• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة

لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة
محمد السيد حسن محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/6/2021 ميلادي - 12/11/1442 هجري

الزيارات: 79759

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْأَحْزَابِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ"[1].

 

هذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وهو حديث يكشف عن مدى ضرورة الإمام للمسلمين، إذ به قوام العدل، وإذ به قيام النظام العام، الموافق لما أمر الله تعالى ربنا الرحمن، وعلى وَفق أمره فعلًا، وعلى أساس نهيه تركًا.

 

وتلك حيثية غاية في الأهمية؛ إذ في وجود الإمام حفظ الدين وإقامة النظام، واستتباب الأمن، وإذ في انعدامه انخراط عقد الأمة، فترى كل حزب بما لديهم فرحين.

 

ويَبينُ منه أن حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم القائد الصادق الأمين موقوفة على إنفاذ دين ربه ووحيه، بحيث يعم الأرجاء، وبحيث يشرق بنوره على سائر الأنحاء، ودلَّك على صدق ذلك أن حياته صلى الله عليه وسلم كانت دؤوبة في الدعوة والغزو والجهاد، لإعلاء كلمة ربه، كيما يكون دينُه تعالى ظاهرًا على الدين كله، دلك عليه خصوصًا في أمرنا الآني أنه - وتوًّا - لم يُلملم أوراقه من الأحزاب بعدُ، إلا ويأتيه خبر غدر بني قريظة بالمسلمين في معركة الخندق رغم العهود والمواثيق التي كانت بين المسلمين وبني قريظة، وهجومهم على نساء المسلمين أثناء انشغال المسلمين في حماية المدينة حول الخندق، ومحاولتهم فتح ثغرة لتمرَّ الأحزاب إلى داخل المدينة، والقضاء التام على المسلمين، فما كان من قائد كمثله، وما كان من رسول كشأنه، إلا أن يأمر جنده: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، استعدادًا للملاقاة، ونفرة للجهاد، وحماية لبيضة الدين.

 

وكما أن فيه ضرورة أن يكون الإمام حازمًا وقت لزوم الحزم، حليمًا حين وجوب الحلم، فحزم القائد في مواطن الحزم سداد، وحلم الإمام في مواضع الحلم رشاد، ودلَّك على حزمه قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ" في عبارة ناطقة بالحزم، لا بل إنها الحزم، وكان الحزم عنوانًا لها!

 

ودلَّك على حلمه قول ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ.

 

ولَمَّا كان الإمام حازمًا، وعندها وجبت طاعة المأمور، ومنه يكون أمره واجب الانقياد له، فالنهي الجازم يوجب جد المأمور، ومنه ولعل فيه سعة وسع الأمر، بدليل تأخير تعجيل فريق وتأخير فريق آخر.

 

وفيه رحمة الإمام برعيته – ولا منافاة مع حزمه معهم - خاصة حين توافر موجبات حرصهم، وخصوصًا عند تأكُّده من صدق التزامهم، ومن سيرتهم الحسنة معه، ولا سيما حين يعلم من مخالفتهم انتفاء معنى قصد المخالفة، وإنما هو من باب الاجتهاد لكيفية تنفيذ أمره، فلا مجادلة بالباطل ولا حجاج، ولا معاندة بإثم ولا لجاج.

 

وهو أمرٌ يدلنا كذلكم على مدى ما يكون عليه إمام المسلمين من رحمة برعيته، ومدى ما يلزم أن يتوافر عليه من شفقة بأمته؛ لأن ذلك هو ما يتأكد فهمه من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ"[2].

 

ومرة أخرى انظر إلى حلمه، وانظر إلى رفقه صلى الله عليه وسلم؛ إذ "فلم يعنف واحدًا من الفريقين‏"،‏ وحين كان من أمره أَلَاْ "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، وقد كان من شأنهم أن قومًا قد صلُّوا لإدراك وقتها، وقبل فواتها، وأن فريقًا آخر قد تأجل انقيادهم إنفاذًا لأمره صلى الله عليه وسلم بضرورة المسارعة إلى بني قريظة.

 

وفيه ربط أنظمة الديانة كلها بعضها بعضًا؛ بحيث يكون في عقد المسلم انتظامه فيها كلًّا، وعلى مسافة واحدة، فلا تترك هذه لأجل هذا، ولا يعطل هذا لصالح ذاك، ودلك على صدق ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ربط الصلاة بالجهاد، في قول فصل موجز كريم، فإنه إذ يدعوهم لسرعة الاتجاه إلى بني قريظة، إلا أنه يذكرهم بأمر الصلاة، فلا يتركونها لعارض، كمثل هذا أو مما سواه، ولقد كانت الصلاة، ولأنها ركن الإسلام الثاني، إلا أنها ذلكم الزاد الروحي جنبًا إلى جنب لتشد سواعد المجاهدين في سبيله تعالى، وهم إذ يروحون لبذل الْمُهَج في سبيل مولاهم الحق ربنا الرحمن سبحانه، فلزم منه التضحية، ولزم له الزاد المعنوي الذي يساعد في البذل، وينهض بهم إلى التفاني.

 

و"إنما لم يعنف - صلى الله عليه وسلم - الذين أخَّروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر؛ لأنهم اجتهدوا، فأخَّروا امتثالًا للأمر، لكنهم لم يصلوا إلى أن يكونوا في أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى"[3].

 

وقال السهيلي وغيره‏ رحمهم الله تعالى: "‏في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، ولا على من استنبط من النص معنى يخصِّصه، وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب"[4].

 

وقال أيضًا‏ رحمه الله تعالى:‏ "ولا يستحيل أن يكون الشيء صوابًا في حق إنسان، وخطأً في حق غيره، وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد؛ قال‏:‏ والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان، قال‏:‏ فكل مجتهد وافَق اجتهاده وجهًا من التأويل، فهو مصيب"[5].

 

و"أما اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في المبادرة بالصلاة عند ضيق وقتها وتأخيرها، فسببه أن أدلة الشرع تعارَضت عندهم بأن الصلاة مأمور بها في الوقت، مع أن المفهوم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلينَّ أحدٌ الظهر أو العصر إلا في بني قريظة المبادرة بالذهاب إليهم، وألا يشتغل عنه بشيء لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه؛ من حيث إنه تأخير، فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظرًا إلى المعنى لا إلى اللفظ، فصلوا حين خافوا فوت الوقت، وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته، فأخروها ولم يعنِّف النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا من الفريقين؛ لأنهم مجتهدون، ففيه دلالة لمن يقول بالمفهوم والقياس ومراعاة المعنى، ولمن يقول بالظاهر أيضًا، وفيه أنه لا يعنَّف المجتهد فيما فعله باجتهاده، إذا بذل وسعه في الاجتهاد، وقد يستدل به على أن كل مجتهد مصيب، وللقائل الآخر أن يقول: لم يصرِّح بإصابة الطائفتين، بل ترك تعنيفهم، ولا خلاف في ترك تعنيف المجتهد، وإن أخطأ، إذا بذل وسعه في الاجتهاد، والله أعلم"[6].

 

وعبارة الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى فصل في المسألة؛ حيث قال: "بل الاجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنَّف"[7].

 

وأمتنا لها مرجع، ومرجعها هو الرَّسولُ محمد صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، وهو مَرجِعُ الجميع بلا استثناء، وهذا أمر غاية في الضرورة، وغاية في الأهمية؛ إذ به ينتظم عقد الأمة فلا ينفرط، وإذ به قوامها فلا تتفرق؛ ليذهب ريحها سدًى، وإذ به استقامة أحوالها، وإذ به يقام نظامها، على العدل لا الظلم، وإذ به يقام على القسطاس لا الحيف، وإذ به يقام على النظام والانضباط، لا على العشوائية والتخرُّص، وذلك على عكس أمة من الأمم لا يكون لها مرجعها الذي تتزوَّد منه نظام حياتها، فلا يكون لها نظام من أساس، وإنما تحكمها العشوائية المطلقة، وليس لنظام عشوائي من بقاء، ولا يكون لنظام يفتقد إلى النظام - ولو ثقبًا من أمل - الاستمرار، فضلًا عن أن يكون قائمًا من أساس.

 

وإنما الاختلاف أمر وارد على كل أمة أفرادًا وجماعات؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118]، لكن هذا الاختلاف، ولَما يرجع فيه إلى المرجع الأساس، وهو رسول الله محمد صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم في كُلِّ شُؤونِهم أيضًا، لكانت نتائجه مثمرة توفيقًا، ولكانت مخرجاته ضامنة سؤددًا وقيادة وسيادة.

 

هذا الاختلاف ولَما يرجع فيه إلى كتابها المنزل، وإلى قائد الأمة؛ ليُبيِّنَ لَهُم ما أَشْكَلَ عليهم، أو يُقرَّهم على ما اجتَهدوا فيه، وفي كلتا الحالتين يكون الفلاح نصيب الأمة المؤزر، ويكون النجاح سبيلها المقدر، وانظر إلى مآل الرد إلى الله والرسول، وكيف كان خيرًا وأحسن تأويلًا، فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

 

لكن مجتهدًا له حظُّه من القبول لاجتهاده، وخاصة إذا كان بموجب تأويل سائغ عن رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلَّم، وتقرِّره قواعد الشريعة العامة، وهذا ما حدث يوم قريظة، يوم أن صلى فريق، اعتمادًا على تنجيزية أوقات الصلاة، من مقتضى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، ولَما قد تأوَّلوا أمره صلى الله عليه وسلم بقولهم: "بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ"، و"إنما أراد سرعة الخروج"[8]، ولَما قد أخَّرها فريق من مقتضى ظاهر أمره صلى الله عليه وسلم بعدم أدائها إلا في بني قريظة.

 

بل إن إثابة المجتهِدِ في كُلِّ ما يُسوَّغُ الاجتِهادُ فيه، أمر قررته قواعد شريعتنا، ونظام أعملته أصول ملتنا، لانطلاق الطاقات الخلابة، والقامات المبدعة، فلا حجر عليها، ولا تقتير، ولا تضييق عليها، ولا تسفيه، ولذلك تجد أثر ذلك في تاريخ أُمتنا، من كونها قادت أُمَمًا، وفتحت أرجاءً، وما كان لها أن يتم ذلكم على يديها وهي مكبَّلة الأيدي، وبغلق أبواب الإبداع أمامها، وهو ما كان سببًا في ضياع أمم أخرى، وقفت أمام الإبداع بالمرصاد، وانظر إلى ما حدث لدى قوم آخرين يوم أن جُرِّمَ العلماء، ويوم أن حوكم الحكماء، ويوم أن أُعْضِلَت الابتكارات، ويوم أن حرمت الاختراعات، ويوم أن حُبست أنفاس الإبداع والطاقات الخلاقة إبان عصور الظلام!

 

وفيه الاهتمام بأمر الصلاة، لحديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استَقيموا ولَن تُحصوا، واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ، ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ"[9]، ولأن التربية الإيمانية جنبًا إلى جنب لها أهميتها لإقامة سوق البذل والعطاء والتفاني والجهاد.

 

وهو ليس بيانًا لعِظم شأن الصلاة عمومًا فحسب، بل إنه بيان آخر معه لعظم شأن صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى، على قول ابن عباس وأبي هريرة، وغيرهما من أهل الفقه وأهل التفسير[10]؛ كما قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].

 

وأسلوب الحديث حصر وقصر - ما وإلا - ليمنح الكلام جزالته، ويكسبه بلاغته، ومنه فحسنت بلاغة البيان، فـ(إنَّ من البيانِ سحرًا، وإنَّ من الشِّعرِ حِكمةً)[11].

 

وفيه عموم الخطاب، ليدخل فيه عموم المخاطبين، ومنه فلا يستثنى من أمرٍ أحد، ولا يخرج عن نهي مخاطب، إلا تَحلة الضرورات تُبيح المحظورات، وكل بقدره وعلى شرطه، وبحث هذا في موضع آخر.

 

و"لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فقد عرفنا المخاطِب وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفنا المخاطَب وهو(المسلم)، وعرفنا المخاطَب به وهي (الصلاة)، وعرفنا مكان الخطاب وهو (بنو قريظة)، ومنه فوضوح في القصد مطلوب، وتحديد أسلوب التعبير مرغوب، فذلك هام لشأن استقبال المرسل إليه، وهو أمر هام أيضًا في نجاح عملية الاتصال، وهو أيضًا من جوامع الكلم، فعبارته صلى الله عليه وسلم قصيرة موجزة، ومعانيها مطولة مسهبة!

 

وامتثال الصحابة للخروج إلى بني قريظة تطبيق عملي لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، ومنه فاختبار صدق الإيمان إنما يكون عند الأمر والنهي.

 

وإذا كان الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم قد اجتهدوا في كيفية تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم اتفقوا على لزوم الطاعة، ولم يعنِّف بعضهم بعضًا هم أنفسهم؛ لأن المسلمين لحمة واحدة، وذلك لأنك "تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى"[12].

 

وفيه تعدُّد طرق تنفيذ الأمر؛ لأنه "إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أصابَ فَلَهُ أجْرانِ، وإذا حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ"[13]، ومنه جواز تعدُّد أوجه الحق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا لم يعنِّف أحدًا منهم، فدل على أنه الحق، وإلا كان قد بيَّن وإن لم يعنِّف!.

 

وعلى قول جمهور أهل العلم: "وإنما فيه تركُ تعنيف مَن بذَل وُسعَه واجتهَد، فيستفاد منه عدم تأثيمه"‏[14].

 

وعلى كل حال، فإنهم لَما كانوا قد صلَّوْا العصر بها - أي ببني قريظة - وبعد العشاء الآخرة، ولَما لم يعبهم الله بذلك في كتابه، ولا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، فدل على يسر الإسلام وسماحته، وقد دل أيضًا على سعة الأمر وأرْيَحِيَّته وسهولته، وكم كان رافعًا حرجًا عن المسلمين في نداه، وكم كان باعثًا على استدعاء سُبل الخير لاتباعها حيثما وُجدت، وقد نال مسلم حظَّه من الفلاح لاتباع هداه، وقد تحصَّل له من الفوزِ لاقتفاء رشده وسناه.



[1] [صحيح البخاري، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، رقم الحديث: 899].

[2] [صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1828].

[3] [سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي: ج ٥/20].

[4] [فتح الباري، ابن حجر العسقلاني: ج9/514].

[5] [المرجع السابق: ج9/514]‏.‏

[6] [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي: (12/98)].

[7] [البداية والنهاية، ابن كثير: ج٤/١٣٥].

[8] [زاد المعاد؛ ابن القيم الجوزية، ج3/117].

[9] [صحيح ابن ماجه، الألباني: الصفحة أو الرقم: 226]، وقال: صحيح.

[10] [جامع البيان، ابن جرير الطبري: ج ٢/٧٥٠].

[11] [صحيح الأدب المفرد، الألباني: الصفحة أو الرقم: 669].

[12] [صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6011].

[13] [صحيح البخاري: الصفحة أو الرقم: 7352].

[14] [فتح الباري، ابن حجر: ج ٧/ ٣١٥‏].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غزوة بني قريظة الغدر والعقوبة
  • غزوة بني قريظة دروس وعبر
  • أحداث غزوة بني قريظة
  • قصة غزوة بني قريظة
  • المقياس في شرح منهج ابن عباس
  • غزوة: « بني قريظة »

مختارات من الشبكة

  • من شاء أن يصلي فليصل(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: من أكل من هذه الشجرة، فلا قربنا ولا يصلين معنا(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • حديث: من السنة ألا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حكم صلاة الإمام على غال أو قاتل نفسه عمدا(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • تفسير: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة السنن الرواتب والوتر في حالة الجمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كسوف الشمس وخسوف القمر(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • شرح حديث عبدالله بن الشخير: "أتيت رسول الله وهو يصلي ولجوفه أزيز"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث عبدالله بن عمر: "إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله يصلي بنا(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب