حكم التوسعة على الأهل والعيال في يوم عاشوراء

حكم التوسعة على الأهل والعيال في يوم عاشوراء

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:

حكم التوسعة على العيال في يوم عاشوراء:

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

الأول: يُستحب التوسعة على الأهل والعيال في يوم عاشوراء، وبهذا قال كثير من العلماء المتأخرين في المذاهب الأربعة: فقد ورد في مذهب الحنفية [1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، والحنابلة[4].

واشترط بعضهم عدم التَكَلُّف، وألا يصير ذلك سُنة يُستن بها لا بد من فِعلها[5].

واستدلوا على ذلك بما: رُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

« من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته » [6].

قال ابن عيينة:

(قد جربناه منذ خمسين سنة أو ستين، فما رأينا إلا خيرًا)[7].

سؤال: وما الحكمة من التوسعة في يوم عاشوراء خاصة؟

الجواب:

قال المناوي:

( من وسع على عياله ) وهم في نفقته.

( في يوم عاشوراء ) عاشر المحرم، وفي رواية بإسقاط ( في ).

( وسع الله عليه في سنته كلها ) دعاء أو خبر، وذلك لأن الله سبحانه أغرق الدنيا بالطوفان، فلم يُبْقِ إلا سفينة نوح بمن فيها، فردَّ عليهم دنياهم يوم عاشوراء.

وأُمروا بالهبوط للتأهب للعيال في أمر معاشهم، بسلام وبركات عليهم وعلى من في أصلابهم من الموحدين،فكان ذلك يوم التوسعة والزيادة في وظائف المعاش، فيُسن زيادة ذلك في كل عام. (ذكره الحكيم، وذلك مجرب للبركة والتوسعة).

قال جابر بن عبد الله الصحابي: « جربناه، فوجدناه صحيحًا »،

وقال ابن عيينة: « جربناه خمسين أو ستين سنة »[8].

قلت: وهذا التعليل فيه نظر؛لأن إغراق الدنيا ونجاة نوح عليه السلام ومَن معه من المؤمنين في يوم عاشوراء، هذا أمر غيبي يحتاج إلى دليل وبرهان، ولا برهان ثابت على هذا التأريخ.

القول الثاني:

لا تُشرع التوسعة؛ وبهذا قال بعض الحنفية[9]، وجماعة من الحنابلة [10].

واستدلوا على ذلك:

بأنه لم يثبت في التوسعة على الأهل والعيال حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

( وقد رُوي في التوسعة على العيال آثار معروفة، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: « مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته »؛ وهذا بلاغ منقطع لا يُعرف قائله... ثم قال: وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة) [11].

الترجيح:

الراجح - فى نظري - والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان -:

أن المسألة مدارها على ثبوت حديث: « مَن وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته »[12]، فمن قال بثبوته قال باستحباب التوسعة، ومَن لم يُثْبِتْه قال بأنه لا تُشرع التوسعة، ولم يرد فيها شيء.

والأقرب في نظري - والله أعلم - أن الحديث لم يثبت؛ فقد ضعفه جماهير المحدِّثين:

سُئل الإمام أحمد: عن هذا الحديث، فقال: ( لا أصل له )، وفي رواية: ( فلم يره شيئًا )[13].

وضعفه أبو زرعة الرازي، وقال الدارقطني: منكر [14].

وقال العقيلي: (ولا يثبت في هذا عن النبي ه شيء إلا شيء يُروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مرسلًا به)[15].

وأورده ابن الجوزي في (الموضوعات).

وقال ابن تيمية:

(والأشبه أن هذا وُضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة؛ فإن هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتمًا، فوضع أولئك فيه آثارًا تقتضي التوسعة فيه واتخاذه عيدًا، وكلاهما باطل)[16].

قال ابن رجب:

(فإنه لا يصح إسناده، وقد رُوي من وجوه متعددة، لا يصح منها شيء)[17].

قال ابن القيم:

(قال الإمام أحمد: لا يصح هذا الحديث)[18].

وضعفه الذهبي، وأورده الشوكاني في (الفوائد المجموعة)[19].

ومن المعاصرين الألباني؛ حيث قال:

(وهكذا سائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين..)[20].

قال المعلمي اليماني - ردًا على من قال: إن طرقه يقوي بعضها بعضًا -: (بل يوهن بعضها بعضًا)[21].

ومِن العلماء مَن قواه:

قال البيهقي بعدما ذكر الحديث:

هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة، فهي إذا ضُم بعضها إلى بعض أخذتْ قوةً، والله أعلم[22].

قال العراقي:

(لحديث أبي هريرة طرقٌ: صحح بعضها ابن ناصر الحافظ...)[23].

والله أعلم..

والمسألة مختلف فيها بين العلماء، وهي مسألة اجتهادية، والأقرب عدم ثبوت الحديث، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

وبالله التوفيق...