• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة عشرة) الجهاد جهادان، بالقرآن وبالسنان

تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة عشرة) الجهاد جهادان، بالقرآن وبالسنان
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/7/2024 ميلادي - 6/1/1446 هجري

الزيارات: 1289

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة عشرة)


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.


الجهاد جهادان؛ بالقرآن، وبالسِّنَان:

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 111 - 122].


بُعِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم في أُمَّةٍ يغلُب عليها الجهل والأمية، ثقافتها بسيطة شفوية، لا تتعدى أدبياتها الشعر والنثر، وتصرفاتها صدى لحاجاتها الآنية في المأكل والمشرب والمنكح، وطموحها لا يتجاوز المفاخرة بين الأفراد والأسر والقبائل، وقد ساهم في تكوينها عاملُ الطبيعة مناخًا وموقعًا جغرافيًّا، وبيئة قاسية أضْفَتْ على الأخلاق والمعاملات طابعًا متماثلًا، يغلب عليه الجفاء والتقشف، والعنفوانية المزاجية الهوجاء، والعَفَوِيَّة والخشونة في التصرف، خاصة فيما يتعلق بحاجاتهم الحيوية كالماء والكلأ؛ إذ يتقاتل بنو الأب الواحد بشراسة وضراوة، أو عندما تُستثار فيهم العواطف وزوابع الأحقاد القبلية مجتمعة، فتنطلق غرائز الانتقام من عِقالها إلى حدٍّ قد يصل أكل لحم البشر؛ مثل ما ذكره ابن حزم[1] من أن الأحدب بن عمرو الباهلي أخذ عفاق بن مري من ربيعة فشواه وأكله، فقال فيه الراجز: "إن عفاقًا أكلته باهلة... تمششوا عظامه وكاهله... وتركوا أم عفاق ثاكلة".


هذه هي الأمة العربية التي تناولها الرسول صلى الله عليه وسلم بالتربية والتأهيل تعليمًا وتزكيةً، وترشيدًا وهدايةً إلى أشرف القيم، وأسمى الأهداف؛ بقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، وكما يشِبُّ أبناء الأسرة الواحدة عن الطَّوق؛ فيظهر فيهم البَرُّ والعاقُّ، والبخيل والكريم، والسفيه والرشيد، عبدأهوائه أو عبدالشيطان، أو عبدالله متبعُ رسولِه صلى الله عليه وسلم، شبَّ المجتمع المسلم، فظهر فيه ما صنَّفه الوحي الكريم منهم في سورة التوبة فيما بين الآية 90 والآية 110، أغلبيةً ثابتة، وأقلياتٍ في أمر مريج، مضطربة العقيدة والمواقف، أو ضعيفة الاستيعاب والإرادة، أو منافقة متآمرة لا ترُدُّ يدَ لامسٍ.


وإذ أرشد الحقُّ تعالى الطائفةَ المؤمنة الثابتة إلى ما ينبغي أن تعامِلَ به غيرَها من الطوائف داخل الصف، إعراضًا أو مقاطعة، أو نصحًا أو عزلًا، أو معاداة ومفاصلة، فبيَّن مهمتها الأولى في الحياة؛ وهي إعلاء شأن الدين، وإقامة دولته، وتثبيت دعائمه، وتأمين وجوده بين هذه العواصف الهوجاء من مكر أعدائه في الداخل يهودًا ونصارى، ومنافقين عربًا وأعرابًا، وتَنَمُّر أعدائه في الجوار، قيصريةً شمالًا في القسطنطينية ومستعمراتها بالشام وفلسطين، وكسرويةً شرقًا في فارس والعراق، فلم يكن خيرًا للصادقين في مواجهتهم وردِّ كيدهم وعدوانهم إلا ما هو أقوى وأجدى؛ وهو الجهاد القتالي الذي قد لا تترك الظروف لغيره مجالًا، مبتدئًا بتعريف حقيقته وفضله وعلو شأنه؛ وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة:111]، لا سيما وقد تدرَّج بهم الوحي برفْقٍ منذ الفترة المكية نحو هذا العطاء الجهادي، فلم يؤذَن لهم أول الأمر في مكة بقتال، وقيل لهم: كُفُّوا أيديَكم وأقيموا الصلاة، وبيَّن لهم أهمية الحديد وصناعة السيوف وامتلاكها؛ بقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25]، ثم أُذِن لُهم بالقتال دفاعًا عن أنفسهم، وحُرِّضوا عليه حين توفرت مبرراته، وملكوا في المدينة أدواته؛ بقوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39، 40]، فتردد بعضهم وجبَنُوا وعُوتبوا؛ بقوله تعالى فيهم: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77]، وقوله عز وجل مشجعًا على مواجهة حقيقة الموت مصيرًا محتومًا: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]، وعندما استأنسوا بالجهاد، وذاقوا حلاوة النصر وعزة الشهادة، فرضه عليهم؛ بقوله عز وجل: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وضرب لهم المثل بالأنبياء مقاتلين وقاتلين ومقتولين؛ بقوله عز وجل: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، ثم رقاهم بالتدريج درجة أعلى بوصفه جهادهم تجارةً مربحةً؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10، 11]، حتى إذا ما اجتازوا آخر اختبارِ جهادٍ قتالي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وتميزت معادنهم، واتضح عمق إيمان الصادقين فيهم، ومدى استفادتهم من صحبة نبيهم صلى الله عليه وسلم، واستعدادهم للصمود وبذل النفس والمال في سبيل الله، رقَّى عز وجل مشاعرهم الإيمانية وعلاقتهم بربهم عز وجل إلى مستوى أعلى، ومقام عنده أسمى، وجعلهم شركاء له في صفقة يُمَلِّكُهم بمقتضاها ما خلقه ووهبه لهم من أنفسهم، وما أعطاهم إياه من الأموال، ثم يشتري ذلك كله منهم بالجنة؛ وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111]، فاكتمل بهذه الآية الكريمة تصورهم الإيمانيُّ، واتخذ الجهاد في سبيل الله صِفَتَيْه؛ السلمية والقتالية، صفته السلمية بالقرآن وقد قام الإسلام بها أول الأمر؛ بقوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 1 – 5]، وقوله عز وجل: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وقوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، وقوله تعالى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]، وقوله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن: ((يَا عَلِيُّ، لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ عَلَى يَدِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ))، وصفته القتالية التي ليست مجرد قتل أو قتال أو بذل للنفس والمال لها أجرها، ولكنه علاقة رضية بين الخالق والمخلوق، خالق يملك الروح والجسد والمال، ويجعل ذلك كله ملكًا لعبده المؤمن المجاهد، ثم يشتريه منه بالجنة، وعبَّر عن قبوله ما يبذله المجاهدون من أنفسهم وأموالهم بالبيع والشراء، وعن الثمن بالجنة، وكيلا يلتبس معنى البيع منهم والشراء من ربهم فتَطيح به مقاصديات أهل التأويل والتبرير، والتحوير والتدوير؛ بيَّنه عز وجل بلفظ واضح غير مشترك وغير قابل للتأويل؛ فقال: ﴿ يُقَاتِلُونَ ﴾ [التوبة: 111]، عدوَّهم بالسيف وغيره قتالًا حقيقيًّا بكل مضامينه ونتائجه، ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111]؛ أي: لتكون كلمة الله وحدها هي العليا، لا يشركها فيه طلب مجد دنيوي أو معنوي، أو طلب غنيمة، أو علو في الأرض، وعبَّر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))، ﴿ فَيَقْتُلُونَ ﴾ [التوبة: 111]، مبنيًّا للمعلوم بفتحة على الياء وضمة على التاء؛ أي يقتلون عدوهم، ويكفيهم الله شره، ﴿ وَيُقْتَلُونَ ﴾ [التوبة: 111]، مبنيًّا للمجهول؛ أي: يُقتلون من قِبَلِ عدوِّهم فيدخلون الجنة، وهي قراءة الجمهور بتقديم الفاعل، خلافًا لقراءة حمزة والكسائي: ﴿ فيُقْتَلُونَ ﴾ [التوبة: 111]، بتقديم المفعول على الفاعل.


ثم أكَّد الحق تعالى وعده بالجنة؛ فقال: ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾ [التوبة: 111]؛ أي: وعدهم الله وعدًا ألزم نفسه فيه بالوفاء، ووثَّقه وحيًا، ﴿ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ﴾ [التوبة: 111]، فيما أنزل من التوراة على موسى عليه السلام قبل تحريفها، ومن الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام فأضاعه أهله، ومن القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المحفوظ دائمًا من الله؛ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، كل المسلمين أُمروا بالجهاد وَوُعدوا بالجنة إن قاموا به مخلِصين، ثم أكد الحق وعده ووفاءه مستنكرًا أن يكون غيره أوفى منه؛ فقال: ﴿ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111]؛ أي: لا أحد أوفى بعهده منه تعالى؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122]، وهنَّأ من بايع على الجهاد وبشره بالجنة؛ فقال لهم: ﴿ فَاسْتَبْشِرُوا ﴾ [التوبة: 111]، فافرحوا بما بشركم الله به من الجنة، ﴿ بِبَيْعِكُمُ ﴾ [التوبة: 111]، بمكاسب تجارتكم معه تعالى، ﴿ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ﴾ [التوبة: 111]، على أغلى المكاسب وأوفى الأرباح، ونِلْتُم به عزَّ الدنيا، ونعيم الآخرة جنة ونعيمًا ورضوانًا، ﴿ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]، وذلك أعظم فوز يناله المرء في حياته من الدنيا وفي الآخرة؛ قال عمر رضي الله عنه: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَايَعَكَ وَجَعَلَ الصَّفْقَتَيْنِ لَك"، وقال قتادة: "ثَامَنَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَغْلَى لَهُمْ"، وقال الحسن: "اسعَوا إِلَى بَيْعَةٍ ربيحة بايع اللَّهُ بها كُلَّ مُؤْمِنٍ".


ولأن هذا المقام الذي وعد الله به المجاهدين رفيعٌ عنده تعالى، والوعد منه أرفعُ وأشرف وأوفى وأعزُّ؛ ذَكَرَ سبحانه صفاتِ مَن يبلغه ومن يعينهم على بلوغه؛ فقال: إنهم هم ﴿ التَّائِبُونَ ﴾ [التوبة: 112]، عما ارتكبوه من الآثام، المستجيبون لأمره عز وجل إذ قال لهم: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، ثم قال: ﴿ الْعَابِدُونَ ﴾ [التوبة: 112]، وهم القائمون بحق عبادة الله إيمانًا به تعالى، وعملًا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعبادة المأمور به شرعًا هي العمل بما شرعه الله وأحبَّه، وأمر به ورضِيَه، والكف عن كل ما نهى عنه وحرمه، وصَونُ النفس والقلب عن الأهواء السائبة والنجاوَى الضالة؛ ثم قال: ﴿ الْحَامِدُونَ ﴾ [التوبة: 112]، ولا يحمَد الله حقَّ حمدِهِ إلا من عرف فضله تعالى عليه وعلى الخلق، وتدبَّر نعماءه ظاهرة وخفية، فحمِده بلسانه وجَنانه، وكفَّ عما يُغضبه وما لا يُرضيه، ثم قال: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾ [التوبة: 112]، في الأرض أقطارًا وشعابًا ووديانًا، وبين الناس شعوبًا وقبائلَ، دعاة إلى الله مبشرين بدينه؛ ثم قال: ﴿ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ﴾ [التوبة: 112]، أداءً للصلاة في وقتها، وعلى أرضى هيئاتها، ﴿ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [التوبة: 112]، ولا معروف أرضى لله تعالى مما شرعه في كتابه وسنة رسوله، ﴿ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 112]، ولا منكر أحقُّ بالنهي عنه من منكر خالف تشريعاته تعالى للناس، أو حرَّض على فساد في الأمة، أو مهَّد له، ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 112]، وحدود الله هي التي تمنع من الوقوع في الإثم، وتضبط حركة المؤمن، وتشمل العبادات والمعاملات في جميع المجالات؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، وهي خمسة أحكام: الواجب، والمندوب، والمحرَّم، والمكروه، والمباح؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]؛ أي: تلك هي الحدود الشرعية التي لا يجوز تجاوزها، أو الاعتداء عليها بتعطيلها، أو التحايل عليها، أو التلاعب بمدلولها، أو تبرير عدم العمل بها، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112]، الذين يحفظون هذه الحدود بالجزاء الحسن يوم القيامة.


ثم بنوعٍ من الالتفات إلى ما يعترض المرء في رعايته لحدود الله من الحرج، إذا تعارضت مع بعض العلاقات الإنسانية نسبًا وصهرًا وقربى، أو تقاليدَ وأعرافًا، تعزيةً لقريب كافر، أو وقوفًا على قبره، أو دعاء له، أو صلاة عليه، أو توارثًا معه، أو استغفارًا له؛ قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 113]، ليس لهم ولا يجوز لهم جميعًا، مهما كانت الظروف والملابسات، أن يسألوا المغفرة لمشركٍ خُتِمَ له بالكفر، ومات على شركه، أو مشرك حيٍّ متمسك بشركه، إلا أن تدعو له بالهداية إلى الإيمان والإسلام، ﴿ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ﴾ [التوبة: 113]، ذوي قرابة من النسب أو المصاهرة، أو العرق أو الطائفة، أو غيرها من القرابات الموروثة أو المستحدثة، ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، من بعدما ماتوا على الكفر، وتأكَّد استحقاقهم جهنمَ، هذا الحكم الشرعي لا يجوز تجاوزه أو تعطيله من قِبَلِ أيِّ مسلم، ولو كان نبيًّا مرسلًا، أو ملِكًا متوَّجًا، أو ذا شأن في المجتمع؛ ولذلك ضرب الحق تعالى لتثبيته وتأكيده المثل بإبراهيم عليه السلام، إذ استغفر لأبيه تحت ضغط عاطفة الأبوة؛ فقال: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ﴾ [التوبة: 114]؛ أي: إلا لأنه وعده بالاستغفار له، ولا شكَّ أن إبراهيم عليه السلام قد حمله الإشفاق على والده، فوعده بالاستغفار بما دلَّ عليه القرآن؛ في قوله تعالى: ﴿ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الشعراء: 86]، وقوله: ﴿ رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحساب ﴾ [إبراهيم: 41]، وقوله: ﴿ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الممتحنة: 4]، وقوله تعالى عنهما معًا: ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم: 46، 47]، وهو وعدٌ لم يكن محرَّمًا ما دام والده حيًّا تُرجى توبته، فيدعوه ويدعو له بالهداية؛ ولذلك لم يعاتبه الله على الوعد، بل بيَّن عذره فيه، ثم عندما مات أبوه على الكفر ولم يبقَ مطمع في توبته، وتأكد أنه من أهل النار تبرَّأ منه، فأثنى عليه الله ومدح مفاصلته لأبيه ولأهل الكفر والنفاق جميعًا؛ وقال سبحانه: ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾ [التوبة: 114]، وكان من قبل قد تبرأ من عبادة أبيه وقومه وحدها، ولم يتبرأ منهم استدراجًا لهم إلى الإيمان؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف: 26 – 28]؛ ولذلك مدحه الله، ووصفه بأحسن خصاله؛ بقوله عن خصلته الأولى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ ﴾ [التوبة: 114]، من التأوُّه، وهو قول المرء: "آه"، من فعل "تأوَّه" تأوُّهًا وتأويهًا: إذا توجَّع؛ قال أبو عبيدة: "الأوَّاه: المتأوِّه شفقًا وفَرَقًا وتضرعًا"، وكان إبراهيم عليه السلام كثيرَ التأوُّهِ بين يدي الله في خلواته وشكاواه، تألمًا وتوجُّعًا لكفر أبيه وقومه، ولما ناله منهم، وأصابه في دعوته للتوحيد من محاربة ومطاردة، وما عاناه من المحن في سبيل الله؛ تهديدًا ووعيدًا وحرقًا، وشتاتَ أسرةٍ بين العراق والشام وفلسطين، والحجاز ومصر، وعن خصلته الثانية؛ بقوله عز وجل: ﴿ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]، من: حلُم الرجل يحلُم، بضمة على اللام، ضد طاش يطيش، ويعني الحِلْمُ في تصرفات الناس الأناةَ والتثبُّتَ، وضبط النفس وكظم الغيظ، والحليم بذلك من لا يستفزه الغضب، ولا يتسرع بالعقوبة، بل يتريَّث في كل أمر، ويتصرف حسب مقتضى الحكمة، وهي صفات كلها تجلَّت في مسيرة إبراهيم عليه السلام فمدحه الله بها، ومن حِلْمِهِ عليه السلام أنه كان يحرص على إسلام أبيه وكبار أعدائه، ويستغفر لهمقبل أن يموتوا على الكفر فيتبرأ منهم، كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته كانوا يستغفرون لبعض الأقارب، ويدعون لهم بالتوبة والإيمان ولو ماتوا، فلما نزل المنع من ذلك؛ بقوله تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 80]، وقوله عز وجل: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 84]، جزِعَ بعضالصحابة لظنِّهم أنهم أذنبوا باستغفارهم من قبلُ لمن مات على كفره؛ فنزل قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا ﴾ [التوبة: 115]، مؤمنين فيعُدهم من الضالين، ﴿ بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ﴾ [التوبة: 115]، للإيمان بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ثم يكتب عليهم سيئات لم يُنزِلْ عليهم بيانَ تحريمها، ﴿ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ﴾ [التوبة: 115]، فإن نزل عليهم بيان ما يحرم عليهم منها، وما يجب عليهم أن يتقوه منها أو يفعلوه فيها، كُتِبت عليهم السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 115]، عليم بنواياكم وأعمالكم وما ينبغي لكم تجنُّبه، وما ينبغي لكم اتقاؤه؛ ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، وهو إلى علمه بكل شيء يملك كل شيء ملكيةَ إيجادٍ وتحكُّم وتصريف، وإفناء وإعدام؛ ولذلك نبَّه سبحانه إلى هذه الحقيقة الإيمانية بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [التوبة: 116]؛ لأنه خلقهما ودبَّر أمرهما، وقادر على توسيعهما أو تقليصهما أو إفنائهما؛ قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 47، 48]، وقال عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41]، ثم نبَّه سبحانه إلى ما هو أخطر من إيجاد السماوات والأرض؛ فقال: ﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [التوبة: 116]، يحيي من يشاء وما يشاء، فيجعله خلقًا جديدًا، ويميت من يشاء وما يشاء، فيرده لعالم الغيب، يحيي قلوبًا اصطفاهم بالإيمان، ويميت قلوبًا علِم ما فيها فأماتها بالغفلة والكفران: ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 116]، وليس لكم من غيره سبحانه ﴿ مِنْ وَلِيٍّ ﴾ [التوبة: 116]، يحفظكم ويتولى أمركم بالتسديد والعون والرعاية، ﴿ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 116]، ينصركم في مواقف الضعف والحاجة.


لذلك ذكَّرهم الله بفضله عليهم، وامتنَّ عليهم به تثبيتًا وتطمينًا، فبدأ برسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقال عز وجل: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 117]، والتوبة لغة من فعل: تاب يتوب توبةً وتَوْبًا؛ أي رجع وآب، يُقَالُ: تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ أَيْ رَجَعَ عَنْهُ، وتاب إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً وَمَتَابًا وتوبًا، فَهُوَ تَائِبٌ أي رجع عن الذنب، فتاب الله عليه؛ أي غفر له، وقبِل توبته، وتجاوز عن سيئاته وتقصيره، وصفح عنه؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَابِلِ التَّوْبِ ﴾ [غافر: 3]؛ قَالَ الأَخفش: "التَّوْبُ جَمْعُ تَوْبةٍ مِثْلُ عَزْمةٍ وعَزْمٍ"؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((النَّدَمُ تَوْبةٌ))[2]؛ لأنه طريق التوبة الممهِّد لها إن كان ندمًا صادقًا، يُقال: "التوبة ندم على ما ارتكب، وقيام بما وجب، ومغفرة من الرب"، ثم بدأ عز وجل بمن لم يذنب وهو النبي صلى الله عليه وسلم؛ كيلا يستوحش مَن أذنب مِنَ المهاجرين والأنصار وغيرهم؛ فقال تعالى: ﴿ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [التوبة: 117]، الذي برأه تعالى وطهَّره من الذنوب؛ كما في قوله تعالى: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [الفتح: 2]، والتوبة عليه صلى الله عليه وسلم لا تعني أنه يذنب؛ لأنه معصوم مُسدَّد من ربِّه، وإنما هي توبة تليق بقدره ومقامه وعصمته من يوم اصطفاه ربه، وأنزل عليه الكتاب والحكمة؛ وقال له الْمَلَكُ عليه السلام: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 – 5]، ويوم أسبغ عليه مزيد فضله؛ وقال له: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]، ثم ثنَّى بخيار صحابته الذين ثبتوا معه في غزوة تبوك؛ فقال عز وجل: ﴿ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾ [التوبة: 117]، وكانوا رضي الله عنهم أعمدة الدعوة ومجاهديها، وأعوانَه صلى الله عليه وسلم فيها، وخصَّ منهم بالذكر ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ﴾ [التوبة: 117]، الذين أطاعوه واتبعوه في أشد حالات الضيق والمحنة أثناء توجهه إلى الشام في غزوة تبوك، بعد أن كادت المحنة تعصف بقلوب من لم يصبر لها، لا سيما والطريق طويل والطقس أشد حرارة، والعطش شديد والزاد طعامًا وشرابًا وركوبةً قليلٌ، حَتَّى لقد ذُكِرَ أَن الرجلَيْن كَانا يشقان التمرة بينهما، وكان النَّفر يتداولون التمرة بَينهم يمصها أحدهم، ثمَّ يشرب عَلَيْهَا المَاء، ثمَّ يمصها الآخر، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما: ((خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى تَبُوك فِي قيظ شَدِيد، فنزلنا منزلًا فأصابنا فِيهِ عَطش، حَتَّى ظنَّنا أنَّ رقابنا ستُقطع، حَتَّى إِن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، وَيجْعَل مَا بَقِي على كبده، فَقَالَ أَبُو بكر الصِّدِّيق رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله، إِن الله قد عوَّدك فِي الدُّعَاء خيرًا، فَادع لنا، فَرفع يَدَيْهِ فَلم يرجعهما حَتَّى قَالَت السَّمَاء، فأهطلت، ثمَّ سكبت، فملؤوا مَا مَعَهم، ثمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُر فَلم نجدها جَاوَزت الْعَسْكَر))، وَأخرج ابْنُ أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن عبدالله بن عقيل بن أبي طَالب، فِي قَوْله: ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ [التوبة: 117]، قَالَ: "خَرجُوا فِي غَزْوَة تَبُوك، الرَّجلَانِ وَالثَّلَاثَة على بعير، وَخَرجُوا فِي حرٍّ شَدِيد، فَأَصَابَهُمْ يَوْمًا عَطشٌ حَتَّى جعلُوا ينحرون إبلهم، فيعصرون أكراشها وَيَشْرَبُونَ ماءها، فَكَانَ ذَلِك عسرة من المَاء، وعسرة من النَّفَقَة، وعسرة من الظهر، وكانت توبته تعالى عليهم، ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ﴾ [التوبة: 117]؛ أي: بعدما كادت قلوب بعض المسلمين أن تُفتَنَ في هذه الظروف القاسية، لولا أن ثبَّتهم الله، وأعانهم، فالتحقوا بجيش تبوك، على رغم بُعْدِ الشُّقَّة، ومحنة السفر في الحر؛ من مثل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، إذ أبطأ به بعيره، فحمَل متاعَه على ظهره، واتَّبع أثرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم راجلًا؛ فقال صلى الله عليه وسلم لما رأى سوادَه: ((كنْ أبا ذر، فقال الناسُ: هو ذاك، فقال صلى الله عليه وسلم: رحِم الله أبا ذرٍّ، يمشي وحدَه، ويموت وحده، ويُبعث وحده))، ومثل أبي خيثمةَ إذ طاب بستانه، وكانت له امرأةٌ حسناءُ فرَشت له في الظل، وبسَطت له الحصيرَ، وقرَّبت إليه الرُّطَبَ والماءَ الباردَ، فنظر فقال: "ظلٌّ ظليلٌ، ورُطبٌ يانعٌ، وماء باردٌ، وامرأةٌ حسناء، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الضَّحِّ[3] والريح، ما هذا بخير"، فقام ورحل ناقتَه، وأخذ سيفَه ورُمحَه، ومرَّ كالريح، فمدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طَرْفَه إلى الطريق، فإذا براكب يزهاه[4] السرابُ، فقال: ((كن أبا خيثمةَ)) فكانَهُ، ففرِح به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفرَ له.


ثم تأكيدًا لتوبته عليهم؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: 117]، تنبيهًا إلى استحقاقهم التوبة لما كابدوه من المحنة في الطريق، ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]، يرأف بهم ويرحمهم لِما عانوه في مسيرتهم، منذ أسلموا وهاجروا، ونصروا وجاهدوا وابتُلوا، فصبروا وصابروا، ولأن رحمة الله إذا نزلت عمَّت، ورأفته إذا شملت شَفَتْ وأسعدت، فقد نالتا أيضًا ثلاثة آخرين من المخلفين، كلهم من كِرام الأنصار؛ هم: كعب بن مالك من الخزرج، ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف من الأوس، وهلال بن أبي أمية من بني واقف من الأوس؛ أما كعب فهو بن مالك بن أبي كعب، عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، الخزرجي العقبي، شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم مع حسان بن ثابت، روى ثلاثين حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين طلحة بن عبيدالله، وأما مرارة بن ربيع الأوسي الخزرجي، فقد شهد غزوة بدر، وأما هلال بن أمية، فمن بني واقف من الأوس، تولَّى أول ما أسلم تكسيرَ أصنام بني واقف، وشهد غزوتي بدر وأحد، وكانت معه راية بني واقف يوم فتح مكة، تخلَّفوا عن تبوك، فغضِب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وتنكَّر لهم الناس، فلم يكلمهم أحد، وقاطعهم أهلهم ونساؤهم، فخرجوا من المدينة معتكفين في جبل قريب منها، صائمين نهارهم، قائمين ليلهم، خمسين ليلة؛ نزلت بعدها توبتهم بقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾ [التوبة: 118]؛ أي: كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال بن أبي أمية، ﴿ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ [التوبة: 118]، على سعتها ورحابتها، ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾ [التوبة: 118]، غمًّا وهمًّا وحزنًا؛ لِما تورطوا فيه من الإثم، وما تأخر عنهم من التوبة، ﴿ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة: 118]، وأيقنوا أن لا ملجأ من غضب الله إلا بالتوبة إليه، والتماس عفوه، ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: 118]، صفح الله عنهم وغفر لهم، ﴿ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]، ليطمئنوا إلى توبة الله عليهم ويثبتوا عليها، ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118]، وليس من أحد غيره يتوب ويرحم.


وفي زخم الحديث عن جميع فئات جيش العسرة؛ من ثبت فيه، ومن تردد، ومن تأخر أو كاد يتولى فثبَّته الله وتاب عليه، ومن تخلَّف وندِم وكاد قلبه ينفطر، فأدركته رحمة الله ورأفته ومغفرته، ينزل الوحي الإلهي يضمد الجراح، ويفتح باب الأمل في قبول التوبة، ويصفهم عز وجل بالإيمان؛ ويناديهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، في إشارة جلية إلى درجات إيمان كل امرئ، ومدارج الصادقين ومراتبهم عند الله، وصفهم تعالى جميعًا بالإيمان، ثم حثَّهم على أعلى درجاته وهي الصدق فيه؛ كما في حديث جبريل عليه السلام إذ سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: ((يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، وفي قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 32]؛ أي: إن الذين يُورَّثوا القرآن من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين مقصِّرٍ ومقتصد وسابق بنيل الخيرات، وكفى بالصدق شرفًا ومكانةً أن الله عز وجل وصف به وَعْدَه لعبادِهِ بالجنة؛ فقال: ﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16]؛ وذلك لأن الصدق بلسم الحياة في جميع مجالاتها، فهو في القلب خُلُوُّه من النفاق والشرك، وانضباطه بأحكام الشرع في النوايا والمقاصد والعزائم، وفي القول جلاؤه ووضوحه ومطابقته لِما في القلب من الإيمان، ولما تعهد به اللسان، وفي العمل خلوُّه من الغش والرياء، والخيانة والدَّسِّ والغدر، وفي الآخرة منجاة من غضب الرحمن، ومفازة بالجنة والرضوان، الصدق نافع أنَّى تجمَّلت به نجوت، وأنى اتصفت به علا قدرك: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119].


وبعد ذلك لقَّنهم الحق تعالى درسًا بليغًا لا يستوعبه إلا من فتح الله بصيرته وأنار قلبه، بِعِتابٍ رقيق، وقول جليل رفيق، وإيجاب للنفير العام على جميع المسلمين إذا دُعُوا له؛ فقال عز وجل: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ﴾ [التوبة: 120]؛ أي: ما يليق بالمهاجرين والأنصار في المدينة، مركز الدولة وعاصمتها ومهجر نبيها، ﴿ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ ﴾ [التوبة: 120]، وبمن حولها من المؤمنين الأعراب الذين شرفهم الله بمجاورتهم لها، ﴿ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 120]؛ أن يتقاعسوا عن تلبية ندائه صلى الله عليه وسلم بالجهاد، فلا يولونه قدره، ولا يستجيبون أمره، ولا يسارعون إليه، ﴿ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [التوبة: 120]، وفعل ﴿ يَرْغَبُوا ﴾ [التوبة: 120]، من الرغبة وهي تَشَهِّي الشيء وطلبُه وحبُّ الحصول عليه، فيقال: رغِبَ الشيءَ وبـالشيء وفيه، رَغْبًا ورَغَبًا، ورَغْبةً ورُغْبةً، فهو راغِب، والمفعول مَرْغوب، ولأن فعل رغب من الأضداد يُقال أيضًا: رغب عنه؛ أي: زهِدَ فيه، أو أعرض عنه، ورغِب بنفسه عنه إذا ترفَّع عنه وكرهه، فتقول لمن رأيته في مقام غير مشرف مثلًا: "إني لأرغب بك عَنْ هذا المقام فغادره"؛ أي: ما كان ينبغي للمهاجرين والأنصار وجيرانهم من الأعراب المسلمين أن يفضِّلوا رغبة نفوسهم في الراحة وملازمة الأزواج والأولاد والضِّياع، على ما رغبه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، وأمرهم به من طلب مرضاة الله، والجهاد في سبيله، لا سيما والسمع والطاعة له صلى الله عليه وسلم وتفضيل أمره على أمر النفس دليلٌ قطعيٌّ على محبتهم لله عز وجل؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وعندما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، أنا أحبك عن أهلي وعن مالي إنما عن نفسي، فلا، فكرر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قوله: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه؛ ثلاث مرات)).


ثم شرع سبحانه في بيان فضل الاستجابة لنداء الجهاد؛ فقال عز وجل: ﴿ ذَلِكَ ﴾ [التوبة: 120]، الفضل العظيم المقرَّر للجهاد وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾ [التوبة: 120]، بسبب أن المجاهدين الممتثلين لأمره صلى الله عليه وسلم، والراغبين بطاعته عن رغباتهم، ﴿ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ﴾ [التوبة: 120]، عطش في طريقهم، ﴿ وَلَا نَصَبٌ ﴾ [التوبة: 120]؛ أي تعب، من قول العرب: نصب الرمحَ وغيره إذا أقامه في الأرض، ومنه النُّصُب؛ وهي أحجار كانت في الجاهلية تُنصَب للعبادة، ومنه النَّصَب؛ أي: العَناء والتعب، لأن المرء لا يزال منتصبًا واقفًا للجهاد، مواظبًا على الخروج له حتى يتعبن ﴿ وَلَا مَخْمَصَةٌ ﴾ [التوبة: 120]؛ أي: مجاعة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 3]، من خمص يخمص خمصًا بفتح الميم وضمها وكسرها؛ أي: ضمُر ونحُل، والخميص ضامر البطن من جوع، ضد البطين، ومنه المخمصة؛ أي المجاعة أو ظروفها أو مكانها، ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 120]، ينوون بما خرجوا له وظمِئوا، وجاعوا وتعبوا فيه وجهَ الله طاعةً له، وامتثالًا لأمره، ﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا ﴾ [التوبة: 120]، ولا يقفون في مكان، أو يطؤون أرضًا بأقدامهم أو حوافر خيلهم، أو أخْفافِ إبلهم، ﴿ يَغِيظُ الْكُفَّارَ ﴾ [التوبة: 120]، يُوجِع الكفار ويُغضبهم، ويملأ قلوبهم حنقًا وضيقًا وكمدًا، ﴿ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا ﴾ [التوبة: 120]، ولا يبلغون من عدوٍّ مبلغًا يُضعِفه قتلًا أو جرحًا أو هزيمةً، ﴿ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾ [التوبة: 120]، إلا عُدَّ ذلك لهم عند الله عملًا صالحًا مقبولًا ومأجورًا، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120]، بل يباركه ويضاعفه، ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ﴾ [التوبة: 121]، في أمر الجهاد لطعامهم أو شرابهم، أو ملبسهم أو رواحلهم، أو غير ذلك، ﴿ وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا ﴾ [التوبة: 121]، ممرًّا بين جبلين، ويندرج معه السهل والجبل، ﴿ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 121] أجرَه؛ ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 121]، ليُثيبهم الله ﴿ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 121]، أحسن ثواب لِما عملوه في الدنيا.


إلا أن معاناة الجهاد القتالي على فضله وإيجابياته، لها من السلبيات ما تؤثر بها في مسيرة الإسلام نفسه، عقديًّا وبشريًّا، باستشهاد كبار قادته وحفَّاظ القرآن فيه، وهم من أعمدة الفتح وحملة العقيدة، ومن يسعى أعداء الإسلام دائمًا لتصفيتهم والتخلص منهم بكل الأساليب، دنيئها غدرًا وخيانةً، وحربيِّها مواجهة في المعارك، والتاريخ لا ينسى مقتل أسد الإسلام حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه غدرًا بتدبير من زوجة أبي سفيان، التي أجهزت على جثمانه تمثيلًا وبترًا، وما قامت قبائلُ هذيل وعَضَل وقَارَة من قتلٍ لعشرة من كرام الصحابة فيما عُرف بسرية الرَّجِيع[5]، وما تم في العام نفسه من الغدر في بئر معونة بسبعين من حفظة القرآن وقرَّائه وقتلهم؛ إذ قَدِمَ ملاعب الأسنة أبو براء عامر بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه، فلم يُسلِم، وقال: يا محمد، لو بعثتَ رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد، فدعوهم إلى أمرك، رجوتُ أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أخشى عليهم أهل نجد، فقال أبو براء: أنا لهم جار، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو في سبعين من خيار المسلمين، منهم: الحارث بن الصِّمَّة، وحرام بن ملحان، أخو أم سليم، وهو خال أنس بن مالك، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق وغيرهم، فنهضوا فنزلوا بئر معونة، وهي بين أرض بني عامر وحَرَّة بني سليم، ثم بعثوا منها حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه، ثم عدا عليه فقتله، ثم استنهض إلى قتال الباقين بني عامر، فأبَوا أن يجيبوه؛ لأن أبا براء أجارهم، فاستغاث عليهم بني سُلَيم، فنهضت معه عصيَّة ورَعْل وذَكوان، وهم قبائل من بني سليم، فأحاطوا بهم، فقاتلوا، فقُتِلوا كلهم رضي الله عنهم، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنه تُرِك في القتلى وفيه رمق، فرُفِع وبه جراح من القتلى، فعاش حتى قُتِل يوم الخندق رضي الله عنه؛ لذلك تلافيًا لِما يحتمل وقوعه من ضياع القرآن الكريم وأحكام الدين بتعاقُب الأجيال ومرور الزمن، وجَّه الحق تعالى إلى حماية القرآن الكريم كي يبقى أصلًا للدين، وركيزة للجهاد القرآني، ينبثق عنه الجهاد القتالي؛ بقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾ [التوبة: 122]، والفعل: "نفر"؛ أي: جزع أو ذعر من الشيء وتباعد عنه، من نفور الدابة وتباعدها الفطري مما تكرهه من العشب إلى ما تحبه منه، وهو بذلك من الأضداد، فيُقال: نفر من الشيء إلى غيره، ثم رقاه الشرع إلى معنى حربيٍّ تحشيدًا ضد العدو؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استُنْفِرتُم فانفروا))[6]؛ أي: إذا استُنجدتم واستُنصرتم، فأنجدوا وانصُروا؛ وقوله تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ﴾ [التــوبة: 41]، ثم ثبتت الكلمة في مصطلحها العسكري بمعنى جيش النصـرة فـي قـوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء: 6]؛ أي: جعلناكم أكثر جنودًا وأنصارًا، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ﴾ [التوبة: 122]؛ أي: ما كان مناسبًا لأمن الإسلام ورسوخ دولته، ودوام أمره وعلو قدره، ولا جديرًا بعباد مؤمنين ربَّاهم الوحي، وقادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكمته وحِنْكَتِهِ أن ينفِروا للغزو كافة، ويتركوا القرآن عُرضَةً للجهل والنسيان والتحريف، ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ ﴾ [التوبة: 122]، نهض بحزم وحيوية ﴿ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ﴾ [التوبة: 122] من كل تجمُّع بشري فيهم حيًّا أو بطنًا أو قبيلة، ﴿ طَائِفَةٌ ﴾ [التوبة: 122]، جماعة قليلة أو كثيرة ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 122]، يتفرغون لمدارسة القرآن وفهم أحكامه، وتفهيمه للمسلمين، كبارهم وصغارهم، ﴿ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ ﴾ [التوبة: 122] عاقبةَ التولي والانهزام أمام العدو، ﴿ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: 122]، من ساحة الجهاد ﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، الفتن والفتَّانين، وقد بادر المسلمون عملًا بهذه الآية الكريمة في ذلك الوقت المبكر، فكانت لهم بعد ذلك مفتاحًا لنهضة علمية نشأت في كنف القرآن، بشتى أصناف العلوم قراءاتٍ وتفسيرًا، وفقهًا وأصولًا، ولغةً وتوقيتًا، ودراسة ومراقبة لحركات النجوم والشمس، والقمر والأفلاك، مما حفلت به آثارهم ومصنفاتهم في جميع ميادين العلم، ونشأت به حضارة إنسانية ربانية في المشارق والمغارب، وانتظم بذلك جناحا الدين الحنيف؛ جهاد علميٌّ مستند إلى القرآن، وجهاد حِمائي[7] للدين بالسِّنان يُدافع عنه، ويرفع رايته؛ لتكون كلمة الله هي العليا.

 


[1] جمهرة أنساب العرب لابن حزم، ص: 245.
[2] عن ابن مسعود، صحيح، الألباني.
[3] الضَّحُّ قرن الشمس وشدتها.
[4] يزهاه: يجلوه ويبينه.
[5] كانت قبيلة هذيل تسعى للثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلجأت إلى قبيلتي عضل والقارة، وجعلت لهما جُعلًا إن نجحتا في المكر بالمسلمين، فذهب وفد منهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: "إن فينا إسلامًا، فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا ويُقرِئوننا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام"، فبعث معهم رسول الله عشرةً من كِرام الصحابة رضي الله عنهم، وأمَّر عليهم عاصمَ بنَ ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فلما وصل الصحابة إلى الرَّجِيع - وهو موضع ماء لهذيل بالحجاز - غدر القوم بهم، واجتمع عليهم نفرٌ من هذيل، فقتلوا بعضهم، وأسروا خُبيبًا، وابن الدثنة رضي الله عنهما، وباعوهما في مكة لمن قتلهما.
[6] صحيح، الألباني.
[7] يُقال فعلت هذا حِماءً لَكَ، بِالْمَدِّ: أي حماية وفِداءً لَكَ.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الأولى) شهادة الله تعالى على الأمة آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بها
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثانية) المفاصلة مع الشرك والمشركين ظاهرًا وباطنًا
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثالثة) الوفاء للأوفياء والحزم مع الناكثين الطاعنين
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة) ولائج السوء والبطانات الفاسدة أصل البلاء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الخامسة) لا مأمن من البلاء إلا بخالص الولاء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة السادسة) الدولة الإسلامية الناشئة بين سندان أهل الكتاب والمنافقين في الداخل، وبين مطرقة الغزو البيزنطي من الخارج
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة السابعة) {إلا تنصروه فقد نصره الله}
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثامنة) نشأة النفاق في المجتمع الإسلامي الأول
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة التاسعة) مصارع المنافقين في قلوبهم وألسنتهم وأيديهم
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة العاشرة) للمنافقين خسران وللمؤمنين رحمتان
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الحادية عشرة) المنافقون حسدة بخلاء لمازون
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثانية عشرة) منافقون ذوو طول سفهاء وأعراب حول المدينة جبناء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثالثة عشرة) حكمة الوحي وتصنيفه للمجتمع الإسلامي في آخر عهد النبوة
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الخامسة عشرة - الأخيرة) بالقرآن يتميز الصادق عن المنافق
  • منزلة الجهاد باللسان والحجة والبيان في دين الإسلام

مختارات من الشبكة

  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب