الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

"اللهم": أي: يا الله، لكن حذفت "يا" النداء، وعوض عنها بالميم، وجعلت في الآخر تيمنًا بالبدء باسم الله عز وجل، وكانت ميمًا للدلالة على الجمع.. فكأن الداعي جمع قلبه على ربه، وأقبل عليه، واعيًا بصدق.

"اللهم صلِّ على محمد": وكأنك بها تقول: اللهم يا من له الأسماء الحسنى والصفات العُلى، أسألك أن تزيد محمدًا تشريفًا وسموًّا، وتعظيمًا في الدنيا بإظهار دعوته، وعلو شأنه وخلود شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته.

قال أبو العالية رحمه الله: صلاة الله على نبيِّه: ثناؤه عليه، وجاء لفظ الجلالة "الله"؛ لأنه الجامع للأسماء كلها، والصفات أجمعها.

"كما صليت على آل إبراهيم": كما تفضلت على إبراهيم عليه السلام وأتباعه، فألحق فضلك بمحمد صلى الله عليه وسلم.

"إبراهيم عليه الصلاة والسلام": اسم طيب محمود، ومعناه بالسريانية "أب رحيم"، فهو الأب الثالث للعالم بعد آدم ونوح عليهم السلام، وهو إمام الحنفاء.

عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا خير البرية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك إبراهيم عليه الصلاة والسلام))[1].

"وعلى آل إبراهيم": أي: أتباعه وذريته.

"إنك حميد مجيد":

• "حميد": أي حامد لعبادك الذين أطاعوا أمرك ولزموا شرعك.

• ومحمود لكمال صفاتك وأقوالك وأفعالك ولعظيم نعمك، كما أنك المحمود لحكمتك في القول والفعل والحكم والقضاء.

• "مجيد": أي: ذو المجد والعظمة فالله سبحانه كاملٌ في صفاته، وعظيم في أفعاله، فهو العليم الكامل في علمه، والرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو الكريم الكامل في كرمه، فسبحانه أعظم من كل شيء.

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: ((قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهو على المنبر: ﴿ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]، قال رضي الله عنه: ((يقول الله: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا المتعال، يُمجد نفسه))، قال: "فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرددها حتى رجف به المنبر، حتى ظننا أنه سيخر به"[2].

فإذا أردت يا عبدالله مجدًا فهذا كتاب الله أرشدك إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين))[3].

وإن أردت حمدًا وثناء فلتطع الحميد سبحانه، وإن أردت مكانة ومجدًا فلتعظم المجيد سبحانه.

"اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم":

البركة: حقيقتها الثبوت، واللزوم والاستقرار مع النماء والزيادة، فأنت هنا تطلب من الله أن ينزل رحماته وخيراته ونعمه على محمد وآله.

ومن أعظم بركات "آل إبراهيم" أن خاتمة بركتهم هو "محمد" رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيت إبراهيم أشرف البيوت وأكثرها بركة:

1) لأن الله جعل فيه النبوة والكتاب.

2) ولأن الله جعلهم أئمة، يهدون بأمره إلى يوم القيامة.

3) ولأنه سبحانه جعل صاحب البيت إمامًا للعالمين.

4) ولأنه سبحانه أمر عباده أن يصلوا على أهل هذا البيت.

5) ولأنه سبحانه اتخذ منهم الخليلين إبراهيم ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام.

6) ولأنه سبحانه جعل أهل هذا البيت فرقانًا بين الناس، فالسعيد من اتبعهم، والشقي من أعرض عنهم وعاداهم.

والسؤال: كيف نطلب من الله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن مأمورون بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟

والجواب: لأننا مهما صلينا عليه، فلن نستطيع أن نؤديها حق الأداء، ولن نقوم بها كما ينبغي؛ لهذا طلبنا من الله عونه، وسألناه: ربنا، صل أنت عليه؛ لأنك الأعلم بما يليق به صلى الله عليه وسلم، وكما تفضلت على أتباع إبراهيم وباركت عليهم، فبارك على محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه[4].

فائدة: لا يُشرع تلفيق صيغة صلاة واحدة من مجموع هذه الصيغ، فإن ذلك بدعة في الدين، وإنما السنة أن يقال هذا تارة، وهذا تارة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه[5].

فيا أيها المصلي على النبي، استحضر قلبك، وأحضر عقلك، وتدبر عظمة ذكرك، وسمو أجره، فمن ذلك:

1) النبي يسمع تسليمك عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام))[6].

2) صلاتك هذه يكفيك الله بها الهم والغم: جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أجعل ثلث صلاتي عليك؟ قال: ((نعم، إن شئت))، قال: الثلثين؟ قال: ((نعم))، قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذًا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك))[7].

3) صلاتك هذه سبب لقبول الدعاء: كما جاء عن علي رضي الله عنه قال: "كل دعاء محجوب حتى يُصلى على محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم"[8].