نظرة سريعة للموطأ

نظرة سريعة للموطأ

تلخيص الفصل الثاني من كتاب

المدخل إلى موطأ الإمام مالك بن أنس

تأليف الدكتور الطاهر الأزهر خذيري

نظرة سريعة للموطأ:

كتاب حديث ونظر فقهي، يذكر فيه الإمام غالب أحاديث الباب، ثم يُردفها بموافقة عمل أهل المدينة أو مخالفته، وينقل رأي فقهاء الصحابة وأئمة التابعين، وملخص ما يراه في المسألة.

قصة تأليف الموطأ:

سأل أبو جعفر المنصور الإمام مالك رحمه الله أن يجمع كتابًا للناس يتجنَّب فيها شدائد عبدالله بن عمر، ورُخَص ابن عباس، وشواذ بن مسعود، ويضع ما اجتمعت عليه الأمة والصحابة، ويقصد أوسط الأمور؛ حتى يكون مرجعًا للناس في أمور دينهم.

منزلة الموطأ:

انتهج الموطأُ الانتقاءَ والاختيار، واشتد في نقد الرجال، وكان تام الملكة في فقه الحديث، وجمع بين الحديث والفقه، وآثار الصحابة وأقوال التابعين وفتاويهم، فللموطأ منة عظيمة لكل من جاء بعده، فقد أثنى عليه الشافعي وعبدالرحمن بن مهدي، فقالا: ما في العلم أكثر صوابًا من موطأ مالك، وكثير من أهل العلم قد أثنوا عليه؛ إما من جهة فضل المصنف، أو التزام الصحة، أو استيعاب المقاصد المهمة، أو القبول من عامة المسلمين، فقد جمع كل هذه الأمور.

مزايا الموطأ:

للموطأ مزايا عديدة أختصرها في عدة أسطر:

• أنه من تصنيف الإمام مالك إمام دار الهجرة، أمير المؤمنين في الحديث والفقه، فقد قيل: أشرف العلم الفقه في متون الأحاديث.

• قبول العلماء وثناؤهم عليه، وتواتر كلامهم في مدحه وتقريظه.

• أنه من أول المؤلفات في ذلك وللسابق فضلٌ ومَزية، وأُلِّف في بدايات القرون المفضلة.

• مؤلفه أول مَن سن رواية الحديث على أبواب الفقه، فاقتدى به البخاري ومسلم وغيرهما.

• أن باب الاجتهاد منغلق إلا باقتفاء الموطأ وتعقُّبه.

محتويات موطأ مالك:

• أحاديث مروية بأسانيد متصلة مرفوعة، أغلبها مقبول، وقيل: كلها مقبولة.

• أحاديث مروية مرسلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يقول فيها مَن يروي عن الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله قال كذا، أو فعل كذا، ولا يصرح باسم الصحابي، وأكثر مرسلات الموطأ قد ثبت اتصالُها خارج الموطأ.

• أحاديث رُويت منقطعة، وثبت أكثرها أيضًا متصلة خارج الموطأ.

• أحاديث موقوفة عن الصحابة، منها المرفوع الحكمي، وهو ما لا يقال من قبل الرأي، فهو حتمًا مرفوع.

• بلاغات مالك، وقد ثبت اتصالُها إلا في أربعة بلاغات لم توجد إلا في الموطأ.

• أقوال الصحابة وهو الموقوف وفقهاء التابعين.

• ما استنبطه مالك من الفقه المستند إلى العمل، أو القياس، أو قواعد الشريعة.

• أشياء أخرى كتفسير كلمة أو معنى، وهكذا مثل بقية الكتب.

شيوخ الإمام مالك:

بالنسبة للروايات المرفوعة: أكثر الإمام مالك الرواية عن:

• نافع ( 85 حديثًا).

• أبو الزناد عبدالله من زكوان ( 64 حديثًا).

• هشام بن عروة (42 حديثًا ).

• يحيى بن سعيد الأنصاري ( 40 حديثًا ).

• عبدالله بن دينار ( 31 حديثًا ).

• زيد بن أسلم ( 26 حديثًا ).

• محمد بن شهاب الزهري (18 حديثًا ).

• إسحاق بن عبدالله ( 18 حديثًا ).

• عبدالله بن أبي بكر بن حزم ( 18 حديثًا ).

شيوخ أُخَر.

شروط الصحة في موطأ الإمام مالك:

صحة السند وثقته:

• تحقَّق صدق الراوي فيما رواه: (العدالة واليقظة والضبط وعدم البدعة).

• تحقق عدم الالتباس والاشتباه على الراوي: (صراحة طرق التحمل من انتفاء التدليس والتغفيل).

صحة المعنى:

• تحقَّق مطابقة المروي لما هو واقع من الأمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويندرج تحتها:

(الترجيح بين المتعارضات، ومحامل المتشابهات وتأويلها، والنسخ، ونحو ذلك).

كيفية توخي مالك في الرواية روايةَ الأخبار الموضوعة أو الضعيفة:

أما الكذب وهو شرها، وتوقَّى مالك روايته، فكان من أشد المنتقدين للرجال.

وأما النسيان والغلط، فاشترط أن يكون الراوي من أهل المعرفة والفقه، وشدَّد في رواية الحديث بالمعنى.

وأما الترويج، فأعرض عن التصنع والتحسين في طرق الرواية.

وأما التفاخر، فأعرض عنه مالك أيما إعراض، فكان لا يروي الغرائب، وكان مقل من الرواية، فكان يقول: ليس العلم بكثرة الرواية.

ملحوظة:

كان مالك لا يفرِّق بين صيغ التحديث، حدثنا أو أخبرنا، أو عن أو أن، فكان يقول: "ألست فرغت لكم نفسي، وأقمتُ لكم زللَ الحديث وسقطه، فقولوا: حدثنا أو أخبرنا".

المنهج الفقهي العام للإمام مالك في موطئه:

• منهجه مبني أولًا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسندًا كان أو مرسلَ ثقةٍ.

• قضايا عمر رضي الله عنه؛ لأن رأيه كان موافقًا للوحي والتنزيل غالبًا، فكان له إجماع من الصحابة.

• عمل ابن عمر؛ لأن أكابر الصحابة شهدوا له بالاستقامة، وتفوُّقه على سائر الصحابة إلى ما بعد الفتنة.

• أقوال التابعين من أهل المدينة؛ لأنه كانت روح البلاد وقلب الأمصار، وكان العلماء يأتونها زمانًا بعد زمان.

روايات الموطأ ورواتها وطبعاتها:

للموطأ أكثر من 14 رواية؛ منها:

1- رواية يحيى بن يحيى الليثي رحمه الله ( 152 هـ – 233 هـ)، طُبع بعدة طبعات بالأسانيد ومجردة، وبعضها شروحات للأئمة على الموطأ؛ كالتمهيد والاستذكار، والمنتقى وتنوير الحوالك، وغيرها، رواها عن يحيى ابنه عبيدالله، وابن وضاح.

2- رواية أبي مصعب الزرقاني رحمه الله (241 هـ)، قيل عنه ثقة في الموطأ.

3- عبدالله بن يوسف التنيسي رحمه الله، من أثبت الناس في الموطأ، واعتمده البخاري كثيرًا في صحيحه.

4- يحيى بن بكير رحمه الله ( 213 هـ).

5- يحيى بن يحيى النيسابوري رحمه الله ( 226 هـ).

الطبعات:

• طبعة فؤاد عبدالباقي، لكنه أسقط بعض الأحاديث؛ لأنه اعتمد على نسخة مطبوعة وغير مخطوطة، ولم يُبين أي رواية معتمدة عن يحيى بن يحيى، أهي من رواية عبيدالله، أم ابن وضاح، فهو تارة يوافق ابن وضاح، وتارة عبيدالله، وتارة يخالفهما، وأحيانًا يصحِّح الخطأ الذي وقع فيه يحيي نقلًا عن غيره، فتصير الرواية تابعة لغيره عن مالك.

• طبعة بشار عواد معروف، أخرجتها دار الغرب الإسلامي، لكنه اكتفى بنسخة مخطوطة واحدة كُتبت في خمسينيات القرن السابع لرواية يحيى بن يحيى.

شروح الموطأ:

تميز الموطأ بتعدد شروحاته، فقد بلغ أكثر من 60 شرحًا، ومن أهمهم:

• الاستذكار للحافظ بن عبدالبر ( ت 463 هـ).

• التمهيد للحافظ ابن عبدالبر.

• تنوير الحوالك على موطأ مالك لعبدلرحمن السيوطي ( ت 911 هـ).

• غريب الموطأ (لشيوخ عدة).

• شرح الموطأ (لشيوخ عدة).

مرويات مالك في الصحيحين:

روى كل من البخاري ومسلم عن مالك؛ إما بواسطة أو اثنين أو ثلاثة.

أسانيد مالك المرفوعة: تعتبر من أصح الأسانيد؛ منها:

مالك عن (نافع أو عبدالله بن دينار) عن ابن عمر.

مالك عن ابن شهاب (عن عروة أو القاسم) عن عائشة.

مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.

مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

شيوخ مالك في الأحاديث المرسلة:

شيوخه كُثر، ومن أجلهم محمد بن شهاب الزهري عن الفقهاء السبعة.

(سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، خارجة بن زيد بن ثابت، عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، سليمان بن يسار، أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل سالم وقيل أبو سلمة).

شرج بعض مصطلحات الموطأ:

قول مالك: "السنة عندنا كذا وكذا": يقصد قوله هو، واختيارات الفقهاء السبعة، أو بعضهم، ولا تكون محل إجماع غالبًا.

قوله: "الأمر المجتمع عليه عندنا": سماع غير واحد من أهل العلم، والأئمة المقتدى بهم الذين أخذت عنهم، ورأيهم مثل رأي الصحابة، فالأمر هو ما عمل به الناس، وجرت به الأحكام وعرَفه الجاهل والعالم، قوله: "عن الثقة عنده": إذا تذكر الحديث، وتذكر أنه قاله، وأنه على شرطه، لكنَّه نسِي مَن رواه عنه، وليس يريد تكنية راوٍ معين معروف عنده.

قوله: "السنة التي لا اختلاف فيها عندنا": يعبر به عن قول الفقهاء السبعة وعموم فقهاء المدينة.

قوله: "هذا أحسن ما سمعت": يعني إذا اختلفوا أخذ بأقوى أقوالهم وأرجحها؛ إما بكثرة القائلين، أو لموافقة قياس قوي.

قول يحيى: سألت مالكًا، أو سمعتُ مالكًا، أو سئل مالك: يحتمل وجهين:

سئل مالك: أن مالكًا لَما كتب موطأه، قال: سألت عن كذا، ثم عند روايته كتب كلُّ تلميذ سُئل مالك، أن مالك لم يَكتبه بيده، وعند إملائه قال: وسئل عن كذا، فكتب المستملي: وسُئل مالك؛ إذ لا يصح إلا ذلك.

سمعت مالكًا: سمعه من مالك من لفظه، وهو من جملة الموطأ، أما عند قراءة الموطأ من تلميذ آخر على مالك أو قراءته هو عليه، يقول: حدثني مالك أو قال مالك.

سبب الاختلاف بين روايات الموطأ:

هذا يتفاوت مع عدة عناصر؛ منها: سرعة التلميذ في الكتابة والسماع الصحيح، واهتمام التلميذ بالفقه أو الحديث فقط، أو بهما معًا، ومنهم من كان يدوِّن شرح مالك عند القراءة، وهكذا باختلاف حال التلاميذ.

أهم الأصول الاستدلالية في الموطأ:

القرآن والسنة والعرف والاجتهاد بالرأي، والقياس والاستحسان، وسد الذرائع وعمل أهل المدينة وإجماعهم.

وأكثر ما اعتمد عليه السنةُ وعملُ أهل المدينة؛ لأن كتابه كتاب حديث في أصله، وأحيانًا يذكر الحكم بدون دليلٍ لملكته العلمية وإمامته في الفقه والسنة.