• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

وإذا أحبك...

بلقيس الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/6/2020 ميلادي - 26/10/1441 هجري

الزيارات: 5769

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وإذا أحبك...

 

قال الثعالبي: (المحبة ثمن لكل شيء وإن غلا، وسُلَّم إلى كل شيء وإن علا)[1].

فإذا تمكن الحب من شغاف القلب، وأخذ بتلابيبه، أخضعَ صاحبَه ليبذل المساعي في نيل محبة من يُحب، والسعي إليه بشتى ما يستطيع من وسائل؛ مُسخرًا لذلك الكثير من الجهد والوقت في سبيل الاقتراب منه، والبحث فيما يحب ليسلكه، وما يكرهُ ليتجنبه، بل ويُقدمُ عن طيبِ خاطرٍ رغباتِ من يُحب على رغبات نفسِه، ولا يَزيدُه العناءَ في ذلك إلا لذةً وتمسكًا.

 

وقد قالَ أبو فراس:

إذا صح مِنكَ الود فالكل هينٌ *** وكل الذي فوقَ الترابِ ترابُ

 

ولا يسعُ المتأمل في حب المحبينَ ومساعيهم، إلا أن يقيسَ هذا على العلاقةِ الأعظمِ بين العبدِ وخالقِه، وإلى أي مدى قد يسعى العبدُ المُحب، ويحرصُ على رفعِ رصيدِه لنيل محبة الله، وتعميق هذه العلاقة، فإذا كان المُحب يلتمسُ مرضاةَ من يُحب بهذه اللهفة، وبهذا الحرص، أليس من باب أولى أن يبحثَ المؤمن المُحب عن الأسبابِ التي يستحق بها محبة مولاه؟ فيبذلُ فيها جهدَه راجيًا متأملًا.

 

ألا يهفو القلبُ ويذوبُ توقًا حين يقع عليه قول الله تعالى للكليم موسى عليه السلام: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ [طه: 39]، أوَلسنا جميعًا نقول: إننا نحب الله؟ فأين براهينُ الصدقِ فيما نقولُ؟ وأين دلائلُ الحبِ فيما نفعلُ؟

 

قال ابن تيمية رحمه الله: (وَاعجَبًا لمن يَدَّعِي الْمحبَة وَيحْتَاج إِلَى من يُذَكِّرهُ بمحبوبِه، فَلَا يَذكرُه إلا بمُذكر، أقل ما في المحبةِ أنها لا تُنسيك تذكُّرَ المحبوب)[2].

 

الله! هذا أقلها؛ ذكرٌ دائمٌ للمحبوب، فكيف بعظيمِها؟! وأين نحنُ من قليلِها وعظيمِها؟

أيستقيمُ أن ندَّعي الحب، ثم نجهل المحبوب وصفاته وما يحب وما لا يحب؟ بل كيف نحب من لا نعرف؟ والمعرفة شرط لازم للمحبة، وهل يليق بمن يُحب أن يتأخر عن موعد لقائه بمحبوبه، أو أن يستعجل إنهاء اللقاء عوضًا عن إطالته؟ ونحن لنا في اليوم خمسة لقاءات بربنا، فهلا سألنا أنفسنا: ما حالنا فيها؟ أوَلا يشتاقُ المُحب لكلام محبوبِه، فإذا سمع من كلامه شيئًا، أرهف له حِسه وقلبه وسمعه وشعوره؟ وهذا كلام ربنا محفوظ بين أيدينا، فمالنا إذا سمعناه لا نبدي تأثرًا ولا شعورًا؟!

 

انطلاقًا ممن ذُكر أعلاه، وتأسيًا بنبي الهدى صلى الله عليه وسلم؛ حيث ثبت أنه كان يدعو: (اللهم إني أسألك حبك وحبَّ مَن يحبك، وحب كلِّ عمل يقربني إلى حبك)[3]، وعلى سبيل البحث في أسباب محبة الله عز وجل لعباده في كتابه العزيز، أحصيتُ ثم ممن اقترن حب الله بذكرهم في القرآن الكريم، وهم:

1- المحسنون قال تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

 

وباب الإحسان باب واسع يشمل كل شيء، كما جاء في الحديث: (إن الله كتب الإحْسَان على كل شيء ... إلى آخر الحديث)، قال المباركفوري: أي إلى كل شيء، أو بمعنى: أمركم بالإحْسَان في كل شيء[4]، ومُناط الإحسان أن تستشعر بأن الله مطلع عليك، وناظرٌ إليك، وبهذا يمكنُ أن تُحسن في عبادتك وسلوكك وكلامك وتعاملك وعملك، وتتقن ما بين يديك؛ لتؤديه على أكمل وجه ممكنٍ تستطيعه؛ مصداقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه[5].

فإحسان العمل إتقانه، وإحسان الحديث تهذيبه، وإحسان المعروف كتمانه، وإحسان الخطأ إصلاحه وهلم جرًّا.

 

2- التوابون: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ [البقرة: 222]؛ أي: رحمة وكرم قد منَّ الله به علينا حين فتح لنا باب التوبة على المدى الزمني لأعمارنا، ولم يجعل بيننا وبينه حاجبًا ولا حجابًا، ينتشلنا من غياهب الخطيئة، ويغفر ذنوبنا كلها كبيرها وصغيرها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها، يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ الليْلِ[6]، الرب جل جلاله يبسط للعبد الفقير يده، فعجبًا كيف للعبد ألا يُقْبِل؟! ونحن في أمس حاجة لأن نقبل، علَّنا نرمِّم ما يعتلي هذه النفس من خراب قبل أن نتمادى، فنهلك. تأمل في الآية لفظ التوابين على صيغة فعَّالين، دلالة على تَكرار الفعل وكثرته، فبعد كل ذنب تُب واستبشر، وإياك أن تيئَس، ومهما تكرر الذنب كرر التوبة مع الإتيان بشروطها، فإنك لا تنال محبته فقط، بل يفرح بك؛ كما جاء في الحديث: (ولَلهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِه)[7].

 

إن من عظيم رحمته أنه ينقذنا بالتوبة، ثم يفرح ويُغدق على العبد بعد توبته محبة ورحمة، فما أقربه وأرحمه وأكرمه وأعظمه! وما أبعدنا وأظلمنا لأنفسنا!

 

3- المتطهرون: ﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، لن تجد في دين ولا تشريع عناية مجملة تفصيلية بنظافة الفرد، شملت دقائق الأمور وتفاصيلها كما هي في الاسلام، بما فيه من تشريعات وتوجيهات ربانية، فصلت في الطهارة المعنوية والحسية، وفرقت الطاهر عن النجس، وأوردت آدابًا للخلاء والاغتسال والوضوء، وأحكامًا لطهارة الماء، وأوجدت مطهرات بديلة في حال انعدامه، وانظر إلى عِظم منزلة الطهارة؛ إذ هي تعدلُ شطر الإيمان؛ كما جاء في الحديث: (الطهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ...)[8]، وهي شرط ملزم لأداء الصلاة عماد الدين التي نؤدِّيها خمس مرات في اليوم، فهل يُعقل أن يكون العبد محبًّا لله غير ملتزم بطهارة نفسه ونظافته، وهو يقابله في صلواته؟ حري بكل مسلم يبتغي أن ينال حب الله أن يكون مثالًا للنظافة حيثما حلَّ، وعنوانًا للطهر، باطنًا بطهارة سريرته ونفسه، وظاهرًا بنظافته الشخصية، ونظافة ملبسه وبيته، وأي مكان يجلس فيه، ومما يثير العجب في بلادنا نحن المسلمين ما نراه في المنتزهات والأماكن العامة من إهمال للنظافة والفوضى التي يخلفها المتنزهون.

 

4- المتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به)[9].

 

إذًا هو تلازم بين الإيمان والاتباع، وبين طاعة الله عز وجل وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا مساومة ولا مقايضة هنا، وبقدر التعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم يكون التشبث بسنته، وبقدْر نَهْلِكَ مِن مَعين سُنته، يكون قربك منه يوم القيامة، فإنك حين تذود بنفسك عن سنته، إنما تباعد بينك وبينه، وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله كلامًا جميلًا، إليكم نصه: "فَلَهُ صلى الله عليه وسلم حَوْضانِ عَظِيمانِ: حَوْضٌ في الدنْيا وهو سُنتُهُ وما جاءَ بِهِ، وحَوْضٌ في الآخِرَةِ، فالشارِبُونَ مِن هَذا الحَوْضِ في الدنْيا هُمُ الشارِبُونَ مِن حَوْضِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، فَشارِبٌ ومَحْرُومٌ ومُسْتَقِل ومُسْتَكْثِرٌ، والذِينَ يَذُودُهم هو والمَلائِكَةُ عَنْ حَوْضِهِ يَوْمَ القِيامَةِ هُمُ الذِينَ كانُوا يَذُودُونَ أنْفُسَهم وأتْباعَهم عَنْ سُنتِهِ ويُؤْثِرُونَ عَلَيْها غَيْرَها، فَمَن ظَمِئ مِن سُنتِهِ في هَذِهِ الدنْيا ولَمْ يَكُنْ لَهُ مِنها شُرْبٌ، فَهو في الآخِرَةِ أشَد ظَمَأً وأحَر كَبِدًا، وإن الرجُلَ لَيَلْقى الرجُلَ، فَيَقُولُ: يا فُلانُ أشَرِبْتَ، فَيَقُولُ: نَعَمْ واللهِ، فَيَقُولُ: لَكِني واللهِ ما شَرِبْتُ، واعَطَشاهُ".

 

محروم والله من تكون بين يديه سنة رسول الله، ثم هو يتركها إلى ما سواها، يشتري رخيصًا بغالٍ، وبئس ما شرى وما اشترى.

بل إن ما نراه اليوم من هجمة شعواء على السنة تحت مسميات مغلوطة، ومغرضة للتشكيك في حجيتها وقدسيتها، ضربٌ من الضلال والغي، تستلزم من كل مؤمن حر غيور أن يتصدى للذود عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يلقم حجرًا تلك الأفواه التي تسعى للفصل بينها وبين القرآن بزعم أن العمل بها غير واجب، وأنها ليست حجة في إثبات الأحكام، وصلى الله على من لا ينطق عن الهوى الذي حذَّر من هذا، فقال: لا ألفينَّ أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتَّبعنا[10].

 

5- المتقون: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76]، التقوى منزلة عظيمة، وبعظم منزلتها عظُمت ثمارها وفضائلها، فهي سبيل من السبل المؤدية إلى محبة الله عز وجل ومعيته، وطريق إلى الجنة، وهل بعد الجنة مطلب، وهل بعد الاهتداء إلى سبيلها ضياع؟ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق[11]؛ رواه أحمد، وهي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصية الرسل الكرام من قبله، وأجمل ما يتزين به العبد، وخير ما يتزوَّد به، وأكرمُ ما يُضمر وأعظم ما يُدَّخر، وهي من ضروب الورع واتقاء الشبهات؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس"[12].

 

فإذا وقَرت تقوى الله في القلب، أثمرتْ وأينعتْ في السلوك والخُلق، وصلَحتْ بها أمور العبد دينًا ودنيا، والتقوى حِمية القلب، تنوء بصاحبها عن مواطن الزلل والشبهات، وتحول بينه وبين هواه، وفي ذلك قال يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى: (اجْتِنَابُ السيئَاتِ أَشَد مِنْ كَسْبِ الحَسَنَاتِ).
فاتقِ الله في نفسك وأهلك ومالك وتعاملاتك وعلاقاتك، وحذارِ أن يراك الله حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك.

 

6- الصابرون: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، هذه الدنيا دار ابتلاء بما فيها من عواصف الشقاء والبلاء والأوجاع والمصائب، والله عز وجل أوجد الخلائق فيها ليبلوهم ويختبرهم، ومثل المؤمن مع البلاء كمثل الزرع مع الريح، تهزه يَمنة ويَسرة، يَميل ويَنثني لكنه لا يسقط، يسنده صبره وصموده بحول الله؛ كما جاء في الحديث: "مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه، ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد"[13].

 

الحديث عن عِظم أجر الصابرين، وما أعدَّ الله لهم، وجزاؤهم والبشرى لهم حديثٌ يطول، ولو تحدثنا عن حب الله لهم لكفى!

فما تَهون مصيبةٌ، ولا يُستصغر مصابٌ جللٌ، إلا إذا قارَعه صبرُ المؤمن ويقينُ المحتسب فغلَبه، ولو تجسَّد الصبر شيئًا لمسح على رؤوس المتعبين وبشَّر، فهذا وعد ربهم: ﴿ وَبَشِّرِ الصابِرِين ﴾، والصبر ليس بصفة تُرجى فتكتسب، قال الحسن: "الصبر كنز من كنوز الجنة، لا يُعطيه الله إلا لعبد كريم عنده"، فمقام الصبر عالٍ؛ إذ هو من دلائل الإيمان، ولا يتحقق باجتهاد المؤمن وحده دون عون الله له، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبَّر يصبِّره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر)[14]، فقوله: (ومن يتصبر)، دليل على أن الصبر يتطلب توفيقًا وتيسيرًا من الله، فلا بد من سؤال الله العون والتوفيق في الصبر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾ [البقرة: 250].

 

فهو منزلة عظيمة لا يرقَى إليها إلا مَن وفَّقه الله وأعانه، فاستعنْ بالله ولا يُصيبك وهنٌ أو عجز؛ لأن الوهن يترك في النفس خرقًا، ولا بد أن يُرقَّعَ الخرق ويُحاك بخيط الصبر والإيمان قبل أن يتسع، اصبر عن المعصية صبر تقي ورِع، وعلى الطاعة صبر مُحب، وعلى البلاء صبر مُحتسب.

 

7- المتوكلون: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

قد بدأنا بالحديث عن حب المحبين، وهنا نعود إليه لنعرِّج على مسألة الثقة وحسن الظن. فكيف إذا كان الحب، حب الله، الملك ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة؛ مالك كل شيء، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك مِمَن يشاء، ويعز مَن يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فإذا كنتَ بدافع الحب تثق بمن تحب ثقة عمياءَ، وتتكل على عبد ضعيف لا حول له ولا قوة، فكيف بحالك والله وكيلك وإليه تفوِّض أمرك، مُحسنًا الظن به، راضيًا بقضائه، تتوكل عليه وهو حسيبك، فيكفيك ما أهمَّك ويُحبك.

 

وقد جاء الأمر بالتوكل على الله في غير موضع من القرآن؛ لأنه أصل من أصول العبادة لا يتم توحيد العبد إلا به؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]، وثم علاقة طردية بين الإيمان والتوكل، فكلما زاد إيمان العبد، زاد توكُّله على الله، وأحرز مقامًا ساميًا من مقامات أعمال القلوب، مقرونًا بعمل الجوارح في الأخذ بالأسباب وإن كانت ضعيفة في ذاتها، أما التمسك والتعلق بالأسباب من دون الله، فطعن في التوحيد.

إن التوكل يورثُ في القلب سكينة، ويبث في النفس عزيمة، ويكفي المرء مؤونة السؤال مستغنيًا بالله عن الناس.

 

8- المقسطون: ﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9].

ما اختلت موازين الحياة، وانتشر الفساد وغُيب الأمان إلا بعد اختلال ميزان القسط بين الناس؛ أي العدل، فالقسط منزلة علوية يرفع به الله المقسطين؛ كما جاء في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا))[15]، وليس موضوعنا النظر إلى دوائر العموم، وإنما عينُ حديثنا هنا عن الفرد.

 

العدل إعطاء الحقوق وإقامة الواجبات، ومفهوم العدل لا يقتضي المساواة المطلقة كما يظن بعض الناس، وإنما النظر في قدرات كل شخص وإمكانياته، وما يطيق وما لا يطيق، حتى يوجد توزيع عادلٌ للمهام والتكاليف، فلو ساوينا في واجبات الإنفاق والزكاة بين الغني والفقير، لظلمنا الفقير؛ لأننا كلفناه بما لا يطيق، وكذا من ينادي بالمساواة بين الرجال والنساء في الأحكام الشرعية مُدعيًا تطبيق العدالة، فهو قاصر النظر.

 

إن المؤمن مأمور بمحاسن الأخلاق، وسيد الأخلاق العدل مع نفسه، ومع الناس كافة، وقبل ذلك مع أهله ومن هم تحت ولايته؛ إذ كيف يطمع أحدنا أن يقيم العدل في الناس، ويُحكم شرع الله، وهو في بيته ظالم، عاجز عن القيام بحقوق أهل بيته من زوجة وأبناء، وفي توزيع هذه الحقوق كان قول سلمان لأبي الدرداء: إن لِرَبكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سلمان رضي الله عنه.

 

ومن العدل مع النفس سلوك طريق النجاة، وحملها على طاعة الله، فإنه إن خالف ذلك ظلم نفسه، وفي تفسير السعدي ذكر: "إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيها هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه‏‏".

 

ومن مظاهر العدل الإقرار بالخطأ وتصحيحه، وتطبيق العدل فيما لك وما عليك، مع من عرفتَ ومن لم تعرف، فكن في حياتك منصفًا، بالحق صادحًا، للمظلوم ناصرًا، وللضعيف مساندًا.

 

فهذه ثمانية أبواب: (الإحسان والتوبة والتطهر والاتباع والتقوى والصبر والتوكل والقسط)، مشرعة أمام كل محب لله، ساعٍ إليه، ليقدم عربون محبته، ويشمِّر عن ساعديه، ويلحق بمن سبقه، اسأل نفسك على أي عتبة من عتبات هذه الأبواب تقف؟ وإن كنتَ بعيدًا فأقبل، واطرق الباب كرة تلو كرة، ولا تبرح حتى تدخل.

 

أقبِل عليه من أيها شئت - وامكث بشَعثك ومَتربتك وافتقارك - مكوثَ مُحبٍّ لا يُغير ولا يبدِّل، وحاجة مسكين لا يَكِل ولا يَمل، ولا يَثنيك عجزُك عن الجمع بينها كلها أن تتوانى عن السعي، حتى تصيب منها قدرَ المستطاع، ولا ترضَ بالدون، وأن يتسابق إليه المحبون، وأنت في آخر الركب لا تبارح مكانك.

 

سِر إليه سير مسافر لا يحمل من الزاد إلا القليل، واسعَ إليه سعي تاجر لا يَملِك من البضاعة إلا حبه، وإخلاصه واجتهاده، جرِّب كل سبيل يأخذك إليه، ويقربك منه شبرًا واثنين وثلاثة، فهناك المحطة والغاية، واستغنِ به؛ لأنك إذا استغنيتَ به أغناك! واظفر بحبه فإذا أحبك، حبب فيك أهل السماء، وسخر لك أهل الأرض، وإذا أحبك سدَّد خطاك، وحفظ جوارحك، وجعل مساعيك في مرضاته؛ كما جاء في الحديث: (... فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذنه) [16].

وإذا أحبك ماذا قد تخسر بعد ذلك لو خسرتَ؟!



[1] [3424] ((سحر البلاغة ))؛ لأبي منصور الثعالبي (ص 130).

[2] [3420] ((الفوائد)) لابن قيم الجوزية (ص 77).

[3] هذا المعنى جاء مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاذ رضي الله عنه.

[4] كتاب موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، الأمر بالإحسان والترغيب فيه من القرآن والسنة، ص60.

[5] أخرجه أبو يعلى والطبراني، وقد صححه الألباني في الصحيحة نظرًا لشواهده.

[6] رواه أبو موسى الأشعري، صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2759.

[7] رواه أنس بن مالك، صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2747.

[8] رواه أبو مالك الأشعري، صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 223.

[9] رواه عبدالله بن عمرو، معارج القبول، الصفحة أو الرقم: 422/ 2.

[10] رواه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4605.

[11] رواه أحمد.

[12] رواه الترمذي وقال حديث حسن.

[13] رواه: أبو هريرة، صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2809.

[14] رواه: أبو سعيد الخدري، صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1469.

[15] رواه: عبدالله بن عمرو، صحيح النسائي.

[16] رواه البخاري.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إني أحبك
  • لماذا أحبكِ؟
  • بشراك إن أحبك!
  • الدعاء لمن قال: إني أحبك في الله
  • يا عبد الله كيف تكون من أحب عباد الله إلى الله؟

مختارات من الشبكة

  • من صفات عباد الرحمن {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} ، {وإذا مروا باللغو مروا كراما}(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكارم أخلاق صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمات في الإخلاص(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من هدي النبوة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: تشميت العاطس"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: إجابة الدعوة"(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب