• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

الوعود والأماني الكاذبة

الوعود والأماني الكاذبة
د. سيف صفاء عبدالكريم الدوري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/10/2016 ميلادي - 3/1/1438 هجري

الزيارات: 40928

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوعود والأماني الكاذبة

 

من الأساليب التي اتَّخذها الشيطان لتنفيذ بنود خطَّته التي اختطها على نفسه في إضلال بني آدم ومناصبَة العداء لهم: الوعود والأماني الكاذبة؛ فهو يَعِدهم ويمنِّيهم بالأماني الكاذبة؛ كإطالة العمر، والحصول على الدنيا وعلى ما يشتهون، ويَعِدهم أيضًا بالحسنى على شِركهم ومعاصيهم، فوعده: ما يصِل إلى قلب الإنسان؛ من نحو: سيطول عمرك، وتنال من الدنيا لذَّتك، وستعلو على أقرانك، وتظفر بأعدائك، والدنيا دُوَل، ستكون لك كما كانت لغيرك[1]، وبأنَّه الفائز في الدنيا والآخرة، إلى غير ذلك من الوعود الباطلة، المحبَّبة للنفس والتي لا يتَّخذ لها أسبابًا، والتي غالبها يقوم على الكذب، وما لا حقيقة له[2].


فهذا معنى وعوده الكاذبة، أما الأماني فهي الأماني الكاذبة والفارغة والموهومة[3]، وقيل: طول البقاء ودوام النَّعيم فيها وترك التوبة[4]، وذهب الآلوسي إلى أنَّه يجوز أن يكون المعنى واحدًا يفعل لهم الوعد ويفعل التمنية[5]؛ وهذا ما ذهب إليه أيضًا الشيخ محمد رشيد رضا؛ حيث قال: (ويؤيِّد وعوده الباطلة بالأماني الباطلة يلقيها إليه؛ ولهذا أعاد ذكر الأمنية في بيان خسران من يتَّخذ الشيطان وليًّا في قوله: ﴿ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾ [النساء: 119])[6]، وقد ذكَر ابن القيم فَرقًا بين وعد الشيطان وتمنيته، فقال: (والفرق بين وعده وتمنيته أنه يعِد الباطل، ويمنِّي المحال)[7]، وذكر بعد ذلك النفس التي تقبل هذه الوعود والأماني الباطلة، فقال: (والنفس المهينة التي لا قدر لها تتغذَّى بوعوده وتمنيه؛ كما قال القائل:

مُنى إن تكُن حقًّا تكن أحسَنَ المنى ♦♦♦ وإلَّا فقد عشْنا بها زمنًا رغدا


فالنَّفس المبطلة الخسيسة تلتذُّ بالأماني الباطلة والوعود الكاذبة، وتفرح بها كما يَفرح بها النساء والصِّبيان ويتحرَّكون لها، فالأقوال الباطلة مصدرها وَعد الشيطان وتمنيته، فإن الشيطان يمنِّي أصحابها)[8].


وهذا الذي ذكره ابن القيم رحمه الله هو الأفصَح والأولى في هذا المقام؛ ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى قد ذكَر على لِسان الشيطان في القرآن أنَّ وعوده إيعاد بالباطِل، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ [إبراهيم: 22]، فقد أقرَّ أنَّ وعد الله حق، وكل ما عدا الحقَّ فهو باطِل، فوعده باطل، وأمَّا الأماني، فتمنِّي المحال؛ كالمرء يحب أن يكون له الشيء وإن لم يتخذ له أسبابه.


والآن مع هذه الصور القرآنيَّة للوعود والأماني الشيطانية التي أغرى بها ذوي النفوس المهينة، قال تعالى حاكيًا قول الشيطان: ﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 119، 120]، سبق لنا أن وقفنا على بعض مَلامح هذا النصِّ عند حديثنا عن قصَّة الصِّراع الأُولى، ولكن الذي يَستوقفنا هنا ممَّا لم نشِر إليه سابقًا، هو حديث الشيطان عن فقه التمنِّي عنده في إضلال بني آدم، وتعليق النص على هذه الوعود والأماني؛ فالشيطان بعد أن ذكر في مقدمة النصِّ أنه سيُضِل بني آدم، عطف على ذلك الأماني؛ ليبيِّن أنه سيزيِّن لهم هذا الإضلال، وفي هذا زيادة شر إلى شرهم؛ حيث يعملون أعمال أهل النار الموجِبة للعقوبة، ويحسبون أنَّها موجبة للجنَّة، وقد حكى النصُّ القرآني انطباق هذا الفِقه الشيطاني على أصناف من الناس؛ منهم اليهود والنصارى، قال تعالى حاكيًا عنهم: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ﴾ [البقرة: 111]، وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ﴾ [الأنعام: 108]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]، وقال تعالى عن المنافقين أنَّهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين: ﴿ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [الحديد: 14]، فالإقامة على الإضلال يتمثَّل في التمنية الباطلة، التي يلقيها الشَّيطان على قلب بني آدم[9].


ثمَّ إنَّ الأماني التي يَقذفها الشيطان في قلوب بني آدم حتى يقوموا على الضَّلالة - ليست واحدة؛ وإنما تتنوَّع وتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، قال الإمام القرطبي في قوله تعالى: ﴿ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾: (وهذا لا يَنحصر بواحدة من الأماني؛ لأنَّ الشيطان يمنِّي كلَّ إنسان بنوع من الأماني، ويقدر رغبته فيما يهواه)[10].


ومن الأمثلة على ذلك أنَّ من يغريه الشيطان بالقمار يمنِّيه بالثروة والغنى، ومن غلبَت عليه شهوته في الزنا، يمنِّيه الشيطان بالتوبة مستقبلًا، وأن لا بأس عليه في استمراره على الزِّنا؛ لأنَّه شاب وأمامه زمن طويل، يستطيع فيه أن يتدارك ما ارتكبه من الزنا؛ وذلك بالتوبة وإن تأخَّرَت، وهكذا[11].


ثم بيَّن النصُّ بعد ذلك أن أماني الشيطان ووعوده غرور، قال تعالى: ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾؛ أي: يعِد الشيطان مَن يسعى في إضلالهم ويمنِّيهم الأماني الباطلة، التي هي عند التحقيق كالسَّراب الذي لا حقيقة له[12].


ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾؛ أي: باطلًا يغترُّون به ولا يملكون منه ما يحبون، وإيهامهم بنَفع شيء ليس فيه إلَّا الضرر، فالشيطان عمدته في كيده للإنسان إنما هو في وعوده الباطِلة له، وفي أمانيه الكاذبة يلقيها في قلبه، وتلك الوعود والأماني لا تفيد الإنسان إلَّا غرورًا، والغرور: هو ما يُرى من ظاهرٍ محبوب، ولكن فيه باطِن مكروه، أو هو: أن يظن الإنسان بالشيء أنه نافع ولذيذ، ثمَّ يتبيَّن اشتماله على أعظم الآلام والمضار، فيعظم تأذيه عند انكشاف الحال فيه[13].


فوعود الشيطان وأمانيه وعودٌ وأمانٍ مصحوبة بالخِداع والإطماع بالباطل، وهذا ما استعمله في قصَّة الصِّراع الأولى، فقد جاء التعبير عنه بقوله تعالى: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [الأعراف: 22]، فوعوده باطِلة، وأمانيه خادعة[14]؛ فهذا النص أعطانا صورةً واضحة لوعود الشيطان وأمانيه، إنَّها وعود كاذبة، وأمانٍ لا حقيقة لها.


• وهذه صورة أخرى من وعوده الكاذبة، قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ﴾ [البقرة: 268]، إنَّها صورة أخرى من وعود الشيطان الكاذِبة، إنَّه الوعد لأتباعه أنَّهم إذا أنفقوا في سبيل الله فسيحلُّ بهم الفقر، وهذا الوعد قد سُبق بالنَّهي عن إنفاق الخبيث، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 267]، ففيه إيحاء إلى أنَّ الحامل لهم على ذلك إنما هو الشحُّ والبخل بالجيد الذي يثيره الشيطان، بدأ بعد ذلك بجملة: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ﴾، وأنَّ ما تصدَّقتم من الخبيث إنما ذلك من نَزغات الشيطان؛ ليقبِّح لهم ما ارتكبوه من ذلك بنسبته إلى الشيطان، فيكون أبعد شيء منه[15]، فاسم الشيطان قد وقع مسندًا إليه؛ لأنَّ تقديمه مؤذن بذمِّ الحكم الذي سبق له الكلام وشؤمه، ولتحذير المسلمين من هذا الحكم، فأفاد هذا التقديم تقوية الحكم وتحقيقه[16]، ودلَّ على أن الباعث الحقيقي على بُخل النفس، وإمساكها عن الإنفاق، والخوفِ من الفقر، هو الشيطان، فهو الآمِر بكلِّ فحشاء، وقد كنى بها هنا عن البخل، فأوحَت بلفظها قيمة خلقية سلبية، لا تليق بحياة المؤمنين[17]، أمَّا ﴿ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ﴾، فعَلى معنى: يسوِّل لكم الشيطانُ وقوعَه في المستقبل، إذا أنفقتم خيارَ أموالكم؛ وذلك بما يلقيه في قلوب الذين تخلَّقوا بالأخلاق الشيطانية، وسمَّى الإخبار بحصول أمر في المستقبل وعدًا مجازًا، مع أنه اعتبر فيه الإخبار بما سيكون من جهة المخبر[18]، (والشيطان لم يضف مجيء الفَقر إلى جهته للإيذان بمبالغته في الإخبار بتحقُّق مجيئه؛ كأنَّه نزله في تقرُّر الوقوع منزلة أفعاله الواقعة حسب إرادته، أو لوقوعه في مقابلة وعده تعالى على طريق المشاكلة)[19].


وقد قدَّم وعدَ الشيطان على أمره؛ لأنه بالوعد يحصل الاطمئنان إليه، فإذا اطمأنَّ إليه وخاف الفقر، تسلَّط عليه بالأمر[20].


فالنصُّ بهذه الأسرار التعبيريَّة يبيِّن أن الشيطان يخوِّف أولياءه بالفقر إذا أنفقوا في مرضاة الله، ويأمرهم بالمعاصي والإنفاق فيها؛ وما ذلك إلَّا من الأماني الخادعة والوعود الكاذبة.


وإليك هذه الصورة الشاخصة لوعود الشيطان الكاذبة جاءت على لسانه هو، قال تعالى حاكيًا عنه: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22]، في هذا النصِّ تبيين لحقيقة وعود الشيطان، فهو بعد أن ينقضي الأمر يوم القيامة يتخلَّى عن أتباعه، ويفرِّق للجميع بين وعود الله الحقَّة التي حققها سبحانه لعباده الصالحين وصَدَقَهم إياها، وبين وعود إبليس الخادِعة التي كذَب على جنوده بها؛ ففي هذه الآية تصوير لحال الشيطان، وكيف أنه يقِف خطيبًا في نار جهنَّم يلقي على من اتَّبعه خطبته العصماء، التي يعلِن فيها صِدقَ وعد الله وكذبَ وعدِه، وكيف أنه غرَّهم وخدعهم، ثم يؤنِّبهم ويوبِّخهم بقوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: ليس لي حجَّة على تأييد قولي سوى أنِّي دعوتكم إلى مرادي، وزيَّنتُه لكم، فاستجبتم لي اتِّباعًا لأهوائكم وشهواتكم، فإذا كانت الحال بهذه الصورة، فأنتم السبب، وعليكم المدار في موجب العقاب.


ثمَّ يَذكر لهم أنه عاجز عن إنقاذهم كما أنَّهم عاجزون عن إنقاذه: ﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾، ويتخلَّى عنهم، ويعلِن براءته منهم: ﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾؛ أي: تبرَّأت من جعلكم لي شريكًا مع الله، فلست شريكًا لله ولا تجب طاعتي؛ وهذا من لطف الله بعباده أنْ حذَّرهم من طاعة الشيطان، وأخبر بمداخله التي يدخل منها على الإنسان، ومقاصدِه فيه، وأنَّه يقصِد أن يُدخله النيران، وهنا بيَّن لنا أنه إذا دخل النار هو وحزبُه يتبرَّأ منهم هذه البراءة، ويكفر بشركهم[21].


فالله قد صدَقَ وعْدَه لعباده، وأنجزه لهم؛ وبذلك يكون وعده حقًّا متحققًا على أرض الواقع.


أما إبليس، فقد وعدهم فأخلفهم ولم ينجِز لهم ما وعدهم به؛ وبذلك خدعهم وغرَّهم، وكان وعده باطلًا[22].


وهنا في الآية مسألة: هي أن الله قد ذكر في هذه الآية أنه ليس له سلطان، وقال في آية أخرى: ﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 100]، فالسلطان الذي نَفاه الله عنه هو سلطان الحجَّة والدليل، (فليس له حجة أصلًا على ما يدعو إليه، وإنَّما نهاية ذلك أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرَّؤون على المعاصي، وأمَّا السلطان الذي أثبتَه، فهو التسلُّط بالإغراء على المعاصي لأوليائه، يَؤُزُّهم إلى المعاصي أزًّا، وهم الذين سلَّطوه على أنفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه؛ ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكَّلون)[23].


هكذا رأينا كيف كانت وعود الشيطان قائمة على الباطل، والغرور، والخداعِ، والكذب، والافتراء، فقد وعَد أولياءه بالكثير من الوعود؛ لكنها وعود زائفة، لا تتحقَّق ولا توجد في الواقع؛ لأن الشيطان كاذِب في الوعد بها، هدفه منها هو الاستحواذ على بني آدم وإسقاطهم وإضلالهم؛ ولذلك يعِدهم ويمنِّيهم.



[1] ينظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان - ج (1)، ص (68).

[2] ينظر: تفسير المنار ج (5)، ص (427).

[3] ينظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان - ج (1)، ص (68)، وفي ظلال القرآن م2، ص (760).

[4] ينظر: تفسير القرآن العظيم ج (1)، ص (557).

[5] ينظر: روح المعاني - ج (5)، ص (150).

[6] تفسير المنار ج (5)، ص (430).

[7] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان - ج (1)، ص (68).

[8] المصدر السابق ج (1)، ص (68)، وينظر: السنن الإلهية في الحياة الإنسانية؛ د. شريف الشيخ صالح أحمد الخطيب ج (1)، ص (125، 126).

[9] ينظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - ص (204).

[10] تفسير القرطبي - ج (5)، ص (389).

[11] ينظر: تفسير المنار ج (5)، ص (430)، والمستفاد من قصص القرآن؛ د. عبدالكريم زيدان - ج (1)، ص (68).

[12] ينظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - ص (204).

[13] ينظر: تفسير الرازي ج (11)، ص (40)، وتفسير القرطبي ج (5)، ص (389)، وتفسير القاسمي ج (5)، ص (484)، وتفسير ابن كثير ج (1)، ص (557)، وينظر: المستفاد من قصص القرآن - ج (1)، ص (68، 69).

[14] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني - م4، ص (141).

[15] ينظر: البحر المحيط ج (1)، ص (331).

[16] ينظر: دلائل الإعجاز؛ الجرجاني - ص (159).

[17] ينظر: الكناية في القرآن الكريم - أطروحة دكتوراه، قدَّمها: أحمد فتحي رمضان إلى كلية الآداب - جامعة الموصل - إشراف الدكتورة: مناهل فخر الدين فليح ت 1995م، ص (175).

[18] ينظر: التحرير والتنوير؛ ابن عاشور - ج (3)، ص (59)، وينظر: دلالات الترتيب والتركيب في سورة البقرة دراسة لغوية في ضوء علم المناسبة - الدكتورة زهراء خالد سعد العبيدي - ص (68).

[19] تفسير أبي السعود - ج (1)، ص (262).

[20] ينظر: تفسير الآلوسي - ج (3)، ص (40).

[21] ينظر: تيسير الكريم الرحمن - ص (425).

[22] ينظر: وعود القرآن بالتمكين للإسلام؛ د. صلاح عبدالفتاح الخالدي - دار القلم - دمشق - ط1 - 1425 هـ - 2004م، ص (27).

[23] تيسير الكريم الرحمن - ص (425).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقاية الإنسان من تسلط الشيطان
  • علاقة الشيطان بالإنسان
  • التحذير من الشيطان وغروره
  • حديث: يأتي الشيطان أحدكم ..
  • خطوات الشيطان
  • يتوهم أن منازلها تتحقق بالأماني الأحلام

مختارات من الشبكة

  • الوعود في العقود (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • تفسير: (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوعود الربانية والبشريات النبوية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الوعود الإلهية عن محمد والمسيح عليهما السلام(مقالة - ملفات خاصة)
  • ربيع الوعود في صحارى الصدود (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حكم استخدام صيغة من صيغ العقود المركبة بوعد(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • الإيمان أمن وأمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوعد الإلهي بين حتمية الوقوع وخفاء الحكمة: نظرات في تناول القرآن لعمرة القضاء(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- أساليب الشيطان في إغواء الإنسان
محمد عبد الرحمن الدويسان - الكويت 04-02-2021 02:28 AM

جزاك الله خيرا، وبارك الله في علمك ووقتك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 15:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب