَةٌ عَلَى تَنْفيذِ مَا وُكِّلُوا بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ.

 

الأَبْرَارُ في نَعِيمٍ دَائِمٍ:

في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيم ﴾ [سورة الانفطار:13]: أَنَّ الأَبْرَارَ في نَعيمٍ دَائِمٍ، وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِيَوْمِ الْمَعَادِ فَقَطْ[35]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "وَأيُّ لَذَّةٍ ونَعِيمٍ في الدُّنْيا أطْيَبُ مِن بِرِّ القَلْبِ، وسَلامَةِ الصَّدْرِ، ومَعْرِفَةِ الرَّبِّ F ومَحَبَّتِهِ، والعَمَلِ عَلَى مُوافَقَتِهِ؟ وَهَلِ الْعَيْشُ في الْحَقِيقَةِ إلَّا عَيْشُ القَلْبِ السَّلِيمِ؟ وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عز وجل عَلَى خَلِيلِهِعليه السلام بِسَلَامَةِ قَلْبِهِ، فَقَالَ: ﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيم * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم ﴾ [سورة الصافات:83-84][36].

 

بَيَانُ أَنَّ الْبِرَّ سَبَبٌ لِلنَّعِيمِ، وَالْفُجُورَ سَبُبٌ لِلْجَحِيمِ:

في قَوْلِهِ تَعَالَى::﴿ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيم * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم ﴾أَنَّ الْبِرَّ سَبَبٌ لِلنَّعيمِ، وأَنَّ الفُجُورَ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- سَبَبٌ لِلْجَحيمِ [37]. وَقدْ في حَديثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ I قالَ: قالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجنة... وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ»[38].

 

الْفُجَّارُ فِي عَذَابٍ دَائِمٍ مُخَلَّديِنَ فِيهِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم ﴾ [سورة الانفطار:14]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِين ﴾ [سورة الانفطار:16]: أَنَّ الْفُجَّارَ في جَحِيمٍ وَعَذَابٍ دائِمٍ[39]، وَلَيْسَ أَيْضًا مُخْتَصًّا بِيَوْمِ الْمَعَادِ فَقَطْ، بَلْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَيْضًا -وَالعِيَاذُ باللهِ-. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "وَهَلِ العَذَابُ إلّا عَذَابُ الْقَلْبِ؟ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْخَوْفِ وَالْهَمِّ وَالْحُزْنِ، وَضِيقِ الصَّدْرِ، وَإِعْرَاضِهِ عَنِ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَعَلُّقِهِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَانْقِطَاعِهِ عَنِ اللَّهِ، بِكُلِّ وَادٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ؟وَكُلُّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ وَأَحَبَّهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإنَّهُ يَسُومُهُ سُوءَ الْعَذَابِ"[40].

 

حَثُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ لِيَوْمٍ لَا يَنْفَعُهُ أَحَدٌ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ﴾ [سورة الانفطار:19]: حَثٌّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْمَلَ الصَّالِحَاتِ، وَيُداوِمَ عَلَيْها، وَحَثٌّ لِلْعَاصِي أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ مِنَ الْمَعَاصِي. وَفي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظيمِ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شيْئًا، بَلِ الْكُلُّ مَشْغُولٌ بِأَمْرِ نَفْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ وَعَظَمَتِهِ، كَما قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه ﴾ [سورة عبس:37][41] ، وَكَمَا في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي، إِلَى أَنْ تَنْتَهْيَ إِلى النَّبِيّصلى الله عليه وسلم فَيَقولُ: «أَنَا لَهَا»[42] [43].

 

يَوْمَ الْقِيَامَةِ يكون الْأَمْرُ كُلُّهُ للهِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه ﴾ [سورة الانفطار:19]: أَنَّ الأمْرَ كُلَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَلا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ غَيْرُهُ كَائِنًا مَنْ كانَ، كما قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار ﴾[سورة غافر:16][44] ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ فِيهِ عَلَى نَفْعِ أَحَدٍ إِلَّا بِأَمْرِ اللهِ[45].

 

وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ: تَقْييدُ الْأَمْرِ بِالظَّرْفِ الْمَذْكورِ، وَلَكِنِ الْأَمْرُ لِلَّهِ في ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، كَما قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾[سورة الروم:4]،وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾[سورة الأعراف:54]، أَيْ: يَتَصَرَّفُ فِي خَلْقِهِ بِما يَشَاءُ مِنْ أَمْرِهِ، كَمَا لَا يُشْرِكُهُ أَحَدٌ في خَلْقِهِ، لَكِنْ جَاءَ الظَّرْفُ هُنَا لِزِيَادَةِ تَأْكِيدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ في الدُّنْيَا لِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضُ الْأَوامِرِ، وَلَكِنْ في هَذَا الْيَوْمِ الْعَظيم يَظْهَرُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ تَمَامَ الظَهُورِ أنَّ الْأَمْرَ للهِ وَحْدَهُ[46].



[1] ينظر: تفسير الطبري (24/ 174)، تفسير ابن عطية (5/ 446).

[2] ينظر: تفسير الألوسي (15/ 267).

[3] ينظر: بصائر ذوي التمييز (ص505).

[4] سبق تخريجه.

[5] ينظر: تفسير الطبري (24/ 174)، تفسير البغوي (8/ 352).

[6] ينظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 295)، تفسير النسفي (3/ 610).

[7] ينظر: تفسير السمعاني (6/ 172)، تفسير البغوي (8/ 352).

[8] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 292)، تفسير أبي السعود (9/ 120).

[9] ينظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 295)، تفسير البيضاوي (5/ 292).

[10] ينظر: تفسير الطبري (24/ 177)، معاني القرآن للزجاج (5/ 295)، تفسير البيضاوي (5/ 292).

[11] ينظر: تفسير السمعاني (6/ 174)، تفسير ابن كثير (8/ 342)، فتح القدير (5/ 479).

[12] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 292)، تفسير أبي السعود (9/ 121).

[13] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 292)، التحرير والتنوير (30/ 178).

[14] ينظر: تفسير الطبري (24/ 271)، تفسير البغوي (8/ 357).

[15] ينظر: تفسير البغوي (8/ 357).

[16] ينظر: تفسير النسفي (3/ 611).

[17] ينظر: تفسير السعدي (ص914).

[18] ينظر: تفسير السعدي (ص914).

[19] ينظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 296)، تفسير القرطبي (19/ 249)، تفسير البيضاوي (5/ 293).

[20] ينظر: تفسير الطبري (24/ 182).

[21] ينظر: تفسير النسفي (3/ 612)، تفسير أبي السعود (9/ 122)، فتح القدير (5/ 480).

[22] (يومَ) بالنصب مفعولٌ به لفعل محذوف تقديره: اذكر، ورَفَعَ ابْنُ كَثِيرٍ وأبو عمرو (يَوْمٌ) عَلَى البَدَلِ مِن يَوْمِ الدِّينِ، أوِ الخَبَرِ المَحْذُوفِ. ينظر: تفسير الألوسي (15/ 271).

[23] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 345).

[24] ينظر: تفسير الرازي (31/ 73).

[25] ينظر: تفسير الطبري (24/ 177).

[26] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 423).

[27] تفسير السعدي (ص914).

[28] ينظر: تفسير القاسمي (15/ 269).

[29] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 344).

[30] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 344)، الجواب الكافي لابن القيم (ص108).

[31] ينظر: شرح الطحاوية (ص382).

[32] أخرجه البخاري (6491) واللفظ له، ومسلم (131).

[33] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10830).

[34] مجموع الفتاوى (7/ 49).

[35] ينظر: تفسير الطبري (24/ 212).

[36] الجواب الكافي (ص121).

[37] ينظر: معالم السنن للخطابي (4/ 133).

[38] أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607).

[39] ينظر: تفسير النسفي (3/ 612)، أضواء البيان (8/ 451).

[40] الجواب الكافي (ص76).

[41] ينظر: تفسير المراغي (30/ 70).

[42] أخرجه البخاري (7510)، ومسلم (193).

[43] ينظر: أضواء البيان (8/ 452).

[44] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 345).

[45] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 345).

[46] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (4/ 439).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دلالات تربوية على سورة الانفطار
  • تأملات في سورة الانفطار
  • إعراب سورة الانفطار
  • تفسير سورة الانفطار للناشئين
  • مشاهد من سورة الانفطار المكية...
  • تفسير سورة المطففين
  • تفسير سورة الانفطار

مختارات من الشبكة

  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/12/1446هـ - الساعة: 15:51
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب