• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير قوله تعالى: { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات... }

تفسير قوله تعالى: { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات... }
سعيد مصطفى دياب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/9/2024 ميلادي - 21/3/1446 هجري

الزيارات: 1610

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى:

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ... ﴾

 

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97].

 

لَمَّا أثنى الله تعالى على إِبْرَاهِيمَ عليه السلام في الآية السابقة، وأمَرَ باتِّبَاعِ مِلَّتهِ، أخبرَ في هذه الآيةِ أَنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ عامةً لصلاتهم وطوافهم واعتكافهم ونُسُكِهم وعِبَادَتِهِمْ - هو البيت الَّذِي بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه السلام بمكة، فكان إخبار الله تعالى بذلك بمثابة العلة للأمر باتباع ملته، فيكون معنى الكلام اتبعوا ملة إبراهيم، فإِنَّه أولُ من بنى للهِ تعالى بيتًا مباركًا.

 

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ﴾.

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ بُنِيَ في الأرضِ مُبَارَكًا لعبادة الله تعالى ذلك الْبَيْتُ الَّذِي بِنَاءَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدِهِ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، فليست الأولية هنا مطلقةً، بل مقيدة بكونه أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لعبادةِ اللهِ وحدَهُ وبكونه مُبَارَكًا، بخلافِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أولُ بَيْتٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا.

 

قَالَ خَالِدُ بْنُ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقِيلَ لَهُ: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ﴾، هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ كَانَ فِي الْأَرْضِ؟

 

قَالَ: «لَا» قَالَ: فَأَيْنَ كَانَ قَوْمُ نُوحٍ؟ وَأَيْنَ كَانَ قَوْمُ هُودٍ؟ قَالَ: «وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى»[1].

 

﴿ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ﴾، قَالَ مُجَاهِدٌ: بَكَّةُ هِيَ مَكَّةُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: بَكَّةُ الْمَسْجِدُ، وَمَكَّةُ الْحَرَمُ كُلُّهُ، تَدْخُلُ فِيهِ الْبُيُوتُ.

 

وَسُمِّيَتْ بَكَّةَ لِازْدِحَامِ النَّاسِ فِي مَوْضِعِ طَوَافِهِمْ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَدُقُّ رِقَابَ الْجَبَابِرَةِ إِذَا أَلْحَدُوا فِيهَا بِظُلْمٍ، وَالْبَكُّ دَقُّ الْعُنُقِ.

 

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ»[2].

 

﴿ وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾؛ لِأَنَّهُ قِبْلَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وهو مصدرُ الهدايةِ والنورِ للناسِ جميعًا لما فِيهِ من الآيَاتِ البَيِّنَاتِ.

 

﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ﴾: فِيهِ دَلَائِلٌ واضحاتٌ، وَعَلَامَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لَا تَخْفَى على حُرْمَتِهِ، وشرفِهِ، وعظيمِ منزلتِهِ.

 

﴿ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾: من هذه الآيَاتِ البَيِّنَاتِ: مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ حين ارتفعَ البناءُ، فظهرَ أثرُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَامِ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَثَرُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَامِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ.

 

وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:

ومَوْطئ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبةٌ
عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ ناعلِ

﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾: كَانَ الْخَائِفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا دَخَلَ حَرَمَ مَكَّةَ أَمِنَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ؛ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْتُل فيَضَع فِي عُنُقِه صوفَة وَيَدْخُلُ الْحَرَمَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ الْمَقْتُولِ فَلَا يُهَيِّجْهُ حَتَّى يَخْرُجَ.

 

والْمَعْنَى: وَمِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ أَمْنْ دَاخِلِهِ.

 

وَقد امتن الله تعالى على أهل مكة بأنه آمَنَهُمْ مِنْ الخَوْفِ، وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 67]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4].

 

وَمن مظاهرِ الأَمِنِ بِمَكَّةَ وأسبابهِ تحريمُ حَمْلَ السِّلاحِ بها؛ فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "لَا يَحِلُّ لأحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ"[3].

 

قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾.

فرض اللَّهُ تَعَالَى على عباده الْحَجَّ في هذه الآية وَأَكَّدَهُ بِأَبْلَغِ أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ باللَّامِ التي تفيدُ الْإِيجَابَ وَالْإِلْزَامَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَلِلَّهِ ﴾، ثُمَّ أَكَّدَهُ بلفظ: (عَلَى) الَّتِي هِيَ مِنْ أَوْكَدِ أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ، فَإِذَا قَالَ أحدٌ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، فَقَدْ أَوْجَبَهُ على نفسه.

 

وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَجَّ بِأَبْلَغِ أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ تَأْكِيدًا لِحَقِّهِ وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ.

 

وَالْحَجُّ أَحَدُ أَرَكَانِ الْإِسْلَامِ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»[4].

 

وَلَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ"، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ»[5].

 

﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾: حدُّ الاستطاعة أَنْ يَكُونَ للْعَبْدِ ثَمَنُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ مع استطاعته البدنية؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُوجِبُ الحَجَّ؟ قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»[6]، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا إلا أن معناه صحَّ عن جمع من الصحابة والتابعين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.

 

اختلف العلماء هَل الْحَجُّ وَاجِب عَلَى الْفَوْر أَم عَلَى التَّرَاخِي؟

 

عَلَى قولين:

الأول: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَهو قَولُ أَبِي حَنِيفَة، وَمَالِكٍ، وأحمدَ.

 

واستدلوا بهذه الآية، وَبقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196].

 

وَبأنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْفَوْرِ.

 

واستدلوا بما رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ»[7]، وَفِي رِوَايَةِ: «فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ»[8].

 

والثاني: أنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي.

 

وَبهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، واحتجَّ بأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْحَجِّ، وَتَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ، لَا مُحَارِبًا، وَلَا مَشْغُولًا بِشَيْءٍ، وَتَخَلَّفَ أَكْثَرُ النَّاسِ قَادِرِينَ عَلَى الْحَجِّ.

 

وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ ثُمَّ فَعَلَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى، لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا لَهُ.

 

والراجح الأول لِما ذُكِرَ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ؛ لأَنَّهُ كَرِهَ رُؤْيَةَ الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً حَوْلَ الْبَيْتِ، فَأَخَّرَ الْحَجَّ حَتَّى بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُنَادِي أَنْ «لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ»[9].

 

﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾.

أي: مَنْ أَنْكَرَ الْحَجِّ، وَجَحَد وجوبَهُ، وَلَمْ يَرَ أَنَّ ذَلِكَ حَقًّا يَلزَمُهُ، فَقَدْ كَفَرَ باللهِ تعالى، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُ، وَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، لا ينتفعُ بطَاعَاتِ العِبَادِ، ولَا تَضُرُّهُ مَعَاصِيهِم، وعبّر سبحانه عن ترك الحج بالكفر تغليظًا على تاركه، وإيذانًا بشدةِ غضبه عليه.

 

وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾».[10]

 

وهذا الحديث وإن كان ضعيفَ السندِ إلا أنَّه صحيحُ المعنى، وقد صحَّ هذا المعنى عن جماعة من الصَّحَابةِ والتَّابعِينَ؛ منهم ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ الْحَسَنُ وَغَيْرُهم، قَالَوا: مَنْ جَحَد فَرِيضَةَ الْحَجِّ فَقَدْ كَفَرَ.

 

الأَسَالِيبُ البَلَاغِيةُ:

في الآية جملة من الأساليب البلاغية جمعها أبو السعود فقال: ولقد حازت الآية الكريمة من فنون الاعتبارات المعربة عن كمال الاعتناء بأمر الحج، والتشديد على تاركه مالا مزيد عليه، حيث أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقيق، وأبرزت في صورة الجملة الاسمية الدالة على الثبات والاستمرار، على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه في ذمم الناس، لا انفكاك لهم عن أدائة، والخروج عن عهدته، وسلك بهم مسلك التعميم ثم التخصيص، والإبهام ثم التبيين، والإجمال ثم التفصيل؛ لما في ذلك من مزيد تحقيق وتقرير، وعبر عن تركه بالكفر الذي لا قبيح وراءه، وجعل جزاءه استغنائه تعالى المؤذن بشدة المقت، وعظم السخط، لا عن تاركه فقط، فإنه قد ضرب عنه صفحًا إسقاطًا له عن درجة الاعتبار، واستهجانا بذكره، بل عن جميع العالمين ممن فعل وترك، ليدل على نهاية شدة الغضب.[11]



[1] تفسير الطبري (5/ 590).

[2] رواه البخاري- كِتَابُ أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ، بَابٌ، حديث رقم: 3366، ومسلم- كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ، حديث رقم: 520.

[3] رَوَاهُ مُسْلِمٌ- كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ حَمْلِ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ بِلَا حَاجَةٍ، حديث رقم: 1356.

[4] رواه البخاري- كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»، حديث رقم: 8، ومسلم- كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابُ قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، حديث رقم: 16.

[5] رواه مسلم- كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَرْضِ الْحَجِّ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ، حديث رقم: 1337.

[6] رواه الترمذي- أَبْوَابُ الحَجِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي إِيجَابِ الحَجِّ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، حديث رقم: 813، وابن ماجه- كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ مَا يُوجِبُ الْحَجَّ، حديث رقم: 2896، والدارقطني- كِتَابُ الْحَجِّ، حديث رقم: 2415، بسند ضعيف.

[7] رَوَاهُ أَحْمَدُ- حديث رقم: 1974، وَأَبُو دَاوُد- كِتَاب الْمَنَاسِكِ، بَابُ التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ، حديث رقم: 1732، وَابْنُ مَاجَهْ- كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ، حديث رقم: 2883، والحاكم- كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، حديث رقم: 1645، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بسند حسن.

[8] رَوَاهُ أَحْمَدُ- حديث رقم: 1834، وَابْنُ مَاجَهْ- كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ، حديث رقم: 2883، بسند حسن.

[9] رواه البخاري- كِتَابُ الحَجِّ، بَابُ لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلاَ يَحُجُّ مُشْرِكٌ، حديث رقم: 1622، ومسلم- كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ لَا يَحُجُّ الْبَيْتَ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَبَيَانُ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، حديث رقم: 1347، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

[10] رواه الترمذي- أَبْوَابُ الحَجِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِي تَرْكِ الحَجِّ، حديث رقم: 812، بسند ضعيف.

[11] تفسير أبي السعود (2/ 62).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قول الله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين)
  • تفسير قوله تعالى: { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون... }

مختارات من الشبكة

  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تحفة الأكياس في تفسير قوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب