• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

حكم التأسي برسول الله في سائر حركاته وسكناته

حكم التأسي برسول الله في سائر حركاته وسكناته
عمر السنوي الخالدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/8/2017 ميلادي - 4/12/1438 هجري

الزيارات: 84265

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حكم التأسِّي برسول الله في سائرِ حركاتهِ وسكناته


لتحميل المرفق اضغط هنا

 

قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

يتساءل الكثيرون مِمَن يحرصون على اتّباع السنّة ومِن الشغوفين بحُبّ النبيّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: هل هذه الآية على إطلاقها في مشروعية التأسّي برسول الله وتقليده في كل حركاته وسكناته وما ورد عنه من تصرفات وأقوال وأحوال، سواء أكانت جِبِلَّة أو عادَة أو صدْفة أو مِن خصوصيات النبوّة؟ أم هي مخصوصة بأعماله وأقواله التي أرادَ منها التقرّب إلى الله والتعبّد له - فقط -؟

 

بمعنى:

هل أُثابُ ويُكتَب لي أجرٌ إذا نِمتُ على الحصير - بقصد التأسي برسول الله - مع توافر الفرُش لديّ؟

وهل إذا تحدَّثتُ بلهجته أو تعلّمتُ اللهجات الّتي كان يتقنها - عليه السلام - أكون قد تأسّيتُ به؟

وهل إذا امتنعتُ عن أكل بعض ما لم يكن يستسيغه - عليه الصلاة والسلام - يُكتب لي أجر التأسي به؟

وهل يكون لبسي الإزار والرداء والقميص والعمامة على الطريقة المعروفة في عهده - صلى الله عليه وسلم - من التأسي الذي أُثاب عليه؟

وهل اضطجاعي على شقي الأيمن بين صلاتَي سُنّةِ الفَجر والفريضةِ يكون سُنّةً مستحبّة؟

وهل عدم تعلّمي القراءة والكتابة بِنيّة التقليد للنبي - عليه السلام - يكون فيه أجر عند الله؟

والكثير الكثير من الأمثلة والأسئلة التي تدور في البال وتجول في الخاطر...

 

ولكي يسهل الأمر ويصبح بالإمكان الإجابة عن التساؤلات السابقة - سيكون الكلام حول ذلك في محاور:

المحور الأول: تنقسم أفعال رسول الله - عليه الصلاة والسلام - إلى عبادات وعادات.

فأما العبادات فمنها ما هو خاص به - لأنه نبي -، وهو نادر ولا يُعرف إلا بدليل يدل على التخصيص. ومنها ما هو عام للأمة كلها، وهذا هو الأصل وهو الأعم الأغلب من سيرته، لأن وظيفة الرسول هي تبليغ العِباد ما يُشرَع لهم التعبّد به، فتارة يكون بالفعل وتارة بالإخبار وتارة بالإقرار، وقد يجتمعن كلهنّ أو بعضهنّ.

 

وأما العادات، فيمكن أن نُدرج تحتها ما لم يكن الهدف منه التقرّب إلى الله تعالى، كأن يكون فِعلًا فَعَلَه الرسولُ مصادفةً، أو جريًا على العادة التي كان عليها أهل زمانه، أو جِبِلّة وطَبْعًا لأنه بشرٌ كسائر البشر. وأكثر الفقهاء يسميها "الأفعال العادية"، أو يُدخلها تحت اسم "ما لا يُفعل للقربة"، أو "ما لا يوجد فيه معنى القربة"، وبعضُهم يبحثها تحت عنوان "الأفعال المباحة"، لذلك على الباحث أن لا يتقيد باصطلاحٍ معيّن.

 

المحور الثاني: بعد التقسيم السابق رأى بعض أهل العلم أنّ أفعال رسول الله تتفرّع - على النحو التفصيلي - إلى خمسة أفرع:

1 - أفعاله في العبادات العامة: التي وردت لتخصيص عام أو تقييد مطلَق أو بيان مجمَل، كأفعال الحج والعمرة وصلاة الفرض بحالاتها وصلاة النفل بأنواعها وقطع يد السارق، ونحو ذلك.

2 - أفعاله الخاصة به: كالأمّيّة، والوصال في الصيام، وجمعه بين أكثر من أربع نسوة، ونكاح الموهوبة بلا مهر، وغير ذلك.

3 - أفعاله الجِبِلِّيَّة: كالحركات والقيام والقعود والمشي، وما يستسيغه وما لا يستسيغه، وما يشتهيه وما لا يشتهيه، ونحو ذلك؛ فهذه الأفعال لا يتعلق بها أمر ولا نهي.

4 - أفعاله الجارية على وفق العادات: كلباسه وطول شعره ونحو ذلك، وهذه الأفعال لم يقصد بفعلها التشريع، ولم يتعبد بها إلّا في أوصاف تلحق بها ويدل عليها الدليل.

5 - أفعاله المطْلقة: التي لا يظهر فيها دليل يوضّح قصْدَ التقرّب إلى الله مِن عدَمِه.

 

المحور الثالث: بيان حكم التأسّي به في الأفعال التي سبق تفصيلها، مع ذِكر الحجج، ومناقشة الخلاف - إن ورد -.

فأما حكم التأسّي بالنوع الأول وهو (ما كان من أفعاله - عليه السلام - في العبادات العامة)، فإنه لا شكَّ مشروعٌ، ويكون حكْم كلّ فعلٍ تابعًا لحكم أصل الفعل المشروع، فما كان منه واجبًا فواجب، وما كان مستحبًّا فمستحبّ. كمراسم الحج والعمرة، وصفة الصلاة فرضًا ونفلًا في سائر حالاتها وأنواعها: سفرًا وإقامة، مرضًا وسلامة، حربًا وسِلمًا، حاجةً وفي غير حاجة.

 

وفي هذا النوع يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، لأن الرسول جاء شارحًا وموضحًا ومطبقًا عمليًا لما أَنزل الله عليه من الكتاب والحكمة.

ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [رواه البخاري]، وقال: «خذوا عني مناسككم» [رواه مسلم].

 

وأما حكم التأسّي بالنوع الثاني وهو (أفعاله الخاصة به)، فإنه حرام لا يجوز، لأنه من خصائص النبوّة، ولأنه مخالِف لما أمَرنا به الله: فالله أمرنا - مثلًا - بتعلُّم القراءة والكتابة، ونهانا عن جمع أكثر من أربع زوجات؛ فلا يجوز مخالفة ذلك لأجل فعلٍ خاصّ بالنبيّ شرَعهُ اللهُ لهُ لحكمةٍ بالغة.

 

وأما حكم التأسي بالنوع الثالث وهو (أفعاله الجِبلّيّة)، ونظائرها مما قد يُفعل على نحو الاتفاق والمصادفة، فإنه لا يترتب عليها حكْم، لأننا جميعًا لدينا جبلّتنا وأطباعنا، فنمشي ونقعد ونأكل ونشرب وننعس وننام ونقضي حاجتنا ونتناكح ونشتهي أشياء ولا نشتهي أُخَر، ونستسيغ أكل شيء ولا نستسيغ بعض الأشياء المباحة، وبعضنا يتكلم بصوت جهوري والبعض الآخر ضعيف أو متوسط، وآخرون يقرؤون بصوت حسَن جميل وآخرون صوتهم قبيح وآخرون وسط بينهما... وعَدِّد ما شئتَ من الأشياء الجبلّية.

 

ولكن هنا ملحوظات:

الملحوظة الأولى: أنّ مَن نوى في أفعاله الجبليّة نيةً حسنة توافق أصل الشرع فهذا لا شك مما يثاب عليه، ومثاله: أنني آكُل لأحافظ على نفسي وقد أمرني الله بالمحافظة على النفس. أو أنكح لأعف نفسي وألد ولدًا أعمل على تربيته تربية صالحة. أو أنام لأتقوّى على أداء أعمالي الصالحة حين أصحو... ونحو ذلك.

 

الملحوظة الثانية: أنّ البعض تدفعه شدة حبّه لرسول الله أن يفعل أشياء كانت من خصائص جبلّته تشبهًا به، وحبًا له، وتعلّقًا به - وهذا شيءٌ فِطْريّ في البشر، فقد جُبل الإنسان على تقليد من يحبّه ويعظّمه، كأن يحب العطر كما كان يحبه رسول الله أو لا يستسيغ أكل الضبّ أو يقف في مكان قد وقف فيه أو يمشي في مكان مشى فيه ونحو هذا، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: (إنَّ خيَّاطًا دعا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لطعامٍ صَنعه، فذهبتُ مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى ذلكَ الطعامِ، فقَرَّبَ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خبزًا من شعير، ومرقًا فيه دُبَّاءٌ وقَديدٌ، فرأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَتتبَّعُ الدُّبَّاءَ مِن حَول الصَّحْفة، فلمْ أزل أُحبُّ الدُّبَّاءَ مِن يومئذٍ) [متفق عليه]. ومثله ما كان من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - على وجه المصادفة، من ذلك ما ورد عند ابن سعد في «الطبقات» عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: (ما كان أحد يتبع آثار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في منازله، كما كان يتبعه ابن عمر). وعند أبي نُعيم في «الحلية» عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - (أنه كان في طريق مكة يقول برأسِ راحلته، يثنيها، ويقول: لعلَّ خُفًّا يقع على خُفٍّ) يعني لعله يوافق موضع سير راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقع خُف راحلته على خُف راحلة النبي - عليه الصلاة والسلام -. وفي «صحيح البخاري» عن مُوسَى بْن عُقْبَةَ، قَالَ: (رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّه بْن عُمَر يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّه رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ).

 

الملحوظة الثالثة: أنّ دافِع ابن عمر - رضي الله عنهما - ومَن على شاكلة فِعْلِه - هو الحُبّ وشدّة الاقتداء، ولم يدَّعِ منهم أحدٌ أنّهم أرادوا بعمَلِهم هذا ثوابًا أو أجرًا من الله، ولكنه دافِعُ الحُبّ والتعلّق، وقد يُؤجَر المرء على شدّة حبه لا على فِعْلِه ذاك من حيث هو، كما أنّ صوَر انعكاس هذا الحُبّ على النفوس تختلف بحسب نوع الشخصية الإنسانية، فلا يزعم أحدٌ أنّ أنَسًا أو ابنَ عمرَ كانا أشدّ حبًّا للنبي من الخلفاء الراشدين أو غيرهم.

 

ومع ذلك نجدُ أهلَ العلم قد بيّنوا أنّ هذا لم يكن من عمل السلف الصالح ولم يفهموا التأسي على هذا النحو، بل قال ابن تيمية - رحمه الله -: ((ما فعله ابن عمر لم يوافقه عليه أحدٌ من الصحابة، فلم يُنقل عن الخلفاء الراشدين ولا غيرهم من المهاجرين والأنصار، أنه كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي - صلى الله عليه وسلم -. والصواب مع جمهور الصحابة؛ لأن متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - تكون بطاعة أمره، وتكون في فعله بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله، فإذا قصَد العبادة في مكان كان قصْد العبادة فيه متابعة له، كقصد المشاعر والمساجد. وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول، أو غير ذلك، مما يعلم أنه لم يتحرّ ذلك المكان، فإذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له، فإنّ الأعمال بالنيات... وقد تنازع العلماء فيما إذا فعَل فِعلًا من المباحات لسببٍ، وفعلناه نحن تشبّهًا به، مع انتفاء ذلك السبب، فمنهم من يستحب ذلك ومنهم من لا يستحبه، وعلى هذا يُخرَّج فعل ابن عمر - رضي الله عنهما -، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في تلك البقاع التي في طريقه، لأنها كانت منْزِله، لم يتحرّ الصلاة فيها لمعنى في البقعة. فنظير هذا: أن يصلّي المسافر في منزله، وهذا سنة. فأما قصْد الصلاة في تلك البقاع التي صلّى فيها اتفاقًا، فهذا لم يُنقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حُجاجًا وعُمّارًا ومسافرين، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مُستحبًّا لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته وأتْبع لها من غيرهم. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». وتحرِّي هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مما ابتُدِع، وقولُ الصحابي إذا خالفه نظيرُه، ليس بحجة، فكيف إذا انفردَ به عن جماهير الصحابة؟)) [اقتضاء الصراط المستقيم: 2 /274 - 279].

 

أما حكم التأسي بالنوع الرابع وهو (أفعاله الجارية على وفق العادات)، فهذه الأفعال لا يُقال إنَّ متابعتَه فيها: سُنّةٌ من السُّنن؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَقصِد بفِعْلِها التشريع، ولم يَتعبَّد بها إلا في أوصافٍ تَلْحَقُ بها تُبيّنُها الأدلّة؛ وقد أكَّد ابنُ تيمية هذا المعنى في مواضع من كتبه، من ذلك قوله: ((وَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ - أَنَّه يَطْعَمُ مَا يَجِدُه فِي أَرْضِه وَيَلْبَسُ مَا يَجِدُه وَيَرْكَبُ مَا يَجِدُه مِمَّا أَبَاحَه الله تَعَالَى، فَمَنْ اسْتَعْمَلَ مَا يَجِدُه فِي أَرْضِه فَهُوَ الْمُتَّبِعُ لِلسُّنَّةِ)) [مجموع الفتاوى: 21 /316].

 

ولكن لو تأسَّى فيها شخصٌ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهناك من العلماء مَن يقول بأنه يُثاب عليها، حجّته في ذلك أن العادة التي اعتادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تُعَدّ أحسن العادات وأكملها، فموافقته فيها بِنِيَّة التأسّي به يُثاب عليها فاعلُها. وهذا القول بهذا الإطلاق غيرُّ مسَلَّمٍ به، حيث هناك من العادات ما لا يمكن تطبيقها على نحوِ التشبّه، لاختلاف الأزمنة والأمكنة، والتي فيها تتغير عادات الأقوام والمجتمعات والبيئات، والإنسان ابن بيئته، وقد يكون في بعض ما خالفَ فيه بيئتَه دخولٌ في الشهرة والشذوذ المنهي عنهما شرعًا. من ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في «المسند»: «مَنْ لبِسَ ثوبَ شُهرةٍ ألبسَه الله تبارك وتعالى ثوبَ مَذَلَّةٍ يومَ القيامةِ» [قال أحمد شاكر: إسناده صحيح]. وحديث: «اتَّبعوا السَّوادَ الأعظمَ فإنَّه من شَذَّ شَذَّ في النَّارِ» [قال ابن حجر في «تخريج المشكاة»: (روي من وجوه لا يخلو شيء منها من مقال). وقال ابن العربي في «عارضة الأحوذي»: (وإن لم يكن لفظه صحيحًا فإن معناه صحيح)].

وعليه، فإنّ التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره ونهيه أحقُّ من التأسي بعاداته.

 

كما أنّ مقاصده - عليه الصلاة والسلام - من عاداته سواءٌ الجبلّيّة أو غيرها تتيحُ للمُتأمِّل فيها معرفةَ: في ماذا يكون التأسي؟ ليكتَشِف أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير وفْق منهاج حياةٍ ربّانية ينبغي لنا أن ننتهجها لأنفسنا، وهذا هو التأسّي الحقّ، فلا ننظر إلى مكانٍ صادَف وقتَ صلاةٍ فنزلَه رسول الله ليصلي فيه، وإنما ننظر إلى مقصده من ذلك، وهو: الحرص على أداء الصلاة في وقتها - مثلًا -.

 

وبهذا يبطل قول مَن احتجّ بالحديث المتفق عليه: «أما واللهِ إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأُفطِرُ، وأُصلِّي وأرقُدُ، وأتزوَّجُ النساءَ، فمَن رغِب عن سُنَّتي فلَيسَ مِنِّي»، فزعَمَ البعضُ أنّ هذا الحديث دالّ على أنَّ اتّباع النبي في العادات من قَبيل السنة المشروعة، بدلالة ذِكْر (الأكل والنوم والنكاح) في هذا الحديث ووصفها بأنها (سُنَّته)، ومقارنتها بالعبادات المذكورة فيه (الصلاة والصيام)؛ وهذا فهْمٌ مغلوط، لأن ذِكْر هذه الأمور في الحديث إنما هو للتنبيه على المنهاج الوسطي الذي سار عليه رسول الله، وللتحذير من الإفراط والغلو الذي به يكون العدول عن هذا المنهاج الوسطيّ، وهذا هو المقصود بوصف (السنّيّة) في هذا الحديث، لا مجرد تلك الأفعال، وهذا واضح لكل ذي إدراك.

 

ثم إنّ رسول الله لم يتكلّم - هنا - عن عادات، بل عن ضرورات، فالأكل والنوم ضرورات لحفظ النفس والعقل والدين. والنكاح أمر شرعي واجب على الصحيح من أقوال الفقهاء، وبعضهم قال بأنه سنة مؤكدة وآخرون قالوا هو مستحب، بل قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا رهبانية في الإسلام»، والأدلة من الكتاب والسنة في الحث على الزواج من الكثرة بمكان؛ فكيف يُقال إنه من أمور العادات؟!

 

ثمّ إنّ القول بدخول الأفعال العاديّة في الأفعال العبادية، هو قول مرويٌّ عن المعتزلة الذين يخالفهم فيه أهل السنّة، فقد جاء في «المسودة» لآل تيمية ما نصّه: ((... ثم قال خلافًا لأبي علي بن خلاد في قوله: ما تعبدنا بالتأسي به إلا في العبادات دون غيرها من المباحات والعقود والأكل والشرب وغير ذلك. وقال القاضي في الكفاية: فصلٌ، وأما تعبد الإنسان بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - المباحات كالأكل والشرب والقيام والقعود، فإنما تعبده في العبادات، خلافًا للمعتزلة في قولهم: هو متعبد بجميع ذلك)) [المسوّدة: 1 /74].

فعلى المسْلم الحريص أن يكون ذا فقه ووعْي، وأن يبحث ويجمع الأدلة كلها، لا أن يكون جامدًا لا يعرف كيف يُعمِل عقله في المجالات التي أتاح الله له أن يُعمِل عقلَه ونظرَه فيها، وأمَرَه بذلك في صريح كتابه الكريم.

 

وأما حُكم التأسّي بالنوع الخامس وهو (أفعاله المطْلقة)، أي: التي لا يظهر فيها دليل يوضّح أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَصَدَ التقرّبَ إلى الله أَم لم يقصِدْ، فهذا مما اختلفتْ فيه أقوال العلماء، والصحيح أنه يجوز التأسي به على نحو المحبة والتقليد للحبيب، لا على نحو التسنّن وطلب الثواب والأجر، فضلًا عن نسبة ذلك إلى آداب الشريعة؛ ما لم يظهر دليلٌ يحدد قصدَ النبي بأنه أراد التقرّب إلى ربه - عز وجل -، فحينها يرتبط الأمر بالنوع الأول الذي مرَّ ذِكره آنفًا.

ومن أمثلة ذلك ما رواه الشيخان أنّ رسول الله كان إذا فرغ من صلاة سنة الفجر، اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة.

 

وقد اختلف العلماء في حكم هذا الاضجاع، وذلك بناءً على تحديد طبيعته، فمنهم من قال هو من عاداته وربما فعَلَه ليستريح من تعب القيام والتهجد، وبعضهم قال إنما ذلك في البيت لا في المسجد، وبعضهم أوجب ذلك، وقال بعضهم بل هو سنة حث عليها رسول الله في حديث آخر فقال: «إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه»، وهذا الحديث رواه أحمد والترمذي وغيرهما، وهو من المناكير - كما قال بعض الحفّاظ المحققين -، فلذلك يسقط الاستدلال به عند من لا يرى صحته، وتبقى المسألة على القول بعدم سنّيتها.

 

ولذلك جاء في «المسوّدة» لآل تيمية، ما نصّه: ((فأما ما لم يظهر فيه معنى القُربة، فيستبان فيه ارتفاع الحرَج عن الأمة، لا غير. وهذا قول الجمهور)) [المسوّدة: 1 /170].

وقد ركّزتُ النقل عن ابن تيمية - رحمه الله - لبيان المفارقة بين ما يقرِّرُه وأمثالُه مِن أهل العلم، وبين ما يتبنّاه بعضُ المنتسبين إليه أو إلى دعوته. والله الهادي.

 

تلخيص وتنصيص:

1 - التأسي بأفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه المشروع، ومنه الممنوع، فالمشروع ما فعَلَه النبيّ بقصد التقرُّب والتعبّد لله تعالى؛ والممنوع ما فعله على وجه الخصوص كونه نبيّ له خصائص لا تجوز لأحد غيره. وهذان الحكمان من أحكام التأسي متفق عليهما.

 

2 - أما التأسي بأفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لم يقصد منه التقرب إلى الله أو التعبّد له - استقلالًا -، مما يكون منه جبِلّة أو صدْفة أو عادَة... كفترات نومه، وزمن أكله، وطريقة ملبسه أو نوع اللباس، أو الأكلات التي يحبها أو يكرهها، أو التعطّر والتطيّب، أو أماكن نزوله وجلوسه وقضاء حاجته، أو مكان سَيْرِه وسفره، أو مواضع صلاته، أو عدم معرفته القراءة والكتابة، أو النوم على الحصير، أو المشي حافيًا ومنتعلًا، أو لبس العمامة وعدمها، أو كلامه ولغته، أو طول شَعْره وقِصَرِه... ونحو ذلك؛ فـغَيْر داخلٍ في السنّيّةِ والتشريع، وقد دلّ على ذلك العقل والنقل.

 

3 - الّذين يقلّدون رسول الله في بعض أفعاله الجبلّية والأفعال التي فعَلَها عادةً أو مصادَفةً، فإنّ فِعْلَهم هذا يكون من باب ما جُبِلَ عليه الإنسان من الولَع بتقليد المحبوب. ومَنْ ورَدَ عنهم مِن الصحابة فعْلُ بعضِ ذلك - لم يَنسبوا فعْلهم هذا إلى السنّة ولم يزعموا لأنفسهم الثواب والأجر على (مجرد) فعل هذه الأفعال.

 

4 - التأسي برسول الله فيما لم يكن قصْدُه فيه التقرّب والتعبّد لله، يجب أن يسبقه تفكّر وتأمّل في تلك الأفعال؛ فقبْل التأسِّي نسأل - على سبيل المثال -: لماذا فعلَ كذا؟ وما الفائدة؟ وهل هذا مناسب في زماننا وظرفنا وحالنا؟ وهل هذا يتصادم (الآن) مع سنّةٍ منصوص عليها في الشرع؟...

 

5 - الدعوة إلى التأسي برسول الله فيما لم يكن القصد فيه التقرّب والتعبّد لله، والزعم بأنه من السّنة والدين: هو بابٌ من أبواب التشدّد والتطرّف والتضييق على الناس والمجتمعات والأقوام والأمم، فمِن المعلوم أنّ الناس تختلف عاداتهم وبيئاتهم ورغباتهم وطبائعهم ولغاتهم ولهجاتهم.

 

6 - الدعوة إلى التأسي برسول الله فيما لم يكن القصد فيه التقرّب والتعبّد لله، هي دعوة إلى الجمود، وإبعاد العقل، وعدم التفكر في مقاصد الشريعة.

 

7 - الدعوة إلى التأسي برسول الله فيما لم يكن القصد فيه التقرّب والتعبّد لله، قد تكون أحيانًا مشتملة على الدعوة إلى ما يخالف السنّة الصريحة التي تعبَّدَنا الله بها، كأنْ نزعم بأن من السنة لبس الإزار والرداء والقميص في مكانٍ أو زمانٍ لا يُعرف فيه هذا اللباس، فتكون في ذلك مخالفة لنهيه - عليه الصلاة والسلام - عن لباس الشهرة! وكذلك الحال فيمن يزعم أن إطالة شعر الرأس من السنّة في مكان أو زمان لا يفعله فيه إلا الفساق والمخانيث، فتكون في ذلك مخالفة لنهيه - عليه السلام - عن التشبه بأهل الشر. والأمثلة على ذلك تطول.

ولعل فيما جاء في هذا المبحث غنية لأولي الألباب - إن شاء الله -، فما أصبتُ فيه فمما علمني الله، وما أخطأت فيه فمما جُبِلَ عليه ابنُ آدم من الخطأ والنسيان، راجيًا النصيحة من أهل الحلم والمعرفة والبيان.

 

والله الموفِّق، وهو وحدَه المستعان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التأسي بالسلوك المحمدي ضرورة العصر وكل عصر

مختارات من الشبكة

  • التأسي بالنموذج والتواصل الحي مع السيرة النبوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جوانب التأسي بالأنبياء(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الشيخ سعد بن ناصر الغنام في محاضرة بعنوان (جوانب التأسي بالأنبياء)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • أحكام الحركة التي ليست من جنس الصلاة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في محبة الصحابة والتأسي بهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمر بذكر السالفين للاعتبار والتأسي(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • نبينا محمد صلى الله عليه وسلم النموذج الأمثل للتأسي والاقتداء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • النمسا: دعوة أوروبا للتأسي بتشريع حظر التبرع للمساجد(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
1- تصحيح
محمد 06-10-2023 05:35 PM

جزاكم الله خيرا على هذا الموقع المميز، وجزاك الله خيرا أيها الأخ الكاتب وجعله في ميزان حسناتك، لكنك جانبت الصواب لأن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في لباسه وعاداته إنما هو الفرق بيننا وبين الصحابة الذين حرصوا على اقتفاء أثره في كل شيء كما حال أحد الصحابة مع الدباء. ولو فعل كل المسلمين، وعلى رأسهم أهل الحديث، ما جاء في مقالك لما بقي من أثره صلى الله عليه وسلم من شيء وهو الذي قال في الحديث الحسن "هكذا فاعتم فإنه أعرب وأجمل" في فضل العمامة. وبالله عليك ماذا فعل المسلمون بعد تركهم سنن نبيهم في اللباس؟ هل بقوا يلبسون لباس أقوامهم؟ أم هل تسيدهم الفرنسيون في هذا المجال؟ قال ابن القيم رحمه الله: "وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه في الجنة يذكر في سبب الذؤابة شيئا بديعا وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه في المدينة لما رأى رب العزة تبارك وتعالى فقال: [يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري فوضع يده بين كتفي فعلمت ما بين السماء والأرض] الحديث وهو في الترمذي وسئل عنه البخاري فقال صحيح قال: فمن تلك الحال أرخى الذؤابة بين كتفيه وهذا من العلم الذي تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم ولم أر هذه الفائدة في إثبات الذؤابة لغيره. وجزاك الله خيرا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب