• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

تفسير سورة مريم الآيات (1 – 9)

تفسير سورة مريم الآيات (1 – 9)
الشيخ طه محمد الساكت

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/7/2022 ميلادي - 23/12/1443 هجري

الزيارات: 37512

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سورة مريم

الآيات ( من 1 – 9)


﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 1 - 9].

 

المفردات:

﴿ نَادَى رَبَّهُ ﴾؛ أي: دعا ربَّه عز وجل.

﴿ وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾؛ أي: ضعف عظمي، ورقَّ لكبر سِنِّي.

﴿ الْمَوَالِيَ ﴾: المولى: القريب من العصبية كالأخ والعم.

﴿ عَاقِرًا ﴾: عقيمًا لا تلِد.

﴿ وَلِيًّا ﴾: المراد: ابنًا من صلبي يلي الأمر من بعدي.

﴿ رَضِيًّا ﴾: مَرضيًّا عندك قولًا وفعلًا.

﴿ سَمِيًّا ﴾؛ أي: شريكًا له في اسمه، أو شبيهًا له.

﴿ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ﴾؛ أي: كيف يكون لي غلام؟! أو مِن أين؟!

﴿ عَاقِرًا ﴾؛ أي: عقيمًا لا تلد.

﴿ عِتِيًّا ﴾: العتي بكسر العين وبضمها: اليبس في المفاصل والعظام.

 

تمهيد:

هذه السورة التاسعة عشرة في ترتيب المصحف، وعددُ آياتها ثمانٍ وتسعون، وهي مكية، إلا آية السجدة رَقْم 58، وآية الورود على النار رَقْم 71.

 

ووجه مناسبتها لسورة الكهف اشتمالها على نحو ما اشتملت عليه من الأعاجيب؛ كقصة ولادة سيدنا يحيى، وعيسى بن مريم عليهما السلام؛ ولذلك ذُكرت بعدها.

 

وقد حوَتْ طائفةً كريمةً من قصص الرسل، وأنباء الغيب، افتتحها الله تعالى بقصة زكريا عليه السلام؛ إذ دعا ربَّه أن يَهَبَ له وليًّا يَرِثُه في الدعوة إليه، والحفاظ على شريعته، فاستجاب له ربُّه وبشَّرَه بغلام سمَّاهُ يحيى، ولم يجعل له من قبل سميًّا، وآتاه الحكم صبيًّا.

 

ولما تعجَّب زكريا من خلق الولد من أمٍّ عاقر وأب بلغ من العمر عتيًّا أوحى إليه ربُّه أن هذا الخلْق عليَّ هيِّن ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾.

 

ثم ذكر تعالى قصة مريم عليها السلام، وهي أعجب من قصة زكريا!! وفيها أن جبريل عليه السلام تمثَّل لها بشرًا سويًّا، ففزعت، واستعاذت بالرحمن منه، فطمأنها بأنه رسول ربها ليهب لها غلامًا زكيًّا! فلما تعجَّبت من أن يكون غلامًا، ولم يمسسها بشر، ولم تك بغيًّا، ﴿ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾[مريم: 21].

 

وكذلك كان عيسى عليه السلام آيةً من آيات الله الكبرى في حمله وولادته؛فكان خلْق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى، إلا عيسى فإنه من أنثى بلا ذكر، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته، وعظيم سلطانه، فلا إله غيره، ولا رب سواه.


وكذلك قوله في المهد: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾[مريم: 30]، وقوله تعالى:﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾[مريم: 34، 35].

 

ثم ذكر تعالى قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو يدعو أباه إلى الصراط السوي، بأرَقِّ ما تكون الدعوة من الرفق والحنان، فيقول تعالى:﴿ يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾[مريم: 43 - 45]، فيقابل أبوه هذا الرفق والحنان بأشق ما يكون من العنف والقسوة والجحود والعصيان، فيقول: ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾[مريم: 46]، وهنالك لم يجد إبراهيم عليه السلام بُدًّا من أن يعتزل أباه وقومه وما يعبدون من دون الله، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾[مريم: 49، 50].

 

ثم ذكر تعالى كَلِيمه موسى عليه السلام ومناجاته إياه في الطور وهِبةَ الله له أخاه هارون نبيًّا، ثم ذكر تعالى إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد وأمْرِه أهلَه بالصلاة والزكاة ﴿ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾[مريم: 55].

 

ثم أثنى سبحانه على إدريس عليه السلام بأنه رفعه مكانًا عليًّا.

 

ثم أثنى سبحانه على المصطفين الأخيار من عباده، فقال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾[مريم: 58].

 

وذمَّ الذين خلفوا من بعدهم فلم يهتدوا بهديهم؛ بل أضاعوا الصلاة، واتَّبعوا الشهوات فسوف يلقون جزاءهم، ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾[مريم: 60].

 

ومما ذكره الله تعالى في هذة السورة الكريمة أنه يحشر الكافرين يوم القيامة مع قرنائهم من الشياطين، وأن جميع الخلائق يَرِدُون جهنم ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾[مريم: 71، 72].

 

وبعد ذلك يستنكر سبحانه وتعالى أشد الاستنكار ما زعمه الزاعمون من اتخاذِه سبحانه ولدًا بقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾[مريم: 88 - 93].

 

ثم وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيجعل بينهم محبَّةً وودًّا.

 

ثم يختم سبحانه السورة الكريمة ببيان الحكمة في تيسير القرآن بلسان خاتم النبيين صلوات الله عليهم، وبلسان قومه؛ بشارةً للمؤمنين، وإنذارًا للكافرين أهل الجدال والخصومة؛ إذ يقول: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾[مريم: 97].

 

وأخيرًا يضرب المثل بأمثالهم الذين أهلكهم الله في القرون الماضية، فلم يُبْقِ منهم أحدًا، فيقول- وقوله الحق وله الملك-: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴾[مريم: 98].

 

التفسير:

﴿ كهيعص ﴾ [مريم: 1]:

افتتح الله تبارك وتعالى تسعًا وعشرين سورةً بأسماء بعض الحروف الهجائية، وسورة مريم واحدة منها، وقد قال كثيرٌ من المفسرين: إن معاني هذه الحروف من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه، وهو أعلم بمراده منها، وقال بعضهم: هي أسماء للسور التي افتُتِحَتْ بها، وقال آخرون: بل هي رمز إلى التحدي بالإشارة إلى أن القرآن مكوَّنٌ من جنس ما يَنْظِم العرب منه كلامهم، فإذا عجزوا جميعًا عن الإتيان بسورة من مثله- وهم أئمة الفصاحة والبلاغة- وجَبَ التسليمُ بأنه من عند الله عز وجل، وبأنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يأتي بسورةٍ منه.

 

﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾ [مريم: 2]:

أي: هذا الذي نقُصُّه عليك أيها الرسول هو ذِكْر رحمة ربك لعبده ورسوله زكريا، وهذا إجمال يأتي تفصيله قريبًا، وزكريا عليه السلام نبيٌّ ورسولٌ من أنبياء بني إسرائيل، من ولد سليمان بن داود عليهما السلام.

 

روى الحافظ ابن كثير وغيره أنه كان نجَّارًا، يأكل من عمل يده في النجارة.

 

ويُلاحظ أن هذه السورة الكريمة كثُر فيها ذكر (الرحمة والرحمن)؛ لما تجلى الله فيها من رحمة الله على عباده، وهم في أشد الحاجة إليها.


﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾ [مريم: 3]:

مرتبط بقوله سبحانه:﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾؛ أي: إن رحمة ربك أحاطت بعبده زكريا حين دعا ربَّه نداءً مستورًا عن الناس، لم يسمعه أحد منهم؛ وإنما أخفى دعاءه عليه السلام، وأسَرَّ به وهو يتضرع إلى ربِّه؛ لأن الإسرار بالدعاء أدَلُّ على الإخلاص، وأبْعَدُ عن الرياء، وأقرَبُ إلى الخلاص من لائمة الناس على طلب الولد وقت الكبر والشيخوخة، قال ابن كثير عن بعض السلف: قام من الليل، وقد نام أصحابُه، فجعل يهتف بربِّه يقول خِفية: يارب يارب يارب، فقال الله له: لبيك لبيك لبيك.

 

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4]:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ ﴾؛ هذا تفصيل وتفسير لكيفية ندائه ربَّه عليه السلام؛ أي: إني ضعف عظمي ورقَّ لكبر سِنِّي؛ والمراد: ضعفت وخارت قواي؛ وإنما أسند الضعف إلى العظم عماد البدن، ودعائم الجسد، فإذا أصابها الضعف والرخاوة، تداعى ما وراءها، وتساقطت قوَّتُه.

 

﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾؛ أي: فشا الشيب، وتغلغل في رأسي، وسرى فيه كما تسري النار في الحطب.

 

﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾؛ أي: ولم أكن بدعائي إياك خائبًا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل؛ بل كلما دعوتك استجبت لي.

 

توسل عليه السلام في استجابة دعائه بما سلف من الاستجابة له عند كل دعوة دعاها، إثر تمهيد ما يستدعي الرحمة به من كبر سِنِّه، وضعف قوته، فإنه تعالى بعد ما عَوَّد عبده الإجابةَ دهرًا طويلًا، لا يكاد يخيبه أبدًا، ولا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره، وفي هذا التوسل من الإشارة إلى عظم كرم الله عز وجل ما فيه، ويذكر المفسرون هنا ما يُروى أن حاتمًا الطائي أتاه سائل فسأله، وقال: أنا الذي أحسنتَ إليه وقت كذا، فقال: مرحبًا بمن توسَّل بنا إلينا، وقضى حاجته، وأين كرم الكرماء أجمعين من إكرام ربِّ السموات وربِّ الأرض، وربِّ العرش العظيم؟!

 

﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 5]:

هذا عطف على قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾، مندرج فيما يستدعي رحمة ربه، واستجابة دعائه؛ أي: وإني خشيت أقاربي الذين لو تولوا الأمر من بعد موتي، لأساءوا إلى الناس، ولم يقوموا مقامي في الدعوة إليك، والحفاظ على شريعتك؛ لأنهم كانوا من شِرار بني إسرائيل، وكانت امرأتي عاقرًا لا تلد من شبابها إلى شَيبها، وهذا ما يريده أقاربه تلهفًا على خلافته، وإن لم يحسنوها.

 

قدم عليه السلام في ندائه ربَّه، وضراعته إليه، ضعفَ قوته، وكبر سِنِّه وشيخوخته، وخوفه من مواليه مع عُقْم امرأته، قدَّم هذا بين يدي سؤاله ربَّه هبةً طيبةً من ذريته[1]، وذلك قوله: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾؛ أي: أعطني من محض فضلك الواسع، وقدرتك الباهرة ابنًا من صلبي يلي الأمر من بعدي يقوم مقامي، ويُحسن خلافتي؛ وإني وإن كنت متقدمًا في السن وامرأتي عاقرًا، فأنت قادر على تحقيق مطلبي، وإن لم تتوافر الأسباب العادية؛ فإنك إن أردت قلت للشيء: كن فيكون.

 

ثم وصف عليه السلام وليَّه الذي استوهبه من ربَّه فقال:

﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 6]:

﴿ يَرِثُنِي ﴾؛ أي: يكون وارثًا لي في العلم والنبوة، ليسوس بني إسرائيل بمقتضى الشريعة والعدل، فقد تعدَّى حدود الله كثير منهم، وطغوا وبغوا وضلوا عن سواء السبيل، وقوله: ﴿ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ توكيد لهذا الميراث النبوي، فإن زكريا من ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم صلوات الله وسلامه، وكانت النبوة في بيت يعقوب وآله- وآل الرجل هم خاصته الذين يؤول[2] إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين– فمُراد زكريا عليه السلام بهذا التوكيد أن يكون ابنه نبيًّا كما كان آباؤه أنبياء.

 

ولم يرد عليه السلام وراثته في المال؛ لأن الأنبياء لم يورثوا غير العلم والنبوة، على أن زكريا عليه السلام- كما قدمنا عن الحافظ بن كثير- كان نجَّارًا يأكل من كسب يده، والأنبياء أزهد الناس في الدنيا؛ ولهذا لم يورثوا مالًا، قال الحافظ بن كثير: وقد ثبَت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ))، وفي رواية عن الترمذي بإسنادٍ صحيح عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحنُ معشرَ الأنبياءِ لا نورَثُ، ما ترَكناهُ فهو صدقةٌ))[3]، وعلى هذا فتَعيَّن حمل قوله: ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ على ميراث النبوة؛ انتهى ما قاله ابن كثير ملخصًا.

 

﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾؛ أي: واجعله يا رب مَرضيًّا عندك وعند خلقك، تُحبُّه وتُحبِّبه إلى خلقك في دينه وخلقه.

 

﴿ يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾[مريم: 7]:

﴿ يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴾ هنا كلام مطوي يشير إليه السياق، على عادة القرآن الكريم.

 

والمعنى: استجاب الله تعالى دعاء عبده زكريا، وقال له على لسان الملائكة:﴿ يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴾ كما قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾[آل عمران: 39].

 

وقوله تعالى: ﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾؛ أي: لم نجعل له شريكًا في الاسم، فلم يُسمَّ أحدٌ قبله بـ (يحيى)، وفي هذا مزيد تشريف وتفخيم له عليه السلام.

 

وعن مجاهد أن ﴿ سَمِيًّا ﴾؛ معناه: شبيهًا، أخذه من قوله تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾[مريم: 65]؛ أي: شبيهًا لله تعالى؛ أي: لم نجعل له عليه السلام شبيهًا؛ حيث إنه لم يَعصِ الله تعالى، ولم يهمَّ بمعصية، فقد أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما مِن أحَدٍ مِن ولَدِ آدَمَ إلَّا وقَدْ أخْطَأ أوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ إلَّا يَحْيى بْنَ زَكَرِيَّا لَمْ يَهُمَّ بِخَطِيئَةٍ ولَمْ يَعْمَلْها))، قال الألوسي: والأخبار في ذلك متضافرة، ويُؤيد ذلك قوله تعالى في شأنه: ﴿ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾[آل عمران: 39].

 

﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 8]:

أي: قال زكريا عليه السلام: يا رب، كيف يكون لي غلام، وكانت امرأتي- ولا تزال- عاقرًا، لا تحمل ولا تلد، وقد بلغتُ سِنَّ اليأس من الولد؟! وهذا تعجُّب بحسب العادة لا استبعاد منه لقدرة الله تعالى- وحاشاه- فقد رُوي عن ابن عباس أنَّ سِنَّهُ كانت آنذاك مائةً وعشرين سنة، وكانت سِنُّ امرأته ثمانيًا وتسعين، ولا يُولد لمثلهما عادة؛ ولكن لله تعالى وحده خرق العادة، وما المعجزات التي أيَّدَ الله بها رُسُلَه إلا خرق لها.


﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 9]:

﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾؛ أي: قال الله تعالى- على لسان الملك- مجيبًا زكريا عما تعجب منه: الأمر كما بُشرت به، وإيجاد الولد منك ومن زوجك هذه لا من غيرها سهل يسير عليَّ، ثم ذكر له ما هو أعجب منه فقال: ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾؛ أي: خلقتك- من العدم - في ضمن خلق آدم من قبل خلق يحيى، ولم تكن أنت شيئًا موجودًا، أو شيئًا مذكورًا، كما قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾[الإنسان: 1].



[1] اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38].

[2] آلَ إلي يئُول: آل إليه الأمر: رجع أو انتهى إليه، آلت إليه السلطة/ الترِكة.

[3] في مشكاة المصابيح في أحاديث هجرته ووفاته صلى الله عليه وسلم, متفق عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة مريم للناشئين (الآيات 1 - 38)
  • تفسير سورة مريم للناشئين (الآيات 39 - 76)
  • تفسير سورة مريم للناشئين (الآيات 77 - 98)
  • تفسير سورة مريم كاملة

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب